Skip to main content

Full text of "عبد السلام أحمد جلود الملحمة, مذكرات عبد السلام أحمد جلود"

See other formats


مذكرآت عبد السلام أحمد جلود 


[أمادمة 


5 
ما 
| 
5 
1 
7 


أبو تحبدو البغل 


ك2 المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 
4 5 
لدم كعألن؟؟ بوأامه ئة ءدعوع8 :ه) بعامع6 طدئة 


مذكرات عبد السلام أحمد جلود 
الملحمة 


مذكرات عبد السلام أحمد جلود 
الملحمةفة 


المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 
505 بأامه يق طاءردعدع؟ :10 تعأمع6 طو1م 


الفهرسة فى أثناء النشر - إعداد المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات 
جلود. عبد السلام أحمد؛ 1944- 

مذكرات عبد السلام أحمد جلود: الملحمة. 

9 ص.؛ 24 سم. - (سلسلة مذكرات وشهادات) 

يشتمل على إرجاعات ببليوغرافية وفهرس عام. 

15 181[/978-614-445-429-9 

1. جلود عبد السلام أحمدء 1944- - مذكرات. 2. السياسيون الليبيون - تراجم. 3. رجال الدولة - ليبيا - 
تراجم. 4. ليبيا - أحوال سياسية - معمر القذافي؛ 2011-1969. 5. ليبيا - تاريخ - معمر القذافي» 2011-1969. 
أ. العنوان. ب. السلسلة. 
22.2 

العنوان بالإنكليزية 
عتمطا مخ :لناماللول لقصسطخى سقفاددوعء لطن كه كتمدمعء 81 


منتماامل مساق واو ددع 40 برط 


الآراء الواردة فى هذا الكتاب لا تعيّر بالضرورة عن 
اتجاهات يتبناها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 


٠‏ الناشر 

لمم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 

| 0 0 
لبركم كع أل 5 بوزامم بق حءمدعوعه ,15 بعامعن وق 
شارع الطرفة - منطقة 70 
وادي البنات - ص. ب: 10277 - الظعاين» قطر 
هاتف: 40356888 00974 

جادة الجنرال فؤاد شهاب شارع سليم تقلا بناية الصيفي 174 
ص. ب: 4965 11 رياض الصلح بيروت 2180 1107 لبنان 
هاتف: 8 009611991837 فاكس: 1991839 00961 


البريد الإلكترونى: 018.غالا][)60001215ع0176أبامراء 
الموقع الإلكترونى: 6.018] )25 00112. /ناللانا 


© حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز 
الطبعة الأولى 


الإهداء 


إلى أمي التي فقدتها منذ أن كان عمري سنة واحدة يجح أ أسعد أو أتمتّع 
بحبّها وحنانها وعطفهاء كما أنها لم يُسعّد بشبابي ورجوليي. وإلى أبي الذي 
فقدته يوم ار 
وهو لم يتمتع أو يسعّد برؤيتي شابّا ورجلا 


مذكراتي هذه مهداة إلى أمي وأبي» وإلى أعظم شعب على وجه ‏ رض: 
الشعب الفلسطيني. لو أنَّ شعبًا آخر تعرض للمؤامرة الكونية» لصار 
كمصير السكان الأصليين فى أميركاء أو تحول إلى مجموعات من البشر#على 
شاكلة جماعات الغجرء لكن الشعب الفلسطيني العظيم تمسّك بأرضه وهويته 
الوطنية وعرِّزها بالهوية الثقافية والتعليم وبالذكاء المبدع. وأتذكرء خلال ولاية 
مناحيم بيغن» أن أحد الشباب الفلسطينيين نفذ عملية بطولية ضد مجموعة من 
الجنود الصهاينة واستشهد. فأرسل والده برقية إلى بيغن يقول فيها: "أبشِرٌ وانتظر. 
لديّ سبعة عشرّ ولدًا. سوف أربّيهم وأعدّهم ليسيروا على طريق ابني الشهيد". 


إن شعبًا يودّع فيه الآباء أبناءهم الشهداء بالتهليل والتكبير» وتودّع فيه 
الأمهات أبناءهن الشهداء الأبطال بالزغاريد والتصفيق» سينتصر حتمًا وتتحرر 
فلسطين من النهر إلى البحر. هذا هو منطق التاريخ ونواميس الكون, فالقوي 
اليوم ضعيف الغد» وضعيف اليوم قوي الغد. إن هذا الكيان هو نقطة في بحر 
من العرب وحين يهيج هذا البحر - وسيهيج حتمًا - فإنه سيقذف بهذا الجسم 
الغريب خارجه. وإلى شباب أمّتنا من الجنسين» وإلى الحالمين والعاملين بجد 
على تحقيق حلمهم وصنع فجرهم وصبحهمء وشعارهم لا خوف بعد اليوم» 
الخوف "يخاف" منّاء أهدي مذكراتي (الملحمة). 


5 


المحتويات 


الفصل الثاني: حينما أصبحت رئيسًا لوزراء ليبيا ل 
مفاوضات الإجلاء: إذعان الإنكليز والأميركيين 

بعد مناورات يائسة هط مه مط م عه ع 

وفاة الأخ إمحمد المقريف 00 

طرد "المستوطنين الطليان" ل 

ثورة النفط م ا 0 

الفصل الثالث: العلاقة مع مصر ل 

اللقاء الأول مع جمال عبد الناصر 0 

زيارة عبد الناصر لليبيا و"مشروع روجرز" 0 


7 


الفصل الرابع: الحرب الأهلية في لبنان 
حرب المخيّمات فى لبنان لل ع م 


الفصل الخامس: حركة الثورة: محطات عربية 
ليبيا وتحرير الصحراء الغربية 0 
العلاقة مع الجزائر 0 
بورقيبة والجمهورية الإسلامية 0 


وفاة عبد الناصر ومرحلة السادات لل ل 


حرب "أكتوبر الكارثية" 0 


المؤتمر الإسلامي والقمة العربية و"عودة مصر" 0 


المواجهة بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت 


العلاقة مع فيتنام الشمالية 00 


الاتحاد السوفياتي 0 


غانا: العلاقة مع جيري رولينغز 
الثورة الإسلامية الإيرانية وليبيا 


الفصل السابع: الحرب في تشاد ل 
الفصل الثامن: "لوكربي" والمواجهة مع الولايات المتحدة مل 


10 


مقدمة الناشر 


تمثل مذكرات وسير الفاعلين في الأحداثء والذين كانت لهم أدوار 
مباشرة أثرت فيهاء أحد أهم مصادر الكتابة التاريخية عمومًا والكتابة 
التاريخية الحديثة العربية خصوصًا. فالمذكرات تكشف ما لا تكشف عنه 
الوثائق من حيوية التفاعل بين صاحب المذكرات والأحداث التي ينخرط 
فيهاء وتقدم معلومات متنوعة ثرية للمؤرخ على أن يكون واعيًا لموقع الفاعل 
السياسي صاحب المذكرات وخصوصية زاوية النظر التي يرى منها الأحداث 
والشخصيات الأخرى. 

إن طبيعة المذكرات ذاتية دوماء وتتحكم فيها بؤرة نظر صاحبها بسرد 
الأحداث وتفسيرها وتأويلهاء وحتى بانتقاء بعضها دون أحداث أخرى وقعت. 
وهو ما ينعكس في المذكرات كافة. وليس المؤلف في هذه الحالة مؤرحَا أو 
باحنّاء وليس مطالبًا بأن يبحث فى موضوعه أو يكتب عنه كأنه باحث. فهنا يأتى 
الدور المحترف للمؤرخ في نقد السرد والمعلومات والمنهج» حيث يمكن أن 
تشكل السير إحدى أبرز مصادره في الكتابة. 

من الطبيعى أن تثير المذكرات» أي مذكرات» ولا سيما إن كانت لفاعل 
اجتماعي - سياسي مهم كانت له أدوار في مراحل تاريخية حساسة معيّنق 
طويلة أكانت أم قصيرة» الجدل والنقاش والتساؤلات» وحتى ردود فاعلين 
آخرين أو باحثين ممتحصين أو شهود تلك المرحلة. 


11 


في ضوء هذه الرؤية يندرج اهتمام المركز بنشر المذكرات والسير 
الذاتية كونها تعكس صوتهم المباشر دون محرر وسيط. ولا يعني نشر 
المركز مذكرات أي فاعل تبنيًا لما يرد فيها من مواقف وسرد للتفاصيل. 
ويندرج نشر المركز العربي للأبحاث مذكرات الأستاذ عبد السلام جلود في 
هذا الإطار لأهمية دوره الفاعل في تاريخ ليبيا الحديثة» وفي علاقات ليبيا 
العربية والإقليمية والدولية المتشعبة في فترة مارست فيها ليبيا دورًا مهمًا 
على مستوى العلاقات الدولية والحركات الثورية في العالم الثالث على نحو 
خاص» وفي مرحلة محددة من مراحل تطور العمل القومي العربي» وكونه 
عاش الأحداث والوقائع في هذا السياق التاريخي من تجربته كفاعل سياسي 
ورجل دولة. وهي تجربة امتدت على مدى طويل لا يقل عن ثلاثين سنة في 
مرحلة عاصفة وزاخرة بالتحولات» وما زالت آثارها ومراجعتها وتقييمها 
ممتدة حتى يومنا. ولا يقل أهمية عن ذلكء البعد الإنسانى المفيد فى وصف 
طفولته وصباه وتشكل شخصيته. فهو بذلك يصف ظروف تشكل نموذج 
للضباط الشباب الذين حلموا بالوحدة العربية والنهضة والتغيير وإعادة 
الاعتبار للحضارة الإسلامية في التصدي للهيمنة الغربية. وذلك في مرحلة 
ما بعد حرب 1967 وقبل دخول التيار الراديكالي القومي العربي الحاكم في 
طور الأزمة. ويعرض جلود أحد جوانب هذه الأزمة عبر ما عاشه من شخصنة 
متطرفة للحكم عند القذافي. 

وكما هو واضح من النص احتفظ الرائد عبد السلام جلود. على الرغم 
من مرور السنين» بنفس ثوري ونبرة حادة قاطعة تميز بها رواد ثورة الفاتح 
في ليبياء يتمسك بهما جلود في سيرته السياسية وفق النصء في مقابل تخلي 
القذافي الفعلي عن مبادئ تلك الثورة» كما يراها جلود. لصالح حكم الفرد 
على الرغم من تمسكه بألفاظها. وبما أن المركز العربي ليس مجرد دار نشرء 
بل هو مركز أبحاثء فقد حاولنا التدخل فى التحرير لحذف أو إضافة ما نرى 
أنه مفيد لهذه المذكرات, وبما يقربها من الموضوعية العلمية قدر الإمكان. كما 
فعلنا في حالة مذكرات أخرى نشرها المركز لشخصيات بارزة. ولكن خلانًا 
لتعاملنا مع الدراسات والأبحاث التي تصل إلى المركز يكون للمؤلف في هذه 


12 


الحالة الحق فى رفض أو قبول الملاحظات. فهذه مذكراته فى النهاية؛ وهى 
لا تعبر عن المرحلة فقطء بل أيضًا عن شخصية الكاتب التي لا يجوز للناشر 
تغيير معالمها أو تحويرها. والشخصية في حالة المذكرات مهمة» وقد تكون 
بحد ذاتها موضوعًا للبحث. ولم يقبل صاحب هذه المذكرات قسمًا كبيرًا من 
ملاحظات التحرير في المركز. وهذا حفه. فهو يتحمل مسؤولية ما يرد فيهاء 
ولاسيما على مستوى أقواله فى المناسبات المختلفة والمواقف من الأحداث 
والأشخاص. 
من المتوقع أن تثير هذه المذكرات المهمة» وما تزخر به من معلومات 
وتفاصيل ووجهات نظر وتقييمات للأحداث والفاعلين الآخرين» النقاش» 
وربما السجال أيضًا. وهذه هي طبيعة أي مذكرات تتسم بالأهمية. وما يهم 
المركز العربي للأبحاث هو أن تشكل إصداراته إضافة معرفية» وأن يكون 
النقاش مفيدًا. 
قسم الإصدارات 
المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات 


13 


تتحدر عائلة والدي أحمد. وكذلك عائلة أمى شعلة» من قبيلتين 
بدويتين مختلفتين» ولكنهما تنتسبان إلى القبيلة الأم» قبيلة المقارحة؛ فعائلة 
والدي تعود إلى قبيلة المحاربية» بينما تعود عائلة أمي إلى قبيلة المشلشة؛ 
ولذا فهما فرعان من القبيلة الأم» المقارحة» التي تتحدر أصولها من قبائل 
بني سليم وتنتشر على مساحة واسعة من الوطن العربي". كانت القبيلتان 
تمتازان بصفات الشجاعة النادرة والمغامرة وروح الإقدام» وهذه الميزة كان 
لها أعظم الآثر في تكوين شخصيتي وصقل طريقة تفكيري في وقت مبكر. 
شت عائلتا والدي ووالدتى حياة البداوة التامّة بكل مايعنيه ذلك من 
ترحالٍ دائم وتنقلٍ متواصل في الصحراء بحنًا عن الماء والكلاً. كان والدي 
يملك ثروة من الإبل والأغنام سمحت له بأن يعيش حياة كريمة» وكان مولعًا 
بركوب الخيل وشغوفًا بتربيتها. أحبّ والدي أمي وكان مفتونًا بها. وحينما 
رغب في الزواج بهاء واجهه والد أمي بالرفض بذريعة أنه متزوج بامرأة 
أخرىء ثم حاولوا تزويجها لشخص آخر. ولك أن تتخيّل قوة شخصية هذه 
الفتاة في ذلك الزمان» حين تمرّدت على التقاليد والأعراف وأعلنت أنها إِمّا 


(1) المقارحة: قبيلة عربية من القبائل العدنانية - القيسية من بني سليم. كانت تسكن الحجاز ونجد واليمن» 
وتُعرف باسم المزاريع» ثم هاجرت إلى ليبيا وشمال أفريقيا. وفي مصرء استقر جزء كبير منها. وحينما وصلت 
القبيلة في حوالى عام 1050م إلى ليبيا استقرت على شاطئ البحر الممتد من مصراتة إلى طرابلس. وخلال 
فترة حكم الدولة العثمانية مُنحت القبيلة لقب "كرغلي" أي شريف, وأعفيت من الضرائب» كما مُنحت بعض 
الامتيازات لأنها تصدّت لحملات فرسان القديس يوحنا على طرابلس وقاومتها. 


15 


أن تتزوج بوالدي, وإمّا أنها لن تتزوج. وأخيرًا رضخت الأسرة أمام إرادتها 
ووافقت على تزويجها بوالدي. توفيت والدتي وأنا في سن عام واحدٍ وبضعة 
أشهر. لقد نقل والدي حبّ أمي إليّ. لا أعرف تاريخ ميلادي لأنني ولدت 
في الصحراءء. ولكنني أعرف أنني دخلت المدرسة عام 1953 في مدرسة 
براك الشاطئ بولاية فزان. بعد عام ونصف عام من ولادتي» حرص والديء 
إثر وفاة والدتي» على أن أتشبّع بمشاعر الحبّ للمرأة التي أحبّها: أمي» وقرّر 
أن أواصل الرضاعة من ثدي امرأة (مرضعة). كانت هناك عدّة مرضعات لى» 
وحدث أن هؤلاء النساء كر من البشرة السمراءء» وقد تلقّين مقابل إرضاعي 
كميات من القمح والشعير عن كل رضعة. لقد تعرضت وأنا طفل صغير إلى 
حادثين خطيرين كان أي منهما كافيًا للقضاء على حياتي. 


الحادث الأول» ويمكن أن يصلح مادةً لفيلم هوليوودي. أنْ عاتلتي كانت 
تعيش في البادية مع جزء من قبيلتي المحاربية» ومن عادة البدو أن يتوجه 
الرجال صباحًا إلى رعي الإبل والأغنام وممارسة نشاطات أخرى مثل الصيدء 
بينما يذهب الشباب لرعى الخرفان والجديان. أما النساء فيذهبن إلى مجموعة 
أعمال يومية» مثل جمع الحطب وإحضار المياه ...إلخ» بينما يظل الأطفال 
الصغار في النجع. وقد كانت الألعاب الرائجة بين الصبيان هي ركوب الخيل 
والجري ورياضة الصيد. حدث أن غادرت بيت الشَّعره ومشيت لوقت طويل 
حتى شعرت بالتعب فنمت تحت شجرة. وحينما عاد الجميع إلى النجع. بعد 
الغروبء لم تجدني عائلتي في البيت» فسيطر الخوف عليها وانتابتها الحيرة» بل 
شل تفكير الجميع من الرجال والنساء. 

في هذا الوقت. كان والدي مسافرًا. كان الجميع خائقًا من ردّة فعل 
والدي» حيث كان يخصني بحب شديد لا حدود له حبه بصفته أبا لي ممزوبجا 
بحب والدتي. أقول شلّت الحيرة تفكير الجميع» ماعدا "أمي مسعودة". وهي 
امرأة سمراء البشرة من أفريقياء وكان والدي متزوجًا منها سرًا. أعدّت مسعودة 
خطة بعد أن تفقدت الأشجار وعرفت أنني لست ناتمًا تحتهاء ثم أضرمت النار 


16 


في بعضها وطلبت من الشباب أن يركبوا خيولهم وأن يقوموا ب"اللهيد”» ثم 
أطلقت الكلاب من رباطهاء فأخذت تركض وتنبح ذهابًا وإيابّاء والقصد من كل 
هذا منع الحيوانات المفترسة من أن تقترب من المنطقة» ومن ثم حمايتي إلى 
حين العثور علي. ومع الصباح الباكر.» عثرت علي عائلتي نائمًا تحت شجرة. 
وحينما عاد والدي من السفرء وابتهاجًا بما قامت به أمى مسعودة أعلن زواجه 
بها. ومع أن من عادات البدو آنذاك ألا يتناولوا الطعام مع نسائهم» فإن أبي» 
تقديرًا منه لهذه المرأة الذكية والشجاعة, قرّر منذ ذلك اليوم أن تتناول الطعام 


معة. 


أما الحادث الثاني فقد وقع لي يوم كنت طفلًا صغيرًا أعيش مع أسرتي 
في قرية زلوازء وهي قرية بسيطة بها الكثير من عيون الماء وتشتهر بغابات 
النخيل وحقول القمح والشعير وأشجار الرمان والتين والعنب» وتبعد نحو 
7 كيلومترات شمال منطقة براك الشاطئع جنوب ليبيا. ونظرًا إلى الحرّ الشديد. 
كان الناس يتركون النوافذ والأبواب مفتوحة» لعل بعض الهواء البارد يدخل 
البيت. وفي إحدى الليالي» كنت نائمًا في واحدة من الغرف» ولما استيقظت في 
الصباح وجدت أمامي أفعى من النوع القصير - وهي من أخطر الأنواع - كانت 
تحدّق فيّ بحقدء وكأنها مقيّدة» ومن المؤكد أن الإرادة الإلهية هي التي قيدتها 
فى مكانها وحالت دون أن تهاجمنى. فخرجت مسرعًا من الغرفة وقد تملكنى 
خوف شديد. ْ ْ 

شاءت إرادة الله العليّ القدير أن يلح والدي بأمي بعد عام واحد وبضعة 
أشهر من وفاتها. وكنت طفلًا صغيرًا لى من العمر ثلاث سنوات وبضعة أشهر. 
كنت أسمع من الرجال والنساء في جلساتهم أن والدىّ ماتا مسحورين؛ كما 
كانت الشائعات تنتشر حول وفاتهماء والشائعة هى نصف الحقيقة. إنها الغيرة 
والحقد الأعمى. ْ 


(2) في المعجم الوسيطء لهيد: اسم فاعل من لَهَدَ لَهَدَهُ الجمل: أَنْقَلَهُ وضَعَطَكُ لَهَدَهُ دايته: جَهَدَها 
وهَزّلها فهي لَهِيدٌ. 


بعد وفاة والدي أساء إلينا بعض الأقارب» وساء وضع الأسرة المادي. 
فقد خسرت معظم ثروتها من الإبل والأغنام بسبب مرض الطاعون. لكن الأمر 
الإيجابي والرائع أن عددًا من الأصدقاء الأوفياء ممن وقف والدي معهم في 
حياته» وقفوا معنا فى هذه الظروف. وأبدوا مشاعر التضامن والمساعدة» ومن 
بين هؤلاء عائلة الشريف ونيسء وعائلة ثامر من قبيلة ورفلة. ثم إِنَ والديء 
على الرغم من "ثقافته البدوية". استثمر جزءًا من أمواله في حفر عيون الماء 
والآبار الأرتوازية فى منطقة براك الشاطئ بفرّان جنوب ليبياء وتحديدًا فى 
منطقة الزلواز. وفي هذه المنطقة» توجد مزارع أشجار النخيل والتين والرمّان» 
فضلًا عن حقول الحبوب والخضروات والأشجار المثمرة اللأخرى. 


بعد أن فقدنا ثروتنا من الإبل والمواشيء هجرنا الصحراء واتجهنا إلى 
فرّانَء حيث العيون والسواقي والمزارع. ثم قام إخوتي الكبارء بالاتفاق مع 
بعض فلاحي فرَّانَء بعمارة الأراضي وزراعتها مناصفة بيننا وبينهم. لقد عاشت 
الأسرة» بعد وفاة والدي وخسارتنا ثروتنا من الإبل والمواشي» حياة ضنك 
وعوزء والليبيون في هذا الوقت كانوا عمومًا يعيشون حالة فقر. 


غادرت أسرتى الصحراءء وقد كانت تتكون من أربعة شبان وأخحت 
واحدة» وهم عمر وسالم والمهدي وجلود وآمنة» وكنت بلغت من العمر 
ذاكرتي هي صور الواحات الجميلة في جنوب ليبيا. لقد انتقلت للعيش في 
كنف جدَّي (لوالدتي). وعادة ما تحرص أسرة الطفل الذي يتوفى والده 
كان يتبارى خالاتي وأخوالي في العطف والحنان عليّء إلى درجة أنني لم 
أشعر بأي فارق في المعاملة والعطف. حاول إخوتى مرات عدّة أن يأخذونى 
بالقوة» وقد حدث فى مرات كثيرة» شجار بين جدي وأخوالى من جهة. 
وإخوتي وأعمامي من جهة أخرىء وفي كل مرة كانوا يتفقون على أن يدعوا 
"الأشراف" لمأدبة غداء. بعد الغداء كان الأشراف يسألوننى: "أين تريد أن 
تعيش ؟" فأردّ عليهم: "فى بيت جدي". 


18 


في هذه السن الصغيرة» كان لدي كلب ضخم يرافقني أينما ذهبت. 
وكان لدى جدي مزرعة تبعد نحو أقل من كيلومتر عن المنزل» وحينما أكون 
في المنزل أركب فوق ظهر الكلبء فيفهم أنني أريد الذهاب إلى المزرعة» 
والعكس في أثناء العودة. لما توفي جدي انتزعني إخوتي بالقوة من المنزل» 
وكانت هذه من أصعب اللحظات» حيث انتقلت من الحنان والعطف إلى مرحلة 
صقل الشخصية والمعاملة القاسية» لأن تقاليد البادية تحتّم على الأسرة بناء 
شخصية الطفلء بما يضيف إلى العائلة والقبيلة الرجولة والشجاعة. ولمّا نفق 
كلبي» شعرت بحزنٍ شديد. كانت هذه مرحلة تأقلم صعبة» وهي من أصعب 
مراحل حياتي» إذ فقدت الدلال والحنان اللذين كنت أنعم بهما مع جدي 
وخالاتي وأخوالي, لأعيش مع إخوتي حيث تهتم العائلة ببناء شخصية الطفل» 
وعادة ما تكون صارمة وأحيانًا قاسية» لكي تزرع النخوة والشهامة والشجاعة؛ 
لأن العائلة تريد أن يكون الطفل إضافة إلى العائلة والقبيلة؛ وهذا يفسر المثل 
الشعبي "إذا جعت اقصد أخوالكء وإذا ظّلمت اقصد أعمامك". 


في منتصف الخمسينيات» وفي أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 في مصر”*, 
كانت ليبيا كلها تغلي بوعي قومي وحدوي وثوري. لقد أدت الثورة الجزائرية 
ثم الثورة المصرية وشخصية جمال عبد الناصر الكاريزمية» والقيادية» ثم وقوع 
العدوان الثلاثي على مصر عام 1956» والوحدة بين مصر وسورية في 22 
شباط/ فبراير 1958» وحتى انتشار الفكر الماركسى فى أوساط الشباب الليبى» 
دورًا حاسمًا فى بلورة الوعى القومى والاجتماعى. فى هذا الوقت؛ كنت طفلًا 
ثم شاباء مثلي مثل سائر الشباب الليبيين» أعيش حياة ضنك وعوز وفقر» 
وكانت أسرتي تجد مشقة في تأمين الطعام والملابس الشعبية البسيطة. وكانت 


هذه حالة معظم الشباب الليبيين في هذا الوقت؛ إذ لم تتمكن أسرتي من توفير 


(3) ثورة 23 يوليو 1952: قام بها صفوة من ضباط الجيش المصري الأحرار بقيادة جمال عبد الناصرء 
وقد أحدثت تحولات هائلة وعميقة في بنية المجتمع المصري سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديّاء وأممت 
الأراضي الزراعية ووزعتها على صغار الفلاحين ونشرت التعليم وأسست ثورة علمية وصناعية» وأممت 
قناة السويس وبنت السد العالي» وقد أصبح الشعب المصري العظيم سيد قراره» كما كانت على المستوى 
القومى ثورة قومية بامتياز وشكلت قاعدة صلبة لحركة القومية العربية الناهضة يومئذ. 


19 


أي وسيلة ترفيه لي. ولذاء تولدت لديّ حالة نهم شديدة لقراءة الكتب» فصرت 
ألتهم كل ما تقع عليه عيناي من صحف ومجلات وكتب. على الرغم من أنني 
كنت مثل سائر الشباب الليبيين» أعيش حياة ضنك وفقرء فإنني اندفعت نحو 
القراءة» وكنت أحرص على الاستماع للمحطات الإذاعية المصرية وخصوصًا 
إذاعة صوت العرب. 

لقد أصبحت مدمنًا على القراءة والاستماع للمذياع» فتجدّر وعبي 
الاجتماعي القومي والوحدوي. وتبلورت شخصيتي منذ المرحلة الابتدائية. 
وأتذكر أنني يوم كنت في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة مرزق» شاركت في 
مسابقة نظّمتها المدرسة حول "الوحدة العربية"» أحرزت فيها المرتبة الأولى 
وقد كتبت نحو 40 صفحة. هكذاء تبلورت شخصيتي في وقت مبكر في مرجل 
الأفكار القومية والثورة» وبات عالمي منذ يومئكٍ هو عالم الثورة والاحتجاج 
والتبشير بأفكار القومية العربية. لقد أدى المدرسون الذين كانت ترسلهم ولاية 
طرابلس إلى ولاية فزَان دورًا كبيرًا في نقل علمهم لناء وهؤلاء المدرسون كانوا 
يجمعون بين العلم والوعيء. وقد نقلوا لنا علمهم بطريقة تربوية رائعة» وزرعوا 
فينا الوعي» وكانوا خير محفز ومحرّضي لناء وكذلك المدرسون الذين أرسلهم 
عبد الناصر إلى ليبيا. لقد كانوا قمة في العلم والوعي. وهم أيضًا نقلوا لنا 
علمهم بطريقة شائقة ورائعة» كما زرعوا فينا الوعي وكانوا الدعاة والمحرضين 
لناء وكان للنوادي والمراكز الثقافية المصرية في ليبيا دور كبير؛ لأنها شكلت 
فضاءً للمحاضرات والحوارات والنقاشات السياسية والفكرية» إضافة إلى 
المكتبات. حيث أذهب بصفة شبه يوميّة للقراءة واستعارة الكتب. 

وفى قلب هذه المشاعر المتأجّجة» كنت أشعر أن الله معى يحرسنى 
ويحميني ويقف معي. وأتذكر أنني في المرحلة الابتدائية» تعدّفت مصادفة 
على تلميذ طيب» شهم ورقيق القلبء وكان كريمًا وعزيز النفس من أسرة غنيّة 
بمقاييس ذلك الزمان» اسمه الدوكالى على مصطفىء وكان والده يملك متجرين 
لبيع المواد الغذائية والملابس» وعمّه كان عضرًا في مجلس النواب. الدوكالي 
هذا كان يدير أحد المتجرين بعد الانتهاء من الدوام المدرسيء وكنت كل يوم 


20 


أذهب للقائه في المتجرء وقبل أن يغلق بعد الغروب, يأخذ مبلغًا صغيرًا من 
النتقود من الخزانة ويعطيني إِيّاه وفي الوقت نفسه كان يأخذ تقريبًا المبلغ نفسه. 


في المدرسة الثانوية بطرابلس عام 1961» تعرفت على شاب اسمه سالم 
المثناني» وكان شابًا مثقفا ومولعًا بقراءة الكتب. وكان رقيق القلب وكريمًا بلا 
حدود فتكوّنت بيننا صداقة حميمة وصادقة حتى صرنا مثل توأمين. كان سالم 
موظمًا في إحدى محاكم طرابلسء وأكثر ما أثار دهشتي حينما أخبرني أنه يريد 
أن يتقاسم راتبه الشهري معي. كان يفعل ذلك بعد أن ننتهي من تناول طعام 
الغداء في مطعم شعبي اسمه مطعم المنصور بشارع 24 ديسمبر» قرب ميدان 
الشهداء» فكان يخرج من جيبه ظرفًا ورقيًا في داخله راتبه الشهريء فيقسمه بيننا 
بالتساوي. والغريب أنه بعد انتصار الثورة» لم يتقيّل مني أيّ مساعدة وظل في 
وظيفته إلى أن توفاه الله وكان يقول لي: "إذا أردت أن تخدمني اخدم ليبيا". 


ثم تعرفت على صديق وزميل يعمل معه في المحكمة نفسها يدعى 
عبد الله الجنزوري» وكان طيب القلب بشوسًا. في هذا الوقت» شعرت بأنني 
مسكون بوعي جديد يحمّلني مسؤولية أكبر من طاقتي بوصفي تلميدًا صغيرًا. 
وهكذاء وفي وقت مبكر من حياتي» شعرت بأنني بتّ مهمومًا بمشكلات الأمة 
والمجتمع. لقد بتَ أشعر بأنني أغوص عميقًا في التأملات والأفكار, وأن الثورة 
باتت جزءًا من وعيي وكياني. ومن المؤكد أن "وعي الثورة" المنتشر مع أفكار 
حقبة عبد الناصر هو الذي زرع في وجدانيء بصفتي شابًا ليباه فكرة الثورة» 
وهو الذي جعل مني شخصًا مهمومًا بقضايا الشعب والأمّة. في تلك الفترة كان 
كل شاب ليبي "مشروعًا للثورة". 

في هذا الوقتء كان قرار استضافة المجلس الوطني للثورة الجزائرية» 
وقيادتهاء هو قرار الشعب الليبي» وما كان للنظام الملكي العميل إلا أن يساير 


(4) استضافت العاصمة الليبية طرابلس اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية بين نهاية أيار/ مايو 
وبداية حزيران/ يونيو 1962» وقد صدق المجلس على مابات يعرف ب "برنامج طرابلس" الذي اشتمل 


21 


هذا القرار الشعبي. كان لهذا القرار أثره الواضح في تأجيج مشاعر الثورة» حيث 
عمّت مظاهر تشكيل جمعيات شعبية" لجمع التبرعات وأموال الزكاة وجلود 
الأضاحي. وانخرطت مع عدد من الشباب في هذه الجمعيات. وقد شاهدتء 
كما شاهد غيريء تلك الصور الجهادية "الفنية" الرائعة والمؤثرة حقا. كنّا نرى 
الفتاة الليبية» والمرأة» والعجوز الليبية» وهنّ ينتزعن القلائد الذهبية من أعناقهن 
أو الأساور من معاصمهن أو الخواتم من أصابعهن ليقدّمنها تبرعًا للثورة 
الجزائرية» وهذا كل ما يملكن. 


لقد عملنا على استغلال هذا المناخ الثوري والجهادي لنشر الوعي 
التحرري والتحريض على الثورة والمطالبة بخروج القواعد الأميركية 
والبريطانية من ليبيا. كنا نحرّض على خروج التظاهرات تأييدًا للثورة الجزائرية» 
وضد القواعد الأجنبية» وكان الهدف الرئيس من وراء ذلك هو خلق حالة من 
الجسارة الشعبية؛ تمهيدًا لتأسيس أرضية حقيقية للثورة. 


في أواخر شتاء 1958» قام ولي العهد الأمير الحسن الرضا" بزيارة لولاية 
فرَّانَه وقد سعت سلطات الولاية لحشد الجماهير لاستقباله» ولكننا قمنا فى 
المقابل بحركة معاكسة؛ حين شرعنا في تحريض الجماهيرء وخاصة الطلبة» على 
الامتناع عن المشاركة في الاستقبال. وبالفعل» فشلت خطة الحكومة ونجحت 
خطتنا. وأتذكر أن النظام رتب لإقامة حفل استقبال أمام مقر الولاية» وكانت 
اليافطات والأعلام والرايات ترفرف في الشوارع المحيطة. قمنا بتنظيم حملة 
مضادة لمنع الشباب الليبيين من حضور الاحتفال. كانت اليافطات تقول: "الشباب 
الصاعد يحيّي الأمير القاعد". والحقيقة أن "الأمير قاعد من دون شباب صاعد". 
فقد نجحت حملتنا لسبب بسيط؛ هو وجود رفض شعبي للملكية والزيارة. 
(5) تأسّس العديد من الجمعيات واللجان. مثل لجنة مناصرة الشعب الجزائري» وكانت ليبيا بمنزلة 
قاعدة خلفية ولوجستية للثورة الجزائرية» حيث كانت بها مستودعات الأسلحة القادمة من مصرء ومراكز 
التدريب» وشبكات التسليح» كما وفرت إقامة خاصة لقادة جبهة التحرير الوطني وأمّنت تنقلاتهم. 
(6) حسن الرضا السنوسي (1992-1928): حفيد الملك محمد السنوسي وولي عهده خلال الفترة 
6 تشرين الأول/ أكتوبر 1956 - 1 أيلول/ سبتمبر 1969. 


22 


في سبها'» وحين كنت أدرس في مدرسة الجديد. كان معي سالم الظاهر 
وإمحمد الحضيري. في هذا الوقتء كان الأخ معمّر ومحمد أبو القاسم الزوي 
وإبراهيم أبيجاد والهادي فضل يعيشون في القسم الداخلي من مدرسة قاهرة”") 
المركزية التي ساهمت في تنشئتي السياسية. وقد كان للأستاذ محمد مصطفى 
المازق تأثير بالغ في تكويني السياسيء وكان بالنسبة إلي وإلى الأخ معمّر أكبر 
محفّز ومحرّض.ء لأنه كان أستاذًا متمردًا. لم أكن قد التقيت معمّر القذافي» ولكنني 
كنت على اتصال وثيق به عن طريق محمد الزوي. كان الزوي صديقًا حميمًا لي 
ولمعمّر. جاءني الزوي ذات يوم وقال لي: "عبد السلام. اليوم التقيتٌ معمّره وهو 
يحضر لتظاهرات طلابية حاشدة تقوم أساسًا على ا* شتراك طلبة الجديد وقاهرة 
المركزية وعلى حشد مواطني سبها أيضًا". كان الغرض من التظاهرة» كما أخبرني 
محمد الزوي» الاحتجاج على التجربة النووية الفرنسية في صحراء الجزائر“», 
لكن العنوان كان يخفى الأهداف الثورية الحقيقية؛ فقد كان الغرض الحقيقي 
منها تأجيج مشاعر العداء للمحتلين والنظام العميل في ليبياء وتهيئة الظروف 
لبلورة وعي ثوري جديد. اتفقنا على موعد التظاهرة وأشكال تنظيمهاء ونجحت 
مع الأخوين سالم الحضيري وإمحمد الحضيري وغيرهما في الإعداد لها جيدَاء 
حيث توجهنا صوب مقر الولاية ومقر مديرية الشرطة. لكن - للأسف الشديد - 
فشلت مدرسة سبها المركزية في تنظيم التظاهرة» واكتشفنا أن الأخ معمّر ذهب 
ليلة التظاهرة إلى مدينة مرزق التي تبعد أكثر من 120 كيلومترًا. من الواضح أنه لم 
يكن مستعدًا لتحمل مسؤوليته» وهذه هي شخصية الأخ معمّر حينما يجدّ الجدّء 
فهو يتخاذل ويتراجع تاركًا الآخرين يواجهون قدرهم. 


(7) مدينة ليبية في الجنوب الشرقي من ليبيا. ومثلت عاصمة إقليم فزان. 

(8) اسم المدرسة مأخوذ من قلعة قاهرة سبهاء وهي قلعة سبها التاريخية التي يطلق عليها قلعة سبها 
أيضًا. وقد شكلت القلعة المركز العسكري للقوات الفرنسية التي سيطرت على على إقليم فزان في أوائل عام 
23 واشتهرت في التاريخ خ الوطني الليبي بمعركة قادها الشيخ عبد القادر بن مسعود الفجيجي في 
متتصف حزيران/ يونيو 1949» وتُعتبر هذه المعركة آخر معركة في تاريخ المقاومة الليبية. 

(9) أجرت فرنسا تجربة نووية في منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري يوم 13 شباط/ فبراير 
0 لتشكل فاتحة تجارب أخرى استمرت حتى عام 1966» وانتهت بدخول فرنسا النادي النووي 
على المستوى الدولىء وما زالت آثار التجارب النووية وتداعياتها السلبية مستمرة على البيئة والسكان. 


23 


شارك» في هذه التظاهرة» عدد كبير من المواطنين» وكان بينهم تاجر 
كبير اسمه إبراهيم الزوي» وهو خال عبد الرحمن الصيد. وقد ساهم في حشد 
مجاميع كبيرة من المتظاهرين» ثم وقعت مواجهة عنيفة مع الشرطة والقوة 
المتحركة» جرح على إثرها مدير المباحث العقيد المبروك مسيكء فاعتقلت 
الشرطة ثمانية وأربعين طالبًا كنت من بينهم. 

لقد كانت فترة الخمسينيات والستينيات فترة صعود المد القومي وظهور 
الفكر الثوري الاجتماعى؛ وكان لثورة 23 يوليو إشعاعها وتأثيرها الهائل 
فىّ وفى أبناء جيلى. لقد كانت شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة تلهب 
مشاعرناء وكنًا نعقد حلقات نقاش وحوارات حول هذه الشعارات والأهداف» 
وكنّا نتساءل عن مدى أهمية ترتيب هذه الشعارات من وجهة نظر ثورة 23 
يوليو وحزب البعث العربى الاشتراكى» وكانت غالبيتنا تتفق على أن التطبيق 
والنضال لتحقيق هذه الأهدافء إنما هما معركتان متداخلتان» وإذا ما أتيبحت 
الفرصة لتحقيق أحد تلك الأهداف» بغض النظر عن ترتيبها من حيث هى 
شعارات» فيجب تحقيق ذلك. أضف إلى ذلك أن ثورة اليمن ضد الاستعمار 
الإنكليزي'"'' ومقاومة حي كريتر في عدن البطولية» وكذلك ثورة الجزائر ضد 
الاستعمار الفرنسى”'' (فى حى القصبة فى الجزائر العاصمة) ومقاومة جبال 
الأوراس البطولية» كل ذلك شكّل فى شخصيتى ثقافة الرفض والمقاومة 
والتمرد على الواقع. لقد كانت هذه مصدر إلهامء وكنت أستمد منها القوة. 
في هذا المناخ» تشكل وعيي الرافض والمقاوم» وأصبحت مهمومًا بقضايا 
المجتمع والأمّة» وصرت متحفرًا وجاهرًا في توظيف هذا الوعي وهذا الفكر 


(10) الثورة التى انطلقت رصاصتها الأولى فى 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1962 ضد القوات البريطانية 
في جنوب اليمن. وتكلل نضالها بجلاء البريطانيين» والاحتفال في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 
بإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ١ ١‏ 

1) الثورة الجزائرية التي انطلقت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمير 1954» بقيادة جبهة التحرير 
الوطني وذراعها العسكرية جيش التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. وقد كُلّلت باستقلال الجزائر 
في 5 تموز/ يوليو 1962. 


24 


الفصل الأول 


ليبيا: الطريق إلى ثورة الفاتح 


خلال التظاهرة الطلابية في سبها بولاية فرّانء ألقي القبض علىّ مع 
طلبة اخرين» وتم الزج بنا في السجن. وضعونا داخل قاعة كبيرة مزدحمة 
وشديدة البرودة» وحصل كل واحد منّا على بطّانية واحدة» فافترشنا الأرض. 
كان أخى عمر مسؤول "البصمات" فى رتاسة الشرطة» فأحضر لنا بعض 
السندويتشات وقنانى "البييسى كولا والميراندا". لكن ما إن تناهى الخبر 
إلى محمد بن سيف النصرء شقيق والي فزّانَء حمد بن سيف النصر"'» حتى 
سارع إلى لقاء أخي عمر ودخل معه في جدال صاخب. كان محمد بن سيف 
النصر منزعجًا من فكرة إدخال طعام من خارج السجن. معتبرًا ذلك أمرًا 
مُفسدًا؛ لذا قال محمد سيف النصر مخاطبًا أخى عمر "يا بن جلود.. أنت 
تريد أن تفسد علينا الفروخ (الأولاد)". فرد عليه عمر غاضبًا: "يا محمد 
أنت لست رئيسي. رئيسي هو العميد السويني. لست أعرفك حتى في طريق 
الدخان (أي لا قيمة لك)". وقبيل غروب شمس هذا النهار المشحونء علمنا 
أن معمّر القذافي عاد من مدينة مرزق» وقد اتجه إلى السجن مباشرة ليقول 
لمسؤول السجن: "أنا معهم؛ إِمَا أن تطلقوا سراحهم جميعًا أو فلتدعوني 
أكون معهم في السجن". 

ما إن سمع مدير السجن كلمات معمّر حتى استشاط غضبًا وأمر بأن يلقى 
القبض عليه ويزج به في السجن معنا. ما إن دخل معمّر إلى العنبر حتى جلس 
إلى جانبي. وحتى تلك اللحظات لم أكن أعرفه من قبل. سألني: "ما اسمك؟" 
(1) حمد بن سيف النصر (1954-1844): شيخ قبائل أولاد سليمان؛ وزعيم ما يُعرف بقبائل الصف 
الفوقي. وقد كان حاكمًا لإقليم فزان (1951-1943).: وبعد استقلال ليبيا وتأسيس المملكة الليبية 


المتحدة أصبح واليّا لفزان (1954-1951). 


27 


قلت له: "عبد السلام". فرد: "أنا معمّر". ثم أردف قائلًا: "من الأفضل لنا أن 
نفترش بطانية واحدة ونتغطى بواحدة"» فوافقت على المقترح. كان هذا أول لقاءِ 
لي مع معمّر. افترشنا بطانية واحدة وتغطينا بأخرى. وبتنا ليلتنا الأولى في السجن. 
وبعد نحو ثلاثة أشهرء تمّ الإفراج عنّا بضمان عائلاتنا ألا نعود إلى التظاهر مرة 
أخرىء باستثناء معمّر وطالب آخر يُدعى الشامي. وما إن غادرنا الزنزانة حتى 
شرعنا في اليوم التالي في إضراب مفتوح من أجل إطلاق معمّر والشامي. مع 
بدء الإضراب الطلابي حضرت القوة المتحركة”'» وهي قوة موازية للجيش 
مهمتها تأمين النظام الملكي وحمايته» ودخلنا معها في مواجهة عنيفة» مستخدمين 
الحجارة والزجاجات الحارقة. أدّت هذه المواجهات إلى جرح عدد من أفراد 
القوة وهو ما فرض على قيادتها مخاطبة المسؤولين: "ما أن تسمحوا لنا بالهجوم 
على الطلبة» وإمّا ننسحب. لأننا لا يمكن أن نحتمل هذا الوضع". 

في نهاية المطاف, اتفقنا على الدخول في مفاوضات مع سلطة الولاية» 
وجرى التوصل إلى صفقة اتفاق تقضي بإنهاء الإضراب والمواجهات مقابل إطلاق 
معمّر والشامي. وهذا ماحدث بالفعل. بعد أيام قليلة. زارني محمد الزويء وقال 
لي: "الطالب معمّر معجب بك وبوعيك» وهو يرغب في عقد لقاء خاص وعلى 
انفراد معك فى منطقة حجارة". وحجارة هذه غابة نخيل شمال قلعة قاهرة؛ فوافقت 
على فكرة اللقاء وذهبت لرؤيته. جاء القذافى حاملا معه صرّة فيها القليل من 
الخبز والجبن وبضع تفاحات» وكان معه مذياع صغير. ثم بدأ حديثه معي قائلا: 
"يا عبد السلام, التظاهرات والاعتصامات عمل سلبي ولا بد من الانتقال إلى العمل 
الإيجابي المنظم". أصغيت إلى كلماته ثم دخلنا معًا في حوار جاد وعميق حول 
هموم الشعب والأمة. في نهاية اللقاء» أعطاني معمّر مجموعة من الكتب منها 
مؤلفات ساطع الحصريء وكتاب يا ولدي هذا عمك جمال© وكتب عن الثورة 


(2) القوة المتحركة: قوة عسكرية كان يقودها العقيد السنوسي الفزاني وتُعتبر خط الدفاع الأول عن 
العرش الملكيء ومهمتها منع الشغب. والحفاظ على الاستقرار والأمن. وقد كان مقرها في قرنادة 
بشمال شرق ليبيا في الجبل الأخضر. جنوب مدينة شحات. 

(3) كتاب يا ولدي هذا عمك جمال: يتناول فيه محمد أنور السادات حقبة مهمة من تاريخ مصر يعد 
ثورة يوليو 1952 حتى حرب السويس 1956. ويستعرض دور الرئيس جمال عبد الناصر في مجلس 
قيادة الثورة كصانع لتاريخ مصر الحديث. 


28 


الفرنسية والثورة الماوية فى الصين. فى نهاية اللقاء» اتفقنا على عقد لقاء آخر. 
وفعلا التقينا بعد أسبوعين» وأجرينا حوارات معسّقة حول الثورة والقومية والوحدة 
والاشتراكية» وتلاقت وجهتا نظرنا على الانتقال إلى العمل الثوري» وتأسيس حركة 
ثورية وحدوية هي "حركة الوحدويين الأحرار". وأن نبدأ تأسيس أول خلية ثورية» 
وأن تكون الخلية مؤلفة من خمسة أعضاء. على أن تأخذ الخلايا الشكل العنكبوتي. 
بحيث لا تعرف خلايا التنظيم بعضها بعضًاء وذلك تجنبًا لمخاطر اكتشاف هذه 
الخلايا. كما قمنا بتأسيس جريدة الشمس التي توليت رئاسة هيئة تحريرها. في هذا 
الوقتء كان هناك نادٍ رياضي اجتماعي ثقافي في حي القرضة بمدينة سبهاء وكان 
بعض العناصر البعئية والماركسية ومن حركة القوميين العرب يستغل النادي غطاءً 
لنشاطه. قررت أنا ومعمّر الانتساب إلى النادي لاستخدامه غطاءً لدعوتنا وعملنا 
الثوري. فى النادي كانت هناك فرقة تمثيلية متميزة» وكان مدرّسونا فى المرحلة 
الإعدادية في غالبيتهم من المصريين المتميزين. أحد هؤلاء» واسمه الأستاذ 
شعلان» كان مدرسًا لمادئّي التاريخ والفلسفة» وكانت لديه شهادة تخصص في كتابة 
السيناريو. كان الأستاذ شعلان ابنًا لتاجر قطن» وكان يتقاضى مثل كل المدرسين 
المصريين راتبًا عاليًا بمقاييس ذلك الوقت؛ ولذا كان يقدم مساعدات مالية للطلبة 
من راتبه الشهري. وكان من بين مقتنياتي من الكتب كتاب لفولتير كتبه قبل الثورة 
الفرنسية» تهكم فيه على الملكية وسخر منها. طلبت أنا ومعمّر من الأستاذ شعلان 
أن يقوم بتحويل هذا الكتاب إلى عمل مسرحي فوافق على ذلكء. ثم أقنعنا إدارة 
النادي بأن تقوم الفرقة بتقديم هذا العمل المسرحي. وقمت مع عدد من الطلبة 
بجمع التبرعات لتمويل المستلزمات الضرورية (ملابسء وماكياج ...إلخ). 
وبالفعل أبدعت الفرقة في تقديم عرض مسرحي رائع على مسرح نادي 
الموظفين في سبهاء بحضور حكومة فزَّانَ - باستثناء الوالي - وأعضاء المجلس 
التشريعي وضباط الجيش والشرطة وكبار الموظفين في الولاية. كانت مهمتي أن 
أقف على خشبة المسرح لأتولى التعليق على الأحداث التي ترويها المسرحية. 
في عام 21961 أنهيت المرحلة الإعدادية» فذهبت لزيارة أخي سالم في 
طرابلس. أعجبتني طرابلس» ووقعت في حبها وصارت جزءًا مني وصرت جزءًا 


29 


منها. حينها قرّرت أن أواصل دراستي الثانوية فيها. كان انتقالي من فرّان إلى 
طرابلس صيمًا في العام نفسه. بعد أسبوع واحد من وصولي إلى العاصمة» قررت 
أن أذهب لمشاهدة البحر. كانت هذه هى المرة الأولى التى أرى فيها البحرء أنا 
القادم من الصحراء حيث كنت أسمع عن جمال البحر وسحره؛ فذهبت إلى 
المصيف البلدي» وهو أقرب مصيف إلى المدينة» وكانت تستغله الجالية الإيطالية» 
ومجموعة قليلة من المحظوظين الليبيين ممن كانت لهم حظوة عند المستوطنين 
الطليان. حينما دخلت المبنى كانت إدارة المصيف والاستقبال مشغولة بأمور 
روتينية؛ ولذا لم يسألني أي شخص عمّا أريد» وهكذا أخذت طريقي بيسر وسهولة 
إلى الشاطئ. لما وصلت إلى الشاطى» كانت هناك مجموعة من الطليان والليبيين 
من ذوي الحظوة» وكان أحدهم يُدعى الزنتوتي والآخر علي كابوء وهؤلاء ماإن 
شاهدوني حتى سارعوا إلى شتمي وطردي ورموني بالحجارة؛ ولذا غادرت 
المكان واتجهت إلى مصيف آخر. كان شوقي عارمًا لرؤية البحر. اتجهت إلى 
المصيف الواقع بالقرب من جزيرة الدوران في باب قرقارش» وهو مصيف يعرف 
بأنه ل"الجالية اليهودية الليبية". هناك واجهنى المشهد ذاته» وتعرضت للمعاملة 
نفسها؛ ولذا غادرت المكان واتجهت إلى مصيف آخرء ماإن وصلت وحاولت 
الدخول» حتى اكتشفت أنه مصيف خاص بالعسكريين الإنكليز. 

كان عند بوابة المصيف بضعة جنود بريطانيين مع كلاب حراسة, وما إن 
شاهدوني وأنا أهمّ بالدخول حتى سارعوا إلى منعي وشتمي وطردي وأفلتوا 
عليّ كلبًا. هذا اليوم» حفر حفرة عميقة في قلبي ووجداني وعقلي. إنها حفرة 
عميقة من المرارة والسخطء. وأدركت بعمق أن ليبيا ليست ملكا لليبيين» 
وأن اشتياقي إلى رؤية البحر ذهب سدى بسبب الغرباء الذين كانوا يتمتعون 
بالشواطئ وحدهم. وفي هذا اليوم» زادت قناعتي بأن الثورة هي الحلء 
وترسخت في ذهني فكرة تسريع مراحل تفجير الثورة»؛ حيث باتت الصورة 
بالنسبة إلي هي ثورة تحرير قبل أن تكون ثورة اجتماعية. 
(4) وقعت الدولة الليبية في اليوم نفسه إعلان استقلالهاء في 24 كانون الأول/ ديسمير 1951» مع كل 
من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية من خلال ثلاث معاهدات عسكرية مؤقتة» بموجبها 


أصبح لتلك الدول الحق في استمرار وجود قوات عسكرية على التراب الليبي» بريطانيا في برقة 
وطرابلسء وفرنسا في إقليم فزان» والولايات المتحدة في قاعدة الملاحة. 


230 


إن لهذه المدينة سحرها ونكهتها الخاصة؛ كيف لا وقد كتب عنها المؤرخ 
الفرنسى جان كلود زلنتير ء<اء7 ع0110-موع1) كتابًا عنوانه طرابلس: ملتقى أوروبا 
وبلدان وسط أفريقيا 1795-1500» ذكر فيه أن مدينة طرابلس كانت فى ذلك 
الوقت الأكثر غتّى ورفاهية بين مدن جنوب البحر الأبيض المتوسط وشماله؛ وأن 
هذا ليس بسبب ثرواتهاء وإنما بسبب حيوية شعبها. هذه الشهادة من مؤرخ غربي 
زرعت الثقة في نفسيء كما عززت إيماني بعظمة الشعب الليبي» وتمنيت لو أن 
الشباب الليبيين يقرأون هذا الكتاب» وقد نقله إلى العربية المهندس جاد الله عزوز 
الطلحي”*» وأريد أن أشكره على هذا العمل الرائع. 


خريطة الأقاليم الليبية الثلاثة: طرابلسء برقة؛ فزان 


© ولاية برقة 
© ولاية فزان 
© ولاية طرايلس 


المصدر: وحدة التصميم في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. 


(5) جاد الله عزوز الطلحي: سياسي ودبلوماسي. شغل منصب أمين اللجنة الشعبية العامة وهي 
المعادل الموضوعي لرثاسة الوزراء في ليبيا في فترتين؛ الأولى من 2 آذار/ مارس 1979 إلى 16 شباط/ 
فبراير 1984. والثانية من أيلول/ سبتمبر 1986 إلى 1 آذار/ مارس 1987. وقد كان له دور في الحياة 
الثقافية في البلاد»؛ حيث ترجم من الفرنسية إلى العربية عددًا كبيرًا من المراجع التاريخية الغربية من بينها 
الكتاب الصادر عن مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية بعنوان البربر الذاكرة والهوية - أصول 
السكان في ليبيا - آراء غربية؛ وتاريخ الصحراء الليبية في العصور الوسطى. 


31 


في عام 1962», حينما كنت طالبًا في إحدى مدارس طرابلس الثانوية» كان 
لي صديق اسمه مسعود ضو وكان يملك متجرًا في شارع عمر المختار بالقرب 
من النادي المصري. ذات يوم في صيف 1962 زرته في متجره. وبعد الغروب 
أغلق المتجر ودعانى إلى تناول العشاء معه حيث يسكن فى منطقة عرادة. ركبنا 
دراجته النارية التى قادها بنفسه وكنت خلفه. وسلكنا طريق سيدي المصري؛ 
وبينما كنا نسير على الدراجة النارية» مرّت بجانبنا سيارة مدنية مكشوفة يستقلها 
أربعة جنود أميركيين من جنود القاعدة الأميركية فى الملاحة» وكانوا يتناولون 
الخمر في أثناء قيادتهم السيارة. حين مرّوا قربنا ضرب أحدٌ الجنود صديقي 
مسعود بزجاجة خمر فارغة على رأسه. فأغمي عليه وفقد الوعي ونزفت الدماء 
من رأسه. فاصطدمت الدراجة النارية بشجرة. الأمر الطيب أننى تمكنت من 
التعرف على رقم السيارة. في هذه الأثناء» هبّ أحد المواطنين لنجدتنا ونقّلنا 
إلى المستشفىء لكنني طلبت منه أن ينقلنا أولا إلى مركز شرطة بن غشير الذي 
لا يبعد كثيرًا عناء لتقديم شكوى ضد الجنود الأميركيين. وحين وصلنا إلى مركز 
الشرطة» فوجئت بأن الضابط المسؤول عن المركز يقول لى: "المعاهدة المبرمة 
بين أميركا وليبيا تنص على أن الجنود والضباط لا يخضعون للقوانين الليبية: 
بل للقوانين الأميركية" فكان هذا الخبر المؤلم صاعقًا لي» ورسخ قناعاتي أكثر 
فأكثر بالعمل من أجل تفجير الثورة لتحرير ليبيا. 

وفي هذا العام أيضًاء حدث في أثناء إحدى دورات معرض طرابلس 
الدولي» أنني كنت خارجًا من المعرضء لما وجدت في الشارعء أمام بوابة 
المعرض مباشرة» مجموعة من الأجانب» عرفت في ما بعد أنهم أوروبيون» 
كانوا يعنفون ويشتمون ويكادون يضربون بائع حليب يستخدم حماره للتجول 
في المدينة لبيع الحليب» وكان هذا المواطن يضرب حماره لكي يسرع. كانت 
هذه المجموعة تدّعي أنها "من جماعات الرفق بالحيوان". كان المواطن 
المسكين في وضع محرج وصعب وفي حالة رعب وخوفه. ولم يعد يعرف كيف 
يتصرف لأنه لايعرف لغتهم. حاولت التحدث مع هذه المجموعة لأفهم منهم 
ماالذي يجري» ولما عرفت القصة أخذت العصا من صاحب الحمار وبدأت 
بضرب الحمار وأنا أقول لهم: "أنتم تستخفون بعقولنا وبوعيناء وتدّعون أنكم 


22 


ترفقون بالحيوان وفي الوقت نفسه تقتلون الشعوب في فيتنام وفلسطين وكوريا. 
إن رفقكم بالحيوان يفقد أي صدقية وكأنكم تريدون أن تقولوا لنا إن الحيوان 
أهم من الإنسان". في النهاية» قال صاحب الحمار: "بارك الله بك يا وليدي 
خلصتني منهم وهم يرطنوا عليّ ولا أعرف ماذا أرد عليهم". 

وأذكر أنني حينما كنت في المرحلة الثانوية» قرأت بعض مؤلفات عباس 
محمود العقاد. الكاتب والمفكر المصري المشهورء فأعجبت بكتاباته» وأعترف 
بأنها كانت بالنسبة إلي آنذاك كالطلاسمء وكنت أقرأ كل فقرة أو فكرة مرتين 
أو ثلاث مرات. حتى إِنْ كتاباته بدت صعبة ومعقدة مثل اسمه» وتولدت لدي 
قناعة أنه هو "عميد الأدب العربى" وليس طه حسين. ولما علمت أن لديه موقمًا 
معاديًا للمرأة اندهشت من ذلك واعتبرت أن هذا يتناقضش مع مكانته بصفته 
مفكرًا ومثقمًا من الطراز الأول» فقررت أن أرسل إليه رسالة رغم أنني أعرف 
أنها لن تصل إليه» وإن وصلت فلن يعيرها أي اهتمام. في هذه الأثناء كان معمّر 
يدرس في مدرسة مصراتة الثانوية» وكانت عائلة سيف النصر التي كانت تحكم 
القانونى اعترض وقال للمجلس: "إن المجلس لا يملك صلاحية على الولايات 
الأخرى. لكن لو أنكم طردتموه من مدارس فزان فسوف لن تقبله أي مدرسة 
فى أي ولاية» لأن أي مدرسة فى الولايات الأخرى ستطلب منه شهادة حسن 
سيرة وسلوك". ولكي يتمكن معمّر من استكمال دراسته» كان عليه أن يحصل 
على شهادة براءة من ولاية فزان؛ وبما أنه مطرود من مدارس الولاية» فإنه لن 
يتمكن من الحصول على شهادة البراءة. ولكن لحسن الحظء. كان على رأس 
إدارة البصمات أخي عمرء فقام بتزوير شهادة حسن سيرة وسلوك» ولذا تمكن 
معمّر من مواصلة دراسته الثانوية بولاية طرابلس فى مدرسة مصراتة الثانوية. تلقى 
معمّر مساعدة من بعض أعضاء الحركة في المدينة» من بينهم محمد خليل» وسالم 
والي وغيرهما. كان الأخ معمّر يأتي لزيارتنا في طرابلس كل يوم خميسء ثم 
يعود مساء الجمعة» وكنّا نمضي عطلة الأسبوع معًا. كان يعيش وينام في 
منزلنا في زنقة أبو وذينة بشارع بن عاشور كأنه من أفراد الأسرة. في خريف 
هذا العام. وفى أحد أيام الجمعة. وبينما كنا نتناول طعام الغداء - وعادة 


23 


مايكون ذلك في وقتٍ متأخر - وكان وجبة شعبية تسمى "البازين"”©» ارتفع 
أذان العصرء فتوقف معمّر عن تناول الطعام قائلًا: "أريد أن أصلي". فغضب 
أخى عمر وقال له: "هذا ليس إسلامًا. فى إمكانك أن تصلى العصر إلى ما قبل 
المغزب". ثم قال له: "يا معمّر أنت تدّعي أنك ملاك ولكن أنا خائف يومًا 
أن تطلع لنا شيطانًا (أي تظهر على حقيقتك)". كنا في عام 1959» قد أَسّسنا 
تنظيم حركة الوحدويين الأحرار. وفي عام 21960 اختار التنظيم لجنة مركزية 
شُميت اللجنة المركزية لحركة الوحدويين الأحرار برئاسة الأخ معمّر القذافي 
وعضوية كل من عبد السلام جلود؛ محمد الزوي» سالم الطاهر الحضيري» 
إمحمد الحضيري» محمد خليلء سالم والي» عمر المحيشيء إبراهيم أيجاد. 
الهادي فضل. في عام 1963. اقترح الأخ معمّر أن يتوجه أعضاء الحركة إلى 
الكلية العسكرية» متخليًا عن أساس الحركة - عام 1959 - وهو التوجه إلى 
الجامعات والمعاهد العليا لتفجير ثورة شعبية تطيح النظام الملكي العميل؛ كما 
أنها تقوم على أساس التجذّر في الشعب لإحداث التغيير. كانت الحركة تقوم 
على أساس الصرامة في اختيار الأعضاء من حيث الالتزام والسلوك وحسن 
الأخلاق والاستعداد التام للتضحية» وأن تتوافر في العنصر المواصفات الثورية 
والاجتماعية والأخلاقية "الملائكية". 


لكن - للأسف - تم التخلي عن هذه الضوابط» حينما طرح معمّر فكرة 
"عسكرة الحركة"؛ ففي عام 1963» فاجأ الأخ معمّر الجميع» بأن طرح فكرة تحوّل 
الحركة من "حركة مدنية" إلى "حركة عسكرية". وقال حرفيا: "نحن حينما نتوجه 
إلى الكلية العسكرية؛ فإننا لانفعل ذلك لنصبح جنرالات» بل لكي يكون لدينا 
سلاح لتفجير الثورة وتحرير ليبياء لأن ليبيا مستعمّرة بالقواعد الأميركية والإنكليزية 
وبوجود جالية إيطالية استيطانية كبيرة» تسيطر على الاقتصاد الليبي» إضافة إلى أن 
ليبيا ثلاث عواصم. وثلاثة جيوش وقوات متحركة في كل ولاية» وإن عملية تفجير 
ثورة من الجامعات والمعاهد هي شيء نظري وغير مضمون النتائج". 


(6) طبق ليبي معروف أيضًا في تونس. يتكون من دقيق القمح وأحيانًا دقيق الشعير ولحم الخروف 
والمرق. وهو أحد الأطباق التقليدية التي يجري تحضيرها في الأعراس. 


234 


طرح معمّر على اللجنة المركزية قرار تحويل الحركة إلى حركة عسكرية» 
بحيث يتوجه كل أعضاء الحركة إلى الانتساب إلى الجيش الليبي270, ويكون 
هذا القرار قرارًا مازمًا للجميع» ومن لا يلتزم ؛ به يُطرد من الحركة تلقائيا. . عرض 
مؤيدة و5 أصوات ضد القرارء فقلت للأخ معمّر: "إن الفكرة التي التقينا عليهاء 
سنة 1959 حينما أَسّسنا حركة الوحدويين الأحرارء هى التوجه إلى الجامعات 
والكليات والمعاهد العلياء وإحداث ثورة شعبية تطيح النظام الملكي العميل» 
وأن يكون الطلبة والشباب عمومًا هم محرّك هذه الثورة» وأن تقوم الحركة 
على أسس أيديولوجية وعقائدية وتنظيمية» كما تقوم على الصرامة في اختيار 
الأعضاء من حيث الالتزام والمسلك والأخلاق وعلى الاستعداد للتضحية» 
وأن تتوافر في العضو مواصفات ثورية". 

عارضت هذا الأمر بإصرارٍ وعنادٍ شديدين. لقد قاومت هذا التوجه. 
ولكن - للأسف - حصل هذا التوجه على موافقة أغلبية الأصوات؛ فأعلنت: 
لإنتي ف في الوقت الذي أحترم فيه هذا القرار لكتني لن أطبقه على نفسي"؛ ثم 
بلا جدوى. لقد كانت ثقافتى ضد عسكرة الحركة» فقد تشبعت بثقافة الجماهير 
الشعبية. ظل معمّر مُصِرًّا على دخولي الكلية العسكرية قاتلًا: "من الضروري 
أن نذهب معًا إلى الكلية العسكرية لكي نتعاون على < ضمّ أكبر عددٍ ممكن من 
الطلبة العسكريين إلى الحركة". 

وهكذا صدر عن قيادة الحركة في أجواء هذا النقاش المتواصل القرار 
التالى» وقد التزمت به: 

6» وتكون الخدمة فيه عن طريق التطوع. . وتم بموجب هذا ذا المرسوم تأسيس حرس ملكي: وتسري 
عليه الأحكام الواردة في قانون تأسيس الجيش. 


35 


1 - يجب على كل أعضاء الحركة الانتساب إلى الكلية العسكرية©. 


2 - على أعضاء الحركة الذين يتم قبولهم في الكلية العسكرية أن يعملوا 
من أجل ضمّ أكبر عدد ممكن من طلبة الكلية. 

لذاء حصل انحرافان خطيران في مسار الحركة: الأول؛ "عسكرة الحركة"؛ 
والثاني» التخلّي عن المواصفات والشروط الصارمة لضم أو قبول أي عضو 
جديدء نظرًا إلى أن معظم أعضاء الحركة من المدنيين لم يتمكنوا من الانتساب 
إلى الكلية العسكرية لأسباب كثيرة» وأهمها الأسباب الصحية. 


كان الأخ معمّر يدرس في ثانوية مصراتة» بينما كنت أدرس في إحدى 
ثانويات طرابلس حينما رفضت تطبيق قرار عسكرة الحركة» وركزت على 
الاهتمام بالتنظيم المدني للحركة» كنت في هذا الوقت قد فشلت في 
التوصل إلى أي اتفاق مع الأخ معمّر. ظل معمّر يحاول معي بلا كلل أو 
ملل وهو يقول لي: "أنت تفتقر إلى المرونة السياسية. أنت مثالي". وكنت 
أردّ عليه بالقول: "الموضوع موضوع ثقافة وقناعة. الفكرة التي التقينا عليها 
هى الذهاب إلى الجامعات والكليات والمعاهد العلياء والعمل داخل 
أوساط الطلبة لإحداث ثورة شعبية» هذه ثقافتي ولا أستطيع تغييرها". ومع 
كل ذلكء. ظل معمّر يلح عليّ. ولمّا اقترب موعد تقديم طلبات الانتساب 
إلى الكلية العسكرية» بعث إلي برسالة يطالبني فيها بضرورة أن نذهب معًا 
إلى الكلية العسكرية» لتتعاون على ضمَّ أكبر عددٍ ممكن من الطلبة إلى 
الحركة. ثم زارني في طرابلس» وحاول إقناعي» لكننا لم نتوصل إلى أي 
اتفاق. وتركنا الباب مفتوحًا من دون حسم. ولمّا تحدّد موعد تقديم طلبات 
الانتساب إلى الكلية العسكرية» وكان ذلك يوم الأربعاء في تموز/ يوليو 


(8) الكلية العسكرية الملكية: جرى إنشاؤها بموجب مرسوم من الملك إدريس الأول السنوسي. في 
2 حزيران/ يونيو 1957» على نحو تكون فيه تابعة لوزارة الدفاع التي كان يرأسها الصديق المنتصر 
(1979-1912) في حكومة عبد المجيد كعبار (1960-1957). والغاية منهاء كما جاء في المادة 
الأولى من المرسوم. تخريج ضباط للجيش الليبي» حيث كان معظم الطلبة العسكريين الليبيين يدرس 
العلوم العسكرية في كل من مصر والعراق. 


36 


290 


4».» وهو آخر موعد لتقديم الطلبات. جاء الأخ معمر من مصراتة 


إلى طرابلس. 


وحوالى الساعة الحادية عشرة صباحًاء كنت كعادتى فى مقهى الخضراء 
ألعب لعبة "طاولة الزهر". في هذه الأثناء وقف الأخ معمّر قربي. بعد أن حيّاني 
قال لى: "هل أعددت أوراقك؟" فقلت: "لا", فغضب وطلب منى أن نذهب 
على عجل لإعداد الأوراق المطلوبة. وأذكر أننا ذهبنا إلى إدارة المباحث» وكان 
على رأسها العقيد خالد غريبة» فاستخرجنا ورقة "الخلو من السوابق". ثم ذهبنا 
يوم الخميس إلى معسكر العزيزيّة لأقدم أوراقي. ويوم السبت ذهبت أنا ومعمّر 
لإجراء الفحص الطبي. 

وحدث أن الأطباء» وهم من الصين الوطنية» كانوا في حالة إعياء وتعب 
شديدين. بعد أن فحصنى الطبيب قال لى: "يوجد ثقب فى طبلة الأذن". وهكذا 
فشلت في اجتياز الاختبار الطبي. كان الأخ معمّر ينتظرني خارج المستشفى» 
فسألني: "هل اجتزت الفحص؟" فقلت له: "الحمد لله فحتى صحَيًا أنا غير 
لائق للانتساب إلى الكلية العسكرية". وقبل أن أنهى كلامى» ذهب مسرعًا 
لمقابلة رئيس اللجنة» وكانت برئاسة حسن السنوسيء وهو عقيد ركن كان 
نموذجًا في العلم العسكري وفي سمو الأخلاق» وقال له: "أرجوك أن تعطي 
هذا الطالب فرصة. لأنه طالب ذكي ومتميّر ولديه عقل منظم. وحرام أن تخسره 
المؤسسة العسكرية"» فوافق حسن السنوسي على منحي فرصة إعادة الفحص 
الطبي. وأنا لم أجد سيا لإعطائي فرصة ثانية غير الإرادة الإلهية. 


أما بالنسبة إلى محمد الزوي الذي نجح في الفحص الطبي» فقد 
واجه معارضة شديدة من خاله محمد عثمان"' الذي كان رئيسًا للوزراءء 


(9) مصراتة: تقع بالشمال الغربي لليبياء على بعد 210 كيلومترات من العاصمة طرابلس في اتجاه 
الغربء وتعتبر ثالث أكبر التجمعات السكنة الليبية كثافة بعد مدينتّي طرابلس وبنغازي, وتعتبر العاصمة 
الاقتصادية والتجارية للبلاد نظرًا إلى نشاط حركة الموانىئ وازدهار الصناعة والتجارة. 

(10) محمد عثمان الصيد: ويعرف باسم محمد بن عثمان تولى منصب رئيس وزراء ليبيا (1960- 
3). 


237 


ومن أخيه يوسف الذي كان يعمل مديرًا لمكتب ولي العهد. لقد مارسًا 
عليه تأثيرًا كبيرّاء فاضطر إلى السفر إلى القاهرة لدراسة الحقوق وقد زرته 
فى منزله عدة مرات». فى محاولة لإقناعه والضغط عليه. لكن ضغط أسرته 
كان أقوى. وكان من نتيجة هذا الوضع أن التنظيم المدني أصبح ضعيمًا 
لصالح التنظيم العسكري. وحلّت حركة الضباط الوحدويين الأحرار محل 
حركة الوحدويين الأحرار المدنية» وكان من بين الذين انتسبوا إلى الكلية 
العسكرية الأخ معمّرء وعمر المحيشي» ويوسف الدبري» ومفتاح إسبيع» 
وعبد الكبير الشريف.وأتذكر أن عبد الرحمن الصيد لم يتمكن من اجتياز 
الاختبار فى الفحص الطبى؛ نظرًا إلى اكتشاف الأطباء وجود خلل فى عمل 
القلب وتزايد نبضاته. فى هذا الوقت» قرر محمد الزوي تحت ضغط عائلته 
السفر إلى القاهرة» فذهبت بنفسي للقائه وثنيه عن الرضوخ لضغوط العائلة» 
وأن يتوجه بدلا من ذلك إلى الكلية العسكرية» لكننى اكتشفت خلال 
حواري معه أنه مرغم على السفر وأنه يرفض الإذعان لقرار الحركة. ولذاء 
جرى فصله من الحركة. 

ثم ذهبت إلى لقاء عبد الرحمن الصيد بعد فشله في الاختبار الصحيء 
لآننا قررنا أن نعمل بكل ماهو ممكن لضمان نجاحه في اختبار السنة التالية. 
قدّم عبد الرحمن الصيد أوراقه من جديد للكلية العسكرية» وقبل موعد 
الفحص الطبي» فذهبت مع الأخ إبراهيم أبجاد إلى طبيب مصري كانت لديه 
عيادة في حي الظهرة بطرابلس. وصفنا للطبيب المصري حال عبد الرحمن 
الصيد الصحية؛ فأعطانا دواء (كبسولات) قائلًا: "يجب أن يتناول صاحبكم 
حبتين قبل الفحصء. بساعة أو ساعتين". وبالفعلء» تناول عبد الرحمن الدواء 
وتقدّم للفحص الطبي واجتاز الاختبار بنجاح وتمكّن من الانتساب إلى الكلية 
العسكرية. فى هذه الأثناء علمنا أن عمر المحيشى بدأ فى مقاومة فكرة الدخول 
إلى الكلية العسكرية تحت ضغط عائلته. وأنه بدأ يميل أكثر فأكثر إلى العمل 
ضمن "التيار المدني". وكان علينا أن نمارس ضغطًا مضادًا بلا توقف حتى 
يوافق المحيشي على تنفيذ قرار الحركة بالانتساب إلى الكلية العسكرية. بعد 
جهد شاقء أذعن المحيشي للقرار وتقبّل على مضض فكرة تقديم أوراقه إلى 


238 


الكلية العسكرية» خاصة أنه من أسرة غنية» وعادة ماترغب الأسر الغنية في 
رؤية أبناتها مهندسين وأطباء ومحامين. 

حينما أصبحت من طلبة الكلية العسكرية» تمكنت من اجتياز امتحان الصف 
المستجد إلى الصف المتقدم» وكان ترتيبي بين الطلبة هو الخامسء» ولذلك 
حملت رتبة "أقدم نائب عريف"؛ وكنت مسؤولًا عما يُدعى بالمصطلح العسكري 
"حظيرة طلبة". وبما أننا كنا نعيش في عنبر كبير يضم حظيرتين» فقد أصبحت 
عمليًا مسؤولًا عنهماء أي عن مجموعة من الطلبة العسكريين» من بينهم الأخ 
معمّر والأخ أبو بكر جابر يونس”". واكتشفت أننا في الحظيرتين نمثل في الواقع 
مجموعتين مختلفتين في الطباع والاهتمامات. 


كانت لوائح الكلية وقوانينها تمنع على الطلبة اقتناء مذياع» ولأنني أنا والأخ 
معمّر لم نكن نستطيع العيش بلا مذياع» فقد كان لدينا مذياع خاص بنا وكنا 
مدمنين سماع إذاعة صوت العرب2» وخاصة أحمد سعيد وجلال معوض» 
وخطابات الرئيس عبد الناصر. لقد وجدتني أمام مفارقة محرجة؛ فالمجموعة 
الثانية كانت تمتلك مذياعًا أيضَاء وكانت تستخدمه طوال الوقت للاستماع 
إلى الأغاني الغربية الراقصة» وكان بينهم خليفة التكبالي (1968-1938)): 
وهو مثقف يساري سبق له أن عاش في ألمانياء وكان يكتب القصص القصيرة» 
ومعه شخص آخر يدعى محمد بن طاهر؛ فإذا ماسمحت لنفسي والأخ معمّر 
بامتلاك مذياع» ففي هذه الحالة يجب أن أسمح لبقية الطلبة بالحق نفسه. أو أن 
أقوم بمنعه عن الجميع. احتجٌ الأخ معمّر لآن المجموعة الثانية كانت تستمع إلى 
موسيقى غربية صاخبة وترقص على أنغامهاء فقال لي: "يجب أن تصادر المذياع 


(1) أبو بكر جابر يونس: أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في ثورة الفاتح» وجرت ترقيته في 
كانون الثاني/ يناير 1970 إلى رتبة مقدم ثم عين رئيسًا لقيادة الأركان. قضى في عملية قصف طائرات 
الناتو لمدينة سرت برفقة معمر القذافي في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2011. 

(12) إذاعة صوت العرب: هى إذاعة مصرية كانت تبث من القاهرة» تأسست فى 4 تموز/ يوليو 21953 
وقد ذاع صيتها لأنها كانت تنقل إلى الجماهير العربية خطابات الرئيس جمال عبد الناصر ومواقفه 
السياسية المؤيدة للقضية الفلسطينية والوحدة العربية ومقاومة الاستعمار الأجنبيء والتي كان لها بالغ 
التأثير في الرأي العام العربي. 


39 


منهم وتعاقب هذين الطالبين"» فرفضت وقلت له: "أخ معمّر أنا أعرف عملي 
جيدًا. هذان الطالبان لديهما مشكلات إدارية ولا أريد أن أتسبّب فى طردهماء 
ولأن وجود مذياع محرّم على الجميع؛ ففي هذه الحالة يجب ألا يكون لدينا 
أنت وأنا مذياع؛ وهكذاء فإمًا أن نطبق القانون على الجميع أو لا". لكن الأخ 
معمّر نهض من مكانه وذهب مسرعًا للقاء ضابط الخفرء وهو في رتبة نقيب 
واسمه إسماعيل الصديقء قائلا له: "نائب العريف عبد السلام لا يسيطر على 
الطلبة» وهناك مجموعة من الطلبة لديها مذياع تسمع فيه أغاني غربية راقصة". 
وبسبب هذه الشكوى التي تقدّم بها الأخ معمّر ضديء تلقيت عقوبة بحرماني 
من مغادرة الكلية طوال أربعة أسابيع متتالية» مع "ست ساعات "تذنيب' (أي 
عقوبة)". وخصم 28 درجة من "علامات السلوك". وهكذا أيضًا فقدت ترتيبي 
المتميز وأصبحت في المرتبة الثامنة. ونتيجة لتعرضي لعقوبات مُتكررة. 
تآكلت درجات سلوكي التي هي من ضمن المجموع؛ ولذا تخرجت في الكلية 
وترتيبي هو الثامن”©. تسبب هذا في تدهور علاقتناء أنا والأخ معمّر» مع خليفة 
التكبالي» ولكن بعد وقت قصير سعى التكبالي إلى إصلاح العلاقة معناء وهذا 
ما جرى بالفعل. كان للتكبالي أخ يشغل منصب سكرتير عام مجلس النواب 
مقرّه في البيضاء'*'"» بينما كانت عائلته تقيم في بنغازي» وقد دعانا إلى تناول 
طعام الغداء معه في منزل شقيقه» وكانت مائدة فيها كل ما لذ وطاب وكنًا أحوج 
ما نكون إليها. 

على الغداء تبادلنا شتى الأحاديثء فقال التكبالى: "أنا أكنّ لكما احترامًا 
شديدًا". ثم أردف قائلا: "لا أعرف ماذا يدور في رأسيكما أو ماذا تخططان؛ 
لكنني أشعر أنكما ستؤديان دورًا مهمّاء وسيكون لكما شأن عظيم". في الواقع 


(13) أصدر الملك إدريس السنوسي مرسومًا ملكيًا بتعيين ضباط الجيش الليبي برتبة ملازم ثانٍء في 
8 آب/ أغسطس 5ه وكان قد وقّع على المرسوم وزير الدفاع آنذاك عبد السلام بسكيري» وضّت 
القائمة عددًا من النواة الأولى لحركة الضباط الأحرار الليبيين على رأسهم معمّر القذافي وعبد السلام 
جلود. 

(14) مدينة البيضاء: واحدة من المدن الرئيسة التي تقع في شمال شرق ليبيا أعلى قمة الجيل الأخضرء 
وتعد ثانية كبرى المدن في المنطقة الشرقية» بعد بنغازي. 


40 


انتابتنا الأخ معمّر وأنا مخاوف وهواجس من حديثه هذاء لكن الأيام برهنت لنا 
أنه كان رجلا وطنيًا ومثقمًا حقاء فقد احتفظ بهذا السرٌ لنفسه ولم يبح به لأحد. 
في عام 1966» حصلت على منحة دراسية في الولايات المتحدة 


الأميركية» وأذكر أننى حين وصلت إلى قاعدة فورت هاملتون فى نيويورك. 


في اليوم التالي لوصولي, سارعت إلى قراءة لوحة الإعلانات في القاعدة» 
وعلمت أن علىّ أن أذهب إلى مدينة سان أنطونيو فى تكساسء. فخفت ألا 
أتمكن من مشاهدة مدينة نيويورك التي أبهرتني؛ ولذا قررت ألا أنفذ الأمرء 
وبقيت في مدينة نيويورك مدة أسبوعين» وأذكر أنني نزلت في فندق مؤلف 
من تسعة طوابق في شارع 43» وبعد دراسة اللغة الإنكليزية انتقلت إلى ولاية 
فرجينيا بمنطقة فورث بولفوار» وقد تعرفت على طالب أميركي اسمه "تور" كان 
حائرًا شهادة الدكتوراه فى طبقات الأرض (الجيولوجيا)» وقد جاء إلى مدرسة 
الهندسة لأداء الخدمة الوطنية» واكتشفت أنه كان ضد الحرب في فيتنا 
فأصبحنا صديقين. كنا نذهب دائمّاء أنا وتور في عطلة نهاية الأسبوع إلى مدينة 
واشنطن., وكان دائمًا يقول لى: "جلود بلدك ليس فى حاجة إلى جنرالات. إنه 
المخابرات؟". 

كانت المدرسة التي درسنا فيها غالبا ما تنظّم للطلبة الأجانب زيارات لبعض 
الجامعات. وفي إحدى هذه الزيارات التقيت ببعض الأساتذة. كان بعضهم 
يقول لي بطريقة استفزازية: "عندكم في الإسلام لكي تكون مسلمًا عليك أن 
تتزوج بأربع نساء؟". وكعادتي في الحوارات التي أخوضهاء فقد كنت أستخدم 
أسلوب الهجوم, ولذا رددت على بعض هؤلاء: "وأنتم» يمكن لأي واحد منكم 
أن تكون لديه عدة صديقات". ثم أضفت: "ليس من شروط الإسلام أن يتزوج 
المسلم بأربع نساء؛ لكنها رخصة محددة بشروط صعبة من بينها أن يكون الرجل 
عادلًّا مع النساء". ثم استطردت قائلًا: "الإسلام دين الحرية. إذا ما قررت المرأة 


41 


ألا تكون هى الزوجة الثانية فلن يكون هناك تعدد للزوجات» وقد حصل ذلك» 
فهذا ممكن» وقد حصل مرادًا وذلك مع ارتفاع مستوى الوعي عند النساء. لقد 
رفضن فكرة الزوجة التانية» وكذلك الكثير من الرجال أصبحوا أكثر إيمانًا بفكرة 
الزواج بامرأة واحدة وخاصة في المدن". ولم يكن هذا الجواب بالنسبة إليهم 
متوقعًا. ثم قلت لهم: "المسلم مسلم حتى إن عزف عن الزواج". 


التحضير للثورة 


في هذا الوقتء كنا نستغل العْطّل والأعياد الدينية لعقد الاجتماعات» 
وكنًا نُظهر الأمر على أساس أننا شبانٌ نحب رحلات الترّه والاستمتاع 
بالطبيعة. وبالطبع» غالبا ما كان هذا يثير انزعاج عائلاتنا وغضبهاء لأننا لم نكن 
نقضي معها أيام الأعياد. كان يجري عقد معظم اجتماعات الضباط الوحدويين 
الأحرار في شقتي بمنطقة زاوية الدهماني في طرابلس» وأحيانًا في منزل 
الطاهر المحيشي» شقيق عمر المحيشي, الكائن في منطقة جنان النوار في 
شارع مزران في طرابلس. كان الطاهر يساريّاء وشغل منصب وكيل وزارة 
العمل والشؤون الاجتماعية» وكان كثير السفر؛ ولذا استغل عمر منزل شقيقه 
لعقد اجتماعاتنا. وذات يوم فاجأنا مصطفى الخروبي*" بآن طلب منّا عدم 
الاجتماع في شقتي لأنها أصبحت "تحت رقابة الأمن والمخابرات". بيد أننا 
اعتبرنا ذلك نوعًا من المبالغة في الحذر. وكان مصطفى كعادته حذرّاء ثم تأكدنا 
بعد انتصار الثورة أنه كان على حق, وأن شقتى كانت تحت رقابة صارمة. وبعد 
الثورة» قدّمت المجموعة المكلفة بمراقبة شقتي تقريرًا تسرد فيه التفصيلات 
كلها. وخلال اجتماع في منزل طاهر المحيشي» شقيق عمرء في تشرين الثاني/ 
نوفمبر 1968» تدارسنا اقتراحات متعلقة ب "موعد تفجير الثورة". وكان هناك 
رأيان» أحدهما تبنّاه بعض الضباط» وهو يقضى بتأجيل موعد الثورة "خمس 
سنوات" بينما تبنّيت أنا وعمر المحيشي ريا آخر يقضي بأن نقوم بتفجير 


(15) مصطفى الخروبى (2015-1939): ضابط ليبى» شارك فى تأسيس "حركة الضباط الوحدويين 
الأحرار". 


42 


الثورة بعد ستة أشهر. أمَا الأخ معمّرء فلم يوافق على الرأيين» وقال في نهاية 
الاجتماع: "لست مع هذا الرأي ولاامع ذاك". وهكذا أخفقنا فى تحديد موعد 
الثورة. ثم عقدنا اجتماعًا في مزرعة المهدي العربي» في آذار/ مارس 9 
وكان النقاش ساخنًا والحوار محتدمًا ومنفعلًا. بدا التوتر على الجميع؛ ولذا 
انتهى الاجتماع بآراء ومواقف مختلفة» وانفضُ صاخبًا من دون التوصل إلى 
أي قرارات. ثم حددنا عدة مواعيد للقيام بالثورة في عام 1969. وكان الموعد 
الأول للثورة هو استغلال مناسبة إقامة حفل غنائي لأم كلثوم في طرابلس كان 
مبرمجًا في 12 آذار/ مارس 9 . حيث سيكون معظم المسؤولين الكبار 
الوزراء وضباط الجيش والشرطة. ووجود كل هؤلاء في مكان واحد يسهل 
لنا عملية اعتقالهم. بيد أن وجود عدد غفير من المواطنين في الحفل حملنا 
على التراجع عن الفكرة في آخر لحظة. لقد خشينا من وقوع خسائر جسيمة 
في صفوف المواطنين» فضلًا عن ترويعهم. ثم حددنا موعدًا آخر. كان الموعد 
الجديد يتزامن مع أداء الضباط في الجيش لامتحانات الترقية. ونتيجة للاتفاق 
على هذا الموعد. قرر معظم الضباط الأحرار عدم التقدم للامتحان, لكننا 
اكتشفنا أن بعض الوحدات العسكرية في المنطقة الشرقية لم تكن جاهزة» 
حيث أبلغ أولئك الضباط الأخ معمّر أنهم ليسوا جاهزين للسيطرة على هذه 
الوحدات وتحريكهاء إما لأسباب عملية وأما لأسباب أمنية أو لوجستية. لأن 
ذلك كان يتطلب اعتقال الضباط الكبار في هذه الوحدات» لكي يتمكنوا من 
السيطرة عليها وتحريكها وتنفيذ الخطة. وخاصة وحدات درنة22 والأبيار )© 
فى المنطقة الشرقية. ولأسباب أمنية ولوجستية» قررنا تأجيل الموعد؛ وذلك 
ما أصاب الضباط الأحرار بالإحباط والغضبء حتى بلغ الأمر عند بعضهم 
درجة التمرد احتجاجًا على تأجيل موعد الثورة» وحرمانهم من الترقية. 


(16) تقع مدينة درنة على ساحل البحر المتوسط في شمال شرق ليبياء وتبعد نحو 1300 كيلومتر شرق 
العاصمة طرابلس. 

(17) الأبيار: تقع شرق مدينة بنغازي» حيث تبعد عنها نحو 60 كيلومترٌاء وجنوب شرق مدينة المرج 
التي تبعد عنها نحو 38 كيلومترًا. سميت بهذا الاسم لكثرة الآبار فيهاء وهي ذات موقع استراتيجي حيث 
تقع شمالها غابات وأراض خصبة صالحة للزراعة. 


43 


بدأ النظام الملكي العميل يكتشف التنظيم» فشرع في مراقبتناء واتخذت 
قيادة الجيش سلسلة من الإجراءات» منها مثلا قيام كتيبتين مدرعتين بقيادة 
العقيد عبد الله البنغازي» قائد سلاح الدروع» باحتلال معسكريء كما أنهم 
سحبوا الذخيرة والوقود» ومنعوني أنا ومعمّر من دخول المعسكرات» كما أنهم 
أمروا باعتقالناء وكذلك كانت كتيبة عمر المختار» وهي أهم كتيبة نعتمد عليها 
في طرابلسء. حيث كان لنا فيها ثلاثة عشر ضابطًا من الضباط الأحرار تم نقلها 
إلى سبها على مبعدة أكثر من ألف كيلومترء وأعطوا منتسبي الكتيبة إجازات» 
وطلبوا منهم الالتحاق فرديًا والتجمع فرادى في سبها خوفًا من أن يؤدي 
انتقال الكتيبة كلها إلى سقوطها في أيدينا. وقد أدت المخابرات العسكرية في 
الجيش دورًا مهما في كشف التنظيم؛ فهي تتولى مهمة تأمين الجيش» ومنع قيام 
تنظيمات ثورية داخله» والتجسسء ومراقبة الضباط الذين تظهر عليهم علامات 
وممارسات لاختراق الجيش وتأسيس تنظيمات مناوئة للنظام. كما أصدرت 
رئاسة أركان الجيش قرارًا يقضي بمنعي أنا والأخ معمّر من دخول معسكرات 
الجيش. وفي أحد الأيام» زرت مقر كتيبة عمر المختار في معسكر الهضبة 
في طرابلسء وكنا نعتمد على هذه الكتيبة في تفجير الثورة» نظرًا إلى موقعها 
الاستراتيجي؛ فهي تقع قرب العاصمة» ولأن لنا فيها ثلاثئة عشر ضابطًا من 
الضباط الأحرار. وبينما كنت جالسًا في بهو مقر الكتيبة» فوجئت بدخول آمر 
الكتيبة العقيد حسين الشريف. فانفجر في وجهي غاضبًا وقال لي: "يا حيوان» 
يا صاحب الوجه الأملق. ماذا تفعل هنا؟ أخرج. هذه آخر مرة أرى فيها وجهك 
في هذا المعسكر". كما أصدرت رئاسة الأركان أمرًا باعتقالي أنا والأخ معمّر. 


وبينما كنت فى كتيبتى» كتيبة الهندسة فى باب العزيزية» جاء حينها الرائد 
هامان من المخابرات العسكرية وألقى القبض عليّ. وزج بي داخل سيارة 
"لاندروفر" ذات ستائر سوداء. أخذني إلى رتاسة الأركان في باب العزيزية» ثم 
تركني عدة ساعات داخل غرفة مظلمة» فسيطر علي نوع من الخوف. وكان همّي 
هو "كيف سأحتمل التعذيب"” وألا أدلي بأيّ معلومة عن الحركة. ثم عاد الرائد 
هامان وأخذني لمقابلة رئيس الأركان شمس الدين السنوسي. وماإن دخلت إلى 


44 


مكتبه حتى بادرني بالقول: "أنت ملازم. اسمك مكتوب بالرصاص*'". ولكنك 
تتحدث في السياسة وتتتقد النظام". لم أرد على كلام رئيس الأركان. بعد 
أن وبخنى وحذرنى عدت إلى معسكري. علمنا فى ما بعد أن الملك لا يريد 
لقدسيته وهيبته أن تُخدشا من جرّاء اعتقال ضباط صغار كانوا يفكرون فى 
التمرّد عليه ويُعرف عن الملك بأنه شخصية تتسم بالعناد والتمسك بقراراته 
الشخصية؛ ولذا رفض عملية الاعتقال لأنها سوف تسيء إلى صورته وقدسية 
عرشه؛ أو التشكيك في شرعية ملكه: كما أن الإعلان عن وجود محاولة "تمرّد" 
أو وجود تنظيم عسكري يحضّر لثورة سوف يحرك المياه الراكدة في ليبيا؛ ولذا 
اختار الملك طريقة ناعمة وهادئة للتخلص من ضباط الحركة. 

كان الملك. وحاشيته وأعوانه. يعتقدون أن هؤلاء الضباط الصغار 
يحتاجون إلى ست أو ثماني سنوات ليصبحوا آمري كتائب وقادرين على تفجير 
ثورة» وهذه مدة كافية للتخلص منهم, ثم إن الجيش يتحرك بأوامر عسكرية عليا 
لا بقرارات ثورية من ضباط صغار. هذا هو التفكير السائد عام 1969» ليس في 
ليبيا وحدهاء بل هذا هو التفكير التقليدي في العالم كله؛ ولذا أعطوا أمرًا بعدم 
اعتقالنا. كان العقيد عون إشقيفة» مدير العمليات» هو الذي وقع على رسائل 
الاعتقال» وحينما جاء الأمر بعدم تنفيذ القرار» مزّق الرسائل وقال غاضبًا: "خلو 
الفروخ (أي الأولاد) يعملوا مايريدون". وبالفعل؛ حتى مطلع عام 21969 
كان الجيش يتحرك بقرار من الجنرالات الكبار في أيّ عملية عسكرية لإطاحة 
الأنظمة» وسواء كان النظام العميل في ليبيا أو في أي بلد من بلدان العالم» فإِنَ 
الضباط الكبار هم القادرون على تحريك الجيش. 

لكن بعد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969». أصبح الضباط الصغار الذين 
أسسوا وبنوا "حركة ثورية" أو أي تنظيم آخر هم الذين يمكن أن يحركوا الجيش 
بأوامر ثورية» وليس بالأوامر العسكرية العليا. 


(18) "اسمك مكتوب بالرصاص": مصطلح عسكري استخدم في وصف الضباط الجدد الذين 
لم يمض وقت طويل على خدمتهم. 


45 


في عام 41968 أبرم النظام الملكي العميل مع بريطانيا صفقة بشأن الدفاع 
الجويء فقرّر النظام تفريغ الجيش من حركة الضباط الأحرارء وذلك بإرسال 
أكبر عدد ممكن من ضباطنا إلى بريطانيا في عملية "إنهاء" للحركة. كان من بين 
شروط إرسال الضباط إلى بريطانيا للتدريب اجتياز امتحان اللغة الإنكليزية؛ 
فأصدرنا أمرًا لضباط الحركة أن يتعمّدوا الرسوب فى الامتحان بأنْ يجيبوا عن 
الأسئلة بطريقة خاطئة. ومع ذلك تمكن النظام من إرسال بعض ضباطنا حتى 
ليلة الثورة. وفي ليلة الفاتح كان هؤلاء الضباط يستعدون للسفر في الصباح 
الباكر إلى بريطانياء فتظاهرنا بتوديعهم؛ ولكنهم, بدلا من أن يذهبوا إلى المطارء 
ذهبوا لتنفيذ مهماتهم الثورية. قبل أشهر من الإعداد لتفجير الثورة» بدأنا حملة 
لتهيئة المناخ الثوري في الشارع الليبي» وبدأنا بطباعة المنشورات التي تهاجم 
النظام وتدعو إلى الثورة عليه» وتوزيعها ليلا في الأماكن العامة. 


في هذه الأوقات» كنت والأخ معمّر نُجري اتصالات مع بعض الرموز 
الوطنية في طرابلس وبنغازي» وقد تمكنا بمساعدة الأخ نوري نجم. شقيق الأخ 
محمد نجم» من ترتيب لقاء مع الأخ محمد بشير المغيربي ومصطفى بن عامرء 
وهما شخصيتان وطنيتان بارزتان في جمعية عمر المختار”*''» وعرضنا عليهما 
التعاون معنا في عملية إحماء الشارع وتهيئته للثورة بواسطة المنشورات 
وببعض العمليات الفدائية» مثل زرع العبوات في معسكرات الإنكليز وفي بعض 


(19) جمعية عمر المختار: شهدت فترة الإدارة العسكرية البريطانية فى ليبيا (1952-1942) تكوين 
عدد من الجمعيات والأحزاب السياسية فى برقة وطرابلسء منها هذه الجمعية التى تعود فكرة تأسيسها 
إلى المثقف الليبي أسعد بن عرابي بن عمراني عام 1941» وذلك لتخليد ذكرى عمر المختار» والعمل 
تحت لوائها. وأعيد بعد الاحتلال البريطانى تأسيس الجمعية فى 4 نيسان/ أبريل 1943 على يد كل من 
علي فلاق الأمين العام لبلدية بنغازي» ومحمود مخلوف (مثقف وأديب)؛ والمهدي المطرودي (القيادي 
والرياضي الليبي)» وباتت مدينة بنغازي مقرّا لها بعد حصولها على إذن سلطات الاحتلال البريطاني. 
وكان للجمعية دور مهم في مقارعة سلطات الاحتلال البريطاني» ما أدى إلى حلها في تموز/ يوليو 
1. وقد كتب بشير المغيربي» سكرتير قسم الثقافة في الجمعية» الذي رأسه مصطفى بن عامرء كتابًا 
يوثق هذه المرحلة من تاريخ الجمعية بعنوان وثائق جمعية عمر المختار: صفحة من تاريخ ليبيا. ومن 
الجمعيات الأخرى رابطة الشباب الليبى (1945)» والجبهة الوطنية البرقاوية (1946)»: والمؤتمر 
الوطنى البرقاوي (1947). أما فى طرابلس» فتأسس الحزب الوطنى (1944): وحزب الجبهة الوطنية 
المتحدة (1946)»: وحزب العمال (1942): وحزب الاستقلال (1947). وهيئة تحرير ليبيا (1947). 


46 


المؤسسات الحكومية. قال لنا الأخ المغيربي والأخ مصطفى بن عامر إن الرئيس 
جمال عبد الناصر طلب عدم القيام بأيّ تحرك» لأنه - كما قالا لنا - في مواجهة 
اليهود؛ فهُم أمامه والأميركيون خلفه؛ ولذا لايريد أي استفزاز للأميركيين» 
ولكننا لم نقتنع بهذه الرواية» فدخلنا معهما فى نقاش صاخب؛ لكنهما أصرًا 
على موقفهما. ثم طلبنا منهما مساعدتنا على الاتصال بالشيخ محمود محمد 
صبحي أحمد علي بن عبد السلام**2 في طرابلس» لأنه رمز وطني وعضو في 
البرلمان» معارض للحكومة وللقواعد البريطانية والأميركية؛ فأخرج المغيربي 
دينارًا ليا من جيبه وقطعه إلى نصفين. أعطانا نصف دينار ممزق قائلًا: 
"اتصلوا بمحمود الهتكي. هو موظف في وزارة التخطيط بطرابلس. قولوا له 
إنكما جئتما من طرف المغيربى ومصطفى بن عامر وأعطوه نصف الدينار هذا". 
وللأسف. لما ذهبنا للقاء الهتكي, قيل لنا إنه تشاجر مع رئيسه. فعاقبه وتم نقله 
إلى سبها في الجنوب؛ ولذا قرّرنا أن نذهب إلى شارع مزران في طرابلس حيث 
يسكن الشيخ صبحي. دلّنا أحد المارة على المنزل» حيث كان أمام المنزل طفل 
صغير يلعب عرفنا أنه حفيد من أحفاد الشيخ صبحي. سألناه إِنْ كان الشيخ في 
المنزل فقال: "نعم". قلنا له: "اذهب وقل له إننا نريد اللقاء به". عاد الطفل وهو 
يقول: "جدي يقول إنه غير موجود في المنزل". 

قبيل تفجير الثورة في الفاتح من سبتمبر 1969 بشهرين» عقدنا اجتماعًا 
كبيرًا لعدد من الضباط الأحرار. وكان عددهم نحو 60 ضابطًا. جرى في 
الاجتماع تقييم جاهزية الحركة ودراسة نقاط الضعف والقوة» كما جرى بحث 
عدة اقتراحات بشأن موعد تفجير الثورة» والتدابير الاحترازية التي اتخذها 


(20) رجل دين وفقيه من أعيان أهل طرابلسء ولد وتربى وترعرع بمنطقة ميزران بسانية في مدينة 
طرابلس عام 0. درس في الأزهر في مصرء ثم رجع إلى ليبيا وهو في سن ثلاثة وثلاثين عامّاء 
واشتغل بعد رجوعه مدرّسًا في معهد المعلمين إلى أن أصبح مدير المعهد. ناضل من أجل استقلال 
بلاده من الاحتلال البريطانى» وعارض وجود القواعد الأجنبية داخل ليبياء وشارك فى عدد من 
التظاهرات التي كان يتزعمها. كما أصبح عضوًا في مجلس النواب الليبي بعد الاستقلال» وكان رئيسًا 
للجنة مناصرة الشعب الجزائري. عين رئيسًا لجمعية الدعوة الإسلامية. ين رئيسًا للجنة الإفتاء بعد إلغاء 
وظيفة مفتي الديار ثم استقال منها في عام 1980. وتفرغ بعد ذلك للدروس والمحاضرات الدينية في 
جوامع طرابلس. توفي في طرابلس في 25 حزيران/ يونيو 2013. 


4 


النظام وتأثيرها في الخطة. وقد كان الاجتماع في ساعات العصر واستمر 
إلى ما بعد الغروب. بعد الاجتماع استلقينا على الرمل» وكان بعض الضباط 
قد أحضر الخبز والجبن والفواكه. وبدأنا نتناول الطعام. لكن أحد الضباطء 
وكان يُدعى الشلمانى» وقف فجأة يستأذن للانصراف قائلا إن لديه ظروفقًا 
خاصة ترغمه على المغادرة. وبينما كنا عائدين إلى طرابلس» وعند وصولنا 
إلى مفرق باب بن غشير» "وسيدي المصري". فوجئنا بأن الشلماني توقف 
عند إشارة المرور عائدًا من سيدي المصري حيث يسكن العقيد عبد العزيز 
الشلحى”. وعائتلة الشلحى هى من حاشية الملك وكان يثق به كثيرًا. 
فتوجّسنا من الشلمانى. وكانت لدينا شكوك حوله؛ وفعلاء فى ليلة الثورة» 
كان الشلماني يتصل بالشلحي لإبلاغه بموعد الثورة» لكن الإرادة الإلهية لم 
تمكنه من الاتصال بعبد العزيز الشلحي لأنه كان في سهرة خارج المنزل. قبل 
شهرين من الثورة» قامت كتيبتان مدرعتان جاءتا من منطقة ترهونة”22 بقيادة 
العقيد إبراهيم البنغازي» قائد القوة المدرعة في الجيشء, باحتلال معسكري 
في باب العزيزية» وكانت الكتيبتان بكامل أسلحتهما وعتادهما. كان رئيس 
عرفاء كتيبتّي خليفة إحنيش في المعسكر. فركب سيارة أجرة على الفور وجاء 
إلى منزلي في زاوية الدهماني. لم يستأذن في الدخولء ركل الباب بقدمه 
ودخل علي قائلا: "يا ريس عبد السلام. كتيبتان مدرعتان بقيادة العقيد عبد الله 
البنغازي احتلتا المعسكر". ثم أردف قائلًا: "والله والنبيّ ما نخلّوهم (أيّ 
لاتتركوهم) يمسكونا مثل الفئران. يجب أن نقاوم حتى الموت"» فقلت له: 
"عد إلى المعسكر وراقب الوضع عن قرب". ثم ذهبت إلى مبنى البريد العام 
واتصلت بالأخ معمّر وكان في بنغازي وأخبرته بالأمرء فقال لي: "عندما تذهب 
إلى المعسكر حاول أن تتعرف على أسماء ضباط الكتيبتين". كان السبب في 


(0 العقيد الركن عبد العزيز الشلحي (2009-1937): ضابط عسكري ليبيء تخرج في الكلية 
الحربية في القاهرة عام 1954» وأكمل دراساته العسكرية في الكلية العراقية» حيث نال درجة ركن. أدى 
دورًا سياسيًا مهما في حقبة الملك إدريس السنوسيء, حيث اعتمد عليه كمبعوث إلى الدول العربية. لذا 
شُجن بعد ثورة الفاتح 1969 وبقي تحت الإقامة الجبرية بعد الإفراج عنه في طرابلس حتى وفاته. 
(22) ترهونة مدينة ليبية تبعد عن العاصمة طرابلس 95 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي منها. 


48 


اتصالي عبر البريد العام أن الحركة كانت قد اتخذت قرارًا بمنع استخدام 
الرسائل أو الهواتف الخاصة. وعند الضرورة يمكن أن نتصل عبر البريد العام. 
ذهبت بعد ذلك إلى المعسكر. ووجدت العقيد البنغازي فى الساحة» فأديت له 
التحية العسكرية وسألته: "ما هذه القوة» ولماذا جئتم إلى معسكري من دون 
علمي؟" فقال: "ولماذا تسأل يا ريس عبد السلام؟”. فقلت: "كيف لا أسأل 
وهذه القوة العسكرية تدخل معسكري من دون علمي أو التنسيق معي؟". فقال 
لي: "عليكم أن تحتملوننا. سنكون ضيوفًا عندكم فترة طويلة» لأن هذه القوة 
سوف تشارك في مناورة مع الإنكليز بطبرق» ولعدم وجود بواخر؛ فسوف نظل 
هنا لمدة طويلة". بالطبع لم أقتنع بهذه الرواية» كما أنني لم أتمكن من معرفة 
غير عدد قليل من الضباط» من بينهم محمد هدية ومحمد البرغتي. في اليوم 
التالي» جاء الأخ معمّر إلى طرابلس قادمًا من بنغازي» والتقينا في المعسكرء 
وتدارسنا الوضع الخطيرء واتفقنا على أن هذا الوضع يجب أن يواجّه بمغامرة 
محسوبة أو غير محسوبة. 

قلت للأخ معمّر: "يا أخ معمّر أنا مستعد للاستيلاء على هذه القوة 
العسكرية» وتحويلها من قوة لإجهاض الثورة إلى قوة لتفجير الثورة؛ إذا 
ماضمنتٌ لى أن تكون وحدات المناطق الشرقية جاهزة للثورة» لأننا مرات 
كثيرة حددنا مواعيد للثورة» ثم نكتشف أن وحدات المناطق الشرقية غير 
جاهزة". فسألنى: "هل أنت متأكد من قدرتك على الاستيلاء على الكتيبتين؟”. 
فقلت له: "نعم أنا متأكد". 

فقال لي: "حينما أصل الليلة إلى بنغازي» سوف أجري اتصاللات مع 
الضباط الأحرار في هذه الوحدات. إذا أكدوا لي جاهزيتهم سأتصل بك وأقول 
لك أرسل لي مفتاح السيارة» وإذا لم يكونوا جاهزين سأقول لك لا ترسل 
مفتاح السيارة". وبالفعل تلقيت منه اتصالَا هاتفيًا نحو الساعة الثانية والنصف 
فجرّاء وقال لي: "لا ترسل مفتاح السيارة". في هذه الأثناء» كان النظام الملكي 
العميل قد اتخذ عدة إجراءات احترازية تركزت فى مدينة طرابلس لأنها 
العاصمة» وكانت هناك في معسكر الهضبة كتيبة مشاة هي كتيبة عمر المختار 


49 


التي كنا نعتمد عليها في تفجير الثورة» حيث كان لنا فيها ثلاثة عشر ضابطًا من 
الضباط الأحرار. 


ومن بين هذه الإجراءات الاحترازية التي قام بها النظام إعطاء منتسبي هذه 
الكتيبة إجازات فرادى» على أن يلتحقوا بمقرهم الجديد في مدينة سبها على 
بعد أكثر من تسعمئة كيلومتر جنوب طرابلس. كما سحب كل الذخائر والوقود 
والألغام الحقيقية [المتفجرة] من كتيبة الهندسة التي أنتسب إليها. لم يترك النظام 
إلا ألمّي طلقة للحراسة» وبعض الألغام غير الحقيقية [التدريبية]» وهذا مافعله 
بقوات الدفاع الجوي والبحرية» حيث تم سحب كل الذخائر والوقود منهاء 
لأن هذه الوحدات تتمركز في معسكر واحد بباب العزيزية» وكان النظام يعتقد 
أنها يمكن أن تتحرك معًا. كما أنه زاد من عدد الدوريات فى المدينة وحول 
المعسكرات» وخاصة خلال الليل. بعد تأجيل موعد الثورة الذي صادف اختبارات 
الترقية» خسر عدد كبير من الضباط الأحرار فرصة الحصول على ترقياتهم؛ لأنهم 
لم يدخلوا الامتحانات» معتمدين على موعد تفجير الثورة. كان الكثير من الضباط 
في حالة إحباط» والكثير منهم ذهب في إجازة» وكذلك بعض أعضاء اللجنة 
المركزية للضباط الوحدويين الأحرار. وفي الليلة التي سبقت الثورة» اتصل 
بي الأخ معمّر من بنغازي وقال لي: "سأحضر صباحًا إلى طرابلس" ولمح لي؛ 
بالألغازء أنه يعتقد أن الوقت مناسب ومهيأ للثورة. حينما كان الأخ معمّر يأتي 
إلى طرابلس» عادة ما أكون في استقباله في المطارء إلا هذه المرة. لما وصل 
إلى طرابلس ركب سيارة أجرة» وذهب إلى منزل رئيس العرفاء خليفة إحنيش 
في مساكن ضباط الصف بمعسكر الفرناج» فذهبت أنا وعوض حمزة لمقابلته. 
وجدته غاضبًا مني. بعد نقاش معمق ومن دون أن نصل إلى قرارء قرّرنا الذهاب 
إلى مدينة صرمان”؛ حيث يسكن الخويلدي. لمّا اقتربنا من المنزلء قال لي الأخ 
معمّر: "أيّ طفل يظهر أمامنا بالقرب من المنزل» سوف نسأله عن الخويلدي. إذا 
قال لنا إنه غير موجود. فعليك يا عبد السلام أن تستدير بالسيارة بسرعة لنغادر 
المكان» لأن أحد أعمام الخويلدي إذا ما صادف وشاهدناء فلن يسمح لنا بمغادرة 


(23) صرمان: تقع على شاطئ البحر المتوسط غرب مدينة طرابلس على مسافة تمتدٌ 60 كيلومترًا. 


250 


المكان لأنه رجل مضياف ويحبّنا كثيرٌاك ونحن لا نستطيع أن نضيع أيّ دقيقة من 
وقتنا. كان علينا أن نغادر المكان بسرعة". وبالفعل؛ لما كنت أستدير بالسيارة» 
خرج إلينا وألقى التحية من بعيد قائلا: "مرحباء مرحبا". رددنا على التحية» لكننا 
أسرعنا عائدين إلى طرابلس. لما وصلنا طرابلس» ذهب عوض حمزة إلى منزله» 
ثم ذهبت أنا ومعمّر إلى منطقة أشجار معروفة» وجرى بيننا نقاش حادٌ وساخن. 
كان الأخ معمّر يرى أن الوقت مناسب لتفجير الثورة؛ وبالتحديد في اليوم التالي؛ 
وكان رأبي أن الوقت غير مناسبء لأن الكثير من الضباط في إجازات» وحتى 
بعض أعضاء الحركة. ثم ركبنا السيارة وواصلنا النقاش في طريقنا إلى المطارء 
حيث موعد الرحلة إلى بنغازي في العاشرة والنصف ليلًا. وبينما كنا في الطريق 
إلى المطارء وحينما اختلفت مع الأخ معمّر ولم أوافقه الرأي» ولكي يضغط عليّ 
قال لي: "أنت صعب لا تفاهم معك": ثم أردف قائلًا: "أوقف السيارة. أريد أن 
أنزل. إِنْ لم تفعل ذلك سأفتح الباب وأقفز من السيارة"» فتوقفت. نزل معمّر» ثم 
استكملنا الحوار. 

كنت أقود السيارة ببطء بمحاذاة الرصيفء؛ وهو يسير قرب السيارة على 
الرصيف ونواصل حديثنا الصاخب. بعد نحو 20 دقيقة من الحوار» أقنعته 
بالعودة إلى السيارة. قلت له: "يا أخ معمّرء عدّة مرات حددنا موعد الثورة» 
وكان التأجيل دائمًا سبيه وحدات المنطقة الشرقية التي لم تكن جاهزة» وكذلك 
الوضع النفسي والمعنوي للضباط» وبعضهم الآن في إجازات» بل حتى بعض 
الأعضاءء ونحن نحتاج إلى كل هؤلاء". ثم أردفت: "حينما تصل إلى بنغازي» 
وإذا ما تأكدت أن الوحدات العسكرية جاهزة» تحدث معي عبر الهاتف بالألغاز 
أو بطريقة ساخرة للتمويه". ماإن وصل معمّر إلى معسكره في منطقة قاريونس 
في بنغازي» حتى تحدث مع إمحمد المقريف. وقال له: "عبد السلام صم أذنيه 
ومن الصعب التفاهم معه. فهو يعتقد أن الوقت غير مناسب". كان إمحمد 
المقريف من الضباط الذين جندتهم وتربطنا ببعض أواصر محبة واحترام» فبادر 
على الفور للاتصال بي» وأخذ يلقي عليّ اللوم وطلب مني تغيير موقفي» فقلت 
له: "يا أخ إمحمد. هل أنتم متأكدون من جاهزية وحدات المناطق الشرقية؟ 
إذا كنتم كذلك. فأنا جاهز لإعطاء موافقتي" فردّ المقريف: "هل تثق بي؟". 


51 


فقلت: "أثق بك ربما أكثر من نفسى". قال: "حسنًاء فلنتوكل على الله". بعد هذه 
المكالمة» ذهب المقريف للقاء معمّر وقال له: "عبد السلام جاهزء لكنه يريد 
التأكد أنْ لا تأجيل بعد اليومء لأن التأجيل كارثة وقد يصيب الحركة بالوهن 
والإحباط". 


في هذا السياق. واجهتني بعض المشكلات والصعاب؛ ففي 31 آب/ 
أغسطس 9 .» كان منتسبو كتيبة الهندسة في معظمهم متزوجين ويعيشون 
خارج المعسكر وبعضهم في أحياء بعيدة جدًّا عنه. ولكن من حسن الحظ أننا 
وضعنا خطة للتدريب الليلى» وتشاء الصدف. بإرادة إلهية» أن تكون ليلة الثورة 
هي إحدى هذه الليالي» وكان من بين ضباط سلاح الهندسة العقيد محمد سعد 
وآمر كتيبتي الرائد أحمد أحواسء اللذان كانا يحرصان على مشاركة الضباط 
والجنود في جميع أنواع التدريبات الليلية والنهارية. عند انتهاء الدوام الرسمي 
في في المعسكر في الساعة الثانية ظهرّاء وبعد قراءة الأوامر قال لي آمر الكتيبة: 
"يا ريس عبد السلام» أنا مشغول الليلة» أشرف بنفسك على التدريب". وبالفعل» 
كان الرائد أحواس مشغولا فى ترتيب أموره استعدادًا للسفر إلى الولايات 
المتحدة فى دورة دراسية» ففرحت فرحًا شديدًا وشكرت الله على نعمته؛ لأنه 
لو رافقنا في التدريب الليلي؛ فإننا لن نتمكن من الاحتفاظ بالجنود إلا باعتقاله. 
وكان هناك ضابط آخر من ضباط الكتيبة هو الملازم أبو نوارة» كان على صلة 
بصديق في مباحث أمن الدولة» زاره بعد العصر في المعسكرء وكانت زيارة 
مريبة خاصة أنهما ذهبا معًا في سيارة مدنية إلى منطقة التدريب. 

قال لي خليفة إحنيش» رئيس عرفاء الكتيبة: "أستأذنك يا ريس عبد السلام» 
أعتقد من الأفضل إعدامهما ورميهما فى الوادي"» فرفضت بشدّة وقلت: "لا". 
بعد انتهاء التدريب الليلى عدنا إلى المعسكر فى الحادية عشرة والنصف ليلا. 
وكانت الخطة تقضي بأن يتم إيقاظ الجنود الساعة الثانية فجرّاء ثم تغادر 
الوحدات معسكراتها في اتجاه الأهداف المحددة نحو الساعة الرابعة والنصف» 
ولكن لمّا وصلنا إلى المعسكر قال لي رئيس العرفاء خليفة إحنيش: "يا ريس 
عبد السلام» لايزال أمامنا وقت طويل. بقاء الجنود هنا وعدم السماح لهم 


52 


بالعودة إلى منازلهم. قد يؤديان إلى تذمرهم وشعورهم بالملل» وربما يدفعهم 
ذلك إلى التساؤل عن سبب منعهم من العودة بعد انتهاء التدريب الليلي» وأرى 
أن تقوم بإبلاغهم الحقيقة» وأننا عازمون على تفجير الثورة. أرجو أن تلقي فيهم 
خطانا تعبويًا لإعدادهم نفسيًا ومعنويًا ووطنًا للثورة". فوافقت» وطلبت منه 
أن يأمر الجنود بدخحول "الهناجر" (القاعات الكبيرة)» وألقيت خطانا حماسيًا 
أشعل فيهم روح الثورة. في نهاية المحاضرة قلت لهم: "أنتم اليوم تقومون 
بدور تاريخي ووطني نيابة عن الشعب الليبي كله لاستعادة تاريخ الجهاد الذي 
شُرق» واسترداد الشرف الوطني الذي انتهكء والكرامة والحرية اللتين سُلبتاء 
أنتم اليوم تتقدّمون الليبيين والليبيات وتشكلون طليعته الثورية. اليوم أنتم 
تفجّرون الثورة مع بقية إخوانكم من جنود وضباط القوات المسلحة في طول 
البلاد وعرضها". وفى تلك اللحظات» هتف الجنود بصوت واحد: "جاهزون.. 
جاهزون.. جاهزون.. ثوار» ثوار» ثواره سوف ننتصر لعمر المختار". ثم وزعنا 
الذخيرة على الجنود. ونظرًا إلى وجود كميات قليلة فحسبء بعد أن قام 
النظام بسحب معظم ما كان متوافراء فقد كان لكل جندي من أصل عشرة» 
خمس طلقات. أما التسعة الباقون فقد كانوا بلا ذخيرة. وفي تمام الساعة الثانية 
صباحًاء أيقظنا جنود الدفاع الجوي والبحرية» وألقيت فيهم الخطاب نفسه. 
وبدأوا باستلام أسلحتهم وكان عددهم نحو 2800 جندي. 


الثورة 

في الساعة الثانية والنصف فجر الفاتح من أيلول/ سبتمبر 1969» 
كلفت ضباط صف بالسيطرة على الباب الرئيس لمعسكر باب العزيزية 
في طرابلس» حيث كان بإمرتي كتيبة الهندسة وقوات من البحرية والدفاع 
الجوي» وطلبت منهم أن يحتجزوا أيّ سيارة بركابها إذا ما حاولت الدخول 
إلى المعسكر. وحدث أن وقع حادثان طريفان. الأول» حين جاءت سيارة 
"فولكس فاغن" نحو الساعة الثالثة فجرًا. اعتقد ضباط الصف أن السيارة 
هي دورية للمخابرات الحربية» ففتحوا لها الباب» ثم أحاطوا بها من كل 
جانب ووجهوا نحوها بنادقهم» وطلبوا من السائق الدخول إلى المعسكر. 


53 


لما دخلت السيارة» انضح أن السائق هو جندي من كتيبتي يُدعى "أقصودة" 
كان قد اشترى السيارة وكان سعيدًا بها؛ ولذا خرج في جولة مع أصدقائه في 
المدينة ثم عاد إلى المعسكرء فقال له ضباط الصف: "عطكُ دعوة» خلعتنا 
يا رجل (أي لا سامحك الله لقد أرعبتنا)"» فقهقه الجنود وأخلوا سبيله. أما 
الحادث الآخر فوقع نحو الساعة الثالثة والربع فجرّاء حين عاد ضابط صف 
من الدفاع الجوي اسمه التومي» وكان مخمورّاء ولمًا للاحظ وجود حركة 
غير اعتيادية تساءل عمّا يحدث. فقال له رئيس العرفاء خليفة: "غير ملايسك 
بسرعة والبس بدلتك العسكرية. بعد ساعة ونصف سنتحرك لإسقاط النظام". 
كان ضابط الصف التومي شابًا مثقمّاء فقال لخليفة: "لن أتزحزح من هنا إلا 
حينما أعرف مَن على رأس الحركة وما هي أهدافها؟". بالطبع» لم يكن لدينا 
وقت ولارغبة في حوار من هذا النوع. 

جاء خليفة مسرعًا وأبلغنى بالأمر وسألنى "كيف نتصرف معه. أليس 
من الأفضل أن نقوم بإعدامه؟ بقاؤه حيًا قد يتسبب في إفشاء سر الثورة". 
فقلت له: "كلا. ضعه في حجرة وأقفل الباب". كان لدينا في كتيبة الهندسة 
نحو عشرة من الجنود المشاغبين وغير المنضبطين والمثيرين للمتاعبء 
وغالبًا ما كانوا يتغيّبون عن الحضور إلى المعسكر. حتى إنهم لم يشاركوا في 
التدريب الليلي وظلوا لساعات متأخرة من الليل خارج المعسكر. عاد هؤلاء 
إلى المعسكر ليناموا ليلتهم» ويبدو أنهم استيقظوا فجأة على وقع تحرك 
الجنود. وحين علموا أننا سوف ننطلق لتفجير الثورة جاؤوا إليّ وهم يبكون 
قائلين: "كيف تحرمنا يا ريس عبد السلام من هذا الشرف؟". لقد قام هؤلاء 
بأهم الأدوار في يوم الثورة. 


وبحسب الخطة الموضوعة التى تتضمن السيطرة على الأهداف الحيوية. 
كالإذاعات الثلاث فى كل من طرابلس وبنغازي والبيضاءء. لأهميتها في تلك 
الفترة في التواصل مع الشعب الليبي» والسيطرة على البريد وقطع الاتصالات 
وتحييد القوة المتحركة وشل حركتها واعتقال رموز النظام من مدنيين 
وعسكريين وعلى رأسهم ولي العهد ورئيس الوزراء ونيس القذافي» ووزير 


54 


الدفاع حامد علي العبيدي» ووزير الداخلية أحمد عون سوف. لم يكن لدينا 
خطة بديلة: فلا بديل عن النجاح. فقد كان على جميع الوحدات أن تكون 
متأهبة لمغادرة المعسكر فى الساعة الرابعة والنصف صباحًا. وفى أثناء صعود 
الجنود إلى سيارات النقل فى الساعة الرابعة تقريئاه توقف الخويلدي الحميدي 
أمام معسكريء وكان في سيارة نقل عسكرية مع بعض الجنود. قادمًا من 
مدينة ترهونة» حيث كانت كتيبئًا مشاة ومدرعات بقيادة الخويلدي وأبو بكر 
جابر يونس قد توجهنًا من ترهونة صوب طرابلس لتنفيذ الخطة. ولآن حركة 
الوحدات كانت بطيئة» ونظرًا إلى حماسة الخويلديء ترك كتيبته في أثناء 
انطلاقها نحو طرابلس» وفضل أن يسبق الكتيبة بساعات. ْ 


لما توقف الخويلدي أمام معسكري. ركب معه السيارة عبد المنعم 
الهوني*» وانطلقا نحو الإذاعة» وكنت قد ذهبت أنا والهوني إلى ترهونة 
واجتمعنا بالخويلدي وأبو بكر جابر يونسء» وأبلغناهما بموعد الثورة وحددنا 
لهما المهمات بحسب الخطة ثم عدنا إلى طرابلس. في مساء هذا اليوم التقيت 
عددًا من الضباط الأحرار من مدينة الزاوية غربًا إلى مصراتة شرقَاء مرورًا بمدينة 
الخمس لإبلاغ أعضاء الحركة بالموعد والخطة والمهمات. قبيل الثورة بأسابيع» 
حصل خلاف وشجار بين عمر المحيشي وعدد من الضباط الأحرار في الكتيبة 
السادسة بمدينة الزاوية. كان السبب الرئيس فى هذا الخلاف يكمن فى شخصية 
عمر المحيشي؛؟ إذ إنه لا يحسن التواصل والحوار مع الآخرين نتيجة أسلوبه 
الاستفزازي والمنفر. وأحيانًا المقززء وفي شخصيته الاستعلائية» وقد جرّ عليه 
هذا نقمة الكثير من الضباط الأحرار» وكانوا يعاملونه بقسوة وكثيرًا ما حاولوا 
اتخاذ إجراءات ضده. لكن الأخ معمّر يحميه ويدافع عنه» وكثيرًا ما كان يأتيني 
ويقول لي يجب ألا نتخذ قرار تفجير الثورة قبل التأكد من جذريتهاء وكان 
يقول إن الكثير من الضباط الأحرار لا يملكون الثقافة والوعى لتفجير الثورة. 
وهذا اعتقاد يشاركه فيه الكثيرون» وكنت أقول له: "إن هذا ليس مفاجنًا لي» 


(24) عبد المنعم الهوني: عمل مديرًا للمخابرات وترك العمل واستقر بمصر إلى أن عينه القذافي مندوبًا 
لليبيا لدى جامعة الدول العربية. 


55 


الصارمة؛ إلى حركة عسكرية تستهدف أكبر عدد من الضباط". ولذلك؛» كنت قد 
قاومت وعارضت تحول الحركة إلى حركة عسكرية» ولكن - لالأسف - حصل 
الأخ معمّر على موافقة أغلبية اللجنة المركزية للوحدويين الأحرار. 


في هذه الأجواءء وقبيل الثورة» كنت أنا والأخ معمّر في طريقنا إلى الزاوية 
لمعالجة هذا الخلاف. ثم حدث عند وصولنا إلى منطقة باب قرقارش في جزيرة 
الدوران أن استوقفتنا دورية للشرطة وطلبوا منّا التعرّف على هوياتناء فقال لهم 
الأخ معمّر: "نحن ضباط جيش"». فردّوا بوقاحة: "نحن لانعرف ضباط جيش. 
هاتوا بطاقاتكم". فغضب الأخ معمّر وزعق في وجوههم: "احترموا أنفسكم"”. 
ثم دخل معهم في شجار لم ينته إلا بالسماح لنا بمواصلة الرحلة. 

حينما كنت في الولايات المتحدة» اشتريت أحد عشر مسدسًا مع ذخائرها 
واحتفظت بها في منزلي طوال ستتين. ليلة الثورة» وزعت المسدسات بين 
الضباط الذين كانوا معي. في هذه الليلة حدث أمر غريب ومثير» فحين كان 
الضباط والجنود يغادرون معسكر قاريونس”*2 في بنغازي متجهين إلى 
الأهداف التي حددناها في الخطة, علمت أن الأخ معمّر "تخاذل" في هذه 
اللحظة وترك ضباطه وجنوده وذهب لينام في غرفته بالمعسكر. 

في ما بعد - في أواخر الثمانينيات - أدلى الأخ عبد المنعم الهوني 
بتصريح» من القاهرة حيث كان يعيشء مذكّرا بهذه الحادثة. وحين استمع الأخ 
معمّر إلى تصريحه. لم ينكر وقال: "فعلًا ذهبت إلى غرفتي ونمت". وقال في 
معرض تبرير هذا "التخاذل": "أنا قائد الأوركستراء ومهمتي هي ضبط الإيقاع 
وتنظيم الفرقة وبعد ذلك تنتهي مهمتي". 

وصباح يوم الثورة» فوجئنا بأن أوامر صدرت للكتيبة السادسة المتمركزة 
بمدينة الزاوية بالتحرك إلى طرابلس» وبالتحديد معسكر تاجوراء» وحتى اليوم 
ظل تحرك الكتيبة لغزَّا بالنسبة إلينا: أكان تحركًا لإجهاض الثورة أم عملية 


(25) قاريونس: حي يقع في المدخل الغربي لمدينة بنغازي. ثانية كبرى المدن الليبية. 


526 


نقل روتيني؟ لقد واجهت ليلة الثورة تحدّيّين كبيرين: الأول» كيف يمكن 
الحصول على ذخيرة؟ فمن دون ذخيرة سيكون موقفنا ضعيفا وصعبًا في حالة 
حصول أي مواجهة. لما سحبوا الذخيرة من كتيبتي» أخبرني رئيس عرفاء كتيبتي 
خليفة إحنيش بأنه يعرف ضابط الشرطة المسؤول عن مخازن الذخيرة» فطلبت 
من إحنيش أن يتقرّب إليه ويحاول أن يقيم معه صداقة وثيقة» والأهم أن يعرف 
مكان إقامته. 

في الساعة الرابعة والنصف لما انطلقنا نحو أهدافناء انطلق إحنيش مع 
مجموعة من الجنود صوب منزل ضابط الشرطة. فاصطحبوه إلى مخازن 
الذخيرة» ثم عادوا إلينا بسيارات محمّلة بكل أنواع الذخيرة» فارتفعت معنويات 
الجنود. وأخذوا يطلقون طلقات نارية فى الهواء ابتهاجًا. كانت الأهداف التى 
خددت لقواتي هي السيطرة على البريد وقطع الاتصالات؛ والسيطرة على 
وزارة الداخلية ومديرية الشرطة وجهاز الأمن ورئاسة الأركان» وشل القوة 
المتحركة الموجودة في معسكر قرقارش من دون الدخول في أي صدام معهاء 
بل الاكتفاء بمحاصرة المعسكر ومنع هذه القوة من الخروج. ثم قمنا بزرع الغام 
تدريبية حول المعسكر» ووجهنا إلى عناصر القوة المتحركة تحذيرًا صارمّالء 
بأن أي محاولة منهم لمغادرة المعسكر تعني تفجير الألغام وإبادتهم» ثم قام 
الجنود باعتقال كبار ضباط الشرطة الذين يقيمون في مركز المدينة. في هذه 
الأثناء» فكرت فى خطة لتوفير الوقت والجهد. حين اعتقلنا عددًا من الضباط 
الكباره وعلى رأسهم مدير الأمن علي عقيلة» كنا نتتصل عبر البريد العام مع بقية 
ضباط الشرطة الذين لم نعتقلهم؛ ولذا طلبت من العقيد علي عقيلة أن يتحدث 
إلى زملائه ويبلغهم أن الثورة انتتصرت. وأن عليهم ألا يقاوموا حفاظًا على 
سلامتهم. وبالفعل» حققت الخطة أهدافها. أمَا التحدي الآخرء فكان يتمثل 
في السيطرة على الطرق الرئيسة المؤدية إلى القاعدة الأميركية (تُعرف باسم 
الملاحة)» وهى أكبر قاعدة جوية خارج الولايات المتحدة» وكانت تحتوي 
على قنابل نووية» ثم الحيلولة دون وصول ولي العهد أو رئيس الوزراء وكبار 
ضباط الجيش والشرطة إلى القاعدة. كان وصول أي واحد من هؤلاء إلى 
القاعدة يعنى أنه يمكن أن يطلب من حكومة الولايات المتحدة تفعيل المعاهدة 


57 


العسكرية والتدخل لصالح النظام؛ فضلًا عن إمكانية استغلال إذاعة القاعدة» 
لتوجيه نداءات بمقاومة الثورة وعدم الاعتراف بهاء ودعوة الشرطة والجيش إلى 
المقاومة والتصدي لهذا التمرد بحسب مفهومهم. 

في الساعة العاشرة والنصف صباحًاء وصلت كتيبة مدفعية من مصراتة 
تحت إمرة الضباط الأحرار» فاتصل بي عبد الله الحجازء أحد ضباط الكتيبة» 
وسألني: "أين ستتمركز الكتيبة؟ وما هو الواجب؟" فقلت له: "تتمركز في منطقة 
تاجوراء وتصوّب مدافعها في اتجاه القاعدة الأميركية©©. وفي حالة إقلاع أي 
طائرات من القاعدة يجب تدمير 'هناجر' (مخابيع) الطائرات والمهابط. امنعوا 
أي طائرة من الإقلاع". وبالفعل تلقت القاعدة الرسالة وفهم ضباطها مضمونها 
الصارم؛ وهكذا تمّ شل حركة القاعدة الأميركية منذ ساعات الصباح الأولى. 
في الظهيرة» ذهبت صحبة الأخ عبد المنعم الهوني لمقابلة ولي العهد حسن 
الرضا السنوسي الذي كان قد اعتّقل في معسكري بباب العزيزية» وأخذنا 
معنا جهاز تسجيلء ثم طلبنا منه أن يتنازل طوعًا عن العرشء, فوافق. وهكذا 
أعلنا عبر الإذاعة تنازل ولي العهد عن الحكم. وكان هذا أمرًا بالغ الأهمية؛ إذ 
كان الملك إدريس السنوسى فى رحلة إلى اليونان» وقد أناب عنه ولى العهد. 
أتذكر أنني أنا والأخ معمّر كنا خلال الفترة 1969-1968 نقوم بزيارة بعض 
المناضلين من القوميين العرب الذين وضعهم النظام الملكي العميل في 
السجون. وكان من بينهم الدكتور محمود المغربي» وعمر المنتصرء وعز الدين 
الغدامسي» وعبد السلام الزقعار» وسواهم ممن نسيت أسماءهم» ولكن من 
دون أن أنسى نضالهمء وقد بنينا معهم علاقات نضالية وشخصية حتى حين 


(26) هى قاعدة ويلس (5داء6/١)‏ العسكرية الأميركية» كانت فى الأصل قاعدة جوية إيطالية أقيمت فى 
عام 1923 واستخدمتها القوات الجوية الألمانية» خلال الحرب العالمية الثانية: في معركة شمال أفريقياء 
كما استخدمتها القوات الجوية الأميركية بداية من كانون الثاني/ يناير 41943 وأطلقت عليها اسم ويلس في 
عام 1945. ظلت الولايات المتحدة تستخدمها بعد استقلال ليبيا ووسعت منشآتها بحيث كانت تستوعب 
نحو 4600 أميركى. وفى ستينيات القرن الماضى فقدت هذه القاعدة أهميتها الاستراتيجية؛ إلا أنها استمرت 
مركرًا مهما للتدريبات. في 11 حزيران/ يونيو 1970 فرضت القيادة الثورية للفاتح من سبتمبر على 
الأميركيين الجلاء عن القاعدة؛ فتغير اسمها إلى قاعدة عقبة بن نافع الجوية» ثم إلى قاعدة معيتيقة الجوية 
نسبة إلى طفلة ليبية تقطن بجوار القاعدة ماتت إثر سقوط طائرة أميركية فوق منزلها. 


58 


كانوا في السجون. تولى هؤلاء المناضلون مناصب سياسية مهمة في أعقاب 
الثورةء فأصبح محمود المغربي””2 أول رئيس وزراءء» بينما تولى عمر المنتصر 
مناصب وزارية عدّة» وكذلك الأمر مع الغدامسي الذي تولى حقيبة المالية. قبل 
الثورة بأشهر قليلة» علمنا أن بعض الضباط الوطنيين الأعلى رتبة منّاء شكلوا 
تنظيمًا. وعلى الرغم من أن التنظيم كان في بداياته» فإننا - أنا ومعمّر - قرّرنا 
الاتصال بهمء وأذكر أن من بينهم الرائد المكي أبو زيد» والرائد محمد عزوزء 
وعرضنا عليهم التعاون وتوحيد الجهود لإنجاز الثورة» وقال لهم الأخ معمّر: 
"نحن مستعدون لأن نضع حركتنا تحت تصرفكم"» لكنهم رفضوا أي شكل 
من أشكال التعاون» بل إنهم أنكروا أن يكون لهم "تنظيم". بعد انتصار الثورة 
بثلاثة أيام» اجتمعت بإخوتي وقلت لهم: "اسمعوا جيدًا ماسأقول. أولاء أنا 
منذ يوم الفاتح» لست أَخَا لكم. أنا أخ لكل الليبيين. ثانيّاه ستجدون الكثير من 
الليبيين يتقرّبون منكم ويطلبون صداقتكم فاحذروهم, وحافظوا على صداقاتكم 
القديمة". لقد تثقفت وتعلمت أن الحدّ الأدنى في سلّم الأيديولوجيات» هو 
الوطنية. لا أستطيع أن أنزل إلى العائلة أو القبيلة والعشيرة والطائفة. 


على هذا النحوء تصرفت مع عائلتي وقبيلتي بقسوة. حفاظًا على إيماني 
بأننى لكل الليبيين. كما كنت عددًا للأجهزة الأمنية» والمستشارين المعيّنين أو 
المتطوعين؛ وحذرًا إلى أبعد الحدود منهم, لأنني تعلمت من التاريخ أن هؤلاء 
جميعًا يشكلون خطرًا على أيّ زعيم أو قائد سياسي؛ إذ إن دورهم هو تخويف 
القيادي والزعيم من الشعبء. وخداعه بفكرة زائفة مفادها أن الجميع يكرهونه 
أو يقفون ضده. وأنهم وحدهم منْ يكثون له الحب الصادق» وأنهم "مستعدون 
للموت من أجله". في صباح يوم "الفاتح" تمّت السيطرة على العاصمة ودار 
الإذاعة ومحطات الإرسال. 


(27) محمود سليمان المغربي (2009-1935): سياسي ومناضل فلسطيني سوري ليبي. ترجع أصول 
والده إلى مدينة ككلة فى الجبل الغربى» ووالدته من مدينة مصراته. وقد شغل منصب أول رئيس للوزراء 
في ليبيا بعد ثورة الفاتح فترةٌ قصيرة (8 أيلول/ سبتمبر 1969 - 16 كانون الثاني/ يناير 1970). وقد 
ضمت تشكيلته الوزارية التونسي محمد العيساوي الشتوي وزيرًا للتربية والإرشاد القومي» وكانت المادة 
1 من الدستور الليبي تنص على أنه لا يتولى هذه الوزارة إلا ليبي؛ مما اضطره إلى تقديم استقالته. 


59 


قبل أيام قليلة من الثورة» كنت قد ذهبت صحبة الأخ إبراهيم أبجاد 
لاستطلاع منزل مذيع متميّز في الإذاعة اسمه محمد المطماطيء ولذلك ذهبت 
صباح يوم الثورة إلى منزله ومعي قوة عسكرية وقمنا بإحضاره إلى دار الإذاعة» 
ثم ربطنا الاتصال مع بنغازي لتمكين الأخ معمّر القذافي من إذاعة البيان الأول 
للثورة. بيد أن إذاعة البيان تأخرت؟ ولذا سيطر علينا الخوفء وبعد ذلك علمنا أن 
الأخ معمّر ظل في غرفته ولم يتوجه إلى دار الإذاعة من أجل إذاعة البيان الأول» 
لأنه كان يريد التأكد يمن أنْ الثورة اتتصرت وسيطرت سيطرة تامة. في هذا الوقت» 
كنا نعتقد أن الإخوة لم يتمكنوا من السيطرة على مدينة بنغازي والبيضاء وعلى 
محطة الإذاعة» فانتابنا القلق الشديد. وبعد ذلك علمنا أن القوات» التى تحركت 
من مدينة درنة إلى مدينة البيضاء قد طلبت من قوة من الجنود بقيادة أحد الضباط 
تنفيذ مهمة الاستيلاء على الإذاعة فى البيضاء. ولكن المجموعة المكلّفة ضلّت 
الطريق في البداية» بينما كانت بنغازي تنتظر الربط الإذاعي ليذاع البيان© في 


(28) نص البيان الأول الذي أذاعه الملازم أول معمّر القذافي من بنغازي في الأول من أيلول/ سبتمبر 
9 معلنًا نجاح الثورة ضد النظام الملكي: "أيها الشعب الليبي العظيم. تنفيدًا لإرادتك الحرة وتحقيقا 
لأمانيك الغالية» واستجابة صادقة لندائك المتكرر الذي يطالب بالتغيير والتطهيره ويحث على العمل 
والمبادرة» ويحرض على الثورة والانقضاض.ء قامت قواتك المسلحة بإطاحة النظام الرجعي المتخلف 
المتعفن الذي أزكمت رائحته النتنة الأنوف, واقشعرت من رؤية معالمه الأبدان» وبضربة واحدة من جيشك 
البطل تهاوت الأصنام وتحطمت الأوثان» فانقشع في لحظة واحدة من لحظات القدر الرهيبة ظلام العصور, 
من حكم الأتراك إلى جور الطليان إلى عهد الرجعية والرشوة والوساطة والمحسوبية والخيانة والغدر. 
وهكذا منذ الاآنء تعتبر ليبيا جمهورية حرة ذات سيادة تحت اسم 'الجمهورية العربية الليبية'» صاعدة 
بعون الله إلى العملء إلى العلاء سائرة فى طريق الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية» كافلة لأبنائها حق 
المساواة. فاتحة أمامهم أبواب العمل الشريف. لا مهضوم ولا مغبون ولامظلوم ولاسيد ولامسود. بل 
إخوة أحرار في ظل مجتمع ترفرف عليه إن شاء الله راية الرخاء والمساواة. فهاتوا أيديكمء وافتحوا قلوبكم. 
وانسوا أحقادكم وقفوا صما واحدًا ضد عدو الأمة العربية عدو الإسلام عدو الإنسانية» الذي أحرق مقدساتنا 
وحطم شرفناء وهكذا سنبني مجدًا ونحيي تراثا ونثأر لكرامة جرحت وحق اغتّصب. يا من شهدتم لعمر 
المختار جهادًا مقدسًا من أجل ليبا والعروية والإسلام ويا من قاتلتم مع أحمد الشريف قتالّا حمّاء يا أبناء 
البادية» يا أبناء الصحراء يا أبناء المدن العريقة» يا أبناء الأرياف الطاهرة. يا أبناء القرىء. قرانا الجميلة الحبيبة» 
ها قد دقت ساعة العملء فإلى الأمام. وإنه يسرنا في هذه اللحظة أن نطمئن إخواننا الأجانب بأن ممتلكاتهم 
وأرواحهم سوف تكون في حماية القوات المسلحة» وأن هذا العمل غير موجه ضد أي دولة أجنبية أو 
معاهدات دولية أو قانون دولى معترف به وإنما هو عمل داخلى بحت يخص ليبيا ومشاكلها المزمنة. إلى 
الأمام والسلام عليكم ورحمة الله". 1 


60 


آنِ واحد من طرابلس وبنغازي والبيضاء. وقد صاغ البيان الأخ معمّرء الذي كان 
موجودًا في بنغازي» وجعله عانّك وهدف إلى إعلام الشعب الليبي بقيام الثورة 
وانتصارها للشعب والعالم» وليطمئن العالم بأن الثورة عمل داخلي يخص ليبيا 
والليبيين» وأن الثورة تحترم الاتفاقيات الدولية. 

أكدت لنا مجريات الأحداث أن النظام الملكي كان منهارّاء وأن ثورة 
الفاتح جاءت لتعلن سقوطه فحسب. ودليلي على ذلك ما يلي: 

- لم تواجه الثورة أي نوع من المقاومة» ولم تطلق القوة المتحركة» 
الجيش الموازي» ومعها الجيشء. رصاصة واحدة» ماعدا بعض أعمال المقاومة 
المحدودة في طرابلس. ولذاء عرفت ثورة الفاتح في الأوساط الشعبية الليبية 
ب "الثورة البيضاء". 


- رغم إعلان حالة الطوارئ ومنع التجوال؛ فإن الجماهير رفضت الإذعان 
للقرار»ه وخرجت المدن والقرى عن بكرة أبيها إلى الشوارع في كتل بشرية 
هاتلة دعمًا للثورة» وصعدت حشود من الجماهير فوق المدرعات والسيارات» 
وأخذت تغمر الجنود بالقبلات ومشاعر الحب والتأييد» كما أن الأسر الليبية 
خرجت لتوزع الطعام بين الجنود. 


وتعود بى الذاكرة إلى حادثة مهمة وقعت فى مدرسة سبها الإعدادية. كان 
أحد مدرسيناء واسمه محمد مصطفى المازق» من مديئة مصراتة» وكان على 
مستوى رفيع من الثقافة والوعي» وشجاعًاء وكان يرأس في هذا الوقت تحرير 
صحيفة فرّانَ» فحوّلها من صحيفة صفراء إلى صحيفة رأي تحظى باحترام 
القرّاء. وبعد أن أحيل إلى التقاعدء ذهب إلى مدينة بنغازي وأسس "وكالة 
آسيا للاستيراد"» وهو أول من أدخل بضائع الصين الشعبية إلى السوق الليبية» 
وكنت أنا والأخ معمّر نزوره في منزله أو في الوكالة» وكان على علم بتنظيمنا؛ 
ولذا أصبح أحد أكثر المشجعين والمحرضين لنا على الثورة» فكان يقول لنا: 
"يا أبنائي» الجيش والقوة المتحركة وكبار الضباط بنياشينهم هم عبارة عن هيكل 
كارتوني. هؤلاء مثل 'الهبي' (الرماد تنفخه يطير)". 


61 


كانت الجماهير» وهي تخرج لتأييد الثورة» تشكل صورة رائعة لتلاحم 
عفوي وصادقء وكنا فى منتهى السعادة حينما نشاهد من خلال شاشة التلفزيون 
هذه الصورة الرائعة. وقد سألنى أحد الصحافيين الأجانبء لا أذكر من أي 
وسيلة إعلامية كان: "ماذا تتمنى؟": فقلت: "أتمنى لو أنى مواطن عادي لأعيش 
هذه اللحظاتء لأن الذي يصنع الحدث لا يتذوق حلاوته". 


القوات الأميركية والبريطانية من ليبياء وطرد الجالية الإيطالية» والبدء الفوري 
بالمفاوضات مع شركات النفط؛ لأننا كنا نؤمن بضرورة استغلال زخم الثورة 
وتحقيق المفاجأة في هذه المعارك الثلاث. وبعد انتصار الثورة بأسابيع» 
تأسس بصفة عفوية تنظيم سياسي شعبي اسمه "التنظيم الشعبي". وكان نتاجًا 
لتنادي بعض الوطنيين والقوى الثورية والواعية والفاعلين الاجتماعيين. 
كان التنظيم حركة شعبية ذاتية بامتياز» تكونت في الشوارع والأحياء في أهم 
المدن والقرى» واعتمد التنظيم على إمكانيات أفراده المادية. ومع أنه ضعيف 
تنظيمياء فإنه كان فعالا جدًا وأدى دورًا رائدًا فى احتضان الثورة» ووفر لها 
عمقا جماهيريًاء ولم يعتمد على "فوة الثورة" بل على قوته وإمكانياته» فكان 
تنظيمًا دعويًا فاعلا. ثمّ طورت الثورة هذا التنظيم وأصبح جزءًا من مرحلة 
بناء "الاتحاد الاشتراكي" عام 1971. كان قرار تأسيس الاتحاد الاشتراكي*2) 
قرارًا "فوقيًا" فى مرحلة انتصار الثورة» واعتمد على إمكانيات الثورة المادية 
والمعنوية» وقد اعتّمدت معايير دقيقة فى اختيار أعضائه». وكانت مهماته 
سياسية ودعوية» فأصبح تنظيمًا منضبطاء وظل بعيدًا عن التورط في قمع 
الجماهير؛ لأتنا اعتمدنا أسس بناء الأحزاب ومعاييره. وهكذا أصبح الاتحاد 
الاشتراكي هو "واجهة الثورة" السياسية والدعوية» وبات لديه رؤية جماعية» 
وانتقل سريعًا من مرحلة التعلق والإعجاب بالأشخاص إلى مرحلة الالتزام 
والوإيمان بايديولوجية الثورة. ثم تنبه الاخ معمّر لهذا الآمرء» وشعر بانه 


18 15 


(29) هو الحزب القائد للدولة عقب ثورة الفاتح 1969» فقد تأثئرت ثورة الفاتح بثورة 23 يوليو في 
مصرء ونقلت تجربتهاء حيث كان فى مصر الحزب نفسه. وتجدر الإشارة إلى أن فرعى "الاتحاد 
الاشتراكى" فى مصر وليبيا اندمجا فى هيئة واحدة فى أيار/ مايو 1972. 


62 


سيشكل عائقًا أمام تحوله إلى دكتاتور وشيخ قبيلة؛ ولذا قام بحله في نهاية 
عام 1972» وأسس محله ما سوف يعرف باسم "حركة اللجان الثورية"» وهي 
حركة مفتوحة لكل مَن هبّ ودبّء وكان القصد منها أن تصبح أداة في قمع 
الجماهير وتخويفهاء وجهارًا للتطبيل والتزمير. 

في الأيام الأولى للثورة» ذهبت إلى مدينة بنغازي للاجتماع بالأخ معمّر. 
قرّرنا أن نستقل طائرتين تابعتين لوزارة الزراعة لرش المُبيدات. الطائرتان 
صغيرتان ويمكنهما أن تقلا شخصًا آخر إضافة إلى الطيّار. اتجهنا من بنغازي 
إلى منطقة الأبيار ومنها إلى البيضاء لتفقد الأوضاع في هذه المناطقء وكان هذا 
من وجهة نظري قرارًا متهورًا وقاتلا؛ إذ كان يمكن إسقاط الطائرتين ببندقية. 
لما وصلنا إلى منطقة الأبيار» لاحظنا في عيون بعض الضباط ووجوههم ممّن 
هم أعلى رتبة مناء نظرات التامر وهذا ما لاحظناه في البيضاء. لقد رأينا في 
عيونهم علامات بدايات التآمر على الثورة في أيامها الأولى. كان من السهل 
جدًا القبض عليناء وكان هذا كافيًا لإفشال الثورة. بيد أن العناية الإلهية شلّت 
تفكيرهم» وأدخل الله الرعب والخوف في قلوبهم؛ وهذا أكبر دليل على 
أن الله أراد أن ينتتصر للشعب الليبي» وما نحن سوى "أداة". عدت مع الأخ 
معمّر إلى طرابلس بعد هذه الجولة» وكان مجلس قيادة الثورة قد أصدرء في 
2 أيلول/ سبتمبر 1969» قرارًا بتعيين سعد الدين أبو شويرب9) رئيسًا 
للأركان. كان أبو شويرب يتمتع بمواصفات تجعلنا نختاره لهذا المنصب؟؛ فهو 
إنسان طيب القلب وليس له أي مطامع في السلطة. وبوصفه عسكريًا محترقاء 
فقد كانت له سمعة طيبة فى أوساط الجيش. بيد أننا اكتشفناء بعد إصدار 
القرارء أن أبو شويرب لم يكن في ليبيا. كان في رحلة إلى إسبانيا وعاد منها يوم 
7 أيلول/ سبتمبر» أي بعد سبعة عشر يومًا من الثورة. رفض الأخ القذافي 
تعيينه على رأس مجلس قيادة الثورة» كما رفض قرار ترقيته إلى رتبة عقيد. 
وهكذا بدأ معمّر في وقت مبكر رحلة الخبث والخداع؛ فقد كان يتقمص 


(30) سعد الدين أبو شويرب (2014-1934): ولد فى طرابلس. أحد الضباط الأحرارء وقد برز اسمه 
مع ثورة الفاتح عام 1969. 


63 


شخصية الزاهد والملاك لإخفاء شخصيته الحقيقية بوصفه شيخ قبيلة» ورجلا 
سلطويًا من طراز الشخصيات المتعطشة للمال والسلطة. فى هذا الوقتء» كان 
جمال عبد الناصر يتصل بنا فى مجلس قيادة الثورة؛ ويطالبنا بإعلان معمّر 
القذافي رئيسًا للمجلس.ء وكان يقول لنا صراحة: "إذا لم تعلنوا هذاء فسوف 
يكون هناك خطر على الثورة» وقد تتعرض للسرقة". قرّرناء أخيرًا تحت ضغط 
عبد الناصرء الإعلان بأن معمّر القذافى هو رئيس مجلس قيادة الثورة وترقيته 
إلى رتبة عقيد» وكتبت بنفسي نص خبر الترقية وتعيينه رئيسًا لمجلس قيادة 
الثورة في 8 أيلول/ سبتمبر 1969» ثم سلّمت النصّ إلى الإذاعة. 

في الأسابيع الأولى للثورة» كنّا نمارس مهماتنا من مبنى وكالة الأنباء الليبية 
والإذاعة كذلك. فى هذا الوقتء» بدأ بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة يمارس 
ضغوطًا من أجل الإعلان عن أسماء أعضاء المجلسء وكان الأخ معمّر يقاوم 
هذه الضغوط مُعللًا الأمر بشتى الأسباب» حتى قال صراحة ذات يوم: "من 
مصلحة الثورة ألا نعلن الآن عن أسماء أعضاء المجلس". لكن لم يكن أحدنا 
مقتنعًا بكلام معمّر. وفي حين كنت في زيارة سريعة لفرنساء دخل الأخ معمّر إلى 
المستشفى لإجراء عملية جراحية بسيطة» فبادر أعضاء المجلس إلى الإعلان عن 
أسماء "أعضاء مجلس قيادة الثورة"”7©©» وكان هذا بمبادرة من إمحمد المقريف. 


في 16 كانون الثاني/ يناير 1970» أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بتشكيل 
الوزارة برئاسة الأخ معمّرء وتوليت حقيبة وزارة الداخلية. كان أكبر تحد 
واجهني هو العمل على تأسيس ثقافة وعلاقة جديدة بين المواطن والشرطة» 
وكيف تقوم مؤسسة الشرطة بمهماتها بصفتها "شرطة الشعب"» وكيف نقنع 
المواطن بأنْ الشرطة هي "شرطته". بخاصة أن القيادة شنّت حملة إعلامية على 
النظام الملكي العميل» وكنّا نصفه بأنه "نظام بوليسي". وكذلك فعلت وسائل 
(31) جرى الإعلان عن أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة» في 10 كانون الثاني/ يناير 21970 وهمء 
على الترتيب كما جاء في نص الإعلان: 1. معمّر القذافي؛ 2. عبد السلام جلودء 3. مختار القروي» 


4. بشير هوادي. 5. عبد المنعم الهوني» 6. مصطفى الخروبي» 7 الخويلدي الحميدي. 8. محمد نجمء 
9. عوض حمزة» 10. أبو بكر يونس» 11. عمر المحيشى» 12. إمحمد أبو بكر المقريف. 


64 


الإعلام» بحيث اعتقد المنتسبون إلى الشرطة أننا نقصدهم. وأدى هذا الوضع 
إلى تدنّي معنوياتهم, بالتلازم مع ظهور السلبية في أعمالهم» بل كانوا يتوارون 
عن الأنظار» فقرّرت أن أنظّم عدة لقاءات في مناطق كثيرة» فقلت لهم: "حينما 
تتحدث القيادة ووسائل الإعلام عن الحكم البوليسيء فنحن لا نقصد المنتسبين 
إلى الشرطة» وإنما نقصد السياسة التي كان النظام الملكي العميل ينتهجهاء أمّا 
أنتم» فتنفذون الأوامر لأنكم في النهاية مواطنون» ولو أنكم كنتم في الجيش 
لقمتم بالثورة". والمثل الشعبي يقول: "الذي سبقه أخوه في المعركة ماذل". 
ورغم مشاغليء فقد أشرفت بنفسيء بمعونة وكيل وزارة الداخلية أحمد فوزي 
إهلال - وهو عقيد في الجيش كنت تحت إمرته في مدرسة الهندسة» وكان 
يتمتع بقدرٍ عال من سمو الأخلاق والمعرفة والعلم - على اختيار الملابس 
الجديدة للشرطة. 


في إثر ذلك» اقترح الأخ معمّر عليّ أن أتولى وزارات الاقتصاد والخزانة 
والصناعة» فرفضت. لكنه ظل متشبئًا بمقترحه هذاء حتى إن الرئيس عبد الناصر 
اتصل بى مرتين» طالبًا منى أن أتولى الوزارات الثلاث نظرًا إلى أهميتها 
وحيويتهاء وقال لي حرقيًا: "يا عبد السلام» الثورة هي تغيير حياة الناس ورفع 
مستواهم المعيشي والحياتي. أنت الوحيد الذي يستطيع أن يفعل ذلك". وتحت 
ضغط المطالبات المتكررة من الأخ معمّر وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة» 
وعبد الناصر» قبلت على مضض » فطلبت من النقيب الريفى على الشريف» 
الذي كان يشغل منصب الأمين العام لمجلس قيادة الثورة» أن يتصل بوكلاء 
الوزارات الثلاث ويطلب منهم تجميع كل الموظفين والعاملين في قاعة مركز 
البحوث الصناعية بمنطقة طريق الشطء ثم ذهبت للالتقاء بهم وقلت: "جاءت 
الثورة لتحرّر طاقاتكم وقدراتكم وإبداعاتكم كمواطنين أحرار» ولتبدأوا 
رحلة بناء بلدكم. إن الثورة هي التي منحتكم هذه الفرصة. من الآن فصاعداء 
يجب على كل فرد منكمء أن يشعر أنه 'معمر' والمحيشي' وأبو بكر يونس' 
والمقريف'. يجب أن تتحرروا من الخوف. وأن تثوروا على البيروقراطية. 
وهذا كله يتطلب منكم أن تت تتمتعوا بثقة عالية في النفس. هذه الثورة ثورتكمء 
وإذا ما وقع أحد فى أي أخطاف فأنا أتعهد أمامكم أننى من سوف يتحمل 


65 


المسؤولية. تصرفوا دون خوف واعملوا بنشاط". وقلت: "أنا أفرّق بين الخطأ 
المقصود الذي يرقى إلى درجة التآمرء والخطأ المصاحب للعمل والحركة" ثم 
وقّعت أمامهم قرارًا كنت قد أعددته. بعد الثورة مباشرة» أصبح الدكتور محمود 
المغربى رئيسًا للوزراء خلال فترة قصيرة» وقد حاولنا أن تكون الوزارات من 
نصيب" الوطنيين والمناضلين ضد الملكية وأصحاب الكفاءات والقدرات 
العلمية» وكان من بين الوزراء في الوزارة التي شكلتهاء الدكتور علي عميّش 
والدكتور عبد الرحيم بالو» ومنصور الكيخياء كما أن صالح مسعود بويصير2 
الذي عين وزيرًا للخارجية كان عضوًا في مجلس النواب في العهد الملكي 
وحاول مع مجموعة من النواب المعارضين سحب الثقة من حكومة الملك» 
فجرى إلقاء القبض عليهم, إلا أن بويصير هرب إلى مصر متنكرًا في زيّ امرأة» 
ثم عاد بعد الثورة إلى ليبيا. ثم تولى المنصب الأخ معمّر القذافي» فأصبحت ناتبًا 
لرئيس الوزراء ووزيرًا للداخلية. في هذا الوقت» قررت قضاء فصل الصيف في 
المصيف البلدي» وهو مصيف شعبى يعرفه كل سكان طرابلس» وكانت دورات 
المياه والحمامات مشتركة؛ واحدة للرجال وأخرى للنساء. كنت مع أسرتي في 
المصيف عام 1970 وكان رواد المصيف من بسطاء الناس والمواطتين العاديين 
ورجال الشرطة والجنود والعمال وعدد قليل من الكوادر. ذات يوم جاءتني 
مجموعة من المصطافين» وقال هؤلاء: "نحن نشعر بإحراج وحتى إهانة حين 
نشاهد عبد السلام جلود وزوجته وأولاده وبناته» ينتظرونء في الطابور» دورهم 
لاستخدام هذه المرافق. نريد أن نتبرع بمبلغ من المال لنبني لك ولأسرتك دورة 
مياه وحمام مستقلين"» فقلت لهم: "أنا أشكر لكم مشاعركم.؛ ولكنني أشعر 
بسعادة وراحة نفسية حينما أقف في الصف أنا وأسرتي وننتظر دورنا مثلكم". 
وهكذا كنت كل عام أقضي الصيف وسط الناس. في مطلع الثمانينيات» وحين 
بدأت بوادر الخلافات مع الأخ معمّرء أخذ معمّر يشعر بالضيق وربما الغيرة من 
وجودي وسط الناس» وكان يقول لي: "يا عبد السلام» خلينا نبني لك استراحة 


خاصة على شاطئ البحر في أي مكان ترغب فيه"» فرفضت الفكرة من أساسها؛ 


(32) صالح مسعود بويصير: سياسي وصحافي ومؤرخ» شغل منصب وزير الخارجية (8 أيلول/ سبتمبر 
9 - 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1970). 


66 


لآنني كنت أدرك أنه يريد ضرب صدقيتيء. ولأن كان لمعظم الضباط الأحرار 
والوزراء والقيادات الشعبية وقيادات اللجان الثورية إمّا استراحات خاصة 
وإمّا كانوا يقيمون فى المدن السياحية. ويبدو أن العناصر الفاسدة كانت تنقل 
له صورة زائفة وكاذبة عن وجودي في هذا المصيف, وأن عبد السلام يقضي 
سهرات راقصة ويشرب الخمور مع المصطافين» حتى إنه فاجأني» كما فاجأ 
رواد المصيف ذات ليلة» بزيارة غير متوقعة» فوجدني مع المصطافين» بعضنا 
يلعب طاولة الزهر وآخرون يلعبون "الكوتشينة" (الورق) ونحن نتناول الشاي. 
أمضى معمّر معنا نحو ساعتين ثم غادر. في اليوم التالي» اتصل بي هاتفيًًا وهو 
يشتم "العناصر الفاسدة". وقال: "هؤلاء أعطوني صورة زائفة عنك وعن رواد 
المصيف". فقلت له: "يا أخ معمّر أنا أشعر بالأسف لحالك حين تعتمد على 
هؤلاء الفاسدين وتستمع لأكاذيبهم". في عام 1983» قرر الأخ معمّر هدم 
المصيف وإزالته» وكان هذا مثار حيرة وتساؤل من كل سكان طرابلس تقريباء 
لم يكن أحد يعرف أي سبب مقنع لهذا التصرف. 


في أواخر الثمانينيات» كنت أنا ومعمّر في منطقة "جهنم" التي تقع جنوب 
شرق مدينة سرتء وقد عرفت بهذا الاسم لارتفاع درجة حرارتها في فصل 
الصيف. وبينما كنا مع بعض نتجاذب أطراف الحديث» ونستعيد ذكريات 
الماضى. جاء وقت صلاة المغربء فقمنا للصلاة» وأمّنا معمّرء وكنت خلفه 
قليلاء فلاحظت أنه لم يسجد بشكل صحيحء فقلت له: اسجد صح يا رجل 
لكنه لم يُعر طلبي أيّ اهتمام. وبعد الصلاة قال لي: أنا لا أريد أن أفقص لأحد. 
حتى لربي, أي إنني لا أريد أن أنحني لأحد حتى لربي. 


67 


الفصل الثاني 


حينما أصبحت رئيسا لوزراء ليبيا 


قبل أن أتولى رئاسة الوزراء» كنت قد شغلت منصب نائب رئيس الوزراء 
وزير الداخلية والحكم المحليء بناءَ على قرار من مجلس قيادة الثورة بتشكيل 


الوزارة فى 16 كانون الثانى/ يناير 1970. 


في عام 1972» بعد أن توليت منصب رئيس الوزراء» ركزت جهودي كلها 
في سبيل صياغة منهاج تربوي يجمع بين المعلومة وبناء الشخصية؛ لأن المنهج 
في الوطن العربي كان يقوم بتدمير شخصية الطالب وزرع الخوف في قلبى 
وما قيمة المعلومة من دون بناء شخصية الطالب الواثق بنفسه وشعبه وأمتى 
وتمتّعه باستقلالية قراره؟ ولأنني كنت مؤمنًا إيمانًا جازمًا بأن الديمقراطية 
والتعليم هما أساس تقدم الشعوب ونهضتهاء فقد شكلت لجنة عليا ولجانًا 
فرعية ضمّت أفضل علمائنا وكوادرنا. عقدت عدة اجتماعات لمناقشة وضع 
خطط إعداد المنهج التربوي والثوري. وحدث خلال أحد اجتماعات مجلس 
الوزراء أن دخل علىّ مدير مكتبي» حاملًا ورقة صغيرة من الأخ معمّر تحمل 
ما يمكن اعتباره "تعليمات" أو "توجيهات". فغضبت غضبًا شديدًا واستأذنت 
المجلس ثم غادرت الاجتماع مسرعًا إلى مكتبي. واتصلت بالأخ معمّر وقلت 
له: "أسمع يا أخ معمّرء أنا بصفتي رئيسًا للوزراء أمارس صلاحياتي بحسب 
القانون» وأرفض أن أستلم منك أيّ توجيهات أو ملاحظات, أرجوك هذه آخر 
مرة تتعامل فيها معي بهذه الطريقة". فقال لي: "يا أخي فكني منك (أي اتركني 
لا تتصل بي)"» وبالفعل» بقينا فترة من الزمن لا نتحدث مع بعض. ونظرًا إلى أن 
المجتمع الليبي مجتمع بسيط وصغيرء فقد شاع الخبر. وأذكر أن أخي عمر جاء 
لزيارتي» وقال لي: "اسمع يا عبد السلام. إِمَا أن تكون رئيس وزراء مضبوط (أي 
حقيقي) وإمًا لا» أي ألا تكون مجرد صورة". ومع كل هذا واصلت اجتماعاتي مع 
اللجنة العليا واللجان الفرعية لصياغة "منهاج تربوي جديد". كنت حينما أجتمع 


71 


باللجنة العليا واللجان الفرعية المتخصّصة أبدأ حديثي معهم بالقول: "يجب 
أن يركز المنهاج على بناء الشخصية أولاء ثم المعلومة ثانيًا. لا قيمة للمعلومة 
إذا مادمّرنا شخصية الطالب» يجب أن يُعدَ الطالب حتى يكون مواطنًا واثقًا 
من نفسه ويتمتع باستقلاليته الشخصية واستقلالية قراره» لأنني أؤمن بأن تقدم 
الشعوب والأمم يقوم على الديمقراطية وعلى التعليم. الأحرار هم الذين 
يبنون". وفي النهاية أصبح لدينا منهاج قوي ومتطور وعصريء وكنت أقول 
دائمًا لليبيين» لو تمكنا من تعليم الليبيين وصرفنا كل أموال النفط على التعليم 
وخلقنا جيشًا من العلماء والباحثين والمخترعين» فسيكون النفط أدى مهمته. 
وقلت: "يجب أن نرسل خلال عشر سنوات مالايقل عن 100 ألف طالب 
للدراسة في الخارج في أميركا وكندا وأوروبا الغربية» ليشكلوا جيش الثورة 
العلمية» لأن الثروة الحقيقية هي ثروة التكنولوجياء والمناجم الحقيقية التي 
لا تنضب هي مخازن الأبحاث والاختراعات لا مناجم المعادن والنفط والغاز". 


بعد الثورة مباشرة كثفنا لقاءاتنا وحواراتنا مع كوادرنا ونخبنا ومثقفينا. 
ولأن الثورة خرجت من رحم الشعب. فقد كانت ثقتنا بالشعب الليبي لا حدود 
لها. وقد سمحت لنا هذه اللقاءات والحوارات أن نتعرف على تلك الكوادر 
والنخب والمثقفين. وأجرى مجلس قيادة الثورة تعديلًا وزاريًا دخل بموجبه 
العديد من أولئك الكوادر والمناضلين فى تشكيل الوزارة» بعد أن اعتمدنا فى 
المرحلة الأولى على مناضلين أغلبهم من حركة القوميين العربء في إدارة تلك 
المرحلة. 

شهدت بداية السبعينيات ثورة تعليمية؛ فقد مثل المنهاج الجديد قفزة نوعية 
وإنجارًا ثوريًا حاسمّاء وأعلنا إلزامية التعليم ومجانيته. وقد أصدر مجلس قيادة 
الثورة قانونا في هذا الشأن في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 1975. وبعد أن كانت 
معظم المدارس في العهد الملكي متهالكة» أو في بيوت لا تتوافر فيها أدنى 
الشروط التربوية والتعليمية» قامت الثورة ببناء المدارس والكليات والمعاهد 
والجامعات في طول البلاد وعرضهاء ونفذنا برنامجًا ثوريًا لمحو الأميةء 
وبرنامجًا للمدارس المتنقلة» حيث تتنقل هذه المدارس مع تنقل البدو الرحل» 


/2 


حتى تمكنا من توطينهم. وفي فترة قياسية تم استيعاب جميع الطلبة من الجنسين 
فى المدارس. ولتمكين الطلبة الفقراء من دخول الجامعات والمعاهد العلياء 
أصدر مجلس الوزراء قرارًا بتقديم منحة شهرية لجميع الطلبة في الجامعات 
والمعاهد العلياء بلغت خمسين دينارًا شهريًا (ما يعادل 160 دولارًا). وقد 
لمواجهة مجموعة من الماركسيين الذين استغلوا عدم قبول الطلبة قرار التدريب 
العسكري العام. وحققت فترة السبعينيات والثمانينيات قفزة نوعية في إرسال 
الطلبة الليبيين إلى الخارج» حيث كانت ليبيا حتى منتصف الثمانينيات الأولى 
بين الدول العربية في عدد الدارسين في الخارج (ثم العراق ثانيّاك والمملكة 
العربية السعودية ثالثا). وكنت أقول: حينما يعود هؤلاء الطلبة إلى ليبيا بعد 
أن ينهوا دراساتهم الجامعية والعلياء فإنهم سوف يحولون ليبيا إلى جنة على 
وجه الأرض. لكن "الطاغية" تنبّه لهذا وأعلن أن النفط ملك له ولأولاده» وتبنى 
سياسة التخويف والتجهيل والإفقار» وأعلن صراحة أن على كل ليبى أن "يدبر 
رأسه (أي أن يبحث عن وسيلة للعيش) وأن دور السلطة هو دور الشرطي". 
وهكذا أوقف الطاغية إرسال الطلبة للدراسة في الخارج» وحين اعترضت على 
القراره قال لى: "إن المخابرات الأميركية والكندية والأوروبية وكذلك العراقية 
والسعودية تجند الطلبة ضدي". إنه تفكير ساذج وسخيفء. وقد أدّى أزلامه 
من الطلبة الدارسين في الخارج دورًا في إقناعه بهذا التفكير»ء كما دخلوا في 
صراعات ومشكلاات مع الطلبة قصد السيطرة عليهم. وحينما رفض الطلبة 
ذلك, لمقوا لهم التّهم زورًا وبهتاناء بأنهم "معادون للثورة" و”يتآمرون عليها". 
القراره وحين اجتمعت به قلت له: "إن الطلبة ليسوا ضد الثورة» ولا يتآمرون 
عليها. إنهم ضد الطلبة الانتهازيين والذين يدّعون الثورية ويشيعون في أوساط 
الطلبة أنهم مكلفون منك". ثم قلت له: "إنك تعتقد أن المخابرات تجند الطلبة 
ولكنني أقول لك الآن بعد قطع المنح عنهم سيكونون صيدًا ثمينا في هذه 
الدول. لأنك حاربتهم في عيشهم ودراستهم". ثم قررت أن أعقد ملتقى للطلبة 


/3 


طرابلس - الزاوية. وقد تخلف عدد قليل جدًا من الطلبة عن الحضوره. وأجريت 
معهم عدة حوارات ونقاشات» وأجبت عن كل الأسئلة التي طرحوهاء وبذلك 
حلت الثقة والاطمئنان محل الخوف والشك. ثم أقمت لهم حفل عشاء. 
واتخذت قرارًا بإعادة المنح المالية لهم. في عام 1985» عَقد ملتقى آخرء هو 
الثاني للطلبة الدارسين في الخارج. حضره كل الطلبة» بمن فيهم الطلبة الذين 
لم يحضروا الملتقى الأول. 

وأولت الثورة أيضًا تعليم القرآن وتحفيظه عناية خاصة. وأصدر مجلس 
الوزراء قرارًا بأن يُعامل حفظة القرآن معاملة خريجي الجامعات من حيث 
المرتّب والامتيازات المادية والمعنوية» كما عملت الثورة على نشر المدارس 
القرآنية في جميع أنحاء البلاد. 

بعد أن قادت الثورة "ثورة النفط" و"ثورة الدول المالكة للخامات" 
بتحقيقها سعرًا عادلًا للبرميل إلى حد بعيد. وبعد أن توافرت الأموال» بدأت 
الثورة في إحداث تحولات هائلة وعميقة في بنية المجتمع» تحولات اقتصادية 
واجتماعية» ونفذت الخطط الخمسية والعشرية وتبتّت خططًا طموحة للتصنيع 
والإصلاح الزراعي. وتركزت خطط الإصلاح الزراعي في الجبل الأخضر 
وسهل المرج والكفرة والسرير وسهل الجفارة. وقد حدث أن جاءني بعض 
كوادر الجبل الأخضرء وقالوا لي: "اتركوا لنا جبلنا الأخضر أخضر"؛ لأن 
عمليات الإصلاح تتطلب قطع الأشجار والحشائش والأعشابء. وهذا يبيّن 
كيف أن العقلية المحافظة ترفض التغيير» وأصبحت ليبيا خلال السبعينيات 
والثمانينيات ورشة عمل كبيرة. 


وقد رصدت الثورة الأموال لمداهمة مدن الصفيح والأكواخ التي كانت 
تحاصر المدن من زوارة وصبراتة في الغرب إلى طبرق ودرنة في الشرق. 
ونفذت أكبر مشروع للإسكان "مشروع الفاتح للإسكان". وأسّسنا المصرف 
العقاري لإعطاء القروض العقارية لمحدودي الدخل من دون فوائد وبأقساط 
بسيطة لمدة 30 و40 سنة» ثم قرّرنا إعفاءهم من دفع الأقساطء. أما الفعات 
المتوسطة فأعطيت القروض بفوائد بسيطة. وفي نهاية السبعينيات» كان عندنا 


/4 


فائض فى الشقق لسببين: كان الأول يتمثل فى الأعداد الهائلة من الشقق التى 
بنيناها؛ ما السبب الثانى» فلأن الكثير من الليبيين صاروا يبنون "الدارات” 
و"الفلل" نتيجة ارتفاع مستوى المداخيل. 

وحققت الثورة أيضًا قفزة نوعية في مجال البنية الأساسية» حيث تمّ 
بناء شبكة خدمات عصرية حديئة. وفي مجال الصحة؛ تم بناء مستشفيات 
حديثة» ووصلت معدلات الأطباء والأسرّة لكل ألف مواطن إلى معدلات قريبة 
جدًا من المعدلات التي كانت في الدول المتقدمة. وحققت الخطط الاقتصادية 
والاجتماعية في العشرين سنة الأولى» معدلات نمو تراوح بين 14 و16 في 
المئة» وقد وصل دخل الفرد إلى معدلات قريبة من معدلات الدول المتقدمة. 

كانت فترة السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات» هى الفترة الذهبية فى حياة 
الليبيين. لقد أنشأنا مؤسسة السلع التموينية لاستيراد ودعم المواد الضرورية» 
وحافظت هذه الخطوة على القوة الشرائية لليبيين» وسيطرت على التضخمء 
وأشاد الكثير من المؤسسات الدولية المالية والاقتصادية بدور هذه المؤسسة. 

وأصدرنا قانون الضمان الاجتماعى» فأرسلنا عدة وفود إلى دول أوروبا 
الشمالية لدراسة قوانين الضمان الاجتماعي في هذه الدول. وأذكر أننا لما 
أصدرنا القانون رقم (13) بشأن الضمان الاجتماعي في عام 1980» وبدأ 
العمل به اكتشفنا أن العامل حينما يكون مريضًا ولايذهب إلى العمل يحصل 
على راتب 110 في المئة من راتبه» وأذكر أن عبد العاطي العبيدي» وكان وزيرًا 
للعمل والضمان الاجتماعي. جاءني وقال لي: "هذا القانون دعوة للكسل 
وادعاء المرض"» فقمنا بتعديل القانون. وهذا يثبت كم كانت الثورة منحازة إلى 
العمال. 
(1) رفعت ثورة الفاتح شعار "مسكن صحي لكل مواطن". ولذلك التزمت بتوفير المساكن من خلال 
الإسكان العام والإسكان الاستثماري والإسكان الزراعي وإسكان محدودي الدخلء وتم منح أعداد 


كبيرة من المقروض العقارية. وقد وصلت إلى التغطية الكاملة لمشروعات إسكان محدودي الدخل 
والإسكان العام. 


/5 


ثم أسّسنا جمعية "الدعوة الإسلامية"» وعينا الشيخ محمود صبحي 
على رأس الجمعية» وهو رمز وطني كبير» وكان عضوًا في مجلس النواب في 
العهد الملكي» وكان ضمن مجموعة صغيرة من مجلس النواب» ولكنها نشيطة 
والأميركية. إن جوهر "الصحوة الإسلامية" أو محتواهاء الذي بشّرت به ثورة 
الفاتح من سبتمبير» هو الثورة على "إسلام الرجعية العربية". "إسلام أمير كا" 
الذي تحاكي فيه المساجد والجوامع الضخمة القصور الضخمة» مقرود 
بالعبودية والظلم والقمع والقهر؛ وتقديم "إسلام الله" ع وجل كما جاء به 
الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)» حيث الصلاة في جامع بسيط 

- 8 8 - 3 - ؟مو ع .ى م ام روجع ه 
وحتى تحت شجرة. مقرونًا بالحرية و#أأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ# (الشورى: 38) 
وبالعدالة والمساواة. كانت مهمة الجمعية الاتصال بالمسلمين أفرادًا 
وجمعيات» وتقديم الدعم المادي السخىّ» والمساهمة فى إنشاء المساجد 
والجوامع ومدارس حفظ القرآن وتنظيم مسابقات حفظ القرآن وتجويده. 
وقد تميّر الطلبة الليبيون فحصلوا على أفضل المراتب. كما أسّسنا "صندوق 
الجهاد وجمع الزكاة" والتبرعات لتمويل نشاطات الجمعية. وبفضلهاء تمكنت 
الثورة من الوصول لى المسلمين في * شتى أصقاع الأرض» والوقوف معهم» 
وتبني قضاياهم. لقد , بعثت الثورة روحًا جديدة في الجسم الإسلامي. وأعطت 
المسلمين الثقة بأنَّ القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام بلا منازع. 

فى بداية التسعينيات» قرر الطاغية حَرّْف الجمعية عن أهدافها؛ فأصبحت 
جهارًا دعائيًا فى خدمته. وأصبحت الجمعية تبحث عن الذين يقبلون بالعمل 
في خدمته. لاافي خدمة الإسلام كما كانت مهمتها عند تأسيسها. 


لحيام 


(2) عقدت جمعية الدعوة الإسلامية العالمية مؤتمرها التأسيسي الأول عام 1970 وحضره ثلة من دعاة 
العالم الإسلامى وعلمائه. منهم الأساتذة: محمود صبحى رئيس الجمعية أحمد حسن الباقوري» مالك 
عبد الكريم سايتوء الحبيب المستاوي, أحمد توتونجيء مطاع أدهميء المهدي بن عبود» عمر بهاء الدين 
الأميري. وقد مثلت الجمعية واحدة من أكبر المنظمات الإسلامية العالمية المختصة التى يمتد نشاطها 


76 


وفي هذا السياقء لا بد من أن يقف الإنسان وقفة تحية وإجلال للمخرج 
السينمائيى العالمى الراحل مصطفى العقاد' الذي تمكن من اختراق 
إمبراطورية هوليوود السينمائية العالمية» ونجح في تقديم نفسه مخرجًا 
قديرًا ومميّرّاء ولولاه لما تمكنت ثورة الفاتح من تقديم الإسلام بصفته 
ثورة ثقافية عن طريق فيلم "الرسالة". لقد قدمت الثورة» عبر هذا الفيلم» 
الإسلام للعالم كله بصفته دعوة "ثقافية", لأن المبدأ الأساس في الإسلام هو 
"الشورى". ودعوته تقوم على الحوار والجدل والإقناع لا إِكْرَاةَ في الدّينِ 
(البقرة: 256)» ظفَمَنْ ضَاءَ كقَلْيوْمِنْ وَمَنْ ضَاءَ كَلَيَكْمْدْ 4 (الكهف: 29)., 
طوَجَادِلْهُمْ بالَّي هِيَ أَحْسَنٌ4 (النحل: 125)؛ ولذا فالإسلام لم يكن (فتحًا 
بالسيف»» وإن الآية الكريمة #وَسَاوِرُهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَرَمْتَ مَتَوَكَّلُ» 
(آل عمران: 159) خاصة بالرسول. أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلمء 
فيجب أن يعود المسلمون إلى القاعدة الأساسية وهي طوأَمْرُهُمْ شُورَى 
بَْنَهُخْ4 (الشورى: 38)» أي الديمقراطية. لقد شكل الفيلم» عن حقء فتحًا 
"ثقافيًا إسلاميًا". كان العمل في الفيلم» في البداية» يجري بين ليبيا ومصر 
والكويتء على الرغم من أن الدور الرائد من حيث الفكرة والعمل والتمويل 
يعود إلى ثورة الفاتح؛ إذ أمضيت أنا والأخ معمّر الليالي والأيام والأسابيع» 
وحتى الشهور في حوارات طويلة مع المخرج من أجل استشراف آفاق هذا 
العمل التاريخيء ولما تمّ الاتفاق على بدء العمل وكتابة السيناريوه ومن ثم 
عمليات التصويره فوجئنا بأن الرئيس محمد أنور السادات أعلن الانسحاب 
من العمل تحت ضغط الأزهرء فقرّرنا المضي في العمل وتولينا تمويل الفيلم 
كليًا (نحو 60 مليون دولار). 


(3) مصطفى العقاد (1 تموز/ يوليو 11-1930 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005): مخرج ومنتج سينمائي 
سوريء ولد في حي الأزبكية بمدينة حلبء ثم غادرها إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الإخراج 
والإنتاج السينمائي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوسء وأقام فيها حتى أواخر مراحل حياته. يعد من 
أهم المنتجين والمخرجين العرب الذين أبدعوا في مجال سينما هوليوود؛ إذا أنتجح خلال حياته نحو 
3 فيلمّاء من بينها فيلم "الرسالة" (1976)» أول فيلم عربي عالمي يتحدث عن رسالة الإسلام» وفيلم 
"أسد الصحراء" (1981) عن المناضل الليبي عمر المختارء إضافة إلى سلسلة من أفلام رعب الهالوين 
التى تجد إقبالا كبيرًا فى الولايات المتحدة. 


717 


أحدث الفيلم "ثورة" في العالم كله» وسجل أعلى نسبة مشاهدة يمكن أن 
يحققها فيلم» وحصل أيضًا على أكبر عدد من الجوائزء وعرض في صالات السينما 
في معظم دول العالم. وإزاء هذا النجاح الباهرء أعلن السادات في خطاب بمجلس 
الشعب أن مصر "مشاركة في صناعة الفيلم". بعد ذلك. في عام 1 198» شرعنا في 
الإعداد لملحمة الجهاد الليبي من خلال فيلم "أسد الصحراء عمر المختار”*؛ هذا 
العمل التاريخي الجبار الذي نجح في تقديم جهاد الليبيين ضد الغزو الاستعماري 
البربري الإيطالي» وتعرّف العالم عن طريق هذا الإنجاز الثوري على جهاد الشعب 
الليبي الصغير في عدده. الكبير في تضحياته وجهاده. ضد أشنع استعمار في 
العالم. لقد تعرف العالم على معسكرات الاعتقال الجماعي التي كانت تحوي 
مئات الآلاف من الليبيين» حتى صار الليبيون إمّا فى صفوف المقاومة والجهاد. 
وإمّا فى معسكرات الاعتقال الجماعىء إضافةً إلى نفى الآلاف إلى إيطاليا. وإذا 
كان الاستعمار ان الفرنسى والإنكليز ي يلجآن إلى نفى القيادات الوطنية والجهادية. 
فإن الاستعمار البربري الإيطالي نفى عشرات الآلاف من الليبيين إلى إيطاليا. وقد 
عرض الفيلم في معظم دول العالم» وحقق أكبر أعداد مشاهدة وأكبر دخل وأكبر 
عدد من الجوائز» مقارنة ببقية الأفلام في تلك الفترة. 

خاضت ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة أيضًا معركة ثقافية أخرى على 
مستوى العالم» واستثمرنا دورنا في نصرة الشعوب بأفريقيا وآسيا وأميركا 
اللاتينية» ووقوفنا مع حركات التحرر في العالم» وحركات اليسار» لحشد التأييد 
كي تصبح اللغة العربية لغة رسمية في الآمم المتحدة ومنظماتهاء بصفتها لغة 
حيّة وعالمية إلى جانب اللغات الأخرىء, وقد دفعت ليبيا أكبر مساهمة مالية فى 
تمويل هذه العملية. ْ 

وفي المجال القوميء. قامت ثورة الفاتح بتطبيق شعار "فلسطين قضية 
العرب الأولى". والفلسطينيون والعرب يعرفون كيف كانت الثورة الفلسطينية 
(4) فيلم عمر المختار "أسد الصحراء" (0567 36 0 50ذا): وهو فيلم حربي ملحمي تاريخي بإنتاج 
ليبي» وقد أدى دور البطولة الممثل الأميركي أنطوني كوين الذي جسد دور المجاهد الليبي عمر المختار 


في مقاومة الاحتلال الإيطالي للأراضي الليبية» وقام بإخراج الفيلم السوري مصطفى العقاد عام 11011 


78 


قبل ثورة الفاتح» وكيف أصبحت. لقد تبنت ثورة الفاتح القضية الفلسطينية 
والثورة الفلسطينية عملا وجهادّاء لا قولا. لقد دعمنا الثورة الفلسطينية بالمال 
والسلاح» كما فتحنا ليبيا أمام الفصائل الفلسطينية لإقامة معسكرات التدريب 
ودربنا وسلّحنا الآلاف. ولقد اعتبرت واشنطن هذه المعسكرات» إضافة إلى 
"معسكرات التدريب" لحركات التحرير فى أفريقيا وأميركا اللاتينية» معسكرات 
إرهابية ظلمًا وعدوانًا. وكانت قضية فلسطين أولوية الأولويات فى حركة الثورة» 
وطبقنا على الأرض قومية العمل الفدائى وقومية المعركة. كما دربنا الآلاف من 
المتطوعين العرب» وحينما قررنا إرسالهم إلى سورية ومصرء رفض السادات 
وحافظ الأسد”" استقبالهم. والقادة الفلسطينيون» سواء الذين على قيد الحياة 
أو الذين استشهدوا على طريق تحرير فلسطين» يعرفون ذلك» كيف لا وقد 
كانت كلمة "القدس" هي "كلمة السر" ليلة الفاتح. كنا - أنا والأخ معمّر - نسهر 
الليالي مع القيادات الفلسطينية في التفكير والتخطيط من أجل تطوير الكفاح 
المسلح والعمل الفدائي» كي يكون أكثر ديمومة وأكثر جرأة» وقد كنا نعمل معًا 
مشكّلين فريقًا فلسطينيًا واحدًا. 

لقد كانت رحلة معاناة وكفاح مضنية» ولكن كنا جميعًا نجد أنفسنا 
في هذا المناخ» كما قمنا بدعم حاضنة الثورة الفلسطينية النضالية والشعبية 
(الحركة الوطنية اللبنانية) بالمال والسلاح» بقيادة شهيد فلسطين والآمة كمال 
جنبلاط”. وقامت ثورة الفاتح بنشر الوعي الثوري والقومي الوحدوي في 
الوطن العربي, وانتشرت الثقافة الوحدوية من المحيط إلى الخليج» وأصبحت 
قضية الوحدة مطروحة بقوة على الواقع العربي. يكفي أن الملك الحسن 
الثاني والحبيب بورقيبة وقّعا "اتفاقيتتي" الوحدة تحت دعوات وصيحات المد 


(5) رئيس الجمهورية العربية السورية (2000-1970). 

(6) كمال جنبلاط (6 كانون الأول/ ديسمبر 1917 - 16 آذار/ مارس 1977): زعيم سياسي لبناني» 
مؤسس الحزب التقدمى الاشتراكى» غرف بمواقفه المؤيدة والداعمة للقضية الفلسطينية» حيث ترأس 
الحركة الوطنية إبان الحرب الأهلية في لبنان. انتُخْب بالإجماع أميئًا عامًا للجبهة العربية المشاركة في 
الثورة الفلسطينية عام 1973. 

(7) ملك المملكة المغربية (1999-19671). 


9م 


الوحدوي الذي خلقته ثورة الفاتح. ولكن - للأسف الشديد - فشلت هذه 
المحاولاات» وهذه التجارب؟ لغياب الثقافة الوحدوية» ولعدم وجود طلائع 
تقود العمل الوحدويء ولتناقض الوحدة مع "كراسي الحكام". أضربٌ مثلا 
على ذلك؛ فحينما كانت القوى السياسية في كل من المغرب والجزائر وتونس 
تقود الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي» اتفقت هذه القوى على إقامة وحدة بينها 
بمجرد نيل الاستقلال» ولكنها تخلت عن هذا الاتفاق» أن كد منها كانت 
تريد "التمتع" بالحكم الوطني (إنه الكرسي»» يا سبحان الله حركة الإخوان 
المسلمين الدعوية» التي عمرها أكثر من 80 عامّاء وأصبحت حركة سياسية 
تؤمن بصندوق الاقتراع» باتت "حركة إرهابية" وحركتا "حماس" و"الجهاد 
الإسلامي" إرهابيتين» وكل فدائي ومناضل فلسطيني هو "إرهابي". وحزب الله 
الذي أعاد الاعتبار للأمة والمقاومة هو "إرهابي". ومن جهة مِنْ؟ ليس من 
الولايات المتحدة فحسبء بل من "عرب أميركا" أيضًا؛ لأنهم لا يريدون مصر 
أن تقود الأمة والإسلام» متناسين حقيقة أن الإرهاب والفساد "ابنان شرعيان". 
أو "غير شرعيين"” للعبودية والظلم والقمع والقهر الذي تمارسه هذه الأنظمة 
الرجعية» وكذلك الأنظمة الدكتاتورية الأخرى. إنه زمن "البترودولار" الذي 


أفسد كل شيء إلى حدّ التعفن. إنه الزمن الرديء بامتياز. 


في المقابل» أعطينا الجّزر في البحر المتوسط أهميةً كبرى» وتحديدًا 
القريبة من الوطن العربي (مالطا وقبرص) خدمةً للأمن القومي العربي» حيث 
أقمنا أفضل العلاقات مع مالطا في عهد رئيس الوزراء دوم منتوف)؛ علاقات 
اقتصادية وسياسية وثقافية» وقد مارسنا ضغوطا على رئيس الوزراء منتوف 
للتخلص من القوات البريطانية في مالطاء وفي أحد الاجتماعات معه في 
طرابلس تصرف معي ب "عقلية التاجر' ' معتقدّاء أو يريد أن يقول ليء إذا أردتم 


نا أن نتتخلص من القوات البريطانية فعليكم أن تدفعوا لمالطا 78 مليون دينار 


(8) دوم منتوف (2012-1916): سياسي مالطي كان له دور مهم في تاريخ مالطاء فقد ترأس حزب 
العمال المالطى (1949-1948))» وشغل منصب رئيس وزراء مالطا فى حقبتين مهمتين فى تاريخهاء؛ 
الأولى (1958-1955). عندما كانت مالطا مستعمرة بريطانية. أما الثانية فهى بعد أن نالت استقلالها 
(1984-19271). 1 


50 


مالطى سنويّاء فرددت عليه قائلا: "لا تعتقديا صديقى أن طرد القوات البريطانية 
هو خدمة لليبياء لا» القوات البريطانية هي فى مرمى نيراننا لا تشكل أي تهديد 
لنا. إذا كنتم تريدون استكمال سيادتكم بالتخلص من هذه القوات فنحن 
سندعمكم ونقف معكم". 

وبفضل ثورة الفاتح من سبتمبر» تحررت مالطا من القواعد البريطانية. 
وحصل أن عقد اجتماع للأحزاب الاشتراكية الأوروبية في مالطاء وقد 
ومركراء ويجمع بين السياسة والأيديولوجيا والفلسفة» وقد أعجب الأخ معمّر 
بالخطاب. وأمر وزير التعليم بأن يُدرجٍ الخطاب موضوعًا في كتاب القراءة 
للمرحلة الإعدادية والثانوية. 


وقد أولينا جزيرة قبرص الاهتمام نفسه. وأقمنا معها أفضل علاقات صداقة 
وتعاون. واستثمرنا الجهد والمال فى هذه الجزيرة» وكانت لنا علاقات صداقة 
ومحبة ممتازة مع المطران مكاريوس الثالث”*» الذي زارنا عدة مرات» وكانت 
لنا معه أحاديث مطولة ومعمقة ومفيدة» فهو إنسان كله إنسانية» وله تقدير 
خاص للعرب ومناصر قوي لقضية الشعب العربي في فلسطين. وبوفاته» خسرنا 
صديقًا حميمًا ومناصرًا شديد المراس لقضايا الأمة. 

ثم أولينا أفريقيا اهتمامًا خاصًا بعد الثورة مباشرة؛ لأننا نعتبرها العمق 
الاستراتيجى للأمة العربية» إضافة إلى أننا نعتبرها "قارة مسلمة". وقد وقفنا بقوة 
مع حركات التحرير في أفريقياء وقدّمنا كل الدعم المالي والعسكري والسياسي 
والإعلامي. لقد وقفنا مع المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا بقيادة 
المناضل الكبير نيلسون مانديلا””''» ومع حركات التحرير: حركة سوابو في 


(9) مكاريوس الثالث (13 آب/ أغسطس 1913 - 3 آب/ أغسطس 1977): سياسى ورجل دين» 
شغل منصب رئيس قبرص المستقلة منذ عام 1959 حتى وفاته. كان من دعاة الوحدة مع اليونان إبان 
الاحتلال البريطاني لجزيرة قبرصء وقد ارتبط بعلاقات إيجابية وثيقة مع الدول العربية. 

(10) سياسي وثوريء عرف بنضاله ومقاومته لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقياء تولى منصب 
رئيس جمهورية جنوب أفريقيا (1999-1994). 


81 


ناميبياء وحركة تحرير أنغولاء وحركة تحرير موزامبيق» وحركة تحرير الرأس 
الأخضر. وحركة تحرير روديسيا بقيادة روبرت موغابي"». ودرّبنا وسلّحنا 
أيضًا عشرات آلاف المقاتلين فى ليبياء كما قاتل ضباطنا وجنودنا جنبًا إلى 
جنب مع مقاتلي هذه الحركات. لقد ساعد دعمنا ووقوفنا مع حركة تحرير 
أنغولا وموزامبيق وجزر الرأس الأخضر فى بداية هزيمة الاستعمار البرتغالى. 
وقاد هذا إلى تقوية المعارضة في البرتغال ضد حكم أنطونيو سالازار 1 
وبدأت الأصوات تتعالى لسحب القوات البرتغالية من مستعمراتها فى أفريقياء 
وأدى هذا إلى تصاعد رياح الثورة والتغيير في البرتغال. كما قدمنا دعمًا مالنًّ 
وسياسيًا للثورة البرتغالية بقيادة الحزب الاشتراكي البرتغالي الذي كان يقوده 
السيد ماريو سواريش*'2: وتكونت بيننا علاقة صداقة قوية. 


ثم إننا وضعنا استراتيجيا لمواجهة التغلغل الصهيوني في القارة الأفريقية» 
ونجحنا إلى حد بعيد في القضاء على هذا السرطان الصهيوني في أفريقياء 
وبنينا علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية قوية» واستثمرنا الكثير من الوقت 
والمال والجهد لدعم هذه الدول» سواء في شكل مساعدات وفروض» أو 
استثمارات. وبفضل هذه الاستراتيجياء نجحنا في جعل أفريقيا تقف مع القضايا 
العربية» سواء في الآمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى» وخاصة قضية 
الشعب الفلسطيني» وخسرت الصهيونية معظم مواقعها إِنْ لم نقل كل مواقعهاء 


وأدّت الدول الأفريقية» مع دول عدم الانحيازء دورًا مركزيًا في استصدار 


(11) حرب الغابة الروديسية» أو حرب تحرير زيمبابوي: هي حرب أهلية نشبت في زيمبابوي في 
تموز/ يوليو 1964 وامتدت إلى كانون الأول/ ديسمبر 1979 في دولة روديسيا غير المعترف بهاء التي 
سُّميت لاحمًا زيمبابوي روديسيا. وكان من أبرز أطرافها جيش التحرير الوطني الأفريقي الزيمبابوي» 
الجناح العسكري للاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي بقيادة روبرت موغابي. 

(12) أنطونيو دو أوليفيرا سالازار (28 نيسان/ أبريل 1889 - 27 تموز/ يوليو 1970): سياسى 
برتغالي» شغل منصب رئيس الوزراء في البرتغالي في الفترة 1932-1968. قام بتقييد الحريات في 
البلاد وإقامة دولة شمولية» وتمسك بالاحتفاظ بسيطرة البرتغال على المستعمرات البرتغالية في أفريقيا. 
(13) ماريو سواريش (2017-1924): مؤسس الحزب الاشتراكي في البرتغال» كان شخصية لها دور 
كبير في الانتقال الديمقراطي في البرتغال؛ والحياة السياسية في البلاد خلال عدة عقود. شغل خلالها 
مناصب وزير الخارجية» ورتيس الحكومة» ورئيس الجمهورية (1986 -1996). 


82 


قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة, باعتبار الصهيونية "شكلًا من أشكال 
العنصرية”*'“. ولكن - للأسف - وبعد زيارة العار والخيانة التي قام بها 
السادات» وبعد أن كشف ياسر عرفات حقيقته واعترف ب "الدولة اليهودية" فى 
فلسطين فى أكبر عملية إذلال - إِذْ طلبت منه الولايات المتحدة أن يعلن اعترافه 
باللغتين العربية والإنكليزية - ألغت الأمم المتحدة هذا القرار عام 1991. بعد 
مؤتمر فاس بالمغرب» شت الصهيونية» بدعم من واشنطن والغرب». هجومًا 
معاكسًا عادت في إثره من جديد إلى أفريقياء وأعادت معظم الدول الأفريقية 
علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني. ولأن العرب حاربونا بدلا 
من أن ينضمّوا إلينا في "معركة أفريقيا"» وحاولوا تشويه دورناء بدأ الأفارقة 
يقولون لنا: "تريدون منّا أن نكون عربًا أكثر من العرب؟". 


وهكذا انتكس هذا الهدف الاستراتيجي والتاريخي الذي كان نتيجة 
كفاح ونضال استمرًا عقدين من الزمن» امتزج فيه العمل العسكري بالعمل 
السياسي والاقتصادي والثقافي. لقد ضيع العرب» عن قصد وضعف. فرصة 
تاريخية لأنْ تكون أفريقيا صديقة وحليفة لهم؛ مشكّلة "عممًا" للأمة العربية. 
وفي هذا السياق» اعتبرنا أميركا اللاتينية والوسطى من الساحات المهمة 
لحركة الثورة لسببين: الأول» أن ثورة الفاتح ثورة عالمية» وهي نصير قوي 
لحركات التحرر وللشعوب المظلومة في العالم, لذا وقفنا معها وقمنا بدعمها 
بالمال والسلاح؛ والسبب الآخر هو محاربة الوجود والنفوذ الأميركي في 
هذه القارة؛ ذلك أن أميركا الجنوبية هى "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة 
التي تناصبنا العداء. لقد وقفنا بقوة مع ثورة نيكاراغوا بقيادة حركة التحرير 


(14) قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379: اعتّمد في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 
بتصويت 72 دولة ب"نعم" مقابل 35 ب "لا" (وامتناع 32 عضوًا عن التصويت). نص القرار على أن 
الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري؛ وطالب جميع دول العالم بمقاومة 
الأيديولوجيا الصهيونية التي بحسب القرار تشكل خخحطرًا على الأمن والسلم العالميين. وكثيرًا ما يُستشهد 
بهذا القرار في المناقشات المتعلقة بالصهيونية والعنصرية. ألغي هذا القرار بموجب القرار 46/ 86 يوم 
6 كانون الأول/ ديسمبر 1991. 


83 


"ساندنيستا"(215 ودعمناها بالمال والسلاح» وكانت لنا علاقات شخصية مع 
زعماتها وعلى رأسهم المناضل الصلب دانييل أورتيغا. وبفضل دعمنا هذا 
انتتصرت الثورة هناك وأصبحنا صديقين وحليفين. ووقمنا أيضًا بقوة مع 
الحركات الثورية في إلسلفادور وبوليفيا وتشيلي والإكوادور. وغيرها من 
الحركات الثورية» وقدمنا دعمًا ماليًا وتسليحيّاء كما دربنا الكثير من كوادر 
هذه الحركات ومناضليها. وأريد أن أؤكد أنه لا توجد حركة تحرير أو حركة 
ثورية في العالم لم نصل إليها ولم ندعمها. 


وفي هذا الإطارء بدأ الاتحاد السوفياتي ينهار» بعد أن شاخ. في آخر عهد 
نيكيتا خروشوف وبداية عهد ليونيد بريجنيف. لقد ألقى خروشوف خطابه 
الشهير في نيويورك» خلال جلسة مجلس الأمن» وقال فيه إن المدافع والدبابات 
طريقها إلى "الأفران". في هذا الوقت. اعتبر ماو تسي تونغ وكيم إيل سونغ 
وفيدل كاسترو©"» أن خروشوف "خان" الثورة الاشتراكية. وقد ارتكب الاتحاد 
السوفياتي خطأ استراتيجيًا قاتلا حين اعتقد أن المعركة مع الولايات المتحدة 
والغرب هي ساحة "جدار برلين" وأوروبا حيث نصب الصواريخ في أوروبا 
الشرقية» وركز أيضًا على تطوير ترسانته النووية والهيدروجينية» وعلى تقنية 
الصواريخ القصيرة والمتوسطة والعابرة للقارات» في حين أن المعركة الحقيقية 
كانت في العالم الثالث. لأنه العمق الاستراتيجي للطرفين؛ ولذا فقّد الاتحاد 
السوفياتي العالم الثالث وظلت صواريخه وترسانته معلقة في الهواء بلا عمق 
استراتيجي. 


(50) الجبهة الساندينية للتحرير الوطنية (1503م5320[1 عامع5): هى حزب اشتراكى ديمقراطى فى 
نيكاراغوا. يُطلق على أعضائها اسم سانديتيين أو ساندنيستاس في كل من اللغتين الإنكليزية والإسبانية. 
اسم الحزب مشتق من اسم أغوستو سيزار ساندينو الذي قاد المقاومة النيكاراغوية ضد احتلال الولايات 
المتحدة لنيكاراغوا فى الثلاثينيات. 

(16) فيدل كاسترو (2016-1926): رئيس كوبا منذ عام 1959 بعد إطاحته حكومة فولغينسيو 
باتيستاء ليصبح رئيس الوزراء حتى عام 2008. عند إعلانه عدم ترشحه لولاية جديدة وانتخاب أخيه 
راؤول كاسترو مكانه. وكان كاسترو في عام 1965 أمين الحزب الشيوعي في كوبا. قاد تحويل البلاد 
إلى النظام الشيوعي ونظام حكم الحزب الواحد. أصبح في عام 1976 رئيس مجلس الدولة ومجلس 
الوزراء. وكان أعلى قائد عسكري. 


84 


حاولت ثورة الفاتح ملء الفراع قدر الإمكان. وزدنا دعمنا لحركات 
التحرير في العالم الثالث» وكذلك الدول الفقيرة. وقد أولينا اهتمامًا خاصًا 
للاتصالء والتواصلء مع السود في الولايات المتحدة» وقدمنا لهم الدعم في 
نضالهم من أجل نيل حقوقهم, وأولينا المسلمين السود عناية خاصة وعملنا 
على مساعدتهم في تنظيم أنفسهم من أجل أن يضطلعوا بدورهم على نحو 
أفضل في المجتمع الأميركي» وعملنا على نشر الإسلام بينهم. وهكذا اتصلنا 
بالدول العربية لوضع خطة عربية من أجل الاتصال بالسود في الولايات 
المتحدة» لكن - كعادة العرب - لا حياة لمن تنادي. وكانت لنا أقوى العلاقات 
بالمناضل لويس فرخان”7"؛ ذلك أن السود هم نقطة الضعف في المجتمع 
الأميركي. 


كان السود منشغلين بالموسيقى والرياضة» ويجب ألا يفهم من كلامي 
هذا أنني أقلل من شأن الرياضة أو الموسيقىء, لكن ما أقصده ألا يكونا "أفيونًا” 
لتخدير السود وإلهائهم عن النضال من أجل المساواة ونيل حقوقهم السياسية 
والثقافية والاجتماعية. 

وخلال المفاوضات مع شركات النفط. اكتشفت أنها تقوم بحرق الغاز 
المصاحب لعمليات استخراج البترول؛ ولذا أصدرت أمرًا ملزمًا لوزارة النفط 
بأن تطلب من الشركات البدء فورًا في عمليات حقن الغاز في الآبار.ه وأي 
شركة لا تلتزم بهذا القرار سوف تمنع من إنتاج النفط. لقد كانت ثروة ليبيا من 
الغاز تُحرق وتُّهدر أمام أنظار النظام الملكي العميل كما اكتشفت - وكان الأمر 
صادمًا بالفعل - أن ليبيا لم يسبق لها أن قامت أو خططت لعمليات تنقيب عن 
الغاز الحرّ؛ فأصدرت أمرًا لوزارة النفط بالمباشرة فورًا بالتعاقد مع الشركات 
العالمية للتنقيب عن الغاز» ورصدنا لأجل ذلك الأموال المطلوبة في أول "خطة 


(17) لويس فرخان (#0ااهة" وأناها): ولد في 11 أيار/ مايو 1933 في مدينة نيويورك؛ وفي عام 
5 أصبح عضوًا في جماعة أمة الإسلام» ولمّا توفي أليجا محمد زعيم هذه المنظمة؛ عام 21975 
نشب خلاف فكري داخل جماعة أمة الإسلام» قاد إلى انشقاق فرخان عن جماعة وارث الدين محمد 
وأسس جماعة "أمة الإسلام" التابعة له. 


55 


خمسية" تعذها ليبيا عام 1971» وبلغ احتياطي الغاز أكثر من 44 تريليون قدم 
مكعبة» » فاتخذت قرارًا بعدم تصدير الغاز لرخص سعره. ولأنني أردت أن يكون 
الغاز ثروة بديلة من النفط. ولكن - لللأسيف - بعد استقالتي عام 2 اتّخِذ 
القرار الخاطئ بتصدير الغاز. فى هذا الوقت» وبعد أن نجحت فى قيادة "ثورة 
النفط". بل "ثورة الدول المالكة للخامات". وبعد أن حققنا إلى حد بعيد سعرًا 
عادلًا للبرميل؛ هو 40 دولارًاء جاء موعد اتخاذ القرار الاستراتيجي المهم. 
وهو تخفيض "إنتاج النفط" من 4,6 ملايين برميل يوميًا إلى مليونين ومئتي 
ألف برميل يوميّاء الأمر الذي ساهم في إطالة عمر النفطء لأنه "ثروة الأجيال". 
وللمواطن الليبي أن يتصوّر في ما لو استمر الإنتاج بالكمية نفسها لمدة طويلة» 
ماذا سيكون مصير هذه الثروة. : في أحسن الأحوال سيؤدي ذلك إلى استتزاف 


وخلال المفاوضات مع شركات النفط» أخبرني الإخوة - في مجلس 
الوزراء ووزارة النفط ممن شاركوا معي في المفاوضات - أن الشركات عثرت» 
خلال عمليات الحفرء على الكثير من آبار المياه وهي تقوم بإغلاقها؛ فأمرت 
بتشكيل لجنة مختصّة من هيئة المياه ومؤسسة النفطء لحصر هذه الآبار» ورسم 
خرائط دقيقة تحدّد مواقعها. وطلبت أيضًا من هيئة المياه أن تتعاقد مع مركز 
خبراء عالمى فى المياه الجوفية» ودراسة هذه "الأحواض المائية" وتقييمها. 
وبالفعل» تم التعاقد مع المركز البريطاني للمياه. قدّم المركز دراسة مفصلة 
عن هذه "الأحواض" واحتياطاتها من المياه» وقدّم فرضيتين: إحداهما تقول 
إن بعض الأحواض يتغذى من بعض الأنهار ذ فى أفريقياء وخاصة بحيرة تشاد. 
أمَا الفرضية الأخرى فتقول إنها لا تتغذى من أي أنهار. وقد أخذدت شخصيًا 
بالفرضية الثانية. ثم قدّم المركز البريطاني دراسة أخرى للمياه» أكثر علمية ة ودقة 
عن طبيعة "الأحواض" وحجم احتياطاتها من المياه. هذه الدراسة شكلت» 
بالتتائج التي انتهت إليهاء بداية اتفكير في بناء "النهر الصناعي العظيم". كان 
مشروع النهر العظيم يقوم على مرحلتين» استهدفت المرحلة الأولى تزويد 
المناطق الشرقية بمياه الشرب. ومياه الزراعة» وكانت الخطة تقوم على أساس 
نقل المياه عبر الأنابيب الضخمة بمعدل 1,5 مليون متر مكعب في اليوم؛ 


56 


0 ألف متر مكعب منها مخصّصة للشربء. و1,1 مليون متر مكعب مخصصة 
للزراعة. 

لكن الأخ معمّر كان مُصِرًَا على أن 1:5 مليون متر مكعب من المياه يجب 
أن تخصص للزراعة. كان هذا الإصرار المريب والغريب تابعًا من "الفكرة 
الجنونية" التي سيطرت على عقله بضرورة "أن يهاجر الليبيون أو يهجروا ليبيا" 
وأن "يتم استبدالهم بمصريين أو تونسيين أو أفارقة". كان الهدف الحقيقي 
من "تبادل السكان" بالنسبة إلى الأخ معمّرء هو ضمان ألا يتشكل أي خطر 
جماهيري يهدد سلطته. وهؤلاء المهاجرون من مصر وأفريقيا لن يقاوموا 
سلطته. وهكذاء وجدت نفسي أخوض صراعًا مكشوقًا وحادًا مع الأخ معمّر 
قلت له: "يا أخ معمّرء إذا ظل الليبيون عطاشىء ومياه النهر تتدفق أمامهم» ففي وه 
هذه الحالة لن يعني النهر الصناعي لهم شيئَاء وقد يلجأون إلى تفجيره ه سخطًا 
واحتجاجًا". وإزاء المخاوف التي انتابته من فكرة "ثورة عطش". رضخ في 
النهاية ووافق على تصوراتي. وقبيل التوقيع على عقد مشروع النهر الصناعي 
العظيم» ودراسة العروض المقدمة من الشركات الأجنبية» اتصلت بالمهندس 
محمد المنقوش الذي كان رثيسًا لهيئة النهر الصناعي» وسألته عن الشركات 
التى قدمت عروضهاء فقال لى: "هناك حتى الآن ثلاث شركات, واحدة كورية 
جنوبية بعرض قيمته الإجمالية 1,9 مليار ديناره وأخرى فرنسية وقيمة العقد 
ملياران ونصف مليار دينار» وأخيرًا شركة هندية"» ثم أضاف: "استبعدنا الشركة 
الهندية لأنها لا تملك خبرة في هذا المجال. ولأن مصرف تشجيع الصادرات 
في الهند رفض تقديم ضمانات للشركة. بما أن ليبيا لم تسدد للشركة مبلغ 
عشرة ملايين دينار مستحقة لها عن مشروع سابق» هو مشروع سد وادي غان". 
فقلت للمنقوش: "من الخطأ استبعاد الشركة الهندية". كانت هيئة النهر الصناعي 
برئاسة المنقوش توشك أن تصدّق على عقد الشركة الكورية الجنوبية» فاتصلت 
بموسى كوساء وكان مساعدًا لأمين مكتب الاتصال الخارجي آنذاك» وطلبت 
منه أن يحضر مع السفير الهندي إلى مكتبي. كانت الهند تتميز على الدوام 
باختيار سفراء نشيطين ومميزين وأذكياءء وحينما قابلت السفير الهندي ذكرته 
بأننا نكن احترامًا وتقديرًا عاليين للهند وسياساتهاء فهي التي أسّست مع جمال 


087 


عبد الناصر وكوامي نكروما*' وأحمد سوكارنو وجوزيف تيتو”' حركة عدم 
الانحياز”» ثم قلت: "التعاون الاقتصادي بيننا يأخذ بُعدًا سياسيًا استراتيجياء 
ولذلك نريد من الهند أن تساهم في تنفيذ هذا المشروع الحيوي. لقد طلبت من 
وزارة الخزانة أن تدفع مستحقات الشركة عن سد وادي غان". وبالفعل» وبعد 
أيام قليلة من المقابلة أبلغني السفير الهندي موافقة حكومة بلاده على المشاركة 
في تنفيذ مشروع النهر الصناعي, كما أبلغني أن وفدًا برتاسة ناتب وزير المالية» 
ومدير مصرف "تشجيع الصادرات" وممثل الشركة سوف يحضرون إلى ليبيا. 
وبفضل مشاركة الشركة الهندية "فى العطاءات" المقدمة لنا اضطرت الشركة 
الكورية الجنوبية إلى تخفيض أسعارها إلى 1,4 مليار دينار ليبي؛ وبذلك 
استطعت توفير مبلغ نصف مليار دينار ليبي» أي ما قيمته 1,8 مليار دولار» وما 


زال المشاركون في الاتفاق أحياء يرزقون» وهم المهندسون محمد المنقوش» 
ومحمد الزروق رجبء. وعبد المجيد القعود. وغيرهم من المهندسين. 


ثم تكرّرت القصة ذاتها مرة أخرى مع الأخ معمّرء لما شرعنا في المرحلة 
الثانية من المشروعء لجلب المياه عبر الأنابيب الضخمة إلى المناطق الغربية من 
ليبياء حيث تقرر جلب مليوئي متر مكعّب من المياه» لكن الأخ معمّر أصرّ على 


(18) من المناضلين الأفارقة الأوائل ضد الاستعمار» وكان أول رئيس لغانا المستقلة (1966-1960). 
ورئيس الوزراء الأول (1960-19572). 

(19) جوزيف بروز نيتو (1980-1892): قائد تاريخى يوغسلافى من أصل كرواتى» شغل العديد من 
المناصب منذ عام 1943 حتى وفاته. قاد المقاومة اليوغسلافية خلال الحرب العالمية الثانية ضد 
الاحتلال النازي» وكانت المقاومة أكثر الفصائل العسكرية نشاطًا في أوروبا المحتلة»؛ وبفضل سياسته 
الاقتصادية والدبلوماسية الناجحة أصبحت له شعبية كبرى سواء فى يوغسلافيا أو خارجها؛ إذ ينظر إليه 
بصفته رمرًا توحيديًا. وبفضل سياسته الداخلية» نجح في الحفاظ على التعايش السلمي بين قوميات 
يوغسلافيا. 

(20) انبثقت حركة عدم الانحياز في سياق احتدام الحرب الباردة» من مؤتمر باندونغ (1955)» وأعلن 
عن تأسيسها رسميًا في مؤتمرها الأول ببلغراد في يوغوسلافيا (1961): وكان رواد تأسيسها كل من 
رئيس وزراء الهند جواهر لال نهروء وجوزيف تيتو رئيس يوغسلافياء والرئيس المصري جمال 
عبد الناصرء والرئيس السوداني إسماعيل الأزهريء» وتبنت منذ مؤتمرها الأول مجموعة من القرارات 
لصالح القضايا العربية وضد الاستعمارء وكان هدفها إبعاد أعضائها عن سياسات الحرب الباردة. وارتفع 
عدد أعضائها من 25 دولة في عام 1961 إلى 120 عضوًا في آخر مؤتمر لها بأفغانستان (2019). 


58 


أن توجه كل المياه "نحو الزراعة". و"ألا تخصص كمياه للشرب". وكان عليّ 
أن أخوضء من جديدء معركة حامية مع الأخ معمّر. وكرّرت ماقلت سابقًا. 
بيد أن الأخ معمّر أبدى هذه المرة عنادًا ورفضًاء وأصرٌ على موقفه. فلجأت إلى 
فكرة "زيادة الكمية إلى مليونين ونصف متر مكعب" أي بزيادة نصف مليون متر 
مكعب يوميًا لكي تكون حجتي أقوى. وبذلك حافظت على كمية مياه الزراعة» 
وفي الوقت ذاته» تزويد المدن الليبية في الغرب بكمية كافية من مياه الشرب؛ ثم 
اجتمعت بالمهندس عبد المجيد القعود والمهندس محمد المنقوش» وطلبت 
منهما أن تزوّدني هيئة المياه بتقرير مكتوب يجيب عن السؤال التالي: "هل 
يمكن ضخ نصف مليون متر مكعب من المياه الإضافية من الأحواض نفسها 
من دون أي يُلحق بها أي ضرر؟". واشترطت في هذا الطلب أن يكون التقرير 
مكتوبًاء وطلبت من المنقوشء أن يطلب من الشركة الكورية الجنوبية أن تقد 
تقريرًا يجيب عن السؤال: "هل في الإمكان أن نضخ الكمية الإضافية من المياه 
عبر الأنابيب نفسها؟"» وبعد وقت قصير عادا وقدّما لي تقريرين كتبهما خبراء 
هيئة المياه والشركة الكورية الجنوبية. أكد التقريران إمكانية هذه الزيادة عبر 
الأنابيب نفسهاء ونظرًا إلى وجود معدّات الشركة الكورية الجنوبية وعمالهاء 
فقد ساعدنا هذا في تكليفها بتنفيذ المرحلة الثانية على أساس الأسعار نفسهاء 
وبذلك نكون قد وفرنا في المرحلة الثانية ما يصل مجموعه إلى مليارين ونصف 
مليار دولار. ْ 


وفي قرار ثوري وتاريخيء قرّرنا "أن على مواطني الدول الذين يزورون 
ليبياء أن تكون بيانات جوازات سفرهم باللغة العربية". في الواقع لم يتقبّل وزير 
الخارجية آنذاك منصور الكيخيا”' هذا القرار» وجاء لمقابلتى معاتبًا ومُنزعجاء 


(21) ولد في مدينة بنغازي يوم 1 كانون الأول/ ديسمبر 1931» شغل منصب وزير الخارجية الليبية 
(1973-1972) وعيّن في منصب الممثل الدائم لليبيا في الأمم المتحدة (1980-1975). ثم استقال 
بعد ذلك وانضم إلى صفوف المعارضة الليبية. وأعلن استقالته ومعارضته لنظام القذافي احتجاجًا على 
سياسات التصفية الجسدية. التي يمارسها النظام الليبيي آنذاك عبر اللجان الثورية» إضافة إلى احتجاجه 
على مقتل زملائه من قيادات البعث. وانتّخب أميئًا عامًا للتحالف الوطنى الليبى المعارض الذي أسسه 
عام 01986 وأرسى قواعد للحوار الديمقراطي للمعارضة الوطنية» ودعاها إلى تنسيق جهودها وتقسيم 


89 


وقال لي: "ما وسائل الضغط التي نملكها لفرض هذا القرار على الغرب؟ 
الغرب ليس في حاجة إلى ليبياء وقد يقطع أي اتصالات معكم وحتى يقاطع 
نفط ليبياء فهو لا يحتاج إليه كثيرًا"» ثم أعلن أنه لا يتحمّل مسؤولية هذا القرار» 
وخرج من مكتبه واعتكف في منزله. لكن المفاجأة أن الدول» وخصوصًا 
الغربية» قبلت القرار» فجاء الكيخيا إلى مكتبي وهو يشتم الغرب الذي وافق 
على القرار "ورضخ لإرادتنا"» ثم قال لي غاضبًا: "أنا لا أعرف لماذا قبلوا 
هذا القرار؟ لكنني اعترف لكم أن رؤيتكم الثورية أعمق وأكثر تبِصّرًا ما نحن 
السياسيين والدبلوماسيين". ومن غرائب الأمور أنني بعد وقت طويل من حديثي 
هذا مع الكيخياء وبعد انتقاله إلى صفوف المعارضة» كنت أستمع إلى إذاعة 
الشرق» وفوجئت به وهو يدلي بتصريح يقول فيه: "على أميركا أن تأتي بدباباتها 
وطائراتها لتقتلع القذافي من ليبيا". بعد هذا التصريحء تأكد لي أن القذافي 
سيقوم بتصفية الكيخيا؛ ذلك أن تصريحات من هذا النوع سوف تعطي الغطاء 
الضروري للولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري لإسقاطه؛ ولذا اتصلت على 
الفور بعاشور قرقوم”*) وهو صديق مشترك بينناء وطلبت منه أن يحضر لزيارتي 
في منزلي بالمصيف. وحين حضرء طلبت منه أن يتصل بمنصور الكيخيا ويقول 
له أن يكون حذرّاء لأنَ القذافي سيقوم بتصفيته» وطلبت منه أيضًا أن يتصل 
بزوجة الكيخيا وإخوته لإبلاغهم خطورة الموقف. وللأسف. حدث بعد أيام 
قليلة أن سافر الكيخيا إلى القاهرة عام 1993 لحضور اجتماع "المنظمة العربية 
لحقوق الإنسان". وهناك "اختفى". في الواقعء اعتقلته المخابرات المصرية بناءً 
على طلب القذافى وقامت بتسليمه. 


الأدوار في ما بينها لمواجهة النظام. كما قاد برنامج عمل أزعج النظام الذي تخوف من دور الكيخيا 
الفاعل ونتائجه محليًا وعربيًا ودوليّك واختفى في ظروف غامضة في أثئناء مشاركته في اجتماع مجلس 
أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة في 10 كانون الأول/ ديسمير 1993. 

(22) عاشور قرقوم: دبلوماسي وسياسي ليبي» درس القانون بفرنساء وعمل بعد تخرجه مباشرة في 
منظمة العمل الدولية بجنيف. وتم تعيينه في عام 1972 وكيلًا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. 
وابتداء من عام 1974 حتى تسعينيات القرن الماضيء عمل سفيرًا في الدول التالية: زائير (جمهورية 
الكونغو الديمقراطية سابقًا)» وفرنساء والجزائر. وشارك في العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية منذ 
مطلع السبعينيات حتى تاريخ تقاعده في عام 2005. 1 


20 


في بداية السبعينيات» أصدرنا قرارًا بإدخال مادة التدريب على السلاح 
في المدارس والمعاهد والجامعات. لم يتقبّل الطلبة هذا القراره فاستغلت 
فئة صغيرة من الطلبة اليساريين تذمّر الطلبة» وعملت على إشاعة مناخ من 
"التهييج" لتجييش الطلبة؛ في عملية يبدو ظاهرها أنها من أجل رفض القرار» 
لكن باطنها الحقيقي هو استغلال أجواء التذمّر لخدمة أهداف سياسية لهذه 
الفئة. ومن المؤكد أن هؤلاء نجحوا في تحركهم» فبدأت "حركة اعتصامات" 
رافقتها مظاهر معادية للثورة. وفجأة "تبخُّرت" العناصر الثورية وتوارت 
عن الأنظار. وكان هذا دليلًا على أن هذه التنظيمات السلطوية هى من طبيعة 
انتهازية. لقد استحوذت العناصر المعادية للثورة على المشهد. تابعت الأحداث 
عن كثبء فأرسلت إبراهيم البشاري”* إلى بنغازي لمتابعة الوضع, لأنه يعرف 
جامعة قاريونس في بنغازي حيث درس فيها ويعرف الكثير عن الحياة الطلابية. 
بعد أن زار البشاري الجامعة» اتصل بي وقال: "الوضع خطيرء وقد نجحت 
هذه المجموعة الصغيرة المعادية للثورة في تجييش الطلبة ضد قرار التدريب 
العسكري"» والحقيقة التي لم يقلها البشاري لي أنهم نجحوا في توجيه الطلبة في 
خدمة أهدافهم. وعلى الفور سافرت إلى بنغازي. ولما وصلت إلى مبنى القيادة 
اجتمعت بالرائد سليمان محمود والملازم امبارك عتيق» ولاحظت علامات 
الآرتباك والخوف في وجوههم. فقررت الذهاب بنفسي إلى الجامعة بلا 
حراسة شخصية؛ وكنت وحيدًا مع سائقي ومن دون سلاح شخصيء فتجولت 
في كليات الجامعة وأقسامها في تحدّ واضح لهذه المجموعة. كان قراري هذا 
هائً وصاعمًا. . فمن جهة» أصاب هذا الموقف القلة المتآمرة باليأس والإحباط» 
بحيث إنّها توارت واختفت ختفت. ومن جهة أخرى. أعطى قراري هذا زخمًا للطلبة 
الوطنيين»ء حيث دبت فيهم روح التحدي والثورية؛ فعاد الهدوء إلى الجامعة. 
وفشل التآمر على الثورة» وعادت اللحمة من جديد بين الطلبة الثوريين وعموم 
الطلبة» وجرى اعتقال الطلبة المشاغبين وبعض العناصر اليسارية. بعد عودتي 
من بنغازيء وفي أثناء اجتماع لمجلس الوزراء» دخل مدير مكتبي حاملًا ورقة. 
قرأت الورقة وهي تقول: إن رئيس اتحاد الطلبة عبد القادر البغدادي موجود 


(23) وزير خارجية ليبيا (1992-1990). 


91 


في جامعة الفاتح بطرابلسء وإنه يريد التحدث معي لأمر مهم. فاستأذنت من 
الوزراء وعدت إلى مكتبي وتحدثت معه. قال لي: "الوضع خطير في الجامعة» 
والعناصر الثورية توارت عن الأنظارء بينما المجموعات الصغيرة المعادية 
للثورة تبدو أكثر تنظيمّاء وقد استغلت الأوضاع جيّدَا وأخذت تحرّض الطلبة 
على مقاومة قرار التدريب". ثم قال: "لقد أحضرت هذه المجموعات الأحجار 
وقضبان الحديد والعصىّ والزجاجات الحارقة فى عملية تآمرية للسيطرة على 
جامعة الفاتح. سارعت إلى الذهاب إلى جامعة الفاتح بطرابلس» وألقيت خطابًا 
حماسيًا في جموع الطلبة» في ميدان كلية الهندسة وبحضور آلاف الطلبة. قلت 
لهم: "الجامعات مكان للحوار الهادئ والمسؤولء وليست مكانًا للصراعات 
والصدامات وافتعال المعارك. هذه القلة القلية تريد استغلال تذمركم» وهم 
متآمرون يعملون على استغلال مشاعركم لتحقيق مآربهم. إذا كانت لديكم 
اعتراضات جدّية على القرار» فأنا أدعوكم أن تجتمعوا ابتداء من يوم غدِء وأنتم 
من يقرّرء وبناء على نتائج اجتماعكم» سوف نتخذ القرار النهائي بشأن مادة 
التدريبء المهم أن تحافظوا على الجامعة مكانًا للحوار بين الجميع. أما خارج 
الجامعة فليتصارع الثوريون والرجعيون والماركسيون كما يريدون". 

ألهب الخطاب حماسة الجماهير الطلابية» ودبت الروح في المجموعات 
الثورية التى توارت عن الأنظارء وتعالت الهتافات الثورية. وفى نهاية الخطاب 
تحمست لهتافات الطلبة وللتغيير الدرامى؛ فأخذت مسدس أحد أفراد 
الحراسة وأطلقت الرصاص فى الهواء. بعد الانتهاء من الخطاب غادرت 
الجامعة» وحصلت مواجهة بين الطلبة الثوريين مسنودين ومدعومين من الطلبة 
و"المجموعات الماركسية" المتآمرة» وقام الطلبة باعتقال هذه المجموعة وكان 
عددهم 48 طالبّاء ثم أخذوهم إلى مركز باب بن غشير» وهو أقرب مركز شرطة 
إلى الجامعة وتمّ تسليمهم. في هذا الوقت اتصل بي محمد الحجازي. وكان 
مديرًا للإدارة والتنظيم في الاتحاد الاشتراكي» وأخبرني أن بين المعتقلين أربع 
فتيات من بنغازي» فطلبت منه ألا يجري توقيفهن مع الطلبة الموقوفين» بل 
يجب نقلهن إلى أحد الفنادق» ثم الاتصال بذويهن وعاتلاتهن» ودعوتهم إلى 
الحضور إلى طرابلس لاستلامهن. 


22 


في عام 1981» شكلت مجموعة من المعارضين للنظام في الخارج» جبهة 
معارضة باسم "جبهة الإنقاذ"”**» ويبدو أنها تمكنت من تسهيل دخول بعض 
عناصرها إلى مدينة طرابلس» قصد القيام بعمل تخريبي» ثأري» وهي محاولة 
لإثبات الوجود للأميركيين الذين كانوا يحتضنونهم ويقدّمون لهم الدعمء 
كما أوهمت الجبهة هذه المجموعة؛ كذلك أوهمتها بأن للجبهة وجود فى 
داخل ليبيا وخاصة في طرابلس ومصراتة وأنهم سيتصلون بهم لتقديم الدعم 
والمساندة. لما وصلت هذه المجموعة إلى طرابلس» تمكنت من استئجار شقة 
أنني كنت أذهب كل يوم في الساعة السابعة مساءً إلى مقر التربية العقائدية 
أمارس لعبة كرة القدم التي أحبّهاء ولكنني لا أجيدهاء مع مجموعة من اللاعبين 
المتقاعدين والهواة. 


وهكذاء كنت أمرٌ يوميًا قرب البناية التي كانت المجموعة تقيم فيهاء وفي 
أحيان كثيرة كنت أشاهد أفرادها وهم يقفون في الشرفة» وكنت أعتقد أنهم 
شباب من سكان البناية» وكان من الممكن اغتيالي عند مروري المتكرّر. لم 
تكن لديهم الجرأة؛ لانهم كانو مذعورين وخائفين» والاكيد ان العناية الإلهية 
حفظتني. اكتشفت الأجهزة الأمنية هذه المجموعة» وعلمت أنهم كانوا في 
حالة ذعر وخوف شديدين» فقد لااحظت أجهزتنا أنهم كانوا يصرخون فى 
اتصال لهم بأي مجموعات في الداخلء لافي طرابلس ولا في مصراتة» بعد أن 
اكتشفوا أن "لا وجود حقيقي للجبهة داخل ليبيا". وهكذا لما داهم رجال الأمن 
الشقة» طلبوا منهم عبر مكبرات الصوت عدم المقاومة وتسليم أنفسهم, لأنهم 
غير مسؤولين» وأنْ المسؤولين الحقيقيين هم القادة الذين جندوهم وأرسلوهم. 
وأنهم في النهاية يمكن أن يتم الإفراج عنهم. لكنهم رفضوا وقرروا المقاومة» 
فجرت عملية مداهمة للشقة وتم إلقاء القبض عليهم. ولأن هذه المجموعة 
(24) الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا: أنشأها محمد يوسف المقريف ومجموعة من المعارضين لنظام حكم 
معمّر القذافي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1981 في السودانء وكان الهدف الرئيس هو إسقاط حكم 


القذافى وتأسيس دولة ديمقراطية. 


23 


كانت خائفة ومرتبكة. فقد قررت "قيادة الجبهة" إرسال أحمد أحواس”*22 
وهو المسؤول العسكري في الجبهة» إلى ليبيا لمعالجة الوضع على الأرض» 
وقد تسلل إلى الحدود الليبية عبر تونس. والأمر المؤكد أن الأميركيين ضغطوا 
على تونس للسماح له بدخولها والتسلل عبر الحدود إلى ليبياء لكن أجهزة 
المخابرات الليبية علمت بهذه المحاولة» وكانت تنتظره على الحدود. ونصبت 
له كميئًا. وحينما اكتشف أحواس أنه في مواجهة مع "المجموعة" التي تنتظره. 
حاول الهرب عبر الحدود التونسية» لكن أجهزة المخابرات طاردته وتمكنت 
من قتله. 


مفاوضات الإجلاء: إذعان الإنكليز والأميركيين 


كل الإنجازات التي حققتها الثورة كانت بفضل المفاجأة واستغلال زخم 
الثورة. في عام 1969» ترأستٌ وفد الثورة إلى "مفاوضات الإجلاء". وكان 
معي الإخوة عبد المنعم الهوني» وصالح بويصيرء ومنصور الكيخيا. كنت 
أدرك بعمق أن النظام الملكي كان قد اضطرٌ في وقت سابق إلى تشكيل لجنة 
برئاسة منصور الكيخيا للتفاوض مع الحكومتين الأميركية والبريطانية» ورغبت 
في معرفة ماذا جرى للجنة التفاوضء ففوجئت لما سألت الأخ الكيخيا عن 
مصير اللجنة» بأنه قال لي: "اللجنة لم تجتمع ولم تمارس عملها". فقلت له: 
"لماذا؟"؛ فأجاب: "كنت أعلم أن الحكومة غير جادة". فقلت له: "كان عليك 
أن تضع الحكومة أمام الأمر الواقع» وأن تفتح ملف 'قضية الإجلاء' كي تظل 


(25) ولد عام 1938 بمدينة جردينة» من ضواحي مدينة بنغازي. التحق عام 0 بالكلية العسكرية 
الملكية بليبياء وتخرج فيها عام 1962. عمل في الفترة الممتدة ما بين عامي 2 و1969 ضابطا 
في سلاح الهندسة بالجيش الليبي. وآمرًا لسرية هندسة الميدان» رقي إلى رتبة "رائد" قبل انقلاب 
سبتمبر بثلاثة أسابيع تقريبّاء أي في 9 آب/ أغسطس 1969. عمل في السلك الدبلوماسي الليبي بعد 
الثورة إلى أن استقال من منصبه (قائم بأعمال السفارة الليبية) في غويانا في شباط/ فبراير 1981» 
وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية. شارك فى تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبياء وأسس جناحها 
العسكري؛ وأشرف عليه وأصبح المفوض العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبياء إضافةٌ إلى عضوية 
اللجنة التنفيذية فيها. 


214 


مطروحة باستمرار على الشارع". لكن الكيخيا قال لي : "هذا ما حدث. اللجنة 
لم تعقد أي اجتماع". 

منذ الوهلة الأولى لبدء المفاوضات مع الجانب البريطاني» شعرت 
بوجود تنسيق على أعلى المستويات بين البريطانيين والأميركيين. في الجلسة 
الأولى» قال لي رئيس الجانب البريطاني: "لقد اعترفنا بكم بناءَ على ما ورد في 
البيان الأول للثورة". وأخذ يقرأ فقرات من البيان. قال: "لقد أكدتم احترامكم 
والتزامكم بالمعاهدات والاتفاقيات» والآن أنتم تتخلون عن هذا الوعد". 
قلت له: "لقد كنا نقصد من تلك المعاهدات والاتفاقات الثنائية المتكافئة التى 
لاتمسّ سيادتنا أو تنال من حريتناء ومعاهدات القواعد تنتقص من سيادتنا 
وتنال من استقلالنا"» فعاد إلى القول: "لكنكم لم تذكروا ذلك في بيانكم؟". 
وخلال هذا النقاشء اقترح الجانب البريطاني استمرار العمل بمعاهدة القواعد 
حتى نهاية المدة القانونية» وأن بريطانيا ستكون مستعدة للقبول بعدم تجديدهاء 
فرفضت الاقتراح وقلت له: "ليس هذا هو الأمر المطروح اليوم. ماهو مطروح 
على وجه التحديد هو الاتفاق على جدول زمني للإجلاء. يجب أن يتمّ ذلك» 
وهذا أمر مفروغ منه". لكن الجانب البريطاني ظل يناور» وعرض الاتفاق 
على بقاء المعاهدة ثلاث سنوات أخرىء فرفضت. فعاد ليقترح بقاء القواعد 
لسنتين أخريين» فرضت مرة أخرى. في اليوم التالي ألقيت خطابًا حماسيًا في 
تجمّع جماهيري يطالب بالإجلاء الفوري للقواعد. وقلت مخاطبًا الحشود 
الجماهيرية: "لا وجود للقواعد في ظل الثورة. إمّا أن تبقى الثورة وتنتهي 
القواعد وإمّا تنتهي الثورة وتبقى القواعد". وبقوة زخم الثورة وضغط الجماهير 
وصلابة الموقف الثوري, أذعن الإنكليز في نهاية المطاف لقرار الثورة المدعوم 
بالتأييد الشعبي والجماهيري العارم» وتمّ الاتفاق على أن يبدأ الإجلاء بعد ثلاثة 
أسابيع» وعلى أن يتتهي في 28 آذار/ مارس 1970. 

بعد ذلك مباشرة» بدأنا المفاوضات مع الجانب الأميركي في قاعة البلدية 
في طرابلس. في الجولة الأولى» ألقى رئيس الوفد الأميركي كلمة مركّزة. 
تضمنت 17 نقطة تستند إلى أسس قانونية» أشار فيها إلى تعهداتنا في البيان 


95 


الأول للثورة» واحترامنا للمعاهدات والاتفاقات الدولية» وأنهم اعترفوا بنا بناءً 
على التزاماتنا بهذه المعاهدات والاتفاقات الدولية» وأنهم يعتبرون "معاهدة 
القواعد" على رأس هذه المعاهدات» ويعرضون ويقبلون بعدم التجديد بعد 
انتهاء المدة القانونية» وأنهم سيحترمون إرادة الثورة بعدم التجديد. فكرّرت 
للجانب الأميركي ما قلته للجانب البريطاني» ثم قمت بالردّ على النقاط ال 17 
وفق التسلسل نفسه من دون كتابة» وكان صالح بويصير قد حاول أن يكتب لي 
بعض الملاحظات لكي تساعدني على الردّ» لكنني لم أقرأ هذه الملاحظات. في 
هذه الأثناء» كان صخب التظاهرات الجماهيرية العارمة يصل إلى قاعة البلدية 
التي تمّ تطويقها. كانت أصوات الجماهير الغاضبة تدوّي في القاعة» وكنت أنا 
وعبد المنعم الهوني نحمل مسدسين, فقال رئيس الوفد الأميركي: "لا يمكنني 
التفاوض تحت التهديد بالسلاح والصخب". فقلت له: "في مسألة السلاح هذه 
أنت على حق"؛ وطلبت من الأخ عبد المنعم أن نضع سلاحنا خارج القاعة) ثم 
تابعت القول: "إذا كنت ترى أن صيحات الجماهير وهتافاتها تزعجك. فإنها 
على العكس من ذلك تلهمني. وإذا كنت أنت تستلم الأوامر تباعًا من الخارجية 
الأميركية أو البتتاغون, فأنا أستلم الأوامر من هذه الجماهير. السلطة التي أستلم 
منها الأوامر هي هذه الجماهير". ثم قرأت عليه برقية أرسلتها جماهير مدينة 
بنغازي تقول فيها: "إننا برغم الأمطار الشديدة لن نغادر مبنى القنصلية الأميركية 
إلا بعد أن تعلنوا الإجلاء". استمرت الجماهير فى ميدان البلدية فى طرابلس فى 
تطويق القاعة رغم استمرار هطول الأمطار. بعد انتهاء الجلسة. ألقيت خطابًا في 
الجماهير المحتشدة» وكرّرت قولي إنه لا وجود للقواعد مع وجود الثورة؛ فإمًا أن 
تبقى الثورة وتنتهي القواعد. وإمّا تنتهي الثورة وتبقى القواعد» وخاطبت الجماهير 
قائلا: "إذا كانت أصواتكم الهادرة وصيحاتكم تزعج المفاوض الأميركي؛ فإنني 
أستلم الأوامر والتوجيهات منكم. إن أصواتكم هي أقوى سلاح لتحقيق الإجلاء. 
إن أصواتكم أيها الإخوة تلهمني, وأستمد منها القوة والإصرار على الإجلاء". 
كانت المفاوضات مع الأميركيين أصعب بكثير من المفاوضات مع البريطانيين؟؛ 
ِذْ قدّم الجانب الأميركي مقترحًا بأن يتمّ الإجلاء بعد خمس سنوات» فرفضت 
وقلت: "إن قرار الإجلاء نملكه نحن, وإننا هنا للاتفاق على الموعد". 


16 


بعد إصرارناء أذعن الجانب الأميركى بعد محاولات التهربء. وتوصلنا إلى 
اتفاق على "أن ينتهى الإجلاء" بعد شهر ونصف شهرء أي فى 11 حزيران/ يونيو 
0. في إحدى المرات كنا نحن أعضاء الوفد نلتقي مع الأخ معمّر القذافي. 
فقال صالح بويصير: "يا أخ العقيد. الرائد عبد السلام وحده وفدٌ كامل. لقد رد 
على رئيس الوفد الأميركى وعلى النقاط ال 17 التى سردهاء بالترتيب وبالتسلسل 
نفسه. وكانت الردود جميلة ومقنعة". وفي هذا التاريخ» ذهبت أنا والأخ إمحمد 
المقريف إلى قاعة الملاحة» لحضور مراسم رفع العلم الليبي في القاعدة» وتمّ 
إنزال العلم الأميركي ورفع العلم الليبي. كان آمر القاعدة من الأميركيين الأفارقة» 
وقبل أن يستقل آخر طائرة» تقدّم نحوي وودعني وهو يبكي قائلًا بتهكم: "أتمنى 
أن أعود بعد ستة أشهر لأرى هذه القاعدة وقد تحولت إلى مكب للقمامة". فقلت 
له: "سوف نوجه إليك الدعوة وسترى القاعدة أكثر كفاءة ممّا هى عليه الآن". 
وهكذا تحرّرت ليبيا من الاستعمار العسكري المباشر بعد أن كانت عبارة عن 
مجموعة من القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية» بفعل الإرادة الثورية» وبفعل 
زخم الثورة» وبفضل النضال الجماهيري الذي استمر طويلًا. 

وفاة الأخ إمحمد المقريف 

في عام 2 .» قامت القوات المسلحة الليبية بتنفيذ تمرين عسكري 
يستهدف الهجوم على طرابلس من الشرقء وكان الأخ معمّر يتحرك مع 
القوات المهاجمة» وفي الوقت نفسه كانت هناك قوات تدافع عن طرابلس 
تتمركز في مرتفعات الخُمس. ذهبت أنا والأخ إمحمد المقريف بطائرة 
عمودية لتفقد القوات المدافعة. ولما انتهينا من تفقد هذه القوات, اقترح عليّ 
الأخ المقريف أن نركب الطائرة العمودية إلى سرت حيث وصلت القوات 
المهاجمة. وفعلاء ذهينا إلى سرت حيث المرحلة الأخيرة من التمرين. ولأننا 
لانستخدم الطائرات العمودية خلال الليل لأسباب أمنية» فقد طلب منًا الأخ 
معمّر ألا نعود إلى طرابلس الليلة. وقال "نقضي الليل معًا وفي الصباح تعودان 
إلى طرابلس". وكان البرنامج أن نتناول العشاء غرب سرت على بعد نحو 
0 كيلومتراء وهي منطقة عادة مايقضي الأخ معمّر وقته فيها حينما يكون 


297 


في سرت. في طريقنا من سرت إلى غربها ركبت أنا والأخ معمّر في سيارة» 
وإمحمد في سيارة أخرى. بعد تناول العشاء وتجاذب أطراف الحديث عن 
ذكريات الماضي» وحوالى متتصف الليل» قال الأخ معمر: "حانث وقفت النوم. 
في الصباح نلتقي لتناول الإفطار معًا قبل أن تغادرا". لكنني فوجئت بعد 
مغادرة الأخ معمّر بما قاله لي الأخ إمحمد. ونحن في الطريق من سرت: "لقد 
شاهدت سيارة مرسيدس تستعملها شرطة المرور كانت متوقفة على جانب 
الطريق» وطلبت منها أن تتبعنا لأننا نريد أن نعود إلى طرابلس الليلة". كنا بعد 
الثورة قد منعنا استعمال سيارات المرسيدس ووزعناها على إدارات وأقسام 
المرور» ونحت إلحاح المقريف وافقت على العودة إلى طرابلس» حيث 
ركبنا السيارة. كنت أنا والمقريف نجلس في الخلف. وشرطي المرور يجلس 
بجانب السائق. ولما وصلنا إلى مصراتة قال السائق إنه يريد التزود بالوقود» 
فقال له المقريف: "أسرع. سوف تتزود بالوقود في مدينة الخمّس". بعد 
ذلك نمت وأعتقد أن الجميع ناموا وربما حتى السائق» وقبل أن أغفو كانت 
سرعة السيارة 140 كيلومترًا في الساعة. وقبل أن نصل الخمس وقع الحادث 
المأساوي نتيجة السرعة» ولأن السائق كما يبدو كان نائمًا. بعد برهة استيقظت 
وكانت الدماء تنزف من رأسي ولم أجد المقريف بجانبي» وكان السائق 
والشرطى يئنان من الإصابة البالغة» فخرجت من السيارة وجدت المقريف 
ملقى خارج السيارة وكانت الابتسامة تعلو وجهه. ذهبت مسرعًا إلى الطريق 
الساحلي وحاولت إيقاف أي سيارة في الطريق. وبما أنه لم تتوقف أي سيارة» 
أخرجت مسدسي وأطلقت رصاصتين في الهواء» فتوقفت سيارة وطلبت من 

ع و ع 
اقترب منّا أحد الفلاحين» حيث كانت مزرعته بالقرب من الطريق الساحلى. 
وقال: "هذا الشباب الطائش يسكرون ويقودون السيارات بسرعة جنونية 
ويهلكون أنفسهم". فقلت له: "أنا عبد السلام جلود وهذا إممحمد المقريف"2 
فقال: "يا رسولء يا رسولء. لا حول ولا قوة إلا بالله". 


وساعدنا الفلاح في نقل الجرحى إلى السيارة» ثم واصلت سفري إلى 
طرابلس ودخلت المستشفى العسكري في قاعدة معيتيقة. ومعيتيقة اسم طفلة 


28 


ليبية فقدت حياتها قبل الثورة نتيجة سقوط طائرة حربية أميركية فوق بيتهاء بعد 
أن طرأ عليها خلل فني. بعد الثورة» أطلقنا على القاعدة اسم "معيتيقة" بدلا 
من قاعدة الملاحة. ولما وصل الأخ معمّر إلى مكان الحادث» وشاهد السيارة 
وهي محطمة رغم أنها سيارة مُصفحة وقوية» اعتقد أنني في حالة ميؤوس 
منهاء خاصة أن المقريف فارق الحياة» ولكنهم لم يخبروني بوفاته لأنهم 
يعلمون مقدار حبي له. بعد الحادث» جاء الرئيس محمد أنور السادات من 
مصر لحضور جنازة الأخ المقريف. وبعد انتهاء مراسم التشييع» جاء لزيارتي 
في المستشفى لأنه يحترمني على الرغم من خلافي العقائدي والسياسي معه. 
وكان صحبته الأخ معمّر. ولما وصل إلى باب الغرفة» دخل السادات لكن 
الأخ معمّر لم يحتمل الدخول إلى الغرفة» لأنه كان يخشى أن يجدني في حالة 
ميؤوس منها. ولكن حين دخل السادات» وجدني جالسًا على السرير وأتحدث 
مع إحدى الممرضات» فخرج السادات من الغرفة مسرعًاء ونادى: "تعال 
يا معمّر. عبد السلام دا جنّ لايموت أبدًا". فدخل الأخ معمّر مسرعًا وقد 
أحضر السادات معه طبيبين مصريين» أوصيا بأن أمضي فترة النقاهة في مكان 
هادئ» واقترحا جزيرة كابري الجميلة في جنوب إيطالياء وقد كلف السادات 
مدير الأكاديمية المصرية في روما بأن يكون مديرًا لرحلتي ومسؤولَا عن راحتي 
ونقاهتى. واستمرت النقاهة 40 يومّاء وكان مدير الأكاديمية رجلا مثقمًا وفنانًا 
طيب القلب وخدومًا إلى أبعد الحدود. لقد شملني بإنسانيته أنا وزوجتي. وأنا 
اليوم أشعر نحوه بالعرفان بالجميل» وأريد أن أشكره على ماقام به من جهد. 
فقد جعل الرحلة ثرية ومريحة. 


طرد "المستوطنين الطليان" 


بعد نحو أربعة عشر يومًا من تفجير الثورة. وعلى وجه التحديد في 
5 أيلول/ سبتمبر 1969» قرّرت أن أزور السجن الذي اعتقلّنا فيه قادةً النظام 
الملكي (رؤساء وزراى ووزراىئ ومسؤولين كبار). في السجن. التقيت محمود 


99 


المنتصر © أقوى رؤساء الوزارات التي تعاقبت على الحكم في ليبيا خلال 
العهد الملكي. فقلت له: "أنتم تآمرتم على الشعب الليبي» وبعتم البلاد للأميركيين 
والإنكليز» وسمحتم للجالية الاستيطانية الإيطالية بأن تسيطر على مقدرات 
الشعب الليبي"» فقال لي: "اسمع يا بن جلود. أنا لست خائمًا منك. لقد سمحنا 
بإقامة قواعد عسكرية أميركية وبريطانية لكي نعلمكم. لقد كانت عائدات ليبيا من 
الضرائب والجمارك 400 ألف دينار سنويّاء أي مايقرب من 1,3 مليون دولار؛ 
بينما كنا في حاجة إلى مليونين ونصف مليون دينار سنويًا. اتصلنا بمعظم الدول 
العربية طلبًا للمساعدة» لكنهم لم يساعدونا. لقد ذهبت بنفسي مع الملك السنوسي 
إلى مصر للقاء الرئيس جمال عبد الناصرء وطلبنا منه المساعدة المالية. طلبنا مليون 
دولار سنويًا. في اليوم الثالث للزيارة اتصل بي الملك هاتفيًا وقال لي: يا محمود 
جهّز نفسك ومرٌ عليّ في القصر لأنني قررت العودة إلى ليبيا. عند وصولنا إلى 
الطريق الصحراوي (طريق القاهرة/ الإسكندرية) قال لي الملك: هل يخطر عليك 
يا محمود أن عبد الناصر يريد مقابل تقديم دعم لنا بمليون دولار» تعيين شخص 
مصري وكيلا للخزانة (المالية) فى ليبيا؟ وأن تتنازل ليبيا عن واحة الجغبوب؟277. 
ثم تحدثت مع محمد سيف النصر فقال لي: "اسمع يا بن جلود أنتم انتصرتم» وأنا 
الآن كبير في السنّ ولا أعتقد أنني سأخرج من السجن حيًا. نصيحتي لكم أن تضعوا 
الليبيين في بطونكم لافي ظهوركم, أي اجعلوهم يحبونكم لا أن يكرهوكم". بعد 
طرد القوات الأميركية والبريطانية مباشرة» وجدنا أنفسنا أمام حقيقة أن الوقت قد 
حان لطرد "المستوطنين الطليان" بوصفهم جالية استعمارية» ومصادرة أملاكهم 
وأموالهم التي نهبوها من الشعب الليبي. في هذا الوقت» كان عدد المستوطنين 
الطليان يبلغ زهاء 160 ألمًا. كنا ندرك بعمق حساسية طرد هذا العدد الهائل» 
وما قد يثيره من ردود فعل في العالم الغربي بأسره؛ لكننا كنا ندرك في المقابل 
أن واجبنا الثوري يحدّم علينا القيام بهذه الخطوة» وهكذا قررنا أن نتخذ القرار 
بلا تردد» وأن نعيدهم إلى إيطاليا بواسطة السفنء تمامًا كما جاؤوا عام 1911. لقد 
اتخذنا هذا القرار لسببين: 


(26) محمود المنتصر: رئيس وزراء ليبيا خلال الفترة 1 1954-195. و1965-1964. 
(27) واحة الجغبوب: تقع جنوب مدينة طبرق بحوالى 286 كيلومترًا وتتبعها إداريًا. 


100 


أولّاء لأن ثورة الفاتح من سبتمبر» كانت بالنسبة إلينا هي "المعركة النهائية" 
في كفاح الليبيين وجهادهم من أجل التحرر والاستقلال» وكان لابد من 
مواصلتها حتى طرد هؤلاء المستوطنين. 

ثانيّك لأن هذا القرار التاريخي ينطوي على بُعد ثوري؛ فقد كان قصاصًا 
من الاستعمار الإيطالى البغيض» كما أنه وفاء للأجداد والآباء ولدماء الشهداءء 
ولأرواح آلاف الليبيين الذين عانوا في معسكرات الاعتقال الجماعي «العقيلة 
والبريقة» وغيرهما). لقد كانت بريطانيا وفرنسا تقومان بنفى القادة الوطنيين داخل 
البلدان المستعمرة» بينما كان الاستعمار الإيطالي البغيض يقوم بنفي عشرات 
الآاللاف خارج ليبيا. ولذلك كان القرار ينطوي على وفاء حقيقي لذكرى عمر 
المختار» وأحمد الشريف» ورمضان السويحليء وبشير السعداوي» وعبد النبى 
بالخيرء وسليمان الباروني» وأحمد المريض» وغيرهم من الأبطال. ووفاء 
للزعماء السياسيين في المنطقة الغربية من ليبيا الذين عقدوا اجتماعًاء وهم بشير 
السعداوي»ورمضان السويحليء وعبد النبى بالخير» وأحمد المريضء وسليمان 
الباروني» في مدينة مسلاتة» وأصدروا قيام الجمهورية الطرابلسية عام 1918 في 
إعلان عرف باسم إعلان "سواني بن يادم". وهي أول جمهورية في العالم العربي؛ 
ولتأصل الفكر الجماعي و"العقل الجماعي" في تفكيرهم. فقد شكلوا مجلسًا 
رتاسيًا للجمهورية من خمسة أعضاء يتم التناوب سنويًا على رئاسته. 

لقد كانت الجالية الاستيطانية الاستعمارية تسيطر على قطاعات واسعة 
من الحياة الاقتصادية والتجارية في ليبياء وكانت تمتلك وتسيطر على أهم 
المساحات الزراعية التى تقدر بأربعين ألف هكتار. فضلًا عن وجودها فى أرقى 
الأحياء والشوارع والمناطق الراقية الممتدة من مصراتة إلى صبراتة. بينما كان 
الليبيون يسكنون في مدن الصفيح. ومع ذلك؛ حين جرى تنفيذ القراره سمحنا 
لكل أسرة من هؤلاء بأن تحمل معها مبلغ ألف دولار فقط. 

في عام 1972» قمت بأول زيارة لإيطاليا. في هذا الوقت» كانت روما 
قد استوعبت الدرسء وأدركت أنها أمام "ليبيا جديدة". ثم تعدّدت الزيارات 
وتكرّرت. لقد سمحت هذه الزيارات بتكوين علاقات صداقة قوية مع 


101 


2)29 )28 


رؤساء الوزارات المتعاقبين» ألدو مورو” ( وجوليو أندريوتي” » وبينيديتو 
كراكسي””2» بينما ظلت العلاقات مع أنولدو فورلاني””» وشيرياكو دي ميتا(ة*) 
علاقات عمل. وكنت» خلال زياراتي المتكرّرة والمتعدّدة لإيطالياء ألتقي مع 
كل من البابا بولس السادس02, والبابا يوحنا بولس الثاني”*2 وكانا لطيفين 
دائمًا معى» وكانا يعطيانى وقنًا أكثر من المعتاد» وبعد اللقاء كانا يصطحباننى 
حتى بوابة الفاتيكان» وكان هذا أمرًا نادر الحدوث. وفى أحد اللقاءات مع البابا 
يوحنا بولس الثاني» صرح للصحافيين قائلا: "إنه يصلي من أجل ليبيا ومن أجل 
القذافى". 


كان التحدذي الذي واجه العلاقات الليبية - الإيطالية فى هذه المرحلة, 
هو أن تقدم إيطاليا اعتذارًا لليبيين عن مرحلة الاستعمار وجرائمه وأن تعترف 
بحق الشعب الليبي وتعويضه عمًا لحق به من خراب ودمار ثم إرساء علاقات 
جديدة. رفضت روما تقديم اعتذار رسمي علني ومكتوب عن حقبة الاستعماره 
وكانوا يقولون لنا إنهم كانوا أيضًا ضحايا الفاشية» وإنهم لا يتحملون أَيَ 
مسؤولية عن جرائمها في ليبيا. أما بصدد مطلب "التعويضات"» فقد قدّموا 


مقترحًا بتقديم "10 مليارات دولار" في شكل مشاريع. رفضنا المقترحء لأنه لم 
يقدّم في صيغة رسمية مكتوبة» كما أننا اعتبرنا المبلغ "زهيدًا" ولا يتناسب مع 


(28) رئيس الوزراء الإيطالى للمرة الثانية (23 تشرين الثانى/ نوفمبر 1974 - 19 تموز/يوليو 
١ ١ .)2)6‏ 

(29) تولى جوليو أندريوتي رئاسة الحكومة في إيطاليا ثلاث مرات: (17 شباط/ فبراير 1922 - 
7 تموز/يوليو 1973)» و(29 تموز/ يوليو 1976 - 4 آب/ أغسطس 1979).: و(22 تموز/ يوليو 
9 -24 نيسان/ أبريل 1992). 

(30) رئيس الوزراء الإيطالى (4 آب/ أغسطس 1983 - 17 نيسان/ أبريل 1987). 

(31) أرنولدو فورلاني: رئيس الوزراء الثالث والأربعون لإيطاليا (18 تشرين الأول/ أكتوبر 1980 - 
8 حزيران/ يونيو 1981))» كما شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع. 

(32) شيرياكو دي ميتا: رئيس الوزراء الإيطالى (13 نيسان/ أبريل 1988 - 22 تموز/ يوليو 1989). 
(33) بولس السادس (الا 0ا0هم): بابا الكنيسة الكاثوليكية الثاني والستون بعد المئتين (21 حزيران/ 
يونيو 1963 - 6 آب/ أغسطس 1978). 

(4) يوحنا بولس الثاني (!]! كنااسةط د5عمهة10): ابا الكنيسة الكاثوليكية الرابع والستون بعد المئتين 
(16 تشرين الأول/ أكتوبر 1978 - 2 نيسان/ أبريل 2005) في حبرية طويلة دامت ستة وعشرين عامًا. 


102 


حجم الدمار الهائل الذي لحق بليبيا وشعبها من جرّاء الغزو الوحشي والبربري 
الإيطالي. إن التعويض الأهم الذي حققناه بقوة الثورة هو طرد أفراد هذه 
الجالية البغيضة» وشحنهم في سفن عادت بهم إلى إيطاليا كما جاؤوا منها إلى 
ليبياء وكانت هذه بالنسبة إلينا بمنزلة عملية ثأرية تشفي القلوب وتثلج الصدور. 

أذكر» في إحدى زياراتي لإيطالياء أن صديقًا إيطاليًا دعاني لتناول العشاء في 
منزله بمدينة بورتوفينوا””' الجميلة مع بعض المدعوين» وكان من بينهم السفير 
الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر. وخلال العشاء قال لي السفير: "جيد أن 
الملك إدريس وضعك ومعمّر في السجن, ولكن الملك ارتكب الخطأ القاتل 
وهو أنه وضعكما معًا لتتعارفا". وكان من بين الحضور شاب أميركى ضد سياسة 
بلاده» وكان ضد حرب فيتنام ومتعاطمًا مع شعوب العالم الثالث» فاحتج على 
كلام السفير ودخل معه في نقاش ساخن. واعتبر كلام السفير استفزارًا لي. 


(35) ا 


ثورة النفط 


كان للمفاجأة دور مهم في نجاح مفاوضات النفط. لقد أخذنا شركات 
النفط على حين غرّة. وقرّرت أن أبدأ بشركة "أوكسيدنتال بتروليوم" 
(مه عه ممه سسعاممعم لمخمع )42357 لأنها الأضعف من بين شركات النفط» 
فهي لا تملك نفطًا خارج ليبيا. استدعيت السيّد أرماند هامر الرئيس التنفيذي 
للشركة» وبدأت معه المفاوضات عام 0 :؛ وحينها كنت أشغل منصب 
وزير الداخلية. هدّدته بوضوح: "إن لم يقبل برفع الاسعارء وتعويض ليبيا عن 


(35) قرية إيطالية تاريخية» مشهورة بصيد الأسماك تقع في إقليم جنوة. 

(36) شركة "أوكسيدنتال بتروليوم" أو "أوكسيدنتال" (أوكسي): شركة أميركية» نطاق عملها في 
مجالات استخراج الطاقة الأحفورية (نفط/ غاز) وإنتاجها في الولايات المتحدة والشرق الأوسط 
وشمال أفريقيا وأميركا الجنوبية. يقع مقرها في منطقة ويستوود بلوس أنجلوس في كاليفورنيا. 

(37) أرماند هامر (660ة!! لمدصءح) (21 أيار/ مايو 1898 - 10 كانون الأول/ ديسمبر 1990): 
رجل أعمال ومالك "أوكسيدنتال" للنفط» وهي الشركة التي أدارها منذ عام 1957 حتى وفاته. بنى 
علاقات وصلات وثيقة بالاتحاد السوفياتى. كان هامر محرا للظهور الإعلامى. وقد ظهر كثيرًا فى 
التلفزيون معلمًا على العلاقات الدولية أو حانًا الباحثين على العثور على علاج للسرطان. 1 


103 


السنوات السابقة» فإننا سنوقف ضخ النفط". كانت المفاوضات الأولى تجري 
طوال الوقت فى مبنى وزارة الداخلية» وكانت تستمر ساعات طويلة. كان السيّد 
هامر يقول لي: "أنت شابء وأنا لا أستطيع تحمّل هذه الساعات الطويلة"» وكان 
أحيانًا ينام على "الكنبة" في المكتب ليأخذ قسطًا من الراحة. لم تكن مفاوضات 
بالمعنى الدقيق للكلمة. كانت تهديدًا ووعيدًا من جانبي: إِمَا أن يقبل بما أطلبه 
منه» وإمّا يواجه إيقاف الضمّه بل حتى التأميم. كان السيّد هامر يتعرض لضغوط 
ليبية من جهة» ولضغوط شركات النفط الأميركية من جهة أخرى, ولكنه استطاع 
بجرأته وشجاعته المحافظة على مصالح شركته. بعد مفاوضات صعبة وطويلة 
وشاقة» وافق السيد هامر على رفع الأسعار وتعويض ليبيا عن فارق السعر؛ إذ 
كانت ليبيا تتقاضى عن البرميل الواحد أقل مما كانت تتقاضاه إمارة أبوظبى. 
وكانت هذه مفاجأة لناء فقد كان دخل ليبيا نحو 87 سئمًا للبرميل الواحد» فى 
حين كان سعر برميل الماء 3 دولارات. ولأن الشركات لا تستطيع دفع هذه 
المبالغ فورّاء فقد وافقت على أن تدفعها في شكل أقساط سنوية» وبذلك أدخلت 
ليبيا مصطلح "الأثر الرجعي" إلى قاموس الاقتصاد العالمي. 

بعد أن نجحت ليبيا في فرض شروطها على شركة "أوكسيدنتال"» أصبح 
موقف الشركات الأخرى ضعيفاء فدخلت معها فى مفاوضات جديدة لتقبل بما 
قبلت به "أوكسيدنتال". حاولت هذه الشركات» بلا جدوى؛ رفض فكرة الدخول فى 
مفاوضات مع كل شركة على حدة» ولكن تحت الإصرار والعزيمة القوية» نجحتٌ 
في فرض الأمر الواقع» والتفاوض مع كل شركة على انفراد. وطلبت من كل شركة 
قبول ما توصلتٌ إليه مع شركة "أوكسيدنتال"؛ أو مواجهة إيقاف الضخ والتأميم. 
وبعد عناد ومماطلة» والقول إنها تحت هذه الشروط لا تحقق أي عائد مالى» أذعنت 
هذه الشركات العالمية العاملة في مجال استخراج التفط» وقبلت شروطنا مضطرّة. 
ثم بدأت المرحلة الثانية الأكثر صعوبة من المفاوضات؛ لأن الشركات كانت قد 
تعلّمت واستفادت من المباحثات الأولى» وقررت مواجهتنا بصفة جماعية؛ فمن 
جهة. أجرت مفاوضات "صورية" مع دول الخليج؛ وتوصلت معها إلى اتفاقات 
هزيلة بغرض إضعافنا. ومن جهة أخرىء أقامت "كارتيلا” (تجمعًا) نفطيًا في 
مواجهتناء وتم إبرام اتفاق جماعي بين هذه الشركات يقوم على الآتي: 


104 


1 - يكون التفاوض مع ليبيا بصفة جماعية. 

2 - رفض الإذعان لمزيد من الشروط الليبية. 

3 - عند تعرض أي شركة لوقف الإنتاج» ستقوم بقية الشركات بتعويضها. 

لكنني رفضت المفاوضات الجماعية» وقلت: هذا لا يجوز. نحن لا نتفاوض 
مع دول وأنتم شركات تعمل داخل ليبيا وعلى الأراضي الليبية» والحكومة الليبية 
هى التى تحدّد أسلوب التفاوضء. وإن هذا مسّ بالسيادة الليبية والكرامة الليبية» 
وإن الشركات يجب أن تخضع لاسيادة الليبية. لقد كانت الشركات قبل الثورة 
دولا داخل الدولة» ورفضت أيضًا التفاوض مع مديري الشركات المحلية» وبقيت 
مُصرًّا على التفاوض مع مديري الشركة الأم في الولايات المتحدة, أو نوابهم؛ أو 
أعضاء مجلس الإدارة ممن يملكون صلاحيات اتخاذ القرارات. 


اشترك معى فى هذه المفاوضات من الجانب الليبى عز الدين المبروك» 
وعمر المنتصر**» وكامل المقهور وعيسى البعباع. قال لي كامل المقهور”: 
"هذه ثورة حقيقية. يا ليت الشعب الليبى يعيش أحداثها ويكون حاضرًا معنا". 
وفي إحدى المرات؛ بينما كنت أتفاوض مع السيد بيريسي (لا أذكر اسمه كاملا) 
نائب مدير شركة "إِسّو" الأم**». وعلى عادة الأميركيين» وضع ساقًا على ساق» 
فركلته بقدمي وصرخت به: "أنزل رجلك". كنت أعلم أن هذه من عادات 
الأميركيين» ولكنني قصدت من ذلك أن يفهم أن وضع الشركات صار مختلقا 
بعد الثورة. كانت المباحثات صعبة وشاقة» وكنت راغبًا في تحقيق انتصار آخر 
على الشركات الاحتكارية بمناسبة العيد الأول للثورة. قبل يومين من موعد هذه 
المناسبة» وعدت الشركات بتقديم عرض جيدء وكنت أترك رؤساء الشركات 
أو نوابهم في حالة انتظار بممر البوابين. طلبت من أحد أعضاء الوفد الليبي أن 


(38) أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس وزراء) بليبيا من 1 آذار/ مارس 1987 حتى 7 تشرين الأول/ 
أكتوبر 21990 كما شغل منصب وزير الخارجية (2000-1992) ليخلفه عبد الرحمن شلقم. 

(39) كاتب وقاص ليبى وأمين (وزير) نفط أسبق (1986-1982). 

)40( "إِسّو"/ "إكسون موبيل" (1ز8«*0035006): شركة متعددة الجنسيات تعمل فى مجال الطاقة 
الأحفورية. وتقع مقارها في مدينة إرفينغ بولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية» وهي أكبر 
الشركات المُنبئقة من شركة "ستاندرد أويل" التي أسّسها جون روكفلر. 


105 


يجلب لي العروض منهم. وعند اطلاعي عليهاء وجدت أنهم عرضوا متضامنين 
زيادة 3 سنتات للبرميل» وقالوا: "إن زدنا سعر البرميل أكثر فسوف نخسرء ولن 
يكون النشاط مجديًا من الناحية الاقتصادية"» فغضبت غضبًا شديدًا وطلبت من 
أحد أعضاء الوفد الليبي أن يطلب حضورهم الواحد تلو الآخر. وعند وصول 
مسؤول كل شركة عند باب المكتبء كنت أرمي عليه أوراق العرض عن بعد وأنا 
أقول بالإنكليزية "0 :66 (اخرج)". والواقع أنها لم تكن مفاوضاتء بل كانت 
قرارًا: إِمَا أن يقبلوا بشروطنا وإمّا مواجهة إيقاف الضخ والتأميم. ثم قررنا تأميم 
1 في المئة من شركات النفط بناء على القرار رقم 66 لسنة 1973» القرار الذي 
وقعت عليه على أن يتم تعويضها على أساس القيمة الدفترية.وقد قاومت هذه 
الشركات قرار التأميم وهددت بالخروج من ليبياء ثم رفضت التعويضء وطالبت 
أن يكون التعويض على أساس الاحتياطى القابل للاستغلال. ولأن القانون 
الاقتصادي يقول بأن البائع هو الذي يحدد سعر البضاعة التي يريد بيعهاء وفقًا 
للعرض والطلبء إلا الخامات» حيث كان المشتري هو الذي يحدد سعرهاء 
جاءت ثورة الفاتح لتصحيح ذلك» وأصبحت الدول النفطية هي التي تحدد أسعار 
نفطها. وفي أثناء المباحثات» كان المتحدث الرسمي باسم شركات النفط. يصرح 
"في الخليج توجد مفاوضات متكافتة» أما في ليبيا فلم تكن هناك مفاوضات؛ إِمّا 
أن تقبل بالشروط وإمّا تواجه العواقب". وبفضل الله وبالعزيمة والإصرار انتصرنا 
فى المفاوضات الثانية. وقد أدت ثورة النفط”*» بل ثورة الدول المالكة للخامات 
التي قادتها ثورة الفاتح من سبتمبر» إلى تحقيق الأهداف التالية: 


1 - رفع أسعار النفط. حيث حقق برميل النفط سعر 40 دولارَاء وهو سعر 
إلى حد بعيد عادل في حقبة السبعينيات؟؛ وإذا ما قورن بالقوة الشرائية اليوم فهو 
يعادل 160 دولارًا. 


(41) فى 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 اتخذ أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط 
(أوابك ©0458) قرارًا تاريخيًا بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الغربية المؤيدة 
لإسرائيل» مما أدى إلى خخلق أزمات اقتصادية خانقة في البلدان التي شملها الحظرء وإلى ارتفاع سعر 
برميل النفط عدة أضعاف. ومكّن ذلك أوبك من تحديد السعر فى السوق. وكانت المرة الأولى التى 
تستخدم فيها الدول العربية النفط سلاحًا استراتيجيًا. 1 1 


106 


2 - أصبحت منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) هى التى تحدد 
الأسعار على أساس عوامل السوقء وهذا هو الأمر الطبيعي؛ لأن البائع يحدد 
السعر بناء على العرض والطلب. لقد كانت الدول الصناعية المستهلكة للتفط 
هى التى تحدد الأسعار»ء وهى أسعار سياسية بخسة. 

3 -أدت ثورة النفط إلى قيام الدول المنتجة للخامات لتشكيل تكتلات 
للسيطرة على ثرواتها وتحديد سعر عادل لها؛ ذلك أن غنى الدول الغربية 
ورفاهيتها يقومان على ثلاثة عوامل: 

- التحكم في أسعار الطاقة والخامات. 

- أن يستمر الاستقلال الصوري للعالم الثالث وألا يتطور إلى استقلال 
حقيقي يقود إلى استقلال ثقافي واقتصاديء. وأن يظل العالم الثالث سوقًا. 

- الاستخدام المكثف للتكنولوجيا ومنعها عن العالم الثالث» لكن - 
للأسف - تآمر هنري كيسنجر2*؟ وفاليري جيسكار ديستان*» لتأسيس 
"مؤسسة الطاقة" في ثورة مضادة ضد الأوبك» وقد طلبت الولايات المتحدة من 


المملكة العربية السعودية بضخ 14,5 مليون برميل يوميًا حتى وصلت الأسعار 
عام 1983 إلى 7 دولارات. 


ولأن هذا الانتصار هو ثورة أو "انقلاب" تاريخي خافت منه الدول الغربية 
على مصالحها واحتكاراتهاء فإنها تآمرت وقررت إجهاض "ثورة النفط" حتى 
لاتستشري عدواها إلى الدول المالكة للخامات؛ ولذا بدأت بتشكيل تجمع 
لها (مؤسسة الطاقة) في مواجهة الأوبك» وطلبت من السعودية إغراق السوق 
بالنفط السعودي حتى وصل إنتاجها إلى أكثر من 14,5 مليون برميل يوميّاء وقد 
وصلت تكلفة استخراج المواد الخام إلى أكثر من سعرها في السوق العالمية» 
إلى حدّ أنّ هذه الدول "تموت مرضًا وجوعًا". ولا تتمكن من استغلال ثرواتها. 


(42) هنري كيسنجر: وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية (1977-1973). 
(43) فاليري جيسكار ديستان (2 شباط/ فبراير 1926 - 2 كانون الأول/ ديسمير 2020): رئيس 


الجمهورية المرنسية (1981-1924). 


إنها الرأسمالية المتوحشة. وقد كان للجزائر وللأخ عبد السلام بلعيد”*» وزير 
النفط شخصيّاء دور مهم في تأييدناء وقد عقدت عدة اجتماعات في ليبيا لوزراء 
نفط الجزائر ونيجيريا وفتزويلا من أجل الوقوف معنا. 


حينما رفضت شركات النفط الأميركية التأميم وسعت إلى مقاومته 
بلا جدوى» اضطرّت إلى الانسحاب من ليبيا» ولكن بعد سئوات عادت مرغمة 
وقبلت بالتأميم. وأذكر أن الشركات الأميركية» حين قررت العودة إلى ليبياء أقامت 
حفل استقبال للعاملين وأسرهم؛ ووضعت أمامهم ثلاثة خيارات: إما العودة إلى 
ليبياء وما الذهاب للعمل فى السعودية» وإمّا أن يختاروا العمل فى إيران. فوجئت 
هذه الشركات بأن معظم الموظفين والعاملين فضلوا العودة إلى ليبيا على الرغم 
من أن مرتباتهم في السعودية هي الأعلى» وكان من المدهش لنا أن هؤلاء برّروا 
عودتهم بجملة واحدة (نحن نحب الشعب الليبي لأنه يحترم الأجانب» وهم شعب 
مضياف. بل إنهم يشعرون بحريتهم الشخصية في ليبيا). بعد سنوات من هذه 
الواقعة» أخبرني وزير النفط عز الدين المبروك أن السيد بيريسي تعرض لحادث 
سير خطير هو وزوجته؛ وأن زوجته أصبحت مقعدة تستخدم كرسيًا متحركًا. لقد 
أحزنني هذا الخبر» وعلى الفور أرسلت له دعوة خاصة لزيارة ليبيا. وحينما وصلا 
وضعت تحت تصرفهما طائرة خاصة وطلبت من مدير المراسم أن ينظم لهما 
جولة سياحية فى المدن الأثرية والواحات الجميلة. وقبل أن يعود إلى الولايات 
المتحدة, استقبلته فى مكتبى فقال لى: "إننى أرى شخصًا آخر". فضحكت وقلت 
له: "اللقاءات الأولى كانت لقاءات عمل سياسيء أما هذا اللقاء فهو وجداني 
وإنساني» ونحن في الشرق لا يمكن أن نعزل عقولنا عن مشاعرنا وأحاسيسنا". 
ثم أراد جيسكار ديستان وكيسنجرء وهما العقلان المدبران لهذا التآمن 
تأسيس "مؤسسة الطاقة" للتعبير عن مصالح الدول المستهلكة للنفط في مواجهة 


(44) عبد السلام بلعيد: من مواليد 20 تموز/ يوليو 1928 بعين الكبيرة (ولاية سطيف)» وهو من 
المناضلين الأوائل في الحركة الوطنية الجزائرية. شغل العديد من الوظائف الحكومية؛ منها رئيس الوفد 
الجزائري المفاوض مع الطرف الفرنسي بخصوص ملف الطاقة» والمدير العام لشركة "سوناطراك" 
(1965-1964).» ووزير الصناعة والطاقة (1977-1965)» ووزير الصناعات الخفيفة (192727- 
9» ورئيس الحكومة (1993-1992). 


108 


الثورة النفطية التي قادتها ليبياء وقررا عقد اجتماع بين مؤسسة الطاقة والأوبك, 
والغريب أنهما حددا الدول التي ستحضر على أساس خمس دول لكل طرف. 
كما حددا أيضًا أسماء دول الأوبك التي ستحضر هذا اللقاء في الوقت الذي 
كان يجب أن يترك فيه للأوبك حق اختيار الدول التي ستمثلها. لكن العقلية 
الااستعمارية الاستكبارية لم تراع سيادة أوبك ولا احترام أعضائهاء وكأن هذه 
الدول "محميات"". وهي أثبتت ت أنها كذلك بالفعل حينما قبلت قرار جيسكار 
ديستان - كيسنجرء. وكانت هذه الدول» التي حددا أسماءهاء هى السعودية وإيران 
والجزائر وفنزويلا ونيجيريا. ومن الغريب أن الجزائر قبلت استضافة قمة الأوبيك 
عام 1975» وكنت قد مثلت ليبيا في هذا المؤتمر» وقد رافقني علي عبد السلام 
التريكي وزير الخارجية؛ وعز الدين المبروك وزير النفط ومحمد الزروق رجب 
وزير المالية. وفي أول جلسة» فوجئت بأن المؤتمر كان مُسخْرًا للموافقة على 
هذه الدعوة» وكان الرئيس هواري بومدين”“ يترأس المؤتمر» فبدأ بالحديث 
عن الدعوة والترويج لهاء فطلبت الكلمة - وكان الرئيس بومدين يحترمني 
إلى أبعد الحدود - فأعطاني الحق في إلقاء كلمة» فقلت: "نحن لم نستلم أي 
دعوة ولم نطلع عليهاء فكيف لنا أن نبحث في شيء لم نطلع عليه" فضغط 
بومدين على الجرس وطلب من السكرتاريا ترجمة نص الدعوة وتوزيعها. 
ولما أرادت السكرتاريا فعل ذلك» رفضتٌ؛ وقلتٌ: "نحن جئنا إلى هنا لحضور 
قمة الأوبك9؟ كدول مستقلة تحترم نفسهاء ولم نأتٍ لبحث دعوة جيسكار 
ديستان - كيسنجرء فهما لم يحترما دول الأوبك وعاملاها كمحميات. إنهما 


(45) هواري بومدين: اسمه الحقيقي محمد إبراهيم بوخروبة (23 آب/أغسطس 1932 - 
7 كانون الأول/ ديسمبر 1978)» وهو الرئيس الثانى للجزائر المستقلة. شغل المنصب بداية من 
9 حزيران/ يونيو 1965 بعد اتقلاب عسكري على أحمد بن بلة. 

(46) أوبك: منظمة الدول المصدرة للنقط ,وعءعامياه© ومتارممعاع دسعامماعءه عط له همتاه«تممع,0) 
8م60 وهي منظمة عالمية تضم إحدى عشرة دولة تعتمد على صادراتها النفطية اعتمادًا كبيرًا لتحقيق 
دخلها. يعود تأسيسها إلى عام 21960 في محاولة لكسر هيمنة شركات النفط العالمية على الأسواق» 
ولاضطلاع الدول المنتجة بدور في حركة العرض والطلبء ومن ثم التسعير. انطلقت المنظمة من 
مؤتمر بغداد قبل ستة عقود» حيث شاركت خمس دول في تأسيس أوبكء هي: السعودية» والكويت» 
والعراق» وإيران» وفتزويلا. 


109 


يريدان إشاعة الخلافات بيننا ليسهل القضاء على الأوبك. وهذه إهانة للأوبك 
وتدخَلٌ فط في سيادتنا. إنها قنبلة موقوتة لتفجير الأوبك". ثم قلت: "هذه 
الدعوة لا تخصنا" فرفع شاه إيران محمد رضا بهلوي يده وقال: "أنا أتفق مع 
الرائد عبد السلام. هذه دعوة خاصة بنا وحدناء يمكن أن نبحثها في اجتماعات 
جانبية". فثارت ثائرة بومدين» وكان صحوة ضمير تمجرت فيه» وشن هجوم 
على جيسكار ديستان - كيسنجرء وردد كلامي نفسه تقريبّاء ثم ألقيت كلمة 
أكدت فيها أن ليبيا ليست هي المنتصرة» بل إن من انتصر هو وعينا وإرادتنا 
جميعًا. ثم شكرت الجميع» وقلت في نهاية كلمتي: "أريد أن أسمع رأي الأمير 
فهد بن عبد العزيز" الذي كان وليّا للعهد. ولكنه لم يتحدث. ثم ألقى رئيس 
وفد نيجيرياء وكان نائب الرئيس» كلمة» قال فيها حرقيًا: "حينما كنت أستمع 
للرائد عبد السلام كأنني كنت أستمع لصلاح الدين الأيوبي". وعلق الشيخ 
زايد بن سلطان آل نهيان”” قائلا: "ليبيا صادت وحنا كلينا". وحينما التقيت 
شاه إيران خلال إحدى فترات الاستراحة» صافحني وقال لي: "إنني أكرهكمء 
ولكنني أحترمكم". وقد وقع صدام حسين” وشاه إيران”**» خلال القمة على 
اتفاقية "شط العرب" حيث تنازل عن حقوق العراق والأمة فى شط العرب"©. 
وبعد التوقيع الذي لم أحضره. طلب مني بومدين تأييد الاتفاقية» وقال لي 
صدام حسين: "إن العراق اضطر إلى توقيع هذه الاتفاقية لأنه لا يملك الأسلحة 
في مواجهة إيران حتى الذخيرة كانت تنقصه. ولكي يتفرغ العراق للجبهة 
الشرقية (بحسب قوله)". فقلت: "أنا لم أطلع على الاتفاقية» واتصلت بطرايلس 
ليجهزوا لي النص". ثم قلت: "في الوقت الذي تناضل الأمة فيه لتحرير فلسطين 


(47) حاكم الإمارات العربية المتحدة (2004-19271). 

(48) نائب رئيس مجلس قيادة الثورة يومئل. 

(49) محمد رضا بهلوي (19729-1941). 

(50) عرفت باتفاقية الجزائر التى وقعت بين العراق وإيران فى 6 آذار/ مارس 1975 بين نائب الرئيس 
العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي؛ بإشراف رئيس الجزائر هواري بومدين. 
والغرض منها وضع حد للصراع المسلح للأكراد بقيادة مصطفى البارزاني الذي كان يتلقى دعمًا ماديا 
وسياسيًا من الشاهء ولكن صدام حسين ألغى هذه الاتفاقية عام 1980. الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب 


الخليج الأولى. 


من النهر إلى البحرء أنا لا أوافق على التنازل عن أي شبر من أرض العرب من 
غضبًاء وأصيبا بالإحباط والمرارة. 


وأذكر أن صدام حسين حين كان نائبًا للرئيس أحمد حسن البكر”*/, 
زارنا في ليبيا في الأسبوع الأول من ثورة الفاتح» أي في يوم 7 أيلول/ سبتمبر 
9. أبلغتنا سلطات مطار طرابلس أن طائرة عراقية على متنها شخصية مهمة 
تطلب الهبوط في المطارء فطلبنا منهم تحديد اسم الشخصية» وجاء الجواب 
أنه صدام حسين. كان صدام حسين "ضيمًا ثقيلًا" في هذه الزيارة لثلاثة أسباب: 
الأول» أنه فرض نفسه علينا ولم يطلب الموافقة على الزيارة؛ ثانيّاء استمرت 
الزيارة وقنّا أطول مما يجبء لأننا كنا مضطرين إلى أن نجد الوقت للاجتماع 
به» وفي الوقت نفسه. كنا في حاجة إلى كل دقيقة؛ ثالنّاه حاول صدام بعقليته 
الطاووسية أن "يحتوينا”" في صراع حزب البعث العربي الاشتراكي مع جمال 
عبد الناصر حول قيادة الأمة. وقيادة الوحدة والثورة» وكنّا نضحك لأنه لا أحد 
يحتوينا؛ لاصدامء ولاغيره. وقد أثبتت الأيام بعد ذلك أن الولايات المتحدة 
والغرب, لم يتمكنا من احتوائنا. 


(0) رئيس جمهورية العراق (17 تموز/ يوليو 1968 - 16 تموز/ يوليو 1979). 


111 


الفصل الثالث 


العلاقة مع مصر 


اللقاء الأول مع جمال عبد الناصر 


كنت أول عضو في قيادة الثورة يقابل الرئيس جمال عبد الناصر. كان 
ذلك بعد نجاح ثورة الفاتح بشهر واحد فقطء أي في تشرين الأول/ أكتوبر 
9. ذهبت إلى مصر فى طريقى إلى السودان للمشاركة فى احتفالاات 
الثورة التي قادها النميري. توجهت للقاء عبد الناصر فور وصولي مطار 
القاهرة» وكنت أعتقد أنه سوف يستقبلنى فى المكتب الرئاسى. توقفت 
السيارة التي تقلّني من المطار أمام منزله. نزلت من السيارة وفوجئت بوجود 
الرئيمس قرب باب السيارة. احتضننىي بقوة» وكنت أرتدي ملابسي العسكرية. 
ولهول المفاجأة. سقطت "طاقيتي" العسكرية وانزلقت عصاي من يدي. كان 
ترحيبه حارًا ومفعمًا بالتقدير والمحبة. على الفور عقدنا اجتماعًا مطولًا لم 
يحضره أحد سوانا. قلت للرئيس عبد الناصر: "يقول لك الأخ معمّر والإخوة 
فى القيادة» ماذا نريد لأجل محاربة اليهود؟". فردّ علىّ بسرعة: "نريد طائرات 
قاذفة مقاتلة". صدمني الردّ؛ لأنني كنت أؤمن بأنَ التوازن مع العدوء هو توازن 
اجتماعي يتمثل في تحرير الإنسان العربي سياسيًا وثقافيًا واجتماعيّاء وبأن 
الصراع هو بين إرادتين» إرادة منتصرة وإرادة مهزومة» وأن تغيير الواقع العربي 
يأتي من انتصار الثورة. ومع ذلك قلت له: "أنا ذاهب لشراء طائرات الميراج من 
فرنسا بعد عودتي من السودانء فأرجو أن تجهز لي طاقمًا فنا متخصّصًا يضع 
مواصفات الطائرة ليتولى الجانب الفني من المفاوضات لعقد الصفقة» وهم 
سيكونون ضمن الوفد الليبى"» فضحك الرئيس عبد الناصر وقال لى حرفيًا 
"أنتم شباب صغار لا تفهمون السياسة. مش ممكن الميراج تكون عندنا وعند 
العدو". لكنني أصررت على موقفي وأكدت له بأنني سأذهب على رأس 
وفد إلى فرنسا لأبحث هذا الأمر. ولما عدت من السودان. وجدت الرئيس 


115 


عبد الناصر قد عيّن فريقًا فنيًا ممتارًا. وبالفعل ذهبت إلى فرنسا في زيارة 
سرية على راس وفد ليبي» بجواز سفر عادي» وباسم مستعار تحت غطاء 
"وفد زراعي". بدأت المباحثات بيني وبين وزير الدفاع ميشيل دوبريه”", 
واكتشف الفرنسيون أن الفريق الفني المرافق لي» والذي وضع المواصفات 
لكل الأجهزة التى يمكن أن تضاف إلى الطائرة» هو فريق مصريء؛ ولذا 
مازحني الفرنسيون قائلين: "جلود. عندكم فليون ممتازون ويملكون خبرة 
كبيرة بطائرات الميراج؟". 

كانوا يريدون أن يقولوا لي: "نحن نعرف أنهم مصريون". كنت أقيم في 
فندق من الدرجة الثالثة» وكان ضباط المخابرات الفرنسية يقومون بالتغطية 
على الوفد بتغيير الفنادق. كانت الحكومة الفرنسية والرئيس جورج بومبيدو 
شجاعينء وكانا يطلبان الحفاظ على سرية المباحثات حتى توقيع الاتفاق 
لخوفهم من الضغوط الإسرائيلية والأميركية» وكان إقدام الرئيس بومبيدو على 
عقد هذه الصفقة يعبّر عن شجاعة غير عادية. 

كان من بين أعضاء الوفد الفني العقيد محمد التهامي والعقيد دله إبراهيم 
من سلاح الجو الليبي» وكان هناك مستشارون قانونيون» من بينهم المستشار 
محمد عزوزء ثم محمد كامل حسن المقهور الذي شغل منصب مستشار 
المحكمة العليا خلال الفترة 1971-1969 ومندوب ليبيا الدائم في الأمم 
المتحدة في عام 1972. فوجئت يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر 1969 بإصرار 
الجانب الفرنسي على التوقيع فورّاء وإلا فسوف ترتفع الأسعار بداية من الأول 
من كانون الثاني/ يناير بنسبة 14 في المئة. عندها ألح عليّ الوفد الليبي على 


(1) ميشيل دوبريه (5 كانون الثانى/ يناير 1912 - 2 آب/ أغسطس 1996): حصل على شهادة 
الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة باريس. وقد كان أول رئيس وزراء للجمهورية الفرنسية الخامسة. 
يُعتبر من واضعي الدستور الحالي لفرنسا. خدم في عهد الرئيس شارل ديغول من عام 1959 إلى عام 
2. وكان قد تولى منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس جورج بومبيدو (1923-1969). 

(2) جورج بومبيدو (5 تموز/ يوليو 1911 - 2 نيسان/ أبريل 1974): سياسي فرنسي شغل منصب 
رئيس فرنسا من عام 1969 حتى وفاته في عام 1974. كان سابقًا رئيس وزراء فرنسا في أطول فترة لهذا 
المنصب (1968-1962). 


التوقيع» لكنني رفضتء وأذكر أن العقيد التهامي غضب وقال لي حرقيًا: 
"ما بك يا رائد عبد السلام أتعتقد أننا نريد شراء دجاج؟”؛ ذلك أنني كنت أعتقد 
أن الأسعار لاتزال مرتفعة. طلبت لقاء وزير الدفاع دوبريه. وبالفعل» حضر 
إلى وزارة الدفاع بعد قطع احتفاله برأس السنة. قلت له: "لا فرق بين طائرات 
الميراج والميغ. يمكننا أن نذهب إلى موسكو لشراء طائرات الميغ» ولكن 
الموضوع سياسي؛ عادة حينما تحصل ثورة تقدمية تتجه إلى موسكوء وحينما 
يحصل انقلاب يميني يتجه إلى واشنطن» ونحن بصفتنا شبابًا عربّاء نمثل شباب 
أمتنا. لقد قرأنا الكثير عن الثورة الفرنسية» ونؤمن بالوحدة العربية كما يؤمن 
شارل ديغول”*؟ بالوحدة الأوروبية. لدينا حساسية خاصة بالنسبة إلى استقلالية 
قرارناء ولدى ديغول الشعور نفسه. نحن نقدر ديغول والديغولية لرفضه الهيمنة 
الأميركية» ولإيمانه باستقلال أوروبا عن أميركاء وهذا هو الذي دفع ثورة الفاتح 
كي تتجه إلى فرنسا. لكل هذاء لا يمكنني التوقيع لأننا لم نتفق على الأسعار 
ولاعلى مدة التسليم ولاعلى مدة الدفع". وافق وزير الدفاع على تأجيل 
التوقيع» ثم قمنا في 10 كانون الثاني/ يناير 1970 بالتوقيع على الاتفاق. كان 
من المفروض أن يسلّمنا الجانب الفرنسي 13 طائرة ابتداءً من السنة الأولى؛ 
لكنني تمكنت من زيادتها إلى 28 طائرة» كما تمكنت من خفض الأسعار بنحو 
22 مليون دولار» وزيدت مدة الدفع من 4 إلى 6 سنوات» وعلى أن يستمر 
الدفع من دون أي زيادة لمدة سنتين إضافيتين بعد نهاية التسليم» وذلك لنضمن 
استمرار تأمين قطع الغيار والمساعدة الفنية والتدريب. كانت قيمة الصفقة تزيد 
على 120 مليون دولار» وهي أكبر صفقة تبرمها فرنساء وتتضمن 110 طائرات 


(3) طائرات ميغ (81106): كان أول جيل من هذه الطائرات شُبِيهًا بتصاميم الطائرات الألمانية النفائة التي 
صممت في أواخر الحرب العالمية الثانية» بدءًا بطائرات "ميغ-15" و"ميغ-17". والطائرة الأسرع من 
الصوت "ميغ-19". صمم المهندسون السوفيات عددًا من الطائرات القادرة على الطيران بسرعة ومن 
كل هذه التصاميم» كانت "ميغ-21" حينئذ أكثرها نجاحًا على الإطلاق. 

(4) جنرال ورجل سياسة فرنسي. في عام 1943 ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني التي أصبحت 
في حزيران/ يونيو 1944 تُسمّى الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية. وهو أول رئيس للجمهورية 
الفرنسية الخامسة (1969-1958). 


117 


"ميراج-5” و"ميراج-3”*. طلبت من وزير الدفاع الفرنسي أن يعطيني رسالة 
تضمن فيها الوزارة أن الأسعار المتفق عليها هي نفسها التي يشتري بها الجيش 
الفرنسي. وبالفعل, أعطاني الرسالة. أقيل مدير المبيعات العسكرية الفرنسي. 
نم قل. 

وفي هذه الأثناء. تمّ تهريب الزوارق الإسرائيلية التي بنتها فرنسا 
لإسرائيل من ميناء طولون. وقبل توقيع الاتفاق بأيام» نشرت مجلة باري ماتش 
(107ها1 ونسهط) صورة لى وأنا أغادر فندق "لوتيسيا" بمنطقة "سان جرمان" فقرّرنا 
الإسراع في توقيع الصفقة قبل أن ينتشر الخبر؛ لأن الحكومة الفرنسية كانت 
تخشى الضغوط الأميركية والإسرائيلية إذا ماتمّ الكشف عنها. وحدث أنني 
ذهبت إلى مصر وقابلت الرئيس عبد الناصر فقلت له: "شن رأيك يا ريس؟” 
فضحك. كان عبد الناصر سعيدًا بالصفقة. لقد كانت بالنسبة إليه حلمّاء فقال لي 
غاضبًا: "أنتو بتذلوني بقا؟ (أي أنتم تريدون إذلالي)". كان عبد الناصر سعيدًا 
في قرارة نفسه ولكن كبريائه جعله يرد علي بهذه الطريقة. 


كان من المفروض أن تحدث الصفقة تحولًا هائلًّا في مجرى الصراع 
العربى - الصهيونىء فقد رفعت معنويات الأمة العربية كلهاء وعبّرت عن قدرة 
ثورة الفاتح على تغيير الموازين والمعطيات. ولأن القتال بين إرادتين» إرادة 
مُصمّمة على النصر وهى الإرادة الصهيونية» والإرادة العربية المهزومة» فإن الصفقة 
لم تحدث الأثر المأمول. لكنها كسرت احتكار العدوٌ الصهيوني للسلاح الغربي. 


في هذا السياق» أذكر أنني كنت في زيارة للقاهرة» وكان لدي موعد 
على العشاء مع محمد حسنين هيكلء» وفي أثناء العشاء فاجأني هيكل بالقول: 


25 "داسو ميراج-5" (©11:88! ؛الاهدوة0): تُعَدَ واحدة من أشهر مقاتلات القرن العشرين» وهي هجومية 
صممتها شركة "داسو أفياسيون" الفرنسية. ساهمت في كثير من النزاعات. أبرزها الحروب العربية - 
الإسرائيلية» حيث كانت تشكل عماد سلاح الجو الإسرائيلي في عام 21967 ثم شكلت أيضًا عماد 
سلاح الجو الليبي في بداية السبعينيات» وجاءت تطويرًا للطائرة الشهيرة "ميراج-3" التي تعد أول طائرة 
أوروبية تفوق سرعتها سرعة الصوت (2,2 ماك) ومعدل تسلق 83 مترًا/ الثانية مع سقف أقصى للتحليق 
0 متر. 


"بصراحة أنا زعلان منكم قوي. لماذا تكتبون كتايًا - وكان يقصد الكتاب 
الأخضر الذي كتبه الأخ معمّر - كان عليكم أن تجمعوا خطب عبد الناصر 
وتضعوها في كتاب". فقلت له: "يا أخ هيكل نحن في ليبيا لاننظر إلى 
عبد الناصر كما تنظرون أنتم إليه في مصر. علاقتنا بعبد الناصر تختلف عن 
علاقتكم به» نحن جيل جديد من الثوريين الذين يرون أنهم جزء من الظاهرة 
الناصرية» ولكنهم يمتلكون طريقا خاصًا لتجديد الفكر القومي". 


زيارة عبد الناصر لليبيا و"مشروع روجرز" 


كانت الجماهير العربية في ليبيا متعطشة ومتلهفة للقاء الرئيس جمال 
عبد الناصر. فى 27 كانون الأول/ ديسمبر 1969» زار عبد الناصر ليبياء فخرجت 
الجماهير الليبية في بنغازي عن بكرة أبيها في كتل بشرية هائلة. كانت تنجه من 
مطار بنينا إلى مقر الإقامة» وكذلك في طرابلس من المطار إلى قصر الضيافة. 
كنت أنا والأخ معمّر وعبد الناصر نستقل سيارة "لاندروفر صالون مكشوفة"» وكان 
الموكب يتوقف باستمرار أمام الكتل البشرية الهاتلة المتدفقة. كان عبد الناصر 
يسألنا: "كم عدد سكان ليبيا؟", فنقول له: "5 ملايين" فكان يقول: "هذا غير 
ممكن. ليبيا 20 مليوئًا. الذين حضروا لاستقبالي في بنغازي أكثر من 5 ملايين» 
والآن أمامي أكثر من 8 ملايين". عقدنا الأخ معمّر وأنا مباحثات. أو الأدق أجرينا 
حواراء مع عبد الناصرء وشرحنا له تصوراتنا عن الثورة الشعبية التي نريد تفجيرهاء 
وتحويل ثورة الفاتح الطليعية إلى "ثورة شعبية". 


في نهاية الحوار قال عبد الناصر: "من الممكن ألا أعمل ثورة شعبية 
مثلكم بالضبط؛ ولكنني كنت أريد أن أضرب الأجهزة وأعود إلى الشعب. لكن 
اليهود والأميركيين سبقونيء ولم يتركوا لي هذه الفرصة - وكان بذلك يشير 
إلى عدوان 1967 - وأن أعيد بناء الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي من 
جديد. وكنت سأعلن شيئًا قريبًا مما تفكرون به". لما خرجنا من الاجتماعء 
كان عبد الناصر يمسك بيدي وبيد الآخ معمّرء وأريد هنا أن أشير إلى أن روح 
عبد الناصر الثورية قد عادت إليهء وبدا صوته مجلجلا كما كان في الخمسينيات 


119 


والستينيات» وتجلى هذا فى خطاباته التى ألقاها خلال زيارته. لقد أعطته ثورة 
الفاتح أملّا جديدًا. خلال الزيارة بدا عبد الناصر سعيدًا إلى أبعد الحدود 
بالزيارة وباستقبال الجماهير الليبية له. وحدث خلال الزيارة أن الصهاينة 
نجحوا في تفكيك الرادارات المصرية في منطقة البحر الأحمر*» وأنهم قاموا 
بنقلها إلى فلسطين المحتلة» وكان المسؤول عن منطقة البحر الأحمر أحمد 
إسماعيل. ولما علم عبد الناصر بالخبر» اتصل هاتفيًا بالقاهرة» وهو في حالة 
ثورة الغضب. وكنت أنا والأخ معمّر إلى جواره؛» وأصدر أمرًا بإعدام أحمد 
إسماعيلء وكان يقول: "أعدموه؛ أعدموه". 


كان الخلاف الوحيد مع عبد الناصر يدور حول "مشروع روجرز”"7. في 
تشرين الثاني/ نوفمبر 1969» قام الأخ معمّر بزيارة القاهرة وبغداد. كانت ليبيا 
والعراق من أشدّ معارضي المشروع. حاول حزب البعث في العراق استغلال 
هذا المشروع. لتصعيد الهجوم على عبد الناصر» ليس من منطلق "معارضة 
المشروع"» بل من منطلق "المزايدة على عبد الناصر"؟؛ لأنه انتزع زعامة القومية 
العربية» وكنا نعي هذا الجانب من معارضة العراق لمشروع روجرز» حين سعى 
لجرّنا إلى المواجهة مع عبد الناصر. 


اتصل الأخ معمّر بالرئيس عبد الناصر وقال له: "يا ريس نحن جيل جديده 
ونحن لانشكٌ مطلقًا بالتزامك القومي بتحرير فلسطين» وأن قبولك لمشروع 
روجرز ليس استراتيجيًاء وإنما هو عمل تكتيكي لإعادة بناء القوة وإنشاء حائط 
الصواريخ. ومع تأكدنا من هذاء إلا أنناء وأرجو أن تتفهم ذلك» لا نستطيع 


(6) حادثة الزعفرانة: قامت إسرائيل فى 9 أيلول/ سبتمبر 1969 بعملية عسكرية خلال حرب 
الاستنزاف» واعتمدت فيها على سرية دبابات تي-55 السوفياتية الصنعء من مخلفات حرب حزيران/ 
يونيو 1967» وذلك في منطقة أبو الدرج على ساحل البحر الأحمر. وقد اتجهت جنوبًا إلى الزعفرانة 
مدمرة كل الأهداف التى اعترضتهاء حيث استثمرت خلو المنطقة تمامًا من أي قوات عسكرية سوى 
بعض نقاط المراقبة» وقد استثمرت هذه العملية دعائيًا لرفع معنويات الجبهة الداخلية. 

(7) مشروع روجرز/ مبادرة روجرز: مبادرة حملت اسم وزير خارجية الولايات المتحدة وليام روجرز 
(19723-1969) في 5 حزيران/ يونيو 1970. كان الهدف منها وقف إطلاق النار مدة 90 يومًا بين مصر 
وإسرائيل. ولكن سرعان ماانهارت هذه المبادرة» حيث أعلنت مصر رفضها تمديد وقف إطلاق النار 
واستمرار حالة اللاسلم واللاحرب في 4 شباط/ فبراير 1971. 


10 


إلا أن نرفض المشروع". كان أكبر تحدّ واجهنا في هذا الوقت» هو كيف نرفض 
مشروع روجرز من دون أن نسيء إلى عبد الناصر. هذه هي المعضلة. وحينما 
اجتمعنا في مجلس قيادة الثورة» قررنا رفض المشروع وإصدار بيان بذلك». وقد 
قمت بصياغة البيان بمنتهى الدقة والقوة» وفى الآن ذاته بحرص شديد على 
عدم الإساءة إلى عبد الناصر» حتى لا يدخلنا ذلك في خلاف أو مواجهة معه. 
قبل إعلان البيان» اتصلنا بعبد الناصر لإبلاغه بصيغة البيان حتى لا يفاجأ به. 


وحينما كان عبد الناصر يقوم بزيارته لليبيا أجرينا معه حوارات مكثفة 
حول جملة من القضاياء وفى أحد هذه الحوارات قال عبد الناصر: "يا معمّرء 
يا عبد السلام. لقد كان الملك فيصل”* ابن حلال» كان أول ما فاجأني» حين 
وقف في مؤتمر الخرطوم” وأعلن عن دعم مصر بعشرين مليون دولار". 
في الواقع» تمنيت ألا أسمع هذا الكلام من عبد الناصر. كنت أعلم أن 
عبد الناصر كان مضطرًا إلى دفع ثمن غالٍء هو سحب القوات المصرية من 
اليمن» والتخلي عن ثورة اليمن. في مؤتمر الخرطوم, رغم "اللاءات الثلاث". 
تم التخلي عن الثورة» وجرى رفع شعار "وحدة الصف" بدلا من "وحدة 
الهدف". وبدأت بعض القوى الراديكالية في الوطن العربي» وعلى رأسها 
"الجناح الماركسي" في حركة القوميين العرب» في معارضة عبد الناصرء 
واتهامه بالتخلي عن الثورة. 


وفاة عبد الناصر ومرحلة السادات 
فى 28 أيلول/ سبتمبر 1970» أذاعت وكالات الأنباء نبأ وفاة عبد الناصر 
المفاجئة. عند سماعنا النبأء سافرنا على الفور أنا والأخ معمّر ومعنا عدد من 
أعضاء القيادة إلى القاهرة. كان وقع الوفاة كالصاعقة علينا. كانت فاجعة كبرى 
(8) الملك الثالث للمملكة العربية السعودية (1975-1964). 
(9) مؤتمر القمة الرابع الخاص بجامعة الدولة العربية: عقد في الخرطوم في 29 آب/ أغسطس 1967 


بعد حرب حزيران/ يونيو 1967. وقد عُرفت القمة باسم "قمة اللاءات الثلاث" لا صلح. ولا اعتراف. 
ولا تفاوض مع العدو الصهيونيء قبل أن يعود الحق إلى أصحابه. 


121 


أو كارثة قومية. لقد أكدت الأحداث بعد ذلك أنها كانت بالفعل فاجعة قومية. 
كنا نعتبر عبد الناصر هو الأب الروحي لحركتناء على الرغم من أننا لم نتصل به 
قبل تفجير الثورة. كنا نعرف همومه بعد هزيمة عام 1967» ولم نكن نرغب في 
إشغاله بهموم أخرى, كما أننا كنا نحرص على أن تكون الثورة بمنزلة مفاجأة 
سارة له. كان عبد الناصر. على المستوى الشخصى والعاطفىء يعنى الكثير لنا؛ 
أما على المستوى القوميء فقد كان لنا بمنزلة مُلهم للثورة والقومية من عدن 
إلى الجزائر» ومن المحيط إلى الخليج. 

بعد انتهاء مراسم الدفن» وقبل أن نركب السيارات» أمسك السادات بيدي 
شعراوي جمعة" وسامي شرف""» وقال لنا: "يا معمّرء يا عبد السلام» خلي 
شعراوي وسامي شرف يضعوا يدهم في يدي. ونكمل على طريق عبد الناصر". 
كان تعيين عبد الناصر للسادات ناتبًا له بمنزلة مفاجأة لنا. كنا نعرف السادات» 
فقد زار ليبيا في طريقه لحضور مؤتمر القمة العربية في المغرب”'''. كانت هزيمة 
حزيران/ يونيو 1967 كصاعقة نزلت على رأسه؛ وقد صدق حسين الشافى 02 
حين قال: "عبد الناصر مات عام 7 استغل السادات» وزوجته ضعف 
عبد الناصر فى هذا الوقتء وقدّما نفسيهما على أنهما يحرصان ويعطفان عليه. 
قيل لى إن عبد الناصر كان يحب الجبنة المعصورة» وإن القائمين على خدمته 
فى الفترة الأخيرة» كانوا كلما أحضروها له يكتشفون أنه فى بيت السادات» 
فكانوا يأخذونها إليه هناك". 1 


بعد وفاة عبد الناصرء كثفنا جهودنا مع مصر وسورية من أجل إقامة وحدة. 
وافق السادات» وكنّا نضغط بقوة من أجل ذلكء ثم اتفقنا على إقامة اتحاد بين 


(10) شعراوي جمعة (1988-1920): ضابط مصري» شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير داخلية 
في عهد جمال عبد الناصر. 

(11) سامى شرف (1929-): أحد مؤسسى المخابرات العامة المصرية وسكرتير الرئيس عبد الناصر 
الشخصى للمعلومات. 

(12) مؤتمر القمة العربية الخامس فى الرباط» المغرب» 23-21 كانون الأول/ ديسمبر 1969. 

(13) حسين الشافعي (2005-1918): عسكري وسياسي مصريء وأحد أعضاء تنظيم الضباط 
الأحرار ونائب رئيس جمهورية مصر العربية (19274-19673). 


12 


الدول الثلاث,. لكننا اكتشفنا أن السادات وافق على ذلك فى عملية تكتيكية ليوطد 
سلطته ويقضي على الناصريين» ثم ليمهد لانقلاب 15 أيار/ مايو 2919271©. 
تشكلت لجنة ثلاثية لإعداد دستور اتحاد الجمهوريات العربية» وكنت 
أرأس الجانب الليبي؛ بينما ترأس الجانبَ المصري حسين الشافعي وترأس 
الجانبت السوري محمود الأيوبى» نائب رئيس الجمهورية. كان الوفد الليبى 
يضم منصور الكيخيا والمحامي كامل المقهور. وفي هذه الاجتماعات» أبدى 
الجانب المصري دهشته من وجود قدرات قانونية ممتازة في ليبيا مغل قدرات 
كامل المقهور. بعد انقلاب السادات عام 1971» أرسل إلينا وفدًا برئاسة محمد 
عبد السلام الزيات*'2 وأشرف مروانء وكان الزيات نائبًا لرئيس الوزراء ونائبًا 
لرئيس الاتحاد الاشتراكى؛ ففوجمنا بأن السادات يتصل بنا ويقول: "ركزوا فى 
الإعلام على أشرف مروان". شعر السادات بأن الناصريين يتآمرون عليه؛ وأعتقدٌ 
أن أشرف مروان"'» مع بعض المسؤولين» هو من أخبر السادات بوجود هذه 
المؤامرة. وعلى الرغم من أن الناصريين كانوا يسيطرون على أهم مرافق الدولة 
مثل الداخلية والدفاع والمخابرات والاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعيء فإنه 
تمكن من تنفيذ انقلابه من دون أن يكلفه ذلك سوى قطع الهواتف عنهم. خلال 


(14) انقلاب أيار/ مايو 1971: وقد اصطلح على تسميته "ثورة التصحيح". حيث قام محمد أنور 
الساداتء بعد تسلمه السلطة في مصرء بإزاحة مراكز قوى الشخصيات الناصرية في النظام السياسي ذات 
التأثير والنفوذ. بدعوى تخطيطهم لانقلاب عليه. من أبرز الشخصيات التي وقع إبعادها: نائب رئيس 
الجمهورية على صبريء ووزير الدفاع محمد فوزيء ورئيس المخابرات العامة أحمد كامل» ووزير 
الداخلية شعراوي جمعة. ووزير الإعلام محمد فائق» ورئيس البرلمان محمد لبيب شقير» وسكرتير 
رئيس الجمهورية سامي شرف. 

(15) محمد عبد السلام الزيات: عَميّن أميئًا أول للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي. ثم عين بعد ذلك 
نائبًا أول لرئيس الوزراء إبان الانقلاب الذي قام به محمد أنور السادات في 15 أيار/ مايو 21971 ثم 
انقلب عليه السادات فأطاحه من الوزارة» وهوجم بشدة إبان ترشحه لمجلس الشعب في انتخابات 
9 لكونه كان رئيسًا لجمعية الصداقة المصرية - السوفياتية» مما ألصق به تهمة الماركسية. 

(16) أشرف مروان (2007-1944): سياسي ورجل أعمال مصريء وزوج منى ابنة الرئيس جمال 
عبد الناصر. عمل بالمعامل المركزية للقوات المسلحة, ثم مساعدًا لجمال عبد الناصر. في عام 1970» 
أصبح المستشار السياسي والأمني للرئيس الراحل أنور السادات» وذلك بعد وفاة عبد الناصر. ترأس 
الهيئة العربية للتصنيع (1979-1974).: وتوجه إلى بريطانيا بعد تقاعده كرجل أعمالء وتوفي فيها في 
7 حزيران/ يونيو 2007. 


123 


هذه الزيارة» طلب الوفد المصري مساعدة ب 60 مليون دولار» نظرًا إلى حاجة 
مصر إلى شراء القمح» وقمنا بتحويل المبلغ على الفور. 

فى أحد اجتماعات مجلس "اتحاد الجمهوريات العربية"277 فى نيسان/ 
أبريل بالقاهرة» وبحضور السادات وحافظ الأسد والأخ معمّر القذافي وأنا 
ووزراء الدفاع ورئيسّي الأركان في كل من مصر وسورية» وكانت الجلسة 
مخصّصة لمناقشة قضية تحرير أراضي عام 1967» فوجتت أنا والأخ معمّر بأن 
مصر قدّمت خطة عسكرية كلاسيكية. كانت الخطة تقوم على فكرة قيام القوات 
المصرية بالعبور والهجوم على القوات الصهيونية في سيناء» بينما تهجم القوات 
السورية في الوقت نفسه على القوات الصهيونية في جبهة الجولان» وهي خطة 
تقليدية؛ تعبّر عن جمود العقل العسكري وتكلّسه؛ فهي تتجاهل الجبهة البحرية» 
مع أنها "جبهة مميتة وقاتلة"؛ كما أنَّ الخطة تستبعد القيام بضربات جوية للكيان 
الصهيوني؛ فاعترضنا على ذلك. قال الأخ معمّر: "إذا طبقتم هذه الخطة فستقود 
إلى هزيمة جديدة. شوف شن تسمّوا هزيمة 67؟ نكسة؟ بعدها ستكون نكبة". 
وقدّمنا خطة بديلة مكتوبة. تقوم الخطة على تثبيت العدو في جبهة سيناء» وشد 
أكبر قوة له في هذه الجبهة» وإيهامه وخداعه بأن الهجوم الرئيس سيكون من 
جبهة سيناء» في حين يكون الهجوم الرئيس من الجبهة الشرقية» ولذا يجب نقل 
أكبر قوة برية وجوية إلى الجبهة الشرقية» كما يجب ألا يتم الهجوم مباشرة على 
صخرة الجولان» وإنما يتم جنوب الجولان عبر الأراضي الأردنية المتاخمة 
للحدود السورية والاندفاع بسرعة للوصول إلى أراضي 48» واستخدام القوات 
الخاصة والفدائيين خلف العدو وفي العمق عن طريق الإبرارات» وشن غارات 
جويه مكثفة فى عمق العدو ومدنه ومطاراته وأهدافه الاستراتيجية» ومهاجمة 
الشواطئ بالضفادع البشرية والفدائيين والقوات الخاصة. 

لما قدمنا الخطةء قلنا للسادات وحافظ الأسد: "إذا كنتم جادين في 
(17) هو بيان واتفاق وحدة بين ثلاث دول عربية هي سورية ومصر وليبيا في عهد الرؤساء حافظ الأسد 
ومحمد أنور السادات ومعمّر القذافي. وتم إجراء ثلاثة استفتاءات متزامنة بشأن اتحاد الجمهوريات 


العربية يوم 1 أيلول/ سبتمبر 1971 في مصر وليبيا وسورية. كان له دور إيجابي في إعلان حرب 
تشرين الأول/ أكتوبر 1973. لكن عقده انفرط بعد اتفاقية سيناء (أيلول/ سبتمير 1975). 


124 


تحرير أراضي 67 فهذه هي الخطة". فقال السادات: "جرى إيه يا أخ معمّر 
ويا عبد السلام. هذه الخطة أعدتها مجموعة من قادة الأركان. في أكاديمية 
ناصر. إزاي (كيف) تشككوا فيها؟ نعرف أنكم خبراء في الثورة» أما في العلوم 
العسكرية فلا"» فرددت عليه وقلت: "التخطيط الاستراتيجي هو وعي وقدرة 
وتحليل وبعد نظر وفهم للمشكلة. مَن يخطط للثورة يمكنه أن يخطط للسياسة 
وللاقتصاد والأمور العسكرية. أما تعبئة دبابة وطائرة وصاروخ ومدفعء فهذا عمل 
تخصصي فني". لكن خطتنا رُفضت وأصروا على خطتهم. فقلنا لهم: "هذه الخطة 
ستقود إلى هزيمة ونكبة وكارثة. ومع ذلك فكل إمكانيات ليبيا تحت تصرفكم. 
وكل ماهو مطلوب مثا نحن جاهزون, ولكننا لن نتقاسم المسؤولية السياسية 
والقومية» لا في النصر ولا في الهزيمة". 


بعد عودتنا من الاجتماع في القاهرة» ذهبت إلى الجزائر واجتمعت بالرئيس 
بومدين وقلت له: "السادات يريد أن يقوم بحرب تحريك ستقود بالتأكيد إلى 
هزيمة» وستعبر القوات الصهيونية قناة السويس وتهدد القاهرة وستشكل حكومة 
'فيشي”*'2 في مصره ومن ثم سيفرضون الاستسلام على مصر والأمة العربية؛ ولذا 
نحن نرى أنه إذا ما حدث هذاء فيجب أن تقوم وحدة فورية بين ليبيا والجزائر 
ونعلن رفضنا للاستسلام. يجب أن تشكل ليبيا والجزائر الجبهة الغربية» 
ونعلن استمرار الحرب. هذا قد يحرض سورية والعراق على تشكيل الجبهة 
الشرقية". فوافق بومدين» واتفقت معه على أن نعقد اجتماعًا في حاسي 
مسعود لتوقيع ميثاق الوحدة. وبالفعل» عقد الاجتماع وحضره من الجانب 
الليبي الأخ معمّر وأناء ومن الجزائر الرئيس بومدين وعبد العزيز بوتفليقة”' 


(18) حكومة فيشى: فى إشارة إلى الحكومة الفرنسية التى خلفت الجمهورية الثالثة وأعلن قيامها المارشال 
فيليب بيتان عقب سقوط فرنسا بيد ألمانيا النارية» وقد استمرت من تموز/ يوليو 1940 إلى أن سقطت فى 
أيلول/ سبتمبر 1944 بعد تحرير باريس؛ وأعلنت حكومة ديغول إلغاء جميع قوانينها وتشريعاتها. 0 
(19) بعد الاستقلال في عام 1962» تقلد العضوية في أول مجلس تأسيسي وطني, ثم تولى وزارة 
الشباب والرياضة والسياحة وهو في سن الخامسة والعشرين. وفي عام 1963» عين وزيرًا للخارجية. في 
عام 1964. انتخبه مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني عضوًا في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي. 
أصبح رئيسًا للجمهورية (2019-1999). 


125 


ووقعنا ماعرف ب"ميثاق حاسي مسعود” الذي ينص على الآتي: "في حال 
هزيمة مصر وفرض الاستسلام عليهاء تقوم وحدة فورية بين ليبيا والجزائر 
ونعلن تشكيل الجبهة الغربية ورفض الاستسلام واستمرار الحرب". 

بعد أشهرء وقبيل الحربء. زارنا السادات فى ليبيا وكنت أرأس مؤسسة 
الصناعات الحربية بين مصر وليبيا والكويتء وقال لي: "يا عبد السلام» أريدك أن 
تذهب إلى صديقك جيسكار ديستان» رئيس الجمهورية الفرنسية» عندي صواريخ 
القاهر والظافر ينقصها نظام التوجيه» وهي مهمة في الحرب. اطلب من ديستان 
أن يوافق على تزويدنا بنظام التوجيه لهذه الصواريخ". وبالفعل سافرت إلى فرنسا 
واجتمعت بجيسكار ديستان وحصلت على موافقته» وأن تقوم شركة "مترا" بتزويد 
هذه الصواريخ بأجهزة التوجيه لمصر على أن تدفع ليبيا التكاليف. وحينما عدت 
من فرنسا ذهبت إلى مصرء وعقدت اجتماعًا لمؤسسة الصناعات الحربية» حضره 
أحمد إسماعيل وزير الدفاع» ووزير الإنتاج الحربي» وأشرف مروان. وعدد من 
الخبراء والمهندسين. فأبلغتهم بموافقة فرنساء فصعقت حينما قال وزير الإنتاج 
الحربي: "دي يا فندم مواسير"» فغضبت غضبًا شديدًاء وقلت لأحمد إسماعيل9©: 
"هل لديك قضية؟ هل أخذت مسألة الحرب على محمل الجد؟ أنت لا تملك 
قضية ولاتشعر بوزر المسؤولية"؛ فانزعج أحمد إسماعيل وقال: "أنا عندي 
0 ماسورة لا يمكن أن ألمٌ بها جميعًا"» فقلت له: "1800 ماسورة تعني من 
الهاون 0 ملم حتى المدفعية الثقيلة. هذه صواريخ استراتيجية حتى في الجيش 
الأميركى هى تحت سيطرة القيادة". فردّ علىّ: "أنا شاركت فى ثلاث حروب. وأنت 
ملازم. كيف تعلمني العسكرية؟". فعدت للردّ عليه وقلت: "لهذا نحن خسرنا هذه 
الحروب بوجود جنرالات مهزومين مثلك". وأضفت: "حينما كان عبد الناصر فى 
ليبياء قام الصهاينة بتفكيك الرادارات من البحر الأحمر وكنت أنت مسؤول هذه 
المنطقة وعبد الناصر اتصل بالهاتف وطلب إعدامك". ثم قلت: "أنت لا تساوي 
حذائي هذا". ماإن سمع كلامي حتى سقط من على كرسيه مغمى عليه لأنه كان 
(20) أحمد إسماعيل (1974-1917): قائد عسكريء وزير الحربية المصري خلال حرب تشرين الأول/ 
أكتوبر 1973» وكان قد تولى قبلها رئاسة المخابرات العامة المصرية ورئاسة أركان القوات المسلحة. أنهى 


الرئيس عبد الناصر خدمته بعد حادئة الزعفرانة» ولكنه عاد إلى عمله فى عهد الرئيس أنور السادات. 


126 


يعاني مرض الضغط والقلب؛ فأحضروا له أقراص الدواء وانفض الاجتماع. قال لي 
أشرف مروان: "هيا نذهب لمقابلة السادات فى القناطر الخيرية» لأن عقلية السادات 
غريبة» من يصل إليه أولًا يؤثر فيه. يجب أن تسبق أحمد إسماعيل". وبالفعل» ذهبنا 
بأقصى سرعة ووجدنا السادات يتناول طعام الغداءء وهو الأرز باللبن الزبادي» 
فقال لي: "يا عبد السلام» تعال كل معايا هذا كويس للرّكب وأنت تحتاج له". قال 
ذلك وهو يضحك. فأخبرته بما جرى. وطلبت منه أن يُقيل أحمد إسماعيل من 
وزارة الحربية. في هذه الأثناء وصل أحمد إسماعيل؛ وكان يبكي وقال للسادات: 
"يرضيك يا ريس الرائد عبد السلام يقول لي أنت لا تساوي جزمتي؟". 


فال لي السادات: "يا لهوتي» ماذا عملت» المصري يمكن أن تضربه أهون 
عليه من أن تقول له أنت لا تساوي جزمتي". حاول السادات تهدئتي» وقال لى: 
"يا عبد السلام» أنا أتجه نحو الحرب. الوقت ليس ملائمًا لإقالته؛ فهذا سوف 
يؤثر في كل شيء. سيؤثر في معنويات القوات المسلحة. لكنني أعدك أنني 
سوف آقيله بعد الحرب". فقلت للسادات: "إذا لم تقله الآن لن أدخل مصر بعد 
اليوم". فقال لي محاولَا دغدغة عواطفي: "أنا أرشحك منذ الآن لتكون رئيس 
وزراء دولة الوحدة بين مصر وليبيا"» ثم التفت إلى أشرف مروان وطلب منه أن 
يَعدَ رسالة بهذا المعنى ووقعها أمامي ثم أرسلها إلى القيادة الليبية. 


حرب "أكتوبر الكارثية" 


في عام 1972». طلب منّا السادات أن تبرم ليبيا صفقة صواريخ متحركة 
"كروتال"”*) مع فرنساء لترافق القوات في أثناء تقدمها في سيناء؛ ذلك أن الاتحاد 
السوفياتي لم يكن يملك صواريخ مماثلة لهاء فذهبت إلى فرنسا وأبرمت الصفقة. 
قامت ليبيا بدورٍ رائد في دعم الجبهة المصرية؛ فزوّدناها بطائرات "ميراج"؛ كما 


(21) “كروتال" (8018 6اهامء©): صاروخ أرض-جو قصير المدى مضاد للطائرات في جميع الأحوال 
الجوية» يمكن استخدامه لاعتراض صواريخ وطائرات وصواريخ مضادة للسفن منخفضة الطيران. وتم 
تطوير نظام "كروتال" (5440) بواسطة شركة "طومسون" (51ن0-لموضمط1)» و"روكويل" الدولية 
(ااعسماءهظ)» و"مستيرال" (10150:81) فى فرنسا. 


127 


اشترينا من أوروبا الجسور التى عبرت عليها القوات المصرية "قناة السويس". 
واشترينا أيضًا القوارب التي استخدمتها القوات المصرية للعبوره فضلًا عن 
أجهزة الرؤية الليلية (بالليزر والأشعة الحمراء وفوق البنفسجية)» كما شاركنا بلواء 
لمدفعية متحركة بقيادة المقدم خليفة حفتر» وهي أول من عبر القناة. ولأن مصر 
لم تكن تمتلك "مدفعية ذاتية الحركة"» وهذه مدفعية حديثة عيار 155 مليمترًاء 
فقد اشتريناها من إيطاليا وساهمنا بها في الحرب. 


وقبيل حرب 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973» بأيام (25 أيلول/ سبتمبر 
3>» كنت في مصر أقيم في فندق "الشيراتون". جاءني أشرف مروان 
وقال لى: "السادات عاوزك بسرعة". فذهبت إلى منزل السادات بالقرب من 
الفندق» وجدته في الشرفة يرتدي الجلباب المصري التقليدي والغليون في 
فمه. وكان يضع ساقيه فوق الطاولة. إنه الخديوي في تصرفاته وعقليته. قال لي: 
"يا عبد السلام» أنتم مش ح تصدقونيء وأنا مش ح أقول لك عن موعد الحرب؛ 
إنما لن يزيد عن أصابع اليدين» وأنا بعد الحرب ح أنصفكم أمام الأمة العربية على 
الدور والجهد الذي قمتم به من أجل المعركة" ثم أضاف: "أنا عاوز منكم 4 أشياء: 
أولاء أن تزودوني بسرب ميراج آخر؛ ثانيّ أن تزودوني بالنفط والغاز طوال أيام 
الحرب؛ ثالنًا أن تشكل ليبا قاعدة خلفية لى» وأن أنقل كل السفن وطائرات النقل 
إلى ليبيا؛ وأخيرّاء أن تزودوني برعيل صواريخ 'الكروتال» لأنني أريد أن أضعه في 
الإسماعيلية". فقلت له: "أنا موافق على الطلبات الثلاثة الأولى» أما الطلب الأخير 
بخصوص الكروتال'» فهو ثلاث عربات قتال وعربة قيادة» ومعنى هذا أن فرنسا 
ستلغي الصفقة» أي ستلغي 200 قطعة كروتال. وسوف نخسر الصفقة. وأنتم قلتم 
إنكم تريدون 'الكروتال' كدفاع جوي متحرك عند التقدم في سيناء". كان السادات 
يعرف أنه يقوم ب "حرب تحريك" بالاتفاق مع هنري كيسنجرء ويعرف أنه لن يكون 
هناك تقدم في سيناء. لما عدت إلى ليبياء أبلغت الأخ معمّر بالأمر. فقال لي: "هذا 
صحيح. ولكن حينما يهزم سيقول إن سبب الهزيمة أننا لم نزوده بهذه العربات". 

اتفقنا على أن نرسل إليه رسالة نقول فيها: "إن هذا الأمر سيقود فرنسا 
إلى إلغاء الصفقة» وإن ثلاث عربات 'الكروتال' وعربة القيادة لن تغير شيئًا 


128 


من نتيجة المعركة". بعد ذلكء. اتصل الأخ معمّر بالرئيس بومدين هاتفيًا وقال 
له: "السادات قرّر الحرب الكارثية» وطلب ما أن نبلغك بقرار الحرب". فى 
الواقع؛ إِنّ السادات لم يطلب منّا الاتصال بالرئيس بومدين» ولكن بومدين كان 
يقول دومًا: "لا يمكن للجزائر أن تشترك في حرب لا علم لها بهاء ولم تستشر 
بشأنها". ولذاء ارتأينا أن تُعلم بومدين بقرار السادات؛ حتى لا يتخذ موققًا سلبيًا 
من الحربء ولأننا حرصنا على أن يقوم بومدين بتنفيذ "اتفاق حاسي مسعود". 
كنا نعرف مسبقًا نتيجة الحرب. وبالفعل؛ فبعد مضي أقل من عشرة أيام من 
اجتماعي بالسادات» سمعنا عبر الأخبار ببداية الحرب. قرّرنا أن يوجد باستمرار 
أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مصرء ليتابع عن قرب مجريات الحرب» 
فذهب أولّا بشير هواري» ثم ذهب عمر المحيشي. وفي أواخر أيام الحرب» 
سمعنا من إذاعة القاهرة بيانًا للقوات المسلحة المصرية يقول: "إن قواتنا 
تخوض قتالًا ضاريًا غرب القناة"» فعرفنا على الفور أن الكارثة قد حلتء وأن 
القوات الصهيونية عبرت القناة. 


سافرت إلى القاهرة على عجل بواسطة طائرة عسكرية "لوكهيد سي 
2*0 وهي طائرة يمكنها أن تهبط في أيّ ممرٌ ممهّد حينما تكون المطارات 
مغلقة. لمّا وصلت إلى القاهرة» أقمت في قصر الطاهرة**» فوجدت السادات 
وقد أغلق الغرفة على نفسه ومنع أي اتصالٍ به؛ ولذا لم أتمكن من لقائه رغم كل 
المحاولات. اتصلت بأشرف مروان وكان سكرتير مكتب المعلومات» فسألنى 
إن كنت أرغب في اللقاء بحسين الشافعيء أو عبد القادر حاتم. كان حاتم نائًا 
لرئيس الوزراء* - أي ناتبًا للسادات الذي شغل هذا المنصب - بعد الإفطار» 


() "لوكهيد سى-130 هي ركوليز" (وعانءمعا! 130-© لء6طاءاءه.ا): طائرات أميركية مهمتها الرئيسة نقل 
(23) قصر الطاهرة: هو القصر الذي عرف اللقاءات والتحضيرات السرية الخاصة بحرب تشرين الأول/ 
أكتوبر» وتم استخدام أقسام منه كغرف عمليات لمتابعة مسارات المعارك. تجدر الإشارة إلى أن القصر 
تاريخي, شيده في بدايات القرن العشرين المعماري الإيطالى أنطونيو لاشياك فى عهد الخديوي إسماعيل. 

(24) شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة محمد أنور السادات الآولى (27 آذار/ مارس 
3 - 25 نيسان/ أبريل 1974). 


129 


وكان هذا شهر رمضانء. ذهبت للقاء حاتم في مبنى التلفزيون فقلت له: "ماذا 
يجري يا حاتم؟". فقال لي: "والله ماني عارف حاجة. بيقولي إنه شوية دبابات 
عملت - برجزة*© - وقضينا عليها والله أعلم". لم أصدّق الأمر وضحكت» 
ولمّا عدت إلى قصر الطاهرة» وبعد السحورء دخل علىٌ محمد حسنى مبارك 
وهو يلهث وبدا عليه التعب والإرهاق» وبصحيته أشرف مروان فقلت له: "ماذا 
يجري في الجبهة؟". فقال لي: "9 دبابات عملت شوية برجزة واديناهم علقة 
وقضينا عليها". وبالطبع لم أصدق ذلك أيضًا. في الصباح» وحوالى الساعة 
العاشرة أو الحادية عشرة» اتصلت بأشرف مروان وقلت له: "أريد أن أذهب إلى 
غرفة العمليات"» فقال لي: "توجد سيارة لوري روسية ستأتي لإحضار خرائط 
عن الموقف. والسادات لا يعيرها أي اهتمام ولا يطلع عليهاء إذا كنت ترغب 
في الذهاب إلى غرفة العمليات يمكن لك أن تستقل هذه اللوري"» فقلت: "نعم 
دع السائق يأتي عندي أريد أن أذهب بأيّ طريقة". وبالفعل» ذهبت إلى هناك. 
صعدت في الصندوق الخلفي للسيارة الروسية» وحينما وصلنا إلى 
البوابة الرئيسة» أوقف الحرس سيارة اللوري» فصاح الجنود الذين كانوا 
داخل السيارة: "الرائد عبد السلام جلود. الرائد عبد السلام جلود. افتحوا 
الباب"؛ فذهل الحرسء. وبصعوبة كانوا يصدقون أن الرائد جلود يركب سيارة 
لوري مع الجنود وفي الصندوق الخلفي. فتحوا لنا الباب. ولمّا وصلت إلى 
غرفة العمليات» استقبلني أحمد إسماعيل بالأحضان: "أنت ابن حلال"» وكان 
يشير إلى أنني لم أقابله منذ الصدام بيننا بسبب صواريخ الأنابيب. لقد نسيت 
في تلك اللحظات كل ما حدث بيني وبين إسماعيل. ثم أطلعني على الموقف 
الخطير هو والفريق سعد الدين الشاذلى © وبقية قادة الأركان. كان الموقف 
كالآتي: "9 ألوية دبابات ولواءان من المظليين ولواء صاعقة من الصهاينة 


(25) برجزة: أي فوضىء جلبة» ضجيج. 

(26) سعد الدين محمد الحسينى الشاذلى (2011-1922): قائد عسكري مصريء». شغل منصب 
رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية (16 أيار/ مايو 19271 - 13 كانون الأول/ ديسمبر 
23. مؤسس وقائد أول لفرقة سلاح مظلات في مصرء والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية 
للشؤون العسكرية» وسفير سابق لدى إنكلترا والبرتغال» ومحلل عسكري. 


130 


عبرت القناة» وحاصرت الجيش الثالث المصري وقطعت عليه خطوط 
الإمداد. كان المصريون خائفين من اندفاع هذه القوات شمالّاء بحيث تتمكن 
من محاصرة الجيش الثانى. لقد دمّرت القوات الخاصة الصهيونية منصات 
صواريخ 'سام"7©. كان هناك خلاف شديد بين أحمد إسماعيل والفريق 
الشاذلى؛ فالشاذلى كان ضد توقف القوات المصرية عند ضفة القناق» وكان 
يرغب فى الوصول إلى المضائق. ولما عبرت القوات الصهيونية القناة» كان 
الشاذلي يريد من الجيش الثالث المصري أن يهاجم القوات الصهيونية التي 
عبرت القناة» لكن أحمد إسماعيل رفض هذا الرأي. سألت عن قوة الجيش 
الثالث والجيش الثاني فقالوا لى: "120 ألف جندي". وسألت عن قوات 
الاحتياط فقالوا لي: "يوجد في الخلف فرقتا دبابات". 


توقفت القوات المصرية عند ضفة القناة» بحسب اتفاق السادات مع 
كيسنجرء وكان يريد من ذلك إعطاء نصر معنوي للجيش المصري. وهكذا ركز 
الصهاينة هجومهم على سورية؛ فكان حافظ الأسد يصرخ ويطالب السادات 
باستئناف الهجوم لتخفيف الضغط على الجبهة السورية. لقد كانت سورية 
تريد أن تكون حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 كحرب تحرير؛ بينما أرادها 
السادات حرب تحريك. قالوا لي: "تحت إلحاح حافظ الأسد. أمر السادات 
بأن تقوم إحدى فرقتّي الدبابات بتطوير الهجوم". وأعتقد أن السادات أقدم 
على ذلك بعد أن تأكد أن قدرات سورية قد دُمرتء وأنه يريد تدمير بقية القوة 
المصرية حتى يقول للجيش المصري وللشعب المصري: "ليس أمامي أي 
خيار. هذا ما كتبه الله علىّ". ولأن العدو فاجأ العرب بأن فرقة الدبابات "باتت 
مؤلفة من أربعة ألوية" خلافًا للوضع في حرب حزيران/ يونيو 1967.» بينما 
ظلت الفرقة المصرية مؤلفة من ثلاثة ألوية؛ لذا حينما هاجمت الفرقة المصرية. 
فوجئت بأن الفرقة الصهيونية مؤلفة من 4 ألوية» فدمرت الفرقة المصرية. طلبت 
القيادة العسكرية المصرية ضم بقية الفرقة إلى جناحي الجيشين الثاني والثالث. 


(27) صواريخ "سام-6": طور الاتحاد السوفياتي هذا النوع من الصواريخ الدفاعية أرض-جو عام 
9 واستخدمه الجيشان المصري والسوري في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973. 


131 


وفي هذا الوقتء عبر أريئيل شارون*© قناة السويس على رأس كتيبة دبايات» 
واستغل ما يُعرف ب"ثغرة الدفرسوار"*©» وكان من المفروض أن يصل شارون 
على رأس الكتيبة إلى الضفة الغربية خلال 8 ساعاتء لكنه وصل إليها بعد 
8 ساعة بسبب الرياح العاتية. بيد أن هذا لم يغيّر شيئًا لأن القيادة العسكرية 
المصرية فقدت المبادأة. 


وحين تمكن أول لواء صهيوني من عبور القناة والتمركز غربهاء شنت 
الفرقة المصرية الثانية دبابات هجومًا على القوات التي نجحت في العبورء 
لكنها دمرت. فقلت لهم: "كنتم تقولون لنا إن عدد الجيش المصري مليون 
ونصف مليون جنديء أين بقية الجيش؟". فقالوا لى: "توجد فرقة مشاة - فى 
هاكستِب*22 - من دون آليات» وكذلك الحرس الجمهوري". فقلت بغضب: 
"طبعًا إذا كان لكل ضابط 7 أو 8 جنود لخدمته. فإن معظم الجيش يصبح 
إداريين". 

بعد عودتي إلى قصر الطاهرة» اتصلت بالأخ معمّرء وقلت له: "ما توقعناه 
حصلء والموقف أخطر من خطير". فأسرعت في اليوم نفسه عائدًا إلى ليبياء 
ومن المطار ذهبت إلى بيت عوض حمزة عضو مجلس قيادة الثورة» حيث 
كان الأخ معمّر وأعضاء القيادة في انتظاري. أبلغت الإخوة بالموقف. فاتصل 
الأخ معمّر بالرئيس بومدين وقال له: "ما توقعناه حصل. القوات الصهيونية 
عبرت القناة» وهى تحاصر القوات المصرية وتهدد القاهرة» علينا أن ننفذ ميثاق 
حاسي مسعود ونعلن المقاومة ورفض الاستسلام". ثم طلبنا منه أن يرسل 


(28) شارك شارون في حرب عام 1967 قائدًا لفرقة مدرّعة. وفي عام 1969 عيّن قائدًا للمنطقة 
الجنوبية. اعتزل شارون صفوف الجيش الإسرائيلي في عام 1973» ولكن تم استدعاؤه مجددًا لأداء 
الخدمة في حرب عام 1973؛ إذ كان قائدًا لفرقة مدرّعة. وكان يقود عملية اجتياز قناة السويس التي أدت 
إلى تغيير في مسار الحرب. ' 

(29) "ثغرة الدفرسوار": مصطلح أطلق على حادثة أدت إلى تعقيد مسار الأحداث في حرب 
تشرين الأول/ أكتوبر» كانت في نهاية الحرب» حينما تمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق الجيش الثالث 
الميداني» وتمتد هذه الثغرة من الضفة الشرقية إلى قناة السويسء بين الجيشين الثاني والثالث الميداني. 
(230 منطقة قرب القاهرة. 


قوات جزائرية على وجه السرعة. ثم اتصل الأخ معمّر بالرئيس اليوغسلافي 
جوزيف تيتو وأعلمه بالموقف. وطلبنا منه أن يبيعوا لنا أي كمية من احتياطي 
دبابات الجيش اليوغسلافي أو من مخزونه. واستطعنا بسرعة فائقة تجهيز ألف 
دبابة. ثم قررت أنا والأخ معمّر أن نذهب إلى مصر لقيادة المقاومة» وأعددنا 
لهذا الغرض شيفرة خاصة للاتصال بليبيا. أرسلنا إلى مصر على عجل نحو 
0 ألف صاروخ حديث مضاد للدبابات» وقرّرنا تعبئة قواتنا على أمل أن يخلق 
ذلك موققًا عربيًا. وبالفعل سافرت أنا والأخ معمّر إلى مصرء وتوجهنا من مطار 
القاهرة إلى قصر العروبة'2 واجتمعنا بالسادات. كنا نجلس فى الشرفة» وكان 
السادات يراقب الجسر الجوي الروسي الذي يحمل الأسلحة؛ يهبط ويطير من 
مطار القاهرة» فقال السادات: "يا معمّره يا عبد السلام بكم تريدون أن تساهموا 
فى تعمير مدن القناة؟". فنظرنا بذهول إليه وقلنا له: "القوات الصهيونية غرب 
القناة وهي تحاصر القوات المصرية وتهدد القاهرة؟", فقال: "لاء هذا لايهم. 
قولوا لي بكم تريدون أن تساهموا؟"؛ ثم قال: "روح يا معمّر ويا عبد السلام 
قولوا عني ماتقولون, أنني انهزامي» استسلامي. توبة. بطلت أحارب اليهود. 
دول اليهود مايتحاربوش". ثم اتصل بمحمد الزيات وزير الخارجية - في 
الأمم المتحدة - وقال له: "جاتك نيلة» أنت مستقيل» ليه مارحت لكورت 
فالدهايم*'' يرسل لي شوية جنود من قبرص يجو يحوشوا عني اليهود؟". ثم 
أغلق الباتف في وجهه. في هذه اللحظات ترسخت قناعتنا أن الحرب هى 
بالفعل حرب تحريك متفق عليها بين السادات والصهاينة والأميركيين؛ 78 
عدنا إلى طرابلس. لاا شك في أن عبور المقاتل العربي المصري أكبر مانع مائي» 
ولخط بارليف. يدلان على شجاعته. وهذا ما ليس في حاجة إلى إثبات» فالشعب 


)210 قصر العروية/ الاتحادية : قصر تاريخي شيده في كانون الأول/ ديسمبر 1910 المعماري البلجيكي 
إرنست غاسبار (085803:0 .8). يحمل أسم قصر الاتحادية لأنه أصبح مقرًا دائمًا لاتحاد الجمهوريات 
العربية (سورية. ليبياء مصر) في كانون الثاني/ يناير 1972» كما استّخدم كبناء حكومي في ستينيات القرن 
الماضي. 

(32) كورت فالدهايم (2007-1918): دبلوماسي وسياسي نمساوي» شغل منصب الأمين العام 
للأمم المتحدة (1981-1972)» ورئيس النمسا (1992-1986). عمل في الجيش الألماني (1942- 
5) خلال الحرب العالمية الثانية وترقى إلى رتبة ملازم. 


1133 


المصري شعب حضاري شجاعء؛ وهو شعب مقاوم على امتداد التاريخ» يقاوم 
المحتل ويقاوم الطغاة» كما هي الحال مع أحداث مثل حريق القاهرة» في 26 
كانون الثاني/ يناير 1952» أو العمليات الفدائية ضد الإنكليز» والتاريخ المصري 
والعربي - الإسلامي حافل ببطولات هذا الشعب العظيم. 

أصدر الأخ معمّر أمرًا للمقدم خليفة حفتر بأن لايلتزم بقرار وقف إطلاق 
النار» فاتصل السادات بنا وقال بانزعاج: "إيه ده قواتكم غير منضبطة. وخليفة 
حفتر سياسي» وبيوديني في داهية. أرجوكم اسحبوهم فورًا". لقد تراجعت 
الحقيقة لصالح التزييف. كانت حرب تشرين الأول/ أكتوبر بكل المقاييس هزيمة 
عسكرية وسياسية أخطر من نكسة 1967.» ومع تقديرنا الكبير للعبور العظيم 
والتاريخي للجندي المصريء فإن الحرب كانت هزيمة. كانت النتيجة النهائية 
للمعركة هى عبور القوات الصهيونية لقناة السويس وحصار القوات المصرية 
وقطع خطوط إمدادها وتهديد القاهرة وتدمير شبكة الصواريخ على الضفة الغربية 
من القناة» وتحقيق السيطرة الجوية» ثم فرض الاستسلام والاعتراف به وتحقيق 
مالم يحلم به بنو صهيونء أي اعتراف مصر بالكيان الصهيوني. كانت حرب 
تشرين الأول/ أكتوبر كارثة أو هزيمة سياسية وعسكرية كبرى. لقد قضى السادات 
على القوة العسكرية التي بناها عبد الناصر. باع السادات تضحيات وبطوللات 
الشعب المصري والجيش المصري. وللأسف. لعب إعلامه ومثقفوه دورًا كبيرًا 
في تزييف الحقيقة وفي فرض الاستسلام» كما فعل ذلك كثير من المثقفين العرب 
الذين بشروا بالهزيمة. لقد زيف هؤلاء. ومعهم القوى الرجعية وقوى الاستسلامء 
الحقيقة الساطعة. وفي خضمٌ هذا التزييف. باع السادات»؛ مدعومًا بالآلة الإعلامية 
وبالمثقفين المستسلمينء دماء أجيال وأجيال من المصريين والعرب. 

لما قرّرنا قطع علاقاتنا بالنظام المصريء أبقينا على صلاتنا وروابطنا 
وعلاقاتنا بشعبنا المصري العظيم. وحين زار السادات الأرض المحتلة في 
9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977» قدنا تظاهرة كبرى في طرابلسء وقمنا بإحراق 
علم "اتحاد الجمهوريات العربية"» وقرّرنا أن يكون العلم من لون واحد هو اللون 
الأخضرء حتى لا نكرّس علمًا بألوان أخرى قد تشكل عقبة في طريق الوحدة. 


134 


ونتيجة لموقفنا الصلب من هذا الخرق الخطيره قرّر السادات الانسحاب من اتحاد 
الجمهوريات العربية» بقرار منفرد وغير دستوريء وبدورنا اتخذنا قرارًا بتشكيل 
"محكمة الشعب العربي" لمحاكمة الخائن السادات. ثم أصدر مؤتمر الشعب 
العربي قرارًا بتشكيلهاء وعقدت أولى جاساتها في طرابلس» وأصدرت حكمًا 
بإعدام السادات. باعتبار أن الدساتير العربية» وعلى رأسها الدستور المصريء تمنع 
الاتصال بالعدو الصهيوني. بيد أن الشعب المصري كان قد أصدر قراره بإعدام 
الخائن السادات» ونقذ القرار أحد أبطاله وهو خالد الإسلامبولي”©. كنت أنا 
والأخ معمّر في مدينة سبهاء وكنّا نشارك في احتفال قيام "سلطة الشعب". سمعنا 
بنبأ اغتيال السادات من الإذاعة» فأطلق الأخ معمّر بعض الطلقات من مسدسه في 
الهواء ابتهاجًا. ثم قدنا تظاهرة جماهيرية تعبيرًا عن سعادتنا وفرحنا. بعد التظاهرة» 
عدنا إلى مقر إقامتنا سألني الأخ معمّر: "ما رأيك في حسني مبارك؟"2 فقلت له: 
"على مستوى القضية القومية سيكون مبارك أسوأ من السادات. السادات كان لديه 
رصيد من السمعة السياسية وهو محسوب على ثورة 23 يوليوء ومن الممكن 
أن يتراجع عن الخيانة أو يغيّر مواقفه 180 درجة. أما مبارك فلا يمكن له إلا أن 
يستمر على طريق السادات». أي طريق الخيانة". 

لكن هناك إيجابية واحدة» فحين سقط نظام الشاه”*”'» كانت مصر مؤهلة لأن 
تؤدي دور "الشرطي" في المنطقة العربية والأفريقية» بدلا من شاه إيران أما حسني 
مبارك» فهو بكل تأكيد لا يستطيع أن يؤدي هذا الدور, وهذا أمر إيجابي بالنسبة إلى 
ليبيا. وبالفعل؛ خلال عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغن» طلبت الولايات المتحدة 
من مصر شن هجوم على ليبيا من الشرقء أو أن تسمح لقوات أميركية بالهجوم 
عليهاء لكن مبارك رفضء وهذا أثبت صححّة تحليلي. وأذكر أننا - أنا والأخ معمّر 
- كنا في زيارة لمصرء خلال مرحلة "حرب الاستنزاف” والإعداد للعبور في عهد 
عبد الناصر وأن عبد الناصر دعانا لمشاهدة تمرين عبور فرقة مجحفلة من الجيش 


(33) خالد الإسلامبولى (1982-1958): ضابط فى الجيش المصري خطط لعملية اغتيال الرئيس 
محمد أنور السادات ونفذها فى 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1981. 
(234 سقط نظام الشاه محمد رضا بهلوي بعد الثورة الشعبية في إيران في عام 9 ؛؛ إذ غادر البلاد 


إلى المنفى فى 16 كانون الثانى/ يناير 21979 تاركًا مهماته لمجلس الوصاية (المجلس الملكى). 


135 


المصري لمانع مائي, وكان تنفيذ التمرين سيئًا؛ إذ فقد قائد الفرقة السيطرة على 
قواته. وحينما كان عبد الناصر يناقش قاتد الفرقة» قال له: "الخبير الروسى قال 
كده؟". شعر عبد الناصر بالإحراج والتفت إلينا قائلًا: "يا معمّره يا عبد السلام؛ أنا 
مش ححارب بدول [بهؤلاء]» الذين سأحارب بهم ما زالوا من الضباط الصغار". 


اشتباك عسكري مع مصر على الحدود 


قبل أن يقوم السادات بزيارته الشهيرة إلى فلسطين المحتلة في تشرين 
الثاني/ نوفمبر 1977» افتعل مواجهة عسكرية مع ليبيا على الحدود في 
حزيران/ يونيو77» وكان السبب فى ذلكء. فى رأيناء إدراكه أنه سوف يواجه 
موقمًا صلبًا من ثورة الفاتح» وأن ليبيا سوف تعتبر خطوته هذه خيانة صريحة 
للأمة. وهكذاء ومن دون سابق إنذار بدأت قوات مصرية عند الحدود مع 
ليبيا بمداهمة مقارٌ الشرطة الليبية وإلقاء القبض على بعض الأفراد» ونقلهم 
إلى داخل الحدود المصرية. وردًا على هذا الاعتداء السافر وغير المبرر» قام 
العقيد عبد الكبير الشريفء آمر منطقة طبرق العسكرية» بعملية عسكرية خاطفة 
اجتاز خلالها الحدود المصرية» وتمكّن من إلقاء القبض على بعض الأفراد 
من الشرطة المصرية» ثم طلب من آمر كتيبة مدفعية 155 - ذاتية الحركة - 
وصواريخ "غراد”*' استهداف المواقع المصرية. في هذا الوقت تحركت قوة 
عسكرية مصرية في اتجاه قرية إمساعد”””2» فاستهدفتها مدفعيتنا. وهاجمت 
كتيبة الدبابات هذه القوة» وقد تكبدت كتيبتنا بعض المخسائر. 


(35) ظهر التوتر السياسى فى العلاقات الليبية - المصرية شديدًا فى حزيران/ يونيو 1977 حين رحّل 
القذافي العمال المصريين من ليبياء ونتج عنه نشوب مناوشات عسكرية مصرية - ليبية حدودية حتى 
4 تموز/ يوليو ١1977‏ حين توقفت الاشتباكات بوساطة فلسطينية - جزائرية. 

(36) يعتبر صاروخ "غراد" (811-21) ذا مدى قصير وفاعلية تدميرية عالية وتكلفة منخفضة مقارنة بأنواع 
أخرى من الصواريخ» مما جعله أحد أكثر الأسلحة المستخدمة في الحروب والنزاعات. 

() قرية إمساعد: هي منفذ ومعبر حدودي ليبي. وإضافة إلى كونها منطقة تابعة لبلدية طبرقء فإنها 
تقع على الحدود الليبية - المصرية» وتبعد شرقًا عن مدينة طبرق 150 كيلومترًا تقريبًا. كانت إمساعد 
موقعًا للمناوشات المصرية - الليبية عام 1977» وقد كان لتلك المناوشاتء إضافة إلى قطع العلاقات 
مع مصرء تأثير سلبي جدًا في هذه المنطقة. 


وفي النهاية» انسحب المصريون وتراجعوا إلى داخل الحدود. في الواقع» 
كنت أشرف بنفسي على هذه المواجهة المقززة والمؤلمة والغريبة وقد وجدتني 
أمام معادلة صعبة: عدم تمكين السادات من تحقيق أي "انتصار" وهميء أو 
شكلىء» وفى الآن ذاته محاصرة "المؤامرة" ووأدها فى مهدها على الحدود. 
وهكذا أيضًا قام سلاح الطيران المصري بمهاجمة مهبط الطائرات في قاعدة جمال 
عبد الناصرء كما قصف غرف نوم الطيارين الليبيين. ولحسن الحظ لم تقع خسائر 
بشرية لأننا قمنا بتغيير أماكن نومهم. وفي إثر ذلك» أخبرني بعض الضباط الليبيين 
أن الطيارين المصريين كانوا يقومون بالتحليق فوق قواتنا المنتشرة من طبرق إلى 
الحدود مع مصرء ولكنهم كانوا يلقون بحمولاتهم من القنابل والصواريخ بعيدًا 
عن قواتنا. هذا هو معدن الشعب المصري والجندي والضابط المصري. 

في إحدى ليالي هذا الاشتباك الحدودي, انقطع الاتصال مع قواتنا في 
الجغبوبء فقال لي الأخ معمّر: "السادات احتل الجغبوب"» فقلت له: "لا من 
المؤكد أن هناك قوة عسكرية محدودة العدد محمولة بطائرات عمودية» جرى 
إنزالها بالقرب من قواتنا". وأضفت: "إن القوة المتمركزة في الجغبوب كافية 
للدفاع عنهاء وأعتقد أن سبب انقطاع الإرسال أن الجندي المكلف باللاسلكي» 
ولشدّة حماسته. ترك الجهاز وذهب ليشارك فى مقاومة القوة المصرية 
المهاجمة". وبالفعل» وفي الصباح عاد الاتصال اللاسلكي مع الجغبوبء 
وأبلغنا آمر المنطقة أن ثلاث طائرات مروحية أنزلت قوة محدودة وتبادلنا 
معها إطلاق النار» ثم انسحبت. في هذا الوقت قام الأخ ياسر عرفات بدور 
وساطة بيننا وبين المصريين لوقف إطلاق النار وإنهاء المواجهة العسكرية على 
الحدود. بعد انتهاء المواجهة. ولأن الأخ معمّر وأعضاء القيادة اعتقدوا أنني 
أدرت المواجهة على نحو جيد. فقد تقرر منحي شهادة الأركان. 


6 1 "جبهة الصمود والتصدي" 
في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977» بعد أن أعلنت وكالات الأنباء إقلاع 
طائرة الخائن أنور السادات إلى فلسطين المحتلة» شاهدت على شاشة التلفزيون 


137 


السادات يهبط من الطائرة ويصافح الصهاينة. على الفور» اتصلت بالأخ معمّر 
وكان فى سرت. قلت له: "لا بد من إقامة تكتل من الدول العربية التقدمية 
لمنع انهيار الموقف العربي"؛ ثم أضفت: "سوف أذهب إلى سورية والعراق 
والجزائر". فقال لي: "السادات لم يقرر الذهاب إلى الصهاينة لو لم يكن متأكدًا 
أنه لا يمكن أن تجتمع دولتان ضده". ومع ذلك أصررت على السفرء وقلت: 
"نحن لا نيأس ولا نستسلم للأمر الواقع» سوف أحاول”. فقال لي مثلًا شعبيًا: 
"اذهب رشادة في بئر (أي أن محاولتك هذه مثل التفتيش عن حجر في بثر)". 


أقلعث طائرتي في اليوم نفسه إلى دمشق. حصلت على موافقة السوريين 
والفلسطينيين على مشروع "التكتل العربي"؛ ثم سافرت إلى العراق. لكن العراقيين 
اشترطوا لإقامة "جبهة رفض" أن تعلن سورية رفضها للقرار رقم 242*. بعد 
إلحاح شديد مني» وافق العراقيون على حضور اجتماع بهذا الخصوصء ولكن 
ليس على مستوى الرئيس. أرسلوا وفدًا من عضوين بارزين في مجلس قيادة 
الثورة. من العراق سافرت إلى الجزائر واجتمعت بالرئيس بومدين. وافق بومدين 
على "تشكيل جبهة رفض" وقال لي: "حينما كنت أستمع إلى وكالات الأنباء 
وهى تبث خبر سفر طائرة السادات إلى فلسطين المحتلة» كنت أقول فى نفسى: 
السادات سيعود من الجو. وأنه لن يكمل الرحلة. ولمّا شاهدت طائرته تهبط في 
مطار بن غوريون» فقدتٌ صوابي وتصرفت كمواطن عادي وكسرت التلفزيون". 
وبالفعل» نتيجة لهذه المبادرة» اجتمعت ليبيا وسورية والجزائر والعراق واليمن 
الجنوبى ومنظمة التحرير الفلسطينية فى طرابلس فى الفترة 5-2 كانون الأول/ 
ديسمبر 19277. لكن العراق كان غير جادٌ فى تأسيس جبهة صمود. وظل يشترط 
أن تعلن سورية رفض القرار الأممي رقم 242. وكان ردّ الرئيس الأسد أنه مستعد 
لرفض القرار» حينما تؤمّن أسباب المواجهة من دعم عسكري واقتصادي؛ ولذلك 
انسحب العراق. ومع ذلك تشكلت جبهة "الصمود والتصدي". شكر الأخ معمّر 
الرئيس الأسد وياسر عرفات» فنهضت وطلبت الكلمة وقلت: "لا يا أخ معمّر 


(38) القرار رقم 242: أصدره مجلس الأمن في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967» بعد حرب حزيران/ 
يونيوء وقد جاء فى المادة الأولى. الفقرة أ: "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى التى احتلتها 
[في النص الإنكليزي: 'من أراض احتلتها] في النزاع الأخير". 


138 


السادات مثل الطائر الذي طار بجناحين» سورية ومنظمة التحرير". لقد استطاع 
السادات أن يصوّر خلافنا معه على أنه خلاف ثنائى بين ليبيا ومصر. بعدما خرجنا 
من الاجتماع؛ جاءني عبد الحليم خدّام وقال: "نحن حينما يكون الركيس موجودا 
لانستطيع التحدث,ء لولا ذلك لرددت عليك". فقلت له مازحًا: "هذا أحسن لكم 
أن لا تتكلموا في وجود الرئيس". 


المؤتمر الإسلامى والقمة العربية و"عودة مصر" 

فى الفترة 19-16 كانون الثانى/ يناير 1984» عقد فى الدار البيضاء 
المغربية مؤتمر القمة الإسلامية الرابع. تم الترتيب لعقد المؤتمر بحيث يسبق 
عقد مؤتمر القمة العربية في الأردن. كان الموضوع الرئيس هو "عودة مصر" 
إلى المؤتمر الإسلامى©. فى هذا المؤتمر مثلت أنا ليبيا. كان المؤتمر 
مسرحية مُعدّة مُسبقًا. وكان من الواضح لي خلال جلسات المؤتمر أن الأمير 
فهد بن عبد العزيز والملك الحسن الثاني كانا يلقنان كلا من الرئيس الغيني 
أحمد سيكاتوري”'* والرئيس الباكستانى محمد ضياء الحق”“» قبيل كل 
جلسة. بحيث يظهران مسألة عودة مصر كأنها مطلب إسلامى. الحقيقة أن عودة 
مصر كانت مطلبًا أميركيًًا وعربيًًا رجعيًا. كان الجميع في طرفء وأنا في طرف 
آخر. كنت أقاتل ضد "عودة مصر" إلى منظمة المؤتمر الإسلامي» لأنني كنت 
أعرف جيدًا أنها كانت مقدمة لعودتها إلى جامعة الدول العربية» أو الأصح: 
عودة العرب إلى مصر المكيّلة بأغلال كامب ديفيد. قال لى الملك الحسن 
الثانى» ركيس المؤتمر: "سى جلود. لقد أعطيتك الكلمة 17 مرة". فرددت عليه: 
"لأنني طرف وأنتم طرف". كان الفصل الأخير في المسرحية قد أعطي لياسر 
عرفات خلال المراحل الأخيرة من النقاش. طلب عرفات الكلمة» وقال مخاطبًا 
الملك الحسن الثانى: "يا جلالة الملك. لا يوجد قرار بطرد مصر من المؤتمر". 


(39) منظمة المؤتمر الإسلامى (منظمة التعاون الإسلامى): تأسست بقرار صادر عن القمة الإسلامية 
المنعقدة فى الرباط بالمملكة المغربية فى 25 أيلول/ سبتمير 9 :,» على إثر جريمة إحراق المسجد 
الأقصى. وقد جرى عقد مؤتمر إسلامى لوزراء الخارجية فى مدينة جدة السعودية» والذي شكل اللبنة 
الأساسية لتأسيس المنظمة؛ حيث قرر المجتمعون إنشاء أمانة عامة يكون مقرها جدة. 

(40) الرئيس الغيني (1984-1958). 

(41) رئيس جمهورية باكستان الإسلامية (1988-1928). 


139 


وممّا يدل على أن المسرحية كانت مُعدّة سلفاء قول الملك: "أحضروا لنا 
قرارات الطائف"27*, فأسرع الحبيب الشطى**“» لجلب المحاضر والقرارات؛ 
وبما أنني كنت الوحيد الذي يتصدى ويقاتل لمنع عودة مصرء فقد طلبت 
الكلمة وقلت: "آسف. إن الفصل الأخير من المسرحية قد أعطى لعرفات. 
أرجوكم احترموا عقولناء لأننا جئنا على رأس ثورات ونمثل شعوينا. نحن لم 
نصل إلى السلطة بالوراثة؛ وإنما نحن ثوريون. ليس المهم ما كُتبء ب بل المهم 
هو الإرادة السياسية لمؤتمر الطائف. لا أعتقد أن السادات هو الذي قرر عدم 


الحضورء ثم إِنْ مؤتمر وزراء الخارجية هو امتداد لمؤتمر القمة". 


كان كثيرون من المسؤولين ووزراء الخارجية يأتون إليّء يحيّون موقفي 
متجرّدين من مناصبهم. كانوا يتصرفون بصفتهم مواطنين يعيشون لحظة صحوة 
ضمير واضحة وجلية. وفي اليوم الثاني من المؤتمر» وبعد الجلسة الصباحية» 
وبينما كان الحسن الثاني يودع الملوك والرؤساء» تحدثت مع الرئيس اليمني 
علي عبد الله صالح**» وكان في تلك الفترة متحالقًا مع الإخوان المسلمين» 
وكان وزير خارجيته عبد الكريم الإرياني2*» وكان واقمًا إلى جانبه» فقلت له: 


(42) القمة الإسلامية الثالثة فى مدينة الطائف ومكة فى 18 كانون الثانى/ يناير 1981» بعنوان دورة 
فلسطين والقدس, وقد جاء فى البيان الختامى لمؤتمر القمة رفض وإدانة اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة 
فى 17 أيلول/ سبتمبر 8 المعاهدة المصرية - الإسرائيلية الموقعة فى 26 آذار/ مارس 1979. 
وكل النتائج والآثار المترتبة على هذه الاتفاقيات» ويدعو إلى مقاومتها بجميع الوسائل والأساليب. يدين 
المجتمعون بشدة أي حل جزتى أو منفصلء وكذلك أي اتفاق يضر بحقوق الأمة العربية والشعب 
الفلسطينيء أو ينتهك مبادئ وقرارات منظمة المؤتمر الإسلامي والجمعية العامة للأمم المتحدة. أو 
يحول دون تحرير القدس والأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة» أو دون نيل الشعب الفلسطيني 
وممارسته على وجه تام حقوقه الوطنية الثابتة» كما يدينون بشدة الحكومة المصرية لإقدامها على تطبيع 
العلاقات مع الكيان الصهيوني ويرى فيه تنكرًا لمبادئ الجهاد وخطرًا على المبادئ والمثل والتراث 
والثقافة والحضارة الإسلامية» ويقرر تأييد تعليق عضوية مصر في حركة عدم الانحياز. 

(43) وزير الخارجية التونسي السابق والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي (1984-19279). 
(44) رئيس الجمهورية العربية اليمينية (2012-1990). 

(45) عبد الكريم الإرياني (2015-19314): سياسي يمني بارز. شغل مناصب إدارية وحكومية متعددة 
منذ عام 1968ء كان من أبرزها وزارة الخارجية (1993-1990)» ورئاسة مجلس الوزراء بالوكالة ثم 
بالأصالة (22001-1998). وبعد الثورة اليمنية غدا مستشارًا لرئيس الجمهورية المعترف به دوليّاء وتولى 
منصب نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني. 


10 


"يا أخ عليء الموضوع المطروح خطير جدّاء وإِنْ عادت مصر إلى المؤتمر 
الإسلامي» فسيكون هذا مقدمة لعودتها إلى جامعة الدول العربية» واليمن ليس 
البحرين أو أبوظبيء لا بد من أن يكون لليمن موقف في هذا الموضوع الخطير". 
فالتفت إلى وزير خارجيته وقال لي: "لا داعيّ لكلامنا. يكفي أن عملاء أميركا 
ووكلاء الاتحاد السوفياتى يتحدثون". فغضبت من هذا المنطق» وكان رد فعلى 
شديدًاء فأمسكته من ربطة عنقه وقلت له: "يا قرد. أنت عبد العبيد. أنت عميل 
للسعودية التي هي عميل لأميركا"؛ فقال وزير خارجيته: "كيف تخاطب الرئيس 
بهذا الأسلوب". فقلت له: "اسكت". كان من المفروض أن يزور الرئيس على 
عبد الله صالح ليبيا بعد المؤتمر» فاتصل بالأخ معمّر يشكوه ويعتذر عن القيام 
بالزيارة. وبعد انتهاء جلسة المساءء وبعد عودتي إلى مقر الإقامة» اتصل بي هاتفيا 
من طرابلس الأخ الدكتور مفتاح الأسطى عمرء وكان يشغل منصب أمين الاتصال 
بالقيادة» وقال لي: "القائد يريد أن يتكلم معك"؛ وحين اتصل الأخ معمّر قال لي: 
"شن عملت مع العقيد علي عبد الله صالح (أي ماذا فعلت؟). لقد اتصل بي وهو 
منزعج ويشكوك"؛ فرويت له ماجرى بينناء فقال لي: "هو قال هيكي (أي هو قال 
هذا؟) يلعن أبوه يستأهل". 

انتهى هذا المشهد باقتراح من الحسن الثاني والملك حسين بن طلال© 
بأن يتم تعديل لائحة المؤتمر التي تنص على أن "التصويت على القرارات علني 
وبرفع الأيدي": ليصبح "التصويت في هذه الحالة فقط بطريقة سرية". فطلبت 
الكلمة وقلت: "يا جبناء مَنْ هو مقتنع بعودة مصر عليه أن يرفع يده 4 أمتار فوق 
الطاولة. لماذا يا جبناء ترفعون أيديكم تحت الطاولة؟". وقد كان إصراري على 
عدم عودة مصر إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لأن أسباب طردها بقيت موجودة. 
بعد الانتهاء من التصويت قررت الانسحاب من المؤتمر وفي أثناء خروجي من 
القصر. توجهت إلى الصحافيين» وقد حاول الأمن المغربي منعي من الوصول 
إليهم؛ لكنني اندفعت في اتجاههم. كان هناك مالايقل عن 800 صحافيء 
سألوني عن المؤتمر فقلت: "الشعار إسلامي والمحتوى أميركي". وتناقلت 
وكالات الأتباء هذا التصريح الغاضب الذي صوّر المؤتمر أدقّ تصوير. 


(46) ملك المملكة الأردنية الهاشمية (2 1999-195). 


141 


وهكذا تقررت عودة مصر إلى منظمة المؤتمر الإسلامي, ثم بعد أشهر عقد 
مؤتمر القمة العربية في الأردن (12-8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987). لقد صمم 
المؤتمر لاتخاذ قرار بعودة مصر إلى جامعة الدول العربية. مثلتٌ ليبيا فى هذا 
المؤتمر. وبالفعل» كانت القضية الوحيدة المطروحة في جدول الأعمال هي عودة 
مصر. وجدتني وحيدًا في مواجهة الجميع ومعارضة عودة مصرء رغم أنني» بكل 
تأكيد. أكثر الحاضرين وعيًا وإيمانًا بدورها القومي, وإيمانًا كذلك بقيادتها للأمة 
العربية» بل وأشدّ الحاضرين في القاعة حبًّا لها من الناحية العاطفية» وأكثرهم 
التزامًا بدورها القومي. لكنّ المؤسف أن الرئيس العراقي صدام حسين كان هو 
المتزعم والمدافع عن عودة مصرء وكذلك الملك حسين والشيخ زايد آل نهيان؛ 
ولذا سعيت للتنسيق مع الرئيس حافظ الأسد. في البداية لمست منه تعاوئاء لكنه 
سرعان ما تراجع أمام الضغوط. وكان الموضوع الثاني المعروض على مؤتمر 
القمة هو الحرب العراقية - الإيرانية””*. عند مناقشة الموضوع. تحدث الملك 
حسين باعتباره رئيسًا للمؤتمرء ووجه كلامه إلي قائلًا: "إنني أستغرب وقوف ليبيا 
القومية إلى جانب إيران الفارسية ضد العراق؟". 


وأضاف: "إن معاهدة الدفاع المشترك** تُلزم جميع الدول العربية بالوقوف 
مع العراق"؛ فقلت للملك حسين ولجميع الحاضرين: "بحسب المفهوم الرجعي؛ 
فمعاهدة الدفاع المشترك لاتطبق ضد الصهاينة وأميركاء ولم تطبق ضد نظام 
الشاه رضا بهلوي حينما كنتم تقفون مع الشاه ضد العراق» ولكن هذه المعاهدة 
تطبق فقط ضد الإمام الخميني”** الذي حوّل سفارة الصهاينة إلى سفارة فلسطين 


(47) نشبت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران في أيلول/ سبتمبر 1980 واستمرت حتى آب/ 
أغسطس 1988 انتهت بلا انتصار لطرفي الصراع وقبولهما بوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من ذلك» 
خلّفت الحرب نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار أميركي. 

(48) معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي: هي معاهدة وقعت عليها الدول الأعضاء في جامعة 
الدول العربية فى 18 حزيران/ يونيو 1950 فى القاهرة. ونصت على ضرورة فض المنازعات بين الدول 
المتعاقدة بالطرق السلمية» وتتعاون فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها. كما أنشأت المعاهدة 
منظمتين رئيستين لجامعة الدول العربية. هما: مجلس الدفاع المشتركء والمجلس الاقتصادي الذي 
أعيدت تسميته في عام 1980» ليصبح المجلس الاقتصادي والاجتماعي. 

(49) روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي (2)1989-1909: قائد الثورة الإسلامية في إيران 
(1979) ومؤسس الجمهورية الإسلامية. 


12 


في طهران. وقطع النفط عن الصهاينة» والتزم تحرير فلسطين ومقاومة الهيمنة 
الأميركية". ثم قلت: "يا جلالة الملك إنكم لم تطبقوا المعاهدة عندما اعتدت علينا 
أميركاء بل لم توافقوا على عقد مؤتمر قمة" فقال الملك حسين: "أنتم دخلتم في 
مواجهة مع أميركا ولم تستشيرونا فكيف نقف معكم؟”. فضحكت وقلت له: 
"بهذا المنطق الرئيس صدام حسين حينما هاجم إيران لم يستشرنا؟ لكن أنت 
تعرف أكثر من غيرك أنه حينما يتعلق الأمر بالصهاينة وأميركاء فأنتم لا تطالبون 
بتطبيق المعاهدة. تريدون تطبيقها فقط ضد الثورة الإسلامية فى إيران". كانت 
هناك مؤامرة ضد سورية فى لبنان تستهدف سحب البساط من تحت أقدامهاء 
وأن تتولى جامعة الدول العربية "ملف لبنان" بهدف ممارسة الضغوط على 
سورية» نتيجة وقوفها مع الثورة الإسلامية في إيران» وقد تصدينا لهذه المؤامرة 
وأفشلناها. لقد قاومت بشدة إحالة الملف إلى جامعة الدول العربية. ولما صوّت 
المؤتمر على قرار "عودة مصر" رفضته كتابيًا. كان إلى جواري الرئيس اللبناني 
أمين الجميّل”* - وذلك بحسب الترتيب الأبجدي - ولما أردت أن أسجل 
رفضى للقرار» قال لى أمين الجميّل مازحًا: "أنا اشتغل سكرتير لك". فأخذ ورقة 
وقلمًا وأمليت عليه النص التالى: "إننى أرفض هذا القرار لأنه غير شرعى لسبيين» 
أولًا أن الأسباب التى دعت مؤتمر القمة لطرد مصر من الجامعة ما زالت قائمة 
وثانيًا وبحسب ميثاق الجامعة, فإن القرارات تؤخذ بالإجماعء لكن لأن هذا طلب 
أميركي» فقد اتخذ هذا القرار وهو مخالف لميثاق الجامعة"» ثم وقعت على النص 
وسلمته إلى الملك حسين. 


في عام 1989.» عقد المؤتمر القومي الإسلامي اجتماعًا في طرابلس» 
وكان بين الحضور الدكتور حسن الترابي”*. عقد الاجتماع في مقر أمانة مؤتمر 
الشعب العام» وألقيت فيه كلمة حماسية» قلت فيها: "لقد جرّبت الأمة النموذج 
(50) رئيس الجمهورية اللبنانية (2 1988-198). 

(51) حسن الترابي (2016-1932): مفكر وزعيم سياسي إسلامي سوداني وأستاذ جامعي» أسس 


الجبهة الإسلامية القومية. وزير الخارجية الوداني في عام 1988. اختير رئيسًا للبرلمان في السودان 
عام 1996. 


13 


فشل في تحقيق وحدة الأمة وأخفق في تحرير فلسطين" ثم أضفت: "العروبة 
جسد والإسلام هو الروح, والآن تريد الأمة أن تجرّب الوجه الآخر من العملة 
وهو الإسلام, إذا ما أجرينا انتخابات الآن في الوطن العربي ليس تحت إشراف 
وزارات الداخلية» بل تحت إشراف الأمم المتحدة أو أي منظمات محايدة 
وذات صدقية» فسوف تفوز الأحزاب والقوى والجماعات الإسلامية في هذه 
الانتخابات بما فيها ليبيا". كانت كلمتي تنقل على الهواء مباشرة فصعق الجميع» 
ودارت بينهم تساؤلات عبّرت عن الاستغراب من هذه الجرأة في تقييم الوضع 
في الوطن العربي كله. بعد هذا اللقاء قام حسن الترابي بزيارة لأميركاء وألقى 
هناك محاضرة فى إحدى الجامعات الأميركية» قال فيها: "وشهد شاهد من 
أهلهاء هو أحد القيادات القومية عبد السلام جلود يقول: 'الإسلاميون سوف 
يفوزون في أي انتخابات تحت إشراف دولي في كل الوطن العربي بما فيه 
ليبيا". وأضاف: "نحن لانريد أن نستخدم القنابل والمتفجرات للوصول إلى 
السلطة. بل نؤمن يصناديق الاقتراع". ثم نشر هذه المحاضرة في كتاب. 


144 


الفصل الرابع 


الحرب الأهلية في لبنان 


حينما دخلت سورية» فى نيسان/ أبريل 1976» فى مواجهة عسكرية 
مع فصائل الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية» بعد أن كانت تقف 
معها خلال اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية» رأيت في هذا الأمر مؤامرة كبرى 
تستهدف تدمير سورية معنويّاء وتدمير الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية 
اللبنانية ماديّاء وشعرنا بأن شيئًا ما يُخطط للمنطقة» وأن هناك مؤامرة ضد "قوى 
الصمود العربي"» تهدف إلى "تدمير سورية" والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية 
اللبنانية. لم نكن في ليبيا نعرف هذا الأمر بالضبطء ولكتنا شعرنا بأن ما يجري 
يخدم المؤامرة. بعد ذلك دعونا إلى اجتماع لقوى الصمود في طرابلس لمناقشة 
هذه التطورات”''» وقد حضر إلى طرابلس الرئيس الجزائري بومدين وياسر 
عرفات» وعقدنا اجتماعًا شاركت فيه أنا والأخ معمّر وبومدين وعرفات» وتقرّر 
في الاجتماع أن أسافر إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد. بالفعل» توجهت 
إلى دمشق وكان يرافقني وزير التعليم الجزائري. كانت المهمة في البداية أن 
أطلب من الرئيس حافظ الأسد باسم ليبيا والجزائر عدم الانجراف في المؤامرة 
التي تخطط لضرب سورية والفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية. 

ولكن بعد اللقاء مع الرئيس الأسدء ثم الإخوة في القيادات الفلسطينية في 
سورية» اتخذت قرارًا بعدم العودة إلى طرابلس إلا بعد "القضاء على المؤامرة" 
وإعادة اللحمة بين سورية والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. ولذلك 
أعطيت الأولوية في هذه الجهود لوقف إطلاق النار. وللتاريخ وللحقيقة» 
وجدت الرئيس الأسد متألمّاء وكأنّ أمرًا مافرض عليه وهو يريد مخرجًا. 


(1) تأسست جبهة الصمود والتصدي في تشرين الثاني/ نوفمبر 21977 وضمت ليبيا وسورية 
والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية واليمن الديمقراطي والعراق. وعقدت أول قمة لها خلال الفترة 
5-2 كانون الأول/ ديسمبر 41977 وقررت فيها الدول الأعضاء تجميد العلاقات الدبلوماسية مع مصر. 


17 


كان الرئيس الأسد واعيًّا بالمؤامرة» إِذْ طلب منى البقاء ففى دمشق ومواصلة 
جهودي للتهدئة. كانت المشكلة التي واجهتني هي أن سورية ترفض أن يُسجل 
عليها "أنها قاتلت الثورة الفلسطينية" والحركة الوطنية اللبنانية» بينما كان 
الفلسطينيون يصرّون على الإشارة إلى "أن القتال يدور بين سورية من جهة. 
والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جهة أخرى". وأخيراء بعد 48 
ساعة من الحوارات المتواصلة» وبعد التفكير العميق» نجحت فى التوصل 
إلى اتفاق وقف إطلاق النار "بين القوتين المتحاربتين" من دون ذكر اسم هذه 
القوات» وقد يكون هذا أول وقف لإطلاق النار من دون تحديد اسمى الطرفين 
المتحاربين» وكان الاتفاق ينصّ على ما يلي: ْ 

1 - وقف إطلاق النار فورًا بين القوتين المتحاربتين. 

2 - وقف تقدّم القوات المتجهة إلى بيروت وبقاؤها في أماكنها في ضهر 
البيدر وجزين» حيث توجد فرقتان سوريتان كانتا تتقدمان من الجبل في اتجاه 
بيروت» وقد وصلتا إلى ضهر البيدر» بينما كانت هناك فرقة أخرى تتقدم على 
محور جزين - صيداء والآخيرة تعرضت لكمين فلسطيني خطط له العقيد 
سعيد مراغة أبو موسى» وتمكن فيه من الاستيلاء على بعض المدرعات. 

3 - يفرج الفلسطينيون عن مصباح البديري قائد الجيش الفلسطيني 
الذي اعتقل بعد أن انشقت وحدات الجيش وانضمت إلى ياسر عرفات» وبعض 
القيادات البعثية التابعة لسورية ممن أخذهم الفلسطينيون رهائن. 

كانت لسورية كتائب وحدات خاصة فى منطقة المطار ورأس بيروت. فى 
اليوم التالي لوقف إطلاق الناره فوجتت بالرئيس الأسد يطلبني على الهاتف. 
وكان منزعجًا جدّاء وقال لي حرفيًا: "هؤلاء الأوباش مش هم اللي يحرروا 
فلسطين» الجيش السوري هو الذي سوف يحرّر فلسطين» لن أسمح بإهانة 
(2) سعيد مراغة (2013-1927): اسمه الحركي أبو موسى» وهو سياسي فلسطيني وأمين سر 
حركة فتح - الانتفاضة. 


)3( العميد مصباح البديري رئيس أركان جيش التحرير الفلسطيني (1980-1968). 


18 


الجيش السوريء, وأنا مُتحلل من وقف إطلاق النار» وسوف أعطي الأمر 
للقوات أن تزحف عليهم؛ وسأطلب من الطيران أن يقصفهم". ثم قال: "هناك 
كتيبة سورية خاصة في رأس بيروت مازالوا يحاصرونهاء وهناك ثمانية جنود 
جرحى يمنعوننا من إخلائهم"» فقلت له: "يا أخ الرئيس أعطني فرصة وأرجوك 
أن تؤجل هذا القرار وأنا أتعهد بحل الموضوع". فقال: "من هناء أي من دمشق» 
لن تتمكن من عمل شيء, والذهاب إلى بيروت فيه خطر حقيقي عليك". فقلت 
له: "سأذهب إلى بيروت من أجل هذاء ولكنٌ لدي شرطان, الأول أن ترسل 
معي قيادات سياسية وعسكرية» لأنني لا أريد أن أضع نفسي - أو أجدني - 
مع ضباط لا يستطيعون اتخاذ قرار؛ الثاني لا أريد أن تضعني في بيروت غطاءًٌ 
والصواريخ والدبابات السورية تقصف وتقتل". فقال لي بكل شهامة: "يذهب 
معك ناجي جميل ومحمد حيدر". كان ناجي جميل عضو القيادة وقائد القوات 
الجوية» وكان محمد حيدر عضوًا في القيادة القطرية ونائبًا لرئيس الوزراء 
للشؤون الاقتصادية» ثم قال لي: "خلال وجودك في بيروت»ء القوات السورية 
ستكون تحت إمرتكء لكن أرجو أن تعطيهم حق الدفاع عن النفس". فوافقت» 
وكان إلى جانبى أحمد جبريل*. فأخذ الهاتف منى وقال للرئيس حافظ الأسد 
حرفيًا: "يا سيادة الرئيسء. إذا كنت تعتقد أننا سوف نقابلكم بالورود» فأنتم 
مخطئون. لا تقل لي زهير محسن' والبديري - العميد مصباح البديري رئيس 
أركان جيش التحرير الفلسطيني في سورية - ولاعاصم قانصوه ولا بطيخ» 
بدكم تمرّوا على جثثنا". أرسلت سورية برقية إلى قواتها في لبنان» تعلمهم فيها 
بتوجّهي إلى بيروت» وكذلك فعل الفلسطينيون. لكن ولأن الفلسطينيين غير 
مُنظمين» فإن البرقية لم تصل إلى القيادات. غادرت أنا وأحمد جبريل ومحمد 
حيدر وناجي جميل والمرافقون على متن أربع طائرات عمودية. ونظرًا إلى 


(4) الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة. 

(5) زهير محسن (21979-1936): الأمين العام لمنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات 
الصاعقة)» وتمثل الجناح الفدائي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية. 

(6) عاصم قانصوه (1937-): شغل منصب الأمين القطري لحزب البعث في لبنان فترة طويلة 
(1970-1966). و(1989-1971). و(2006-2001) خلفه بعدها غازي سيف الدين. 


149 


أن الفلسطينيين ميليشيات غير منضبطة. ولآن البرقية لم تصل» فقد اعتقدوا - 
ومعهم الحركة الوطنية اللبنانية - أن هذه الطائرات هي طائرات دعم للقوات 
السورية فى بيروت» فأمطرونا بوابل من قذائف مضادات الطائرات ومن كل 
الجهات. 2 


كنا فى حالة خطر حقيقى. بحيث إِنْ القذائف كانت تستهدفنا من كل 
الاتجاهات» وسيطر الخوف على الجميع»؛ وشعرت بأن ناجي جميل ومحمد 
حيدر كانًا في أشد حالاات الخوف» فقال لي ناجي جميل حرفيًا: "يا أخ 
عبد السلام أنت تريد أن تموت فلماذا جئت بنا معك؟" وقال محمد حيدر: 
"يا أخ عبد السلام لو كان الواحد على الأرض يمكن أن ينبطح أو يختفي 
خلف عمود أو حائطء أما في الجو فلا شيء". ثم نهض أحمد جبريل واتجه 
نحو غرفة القيادة وكان شجاعًا ومتماسكّاء وأخذ يوجه الطيّار ويطلب منه القيام 
بمناورة. وبالفعل» اتجهت الطائرات صوب البحر بعيدًا عن المطار» ثم هبطت 
على شاطئ البحر بعيدًا عن المدرج. نزلنا مسرعين. بدأ القصف بالمدفعية 
والهاونات والرشاشات» وممًّا زاد الطين بلة أن القوات السورية شرعت فى 
الردّ على مصادر النيران لإسكاتها. استفز القصف الفلسطينيين واللبنانيين» 
فزادوا من قصفهم لنا. وبعد أن نجونا من موت محقق في الجوء بدأنا رحلة 
الموت الثانية؛ إِذْ تعرضنا لقصف شديدهء اضطرّنا إلى الزحف والمناورة 
والتسلل خفية» وذلك حتى لا نتعرض للقنصء ساعات في اتجاه المطار حتى 
تمكنت القوات السورية القريبة من المطار من نجدتنا. بعد أن استرحنا قليلًا 
فى مقر القوات السورية فى المطارء اتصلت بالفلسطينيين. تحدثت مع نايف 
حواتمة" وأبو إياد (صلاح خلف)*» وطلبت منهما إبلاغ بقية القادة بالحضور 
إلى المطارء لكنهما رفضا هذا الطلب. فغضبت من هذا التصرف وأنهيت 
المكالمة. بعد منتصف الليل» عاودت الاتصال بالقيادات الفلسطينية وألححت 


(7) نايف حواتمة (1935-): سياسي أردني يشغل منصب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير 
فلسطين التي أسسها في عام 1969. 

(8) صلاح خلف (أبوإياد) (1991-1933): أحد مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح). 
وقائد الأجهزة الأمنية الخاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح خلال فترة طويلة. 


130 


عليهم أن يحضروا إلى المطار» فلم يوافقواء فقلت لهم: "أريدٌ أن أسألكم سؤالا 
محدّدّاء ثم أجيبوا عنه بعد تفكير لأنه في ضوء هذا الجواب سوف أتصرف؟". 
ثم وجهت إليهم السؤال التالي: "لماذا لا تريدون الحضور. هل أنتم خائفون 
على حياتكم من السوريين؟ أم تريدون المباحثات في أرض محايدة؟". فردوا 
"أنهم يخشون على حياتهم". وعندئذ قررت الذهاب إلى بيروت للاجتماع 
بهم. في الطريق تعرضت مرات عدة للرماية بالرشاشات وقذائف "آر بي جي" 
(850) في الذهاب والعودة. كانت رحلة موت ثالثة حيث كانت النيران تطلق 
علينا من كل الاتجاهات» واضطررنا مراتٍ عدة إلى أن نختبئ في السيارات» 
ولولا العناية الإلهية لكان الموت محققًا. ولمّا أنجدتنا القوات السورية» وكانت 
الاشتباكات متواصلة بقوة» أخذ أحمد جبريل شرشمًا أبيض وبشجاعة نادرة 
أخذ يهرول بين المقاتلين طالبًا منهم وقف الاشتباكات. وجدت الفلسطينيين 
متشنجين ومتشككين في نيات السوريين» وكان من الصعب التفاهم معهم. 
وتجاه خطورة الوضعء قررت أن أهب حياتي لهذه المهمة القومية» وهي إنقاذ 
سورية من التدمير المعنوي, وإنقاذ الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية 
من التدمير المادي» وضرورة عودة التحالف من جديد بين سورية والثورة 
الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية؛ فالتزمت بأن أظل في لبنان وسورية حتى 
القضاء على المؤامرة. في أحد الأيام قررت أن أذهب لمقابلة بيار الجميّل! 
في بكفيا" بالمنطقة الشرقية”'' من بيروت» ورافقني رئيس جهاز أمن عرفات 
أبو علي حسن سلامة22 إلى منطقة المتحف. وهناك وجدت بشير الجميّل 


(9) بيار الجميل (1984-1905): سياسي لبنانى ومؤسس حزب الكتائب. 

(10) بكفيا: بلدة لبنانية تابعة لقضاء المتن بمحافظة جبل لبنان. يمثل الموارنة أغلب سكانها. ومن 
أشهر أعلامها مؤسس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميّل ونجلاه رئيسًا لبنان سابقًا بشير وأمين. 

20110 بيروت الشرقية: هى الشطر الشرقى لمدينة بيروت عاصمة الجمهورية اللبنانية» والتى سيطرت 
عليها ميليشيات القوات اللبنانية المسيحية وبعض ألوية الجيش اللبناني. 

(12) على حسن سلامة (1979-1941): أحد القادة الأمنيين فى حركة التحرير الوطنى الفلسطينى 
"فتح" واسمه الحركي أبو حسن. يُلقب بالأمير الأحمر. قاد العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية 
في العالم من لبنان» واغتالته إسرائيل في لبنان. 


(نجله)7" في انتظاري. ركبت سيارة خاصة بحراسة مشدّدة وكنت أجلس بين 
بشير [الجميّل] وأبو علي حسن سلامة. 

ما إن وصلت حتى عقدت مع بيار الجميّل اجتماعًا مطوّلّاء وقد لاحظت 
وأنا أدخل وجود كتابات على الجدران بالخط العريض تقول: "لا لسورية 
لا للفلسطينيين لا للعرب". بعد الاجتماع تحدثنا إلى الصحافيين. قال بيار 
الجميّل: "سورية أعدى أعدائي. يكفي أنها لم تعترف بلبنان ولا تقيم معه 
سفارة؛ ولكن أنا غرقان» امتدت لى يدء أمسكت بها". فاجأتنى الكتابات 
على الجدران كما فاجأتنى تصريحات الجميّل. كان بشير الجمّل شائًا شهمًا 
وشجاعًا. كانت له عيئًا صقر. فى البداية أقمت فى بيروت فى ضيافة أحمد 
جبريل في شقة بمنطقة الحمراء. والواقع أنني كنت أغيّر السكن باستمرار. 

في أحد الأيام» كنت في شرفة الشقة وكانت هناك سيّدة عجوز في شرفة 
الشقة المجاورة» فجأة سألتني: "هل أنت السيد جلود؟" فقلت: "نعم" فقالت: 
"كنا نعتقد أنك كبير في السن وبجسم ضخم. ولكن أنت شاب". ثم سألتني: 
"هل زرت لبنان من قبل؟": قلت مازحًا: "لاء يظهر أن عظمي عظم حرب». 
فأخذت تحدثني عن لبنان بمرارة وألم ثم قالت: "غريب لم تزر لبنان في أيام 
عز لبنان"» ثم قالت: "إن شاء الله يعود لبنان وتزوره لترى لبنان حقيقته "0 
ثم قالت: "سمعنا في الأخبار أنك تسافر إلى سورية لمقابلة حافظ الأسد". 
وأضافت: “أن مسيحية من منطقة الأشرفية» أرغمت على ترك منطقتي؛ وأنا الآن 
أعيش مع المسلمين» قل لحافظ الأسد إذا كان يريد أن يقف مع المسيحيين 
فيجب عليه أن يقف مع المسلمين". 

استمرت رحلة الموت والجهاد نحو 58 يومّاء كنت خلالها أعقد 
الاجتماعات المطوّلة مع قيادات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية 


(13) بشير بيار الجميل (1982-1947): زعيم القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية ورئيس 
الجمهورية» انتخبه مجلس النواب رئيسًا للجمهورية في 23 آب/ أغسطس 1982» خلال الاجتياح 
الإسرائيلي للبنان, إلا أنه اغتيل في 14 أيلول/ سبتمبر قبل أن يستلم المنصبء حينما انفجرت قنبلة في 
معقل الكتائب فى الأشرفية. 


بقيادة شهيد فلسطين كمال جنبلاط. كان محسن إبراهيه”*'2 وجورج حاوي 2" 
في موقف انتهازيء يذهبان في الصباح الباكر إلى المختارة للقاء كمال جنبلاط 
ليعرفا منه كيف يفكر وماذا يريد أن يطرح في الاجتماع» وحينما نجتمع مع 
قيادات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية» يقوم محسن إبراهيم 
وجورج حاوي بطرح أفكار جنبلاطء ليقنعًا الآخرين بأن هذه أفكارهماء وأن 
أفكارهما هي ذاتها أفكار جنبلاط. كان بعض القادة الفلسطينيين يأتي متأخرًا 
للاجتماع» وكان جنبلاط يقول مازحًا: "الفلسطينيون مثل الأرتستات يناموا 
بالنهار ويصحوا بالليل". كان الشهيد كمال جنبلاط يقول لي: "في سبيل عروبة 
لبنان والثورة الفلسطينية قبلنا بتدمير لبنان". وكان يقول لي: "لقد ربحنا شعبًا 
مقاتلاء الشاب اللبناني المعروف بطول شعره ونعومة أظافره» أصبح يمتشق 
الكلاشينكوف و'الآر بي جي' في هذا الشارع قتال» وفي الشارع الخلفي الرقص 
والغناء. لم يعد اللبناني يخاف الموت". 

في هذا الوقتء. كانت هناك قوات ليبية بقيادة الشهيد عبد السلام 
سحبان“ تقاتل مع الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية» وكان 
الفلسطينيون واللبنانيون يسألونني: "هل كل الليبيين شجعان مثل عبد السلام 
سحبان؟” وكنت أرد عليهم: "عبد السلام أقل واحد شجاعة بيننا"» فكانوا 
يقولون لي: "يا أخ عبد السلام. هذا هلبة عليك (أي كثير عليك)". 


في أحد الأيام» كنت أتناول الغداء مع عرفات» وبعد دقيقة واحدة فقط من 


(14) محسن إبراهيم (2020-1935): الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي بلبنان. 

(15) جورج حاوي (2005-1938): الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني. 

(16) عسكري ليبي من مواليد عام 1951» من الضباط المقربين من القذافي» تخرج في الكلية الحربية 
في مصر عام 1971» وقد اشترك في حرب تشاد وأظهر شجاعة نادرة. أمر الرئيس التشادي الأسبق 
حسين هبري بقتله عام 21990 وتم دفنه بمقبرة شهداء معركة الهانى ضد الطليان في العاصمة الليبية 
طرابلس. أقيمت له جنازة مهيبة» وكان معمّر القذافي على رأس الجنازة وقال: "الرجل لا يموت إن 


تعلم بأن طائرة عمودية قادمة من دمشق لنقلي» تقوم بقصف مكثف بالقذائف 
والقنابل لمنعى من المغادرة. فكنت أضطرٌ إلى السفر بالسيارة عبر الحواجزء 
وكان السفر برَّا أمرّا محفوفًا بالمخاطرء لكننى كنت أفضل الموت من أجل 
أن أتوصل إلى اتفاق نهائي يحفظ الثورة الفلسطينية ويبقي التحالف الثلاثي 
قائمًا. رفض بعض الفلسطينيين تنفيذ الاتفاق» لأنهم كانوا لا يزالون يشككون 
في النيات السورية» ورفضوا أيضًا في البداية الإفراج عن الأمين العام لحزب 
البعث اللبنانى عاصم قانصوه وزوجته. وقائد جيش التحرير الفلسطينى فى 
سورية اللواء البديري. وهؤلاء كان يحتجزهم أبو العباس» جبهة التحرير 
الفلسطينية”*'2 والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ولكن بعد الضغط وبعد جهد 
مُضنء تمكّنت من الإفراج عنهم واصطحبتهم معي في الطائرة العمودية إلى 
دمشق. وكانت هذه خطوة مهمة جدًا ومفتاحًا للحل. ثم ركزت في المرحلة 
الثانية على سحب القوات السورية من بيروت والمطار؛ إِذْ كان يتمركز فيهما 
نحو ثلاثة ألوية خاصة. وبعد رحلات مكوكية بين بيروت ودمشقء. تمكنت من 
تحقيق المرحلة الثانية وهمي سحب القوات السورية» ولم يكن هذا أمرًّا سهلا. 
ولكن العزيمة» والإرادة الثورية التى لا تكل ولا تملء والثقة بالنفسء والعناية 
الإلهية» كانت هى العوامل التى ساعدتنى فى تحقيق هذا الهدف. كان السوريون 
يرفضون الانسحاب قائلين: "لن ننسحب بناءً على طلب الفلسطينيين. هذا شأن 
سوري - لبناني". وكثيرًا ماهددت الإخوة في سورية بقطع مهمتي والعودة 
إلى ليبياء بل كثيرًا ما كنت أطلب من الطيارين أن يذهبوا إلى المطار لتجهيز 


للموت مرات كثيرة تجاوزت 14 مرة» وكانت "القوات المسيحية”/27) حين 


8-1 


(17) قوات "الجبهة اللبنانية": هي تحالف ضم عدة أحزاب وشخصيات يمينية لبنانية. تأسست عام 
6 فى بداية الحرب الأهلية اللبنانية لمواجهة الحركة الوطنية اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية» 
ومن بين مقترحاتها إقامة نظام فدرالي؛ ولقبها خصومها بالجبهة الانعزالية. ترأس الجبهة الرئيس الأسبق 
كميل شمعون زعيم حزب الوطنيين الأحرار. 

(18) محمد عباس أو محمد زيدان (2004-1948): أسس عام 1977 جبهة التحرير الفلسطينية مع 
طلعت يعقوب بعد اتشقاقهما عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة مع اندلاع الحرب 
الأهلية بلبنان فى أوساط السبعينيات؟ إذ آثر أبو العباس الوقوف إلى جانب منظمة التحرير والقوى 
الوطنية اللبنانية» بينما اختار جبريل الوقوف إلى جانب سورية التى دخلت لبنان فى حيتها. 


154 


الطائرة استعدادًا للعودة إلى ليبيا. وبالطبع لم أكن أنوي العودة» ولكنني كنت 
أمارس الضغط على الأطراف كلها لإقناعها بضرورة التجاوب امع مبادرتي 
للحل. وأقول - للتاريخ - إنني وجدت من الرئيس الأسد كل تة تشجيع. وكان 
يطلب مني البقاء ومواصلة المهمة. وفي كل مرة كنت أحزم فيها حقائي وأجهز 
السيارات للذهاب إلى المطار» يلحق بي عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي 
ومحمد حيدر وناجي جميل لإقناعي بالعدول عن قرار السفر. كان الرئيس 
الأسد واعيًّا بحجم المؤامرة» وكان يريد الخروج من هذا "المأزق" . 

في عام 1979» كان صدام حسين نائبًا للرئيس العراقي أحمد حسن البكرى 
ولكنه كان يتمتع بالسلطة الحقيقية. حينما كنت في دمشقء اتصل بي هاتفيًا 
عدّة مرات وقال لي: "السوريون ينفذون مؤامرة ويريدون استخدامك كغطاء. 
ل تسمح لهم أن يفعلوا ذلك"» وكنت أضحك وأسخر من هذا الكلام وأقول له: 
"يا أخ صدام أنا أعرف ماذا أفعل. قرار بقائي في دمشق هو قرار شخصي وليس 
قرار القيادة في ليبيا. اتخذت هذا القرار على مسؤوليتي رغم معارضة القيادة. 
أرجوك لا تحاول أن تقنعني بأمر آخر". 

بعد وقفت طويل من العمل الصبور والجهد الصادق والغضب 
والمشاجرات والمشادات» والأخذ والرّدء تغلب العقل أخيرًا على التهورء 
وانتصرت إرادة الأمة. لقد قمت بجولات مكوكية بين بيروت ودمشقء تارة 
بطائرة عمودية» ومرات بواسطة السيارات. 

كان الشك هو المسيطر في أجواء الأطراف الثلاثة (سورية» والفلسطينيين» 
والحركة الوطنية اللبنانية)» وبصفة أخصٌ بين الفلسطينيين والسوريين. حاول 
الفلسطينيون أن يستغلوا وقف إطلاق النار مع سورية لتحقيق نصر عسكري 
على "المسيحيين". فقاموا بعدّة محاولات هجومية باءت كلها بالفشل رغم 
التسليح والعدد. 

كانت الروح المعنوية القتالية عند الفلسطينيين» عكس الطرف الآخر» شبه 
منعدمة؛ وقد لاحظت وجود فجوة بين القيادات والمقاتلين» وأن المقاتلين 
لا يثقون بقياداتهم لأنها كانت تعيش "حياة ترف" وكل زعيم من حوله الخدم 
والحشمء وأس- ستثني من ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة 


155 


والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش)1 وجبهة النضال الشعبي: 
وياسر عرفات شخصيًا. لقد كان عرفات» رغم توجهاته الاستسلامية وإفساده 
المتعمد للثورة والفدائيين والمناضلين» ورغم شرائه للذمم وإمبراطوريته 
التي خلقها في لبنان وتآمره على الحركة الوطنية اللبنانية» رجلا بسيطًا ونظيقًا 
ويعيش حياة بسيطة جدًّا على المستوى الشخصى. لقد كانت كل القيادات 
السياسية الفلسطينية فى بيروت - عدا خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كان 
في الجبل - قد استباحت لبنان» وخاصة المناطق الإسلامية» وعملت على 
"منع" قيام حركة وطنية قوية. وبالفعل» فقد أضعفتها وحولتها إلى "تابع"؛ في 
حين كان ينبغي لها أن تكون هي الأساس الذي يستند إليه التحالف. كما كان 
من المفترض أن يكون الفدائى الفلسطينى "ملاكًا" على الأرض فى سلوكه 
وتصرفاته. لقد حدث العكسء فالقيادات والمقاتلون الفلسطينيون» يمارسون 
"سياسة تخويف" اللبنانيين و"يعيثون" فسادًا في لبنان؛ وهكذا غاصت الثورة في 
المستنقع اللبناني. والواقع أن الثورة الفلسطينية انتهت أخلاقيًا منذ ذلك رق 
فجاءت "النهاية السياسية" نتيجة ل "النهاية الأخلاقية". 


وهنا أورد مقارنة واضحة بين الثورتين الفلسطينية والجزائرية: كان 
المجاهد الجزائري, في الثورة الجزائرية» يعيش حالة من الانضباط العالى» 
بحيث يبدو "ملام" . وأذكر أنني حينما كنت صغيرًا في الخمسينيات» وكان 
الشعب الليبي يحتضن الثورة الجزائرية بقرار شعبي. وليس بقرار النظام الملكي 
العميل» كانت العائلات الليبية تسعد باستقبال مجاهد جزائريء بل كانوا 
يتبركون بوجوده بينهم لأنهم يرون فيه "ملاكًا على الأرض”"؟؛ وهكذا اكتسب 
المجاهد الجزائري والثورة الجزائرية سمعة أسطورية. 


فى الجانب الآخرء كانت سمعة المقاتل الفلسطينى والقيادات سيئة بين 
الجماهير اللبنانية والعربية. في إحدى المرات حصلت من السوريين على 
موافقة الانسحابء» وذهبت إلى بيروت. مكثت فى العاصمة اللبنانية لأشرف 


(19) جورج حبش (2008-1926): من أبرز مؤسسي حركة القوميين العرب. شغل منصب الأمين 
العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ تأسيسها عام 1967 حتى عام 2000. 


156 


على تنفيذ قرار الانسحاب, ولكنّ السوريين لم يفوا بوعدهم؛ فذهبت للقاء 
الرئيس الأسد وأنا في حالة غضب عارم. لما وصلت وجدت أن ملك الأردن 
حسين بن طلال يقوم بزيارة لدمشق» وعلمت أن الرئيس الأسد سيكون في 
توديع الملك في أحد المطارات العسكرية» فذهبت على الفور إلى المطارء 
وبقيت بعيدًا عن صالة الضيوف بالقرب من إحدى "الهناجر". لمّا أقلعت 
طائرة الملك حسينء توجهت وأنا أهرول إلى الرئيس حافظ الأسد. فوصلت 
وهو يهم بركوب السيارة فناديته: "أخ الرئيسء» أخ الرئيس أريد أن أتحدث 
معك". ثم قلت: "الموقف خطيره ويبدو أنه لا توجد رغبة في الوصول إلى 
حلء وإذا لم تتح لي فرصة اللقاء بكم فسوف أضطرٌ إلى المغادرة". فقال لي: 
"العراقيون قتلوا أحد أعضاء القيادة القومية وظروفي اليوم صعبة"”©. وتحت 
إلحاحيء وكان الرئيس الأسد رجلا شهمًا على الدوام؛ قال لي: "سأطلبك» 
ولكن في وقت متأخر من الليل"» فقلت له: "أنا مجاهد. في أي وقت يسمح 
وقتكم أنا جاهز". وبالفعل طلبني الرئيس الأسد حوالى الساعة الواحدة 
والنصف ليلا وقال لى: "استمر بمهمتك ولا تيأس وما بيكون إلا الخير". 
وبالفعل» صدرت الأوامر في اليوم التالي بتنفيذ الانسحاب. بعد أن أكملت 
القوات السورية انسحابهاء بدأت المرحلة الثالثة» وهى المصالحة وعودة 
التحالف الطبيعي. ْ 

جئت إلى دمشق صحبة القيادات الفلسطينية بواسطة طائرة عمودية» 
وتوجهنا فورًا للقاء الرئيس الأسد. وحينما استقبلنا ألقيت كلمة قلت فيها 
حرفيًا: "لقد أمضيت مدة ثمانية وخمسين يومًا بعيدًا عن ليبياء وأنتم تعرفون 
حاجة ليبيا إلي فأنا رئيس الوزراء» ونحن نخوض حربًا في تشاد وقد تعرضت 
للموت المُحقق أكثر من 14 مرة» ولكنني سعيد لأنني تمكنت من تحويل 
الرصاص إلى قبلات". وكنت أشير إلى العناق بين القيادات الفلسطينية 
والرئيس الأسد وتقبيلهم له. ثم انسحبت من اللقاء وتركت القيادات مجتمعة 


(20) أحمد العزاوي (أبو الجبن): عضو القيادة العامة للحرس القومي عام 1963. شارك المجاميع 
البعثية فى الرصافة التى شاركت فى انقلاب شباط/ فبراير 1963. اغتيل فى العاصمة السورية دمشق 
على يد المخابرات العراقية. عام 1975» حينما فجرت سيارته التي كان يهم بقيادتها. 


157 


معه. ومن المؤسف أن عرفات حاول أن "يبيع" هذا الإنجاز الثوري والتاريخي 
للمملكة العربية السعودية. لقد تألمت كثيرًا حين علمت بذلكء ولكن القيادات 
الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وقفت ضد محاولة عرفات هذهء فاضطرٌ 
إلى التراجع» ثم صرّح في مؤتمر صحافي: "إن الرائد عبد السلام جلود وثورة 
الفاتح يستحقان أرفع وأرقى وسام قومي". في هذا السياقء أريد أن أورد شيئًا 
مهمًا: إن قرار بقائي 58 يومًا كان قرارًا شخصيّء وكان الأخ معمّر معارضًا 
لبقائي خارج ليبيا كل هذا الوقت. وخاصة في لبنان» وكان خائمًا عليّ» بل إنه 
رفض أن يتحدث معي هاتفيًا. وقال لأبو بكر يونس: "سأتحدث مع عبد السلام 
فقط لما يعود من دمشق, وأن يعدنى بأنه لن يذهب مرة أخرى إلى بيروت". 
لقد اتخذت قراري هذا من أجل سورية ولبنان ومن أجل فلسطين» قضية الأمة 
المقدسة. إن النظام العربي الرسمي عجز عن عمل أي شيء. وكذلك جامعة 
الدول العربية التى بدت عاجزة هى أيضًا. شكلت جامعة الدول العربية لجنة 
برئاسة أمينها العام محمود رياض(7!*) وعدد من الوزراء العرب (وزير خارجية 
السعودية سعود الفيصل» ووزير خارجية الكويت صباح الأحمد الجابر 
الصباح) ولكنها لم تفعل أي شيء؛ وحدث أن اجتمعت باللجنة الوزارية في 
دمشق قبل سفري إلى بيروت» وأبلغتهم بقرار سفريء فقال لي محمود رياض: 
"أنت مجنون تذهب إلى بيروت؟". فقلت له: "لأنني مجنون سأذهب إلى 


إليا 


بيروت 


بعد الاحتلال الصهيوني لبيروت عام 1982» كان جورج شولتزء وزير 
الخارجية الأميركي**» يريد شخصيًا أن يحقق "نصرًا" أو نجاحًا على غرار 
نجاح كيسنجر في كامب ديفيد. كان يريد أن يحقق تصوّر بن غوريون» حين 
قال: "أنا لا أعرف الدولة العربية الأولى التى ستعترف بإسرائيل» لكن الدولة 
الثانية ستكون لبنان". سافرت إلى سورية وعقدت اجتماعات عدة مع الإخوة 
السوريين والفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط. 


(21) الأمين العام لجامعة الدول العربية (1979-19722). 
(22) وزير الخارجية الأميركى (1989-1982) فى عهد إدارة رونالد ريغن. 


158 


اتفقنا نحن الأطراف الأربعة (ليبياء وسوريةء والحركة الوطنية اللبنانية» 
والفصائل الفلسطينية باستثناء حركة فتح)» على مقاومة الاحتلال الصهيوني 
فى لبنان والقوات الغربية التى تحتله والمعسكر الانعزالى» القوات اللبنانية 
والكتائب» واتفقنا على ما يلى: 

1 - إنشاء غرفة عمليات مشتركة يوجد فيها ضباط سوريون وليبيون 
وفلسطينيون والحركة الوطنية اللبنانية. 

2 - تزويد ليبيا للفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بالسلاح 


والذخيرة. 
3 - تدفع ليبيا مرتبات المقاتلين الفلسطينيين ومقاتلي الحركة الوطنية 
الللئانية. 


4 - ترسل ليبيا دبابات ومدرعات ومدفعية ووسائط دفاع جوي بأطقمها 
الليبية على أن تتمركز مع قوات جنبلاط وأحمد جبريل وجورج حبش في 

لقد قمت بدور كبير في إقناع الأطراف بضرورة البدء بمقاومة الاحتلال 
الصهيونى» وقامت ليبيا بتنفيذ ما التزمت به. وبدأت هذه الأطراف فى المقاومة بعد 
أن تخلصت الفصائل والحركة الوطنية اللبنانية من "هيمنة" عرفات على القرار. 
لقد كان لانتفاضة الضاحية وانتفاضة الجبل الدور الأساسي في انتصار المقاومة 
وهزيمة العدو الصهيونى والغربى والانعزالى. أسقطت المقاومات الأرضية 
طائرتين أميركيتين حاولتا شنّ غارات على منطقة الجبل» ووقع أحد الطيارين في 
الأسر. وأعتقد أَنْ الطائرتين أسقطتهما قوات الدفاع الجوي الليبي المتمركزة في 
منطقة الجبل» حيث كانت عربات "م1" الروسية الصنع متمركزة هناك. ثم كان 
للعمليات الجهادية الانتحارية التى حدثت فى صيدا ضد مركز القيادة الصهيونية 
هناك» والتي نفذها الفلسطينيون» ثم العمليات الجهادية الانتحارية التي نفذها 
حزب الله على القوات الأميركية والفرنسية» أثرٌّ هائل فى بث الرعب فى 
القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية والصهيونية» فانسحبت من لبنان» كما 


159 


انسحبت القوات الصهيونية من معظم الأراضي اللبنانية نحو الشريط الحدودي. 
ولكي يعوّض الغرب هزيمته هذه. حشد ما بين أربعين إلى خمسين قطعة بحرية 
قبالة السواحل اللبنانية» بما فيها حاملات الطائرات. 

وكان السؤال: ضد من؟ كل هذا الحشد البحري ضد مقاومة شعبية؟ لقد 
انتتصر لبنان لأنه لا توجد حكومة يمكن إلحاق الهزيمة بها؟ لا يوجد جيش 
يمكن أن يهزم. كانت هناك مقاومة شعبية وهذه لا يمكن هزيمتهاء كان عمودها 
الرئيس الشيعة والدروزهء وبالطبع لا يمكن تجاهل دور الفصائل الفلسطينية 
فى تحقيق النصر وإلحاق الهزيمة بالقوات الصهيونية والغربية والانعزالية 
نعم الشعب لايُهزم أبدّاء ولكن الجيوش تُهزم. لقد أراد الأميركيون الانتقام 
لهزيمتهم. وانطلاقا من المثل الشعبي "عصا الذلال طويلة" (أي عصا الجبان 
طويلة)» أحضر الأميركيون البارجة "نيوجيرسي" وكان ذلك بطلب من أمين 
الجميّل. صب الأميركيون جام غضبهم على لبنان» ووجهت [البارجة الحربية] 
"نيوجيرسي" قنابلها الضخمة ضد المسلمين ومناطق الجبل في محاولة يائسة. 
كانت حكومة أمين الجميّل قد وقّعت اتفافًا مع الصهاينة في 17 أيار/ مايو 
3» وكانت قوات الحركة الوطنية اللبنانية وأمل وحزب الله والفصائل 
الفلسطينية على بعد كيلومتر واحد أو كيلومترين من قصر بعبدا. وكان يمكن 
إلحاق الهزيمة بأمين الجميّل ومعسكره الانعزالي» ولكن نظرًا إلى الضغوط 
الأميركية على سورية» ونظرًا إلى تخوّفها من أن تكون الحرب إسلامية - 
مسيحية» ولأن سورية تولي أهمية خاصة لأوضاع المسيحيين في المشرق 
العربي - وحتى لمسيحيي سورية نفسها - فقد امتنعت عن إلحاق الهزيمة 
العسكرية بالقوات الانعزالية واحتلال قصر بعبدا. وبدلّا من ذلك اشترطنا 
نحن وسورية لإيقاف القتال أن يلغى الجميّل اتفاق 17 أيار. زار أمين الجميّل 
العواصم الغربية طالبًا النجدة» زار باريس وواشنطن, ولكن الرعب الذي أصاب 
هذه العواصم من العمليات الانتحارية جعلها تتخذ موقمًا سلبيًًا من مناشداته» 
وطلب الرئيس الأميركي ريغن ووزير خارجيته شولتز من أمين الجميّل» العمل 
على إقناع سورية وليبيا ب"تجميد اتفاق 17 أيار" بدلا من إلغاته. بعد باريس» 


60ظ16 


وإقناعها باستقبال الجميّل» فاتصل الملك الحسن الثاني بالأخ معمّر عارضًا 
عليه طلب الجميّل. اتصل الأخ معمّر بي وأجرينا مناقشة عبر الهاتف وتداولنا 
حول موضوع الزيارة. في الواقع» كنت ضد زيارة الجميّل» ولكن الأخ معمّر 
قال لي: "زيارته لليبيا تعني اعترافه واعتراف الغرب بأن الحل في طرابلس 
ودمشق وليس في باريس وواشنطن"». فغيرت موقفي. وبالفعل» قام الجميل 
بزيارة طرابلس» وكنت في استقباله بالمطار» ثم توجهنا مباشرة للقاء الأخ معمّر. 
حينما وصلنا إلى الخيمة وجدنا الأخ معمّر قد أحضر جهاز فيديو وعرض على 
الجميّل شريطًا تلفزيونيًا للبارجة "نيوجيرسي" وهي تقصف منطقة الجبل. بعد 
الترحيب به. ضغط الأخ معمّر على زر الفيديو وقال مخاطبًا الجميّل: "انظر إلى 
نيوجيرسي وهي تمطر لبنان بالقذائف؟ كيف تستعين بقوة أجنبية ضد شعبك؟ 
أو ضد جزء من شعبك؟ أنت بهذا العمل أثبتَ أنك لست رئيس كل لبنان. أنت 
رئيس لجزء من الشعب اللبناني". شعر أمين الجميّل بالحرج الشديد. ثم حاول 
إقناع الأخ معمّر بأن "نوافق على تجميد الاتفاق" بدلا من "إلغائه". 

وكاد الأخ معمّر يوافق لولا أنني تمسكت بالإلغاء» وقلت له: "هذه خطة 
أميركية لأن عام 1983 سنة ميتة في السياسة الأميركية لأنها سنة انتخابات» 
وبعد الانتخابات ونجاح ريغن» سيعود لمحاربتنا بقوة؛ ومن ثمّ يجب أن نغتلم 
الفرصة". وبالفعل» رفضنا مقترح التجميد وأصررنا على الإلغاء. في الطريق 
إلى المطارء قال لي أمين الجميّل: "كنت أعتقد أنني سأجد صعوبة في إقناع 
القذافي» وإذا بي أجد صعوبة في إقناعك أنت". 

إن العمليات الفدائية الجهادية ضد القوات الأميركية والفرنسية.» وكذلك 
ضد قيادة القوات الصهيونية في صورء إحقافًا للحق» كانت بسبب الروح الجهادية 
التى أطلقتها وبشرت بها وحرضت عليها الثورة الإسلامية فى إيران» بقيادة 
الإمام الخميني. وأذكر أنني قمت بزيارة لإثيوبيا بعد هذه العمليات الجهادية» 
فقال لي الرئيس منغيستو هيلا مريام”©: "أنتم العرب قد لا تعرفون قيمة العمل 
الذي قمتم به. كان العالم قبل هذه العمليات الانتحارية يتغنى بالعمليات الفدائية 


(0) رئيس جمهورية إثيوبيا الشعبية الديمقراطية (1991-1987). 


161 


التي قام بها الطيّارون اليابانيون ضد الأسطول الأميركي في ميناء بيرل هاربر في 
7 كانون الأول/ ديسمبر 1941. أنتم بهذه الأعمال تقدمون أرقى أنواع العمل 
الفدائي". كان العمل الفدائي يعني تفجير قنبلة عن بعد أو الهجوم الخاطف 
على هدف محدد. ولكن أن "يُلغم" الإنسان نفسه أو يقود سيارة "مُلعْمة". وهو 
أول من يكون الضحية؛ فهذا أمر لم يعرفه النضال من قبل. لقد قمنا بممارسة 
ضغط شديد.» وحرّضنا الفصائل الفلسطينية والحزب السوري القومي الاجتماعي 
والحزب الشيوعي اللبناني» وكنا نضرب لهم المثل بحزب الله والمقاومة 
الإسلامية لنغيظهم ونستفزهم ونشجعهم ونقول لهم: "أنتم لا تملكون العقيدة 
ولا الجرأة التي يتمتع بها المقاتل الإسلامي في حزب الله والمقاومة الإسلامية". 
كل ذلك كان بهدف تحفيزهم على محاكاة تجربة حزب الله في القيام بالعمليات 
الاستشهادية. وبالفعل» نجحنا مع الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب 
الشيوعى؛ إذ قاما بعمليات استشهادية. وكا نريد أن تستفيد الفصائل الفلسطينية» 
وأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية» من هذه التجربة وهذه الروح الاستشهادية 
التي خلقتها الثورة الإسلامية في إيران وفي صفوف الشباب الشيعة. لقد كنت 
معسجيًا بهذه الثورةء ومعجبًا بهذه العمليات الاستشهادية وبحزب الله والمقاومة 
الإسلامية. إنها النموذج الذي كنا نفتقده. وأذكر أنني في لقاء مع الركيس الأسدء 
قال لي: "في إحدى زيارات مساعد وزير الخارجية الأميركية ريتشارد ميرفي» 
وبينما كنت مجتمعًا به قال لي: نحن في أميركا لا نفهم كيف أن حزب البعث 
العلماني وسورية القومية تتحالف مع الأصوليين في لبنان» وكان بذلك يشير إلى 
حزب الله» فرددت عليه بالقول: "إذا كانت الأصولية هي العودة إلى الجذور فأنا 
أصوليء ثم إِنَ هؤلاء يقاتلون عن سورية والأمة". 

ذهبت مرة أخرى إلى سورية والتقيت بالإخوة من الفصائل الفلسطينية 
والحركة الوطنية اللبنانية. وبمبادرة من ليبياء اتفقنا نحن الأطراف الأربعة (ليبياء 
وسورية» والفصائل» والحركة) على ضرورة تكثيف العمليات الفدائية ضد 
القوات الصهيونية في جنوب لبنان وفي فلسطين. التزمت ليبياء طبقًا لهذا الاتفاق 
بتمويل العمليات الفدائية فضلًا عن الدعم المقرر أصلًا؛ نظرًا إلى حاجة هذه 
العمليات النوعية إلى إمكانيات وتقنيات خاصة. اقترحت على الإخوة في سورية 


162 


أن نعمل معًا ومع حزب الله وأمل وأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية على تفجير 
"انتفاضة" شعبية مسلحة ضد القوات الصهيونية فى الجنوب اللبنانى. ولللأسف» 
فإن هذا النوع من الأعمال الجريئة لم يكن يلقى الفهم الكامل ولا التجاوب, نظرًا 
إلى العقلية العربية المحافظة التي لم تتعلم "روح المجازفة"؛ ذلك أن المنهج العام 
محافظ بطبيعته» من البيت إلى الجامعة. حينما تفجّرت ثورة الفاتح من سبتمبر 
العظيمة» كانت الأمة العربية تقبع تحت كابوس هزيمة 1967. ورغم الشعارات 
التي شدد عليها مؤتمر الخرطوم (لا للاعتراف. لا للمفاوضات. لا للصلح)» فإن 
عدوان 1967 لم يكن فقط هزيمة عسكرية للعرب» بل كان هزيمة أيديولوجية 
أجهضت "فكرة الثورة العربية"» فجرى استبدال شعار "وحدة الهدف" بشعار 
"وحدة الصف". كان نموذج القومية العربية هو النموذج الفاشي الدكتاتوري» أي 
حكم الفرد/ الأسرة/ العاتلة/ القبيلة؛ لم يكن عند العرب أيّ نموذج سياسي يمكن 
اعتماده. وبدلّا من ذلك؛ كانت هناك "إقطاعيات" سياسية خلقت أنظمة تعتمد 
على أجهزة بوليسية وقمعية وأجهزة استخبارات ووحدات عسكرية قبلية. ولكل 
هذه الأسباب وقعت الهزيمة. نحن لم يهزمنا العدوه ولكن هزمتنا الدكتاتورية. 
نحن شعوب مهزومة من الداخلء» وأنظمتنا أنظمة عائلية/ عشائرية/ قبلية. كان 
ياسر عرفات في زيارة لليبيا في عام 1973» وفوجئنا حين طلب منّا طائرة خاصة 
لنقله إلى القاهرة. وبعد وصوله بساعات» شاهدناه يحضر مع الخائن السادات 
جلسة ما يسمى مجلس الشعب المصري الذي أعلن فيه "زيارة فلسطين المحتلة". 
وشاهدنا عرفات وهو يصفق*2. لقد تآمر عرفات على تدمير الثورة من الداخل. 
كان يفسد الذمم والكوادر والمناضلين» وأعتقد أن دول الخليج بدأت بدعمه. 
حينما تأكدت أن الدعم لا يقود إلى التحرير» وإنما إلى تدمير الثورة وخلق "سلوك 
غير ثوري". إنه البترودولار» عماد الثورة المضادة. 


(24) في 16 تشرين الأول/ اكتوبر 21973 ألقى الرئيس المصري محمد أنور السادات خطابًا أمام 
مجلس الشعب المصري أعلن فيه استعداد مصر لحضور مؤتمر دولي للسلام لوضع قواعد وضوابط 
السلام في المنطقة. وهو ما مثل إحدى الحلقات المبكرة في إعلانه في 9 تشرين الثاني / نوفمبر 1ظ1 
أمام مجلس الشعب المصري استعداده لأن يذهب إلى أقصى العالم لتحقيق السلام حتى ولو كان 
القدسء وبحث مسألة السلام وجهًا لوجه. 


163 


في 21 آب/ أغسطس 1982» قررت منظمة التحرير الفلسطينية الخروج 
من بيروت. طلبنا من القيادات الفلسطينية أن "ترفض" هذا القرار» وأن يفضل 
الفلسطينيون "الانتحار" على الخروج المُذل. لقد كان خروجًا مُدَلَاهِ ليس 
للثورة وحدهاء بل لكل الأنظمة العربية والجماهير العربية. في هذا الوقتء 
أدخل عرفات والنظام السياسي العربي المستسلم الثورة في "حمّام للتبريد". قال 
لنا عرفات مرات كثيرة: "هذا هو عصر الدولار السعودي"» وكان يعبر بذلك 
عن الدور التخريبي الذي تؤديه السعودية من شراء ذمم وضمائر السياسيين 
والمثقفين والصحافيين العرب. وحتى "الثوريين العرب". قاد عرفات والرجعية 
العربية والملك الحسن الثاني والنظام المصري عملية حمّام الماء البارد أو عملية 
تدجين الثورة وترويضها. وإذا كانت قرارات القمة العربية تؤكد أن منظمة التحرير 
الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينيء فإن هذه القرارات 
تبدو في ظاهرها تكريسًا للهوية الفلسطينية. أما في الواقع» فإن منظمة التحرير 
هي "ثوب" مصمم لعرفات» وحينما يقال "منظمة التحرير" فإن المقصود ياسر 
عرفات. أفرغ عرفات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من محتواهاء وركّز 
كل شىء فى يده وضمن بطانته. كان يقول فى الاجتماعات» وهى عادةً مجردٌ 
"منابر خطابية": "خليهم يتكلمون أنا عندي الشيك والقلم". دغدغ هذا الشعار 
العواطف الوطنية الفلسطينية» ولكنه كان يحمل أبعادًا تآمرية على قضية فلسطين. 
استطاع عرفات أن يخدع القيادات الفلسطينية» لما تبنى شعار إقامة "السلطة 
الوطنية الفلسطينية على أي جزء يتم تحريره"*. وللأسفء. نجح عرفات في 
إقناع الفصائل الفلسطينية. وبعد أوسلوء ها هو يقول: "إنه ينفذ قرارات المجلس 
الوطني الفلسطيني". بعد شحن "الثورة الفلسطينية" في السفن الغربية» بحماية 
السفن الأميركية والفرنسية» وبعد أن جرى التآمر على البندقية الفلسطينية والكفاح 
الوطني الفلسطيني والمقاومة» عقد "مؤتمر قمة" فاس في الفترة 9-6 أيلول/ 
(25) أقر المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 برنامج النقاط العشر الذي نص على أن تناضل 
منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية» وإقامة سلطة 
الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها. وهذا يستدعي 
إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله. 


14 


سبتمبر 1982 بطريقة احتفائية» وبأمر من الولايات المتحدة» للإعلان عن نهاية 
المقاومة والثورة. وبالطبع لم نشارك في هذا المؤتمر. لقد رفض العرب الدعوات 
المتكررة منّا خلال حصار بيروت في عام 21982 لعقد قمة عربية. لكن بعد أن 
تحققت المؤامرة» عقدوا قمة» تطبيقًا للمثل القائل: "إذا لم تستح فافعل ما شعت". 
ثم بدأ عرفات بالتآمر في طرابلس.ء اللبنانية» وفي البقاع والجيل» وفي الجنوب 
اللبناني؛ فتفجّر الخلاف داخل حركة فتح» وقاد نمر صالح** وأبو موسى» سعيد 
مراغة» وأبو خالد.» موسى محمود العملة”©» حركة الانشقاق» فسافرتٌ على 
عجل إلى سورية وعقدتٌ سلسلة اجتماعات مع الإخوة السوريين ومع أبو صالح 
وأبو موسى وأبوخالد العملة» ومع أحمد جبريل» واتفقنا جميعًا على إخراج 
عرفات من طرابلس ومخيمات الشمال. وبالفعل» تمكنًا من إخراجه. قامت 
قواتنا الموجودة في لبنان» بتقديم الإسناد المدفعي في المعركة لإخراج عرفات. 
شكلت الخطة الأميركية - الصهيونية» التي أطلقها الملك فهد. أساس "تصفية 
قضية فلسطين"؛ إِذْ طلبت واشنطن من الملوك والرؤساء العرب عقد قمة للموافقة 
عليها. وبالفعل» عقد اجتماع في فاس بالمغرب يوم 6 أيلول/ سبتمير 21982 
وحضرته كل الدول العربية ما عدا ليبيا. قررنا مقاطعة "مؤتمر الخيانة". 


ثم تبنى المؤتمر "خطة السلام" التي عرضها الملك فهد*2. فأصدرنا بيانًا 


(26) نمر صالح (1991-1935): أحد أهم مؤسسي فتح - الانتفاضة. شغل منصب نائب القائد العام 
لقوات العاصفة» الجناح العسكري لحركة "فتح" وعضو في اللجنة المركزية فيهاء وقد كان محسوبًا على 
ماسمّي التيار اليساري بالحركة. وضعته السلطات السورية قيد الإقامة الجبرية في منزله. حيث توفي 
بنوبة قلبية عام 1 199. 1 1 
(27) موسى محمود العملة, أبو خالد (2012-1930): نائب أمين سر حركة فتح - الانتفاضة قبل أن 
يفصل منها على خلفية اتهامه بالارتباط بتنظيم فتح الإسلام. كان أحد أهم القادة العسكريين الفلسطينيين 
فى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. 

(28) مشروع الاأمير فهد بن عبد العزيزء أو المبادرة السعودية للسلام عام 1981: هو مبادرة سلام 
طرحها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعودء في محاولة لإيجاد حل للصراع 
العربي - الإسرائيلي» تنص على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتّلت في عام 
7 بما فيها القدس العربية» وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 
7» وضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة:» وتأكيد حق 
الشعب الفلسطيني في العودة» وتعويض من لا يرغب في العودة. ودعت المبادرة أيضًا إلى أن تخضع 


165 


رفضنا فيه مقررات قمة فاس. كنت أنا والأخ معمّر في مدينة سبها جنوب ليبياء 
وهناك قدنا تظاهرة حاشدة شارك فيها نحو 50 ألف متظاهر. كانت التظاهرة 
عفوية ومن دون ترتيب أو إعداد. جهزنا صورًا ودمّى للملوك والرؤساء العرب» 
وأحضرنا فأسًا وقمنا بتهشيم الصور والدمى, باستثناء صورة حافظ الأسد. 
مراعاة لظروف سورية وجغرافيتها وتعرضها لضغوط غربية» ولأننا نريد أن نبقي 
على علاقتنا الجيدة مع دمشق وجرّها إلى موقفنا. 

كان الملك الحسن الثانى يقول» وهو على حق: "إن كل العرب حضروا 
قمة فاس ووافقوا على مقرراتها ماعدا ليبياء وبالتالى فمن حقها أن تعارض". 
وهكذاء بدأ مسلسل التآمر وتصفية القضية الفلسطينية» فقد نبذ عرفات العمل 
الفدائى» ووصفه بأنه "إرهاب" بناءَ على طلب الولايات المتحدة» لما أعلن 
بالإنكليزية اعترافه بدولة غير شرعية في فلسطين. ومن المؤسف أنني كنت 
مشغولا في منطقة الجنوبء نظرًا إلى الإخفاقات التي كانت تعانيها قواتنا في 
تشاد في فايا ووادي الدومء وقيام حسين هبري باحتلال قرية أوزو. استغل 
عرفات هذا الوضعء وكان الآخ معمّر في حالة نفسية سيئة» فقام بخداع الأخ 
معمّرء ويبدو أن من ساهموا في الخداع جورج حبش ونايف حواتمة» حين 
اتفقوا على عقد المجلس الوطنى الفلسطينى فى الجزائر. أدت الجزائر دورًا 
كبيرًا في التحضيرات لعقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني؛ لأن الجزائريين 
كانوا يرفعون "شعارًا إقليميًً"”: لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين» نقبل 
بما يقبل به الفاسطينيون. رفضت حركة فتح - الانتفاضة وأحمد جبريل» وحركة 

فتح - المجلس الثوري والصاعقة, الا شتراك في إعداد الوثيقة الأساسية لدورة 
المجلى؛ كما رفضوا المشاركة فيه. لكن - للأسف - أعطى حبش وحواتمة 
الغطاء لعرفات. لمّا علمت بعقد هذا الاجتماع. ورغم أنني كنت مشغولًا 
بالعمليات في الجنوبء. اتصلت بالأخ معمّر واعترضت على عقد المجلس 
الوطني في الجزائر وعلى "فكرة" الوثيقة المطروحة. شكلت دورة المجلس 
الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة خلال مدة لا تزيد على بضعة أشهرء 
وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدسء وتأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام؛ على أن 


تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ. 


166 


الوطنى الفلسطينى فى الجزائر بداية التفريط فى القضية الفلسطينية؛ إِذْ أصدر 
المجلس قرارات استسلامية» كما أطلقت يد عرفات لتقديم مزيد من التنازلات. 


قبل هذه الأحداث بسنتين» وبعد حرب الخليج الثانية )2 آب/ أغسطس 
0 - 28 شباط/فبراير 1991)»: وتدمير العراق بما يقرب من عشر 
سنوات. انتزع الأميركيون والصهاينة وقوى الاستسلام زمام المبادرة» واستغلوا 
الانهيار الذي أصاب الأمة العربية ليفرضوا عليها الاستسلام» وتصفية القضية 
الفلسطينية؛ فأعلن الرئيس الأميركي جورج بوش”2. في 30 تشرين الأول/ 
أكتوبر 1991» عقد مؤتمر مدريد الاستسلامي الخياني» ليفرض المفاوضات 
المباشرة» إمعانًا في إذلال العرب» ولم يكن اختيار مدريد مجرد مصادفة كما 
قال جيمس بيك ر””» وزير الخارجية الأميركى. لقد كان هذا الاختيار زيادة فى 
إذلال العرب؛ إذ صادف مرور 500 عام على "خروج العرب من الأندلس". 
وكنًا أعلنا فى ليبيا أن هذا المؤتمر "مؤتمر خيانة" لقضية فلسطين والأمة» وأنّ 
الذين يشاركون فيه "خونة"» ورفضنا مُسبقًا ولاحقًا كل قراراته المترتبة عليه» لأنه 
فُرض على الأمة فرضًا. وأعلنًا أنّ الأمة العربية تتبرأ من المؤتمر ومن نتائجه؛ 
ولذا فهو لايكتسب أي مشروعية. وللأسف. قرّر اتحاد المغرب العربىيء 
باستثناء ليبياء إرسال الأمين العام للاتحاد ممثلًا له في مدريد. وهو تونسي» 
بعيد» إضافة إلى أن إرساله يخالف اتفاقية اتحاد المغرب العربى التى تنص 
على الإجماع". أرادت الولايات المتحدة قرارًا إسلاميًا بالموافقة على مبادرة 
بوش وعلى عقد مؤتمر مدريد» وطلبت عقد مؤتمر قمة إسلامي. وبالفعل؛ عقد 
المؤتمر في دكار بالسنغال”'”» وتبنى خطة بوش لتصفية القضية الفلسطينية» 
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بإلغاء قرارها السابق الذي يعتبر 


(29) جورج هربرت بوش (2018-1924): رئيس الولايات المتحدة الأميركية (1993-1989). 
(30) وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية (1992-1989). 

(31) مؤتمر القمة الإسلامية السادس المنعقد في العاصمة السنغالية دكار» في الفترة 11-9 كانون الأول/ 
ديسمبر 1991» وقد أعرب قادة الدول الإسلامية عن تأيبدهم للجهود والمساعي التي أدت إلى عقد مؤتمر 
السلام في مدريد لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية والنزاع العربي - الإسرائيلي. 


167 


الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية» وكذلك فعل المؤتمر الإسلامى فى 
السنغال تماشيًا مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد انسحبنا من آخر 
مؤتمر قمة عقد في الدار البيضاء بالمغرب*22؛ لأن المؤتمر اعترف بالعدوٌ 
وفرّط فى الحق القومىء. وأعطى إشارة الانطلاق لتصفية القضية الفلسطينية» 
وشكّل بداية الاستسلام للمخطط الصهيوني - الأميركي. وقد أصدرنا أمرًا 
لمكتب الاتصال الخارجي باستخدام كلمة "الرفض" بدلا من "عدم الموافقة" 
أو "التحفظ"» ورفضنا قرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي 
عقد لمباركة مؤتمر مدريد والموافقة على "المفاوضات المباشرة". 

لقد أعطيت القضية الفلسطينية كل وقتي منذ طفولتي» فشبابي. أعطيتها 
عقلي وقلبي وتفكيري وعرقي ودميء ولكن - للأسف - ضاع كل هذا وذهب 
مع الريح» ريح الانهيار العربي. وأنا كلّي ثقة بأن رياح الثورة والتغيير والمقاومة 
سوف تهب من جديد. 


حرب المخيّمات في لبنان 


حينما اندلعت حرب المخيّمات بين حركة "أمل" المدعومة من سورية» 
والفصائل الفلسطينية» خلال الفترة أيار/ مايو 1985 - تموز/ يوليو 21988 


سافرت على عجل إلى دمشق لإخماد هذا النزيف القومي المادي والمعنوي. 
وكان يرافقني الأخ ضو سويدان”*”» الكاتب العام لمكتب الاتصال الخارجيء 


(32) مؤتمر القمة الإسلامية السابع في المغربء الدار البيضاء: الذي عَقد في الفترة 15-13 
كانون الأول/ ديسمبر 1994» وأعرب المؤتمر عن دعمه وتأييده للمسيرة السلمية في الشرق الأوسطء 
ورحب بالاتفاقات التي تم عقدها في إطارهاء ولاحظ أن نجاح عملية السلام يتوقف على استنادها إلى 
قرارات الشرعية الدولية» بما فيها قرارات مجلس الأمن رقم 242» ورقم 4338 ورقم 425 والالتزام 
بتطبيقها وبالفهم العربي والدولي لها على أساس صيغة "الأرض مقابل السلام". وتمكين الشعب 
الفلسطيني من نيل حقوقه الوطنية والسياسية. 

2330 ضو سويدان (2020-1938): سياسي ودبلوماسي ليبي. شغل في عام 1981 منصب الكاتب 
العام لمكتب الاتصال الخارجيء والأمين المساعد للمكتب الشعبي للاتصال الخارجي والتعاون 
الدولى. وفى منتصف الثمانينيات» جرى تعيينه أميئًا مساعدًا بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية للشؤون 
السياسية» ثم أمينًا عامًا لشؤون الإعلام حتى بلوغه سن التقاعد. 


168 


أي تمامًا كما حدث عام 1975» وكما حدث في عام 1986. ذهبت إلى دمشق 
للاجتماع بالرئيس حافظ الأسد وفصائل الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية 
اللبنانية» وكلت أعتقد أن زيارتى سوف تستمر أيامَا أستطيع فيها وقف هذه 
الحرب المقززة التي تشكل نزيفا قوميًا وتدمي قلب كل مواطن عربي من 
المحيط إلى الخليج. ونظرًا إلى خطورة الموقف وحساسيته. فقد قرّرت أن 
"أعسكر" في دمشق حتى أتمكن من إطفاء الحريق. تعاونت مع الإخوة في 
إيران» حيث كان يوجد أيضًا الثوري الصلب حسين شيخ الإسلام» ممثلا للثورة 


ع 


الإسلام والسفير الإيراني» يتنقلان بين دمشق وبيروت». جيئة ذهابًا. أمضيت 
قرابة ثلاثة أشهر. كنت أجاهد خلالها في اجتماعات مضنية وطويلة وشاقة وفي 
أجواء انعدام للثقة تام بين الأطراف المتحاربة؛ فالفلسطينيون يعتبرون أن سورية 
تحاربهم بواسطة حركة أمل» وأن الحركة ألعوبة في يد سورية» وهم يشاهدون 
الشاحنات تنقل إليها الأسلحة والذخائر. كان الإخوة فى سورية يقولون» على 
العكس من ذلكء إِنَّ حركة أمل هي التي تحاصر المخيّمات, وإنه لاعلاقة لهم 
بالحركة ولا سيطرة لديهم عليهاء ويقولون» من جانب ثانٍء إن هناك مؤامرة 
من عرفات في المخيّمات» ولايمكن من ثمّ فك الحصار من دون استسلام 
"جماعة عرفات" وأن يخرجوا منها ويسلموا أسلحتهم. 

ما أثار إعجابي هو وحدة الفصائل الفلسطينية في مواجهة الحصارء 
وإجماعها على أن هذه الحرب هي "قرار سوري" و"إرادة سورية" حتى 
الفصائل التي تناصب عرفات العداءء مثل "فتح - الانتفاضة" وأحمد جبريل» 
كانوا أكثر صدامية مع سورية» وكانوا من أشد المقاتلين ضد أمل. كل الفصائل 
رفضت بالإجماع محاولات سورية لشق وحدتها. قاتلت "جماعة عرفات" مع 
جماعة أحمد جبريل والانتفاضة والمجلس الثوري والجبهة الشعبية والجبهة 
الديمقراطية؛ لأن حجة سورية كانت أن جماعة عرفات يريدون العودة إلى 
بيروتء وأن هذه الفصائل ليس لها أي وجود. وأن كل المقاتلين هم من جماعة 
عرفات» ويدّعون أنه حتى لو كان لهذه الفصائل وجود. فهو "متواضع" داخل 
المخيمات. 


لقد اشتراهم عرفات, لكن الحقيقة أنه في مواجهة الخطرء جمّد الجميع 
خلافاتهم وقاتلوا على أنهم إخوة» وكانوا موضع اعتزازي وإعجابي» وكنت 
أطلب منهم أن يواجهوا المؤامرة بقلب رجل واحد ويد واحدة» وكنت أحثهم 
على ذلك. كانت سورية تشترط» لتضغط على أمل لرفع الحصارء إخلاء 
المخيّمات من المظاهر المسلحة» وتسليم الأسلحة وأن تتولى الشرطة اللبنانية 
الأمن في المخيّمات. كان الإخوة السوريون يقولون إن عرفات "يتآمر على 
سورية ويخطط للعودة إلى بيروت» وإن سورية لن تسمح بذلك". بل إنهم 
قالوا لي عدة مرات إن "جماعة عرفات يخرجون ليلا إلى بيروت ويخططون 
لإحداث فتنة فيها". وكنت أقول لهم إن الفصائل الفلسطينية الأخرى مستعدة 
للسيطرة على المخْيّمات ومنع جماعة عرفات من الخروج إلى بيرووت 
بأسلحتهمء وكانوا يردّون قائلين لي: "إن الفصائل الفلسطينية ليست لها سيطرة 
على المخيمات. معظم المسلحين هم من جماعة عرفات» وحتى مجموعاتهم 
القليلة ليس لديها القدرة على فرض السيطرة على المخيّمات. لقد اشتراها 
عرفات". ولم يكن ذلك صحيحًا. 


أمضيت الأيام والليالي والأسابيع والأشهر في اجتماعات مطوّلة» تصل 
أحيانًا إلى عشر ساعات. كانت أجواء انعدام الثقة هي السائدة بين السوريين 
والفصائلء وبدا التشنج هو السمة التي تطغى على تصرفات الجميع. لقد 
وجدت نفسي أمام معادلة صعبة: فمن جهة. الإخوة السوريون يكرّرون أنهم 
لا يسيطرون على حركة أمل» وبالطبع لم يكن هذا صحيحًا؛ ومن جهة أخرى. 
يقولون إنه لا بد من خروج مسلحي عرفات من المخيّمات وضرورة تجريدها 
من السلاحء وإن الأمن اللبناني هو مّن يتولى الأمن فيهاء في حين تقول الفصائل 
الفلسطينية إن قرار الحصار هو قرار سوري تنفذه أمل» ويؤكدون أن الشاحنات 
التي تحمل الذخائر والسلاح إلى أمل تعبر إلى بيروت» ويقولون إنه حتى لو 
اتفقوا مع سورية حول "نيات عرفات"» فإنهم» بصفتهم فصائل فلسطينية» يرون 
أن سورية لم تترك لهم أيّ خيار آخر سوى القتال» وأن محاصرة المخيّمات 
تخدم مخطط عرفات وتضعف مواجهة نهجه الخياني. 


10 


كنت أتبنى وجهة نظر الفصائل الفلسطينية كليّك وكنت أطلبٍ منهم أن 
يقاتلوا معًا. وبالفعل» أثبت الفلسطينيون صمودًا ووحدة قتالية رائعة» رغم 
محاولة سورية إحداث الفرقة بينهم. وهكذاء تعاونت القوات الفلسطينية داخل 
المخيّمات مع القوات الموجودة في الجبل» واضطلعت قوات أحمد جبريل 
والانتفاضة بدور أساسى هناك. حاولت ليبيا إرسال قوات وأسلحة وذخائر. بيد 
أن سورية رفضت» بل إننا حاولنا استخدام مخزون الأسلحة الذي كنا نملكه 
داخل دمشق؛ فرفضت سورية أن تسمح بذلك» ورفضت أن تسمح للفلسطينيين 
بإرسال أسلحة من سورية إلى منطقة الجبل. ومع ذلك. أدار الإخوة 
الفلسطينيون المعركة بوحدة متراصة وإدارة عسكرية وسياسية وإعلامية» وكان 
السوريون منزعجين من هذا الصمود البطولي الذي أيقظ الجماهير العربية 
وشحذ هممها. ومثل هذا الأمر ضغطًا على سورية» فأصبحت في نظر الرأي 
العام العربي "مدانة", وكان الشارع العربي يغلي غضبّاء وكانت وكالة الأنباء 
والمعلومات الفلسطينية (وفا) تصوّر الوضع في المخيّمات على أنه "وضع 
مأساوي". وأن "النساء والأطفال باتوا يأكلون القطط والكلاب والفئران". 

كانت هذه الصور الراعبة» سواء أكانت حقيقية أم مبالعًا فيهاء تزيد من 
غليان الشارع العربي وتضاعف من سخطه على سورية. أدت إيران وليبيا 
وصمود الفلسطينيين» وحسن إدارتهم للمعركة الدعائية» دورًا حاسمًا في وضع 
سورية طرقا مُتَهَمًا ب "تنفيذ" مؤامرة ضد الفلسطينيين» وأنها تريد القضاء على 
"البندقية" الفلسطينية في لبنان» وتريد "إبادة الشعب الفلسطيني". وهذا ما نجح 
الإعلام الفلسطيني في تصويره. 


كان السوريون منزعجين من قدرة الإعلام الفلسطيني على "تهييج الشارع 
الفلسطيني" وفي تصوير سورية طرقًا يقوم "بأعمال وحشية ضد المخيّمات". كان 
عبد الحليم خدام نائب الرئيس الأسد. ومعه حكمت الشهابي رئيس الأركان» 
وعلي دوبا مدير المخابرات العسكرية» يقولون لي: "خلاصء المخيّمات 
سقطت". وكنت أضحك. لأنني أعرف أنها لم تسقط. وفي اليوم التالي» يكرّرون 
الأسطوانة نفسهاء وكنت أقول لهم: "لن يحصل هذا". ثم مارست ضغطًا على 


171 


الحركة الوطنية اللبنانية بكل أحزابها برئاسة وليد جنبلاط» الذي تعلّم بسرعة» 
واكتسب وعيًّا قوميّاء لكن الحركة اللبنانية كانت واقعة تحت ضغط شديد من 
سورية؛ ولذا كان لها موقفان: موقف معلن مساير لسورية» وموقف ميداني 
داعم للفلسطينيين. كان وليد جنبلاط وبقية الأحزاب يقولون لي: "إن العرب 
لايريدون أن يتحملوا مسؤولياتهم» ويريدون من لبنان أن يدفع الثمن". 
وكانوا يقولون: "إن الفلسطينيين في ليبيا وفي بقية البلاد العربية لا يسمح لهم 
بحمل مسدس". كان السوريون يتهمون وليد جنبلاط بالتعاون مع عرفات» 
وكنت أخشى على سلامته من أن يلقى مصير والده. وكان لعاصم قانصوه 
الأمين القُطري لحزب البعث السوري في لبنان» موقف مخالف ومغاير 
للموقف الرسمي في سورية» فقد طلب من عناصره في صيدا أن يقاتلوا مع 
الفلسطينيين» وقد دفع ثمن ذلك وبات مغضوبًا عليه وتمّت تنحيته من رئاسة 
الحزب». وكذلك مصطفى سعد*© الذي كان يتهمه الطرف السوري بأنه 
"عرفاتي" أو يتعاون مع عرفات» والحقيقة أنه كان يتخذ موقفًا قوميّاك ويقف 
مع كل الفصائل الفلسطينية في صيدا. طلبت عدة مرات من وليد جنبلاط أن 
يذهب إلى صيدا ليضغط على جماعة عرفات للانسحاب من المدينة. كان 
الموقف الظاهري للحركة الوطنية اللبنانية مسايرًا لسورية» ولكنه فعليًا كان 
يتعاطف مع الفلسطينيين. وأخيراء نجحت في إقناع الفصائل (جميعها) عدا 
جماعة عرفات» والتي لم أكن أتعامل معها على أن يتمّ الانسحاب من منطقة 
مغدوشة”*2 وفك الحصار عنهاء لأن سورية جعلت من هذا الأمر بمنزلة 
"قميص عثمان" واشترطت لفك الحصار انسحاب الفلسطينيين من هذه 
المنطقة أي من "خارج المخيّمات" والعودة إلى داخلهاء وهو ما أطلق عليه 
"التمدد الفلسطيني خارج المخيمات". 


(34) مصطفى معروف سعد (2002-1951): نائب لبنانى سابق عن مدينة صيداء انتُخب أمينًا عامًا 
للتنظيم الشعبي الناصري خلمًا لوالده عام 1975. كان عضرًا باررًا وفاعلًا في قيادة القوات المشتركة 
اللبنانية - الفلسطينية في الجنوب قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان. قاد جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 
منطقة صيداء منسقًا بين الفصائل المنضوية إليهاء وقد اتم عملها بالفاعلية والنجاح. 

(35) إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء صيدا فى محافظة الجنوب. 


12 


ولم يكن سهلا عليّ إقناع حبش وحواتمة وجبريل وأبو موسى و"جماعة 
أبو نضال" والنضال الشعبي» لأنهم كانوا في قمة التشنج. لقد فقدوا الثقة 
بسورية» وكانوا يقولون إنها تنفذ مخططًا لتصفية "البندقية الفلسطينية" في لبنان» 
ولكن بعد صبر ومثابرة وإرادة لا تكل» وبإرادة ثورية صلبة وحديدية لا تعرف 
المستحيل» وبعد سلسلة اجتماعات فردية وجماعية» تمكّنت بعون الله وتوفيقه 
من تحقيق الهدف. لقد استمر بعض الاجتماعات ليالي وأيامًا من الصباح حتى 
الغروب» وأحيانًا من الغروب حتى الفجرء كنت أجتمع خلالها مع الإخوة 
السوريين والفصائل والحركة الوطنية اللبنانية» وأحيانًا كنت أعقد اجتماعات 
ثلاثية» مرة مع الإخوة السوريين والفلسطينيين» ومرة أخرى مع الفلسطينيين 
والحركة الوطنية اللبنانية. وقد فوجكت يومًا بأن الرئيس حافظ الأسد يطلبنى. 
فذهبت للقائه. قال لي: "نحن نستغرب من نصدّق؟ هل نصدقك أنت أم الأخ 
عرفات وحواتمة وحبشء» يطلب منهم عدم الانسحاب من منطقة مغدوشة؛ 
فصعقت من هذا التصرفء وقلت له: "يا أخ الرئيس أنا عارف ماذا أعمل» وقرار 
وجودي هنا قرار شخصي وليس قرار قيادة» وهو ناتح عن الترامي القومي 
وحبي وحرصي على سمعة سورية, والتزامي بالحفاظ على الثورة الفلسطينية» 
وأنت تعرف أن قرار بقائي في سورية وذهابي إلى لبنان عام 1975 كان أيضًا 
قرارًا شخصيًا ولم يكن قرار القيادة» بل إن القيادة كانت ضد قراري هذا 
فقال لي: "خلاص. ابق واستمر في مهمتك وستجد منا كل تشجيع". وبالفعل» 

خلال مباحثاتي مع الرئيس الأسد كنت أشاهد في وجهه مشاعر الألم 
والمرارة مما يجريء كان يقول لي: "الفلسطينيون يشيعون بين الناس أن النساء 
والأطفال والشيوخ في المخيّمات يأكلون الأعشاب والقطط والكلاب"” ثم 
يضيف مازحًا: "فى الدعاية لا أحد يغلب الفلسطينيين". توصلنا إلى "اتفاقات" 
محدّدة عدة مرات» وكنت خلالها أطلب طائرة من طرابلس للعودة» وكنت 
أحزم حقائبي استعدادًا لمغادرة دمشق» وفجأة في آخر لحظة "ينهار الاتفاق". 
والسبب كان دائمًا هو عدم الثقة بين الأطراف المتصارعة؛ وبالطبع بسبب 


13 


تدخلات عرفات وتخريبه لأي اتفاق. لكن بفضل بفضل التصميم الثوري والإورادة 
الحديدية وسهر الليالي» بأعصاب باردة وأحيانًا متوترة» وبفضل التمسك بهدف 
محدد هو وقف المؤامرة وإنهاء حصار المخيمات» نجحت أخيرًاء بعد تسعين 
ما من العمل الشاق. كان فضل شرورو من الجبهة الشعبية - القيادة العامة» 
وأبو ماهر (أحمد حسين) اليماني من الجبهة الشعبية» وياسر عبد ربه من الجبهة 
الديمقراطية» قد ذهبوا عدة مرات إلى صيدا للإاشراف على تنفيذ الانسحاب» 
لكنهم لم يتمكنوا من تنفيذ الاتفاق؟ ولذا قررت استدعاء مصطفى سعد وطلبت 
منه الضغط على الفلسطينيين» وخاصة جماعة عرفات وجماعة أبو نضال. وبعد 
ضغوط شديدة حسم مصطفى سعد أمره وتردده» فعقدت اجتماعًا آخر معه 
ومع الفصائل الفلسطينية. كان مصطفى يتعرض لضغط من سورية» وقد قال 
للفلسطينيين حرفيًا: "اسمعوا يا شباب» مجال المناورة أصبح محدودًا وعليكم 
أن تنسحبوا من مغدوشة إذا أردتم أن تجنبوا شعبكم في المخيّمات المزيد من 
المآسي لأن حركة أمل ستضع شرط الانسحاب مقابل رفع الحصار". 

كان السوريون منزعجين من مصطفى سعدء ويرفضون استقباله ويقولون إنه 
"يشتغل مع عرفات" ولصالحه؛ فطلبت من عبد الحليم خدام أن يستقبل مصطفى 
سعد. وبالفعل» تمّ ذلك. بدا مصطفى سعد مبتهجًا ومرتاحًا للقاء خدام واعتبر 
ذلك بداية "رضا" السوريين عنه. وهذا ما شجعه على حسم أمره وتردّده. في 
السابق كان يرفض الحضور إلى دمشق ويرسل شقيقه أسامة سعد©" بدلا منه. 
واتفقت أنا والفلسطينيون ومصطفى سعد على الانسحاب من مغدوشة والعودة 
إلى المخيّمات. تعهد مصطفى أن يضغط على جماعة عرفات لكي ينسحبوا مع 
بقية الفصائل. عاد مصطفى إلى صيدا ومعه عبد ربه من الديمقراطية وأبو ماهر من 
الشعبية وفضل شرورو من القيادة العامة وأشرفوا على الانسحاب. 

كنت أتابع عملية الانسحاب بواسطة جهاز اللاسلكي حتى تمّت بنجاح. 
لقد كانت أيامًا عصيبة تُدمي القلوب. تعبت وسهرت وأرهقت. لكنني 


(36) أسامة سعد (1954-): سياسي لبناني» وعضو في مجلس النواب» وزعيم التنظيم الشعبي 
الناصريء وهو ابن السياسي الراحل معروف سعد. 


174 


كنت مرتاح الضميرء لأنني قمت بواجبي. وأريد أن أشيد هنا بدور إيران 
الرائتد وحزب الله. كان مشهدًا جميلًا ذلك الذي رأيته» في الإذاعة المرئية 
[التلفزيون]» شاحنات التموين وهي تخترق الحصار في مخيم الرشيدية» 
يتقذمها رجال دين شيعة من إيران وحزب الله. كانت صورًا رائعة» فهم كانوا 
يعرّضون حياتهم للخطر من أجل أن تصل شاحنات الطحين والأرز. 

لقد نجح العمل البطولي الجهادي الذي قمت به بالتعاون مع إيران» ممثلة 
في حسين شيخ الإسلام وسفير إيران في سورية وحزب الله. في رفع الحصار 
عن المخيّمات ووقفت الحرب. نعمء لقد قضيت حوالى ثلاثة أشهر بعيدًا عن 
ليبياء وهى فى حاجة إلىّ» حيث كانت أسعار النفط قد انخفضت بنسبة كبيرة» ما 
أثر هذا في الوضع الاقتصادي. وحيث كانت مرحلة الرئيس ريغن من أصعب 
مراحل المواجهة مع واشنطن. كانت هناك حرب دعائية واقتصادية وسياسية 
وعسكرية. وما زاد من مصاعب ليبيا في هذا الوقت هو اندلاع الحرب مع 
تشاد. اختل التوازن في هذه الحرب لصالح العدوء ومنينا بإخفاقات عسكرية. 
كان الأخ معمّر يطلب مني العودة» نظرًا إلى كل هذه الأوضاع والظروف التي 
تمر بها ليبياء ولكنني رفضت حتى تحقيق المهمة المقدسة. في هذا الوقت» لم 
يكن هناك شيء في نظري يعلو على القضية الفلسطينية» وكنت أقول له: "حينما 
أقاتل التآمر ضد البندقية الفلسطينية في لبنان» وضد الجماهير الفلسطينية في 
المخيّمات. فإنني أدافع عن ثورة الفاتح". وأذكر أنني فور وصولي طرايلس 
عائدًا من دمشق يوم 2 آذار/ مارس 1985.» ذهبت إلى سبها مباشرة نظرًا إلى 
وجود الأخ معمّر هناك. كان هذا يوم الإعلان عن "قيام سلطة الشعب". وكان 
يحضر الاحتفال الصادق المهدي رئيس وزراء السودان0”. وجدت الأخ معمّر 
غاضبًا مني غضبًا شديدّاء نظرًا إلى فترة الغياب الطويلة عن ليبيا وهي تمر 
بظروف صعبة» ثم طلب من وسائل الإعلام نقل اللقاء بيننا مباشرة على الهواء. 
وبالفعل» تمّ بث الخبر في وسائل الإعلام الليبية» وكان الغرض من ذلك دحض 


(1) الصادق الصديى عبد الرحمن المهدي (2020-1935): سياسى سودانى ورئيس حزب الأمة 
تولى منصب رئيس حكومة السودان (1967-1966) و(1989-1986). 


175 


الشائعات التي راجت في ليبياء والتي تزعم أن خلاقًا نشب بينناء وأنني قررت 
العيش في سورية. 

كان هناكء بالفعل» قلق حقيقي في أوساط الجماهير الليبية بسبب هذه 
الشائعات» وهذا عينه ما حدث قبل ذلك بسنوات (1975) حين مكثت ثلاثة 
أشهر في بيروت؛ وهو الأمر الذي اضطرٌ معه الأخ معمّر إلى الإعلان أن 
عبد السلام جلود يقوم ب "مهمة قومية" وتاريخية في لبنان» نافيا الشائعات التي 
راجت آنذاك حول سبب غيابي عن ليبيا. 


لم يكن الوضع الخطير الذي وصلت إليه الثورة الفلسطينية والقضية 
الفلسطينية وليد اليوم» أو مصادفة. لقد تمّ "تمرير" الثورة الفلسطينية ومنظمة 
التحرير عبر "حمامات تبريد" قصد ترويضها وتطويعها. وإذا كانت الديمقراطية 
والتعليم هما أهم عاملين في تقدم الشعوب ونهضتهاء فإن الديمقراطية هي 
الشرط الأساسي والضروري لنجاح أي حركة تحرير في تحقيق أهدافها. وقد 
نتج من هذه الحمامات الباردة شخصة الثورة الفلسطينية» ومنظمة التحرير 
وحركة فتح باعتبارها الحركة الأساسية في الثورة الفلسطينية» قبل أن تنافسها 
حركة حماس؛ بمعنى أنها أصبحت رهن إرادة شخص واحد. وبدلا من 
تفعيل مؤسسات الثورة ومؤسسات منظمة التحرير» جرى إضعافها عن قصد. 
وتمّ أيضًا تغييبها وتجميدهاء وصارت أشكالًا "ديمقراطية ديكورية" تستحضر 
عند الحاجة إلى إضفاء الشرعية على القرارات الفردية» وحل "القائد"” محل 
هذه المؤسسات. متناسين أن القائد الحقيقي هو الذي يكون من حوله القادة» 
لا أتباع ومجاملون ومباركون. وصارت منظمة التحرير تحاكي النظام الرسمي 
العربي في سلوكه وتزييفه وسطوته. لقد أهملت تعبئة الشعب الفلسطيني 
على طريق التحرير والعودة» وربط حلقاته الثلاث بعضها ببعض: فلسطينيون 
داخل فلسطين المحتلة» والفلسطينيون في مخيمات اللجوء في دول الجوارء 
والفلسطينيون في المهجر. وظهرت ثقافة و"قناعة" أن الكفاح المسلح 
والعمل الفدائي لم يحققا شيئًا ولم يقرّبنا من التحرير» ومن ثم فلنجرّب 
المفاوضات؛؟ وهنا بدأت عملية تمهيد أرضية للانحراف» وبدأ التعامل مع 


16 


المبادرات السياسية الوهمية التي تروج لها قوى الاستسلام العربي والولايات 
المتحدة والغرب. 

إن تجارب التاريخ تقول لنا إن المبادرات التي تنطلق من موقف الضعف 
لا تحقق أي شيء؛ المبادرات التي تحقق النجاح هي التي تنطلق من موقف القوة. 
لقد جرى افتعال تناقض بين البندقية والسلام والعمل السياسي» مع أنه لا تناقض 
بينها؛ فالبندقية تدعم العمل السياسيء والعمل السياسي يوفر الأرضية للبندقية. 
لقد جرى التفريط في أهم عوامل القوة» وهي الوحدة الوطنية الفلسطينية» و"وحدة 
الهدف والبندقية" تحت وهم "السلام". وظهرت شعارات تقول إن هذه المرحلة 
ليست مرحلة العمل الفدائي» بل مرحلة النضال الشعبي السلميء والتاريخ يعلمنا 
أن الانتصار يتحقق بوضع استراتيجيا تعتمد كل هذه الأساليب. 


كان من نتاج حمامات التبريد هذه اتفاقات أوسلوء والتي هي أخطر من 
"كارثية" لأنها أنتجت السلطة الوطنية الفلسطينية. إنها سلطة من دون سلطةء 
بصفته سلطة احتلال تجاه شعب محتل» ووجدت منظمة التحرير نفسها مشغولة 
بتوفير احتياجات الناس الحياتية والضرورية» بدلا من أن تهتم بتعبئة الشعب 
وإعادة بناء مؤؤسسات ديمقراطية حقيقية» والبحث في كيقية تصعيك الكفاح 
المسلح والعمل الفدائى. وهكذا دخلت فى متاهات المنطقة "أ" والمنطقة "ب" 
والمنطقة "ج"» وانخرطت أجهزة السلطة في توحيد جهودها مع جهود أجهزة 
لأن المطلوب منها أن تقدّم شهادة حسن سيرة وسلوك إلى المجتمع الدولي؛ 
"أي أميركا" لكي تُقبّل طرقًا في “مفاوضات عبئية". 

إن قلبي وعقلي يرتعشان من الزج باسم سيدنا النبي إبراهيم عليه السلام 
في هذا الظلم الصارخ الذي ما بعده ظلم. وهو ما عرف بصفقة القرن واتفاقيات 
عليه السلام براء من هذه الترهات وروحه عند خالقها ترتعش من هذا التزييف. 
ولو قدر له أن يكون على قيد الحياة لدمّر هذه الأصنام التي تتآمر على قضية 


177 


فلسطين والأمة العربية والإسلام؛ كما دمّر أصنام الوثنية. وأقول للمبتهجين 
بهذا الظلم. إضحكواء إنكم ستضحكون قليلًا لأتكم ستبكون كثيرًا؛ لأن هذا 
الكيان المُصنّع في الغرب سينتهي إِنْ توقف عنه الدعم الأميركي والغربي. 

وفي النهاية أقترح تأسيس صندوق أهلي يقوم على الزكاة والتبرعات لدعم 
صمود الشعب الفلسطينيء وأن تكون له فروع في كل مدينة وقرية في العالم 
العربي والإسلامي» كي تستعيد الجماهير العربية والإسلامية قضية فلسطين 
وتعيشها واقعًا عمليّاه كما كانت الحال مع الثورة الجزائرية. وأدعو الرموز 
والقيادات الوطنية والقيادات الدينية والفاعلين الاجتماعيين إلى تبني هذا 
المشروع والدعوة إليه والترويج لهء واعتبار ذلك قضية جهادية بامتياز ووضع 
الآليات التي تضمن قيامه على أرض الواقع 


المواجهة بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت 


في أواخر الثمانينيات» تعرّض الرئيس السوري حافظ الأسد لنوبة قلبية 
حادة ألزمته الفراش. وفى موقف خسيس وانتهازيء قرّر شقيقه رفعت الأسدء 
وكان قائدًا لقطعات عسكرية تسمى "سرايا الدفاع" - وهي بمنزلة جيش موازٍ 
للجيش الوطني - تنفيذ "انقلاب" عسكري. فذهبت فورًا إلى دمشق. توجهت 
من المطار إلى المستشفى حيث يرقد الرئيس الأسد. فوجدته في حالة صحية 
صعبة» إضافة إلى أنه كان يعيش حالة ألم ومرارة من موقف شقيقه رفعت. 
قال لي الرئيس الأسد: "أنت يا أخ عبد السلام وليبيا الوحيدون الذين يمكنهم 
إنقاذ سورية من الدمار الذي ينتظرها"» ثم أضاف: "هو لن ينجح في مؤامرته. 
ولكننا سنخرج منها محطمين؛ أرجوك يا عبد السلام أن تبذل كل ما تستطيع من 
جهد للسيطرة على هذا الوضعء وإقناع رفعت بالتراجع عن موقفه هذا. اضغط 
عليه للخروج من سورية والذهاب إلى أوروبا للعيش فيها". ثم أردف قائلا: 
"سحبنا ثلاث فرق من الجولان لمواجهته. هذا وضع خطير". وفي طريقي من 
المستشفى إلى الفندق رأيت عشرات الدبابات والمدرّعات, لكلا الطرفين» 
وهي تواجه بعضها بعضًا. 


178 


طوال سنوات سابقة» كنت أزور دمشق بانتظام» لكنني لم ألتق رفعت 
الأسد قَط. كان لدي "موقف" منه ومن سلوكه وتصرفاته» ولكنني وجدتني في 
موقف يفرض عليّ أن أجتمع به. اتصلت برفعت هاتفنًا وقلت له: "يا رفعت» 
طوال هذه السنوات كنت أزور سورية وأنت حتى لم تجرب الاتصال بي" فرد 
علي قائلًا: "أنت والأخ معمّر لديكما موقف مني؛ بينما كنت أرى فيكما القيادة 
القومية للأمة"» فقلت له: "أنا في طريقي إليك". وحين التقيت مع رفعت» 
استغرق اللقاء الأول بيننا عدة ساعات تخللها عشاء عمل. طوال ساعات اللقاء 
كنت شديد القسوة في الحديث معه. وقلت له: "كيف تسمح لنفسك باستغلال 
ظروف مرض شقيقك. لقد وضعت نفسك في موقف دنيء وأعمى لا يبصر 
المخاطر. كان الواجب يتطلب منك أن تكون إلى جواره فى المستشفى لا أن 
تنفذ انقلابًا. والآن يا رفعت توقف عن هذا التصرف واسحب القوات وجنّب 
سورية التدمير". اتفقنا خلال اللقاء على عقّد سلسلة لقاءات معمّقة لدراسة 
الوضع وإيجاد الحلول» ثم عانقني مودَعًاء وقال لي: "من قبل كان لي أخء 
والآن لدي اثنان". فقلت له: "ومّن هما؟". فقال: "الأمير عبد الله بن عبد العزيز 
وأنت". فقلت له: "لاء عليك أن تختار إِمّا أنا وإِمّا الأمير"» فضحك. والأكيد أنه 
اختار الأمير عبد الله. 


ومع ذلكء. وفي هذه الأجواء المشحونة والمتوترة» تواصلت اللقاءات 
اليومية بيننا ليلا ونهارّاء كنت خلالها أقوم بتكثيف الضغوط عليه للتراجع. 
وخلال هذه اللقاءات كنت أحرص على زيارة الرئيس الأسد فى المستشفى 
يوميّا وعقب كل لقاءء كان يقول لي: "هذه مهمة قومية وأنت أهل لها يجب 
عليك ألا تكل ولاتمل". وبالفعل» وخلال أسبوع كامل مارست كل وسائل 
الضغط على رفعت ووصل بي الأمر حدّ تهديده. وأخيرًا بدأ يلين وتظهر بوادر 
على تغير في مواقفه. في لقاء حاسم بعد نهاية أسبوع كامل من اللقاءات اليومية» 
سألني: "وكيف أغادر سورية إلى الخارج. أنا مُتهم بأنني عميل سعودي وعميل 
أمي ركى "0 فقلت له: "إذا استمررت فى موّامرتك ونفذت الانقللاب ودمرت 
سورية فسوف تبرهن للجميع أنك عميل سعودي وأمي ركي؛ أما إذا ضحيت 
بنفسك في سبيل سورية فسوف تؤكد للجميع أنك رجل وطني ولست عميلا". 


179 


في أثناء هذا الحوار الساخنء قال لي بصراحة: "وماذا سوف تقول عني أسرتي 
لو أنني قررت مغادرة سورية» سوف يلحق العار بي وبأسرتي. أنت تعلم أن 
أسرتي مؤلفة من 48 فردّاء ولذلك سوف أطلب مبلغ 200 مليون دولار لأؤمن 
على أسرتي في الخارج؛ كما أنني لن أغادر سورية إذا ما كانت هناك تهمة 
الرجعية أو العمالة موجهة إلي"» فقلت له: "قبل أن تخرج إلى أوروبا سوف 
نرتب لك زيارة للاتحاد السوفياتي لنفي أي تهمة عنك". 


عقب هذا اللقاء» ذهبت مسرعًا إلى زيارة الرئيس الأسد فى المستشفىء» 
ونقلت له مادار بيني وبين رفعت من نقاشء, وأنه يرغب في "النفي الطوعي" 
فى أوروباء لكنه اشترط أن يحصل على 200 مليون دولار. فقال الركيس الأسد 
"ليس لدينا مايكفي من العملة الصعبة. هل ليبيا مستعدة لدفع هذا المبلغ 
لتحافظ على سورية وتحول دون تدميرها؟" فقلت له: "نحن لا نستطيع أن ندفع 
المبلغ مباشرة لرفعت»ء لكن يمكن تقديم هذا المبلغ كمساعدة من ليبيا لسورية» 
وعليكم أن تتصرفوا". وبالفعل» اتصلت بأحمد رمضان وطلبت منه أن يرسل 
رجب المسلاتي محافظط مصرف ليبيا المركزي بطائرة صغيرة خاصة. وحين 
وصل محافظ المصرف إلى دمشقء اجتمعت به وأبلغته أنني قررت منح سورية 
وهكذاء أنجزت مهمتي القومية الصعبة والمعقّدة في سورية بمنع رفعت الأسد 
من تنفيذ انقلابه» كما ساهمت في ترتيب أمر سفره إلى الاتحاد السوفياتي» ثم 
انتقاله نهائيًا إلى أوروبا. 

وحدث أننى التقيت بشخص لبنانى أرمنى على علاقة وثيقة برفعت 
اسمه إيلي» وعلمت من حديثه معي أن رفعت يعامله بقسوة وبتعالٍ لا مثيل 
لهماء ولمّا التقينا مصادفة ورأى في شخصي رجلا بسيطًا ومتواضعًاء عقد في 
أعماق نفسه مقارنة بيننا؛ ولذا قال لى: "أنا لا أعرف ليبيا ولا الليبيين» ولكن 
إذا كان الليبيون مثلك فأنا أحبّ ليبيا والليبيين". وفى سياق هذا الحديث قال 
لي: "أنا رئيس مجلس إدارة شركة "تام أويل" التي يملكها رجل أعمال برازيلي 
من أصول لبنانية اسمه 'تامرت' وشريكه أمين الجميّل. الشركة تملك مصفاة 


130 


فى إيطاليا طاقتها 160 ألف برميل يوميًا ولديها ثلاثة آلاف ميل من خطوط 
الأنابيب عبر أوروبا لنقل المشتقات النفطية» كما تملك محطات توزيع وقود 
تنتشر في بلدان أوروبية كثيرة. الشركة مهددة بالإفلاس» نظرًا إلى أنها مدينة 
للمصارف الأوروبية بمبلغ 60 مليون دولار. وبدلَا من أن تشتريها أوروباء فمن 
الأفضل أن تشتريها ليبيا. وفى حال اشترتها ليبياء فأنا أرغب فى شراء 15 فى 
المئة من الأسهم". 

وعلى الفور اتصلت بأحمد رمضان في طرابلس» وطلبت منه أن يرسل 
طائرة خاصة إلى دمشق تحمل كلا من رجب المسلاتي ومحمد سيالة ومحمد 
عبد الجواد. ولما وصلوا اجتمعت بهم وقلت: "لن نتحدث في السياسة. إذا 
كان فى مصلحة ليبيا شراء هذه الشركة اشتروها". وبالفعل» تمّت صفقة الشراء. 
في الواقع اشترينا الشركة بدولار واحدء وتكفلت ليبيا بسداد 60 مليون دولار 
للمصارف الأوروبية. بيد أن الفريق المفاوض رفض أن يمتلك السيد إيلى 
5 في المئة من الأسهم. بعد سبعة أشهر فقط» وصلت قيمة أسهم الشركة 
"تام أويل" إلى 1,7 مليار دولارء وبعد سنتين وصلت قيمة الشركة إلى 
دولار. وكانت هذه ثانية أعظم الصفقات الرابحة التي حققتها ليبيا بعد الثورة» 


بعل .0 مه شركة "فيات"!209, 


(38) ”فيات". وتعرف أيضًا ب "مجموعة فيات" (21417 أو مداه: 5147): هى شركة سيارات إيطالية. 
واسمها اختصار لاسم مصنع السيارات الإيطالي بتوريئو (10,100 الأفم وماس قمؤتاقا! 0168 5)» ويقع 
مصنعها الأساسي في تورينو. تضم المجموعة عدة شركات» وتمتلك حاليًا ما نسبته 20 في المئة من 
شركة كرايسلر الأميركية» واشتهرت بصناعتها للسيارات الصغيرة والاقتصادية. 


181 


ليبيا وتحرير الصحراء الغربية 


في عام 1972» أعلن الأخ معمّر القذافي» بحضور الرئيس هواري 
بومدين» تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب 
"البوليساريو" لمقاومة الاحتلال الإسبانى للصحراء الغربية”''» بقيادة المجاهد 
والثوري الصلب الولي مصطفى السيد الرقيبي©©. كان هذا الإعلان مفاجأة 
للرئيس بومدين الذي قابله بابتسامة ساخرة فيها شيء من الاستهزاء. كنا نرسل 
السلاح إلى البوليساريو عن طريق التهريبء وكثيرًا ما نجحت سلطات المغرب 
والجزائر وموريتانيا في اكتشاف الأسلحة المهربة ومصادرتهاء وغالبًا ما كانت 
تحتج علينا بشدّة؛ لأنها كانت ضد تأسيس هذه الجبهة وتحرير الصحراء. 
ذهبت لمقابلة ملك المغرب الحسن الثاني بن محمد. وطلبت منه أن نتبنى 
معًا جبهة البوليساريو وقضية الصحراءء فردّ عليّ الملك الحسن الثاني: "سي 
جلود. أنا عندي من القنابل والمفرقعات (أي المشكلات) ما يكفينى. الصحراء 
ليست مغربية". ثم قمت بزيارة إسبانيا عام 19273» وقابلت الجترال فرانشيسكو 


(1) تقع الصحراء الغربية في غرب القارة الأفريقية على امتداد شواطئ المحيط الأطلسي. يحدها من 
الشمال المملكة المغربية» وتحدها الجمهورية الموريتانية من الجنوب, والجزائر من الشرق. وتتقاطع 
معها في منطقة تندوف. وتقدر مساحتها بنحو 266 ألف كيلومتر مربع. وعلى الرغم من أن الإقليم 
معظمه صحراء يسكنه شعب يعانى الفقر وتدهور البنية التحتية والحالة الاقتصادية» فإن له أهمية 
استراتيجية؛ إذ إِنّه غني بالثروة السمكية لامتداده علي المحيط الأطلسي. ويزخر الإقليم بالعديد من 
المعادن» وعلى رأسها الفوسفات والغاز الطبيعي» فضلا عن اليورانيوم والرصاص والحديد. 

(2) مناضل صحراوي قاوم الاستعمار الإسباني» ويُعتبر من مؤسسي جبهة البوليساريو وأحد أبرز 
الشخصيات الوطنية الصحراوية» أعلن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في 27 شباط/ 
فبراير 2.1976 بدعم من الجزائر وليبيا. وتوفي في عملية عسكرية شمال اكجوجت الموريتانية على بعد 
معنّي كيلومتر. 


فرانكو (1975-1892©. وخلال اجتماعي به. أقام غداء عمل استمر 
6 ساعات. قلت له حرقيًا: "يجب ألا تترك للشعب الإسباني القنابل الموقوتة 
والألغام. يجب أن تقوم بتفجير أكبر عدد منهاء وعلى رأسها الصحراء الغربية. 
من الضروري الانسحاب منها باعتبارها أرضًا عربية» خاصة أن العرب المغاربة 
حاربوا معك خلال الحرب الأهلية". فهرٌّ رأسه وابتسم قائلًا: "الصحراء الغربية 
ليست معطمًا تلبسه متى تشاء وتخلعه متى تشاء. أعطوني وقنًا لإعداد الرأي 
العام وتهيئة الشعب الإسباني لقبول قرار من هذا النوع". 


وبالفعل نجحت ثورة الفاتح من مبتمبر العظيمة في تحرير الصحراء 
الغربية من الاحتلال الإسباني» لكن الحسن الثاني كان يعارض بشدّة تأسيس 
البوليساريو» وفي غالب الأحيان كان الغرب يخشى أن تشكل الصحراء الغربية 
"انفجارًا ثوريًا" في خاصرة المغرب وموريتانياء قد يستغله النظام الثوري في ليبيا 
والجزائر؛ ولذا طلب الغرب من المغرب أن يقطف النصر والفوز على الأقل حتى 
لا تتحول الصحراء التي خسرها الغرب إلى انفجار ثوري, ثم قام الملك الحسن 
الثانى بإطلاق ما سماه "المسيرة الخضراء”*» وتقاسمت موريتانيا والمغرب 
الصحراء الغربية» واعتبراها غنيمة من دون مراعاة مشاعر الصحراويين الذين 
قاتلوا واستشهدوا أو جرحوا. أَدَى ذلك إلى تعزيز موقف الرئيس بومدين الذي 
انضمٌ إليناء حين تبنت الجزائر حركة البوليساريو معنا. 


(3) قائد انقلاب عام 1936 الذي أطاح الجمهورية الإسبانية الثانية؛ ما قاد إلى اندلاع الحرب الأهلية 
الإسبانية. وقد حكم إسبانيا حكمًا دكتاتوريًا (1975-1939). ملقبًا نفسه بالكوديو أو الزعيم» واستمر 
في هذا المنصب حتى وفاته عام 1975» وترأس الحكومة الإسبانية أيضًا (1973-1938). 

(4) المسيرة الخضراء: اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدةء في 13 كانون الأول/ ديسمير 1974» 
أن استمرار الوضع الاستعماري في الصحراء سيهدد الاستقرار في منطقة شمال غرب أفريقياء وطلبت 
الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أن تبت في الوضع القانوني للصحراء الغربية. وقد دعت 
المحكمة؛ في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1975» إلى تطبيق قرار الجمعية العامة 1514 على نحو يتمتع 
فيه سكان الصحراء بحق تقرير المصير. وفي اليوم نفسه الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية رأيهاء 
أعلن الملك الحسن الثاني» من خلال خطاب ألقاه بمدينة مراكشء» عن تنظيم مسيرة سلمية لاسترجاع 
الأقاليم الصحراوية الجنوبية» ووضع حدٌ للاستعمار الإسباني؛ إذ انطلقت يوم الخميس 6 تشرين الثاني/ 
نوفمبر 1975 نحو الأراضى الصحراوية المغربية بهدف استرجاعها وإنهاء الاستعمار الإسبانى فيها. 
شارك فيها 350 ألف مغربي ومغربية» وتُعتبر حدنًّا تاريخيًا مهما في تاريخ المغرب المعاصر. ‏ - 


1566 


وهكذا تود موقف ليبيا والجزائر وحركة البوليساريو ضد المغرب 
وموريتانياء رغم اختلاف الأهداف والأسباب. كانت الأسباب بالنسبة إلى 
ليبيا أسبابًا قومية تتصل بمواجهة إسبانياء ولأن الصحراء أرض عربية. كان 
الرئيس بومدين يريد أن تظل حركة البوليساريو حركة تحريرء بينما كانت ثورة 
الفاتح ترغب في إعلان قيام الجمهورية الديمقراطية الصحراوية التي أعددنا 
دستورها في طرابلس مع الرفيق الولي الرقيبي قائد الجبهة» وبقية القادة. 
كان بومدين معارضًا لإعلان الجمهورية» فاتصل به الأخ معمّر وأقنعه وطلب 
منه أن تعلن الجزائر اعترافها بهاء ثم بعد 24 ساعة تعلن ليبيا اعترافها بها 
أيضًا. وهكذا أعلنت الجزائر اعترافهاء ولكننا نحن الذين أخللنا بالوعد» فلم 
نعترف بالجمهورية. لقد عارضت بقوة هذا الموقف الذي خذلنا فيه الجزائر 
والبوليساريو» والذي لم يحترم فيه معمّر كلمته. 


كنت أشعر بالخجل. ومع ذلك» حصل تعاون وثيق بيننا لدعم الجمهورية 
الصحراوية» فكنًا نقدم السلاح والأموال» وكانت الجزائر تقدم التدريب والدعم 
السياسي والإعلامي. وبحكم الجغرافياء سخّرت الجزائر أرضها وإمكانياتها 
لدعم الجمهورية الديمقراطية الصحراوية. ولكن نظرًا إلى أن ثورة الفاتح كانت 
تقاتل نصف العالم, أي العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والقوى 
الرجعية والعميلة والصهيونية» فقد ازداد الضغط الغربى والرجعى على الثورة. 
ولأن المعركة كانت تفوق إمكانيات الشعب العربى الليبى المادية والتنظيمية 
والإدارية» بل حتى الثورية والبشرية؛ فقد حاول الغرب بقيادة الولايات المتحدة 
محاصرة ليبيا بواسطة عملائه من العرب. أي جعفر النميري ومحمد أنور 
السادات والحبيب بورقيبة ونظام العراق. كانت واشنطن تحاصرنا من الشمال 
وفرنسا من الجنوبء وقد نشط المغرب في التآمر علينا؛ ما اضطر الثورة إلى 
الدخول في مناورات» بل حتى مساوماتء وتبنى النظام الإقطاعي الملكي 
بعض العملاء الليبيين» كما حشد المغرب النظم العميلة في أفريقيا ضدنا. وقد 
فرض علينا هذا الأمر أن ندخل في بعض الصفقات مع المغربء وهو ما أثْر فينا 
وتسبب فى تراجعنا عن وعدنا بالاعتراف بالجمهورية الديمقراطية الصحراوية. 
لقد خضنا نضالًا مريرًا لإسقاط النظام الإقطاعي في المغرب. بيد أن الجزائر 


157 


كانت تخذلنا على الدوام» وكثيرًا ما طلبنا منها أن تشاركنا محاولاتنا لإسقاط 
هذا النظام الإقطاعىء لكنها ظلت متردّدة. 


والمعارضين المؤمنين بالعنف الثوريء كما حاولنا إقناع الجزائر بتأسيس حركة 
ثورية تنطلق من الأراضي الجزائرية. لقد ظلت الجزائر مصرّة على الرفض» 
مُعللة الأمر بعدم وجود حركات ثورية» وكنّا نقول للإخوة الجزائريين "لا 
بد من أن يقوم مغرب عربي ثوريء» وإن واجب الثورة في ليبيا والجزائر هو 
تثوير الواقع المغربي وتفجير الثورة في المغرب". وأكدنا لهم أيضًا "أن قيام 
مغرب عربي غير ممكن من دون تحرير طاقات الشعب المغربي» لما للمغرب 
من إمكانيات تاريخية وثقافية ونضالية وبشرية واقتصادية". كانت المشكلة 
تكمن في أن الثورة الجزائرية هي ثورة تحرير» ولم تكن مهيأة لخوض الثورة 
الاجتماعية في الوطن العربي» وهذه نقطة ضعف كبيرة فيهاء على الرغم من 
تطورها الهائل من ثورة تحرير إلى ثورة اجتماعية فى الداخل. وأعتقد أن هناك 
سببًا آخرء قد يكون "أنانيًا". فالجزائر كانت تخشى انتقال القيادة إلى المغرب؟ 
لأن القيادة الجزائرية تعتبر أنها "مربط الفرس" ولها الأحقية في قيادة المغرب 
العربى. وخلال أحداث الصخيرات "أو الانقلاب””* الذي قامت به مجموعة 
من الجيش المغربي» اتصل الأخ معمّر بالرئيس بومدين» وطلب منه أن تقوم 
الجزائر بتقديم الدعم العسكري لمساعدة هذه المحاولة وإنجاحهاء وضرورة 
ألا تسمح لها بالفشلء وقرّرنا القيام بما يشبه المغامرة. بيد أن بومدين» رفض 
طلبناء ثم طلبنا منه أن يسمح لقواتنا الجوية باستعمال المطارات الجزائرية 
فرفضء ثم طلبنا منه أن تقوم قاذفاتنا الاستراتيجية بعبور الأجواء الجزائرية 


لضرب الإذاعة المغربية والقصر الملكى وبعض الأهداف». فرفض. 
فى سياق هذه الأحداث, كان العدوان على الثورة فى ليبيا يشتدٌ» وتشتدٌ معه 
(5) انقلاب الصخيرات أو "انقلاب 1971": هو محاولة انقلابية فاشلة ضد الملك الحسن الثاني» في 


0 تموز/يوليو 1971غ مدعومة من ليبيا. قادها الكولونيل أمحمد أعبابو قائد مدرسة أهرمومو 


الضغوط الدعائية والاقتصادية والسياسية من الشمال والجنوب والغرب والشرق» 
فدخلت الثورة في مساومات مع النظام الملكي المغربي الذي بدأ يستقبل ما يسمى 
"المعارضة الليبية"» وكان من نتيجة ذلك استمرار عدم الاعتراف بالجمهورية 
الصحراوية» فأوقفنا عنها الدعم. كنت ضد عدم الاعتراف وضد إيقاف الدعم. ثم 
سعينا لعقد مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية في طرابلس» ولكن الولايات المتحدة 
قرّرت منع عقد هذا المؤتمر» وأعلنت أنها لن تسمح للثورة بتحقيق نصر سياسي 
بترؤس ليبيا لمؤتمر القمة الأفريقية» وأصدرت الأوامر لعملائها بعدم الموافقة 
على الحضور. وقد قالها رئيس جمهورية تنزانيا جوليوس نيريري (1922- 
9) صراحة ليء حينما استقبلته في المطار: "ما كنت سأحضر شخصيًّء لأن 
أميركا طلبت مني عدم الحضور؛ لذا قررت الحضور على الرغم من أنني أعرف 
أنكم لن تحصلوا على النصاب القانوني لعقد المؤتمر". 

ونظرًا إلى تدخلنا في تشاد ووقوفنا مع جبهة التحرير الوطني "فرولينا" 
بقيادة كوكوني عويدي ضد حسين هبري» وتأييدنا للجمهورية الصحراوية 
ودعمنا إِيّاها بالمال والسلاح» ونظرًا إلى إصرارناء مع الدول الأفريقية» على 
ضرورة عدم حضور هبري اجتماع القمة» ونظرًا كذلك إلى أهمية عقد القمة 
في ليبيا وترؤسها لمنظمة الوحدة الأفريقية» فقد قاومت الولايات المتحدة 
وعارضت بشدة. عقد المؤتمر في طرابلس» وشكلت كتلة من الدول الرجعية 
في أفريقيا بقيادة المغرب وزائير والسنغال وساحل العاج ومصرء لتحقيق هذا 
الهدف. واستخدمت ورقة الصحراء الغربية» على الرغم من اعتراف منظمة 
الوحدة الأفريقية بالجمهورية الصحراوية. 

كنا مصرّين على عقد المؤتمرء لنكشف أبعاد القرار الأميركى. لقد قررنا 
أن نطلب من الجمهورية الصحراوية أن تعلن عدم حضورها طوعيًا. اجتمعت» 
لهذا الغرضء مع محمد عبد العزيز”' رئيس الجمهورية الصحراوية وشرحت له 
(6) ولد بمدينة قصبة تادلة المغربية في 17 آب/ أغسطس 21947 تابع دراسته الثانوية بمدينة مراكش 


والجامعية في مدينة الرباطء وهو أحد مؤسسي جبهة البوليساريو» وقد شغل منصب الأمين العام للجبهة 
ورئيس "الجمهورية العربية الصحراوية" حتى وفاته عام 2016. 


1539 


الموقف. وأن المعركة هي ضد الولايات المتحدة التي كانت تقاوم عقد المؤتمر. 
ونظرًا إلى التضحيات التى قدمها الشعب الليبى» طلبت منه أن تقرر الجمهورية 
الصحراوية عدم الحضورء وقلت له: "إن لم تقوموا بهذه الخطوة. فإنكم سوف 
تجازفون بخسارة ليبياء وإنْ من مصلحة الجمهورية الصحراوية استمرار ثورة 
الفاتح في مواجهة أميركا والغرب والدول الرجعية» وإِنْ الصحراء لا يحرّرها 
حضور مؤتمر أو عدم حضوره؛ والأهم هو دعم ليبيا واستمرار الثورة قوية". ونظرًا 
إلى الموقف الأميركي» وموقف الجمهورية الصحراوية الذي كانت تختفي خلفه 
الدول الرجعية الأفريقية» فشلت المحاولة الأولى» واتفقنا على تأجيل المؤتمرء 
وبذل الجهود لمحاولة أخرى, ومع ذلك فشلت المحاولة الثانية للأسباب الظاهرة 
والخفية نفسهاء وكادت المنظمة تنقسم إلى منظمتين: تقدذمية ورجعية. لكن 
نيريري والرئيس الزامبى كينيث كاوندا (0)1924 بذلا جهودًا كبيرة للمحافظة 
على وحدة المنظمة, وتم الاتفاق على عدم حضور الجمهورية الصحراوية وتشاد 

بيد أن الجزائر والجمهورية الصحراوية أصرّتا على موقفيهما. ثم 
تشكلت لجنة من سبع دول لتقرير مسألة مكان عقد المؤتمر» من بينها ليبيا 
وإثيوبيا وكينيا وزامبياء وعقدت اللجنة اجتماعها في كينيا. حضرت الاجتماع 
ممثلا لليبياء وحضر بقية الرؤساء عن الدول الست الأخرى. قررت اللجنة 
عقد المؤتمر في دولة المقرهء كما قررت عدم حضور الجمهورية الصحراوية 
وتشاد. وأن تختار ليبيا لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية» ولكننى أصررت على 
أن يأتي كوكوني عويدي إلى أديس أبابا لشرح وجهة نظر حكومته. طلب مني 
نيريري وكاوندا والرئيس الإثيوبي منغيستو هيلا مريام (1937-) أن أقنع العقيد 
معمّر بالحضور إلى أديس أباباء مقابل تعهد بضمان اختياره لرئاسة المؤتمر» 
وقد عقدت اجتماعًا ثنائيًا مع منغيستوه ووضعنا خطة لإنجاح اختيار ليبيا؛ لأن 
القرار سيكون شبه ملزم للرؤساء في المؤتمر. ووعدت جوليوس نيريري”" 


(7) توفي الرئيس كاوندا في عام 2021. 
(8) رئيس جمهورية تنزانيا (1985-19694). 


وكينيث كاوند*؟ ومنغيستو هيلا مريام بإقناع الأخ معمّر حضور المؤتمر؛ 
لأنه كان يرفض بقوة. اتفقنا على ممارسة ضغط على الجزائر والجمهورية 
الصحراوية. وبالفعل» حملت هذه التأكيدات إلى الأخ معمّر وأقنعته بالحضورء 
ثم ذهبت إلى الجزائر للاجتماع مع الشاذلى بن جديدل!92) ومحمد عبد العزيز» 
لأطلب منهما الالتزام بقرار اللجنة. تحدد موعد عقد المؤتمر» وسافر الأخ 
معمّر إلى أديس أباباء ولكن الأمور سارت بعكس الاتفاق بسبب الفيتو 
الأميركي» وتم استبعاد الصحراء الغربية لكي يعقد المؤتمر بالشروط الأميركية. 

كان رد فعل الأخ معمّر حادًا واتسم بالغضب الشديد؛ إِذْ من المؤكد أن 
منغيستو ونيريري وكاونداء وبقية الرؤساعء رضحوا للأوامر الأميركية» أي ألا 
تتولى ليبيا رئاسة المنظمة. اتصل الأخ معمّر برئيس الجمهورية الصحراوية 
محمد عبد العزيز» وطلب منه الحضورء لكنه رفضء فغادر الأخ معمّر أديس 
أبابا بعد أن خذلتنا الجزائر والجمهورية الصحراوية والدول التقدمية الأفريقية 
التى ضحينا من أجلها ودعمناها بالمال والسلاح والرجال. وعلى إثر ذلك» 
أوقفنا كل أشكال الدعم عن الجمهورية الصحراوية» عدا الجانب الإنساني. 
كان رد فعلنا قاسيًّا جدًا. وخلال هذه الفترة» جرت اتصالات بين الأخ معمّر 
والملك الحسن الثاني» وكانا يتبادلان المبعوثين. كان أحمد قذاف الدم 
ومسعود عبد الحفيظ هما مندوبي الأخ معمّر. في الواقع لم نكن نعرف أي 
شىء عن هذه الاتصالات. كانت الاتصالات سرية وشخصية. أمّا الرسمية منها 
فكانت تجري عن طريق محمد الزويء. المندوب الليبي في المغرب. 


وعلمت في ما بعد أن معمّر تخلى عن الجمهورية الصحراوية مقابل 
أن يتخلى الحسن الثاني عن دعم هبري في تشاد. ثم فاجأنا الملك المغربي 
باقتراح تكوين "اتحاد بين المغرب وليبيا". كنا أمام معادلة صعبة: فمن جهة 
كيف نرفض الوحدة ونحن دعاة وحدة» وكيف تخاف الثورة من نظام إقطاعي 
ملكي؟ ومن جهة أخرىء كيف نتوحّد مع نظام إقطاعي ملكي رجعيء إضافة 


(9) رئيس جمهورية زامبيا (1991-196+4). 
(10) الشاذلى بن جديد: رئيس الجمهورية الجزائرية (1992-1929). 


121 


إلى أن الملك هو مهندس الاستسلام والاعتراف بالعدو الصهيوني؟ ومع ذلك» 
رفضت هذه الفكرة جملة وتفصيلًا. ثم أرسلنا مع الزوي أسئلة للملك: "كيف 
يمكن توحيد ثورة مع نظام إقطاعي ملكي؟ وهل تسمح لك السعودية بذلك؟ 
وهل تسمح لك أميركا؟". كان رد الملك كالآتي: "في مواجهة التيارات الفكرية 
المتطرفة التي تعصف بالوطن العربي والإسلامي. يصبح الاتحاد بين نظامين 
اجتماعيين» نظام وري ونظام ملكي محافظه أمرًا هاما وإيجابيًا وليس سلييًا. 
أما بالنسبة إلى السعودية» فالقيادة للمغرب» هم يستشيرونني ولست أنا مَن 
أستشيرهم. أما أميركاء فالمغرب موجود قبل أميركاء وأنا لا آخذ أوامري منها. 
المغرب هو الذي اعترف بأميركا منذ مئتي سنة". 

رغم ذلك» واصلت رفضيء وألقيت كلمة في اللجان الثورية رفضت 
فيها الفكرة جملةً وتفصيلاء لكن الأخ معمّر أصرّ على المضي في المشروع. 
ولأنني رفضت هذا المشروع.ء فقد أصرٌ الأخ معمّر على ألا يظهر هذا الخلاف 
للعلن» لأنه يُضعف الثورة» وحتى لا نعطى أعداء الثورة أي مبرر لإضعافهاء 
وطلب مني أن نذهب معًا إلى وجدة لتوقيع المعاهدة فرفضت. حاول الأخ 
معمّر حتى آاخر لحظة. إقناعي بالذهاب معه. وحينما حان موعد مغادرته. لم 
أذهب إلى المطار. لقد اضطرٌ الأخ معمّر إلى السفر وحده. وطلب من أبو بكر 
يونس ومصطفى الخروبى أن يقنعانى باللحاق به وجهزا لى طائرة. وتحت هذا 
الضغط وافقت على السفر. لما وصلت إلى مكان الاجتماع. قال الأخ معمّر 
للملك الحسن الثاني: "عبد السلام راكب راسه ورافض لفكرة المعاهدة؛ فإما 
أن تقنعه أو يقنعك". سلم الملك عليّ قائلًا: "يا أخ عبد السلام ترفض الوحدة 
وأنت وحدوي؟". فقلت: "حاولت أن أجد شيئًا يجمعنا بك فلم أجد" فردّ 
الملك: "الإسلام". فقلت: "الإسلام كمفهوم أيديولوجي وسياسيء أنت يمكن 
أن تفهمه فى صورة. وأنا أفهمه فى صورة أخرى. أمّا العبادات فهذه قضية 
شخصية وجدانية بين العبد وربه". جلست إلى جوار الملك وكنت فى حالة 
غضب شديده ثم تناولنا الغداء. وبعد ذلك وقّع الأخ معمّر والملك الحسن 
الثانى المعاهدة» فصفق الحضور وامتنعت عن التصفيق. كان الملك يرصدنى 
ولاحظ أنني لم أصفقء فقال: “سي جلود أنت لست وحدويًا. فقلت له 


12 


بغعضب: "إذا كنت أنت وحدويًا فبكل تأكيد أنا لست وحدويًا؟ أحدنا بالتأكيد 
ليس وحدويًا". 


بعد التوقيع خرجنا في جولة عبر شوارع وجدة'". خرجت المدينة عن 
بكرة أبيها شبانًا وشيوخَاء نساء ورجالًا وبصفة عفويّة لتهتف للوحدة. كان من 
المفترض أن أركب سيارة صحبة رئيس الوزراء» ولكن الأخ معمّر طلب مني أن 
أكون في السيارة نفسها مع الملك. وفي أثناء تجوالنا في المدينة لاحظت الأعداد 
الهائلة من الشباب الذين خرجوا يهتفون للوحدة» وكان ذلك سببًا فى تغيير 
موقفى. لقد انقلبت مشاعري من الغضب إلى الإحساس بالنشوة والسعادة لمنظر 
الجماهيرء فهمس الأخ معمّر في أذني قائلا: "نحن وافقنا على المعاهدة من 
أجل هذه الجماهير وليس من أجل النظام الملكي. يكفي أن تنجح ثورة الفاتح 
في خلق هذا المناخ الوحدوي؛ وأن رياح الوحدة التي تنطلق من ليبيا تعصف 
بالمغرب العربي". أمضيت أنا والأخ معمّر الليلة في وجدة» وفي الصباح غادرنا 
إلى الجزائرء وكان الإخوة هناك غاضبين ومنزعجين من المعاهدة. للأسف. 
العقلية الرسمية الجزائرية لا تريد إقامة وحدة» وفي الوقت نفسه لا تريد أن تكون 
وحدة مع أيّ قُطر من أقطار المغرب العربي. إنه منطق غريب. 


كنا نؤمن بالوحدة مع الجزائر» قبل الوحدة مع مصر عبد الناصرء على 
الرغم من كل ما يمثله عبد الناصر لنا. وأتذكر أن أول شخص فاتحناه بالوحدة 
هو بومدين لما زارنا أوّل مرة في طريق عودته من أديس أبابا عام 1969 . ماإن 
وصلنا إلى الجزائر حتى عقدنا اجتماعًا مطولًا مع الرئيس الشاذلي بن جديد 
وأحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية 3 مساعديه!12) الذي يشغل 


(11) معاهدة وجدة: هي المعاهدة المؤسسة للاتحاد العربي الأفريقي» حيث صدر بيان في 18 آب/ 
أغسطس 1984 من مدينة وجدة بالمغرب. معلنًا الوحدة بين المغرب وليبيا. وقام معمّر القذافي بدعوة 
الدول العربية في عام 1988 للانضمام إلى الاتحاد العربي الأفريقي» معتبرًا إياه بوابة لوحدة عربية شاملة 
على غرار الاتحاد الأوروبى. 

2120 محمد الشريف مساعدية (2002-1924): مناضل فى حزب جبهة التحرير الوطنى ورئيس سابق 
لمجلس الأمة. يُعتبر واحدًا من الشخصيات التى كانت مؤثرة جدًا فى حزب جبهة التحرير الوطنى 
والدولة الجزائرية. بعد استقلال الجزائر عام 1962» أصبح محافظا لحزب جبهة التحرير الوطني 


13 


منصب مساعد الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية» وقلنا لهم: "إن الوحدة 
مكسب للجزائر انطلاقًا من حقيقة أن أي وحدة تقوم بين قطرين عربيين هي 
مكسب للأمة العربية". ثم قلنا: "ليست الوحدة محورًا موجهًا ضد الجزائرء 
وليست بدي من الو معها". حاولنا استفزازهم لتشجيعهم على الوحدة: 
"لقد حاولنا كثيرًا لكي : نحقق الوحدة مع الجزائر, لأنها هي الوحدة الثورية التي 
نؤمن بهاء وعطلنا محاولاتنا الوحدوية مع الآخرينء لأننا نؤمن بأن الوحدة مع 
الجزائر لها أسس أيديولوجية ونظرية وثورية. وإذا ما قامت وحدة ثورية بين 
ليبيا والجزائرء فسوف تقود إلى تثوير المغرب العربي وتوحيده". 


ومن الجزائر توجه الأخ معمّر إلى ليبياء بينما توجهت إلى تونس لأشرح 
للإخوة هناك مضمون المعاهدة. ثم غادرت تونس عائدًا إلى ليبيا. بعد فترة» 
اجتمع البرلمان الاتحادي في طرابلس برئاسة أحمد عثمان في إثر أسابيع قليلة 
من توقيع معاهدة وجدة» فاجتمعت بهم وافتتحت الجلسة بكلمة قلت فيها: 
"إن معاهدة وجدة مثل الإناء الفارغ» أي إِنّها إطار من دون محتوى"» وأضفت: 
"ولكن إن توافرت الإرادة السياسية واكتسبت الجماهير في البلدين المزيد 
من الحيوية» فيمكن عندئذٍ أن نملا الإناء الفارغ بالماءء وإعطاء هذا الإطار 
المحتوى المطلوب". بيد أن الحسن الثاني سرعان ماقام بتحطيم هذا الإطارء 
حينما انتهى من استخدامه واستنفد أغراضه وتحت الضغوط الأميركية الشديدة 
من إدارة رونالد ريغن؛ إِذْ صرح قاتلًا: "كنت محتاجًا للأوكسجين؛ وقد جاءني 
من على بعد 4000 كيلومتر". ولما لم يعد محتاجًا إلى الأوكسجين» استضاف 
الإرهابي شمعون بيريز”'» وسبح معه في البحره متحديًا إرادة الشعب المغربي 


بكولومب بشار بين عامّي 1962 و1963 وعنابة عام 1964. كان نائبًا في المجلس الشعبي الوطني عن 
دائرة الساورة عام 1962 وعضوًا في اللجنة المركزية للحزب منذ 1964. تقلد مسؤولية دائرة التوجيه 
والإعلام باللجنة المركزية (1977-1967))» قبل أن يعيّن منسقًا للحزب, عيّن وزيرًا للمجاهدين في 
أول حكومة للرئيس الشاذلى بن جديد سنة 1979» لكن سرعان ماعاد إلى الحزب فى 15 تموز/ يوليو 
0 ليخلف محمد الصالح يحياوي ويعين خلال عملية إعادة هيكلة الحزب عضو الأمانة الدائمة 
للجنة المركزية للحزب. توفي في باريس في الأول من حزيران/ يونيو 2002. 

(0) رئيس الحكومة الإسرائيلية (1986-1984 و1996-1995). ثم الرئيس الإسرائيلي (2007- 
2)014). 


14 


والشعب الليبي والأمة. لقد وجد الفرصة المناسبة للتخلص من هذا العبء 
وأعلن من جانب واحد إلغاء معاهدة وجدة. بعد تحرير الصحراء الغربية من 
الاستعمار الإسباني» اتخذنا قرارًا بتأسيس "حركة تحرير مدينتي سبتة ومليلة". 
ثم ذهبت إلى المغرب لمقابلة الملك الحسن الثاني وعرضت عليه الأمر, 
وقلت له: "إن ليبيا تتعهد بتمويل هذه الحركة بالمال والسلاح" لكن الحسن 
الثاني قال لي مرة أخرى: "أنا عندي من القنابل والمتفجرات ما يكفيني"؟؛ 
وهكذا ضاعت فرصة تحرير هاتين المدينتين. بيد أنهما ستتحرران؛ قصر الزمان 
أو طال. وخلال الزيارة» قمت بزيارة مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء 
الذي موّله الشعب المغربي بجزء من قوته ورغيف خبزه. وقد كتبت في سجل 
الزيارات: "أنا لا أعرف الخلفية السياسية من وراء بناء المسجد. ولكنه بكل 
تأكيد معلم ثقافي رائع ومُبهر» كما أنه صرح إسلامي مهيب في أقرب نقطة إلى 
أوروباء حيث يعيش العالم حوار الحضارات أو صراع الحضارات أو صدام 
الحضارات أو التمترس والتخندق خلف قلاع محصنة. حركة العالم ستجيب 
عن هذا السؤال الكبير والكبير جذا". 


العلاقة مع الجزائر 


حينما قام الرئيس هواري بومدين بتأميم النفط في الجزائر في 24 
شباط/ فبراير 1971» وكان تحت سيطرة شركات فرنسية» زارنا وزير 
الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة» طالبًا نا الوقوف مع الجزائن 
وطلب مني إصدار بيان سياسي بهذا الخصوص؛ فوافقت على الفور وقلت 
له: "اكتب صيغة البيان الذي تريد"؛ فكتب بيانًا متواضعًا لم أرض عنه فمزقته 
وكتبت بيانًا قويًا جاء فيه مايلى: "إن النفط الجزائري هو النفط الليبى. 
لايمكن للنفط الليبي أن يكون بديلا عن النفط الجزائري. إن ليبيا تقف بقوة 
مع ثورة الجزائر في خطوتها الشجاعة من أجل القضاء على الاحتكارات 
النفطية الفرنسية» وتضع ليبيا كافة إمكانياتها المالية تحت تصرف الجزائرء 
وأيّ إجراء يُتخذ ضد الجزائر سيعتبر ضد ليبياء وإن مقاطعة النفط الجزائري 


تعنى مقاطعة النفط الليبى» وإنّ التفط الليبى لا يمكن أن يحل محل النفط 


105 


الجزائري". فترقرقت عينًا بوتفليقة تأثرًا بهذا الموقف واحتضنني بقوة» ثم 
حولنا وديعة إلى البنك المركزي الجزائري. 

لا شك في أن دعم الجزائر ل "البوليساريو" قد أضاف بُعدًا جديدًا 
للخلاف بين الجزائر والمغرب. ونظرًا إلى إهمال تسليح الجيش الوطني 
الجزائري» واجهت الجزائر بعض التحديات خلال هذه المواجهة» وقد حدثت 
عدة مواجهاتء. وكان أكثرها حدة تلك التي وقعت عام 1976» وكانت الغلبة 
للجيش المغربي. وعلى إثر هذه المواجهة» ذهبت على وجه السرعة إلى 
الجزائره وأعلنًا انحيازنا الكامل إليهاء وعرضنا على بومدين كل إمكانياتنا 
العسكرية. واعتبرنا أن المشكلة ليست الصحراءء وإنما الصدام بين الثورة 
الجزائرية والنظام الإقطاعي في المغرب؛ ولذا عرضنا إرسال قوات ليبية» ثم 
أرسلنا الأسلحة والذخائرء وكانت أول دفعة من دبابات 72:62 قد وصلت إلى 
ميناء طرابلس» فقمنا بتحويلها إلى الجزائر. 

ذهبت إلى الجزائر لأطلع على الموقف العسكري وأبحث معهم 
احتياجاتهم. وجدت أعضاء مجلس قيادة الثورة وكبار الضباط في حالة انزعاج 
شديد. قالوا لي: "سي بومدين أهمل الجيش وحوّله لشق الطرق والإصلاح 
الزراعي. والآن نحن في مواجهة ضعيفة مع سي السيد (في إشارة إلى الملك 
الحسن الثاني)". وخلال اجتماعي مع بومدين» دخل علينا محمد الصالح 
يحياوي”*' ببزة الشغل العسكرية» وبدا عليه الإعياء والغضب وكان عاتدًا لتوه 
من الجبهة. لمّا شعرت بخطورة الموقف. طلبت من بومدين أن نذهب معًا 
إلى الاتحاد السوفياتي في زيارة سرية ونطلبء. منهم باسم ثورة الفاتح وثورة 
الجزائر» أن يقفوا مع الجزائر في هذه المواجهة. وكان هذا اقتراحًا مني شخصيًا 
ولم يكن مقررًا من القيادة؛ فرحب بومدين بالاقتراح. 


(14) هو من الرعيل الأول لضباط جيش التحرير الوطنيء قائد عسكري جزائري برتبة عقيد من مواليد 
7 ببلدية عين خضرة بولاية المسيلة» وقد كان عضوًا فى مجلس الثورة» والمسؤول التنفيذي لجيهة 
التحرير الوطنى الجزائرية (1980-1977)» وعضو اللجنة المركزية. توفى فى 10 آب/ أغسطس 


8 


ثم سألني الأخ بومدين: "هل تعتقد أن الأخ معمّر سيوافق على هذا 
الاقتراح؟"» فابتسمت وقلت: "يا أخ بومدين أنا لست في حاجة إلى أخذ موافقة 
الأخ معمّرء وأملك حق اتخاذ القرار"» فكلف مدير المراسم» استدعاء السفير 
السوفياتي وتحميله رسالة إلى القيادة بطلب الزيارة. 


سافرنا على عجل حيث توقفنا في براغ للتزود بالوقود. وكان في 
استقبالنا وزير الخارجية أندريه غروميكو”*'» فتوجهنا مباشرة إلى الكرملين 
حيث عقدنا اجتماعًا مع المكتب السياسي بقيادة ليونيد بريجنيف©29. أخذت 
الكلمة في البداية وقلت: "لقد قمنا بهذه الزيارة باسم ثورة الفاتح وثورة 
نوفمبر» وأنتم تعرفون ماتمثله هاتان الثورتان في العالم العربي» والقوى 
التقدمية العربية» فهما ضمير الأمة العربية والجماهير العربية. على الاتحاد 
السوفياتي أن يختار بين الوقوف مع ثورة الجزائر أو النظام الإقطاعي الملكي 
المغربي. لم تعٌد المسألة صحراء غربية أو البوليساريوه بل أصبحت مواجهة 
بين نظام ثوري ونظام إقطاعي. نحن نطلب من الاتحاد السوفياتي أن يحدد 
موقفه بشكل واضح وصريح. وأن يتجسد هذا الموقف ماديًا". أكد السوفيات 
خلال اللقاء أنه لا وجه للمقارنة» وهم سيقفون بقوة مع الجزائر. فطلبت من 
بريجنيف تزويد الجزائر بما تحتاج إليه من سلاح.» وأن ليبيا مستعدة لدفع 


نمئله. 


كانت الزيارة ناجحة وقادت إلى تدعيم موقف الجزائر في مواجهته مع 


المغرب. ثم عدنا إلى الجزائر. 


(15) أندريه أندرييفيتش غروميكو (18 تموز/يوليو 1909 - 2 تموز/ يوليو 1989): كان مسؤولًا 
مهما فى الاتحاد السوفياتى السابق خلال فترة طويلة. فقد عمل وزيرًا للخارجية (1985-1957). وفى 
عام 1985» أعفي من منصبه وزيرًا للخارجية: وتم تعيينه رئيسَا للجنة التنفيذية الدائمة لمجلس السوفيات 
الأعلى؛ وكان منصبًا شرفيًا إلى حد بعيد. عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الفترة 1973- 
8 . واعتزل غروميكو منصبه عام 1988. ١‏ 0 

(16) ولد ليونيد إيلييتش بريجنيف في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1906. شغل منصب الأمين العام 
للحزب الشيوعى السوفياتى (1982-1964).» وكان رئيسًا لمجلس السوفيات الأعلى (رئيس الدولة) 
مرتين (1964-1960). و(1982-1972). توفي في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982. 


17 


أدى توقيع معاهدة وجدة مع المغرب إلى استفزاز الإخوة في الجزائر» 
وقد قمنا باستغلال ذلك لدفعهم إلى الموافقة على إقامة وحدة معنا. بعد 
إلحاح شديد. وافقوا على مضض على إقامة وحدة اتحادية. فترأست الجانب 
العربي الليبي» وترأس محمد الشريف مساعدية الجانب الجزائري. ضمّ الوفد 
الجزائري طالب الإبراهيمي وزير الخارجية وعددًا من أعضاء المكتب السياسي 
واللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير. ولاحظت أن الوفد الجزائري كان 
مترددًا وغير حاسم» وغير منسجم وليس لديه أي تصور أو ثقافة وحدوية. 
وقد أحرجتهم حين أعلنت قبولنا بميثاق جبهة التحرير كأساس للمحتوى 
الأيديولوجي والفلسفي للوحدة. ثم أثاروا مسألة موقفنا من الصحراء والحدود. 
وكذلك الموقف من القضية الفلسطينية» حيث كان الإخوة في الجزائر يوافقون 
على ما يريده الفلسطينيون انطلاقًا من أنهم لا يمكن أن يكونوا "ملكيين أكثر من 
الملك". وهذه بوجه العموم ثقافة مغربية كانت سائدة. قالوا: "أنتم خبراء وحدة 
وعندكم تجارب كثيرة"» فاقترحوا علينا تصورًا عامّاء فقلنا لهم: "هناك ثلاثة 
تصورات للوحدة. اندماجية» أو اتحادية» أو كونفدرالية". كانت الثقافة السائدة 
في المغرب العربى هي "التكامل الاقتصادي". أو "التعاون الاقتصادي". تأنرًا 
بالنموذج الأوروبي. وبعد إلحاح منّاء وافقوا على إقامة وحدة اتحادية» وطلبوا 
من الوفد الليبي تقديم ورقة بالأسس النظرية لدولة الوحدة. 

أعددنا ورقة» تمت مناقشتها بصفة مشتركة» فتوصلنا إلى وثيقة بالأسس 
النظرية للوحدة. ثم اتفقنا على إعداد مشروع "دستور اتحادي". ونظرًا إلى أن 
الجانب العربي الليبي هو الأكثر التزامّاء إِذْ كنا طوال أكثر من 20 عامًا ندفع في 
اتجاه الوحدة» فقد طلبوا منا إعداد مسودة "مشروع الدستور"» وهذا ما فعلناه؛ إِذ 
قدمنا المشروع وقمنا بمناقشته وحصل توافق بين الطرفين عليه. تم الاتفاق بين 
القيادتين في البلدين على مسودة الدستور. لكن مساعدية وطالب الإبراهيمي 
شعراء بعد قبولنا لميثاق جبهة التحرير كأساس للمحتوى النظري والأيديولوجي 
للدولة الاتحادية» كأننا نريد توريط الإخوة في الجزائر بعمل وحدوي. وأننا لهذا 
الغرض نوافق على أطروحاتهم. قال مساعدية في إحدى الجلسات: "إذا لم تجح 
في إقامة وحدة اتحادية فسوف أستقيل" ثم أضاف: "أنا من الوفد الليبي". 


18 


لكن تحليلاتي لهذا الموقف تذهب إلى أن قادة المناطق العسكرية» وهم 
الحكام الحقيقيون في الجزائر» كانوا معارضين للوحدة» وكذلك بعض أعضاء 
المكتب السياسي» ومن بينهم ميلود حمروش الذي تولى عدة مناصب قبل 
رتاسته للحكومة (5 أيلول/ سبتمبر 1989 - 5 كانون الثانى/ يناير 1991) 
الذي كان عضوًا في المكتب. وكذلك كنت ألاحظ تهربًا وتأجيلًا للاجتماعات 
وحتى تمييعًا لها. 

في أحد الاجتماعات في الجزائر» تأخر الاجتماع بسبب غياب مساعدية 
وطالب الإبراهيمى. ولما حضرا قال لى مساعدية: "سى جلود. كنا نناضل من 
أجل الوحدة"؛ ففهمت أنهما كانا في اجتماع مع الرئيس» وربما مع بعض القادة 
العسكريين أو المكتب السياسي. 


في هذا الاجتماعء أبدوا موافقتهم على المشروع. ثم اتفقنا أن يعقد 
الأخ معمّر والشاذلي بن جديد اجتماعًا للموافقة النهائية» ثم نعرض المشروع 
للنقاش الجماهيري لمدة ثلاثة أشهر» وبعد ذلك يعقد الوفدان اجتماعًا لصياغة 
المشروع من جديد. واتفقنا أن يقوم بعض الإخوة في الجزائر بالتحدث إلى 
الجماهير في ليبيا والعكس. والغريب أن القوى السياسية في كل من المغرب 
والجزائر وتونسء والتي كانت تقود الشعوب في هذه الدول الثلاث من أجل 
الاستقلال» كانت قد قرّرت فى الماضى إقامة "وحدة سياسية واحدة فى 
المغرب العربي, لكنها بعد الاستقلال» تراجعت عن قرارها هذاء وترافق ذلك 
مع ضعف في الثقافة الوحدوية عمومًا في أدبياتها وبرامجها. ونظرًا إلى عدم 
توافر أيّ إرادة وحدوية في الجزائر على مستوى القرار السياسي. ولآن الوحدة 
لم تكن مطروحة على الشارع - في وسائل الإعلام - وفي النشاطات العامة 
بصفتها مشروعًا ثقافيّا؛ فقد عطل الإخوة في الجزائر هذا المشروع وأبطلوه 
خاصة بعد إلغاء الحسن الثاني معاهدة وجدة. 


في 31 كانون الأول/ ديسمبر 41970 عقد قراني على زوجتي وكان 
ذلك في منزل الأخ معمّرء الذي كان لا يزال ثوريًًا بسيطًا ومتواضمًا؛ وكان 
يسكن في منزل رئيس الأركان في العهد الملكي» وهو بيت بسيط ملاصق 


109 


لباب العزيزية» وصادف أن كان الرئيس بومدين في زيارة لليبياء فحضر عقد 
القران» ووقع الأخ معمّر عقد القران باعتباره وكيلي» بينما وقع الرئيس بومدين 
باعتباره وكيلًا لزوجتي. وقبل أن يوقع الأخ بومدين قال لي مازحًا: "إذا كنت 
تريد مني أن أوقع. فلي شرطان» الأول أي خلاف بينك وبين زوجتك يعني 
الحرب بين الجزائر وليبياء والثاني أن تقبل أنت وزوجتك أن تقضيا إجازة 
الزواج في الجزائر وضيافتي شخصيًا. وفعلا قضينا الإجازة بعد الزواج في 
الجزائر. فكانت أجمل الأيام التي قضيتها في ضيافة بومدين؛ إذ وضع تحت 
تصرفي طائرة خاصة وكلف ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة بمرافقتي. 
وعبر زيارات بومدين المتكررة لليبيا وزياراتي المتكررة للجزائر» تولدت 
بيننا صداقة وتقدير عاليان» سمحا لى بأن أدخل معه فى نقاشات وحوارات 
معمقة وصريحة. وكنت فى كل لقاء أطالبه أن يضرب المخابرات» ويتخلص 
من النظام المخابراتي البوليسي وأن يعود إلى الشعب. وأن يبني من جديد 
حزب جبهة التحرير لتعود كما كانت في الخمسينيات والستينيات. وفي إحدى 
المرات قال لى حرًا: "سى جلود. أراك كثرت عليّ» أعدك أن أتخلص من - 
العفط - وأعود إلى الشعب» وأعيد بناء جبهة التحرير من جديد". وقد فاجأني 
باستخدام كلمة "عفط" لأنها في ليبيا كلمة شعبية تعني الذين لا قيمة لهم. وأنا 
لا أعرف إذا ما كان الموت والقدر أسرع منه لتنفيذ ما وعدء أو أن الجنرالات 
وقوى الدولة العميقة كانوا متمترسين ومستميتين لمنع حصول التغيير. لقد كان 
الرئيس بومدين شهمًا وعروبي التفكير والهوى. ذات مرة قال لي: "كان الأمراء 
السعوديون يأتون إلى الجزائر لصيد الطيور لكنني اكتشفت أنهم كانوا يأتون 
لصيد المناضلين؛ إذ كانوا يأتون بطائرات ضخمة محمّلة بالهدايا"» ثم أضاف: 
مثلما كان جمال عبد الناصر "مثّلنا الأعلى" في ليبيا والمشرق العربي 
كله كان الرئيس الجزائري أحمد بن بلّة”'2 ورفاقه الأربعة هم مثَّلنا الأعلى في 


(17) أحمد بن بلّة (2012-1916): أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال (15 تشرين الأول/ أكتوبر 
3 - 19 حزيران/ يونيو 1965). 


0ظ20 


المغرب العربي. كنا نطلق عليهم تعبير "الزعماء الخمسة". حينما تمّ الإفراج 
عن أحمد بن بلة» اتصلنا به مباشرة. كان ذلك عام 1979 حين انتقل إلى 
سويسراء فسارعنا إلى تقديم الدعم المالي والسياسي له. وتواصلنا معه عبر 
مندوبين ليبيين من طرفنا. وقد أدلى بعد خروجه من السجنء بتصريحات بدت 
لي صادمة بعض الشيء, لكنه سرعان ما استعاد توازنه. وحين قرّر العودة إلى 
الجزائره أرسلت له مندوبين عني ونصحتّه بأن يقوم بتقديم نفسه بصفته "زعيمًا 
تاريخيًا" للشعب الجزائريء وأنه رجل "فوق السلطة" و”فوق الأحزاب". 


في هذا الإطارء أخبرني بعض قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ © أنهم 
اتصلوا به حين علموا بقرار عودته إلى الجزائره وعرضوا عليه أن ينظموا 
استقباللا مليونيًا شرط أن "يقدم نفسه كزعيم تاريخيّ" وأن يكون "فوق 
الأحزاب". بيد أن الأخ أحمد بن بلّة رفض نصيحتي كما رفض عرض جبهة 
الإنقاذء وبادر إلى تشكيل حزبه الخاصء, ثم دخل الانتخابات. كانت النتيجة 
مُخيبة للآمال» وأضعفته سياسيًا وأساءت إليه. 


حينما زار ليبيا أوّل مرة بعد خروجه من السجن ومكوثه مدّة قصيرة 
في سويسراء اجتمعت به أنا والأخ معمّر في مدينة سرت. كان اللقاء مُفعمًا 
بالمشاعر الودّية» وأجرينا حوارًا رائعًا استعرضنا فيه الماضي واستشراف 
آفاق المستقبل» وأذكر أنه لام الأخ معمّر على تخليه عن جبهة "البوليساريو" 
والجمهورية الصحراوية. في نهاية اللقاء التفت إلى الأخ معمّر وقال له: 
"يا أخ معمّرء أنت محظوظ لأنّ معك رجلا يشْدّك نحو الأمام. لقد كان معي 
ومع عبد الناصر رجال يشدوننا إلى الخلف". 


(18) حزب سياسى جزائري» تأسس فى 18 شباط/ فبراير 1989 بعد الانتفاضة الشعبية التى فرضت 
على الرئيس الشاذلى بن جديد إجراء تعديلات دستورية تضمن تأسيس الأحزاب السياسية فى 
5 تشرين الأول/ أكتوبر 1988. وقد جرى حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقرار من السلطات الجزائرية فى 
آذار/ مارس 1992» التي كان يترأسها آنذاك الشيخ عباسي مدني وينوب عنه الشيخ علي بلحاج» وذلك 
على خلفية الانتخابات التشريعية التي فازت بها بنتيجة ساحقة» لكن ألغيت نتائجها في ما بعد ونتج من 
ذلك أيضًا قرار حل الحزب. 


201 


فى 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991». جرت الانتخابات التشريعية فى 
الجزائر وقد اكتسحت فيها جبهة الإنقاذ الانتخابات بقيادة عباسي مدني 19ب 
إذ حصلت على 188 مقعدًا من مقاعد البرلمان أي بنسبة 82 في المئة من 
الأصوات فى المرحلة الأولى. وحدث أننى كنت فى الجزائر فى زيارة رسمية» 
وبعد إعلان النتائج» ذهبت في إحدى سيارات السفارة الليبية إلى مقر جبهة 
الإنقاذ في العاصمة. وقدمت لهم التهاني. 

في اليوم التالي» التقيت الرئيس الشاذلي» وكنت أعلم أن الجنرالات 
والمتنفذين في الدولة والمستفيدين سيضغطون عليه لإلغاء نتائجح المرحلة 
الأولى من الانتخابات» وتعطيل المرحلة الثانية» وطلبت منه احترام إرادة 
الشعب الجزائري والاستمرار في العملية الديمقراطية. وإحقاقًا للحق» فقد 
وجدت الرئيس الشاذلي واعيّا ومدركًا خطورة إلغاء النتائج. بيد أن قوة 
الجئرالات ونفوذهم ومعهم "الدولة العميقة" كانا أقوى منه. ومن الجزائر 
سافرت إلى إيطاليا في عام 1990» فأدليت من هناك بتصريحات لوسائل 
الإعلام» وأجريت مقابلة مع محطة إيطالية» وكذلك مع مراسل جريدة لوموند 
الفرنسية» وأعلنت تأييدي لجبهة الإنقاذ ونتائج المرحلة الأولى من الانتخابات» 
وقلت: "إنْ جبهة الإنقاذ الآنء هي جبهة التحرير في الخمسينيات والستينيات". 
وكثيرًا ماقال لي الأخ مساعدية وغيره من المسؤولين: "لقد سمحنا لجبهة 
الإنقاذ بخوض انتخابات البلديات والولايات» وقبلنا النتائج على أمل أن يفشلوا 
في إدارتهاء لكنهم على العكس أثبتوا نجاحًا في إدارتها". كما كانوا يقولون لي: 
"إن المواطن الجزائري حين يقارن بين عضو في جبهة الإنقاذ وآخر في جبهة 
التحرير» سيجد أن من ينتمي إلى جبهة التحرير يسكن في مساكن فارهة؛ بينما 
سيجد أن من ين ينتتمي إلى جبهة الإنقاذ يعيش في مسكن بسيط" . لم تتقبل حكومة 
الجزائر تصريحاتي هذهء فأرسلتٌ وزير الخارجية إلى ليبياء واجتمع بالخ 
معترء وطلب منه "أن تتنصل ليبيا من تصريحات جلود". فقال الأخ معمّر: 
"| جتمع بالرائد جلود وأقنعه بذلك". وحينما اجتمع بي» رفضت التنصل من 


(19) عباسي مدني (2019-1931): سياسي جزائري» وأحد مؤسسى الجبهة الإسلامية للإنقاذ. 


202 


تصريحاتيء وقلت له: "أنا متمسك بموقفي» وسوف أصرّح من جديد بتأييدي 
لجبهة الإنقاذ". 

بعد أشهر قليلة من استقالتي عام 1993», صُدمت لما رأيت الأخ معمّر 
وهو "يورط" أحمد بن بلة فى ما عرف بمهزلة "جائزة القذافى لحقوق الإنسان". 
ولذاء سارعت إلى إرسال مندوب عني للقاء الأخ بن بلّة ونقل له تأكيدي: "إنني 
لاأفهم كيف يمكن لك أن تضع نفسك في هذا الموقف البائس»ء وتتقبّل أن 
يجعل منك الأخ القذافي مجرد أضحوكة. جائزة القذافي لحقوق الإنسان هي 
أكذوبة» فالقذافي أعدى أعداء حقوق الإنسان. إنه إنسان فاشيّ. يا أخ أحمد 
بن بلّة لاتنس أن الشعب الليبى استضاف الثورة الجزائرية» وحينما يشاهد 
الليبيون عبر التلفزيون أنك تترأس لجنة جائزة القذافي لحقوق الإنسان» فإنهم 
سوف يشعرون أنك أصبحت جزءً! من أكذوبة كبرى. أرجوك انسحب ولا تلطخ 
سمعتك. إنها إساءة لك بأكثر مما هي إساءة لليبيين". ومع ذلك تجاهل أحمد 
بن بلة نصائحي. 


بورقيبة والحمهورية الإسلامية 


عاش النظام البورقيبي في تونسء المرتبط بالغرب ثقافيًا وسياسيّاء 
والمتتكر للعروبة والإسلام» على التناقض بين ليبيا والجزائر. لم تكن الجزائر 
تريد إقامة أي شكل من أشكال الوحدة معناء لكنها في الآن ذاته لم تكن تريد 
منا أن نقيم أي وحدة مع أيّ دولة من دول المغرب العربي. لقد فرضت ثورة 
الفاتح مواقف جديدة في المغرب العربي. كانت صرخات الوحدة التي انطلقت 
من ليبيا تؤثر في التفكير السياسي والحركة الثقافية وفي الشارع المغاربي في 
مواجهة المَرّنسة والارتباط بأوروباء ما ساهم في تقوية الاتجاه العروبي/ 
الإسلامى فى مواجهة الاتجاه المتفرنس. 


حرصت كل القوى السياسية في تونس على أن تظل المعارضة 
ليبرالية الطابع على النمط الغريى» والجميع اتفقواء تقريبّاء على عدم دخول 


ْ3ظ2ظ2 


"عنصر العنف الثوري" فى الحياة السياسية؛ ولذا جاءت "انتفاضة قفصة"209) 
لتغيير هذه المعطيات» ولتشكل بداية دخول "العنف الثوري" إلى الساحة 
التونسية. وقد كان دور ليبيا أساسيًا في التخطيط والتسليحء بالتعاون مع 
القوى الثورية فى قفصة. أثّرت انتفاضة قفصة تأثيرًا هائلّا فى العقلية التونسية 
أو في التفكير السياسي» وخاصة في أوساط الشباب» وتجلى ذلك بوضوح في 
ثورتّي الخبز عام 1978 وعام 1982» حين نقلت شاشات التلفزيون مئات 
المشاهد الرائعة للشبان التونسيين وهم يعرّون صدورهم ويتحدّون السلطة 
والقمع» ويقولون لها: "أطلقوا رصاصكم عليناء لم نعد نخشى رصاصكم 
ولم نعد نخشى الموت". لقد سمح هذا التراكم النضالي للشعب العربي 
التونسي بأن يكون السبّاق والرائد لما عرف بانتفاضات "الربيع العربي". 
كان من الممكن أن تنجح الانتفاضة لولا موقف الجزائر منهاء انطلاقًا من 
الموقف الجزائري التقليدي للأسف, فقد اعتبرت أن الانتفاضة هى من تدبير 
ليبياء وأننا قمنا بها من وراء ظهرها ومن دون تنسيق معها؛ ولذا وقفت منها 
موقفًا عدائيًا ومنعتنا من إمدادها بالسلاح وأقفلت الحدود. لمنعنا من أيّ 
انطلاقًا من نظرة إقليمية ضيّقة» واعتبرت أن الانتفاضة موجهة ضدهاء لأن 
تونس هي المجال الحيوي للجزائر. 


(20) انتفاضة قفصة 1980: شهدت مدينة قفصة. وهي كبرى مدن الجنوب الغربي التونسي وفيها يقع 
مقر ولاية قفصة» في حدود الساعة الثانية من فجر يوم الأحد 27 كانون الثاني/ يناير 1980» اقتحام 
عشرات المسلحين مراكز الأمن والحرس الوطنيين وثكنة الجيش بالجهة. وقد استولوا على أسلحة 
وذخيرة» ثم حتوا الأهالي على الانضمام إليهم عبر مكبرات الصوتء بعد أن أعلموهم بقيام "الثورة 
الشعبية المسلحة". لإسقاط نظام بورقيبة. انتهت هذه الأحداث بمقتل وإصابة عدد كبير من العسكريين 
والمتمردين والمواطنين» وإيقاف عدد من المسلحين وإعدام 11 منهم» من بينهم أحمد المرغني 
وعبد المجيد السّاكري وعز الدين الشريف المنتمين إلى فصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات 
القومية العربية. 

)221 الحبيب بورقيبة: أول رئيس للجمهورية التونسية بعد إلغاء الملكية بخلع الملك محمد الأمين باي؛ 
وإعلان الجمهورية في تونس في 25 تموز/ يوليو 1957. وقد جرى عزله بعد انقلاب قاده زين العابدين 
بن علي في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1987» وفرض عليه الإقامة الجبرية حتى وفاته في عام 2000. 


204 


وعلى الرغم من أن الانتفاضة فشلت - للأسف - في إسقاط النظام 
لأسباب كثيرة» فإنها خربت الفرضية التي كانت تحرص عليها كل القوى 
السياسية في تونس» وهي منع دخول "مبدأً العنف" في الحياة السياسية. وهكذاء 
دخل العنف الثوري إلى الساحة السياسية التونسية. 


نجحت ثورة الفاتح في إحداث إحساس بأهمية الوحدة في الشارع التونسي» 
وبدأ النظام البورقيبي يعاني مشكلات اقتصادية وسياسية. ولأن الموضوع الذي 
كنا نوليه الأولوية في أي محادثات في المغرب العربي كان قضية الوحدة. فإننا 
نجحنا هذه المرة في إقناع بورقيبة؛ وأدّى كل من محمد المصمودي”*2' من موقعه 
يومئذ ووسيلة بورقيبة حرم الرئيس التونسيء دورًا إيجابيًا في التأثير فيه. وتحت 
ضغط الدعوات المستمرة للوحدة؛ وافق بورقيبة فى 12 كانون الثانى/ يناير 1974 
على توقيع اتفاق الوحدة» وقيام "الجمهورية الإسلامية" بين ليبيا وتونس» على أن 
يكون بورقيبة رئيس الجمهورية» وأن أكون أنا رئيس الوزراء. خرجت الجماهير 
بي الأخ معمّر - بعد التوقيع مباشرة - قائلًا: "أقنعوا الناس أن لايخرجوا إلى 
الشوارع» بورقيبة لن ينفذ الاتفاق» ولكن يكفي أن يوقع على الوحدة شخص 
كافر بالوحدة تحت دعوات وصرخات الوحدة". لكن - للأسف - كانت القوى 
المعادية للوحدة في تونس قد قاومتها منذ اللحظات الأولى» وعلى رأس هذه 
القوى الهادي نويرة(23) ومحمد الصيّاح”*2. 

وقفت الجزائر والمغرب وفرنسا والولايات المتحدة ضد هذا الاتفاق» 
حتى إن الرئيس الأميركي ريغن اتصل بالرئيس بورقيبة وهدده. وكذلك فعل 
الرئيس بومدين» وتحت هذه الضغوط ألغى الاتفاق. كان موقف الجزائر الرافض 


(22) وزير خارجية تونس (1974-19270). 

(23) محمد الهادي نويرة (1993-1911): سياسي تونسي شغل منصب الوزير الأول (1970- 
20). 

(24) محمد الصيّاح (2018-1933): سياسي تونسي أدَى دورًا مهما في الحياة السياسية أكثر من ربع 
قرن في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة. بتوليه عدة مهمات وزارية وبإدارته الحزب الاشتراكي الدستوري 
سنوات طويلة. ْ 


205 


للوحدة بين تونس وليبياء مؤلمًا لناء لآنها بذلك تكون قد اشتركت مع الغرب 
والولايات المتحدة فى معاداة الوحدة. قبل سنوات قليلة من هذا الحدث» 
زار بورقيبة ليبيا وشارك في احتفالات الفاتح من سبتمبر» وقد أقيم عرض 
عسكري ضخم على طريق قاعدة معيتيقة» شاركت فيه أعداد هائلة من الدبابات 
والمدرعات والمدفعية والصواريخ وطائرات "الميراج" و"الميغ". خلال العرض 
العسكري فقد بورقيبة صوابه ولم يعد مسيطرًا على غضبه. فخاطب الأخ معمّر 
قاتلًا: "لقد اشتريتم كل هذه الأسلحة الضخمة من أجل السيطرة على تونس» 
تونس فيها رجال"» فهبٌ حراسه وحملوه وهم يهتفون "بورقيبة ... بورقيبة". 
وكان ذلك منظرًا محزنًا وسخيفا ومحرجًا. بعد انتفاضة قفصة وتظاهرات 
الخبز في تونس (1982/1978)» ونظرًا إلى أن بورقيبة أصبح مُسنَاء وبعد 
ظهور حركة الاتجاه الإسلامى (النهضة لاحمًا)» شعر الأميركيون والفرنسيون 
بخطر حدوث ثورة شعبية وقيام نظام إسلامي بقيادة حركة الاتجاه الإسلامي؛ 
ولذا سارع بورقيبة إلى السماح للأميركيين بأن يتواصلوا مع المؤسسة العسكرية 


والأمنية التونسية. 


في عام 2 » قمت بزيارة تونسء» وكان الهادي نويرة هو رئيس الوزراء 
ومحمد المصمودي وزير الخارجية» وكان من المفترض أن تستمر الزيارة 
بحسب البروتوكول نحو خمسة أيام. في اليوم الثاني لزيارتي» استقبلني الرئيس 
بورقيبة. جلسنا في مكتبه وقال لي: "أنتم أولادي. انظرء ها هنا صورة معمّر 

وعقدنا اجتماعًا رسميًا تخللته مأدبة غداء. خلال الاجتماع قال لي 
بورقيبة: "يزور تونس سنويًا أكثر من مليون سائح ليبي. السائح الليبي ينفق 
2 مرة أكثر مما ينفقه السائح الألماني". وكان هذا صحيحًا. وفجأة لاحظت 
أن بورقيبة انقلب فجأة إلى شخص غاضب وكان يتكلم معي بطريقة هستيرية. 
في هذا الوقتء. كان من المفترض أن أسافر إلى مدينة صفاقس لأفتتح فيها 
المركز الثقافي الليبي» فقال لي بورقيبة بغضب شديد: "امسكوا عني سمومكم 
(أي توقفوا عن بث السموم) تونس فيها رجال. أنتم تضعون داخل كل كتاب 


6ظ20 


عشرة دنانير لكى تغروا الشباب التونسى". صعقتنى الكلمات الغاضبة التى 
تفوّه بها بورقيبة» فقلت له: "سيادة الرئيس. أنا آسف لأن تسمح لنفسك بإهانة 
الشعب التونسي وشباب تونس وتتبنى أساليب مخابراتية". في هذه اللحظة 
التفت بورقيبة إلى الطاهر بلخوجة وزير الداخلية (17 آذار/ مارس 1973 - 
3 كانون الأول/ ديسمبر 2)1977» وقال له بلهجة صارمة "يغلق المركز الثقافي 
الليبي في العاصمة تونسء والرائد عبد السلام جلود لن يذهب إلى صفاقس 
لافتتاح المركز هناك". ولذا حين عدت إلى الفندق» طلبت على الفور من مدير 
المراسم ومن الأخ عبد العاطي العبيدي سفيرنا في تونس أن يأمروا الطيارين 
بالاستعداد للذهاب إلى المطار لمغادرة تونس» كما طلبت استخدام سيارات 
السفارة الليبية بدلا من سيارات المراسم التونسية. في هذه اللحظات علم 
الهادي نويرة والمصمودي بقراري» ولذا قاما بإبلاغ سلطات المطار بإغلاق 
المهبط لمنع مغادرة طائرتناء ثم وصلا المطار وسعيًا بكل الوسائل لإقناعي 
بالعدول عن فكرة قطع الزيارة» فعقدنا اجتماعًا عاجلاء لكنه كان اجتماعًا 
فاشلًا. وهكذا قطعت زيارتي لتونس وعدت إلى طرابلس. 


بعد سنوات قليلة» نجح الأميركيون في تدبير انقلاب 7 تشرين الثاني/ 
نوفمبر 1987» وأصبح زين العابدين بن علي هو رئيس تونس. في هذا الوقت» 
ألقى الأخ معمّر كلمة قال فيها: "بن علي هو نجم شمال أفريقيا". فغضبت من 
هذا الوصف. وألقيت كلمة قلت فيها: "بن علي هو بورقيبة بعمرٍ جديد ولكن 
على أسوأ". زار الأخ معمّر تونس والتقى الرئيس زين العابدين بن علي الذي 
طلب منه أن أقوم بزيارة تونسء ثم كرّر الطلب خلال زيارة أخرى قام بها 
الأخ معمّر لافتتاح حقل النفط البحري. وعند زيارة الأخ معمّر لجزيرة جربة 
ولقائه زين العابدين» صدر بيان مشترك عن تقاسم حقل البوري مناصفة» لكن 
الليبيين جميعًا لم يوافقوا على هذا الاتفاق. جاء إليّ كثيرون يشكون وينقلون 
رأي الشارع الرافض للاتفاق. كان زين العابدين قد أصرٌ قبل زيارته لليبياء على 
توقيع اتفاقية "المناصفة في حقل البوري"» فاتصلت بالأخ معمّر وكان في سرت 
وقلت له "أنا ضد مقاسمة الحقلء والليبيون لن يوافقوا على هذا". 


207 


ثم قلت: "لا نريد أن نكرّر ما عمله مصطفى بن حليم”” حين تنازل عن 
حقوقنا في شريط أوزو©©. نحن لسنا ملوكاء والسيادة الوطنية لا تنتهي إلا 
بسيادة قومية. فليتفضل زين العابدين ويقيم معنا الوحدة ومن ثم نتقاسم كل 
النفط. ولا بد من الإصرار على أن تنفذ تونس حكم محكمة العدل الدولية التي 
حكمت لصالحنا في قضية حقل البوري". 


ثم زارنا رئيس الوزراء التونسي الهادي البكوش” ومعه وزير الداخلية 
الحبيب عمار**'» وقبل وصولهما إلى سرتء اتصلت مجددا بالأخ معمّر وأكدت 
له طلبي ورأبي» فقال لي بانزعاج: "سأرسلهما لك في طرابلس فتفاهم معهما". 
بعد اللقاء مع الأخ معمّر. حضرا إلى طرابلس وعقدنا اجتماعًا مطولًا دام أكثر 
من ثلاث ساعات. خلال الاجتماع كان أبو زيد دوردة”*2 وعبد المجيد القعود 
وإبراهيم بكار”” في انتظاري. خلال الاجتماع رفضت مقاسمة الحقل» وأصررت 
على تنفيذ حكم المحكمة. فقالا لي: "أنت لست وحدويًا "» فقلت: "تفضلواء 
اقبلوا الوحدة وسوف نتقاسم كل النفط الليبي وليس حقل البوري وحده". وأخيرًا 
وتحت إلحاحي وإصراري وافقا على تنفيذ حكم المحكمة على أن تخصّص نسبة 
من الدخل لتمويل المشاريع الوحدوية في ليبيا وتونس. بعد مغادرتهماء دخل 
عليّ أبو زيد دوردة والقعود وبكار» وسألوني وهم في حالة تخوّف من بيان جربة» 


(25) ولد مصطفى بن أحمد محمد بن حليم بمدينة الإسكندرية يوم 29 كانون الثاني/ يناير 1921» 
وهو سياسى ليبى تولى الوزارة الأولى فى العهد الملكى فى الفترة 1957-1954. 

(26) أوزو: هو شريط من الأرض في شمال تشاد على طول الحدود مع ليبياء ويبلغ طوله نحو تسعمئة 
كيلومتر»ء ويمتد جنوبًا إلى عمق نحو 100 كيلومترء ويختلف عرضه من منطقة إلى أخرى (135-275 
كيلومترًا). وهذه المنطقة شاسعة؛ إذ تبلغ مساحتها نحو 80 ألف كيلومتر مربع» وهي تقع في شمال 
منطقة تيبستيء الغنية باليورانيوم والمنغنيز. دار النزاع بين ليبيا وتشاد حول السيطرة على هذه المنطقة. 
(27) الوزير التونسي الأول (7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 - 27 أيلول/ سبتمبر 1989). 

(28) سياسي وعسكري ووزير تونسي سابق أدى دورًا مهما في إنجاح حركة 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 
7. وعين وزيرًا للداخلية فى الحكومة الجديدة. 

:)2011-2009( أبو زيد عمر دوردة (1944-): رئيس جهاز الأمن الخارجى للمخابرات اللييية‎ 229١ 
- 1990 وشغل منصب أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء» فى ليبيا (7 تشرين الأول/ أكتوير‎ 
1 .)1994 كانون الثانى/ يناير‎ 9 

(230 كان حتى عام 1979 أميئًا لبلدية بنغازي. واستمر كذلك حتى نهاية عام 1. 


208 


وقالوا لي: "الليبيون غير راضين عن هذا". ولما أبلغتهم بتتائج الاجتماع» فرحوا 
فرحًا شديدًا وعانقوني وهم يقولون: "الآن سوف يفرح الليبيون". ثم قال لي بكار 
"كنا نتتظر أكثر من ثلاث ساعاتء ولكننا لم نشعر بالوقت حينما علمنا أنك تعقد 
اجتماعًا مع البكوش والحبيب عمار". 


قبيل زيارة زين العابدين بوقت قصيرء جاء وفد تونسي للإعداد للزيارة» 
وتم تنفيد الاتفاق بالتوقيع على حكم المحكمة مع تخصيص 10 في المنة من 
"ثقافة وحدوية" أو إرادة وحدوية للنظام التونسى» كما أن النظامين مختلفان 
سياسيًا واجتماعيًا. في هذا الوقت قمت بزيارة تونس» وطلب مني الأخ معمّر 
أن أبقى أطول وقتٍ ممكن. قائلا: "لأنهم يريدون التعرّف عليك". وبالفعل» 
حظيت باهتمام غير عادي حتى من المواطنين الذين كانوا يعتقدون أنني لا أحب 
تونس؟ ؛ والواقع أنني» بصفتي قوميًا وحدويّء أعتبر الوطن العربي الكبير وطني» 
وأنا أحب تونس وشعب تونس» مع أننى أختلف مع النظام احتلاقًا جذريًاء 
سياسيًا وقوميًا. عقدت عذة اجتماعات مع زين العابدين» والطيب البكوش"'2, 
ومحمد بن يحيى وزير الخارجية. طلب مني الرئيس التونسي قرضًا بمبلغ 250 
مليون دولار» فوافقت على منح تونس 0 مليون دولار لمساعدتها في شراء 
القمح» وقرض قدره 150 مليون دولار بفائدة 2 في المئة» مع فترة سماح. كما 
عرضت على زين العابدين بن علي إقامة "وحدة بين البلدين" وضغطت في 
هذا الاتجاه. بعد تردد طويل» وافق من حيث المبدأ. ثم اجتمعت على انفراد 
وحدوي"؛ فوافقت. وبالفعل» قدّم البكوش مشروعًا يقوم على توحيد القوانين 
والسياسات والهياكل» أي "وحدة تحتية" تتوّج بوحدة سياسية خلال عام أو 
عامين؟ فقبلت المشروع مع بعض التعديلات البسيطة. 


)2231 أستاذ جامعي وسياسي وقيادي نقابي وحقوقي ووزير تونسي سابق» أحد الرموز النقابية بتونس» 
وتقلد خطة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (21984-1981).» كُلف بوزارة التربية في حكومة 
الباجى قائد السبسىء إلى جانب كونه ناطمًا رسميًا باسمهاء كما غرف بنشاطه فى المجال الحقوقى. 


209 


نص المشروع على تشكيل لجان لتوحيد السياسات والقوانين والهياكل» 
وتشكيل لجنة عليا للمتابعة برئاستي ورئاسة البكوشء. كما نص على أن أي 
خلاف يحصل داخل هذه اللجان» تقوم اللجنة العليا للمتابعة بحله. وفي حال 
عدم التوصل إلى حلء تجتمع القيادتان لاتخاذ القرار المناسب. ومن أهم 
اللجان "لجنة إعداد الدستور"» و"لجنة وضع الأسس النظرية للدولة الجديدة". 
ولكن بسبب اختلاف النظامين سياسيًا وثوريًا واجتماعيًا وفلسفيّك واجهت 
اللجان.» وخاصة "لجنة الأسس النظرية". مشكلاتٍ عذة» فقد كان هناك تباين 
شديد فى بنية النظامين» كما أن الإخوة فى تونس كانوا يفتقدون الإرادة السياسية 
لإقامة وحدة؛ ولذا أدخلوا لجنة المتابعة واللجان الأخرى في دوامة مشكلات 
التعاون بين البلدين» والواضح أنهم لم يكونوا يريدون حل مشكلاتهم بالاعتماد 
على ليبياء وهذا هو "التفكير البورقيبي" عينه ولما عدت إلى طرابلس» عرضت 
المشروع على الأخ معمّر» فاعتمدنا المشروع ثم سافرنا إلى تونس» ومن تونس 
اتجهنا نحو صفاقس حيث وقع الأخ معمّر وزين العابدين المشروع الوحدوي. 

بيد أن النظام التونسي سرعان مابدأ يماطل ويركز على المشكلات 
الثانوية» و"إقامة تعاون اقتصادي" فقطء لتفريغ المشروع الوحدوي من محتواه. 
وهكذا جرى إفشال المشروع الوحدويء. ومات في مهده مثله مثل المشروع 
الأول مع بورقيبة. 

وأذكر أنني في أول اجتماع لي مع زين العابدين في القصر الجمهوريء 
وجدت معه أحد أصدقائه» واسمه محمد هميلة» فقال لى الرئيس: "المباحثات 
الرسمية معي. أما هميلة فسوف يهتم بأمورك الشخصية". وبالفعل» كان الرجل 
كريمًا ولطيماء وهميلة صديق زين العابدين ولد لأم سورية وأب تونسي. وأخذ 
منهما أجمل الصفات» وقد عيّنه بورقيبة قائمًا بأعمال السفارة التونسية فى 
الخرطومء وهناك تزوج بامرأة سودانية» فغضب عليه بورقيبة لأن ذلك مخالف 
للأعراف الدبلوماسية» فاشتغل بعد ذلك بالتجارة وخاصة في مجال النفطء 
وتمكن من جمع ثروة طائلة» وكان يمد يد المساعدة لزين العابدين والحبيب 
عمار» وهكذا حينما وصلا إلى السلطة أصبح قريبًا منهما. ويبدو أن بن علي 


210 


كان "يغار" من علاقتي بهميلة. بعد مدة من عودتي من تونسء اتصل بي هميلة 
هاتفيًا وكان حزينًا وقال لي: "يا أخ عبد السلام أنت تعرف أنني مريض بالقلب 
والرئيس بن علي سحب مني جواز سفري لمنعي من العلاج في سويسرا". 
فغضبت وحزنت واتصلت بالرئيس بن علي وقلت له: "يا أخ زين» أنت الذي 
عرفتني بالأخ هميلة وطلبت منه أن يهتم بي خلال زيارتي لتونسء وأنا لا أقبل 
أن يعاقب شخص بسببي» أرجوك أعط هميلة جواز سفره واسمح له بالسفر 
وأعدك أن لا أتصل به وأن أقطع علاقتي معه". وبالفعل أعطاه جواز سفره. 


تجربة اتحاد المغرب العربي 


في 17 شباط/ فبراير 1989» تأسس "اتحاد المغرب العربي" بمدينة 
مراكش المغربية» وهو يتألف من خمس دول تمثّل في مجملها الجزء الغربي 
من الوطن العربي: المغربء والجزائر» وتونسء وليبياء وموريتانيا. لم يتمكن 
الاتحاد من أن يشق طريقه للحياة وتحقيق أهدافه للأسباب التالية: كانت دول 
المغرب العربيء باستثناء ليبياء تريد إطارًا للتعاون الاقتصادي تأثرًا بالنموذج 
الأوروبى» فى حين كانت ليبيا تنظر إليه على أنه أساس "وحدة سياسية". 
كانت كل دولة من دول المغرب العربي؛ باستثناء ليبياء تريد أن تستخدمه لحل 
مشكلاتهاء مثلًا الخلاف الجزائري/ المغربي حول الصحراء. لقد رأى كل 
منهما الوحدة على أنها مشروع تكتيكي وليس عملا استراتيجيًا. افتقر مشروع 
اتحاد المغرب العربي إلى العمق الشعبي والمبادرات الشعبية. ومع أن الاتحاد 
تمكن من توقيع العديد من الاتفاقيات» فإنه ظل مجمّدًا عملياء بل نشب خلاف 
داخل الدول المؤسسة حول المقر والأمانة العامة. وهكذا تمّ تجميد الاتحاد. 

وفي الدورة التي عقدت في المغرب, ترأست الوفد الليبي. وحين وصلت 


إلى المطار. وجدت الإخوة المغاربة منزعجين لعدم حضور الأخ معمّر. وقد 
فاجأني الملك الحسن الثاني الذي كان موجودًا في المطار أنه عندما عرف أن 
المراسم لم تعاملني معاملة الرؤّساءع. غضب ووبخ المراسمء وطلب منهم أن 
تكون مراسم استقبال عبد السلام جلود مثل مراسم استقبال الرؤساء. ثم عقدنا 


211 


اجتماعًا برئاسة الملك الحسن الثانى» وكان اجتماعا تمهيديًا. قال الملك: 
"علينا أن نتوقف الآن وأن نخفف سرعتنا”. فقلت: "نحن لم نبدأ بعد؟", فقال: 
"أقصد. أننا وقعنا الكثير من الاتفاقيات والبرامج, لكننا لم ننفذ منها شيئًا"» فقلت 
له: "علينا أن نسأل أنفسناء لماذا لم ننفذ ما قررنا"» فردّ الحسن الثاني: "علينا أن 
نحسم مسألة المقر ومؤسساته" ثم أضاف: "لأسباب تاريخية وجغرافية أقترح 
أن يكون المقر فى المغرب. ولأننى مغربى أريد أن يكون المقر هنا. أما الأمين 
العام فاقترح الأخضر الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري (1934-)222, أما 
الجامعات والكليات فاقترح أن تكون في ليبيا لأنها تتوسط المشرق العربي 
والمغرب العربي؛ أما المصرف فيكون في تونس والمحكمة في موريتانيا"» فقلت 
له: "أما بخصوص المقر فأنا أؤيد أن يكون في المغرب". شعرت بأن الملك 
الحسن الثاني فوجئ بموقفي هذا وسرّه كثيرٌاء ثم أضفت: "أما بقية المقترحات» 
فأرى أن نجري بشأنها المزيد من الاتصالات والتشاور". في هذه اللحظة؛ مرّر 
لي الأخ إبراهيم المشاريء أمين الاتصال الخارجي. ورقة كتب فيها: "الأخ 
القائد يريد أن تكون المحكمة في ليبيا". قرأت الورقة ومزقتهاء لأنني أؤمن بأن 
وجود الجامعات والكليات أهم من وجود المحكمة. اعترض زين العابدين على 
كل هذه الاقتراحات» لأن تونس كانت تريد المقر والأمانة العامة. 


ثم رفعنا الجلسة إلى موعد في المساءء لكن موعد الاجتماع تأخر كثيرًا؛ 
فذهبت إلى زين العابدين في مقر إقامته» فوجدته منزعجًا حتى إنه قرر مغادرة 
الاجتماع» لكنني أقنعته بالاستمرار» فقال لي: "اقتراحات الملك غير مقبولة. 
تونس تتمسك بالمقر والأمانة العامة" فقلت له: "هذا غير معقول". فردّ على 
قائلًا: "الملك اقترح اسم الأمين العام وهو الإبراهيمي. وهذا يضعنا أمام الأمر 
الواقع" فطلبت منه أن يتنازل عن مطلب المقر وسأضمن له منصب الأمانة 
العامة فوافق زين العابدين على مضض. ثم ذهبت للقاء الرئيس الجزائري 
الشاذلي بن جديدء وقلت له: "يا أخ الشاذلي أنت مجاهدء والمهم أن يقوم 
الاتحاد وأن نضع العربة على السكة لننطلقء» فلا بد للجزائر من التضحية 


(32) سياسي ودبلوماسى جزائري. شغل منصب وزير الخارجية (1993-1991). 


212 


في سبيل هذا الأمل والحلم. ليس المهم الأمانة العامة أو المقرء المهم أن يقوم 
الاتحاد وينطلق؛ فأرجو منك أن تتنازل عن منصب الأمين العام لصالح تونس» 
لأن زين العابدين متمسك بالمقر والأمانة". وهكذا انتزعت من الأخ الشاذلي 
الموافقة على هذا الحلء» وقال لي: "لا مانع عندي إذا كان هذا في مصلحة 
الاتحاد» شرط أن لا تخبر الملك الحسن بموافقتي". 


ثم ذهبت إلى الملك الحسن الثاني للقائه في القصر الملكي» وتحدثت 
معه وقلت: "زين العابدين وعد كوادر حزبه بالمقر والأمانة» ويرى في هذا دعمًا 
له؛؟ فأرجوك يا جلالة الملك أن تتفهم هذا الأمر" فقال لي: "هذا السيد كيف 
يلتزم أمام كوادره» وكيف له أن يشترط علينا؟" .ثم قرّرنا أن ينضمٌ إلينا الشاذلي 
بن جديد. وهكذا استمرت محاولتى معهما. الغريب أن الملك الحسن الثانى 
كان مُتشْدّدًا أكثر من الشاذلى بن جديد؛ فقلت له: “يا جلالة الملك. الرئيس 
الشاذلى موافق ولا يمكن أن تكون أنت ملكيًا أكثر من الملك". ففوجئ الحسن 
الثاني وبدا الحرج على وجه الشاذلي. فقال: "السيد هذا يظل يفرض علينا 
شروطه" فقلت: "يا جلالة الملك بحسب المعاهدة تتخذ القرارات بالإجماع؛ 
ولهذا كنا نحن في ليبيا نرى أن تكون معظم القرارات بالأغلبية ماعدا قرارات 
السلم والحرب". فاستغرب الملك كلامي وقال: "لاء المعاهدة لا تنضّ على 
الإجماع؟". ثم طلب وزير خارجيته عبد اللطيف الفيلالي””» وسأله: "هل 
القرارات بالإجماع؟". ثم أردف الملك قائلًا: "لا أعتقد". لكن الفيلالي قال 
للملك: "لا سيدي ليست بالإجماع"» فأصررت على موقفي؛ ولذا طلب من 
الفيلالى إحضار نص المعاهدة. بعد نحو ساعتين كان النصّ أمامنا وهو يشير 
إلى الإجماع. فأردت أن أستغل الموضوع لتعديل المعاهدة» فقلت: "يا جلالة 
الملك هذا الوضع قد يتكرر"؛ فقال لي: "سي جلود. ما الحل؟". فقلت: "تعديل 
المعاهدة". فقال: "ماذا تقترح علينا؟"» فقلت: "ما عدا قرارات السلم والحرب؛ 
فإن بقية القرارات تكون بالأغلبية". فقال: "أنا موافق. ماذا ترون أيها الإخوة؟" 
وهكذا وافق الجميع» وتحققت الآلية الضرورية لعمل الاتحاد. 


(33) وزير خارجية المغرب (1999-1985). 


ما فاجأني هو تأثر الملك الحسن الثاني بموقفي ومحاولاتي لإخراج 
الاتحاد من الجمود. قال لي: "في البداية كنت زعلان لأن سي معمّر لم 
يحضر. الآن أشعر أن هذا أمر جيدء فقد حضرت أنت. أنت متحرّر من أي 
بروتوكولات» وتتحرك بسرعة وتنجح". ثم فاجأني أنه تأثر بتأييدي أن يكون 
المقر فى المغرب. بيد أن أكثر مافاجأنى أنه أخبر أولاده وعمّه ومجلس 
الوزراء بموقفي هذاء حتى إنهم جاؤوا جميعًا لتقديم الشكر لي وكانوا يثنون 
على موقفي. وهذه صفة يتميز بها المغرب العربي» بعكس المشرق العربي 
الذي يفتقدها. كما تأثر الملك بموقفي هذا فقال لي: "أضع تحت تصرفك 
مجلس الوزراء المغربي» فليشتغل الطرفان المغربي والليبي تحت رئاستك 
لوضع تصور عن كيفية تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية". وبالفعل» حضر رئيس 
الوزراء مع عدد كبير من الوزراء إلى فندق المنصورهء وعقدنا اجتماعًا وضع 
خلاله الجانبان المغربى والليبى» تصوّرًا عمليًا لتنفيذ الاتفاقات» على أن 
يجتمع وزراء الخارجية والاقتصاد خلال أسبوعين في الدار البيضاء لاعتماد 
هذا التصور. 

اقترحت إنشاء صندوق لتمويل حركة السلع لتعويض الدول التي تتضرر 
نتيجة لإلغاء الضرائب والجماركء وأن يموّل من رسوم الواردات لدول الاتحاد 
من دول العالم» ومن نسبة محددة على الدخل. ولكن لم تجر تعبئة للجماهير 
حول الاتحاد وخاصة في أوساط الشبابت؟؛ إِذْ لاتوجد أحزاب حقيقية ذات 
عمق شعبيء» كما لا توجد اتحادات ونقابات تعكس إرادة الجماهير» بل هي 
هياكل وديكورات لأنظمة غير ديمقراطية؛ ولذا فشل المشروع ومات في مهده. 
خلال وجودي في الفندق» قال لي العاملون» حين كنت أتحدث معهم. إن 
الشعب المغربى يحب الشعب الليبى» لأن الشخصية الليبية بسيطة ومتواضعة. 
الليييون ليسوا مثل الخليجيين الذين يتعاملون باستعلاء. وقالوا لى: "لقد 
فرحنا حينما قال الأخ معمّر إن الاتحاد سيكون من أجل الفقراء والغلابة". 
بعد التوقيع» سافر الأخ زين العابدين مباشرة لأنه لم يكن راضيًا عن مجريات 
الأمور. ذهبناء أنا والشاذلى بن جديد والملك الحسن الثانى ومعاوية ولد 
الطايع» لتناول العشاء في مصيف الملك. ْ 


214 


كان الملك يمازحني. قال ضاحكًا وهو يتحدث معي ومع الشاذلي: "سي 
جلود أنتم وتونس والجزائر أقرب لبعضء ومع ذلك فإن الشعب المغربي 
والليبى يحبان بعضهما كثيرًا"» فقلت: "يا جلالة الملك الحب يقهر الجغرافيا" 
فقال لي الملك مازحًا: "لقد سجلت ضدي نقطة". 


فى 21 كانون الثانى/ يناير 21992 قدمت بريطانيا والولايات المتحدة 
وفرنسا مشروع قرار إلى مجلس الأمن بخصوص "لوكربي”*» كان المغرب 
عضوًا في مجلس الأمن. سافرت إلى المغرب للاجتماع بالملك الحسن الثاني. 
حضر الاجتماع كل من وزير الخارجية الفيلالي» والداخلية إدريس البصري””*27 
ومستشار الملك أحمد رضا اكديرة ومندوب المغرب فى مجلس الأمن. طلبت 
من الملك أن يصوت المغرب ضد مشروع القرار» وأن يقوم الملك بنفسه 
باستدعاء سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن (الدائمين وغير الدائمين). 
واتفقنا على أن تشترك كل الدول العربية في المناقشات لدعم موقف المغرب. 
أكد لي الملك أن المغرب لن يوافق على أي قرار بفرض العقوبات على ليبيا 
وسيصوت ضده. ثم قال: "سي جلود. لقد كان أمامي خياران. إِمَا مصلحتي أو 
العار فاخترت العار". وفى أثناء توديعه لى قال وهو ينفرد بى: "سبى جلود. أنا 
معتمد عليك فى تأييد المغرب بخصوص الصحراء" وكأنه كان يريد ثمنًا لهذا 
الموقف. فضحكت لأنه يعرف أنني مؤيد قوي لقضية الصحراء و"البوليساريو". 
وللأسف, اختار الملك عند التصويت على مشروع القرار "نصف العار" حين 
امتنع عن التصويت. لااشك في أن الضغوط كانت شديدة» وهذا ماجعل من 
الصعب على المغرب التصويت ضد مشروع القرار» وشكل ذلك غطاء لامتناع 
بعض الدول الأخرى عن التصويت. 


(34) ارتبطت قضية "لوكربي" بسقوط طائرة الركاب المدنية الأميركية "بان أم" («:ة 0ه" 08/739). في مساء 
يوم الأربعاء 21 كانون الأول/ ديسمبر 21988 أقلعت هذه الطائرة في رحلتها رقم "84 103". المتجهة من 
مطار هيترو بالعاصمة البريطانية لندن إلى مطار كينيدي في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية» ثم 
انفجرت في الجو انفجارًا مدويّاء وتنائرت أشلاؤها على بلدة لوكربي الواقعة في مدينتّي دمفريز وغالواي 
الاسكتلنديتين غربي إنكلترا. وكانت حصيلة القتلى الإجمالية في الحادثة 270 قتيلًا أغلبهم أميركيون. 
(35) وزير داخلية المغرب (1999-19279). 


215 


الخليج العربي 


حين ان نسحبت بريطانيا من الخليج العربي عام 7 » وتنازلت لإيران 
عن جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرىء كان رد فعل ثورة الفاتح 
شديدًاء حيث بادرنا إلى تأميم شركة النفط البريطانية التي كانت تنتج مليون 
برميل يوميّاء وأطلقنا عليها اسم شركة الخليج العربي. توجهت على الفور 
إلى الخليج العربي بدءًا من الإمارات (العربية المتحدة)» فالسعودية» والكويت 
والبحرين وقطرء وأخيرًا العراق. 


وجدت دول الخليج (من السعودية حتى العراق) قد سيطر عليها الخوف 
من شاه إيران رضا بهلوي؛ فاقترحت أن يقوم الوطن العربي بعملٍ مشترك ضد 
بريطانيا باعتبارها المسؤولة قانونيًا عن هذا القراره وأن نقوم بعمل عسكري 
لاسترداد الجزرء لكن السعودية ودول الخليج الخائفة عارضت الفكرة. وأذكر 
أنني أدليت بتصريحات أكدت فيها "عروبة الخليج العربي". بيد أن وسائل الإعلام 
السعودية ودول الخليج لم تشر إلى "الخليج العربي" ولم تنشر هذه التصريحات. 
لقد كانوا خائفين من الشاه. وظلت وسائل الإعلام السعودية ودول الخليج تطلق 
تسمية "الخليج الفارسي" على "الخليج العربي". وللأسف. وجدت دول الخليج 
والسعودية غير مكترثة بمصير هذه الجزر. وكانت مُستسلمة للأمر الواقع» ورفضت 
أي إجراء. سواء ضد الشاه أو ضد بريطانيا. كما فوجئت بأن إمارات الخليج» 
حكامًا ومواطنين» كانوا ينظرون إلى الإنكليزي على أنه "إله على الأرض". 
لمَا وصلت إلى مطار أبوظبي» فوجئت بالعسكريين الإنكليز يرتدون الملابس 
العسكرية مع "الشال" والعقال الخليجي فوق رؤوسهم. وحين دخلت قاعة 
الاستقبال وجدت مجموعة من العسكريين الإنكليز» فطردتهم من القاعة. وكنت 
أريد من خلال طردهم أن أقول لهؤلاء إن الإنكليزي ليس "إلهّا على الأرض" وأنه 
مستعمر. أصيب كل من كان في القاعة بالذهول وهم يشاهدونني أطرد العسكريين 
الإنكليزء وبدت الدهشة والحيرة على وجوههمء ثم توجهت إلى القصر للقاء 
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» وقد أقام مأدبة غداءء وكان حشد من المواطنين 
خارج القصر. وما إن انتهينا من تناول الطعام وغادرنا القاعة حتى انهالوا على 


216 


بقايا الطعام. كانت الإمارات ودول الخليج في ذلك الوقت تعيش في فقر شديد 
وتخلف. توجهت في بداية زيارتي إلى إمارة دبي للقاء حاكمها راشد بن مكتوم» 
وعلى الفور عقدت معه اجتماعًا حضره مهدي التاجر - وهو إيرانى الأصل - 
وكان وزيرًا للخارجية. وفوجئت بأن التاجر هذا كان هو الحاكم الفعلي» بحيث 
إِنّه كان يردّ علي ويناقشنيء بينما كان بن مكتوم يكتفي بالاستماع؛ فغضبت غضبًا 
شديدًا وطردت وزير الخارجية مهدي التاجر من الاجتماع. ثم توجهت إلى إمارة 
الشارقة واجتمعت بحاكمها. كان هناك حشد من المواطنين يحيطون بقصر الأمير» 
وفوجئت بضابط إنكليزي يرتدي الشال والعقال الخليجي يحضر مع الحاكمء 
وحين مدّ يده لمصافحتي قال لي بالعربية: "أهلًا وسهلا”. فلم أمدّ له يدي وقمت 
بطرده من الاجتماع» فدهش الحاكم وذهل الحاضرون من حاشيته وموظفيه. ثم 
توجهت بعد ذلك إلى رأس الخيمة واجتمعت بحاكمهاء وأمضيت الليل فيها. 


لقد وجدت حاكم رأس الخيمة الحاكم الوحيد الذي يشعر بالألم والمرارة 
من استيلاء إيران الشاه على الجزر الثلاث» وكان يستنفر مقاتليه ويحرص على 
تسيير دوريات على طول الشاطئ. وكانوا فى حدود 150 فردًا بأسلحة خفيفة 
ومتوسطة. لقد وجدت السعودية ودول الخليج في حالة رعب شديد من شاه 
إيران» لم يكونوا يفكرون في الخليج العربي ولافي مسألة الجزر. رفضوا 
جميعًا اتخاذ أيّ إجراء ضد إيران الشاه أو ضد بريطانيا. كان الخوف يتملكهم 
ويفرض عليهم أن يتغاضوا في بياناتهم ووسائل إعلامهم الإشارة إلى "الخليج 
العربي"» وحين عرضت عليهم مشروع بيان مشترك يدين احتلال الشاه للجزرء 
ويشير إلى اسم "الخليج العربي"؛ رفضوا. 

في عام 2.1972 قمت بزيارة بريطانياء فوجدت مهدي التاجر 
أصبح سفير دولة الإمارات في لندن. ولما علم أنني أقوم بزيارة رسمية 
لبريطانياء اتصل بسفيرنا في لندن الدكتور محمود المغربي؛ يسأله إن كان من 
الممكن أن يكون في استقبالي في المطار ضمن السفراء العرب» لأنه متخوف 


(2)36 وقد 


المملكة المتحدة في عام 71 . واستمر في ذلك المنصب حتى عام 1987. 


217 


من أن يحصل له الموقف القديم نفسه» فقلت للسفير: "الآمر الآن مختلف. هو 
سفير دولة. لا مانع من حضوره ضمن السفراء العرب". 

وفي العام ذاته» حين كنت وزيرًا لثلاث وزارات (الاقتصاد. والخزانة» 
والصناعة)» زرت الكويت لحضور اجتماع وزراء الاقتصاد والصناعة العرب. 
وكنت فى ذلك الوقت شابًا مُتحمسّاء فقدمت للمؤتمرين اقتراحات وتصورات 
للتكامل الاقتصادي العربى. ومن بين هذه التصورات» أن تكون الصناعات 
البتروكيماوية وصناعة الحديد والصلب والصناعات العسكرية على مستوى 
قوميء كما اقترحت تأسيس شركة لناقلات النفط» وشركة بحرية لنقل البضائع 
في الاتجاهين» وربط شبكات الكهرباء بعضها مع بعضء» وخاصة الدول 
المتجاورة» إضافة إلى ربط الوطن العربي بشبكة سكك حديد. وشق الطرق 
العريضة والمزدوجة لتسهيل نقل الأفراد والتجارة البينية. كما اقترحت إلغاء 
الضرائب والجمارك على تبادل السلع بين الدول العربية» وتأسيس صندوق 
لتعويض الدول التي تتضرر أكثر من غيرهاء وتمويل الصندوق من زيادة نسبة 
الضرائب والجمارك على السلع المستوردة من خارج الوطن العربي» نسبة من 
الدخل القومي لكل بلد. ولكن "لا حياة لمن تنادي". 


درس السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد العلوم العسكرية 
والسياسية في جامعة "ساندهيرست””7» ورأى بِأمّ عينيه أهمية الديمقراطية 
ومشاركة الشعب في الحكمء وكذلك التعليم في نهضة الشعوب وتقدمها. 


حينما عاد من لندن إلى عمان في عام 1970» قام بحركته الإصلاحية 


8 


18 1 


وأبعد والده سعيد بن تيمور البوسعيدي!08) الذي كان يفرض نظامًا متخلما 
مغلمًا. في هذا الوقت». شعرت كل دول الخليج بالذعر خوفًا من انتشار عدواها. 


(37) أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية (إدمساطلمة5 لإدءلمعى بصداذاذلا اهنزهع): كلية عسكرية 
بريطانية عريقة تم تأسيسها عام 1802» وهي تُعتبر مركز تدريب أساسي لضباط الجيش البريطاني؛ مدة 
الدراسة فيها 44 أسبوعاء أي أقل من عام واحد. 
(38) سلطان مسقط وغمان (1970-1932). 


وقد زارنا بعد نجاح حركته؛ وكان شابًا في بداية العشرينيات» حيويًا ووسيمًا في 
بدلته العسكرية» وكان معجبًا بثورة الفاتح» وقدمنا له كل الدعمء وأبلغناه أن 
في إمكانه الاعتماد علينا لإنجاح حركته الإصلاحية» ونصحناه بأن يستمر في 
الانفتاح على الشعب من دون تردد. ومن دون استسلام لضغوط دول الخليج. 
وقد تأثر أيما تأثر وشعر بصدق موققفنا معه» وقد زارنا مرتين في ما بعد. 


زيارة الملك خالد بن عبد العزيز لليبيا 


فى تشرين الأول/ أكتوبر 1979» زار ليبيا الملك خالد بن عبد العزيز 
(01982-1913** يرافقه بعض الأمراء على رأسهم سلطان. في هذا الوقت» 
كانت ليبيا تعيش قفزة اقتصادية» وكانت مثل ورشة كبيرة للعمل. أراد الأخ 
معمّر أن يطلع الملك وبقية الأمراء على معالم هذه القفزة» وأمر بأن يُعدّ برنامج 
مكثف له. وحينما كان الملك يعود من زياراته إلى قصر الضيافة - ولأنه لم 
يكن مهتمًا بالسياسة - فقد كنا نطلب من الأمير سلطان وبقية الأمراء أن 
نعقد اجتماعًا لبحث القضايا الثنائية وقضايا الأمة» لكن الأمراء كانوا فى كل 
مرة يتذرعون بأنهم في حاجة إلى "وقت للصلاة". ثم نفاجأ أنهم يتصلون بنا 
ويقولون: "نحن متعبون ونحتاج أن نستريح". وفهمنا أن قرار الزيارة كان قرار 
الملكث شخصياء وأن الأمراء لم يكونوا يرغبون فيهاء أو الالتزام بأي شيء 
خلالها. وأذكر أن الأمير فهد بن عبد العزيز حينما كان وزيرًا للداخلية» زار ليبياء 
وفي أحد الاجتماعات, وكان ثلائيًا (أنا والأخ معمّر والأمير فهد)» قال له الأخ 
معمّر: "أنتم شباب ونحن شباب» يجب أن نشكل جميعًا مجلسًا لقيادة الثورة 
العربية وقيادة الأمة". فردّ الأمير فهد قائلًا: "أنا من الآن اعتبروني معكم عضوًا 
في مجلس قيادة الثورة". بعد أن انتهى الاجتماع وعاد الأمير فهد إلى قصر 
الضيافة» قلت للأخ معمّر: "يا معمّر أنا لا أعرف منْ يضحك على منْ. هل أنت 
تضحك على فهد أم فهد يضحك عليك". فضحك معمّر ولم يعلق. 

أدَى قيام "جبهة الصمود والتصدي" إلى وقف الانهيار العربي» وتمّت 
محاصرة كامب ديفيد. ونتيجة لقيام الجبهة» عقد مؤتمر القمة العربية» في 


(39) ملك المملكة العربية السعودية الرابع (25 آذار/ مارس 1975 - 13 حزيران/ يونيو 1982). 


219 


بغداد فى الفترة 5-2 تشرين الثانى/ نوفمبر 1978» والتى قررت "طرد مصر" 
من جامعة الدول العربية» ومقاطعتها سياسيًا وثقافيًا واقتصاديّاء على الرغم 
من أن الدول الرجعية قاطعت نظريًا. بعد تشكل "مؤتمر الشعب العربي"؛ وهو 
تجمّع للأحزاب والنقابات والاتحادات والشخصيات الوطنية والقومية» كان من 
المفروض أن يشكل رافعة ورافدًا وعممًا جماهيريًا لجبهة الصمود والتصديء. 
لكن لضعف قوى المعارضة وضعف النقابات التي كانت مجرد ديكور للأنظمة 
ولم تكن نتاجًا لجماهير النقابات» لم يتمكن من القيام بأي دور فعال. ولمًا 
تصدّعت جبهة الصمود والتصدي ودبّ الخلاف بين أعضائهاء بعد حرب 
الخليج الأولى (أيلول/ سبتمبر 1980 -آب/ أغسطس 1988)» وحاجة العراق 
إلى دعم مصرء تحوّل موقف العراق الذي استضاف المؤتمر» وأصبح من أكبر 
المنادين بعودة مصرء بل إنه كان أول من أعاد العلاقات معهاء وأقام مع الأردن 
واليمن الشمالي ومصر تجمعًا اقتصاديًا هو "مجلس التعاون العربي". وهكذاء 
بدأت قوى الاستسلام تأخذ زمام المبادأة» وبدأت بوادر الانهيار العربي. 


العلاقة مع اليمن 


أعطت ثورة الفاتح اليمن أهمية قصوىء فاستثمرنا الجهد والوقت 
ودعمناه بالمال والسلاح؛ لأزنا نؤمن بقفوة بأن بناء دولة ديمقراطية تعددية. تقوم 
على مؤسسات راسخة. وكذلك تحقيق وحدة اليمن» سيحدثان تغييرًا هائلا 
في الخليج العربي» سياسيًا واجتماعيًا؛ ذلك أن الملك عبد العزيز آل سعود 
(00)1953-1876* ترك وصية خطيرة لأسرته. قال فيها: "خيركم وشركم من 
اليمن" فماذا يعني هذا؟ يعني هذا إبقاء اليمن قبَليّا متخلفًا ومجرَّأَ أي "وضع 
الأسد في القفص". وقد اتخذ التآمر على اليمن أبعادًا أخطرء حين وقع الملك 
عبد العزيز مع فرانكلين روزفلت اتفاق ماعرف بتحالف الأمن مقابل النفط”)؛ 
(40) مؤسس المملكة العربية السعودية الحديئة وأول ملوكها. 
2041 تم التوصل إلى اتفاق كوينسي (7801 009أا©) في 14 شباط/ فبراير 1945» وذلك على متن الطراد 


"يو أس أس كوينسي" (8-71©)» بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت 
العائد من مؤتمر يالطا. 


20 


الأمن فى الداخلء والأمن "من اليمن". لقد سهرنا وتعبنا من أجل تحقيق هذا 
الهدف. ولكن لأن "الوصية" أصبحت استراتيجيا للأسرة السعودية ولبريطانيا 
والولايات المتحدة بعد هذا التحالف». وأخذت مخابرات هذه البلدان تلعب 
وتخرب في ميدان اليمن» فاشترت الذمم والولاءات القبلية» واخترقت 
المؤسسة السياسية الشكلية فى اليمن الشمالى. واخترقت أيضًا المؤمسة 
العسكرية؛ وقد صُّدمنا لما اكتشفنا ضعف القوى الوطنية والقومية» فقررنا بذل 
جهد ثوري مخلص مع القيادات التقليدية خلال مرحلة عبد الكريم الورياني. 
لكن على الرغم من العواطف والمجاملات. كنا نشعر بأنهم غير جادين وأنهم 
لا يملكون الوعي ولاالإرادة» وكان كل همّهم الحصول على المساعدات 
والدعم لليمن الشمالي. وقد نجحنا في تشكيل لجان للوحدة بين الشمال 
والجنوبء. لكن هذه المحاولات فشلت بسبب تضافر العوامل الداخلية مع 
التآمر الخارجيء. إضافة إلى اختلاف النظامين في الشمال والجنوب» وكذلك 
سطوة أسرة آل سعود المالية على اليمن الشمالي» وخاصة على شيوخ القبائل 
والمتنفذين في الدولة. بعد ذلكء قررنا إقامة تحالف بين القوى القومية والوطنية 
والناصريين وبعض الرموز الوطنية والقبلية في الشمالء واتخذنا قرارًا ببناء 
قوة عسكرية تقوم على متطوعين من الشمال بتمويل وتسليح ليبيين» مدعومة 
بقوات من الجنوب لإسقاط النظام في الشمال وإقامة حكومة وطنية وإعلان 
قيام الوحدة بين شطري اليمن. ونظرًا إلى هيمنة السعودية والقوى الغربية على 
شمال اليمن» ولتخوف النظام الماركسي في الجنوب من أن يكون الخاسر 
الأكبر من أي وحدة» كان عبد الفتاح إسماعيل ”2 وأعضاء المكتب السياسي 
للحزب الاشتراكي» يقولون لنا: "أتريدون منا أن نسلم ثورتنا إلى السعودية 
أيضًا؟". وهكذاء فشلت محاولتنا الثانية لتحقيق الوحدة بالقوة العسكرية. لقد 
زادت آمالنا بتحرير اليمن الشمالي من سطوة أسرة آل سعود والغرب» بوصول 


(42) عبد الفتاح إسماعيل (75986-1939): رئيس هيئة أركان مجلس الشعب الأعلى» ورئيس سابق 
لدولة جنوب اليمن» ومنظر سياسيء ومؤ سس وزعيم الحزب الاشتراكي اليمني (21 كانون الأول/ 
ديسمبر 8 1518 إلى 20). أعدم في 2 3 كانون الثاني/ يناير 1986 جنبًا إلى جنب مع ثلاثة آخرين 


الأخ الشهيد إبراهيم الحمدي”*“ إلى السلطة, وبدا لنا أن ضوءًا بدأ يظهر في 
نهاية النفق» وأن إمكانية تكسير "القفص وخروج الأسد" أصبحت ممكنة. بيد 
أن القوى المعادية لوحدة اليمن وتقدمه قضت على هذا الأمل فى مهده حين 
اغتالت الحمدي. وهكذا فشلت كل محاولاتنا لتحقيق هذا الهدف السامي. وأنا 
آمل من كل قلبي وعقلي أن تضع القوى القومية والتقدمية لافي اليمن وحده. 
بل في الأمة كلهاء هذا الهدف في أعلى سلَّم أولوياتها النضالية» لما لليمن من 
رصيد حضاري وتاريخ عظيم.» إضافة إلى موقعه الجغرافي في الخليج. إن 
تحقيق هذا الهدف يقلب موازين القوى في الخليج وفي الأمة. 

في إحدى زيارات الأخ عبد الفتاح إسماعيل إلى ليبياء رفقة الأخ علي 
عنتر وزير الدفاع» وصالح مصلح وزير الداخلية» وعند اجتماعنا بهم - أنا 
والأخ معمّر - سألهم الأخ معمّر عن الأوضاع في الجنوبء فقالوا لنا: 
"توجد لدينا قبيلة تسمى قبيلة المقارحة على حدودنا مع الشمال. هذه 
القبيلة كثيرًا ماتخلق لنا المشكلات» وقبل الزيارة قمنا ب'تجزير' (أي 
قتلنا) ثمانين فردًا منهم". فردّ عليهم الأخ معمّر: "أنتم قتلتم ثمانين فردًا 
من هذه القبيلة وتريدون من ليبيا أن تساعدكم؟". فردوا: "لاء لا الرائد 
عبد السلام جلود ليس مثلهم". ولمّا تولى علي ناصر محمد منصب 
رئيس الدولة*". بدأ يجمع من حوله الانتهازيين والموظفين بدلا من 
الثوريين» وقد نبهنّه إلى خطورة ذلك. وفي إحدى زياراتي إلى عدنء 
وحين استقبلنى على ناصر فى المطارء لاحظت تغيرًا كبيرّاء فقد كان 
المطار يعج بسيارات المرسيدس الفارهة من نوع 400 و500. فقلت 


(43) إبراهيم الحمدي (1977-1943): سياسي وقائد عسكري يمنيء كان رئيس الجمهورية العربية 
اليمنية (13 حزيران/ يونيو 1974 - 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977) لما اغتيل هو وأخوه عبد الله في 
ظروف ما زالت غامضة. 

244 علي ناصر محمد (1939-): رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية خلال فترتين رئاسيتين» 
حيث عمل رئيسًا لمجلس الرئاسة (26 حزيران/ يونيو - 27 كانون الأول/ ديسمبر 19278)» ورثئيسًا 
للجمهورية في نيسان/ أبريل 1980 بعد استقالة الرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل وذهابه إلى المنفى 
في موسكو. 


222 


لعلى ناصر: "من أين هذه السيارات الفارهة؟”" فقال: "هذه هدية من ياسر 
عرفات". فقلت له: "عرفات أفسد الثورة الفلسطينية» والآن يريد إفسادكم". 

في 13 كانون الثاني/ يناير 21986 نفذ علي ناصر جريمته الشنيعة. 
حين فجر حقيبة متفجرات بمقر القيادة خلال اجتماعهاء وكان قد تخلف عن 
الحضور عن عمدء فقضى على أعضاء القيادة. ولا أعرف إِنْ كانت هذه الجريمة 
قد دبرها علي ناصر للتفرد بالسلطة» أم إن الأمر كان مخططًا معاديًا لليمن من 
تدبير قوى خارجية» لكن الأمر الإيجابي الذي حدث أن قيادات الصفين الثاني 
والثالث فى الحزب الاشتراكى» قاومت "انقلاب" على ناصر ومجموعته. 
بحيث إِنّهِ هرب خارج اليمن منذ الساعة العاشرة من يوم الجريمة. 

وسواء كنا نختلف أو نتفق على دور هذا الحزب. فإن الحقيقة - بالدليل 
القاطع - هي أنه متجذر في الشعبء ومبني بطريقة علمية. إنها تجربة تستحق 
أن تدرّسء وأخيرًا أقول إن حركة التاريخ ستستمر» وسيظل هدف تحرير اليمن 
وبناء نظام سياسي تقدمي هو الهدف السامي. 


لغز اختفاء موسى الصدر 


خلال احتفالات الفاتح من سبتمبر كل عامء يحضر العديد من الوفود 
الرسمية والحزبية والشخصيات المرموقة. في كل عام وقبيل بدء الاحتفالات 
بأسابيع» يجتمع معمّر بمدير المراسم وكذلك بمسؤول العلاقات مع الأحزاب 
والمنظمات في العالم أحمد الشحادتي» ويبلغ إليهما أسماء الشخصيات التي 
يرغب في حضورها. في احتفالات الفاتح من سبتمبر 1978» كان الإمام موسى 
الصدر** من بين الشخصيات التي دعاها القذافي. وفي الواقع لم أكن أعرف 
أن القذافي دعا الصدر لزيارة ليبياء إلا بعد أن أعلنت وكالات الأنباء اختفاءه. 


(45) موسى الصدر (1928- اختفى في 1 آب/ أغسطس 28 رجل دين وزعيم سياسي لبناني. 
ولد في مدينة قم في إيران. ينتمي إلى عائلة الصدر التي تعود أصولها إلى جبل عامل في لبنان» درس في 
النجف لإكمال دراسته الدينية» لكته عاد إلى إيران بعد الانقلاب في العراق في عام 1958. في 25 آب/ 
أغسطس 1978. سافر إلى ليبيا مع اثنين من أصحابه للاجتماع مع المسؤولين الحكوميين بدعوة من 
الرئيس معمّر القذافي. شوهد الثلاثة آخر مرة في 31 آب/ أغسطسء ولم يُسمع عنهم أي شيء بعد ذلك. 


223 


ماإن سمعت بالنبأء حتى اتصلت هاتفيًا بأحمد رمضان مدير مكتب القذافى 
شديد. قلت له: "ما هذه الجريمة الشنعاء التى ارتكبتها؟ هل من المعقول أن تدعو 
شخصًا وهو في ضيافتك وفي بيتكء باعتبار ليبيا هي بيتنا الكبير» ثم ترتكب 
هذه الجريمة؟ هذا ليس من الشهامة والمروءة والرجولة. إنه عمل خسيس وغير 
أخلاقي ومدمر". فال لي بغضب: "أنت تتهمني بقتل موسى الصدر؟ برا دور 
عليه (اذهب وابحث عنه) أنا لا أعرف عنه أي شيء". ثم أغلق سماعة الهاتف في 
وجهي. وهذه الواقعة ذكرها أحمد رمضان عند التحقيق معه بعد سقوط النظام. 


ثم اتصلت بمدير الأمن الداخلي العقيد» محمد الغزالي» وقال لي: "أنا لا علم 
لدي بهذه القصة. ما أعلمه هو ما تقوله وكالات الأنباء" ثم اتصلت بأحمد خطاب» 
وهو مسؤول الأمن في صالة كبار الزوار في المطار. وقلت له غاضبًا: "عليكم أن 
تخرجوا لي الإمام موسى الصدر من تحت الأرض وإلا فسوف أعدمكم جميعًا" 
وهذا ماقاله خطاب فى صفحته فى "فيسبوك". وبعد ذلك». علمت أن القذافى 
طلب من أجهزة الأمن أن يختاروا له شخصًا بحجم وطول الإمام الصدر, ليتقمص 
شخصيته ويلبس ملابسه ليغادر إلى روما. وبالفعل رشحوا له أحد الضباط وهو 
برتبة عقيد في الأمن الداخلي اسمه إمحمد علي المبروك الرحيبي. وفي هذا 
السياق» أذكر أن الأخ معمّرء خلال لقاءاتي معه. كان يقول لي دائمًا إنه يرفض 
ويعارض بشدة أن تتولى شخصية شيعية إيرانية زعامة الشيعة العرب في لبنان أو 
العراق» وكان يقول: "الإمام الصدر هذا إيراني وإنه مدسوس في الطائفة الشيعية» 
وإن قيادة الشيعة في العالم العربي يجب أن تكون قيادة عربية". 


العلاقة مع السودان 
استمرت محاولاتنا لإسقاط حكم جعفر النميري © في السودان. بالتعاون 


مع جون قرنق'” في الجنوب ومع أحزاب المعارضة في الشمال (حزب الأمة 


3 


)246 جعقر النميري: رئيس الجمهورية السودانية (1985-1969). 
(47) جون قرنق (2005-1945): زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان والنائب الأول السابق لرئيس 
الجمهورية في السودان قبل الانفصال ورئيس حكومة جنوب السودان. 


224 


القومى والحزب الاتحادي الديمقراطىي)**» سنوات طويلة. وكا فى السابق قد 

حاولنا إسقاطه من خلال التعاون مع حزبي "الأنصار" بقيادة الصادق المهدي. 

و"الاتحاد" بقيادة الشريف الهندي. وقد فشلت محاولتان انطلقتا من منطقة الكفرة 

الليبية» إحداهما كادت أن تنجح, لكنها فشلت لأن القوات المهاجمة لم تتعرف 

على مقر الإذاعة في الخرطوم. وقد أعدنا بناء هذا التحالف بإعطاته زخمًا أكبر 

عن طريق زيادة الدعم العسكري والمالي. لقد حاولنا قصف الإذاعة في الخرطوم 
كرات "تو-22" ["توبوليف-22"] القاذفة» لكنها أخطأت هدفها. 


وحينما وقع الانقلاب الشيوعي في 19 تموز/ يوليو 1971”**», تم اعتقال 
النميري. كانت طائرة زعيم الانقلاب هاشم العطا في طريقها من لندن إلى 
الخرطوم عبر الأجواء الليبية» فقمنا بإجبارها على الهبوط في مطار طرابلس. 
وهكذا فشل الانقلاب وأطلق سراح النميري» فسلمنا هاشم العطا للخرطوم. 
سبيت لنا هذه العملية إحراجًا شديدّاء وأفسدت علاقاتنا مع الأحزاب الشيوعية 
في العالم وخاصة مع الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية. والغريب أن 
السادات لم يفعل أي شيءء وعلى العكس من ذلك أرسل السيد أحمد 
حمروش”" للاتصال بالانقلابيين. طلبنا من السادات أن نقوم بعمل عسكري 
مشترك لإعادة النميري إلى السلطة» لكنه رفض. كان عباس زكي نائب الرئيمس 
النميري ووزير الدفاع في زيارة خارج السودان. فجاء إلى مصرء وطلب من 


(48) حزب الأمة القومى: تأسس فى شباط/ فبراير 21945 وقد سعى مؤسسوه إلى تحقيق الاستقلال 
وبناء الدولة السودانية المستقلة. 0 

أما الحزب الاتحادي الديمقراطيء فيُعتبر من أقدم الأحزاب السياسية في السودان. وهو اتحاد من حزبين 
سياسيين هما الوطنى الاتحادي والشعب الديمقراطى. وكان إسماعيل الأزهريء أول رئيس وزراء 
لجمهورية السودان بعد الاستقلال» رئيسًا للحزب حينما كان باسم الحزب الوطني الاتحاديء فقاد به 
معركة الاستقلال. 

(49) حركة يوليو: هي حركة تصحيحية عسكرية في السودان بمساعدة الحزب الشيوعيء قادها هاشم 
العطاء وقامت بانقلاب عسكري ضد نظام النميري في عام 1971» واستلمت السلطة ثلاثة أيام ثم 
انقلب عليها النميري وأعدم كل قادتها. 

(50) أحمد حمروش (2011-1921): كاتب ومؤرخ مصريء من الضباط الأحرارء ورئيس اللجنة 
المصرية للتضامنء وأحد أبرز مؤرخي ثورة 23 يوليو. 


225 


السادات أن يسمح له بإذاعة بيان من إذاعة القاهرة» فرفض السادات أيضًا؛ ولذا 
وصل إلى طرابلس ومعه محمد صادق وزير الدفاع المصري”". أذعنا البيان 
الذي أعده عباس زكى من الإذاعة الليبية» واتخذنا قرارًا بالعمل العسكري 
منفردين للقضاء على الانقلاب» وبدأنا التخطيط لتنفيذ هذا العمل» لكن إجبار 
طائرة زعيم الانقلابيين واعتقاله أفشلت الانقلاب ولم نعد في حاجة إلى 
التدخل. واليوم أشعر بأن هذا كان خطأً فادحًا. 


بعد أن لعب "مسيلمة الكذاب" - أي النميري - كل أوراقه في خداعنا؛ 
تارة يزعم أنه ناصري وتارة أخرى أنه قومي - وحدويء وأحيانًا ماركسي 
وأخيرًا إسلامي حين أعلن نفسه "أميرًا للمؤمنين". ظهر على حقيقته. ثم بدأت 
بوادر ثورة شعبية ضده تلوح في الأفق؛ إذا بالنقابات تنظّم نفسها وتشن سلسلة 
إضرابات وتظاهرات» وقد قادتها نقابتا الأطباء والمهندسين» وشاءت إرادة الله 
أن يخطئ "مسيلمة الكذاب" في تقدير الموقف فسافر إلى الولايات المتحدة 
للقاء الرئيس ريغن الذي اجتمع به لمدة خمس عشرة دقيقة. في 6 نيسان/ أبريل 
5 © انتفض الشعب السودانى بقيادة قواه الحية» وخاصة النقابية» وزحفت 
الجماهير نحو القصر. كان الفريق عبد الرحمن سوار الذهب هو القائد العام 
للقوات المسلحة ووزير الدفاع» فعقد اجتماعًا لقادة القوات المسلحة لدراسة 
الأوضاع الخطيرة في البلاد. 

رفض هؤلاء مواجهة الشعب بالرصاصء وكان سوار الذهب قد أقسم 
للنميري أَلّا يخونه وأن يظل وفيا له. أمضى سوار الذهب الليل كله وهو يطوف 
على الزوايا والتكايا والمزارات» طالبًا من المشايخ تبرئته من هذا القسم ومن 
أي مسؤولية عن الثورة الشعبية ضد النميري. في هذا اليوم وحوالى الساعة 
الحادية عشرة صباحًاء كنت أنا والأخ معمّر في الخيمة بمعسكر باب العزيزية» 
واتصلنا هاتفيًا بالرئيس الإثيوبي منغيستو. وصادف أن كان معه العقيد جون 
قرئق. قلنا له: الآن الشعب السوداني انتصرء وتحقق الهدف وعلينا أن نقف 


(51) محمد أحمد صادق (2991-1917): وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة المصرية 
(15 أيار/ مايو 1971 - 15 تشرين الأول/ أكتوير 1972). 


226 


مع فرد علينا منغيستو: "لاء أميركا أرادت أن تسبق الثورة الشعبية ونفذت 
الانقلاب". فقلنا: "لا دخل لأميركا بما يجري في السودان. المجلس العسكري 
هو مجلس مؤقت لإدارة البلاد إلى حين إجراء انتخابات"؛ فردَّ منغيستو: 
"المجلس المؤقت لن يسلم السلطة ولن يتنحى. هذه خدعة". كان من الواضح 
أننا بدأنا نختلف بشأن الموقف من السودان. سافرت يوم 7 نيسان/ أبريل إلى 
الخرطوم على رأس وفد كبير» وحظيت وأعضاء الوفد باستقبال شعبي أخوي 
حاره حيث نظمت لى جماهير حزبى "الأنصار" و"الاتحاد" استقبالات شعبية 
وألقيت عدة خطابات فى الجماهير. فى أحد هذه الخطابات قلت: "الحمد لله 
أن الكلام الذي كنا نقوله عن النميري في طرابلسء نقوله الآن في الخرطومء 
والعميل النميري قابع في القاهرة". وقلت أيضًا: "لقد حان الوقت لكي تهب 
رياح الثورة والتغيير من جنوب وادي النيل على شماله» بعد أن كانت رياح 
الثورة تهب من شماله". وقلت: "إنه دجال يغير جلده كلما دعت الحاجة". فى 
إحدى زياراته لليبيا وكانت في شهر رمضانء فوجئنا بأنه كان مفطرًا ويشرب 
الخمر في النهار. وحدث أن كان معه وزير اقتصاده» وهو رجل مسيحيء إلا أنه 
كان يراعي مشاعرنا فلم يكن يأكل أو يدخن أمامنا على عكس "أمير المؤمنين". 


خلال زيارتي للخرطوم بعد التغيير» التقيت بحوالى ألمّي مواطن سوداني 
كان النميري قد قطع أيديهم بسبب السرقة» فقلت لهؤلاء وللجماهير السودانية: 
"هذا ليس من الإسلام في شيء. قطع اليد تعني منعها من أن تسرق. إن السارق 
الحقيقي هو النميري وزبانيته الذين امتصوا دم الشعب السوداني"» وقلت: "حين 
تتاح لكل واحد فرصة العمل ويتم توزيع الثروة بشكل عادلء وتتوافر لكل مواطن 
حاجته الضرورية» في هذه الحالة تصبح السرقة عادة سيئة ومرضًا. هنا فقط 
يمكن تطبيق العقوبة". بعد ذلك» أجريت محادثات مع سوار الذهب ووجدته 
إنسانًا متخلمًاء وكان أعضاء المجلس أكثر وعيًا منه» كما اجتمعت برئيس الوزراء 
الجزولي دفع الله 2*2 الذي كان رئيس نقابة الأطباء» وأجريت معه حوارات معمقة» 


(52) الجزولي دفع الله: رئيس وزراء الحكومة الانتقالية لجمهورية السودان (22 نيسان/ أبريل 
5 - 15 كانون الأول/ ديسمير 1985). 


227 


وأذكر أننى قلت له: "إن الشعب السودانى رائد فى تفجير الثورات الشعبية» لكن 
الدرس المستفاد هو أن الشعب السوداني بعد نجاح الثورة يعود إلى عمله ويسلم 
السلطة للأحزابء فيبدأ الصراع بين الأحزاب التي تفشل في إدارة الدولة فيحدث 
انقللاب عسكريء ثم يفشل العسكر ويقوم الشعب بالثورة من جديد"» وقلت له: 
"حان الوقت لأن يستلم الشعب سلطته ويقيم السلطة الشعبية". ونظرًا إلى إلحاحي 
عليه» رد الدكتور الجزولي مازحًا: "يا أخ عبد السلام أعطونا فرصة ولا تضغطوا 
علينا. الشعب السوداني يرفض كل شيء مفروض عليه" ثم قال: "حتى الإسلام 
حينما جاء بالقوة رفضناه وحاريناه". 


في وقت سابق وقبل سقوط النميري» كنا قد وقعنا مع الصادق المهدي. 
زعيم حزب الأمة» على اتفاق يقضي بأن الوحدة بين ليبيا والسودان تقوم فور 
سقوط النميري» ولكن لما سقط تنصل المهدي من هذا الاتفاق وقال إن السودان 
ليس جاهرًا للوحدة؛ "فهو لم يحقق حتى وحدته الوطنية. وحينما يحل السودان 
مشكلاته سوف يلتحق بركب إخوته العرب الذين ينجحون في تحقيق الوحدة". 
كانت هذه صدمة قوية لى» وقلت: "لو في إمكان أي قطر عربي أن يحل مشكلاته 
لما كانت هناك ضرورة للوحدة ولكننى أخالفك الرأي". كان السادات يقول 
لنا: "اتركوا لي السودان ولا تزاحموني عليه وسوف أترك لكم تشاد". لقد أعطينا 
السودان الكثير من وقتنا وتفكيرنا وأنفقنا الأموال الطاتلة (أسلحة. وتدريب» 
وتموين» ووسائل نقل» ومساعدات مالية للأحزاب) فضلًا عن الدعم الاقتصادي 
السخيّ» ولكن - للأسف - من دون أي مردود وطني أو قومي تقدمي. بيد أن 
سقوط النميري في السودان وبورقيبة في تونس» كسر الطوق المضروب من 
حولناء وسقط هذا الحصار كليًا مع موت السادات وسقوط هبري. كانت زيارتي 
للسودان من الزيارات التي أعتز بهاء حيث عشت الأيام الأولى للثورة الشعبية» 
وأجريت حوارات معمقة مع حزبي الأمة والاتحاد ومع الدكتور حسن الترابي» 
وكانت تتواصل حتى الساعات الأولى من الصباح» كما حضرت الأمسيات 
الشعرية التي صورت الدعم السخي الذي قدمته ثورة الفاتح للسودان وللشعب 
السوداني في نضاله من أجل إسقاط حكم النميري. لقد صور الشعراء في لوحة 
جميلة أعمال المقاومة التي انطلقت من مديئنة الكفرة الليبية من جانب مقاتلي 


228 


حزبى الأنصار والاتحاد. كانت الزيارة زيارة ممتعة شاركتٌ فيها الجماهير 
السودانية انتصارها وفرحهاء وسأظل أتذكر هذه الزيارة ما حييت. 

ثم بدأت الدورة نفسها؛ إِذْ فشلت الأحزاب في إيجاد حلول لمشكلات 
السودان» ولم تتفق على مفهوم الحكم وأسلوبه. سأعود بذاكرتي إلى فترة سبقت 
سقوط النميري تحالف فيها حسن الترابي مع النميري وأصبح الترابي مستشارًا. 
تمكن الترابي» مستغلا موقعه. من اختراق الجيش وتشكيل جناح عسكري للجبهة 
الإسلامية» فقادت الجبهة وجناحها العسكري ماعرف ب "ثورة الإنقاذ" في عام 
9 ضد حكومة الصادق المهدي؛ فأصبح عمر حسن البشير* رئيسًا للدولة. 
طرحت الجبهة لأول مرة رؤية تقدمية إسلامية» ركزت فيها على شعارات الوحدة 
والعدالة والصحوة الإسلامية. لكن نظرًا إلى الضغوط والعقوبات الأميركية 
ووضع السودان على قائمة الإرهاب. نتيجة علاقة ثورة الإنقاذ بأسامة بن لادن*2, 
أصبح السودان في قلب أزمة داخلية وخارجية انتهت بسقوط البشير. 


لم يخطر في ذهني حتى لحظة واحدة أن الشعب السوداني يمكن أن يسمح 
بخيانة نضاله وتاريخه وخيانة قضية فلسطين. إنه مثل صارخ على أن هذا الزمن 
هو الزمن الرديء وأنه زمن البترودولاره وحيث إِنّنا أصبحنا نشهد "ثورات الخيز" 
بدلا من "ثورات القيم والمبادئ". ماذا حدث لهذه الأمة؟ أصبحت أمة تعيش 


بالخبز وحذده. 


صدام حسين واحتلال الكويت 


بعد فشل صدام حسين في تنفيذ المهمة التي كلفته بها الولايات المتحدة 
والرجعية العربية في الخليج. للقضاء على الثورة الإسلامية في إيران» مستغلين 


"عقليته الطاووسية". وبعد المأساة التي استمرت ثماني سنوات من الحرب 


(53) رئيس الجمهورية السودانية (2019-1989). 

(54) وصل أسامة بن لادن إلى السودان عام 1991 بعد خلافه مع العائلة الحاكمة في المملكة العربية 
السعودية بشأن دعمها للولايات المتحدة في حرب الخليج ضد العراق» وغادر السودان إلى أفغانستان 
عام 1996. 


229 


العراقية - الإيرانية» أقدم» في 2 آب/ أغسطس 1990.» على مهاجمة الكويت. 
لقد نصبت له واشنطن فخا وجرّته إلى احتلال الكويت» كى تدمر ترسانة العراق 
من السلاح. كانت الولايات المتحدة قد زودته خلال الحرب ضد إيران بأسلحة 
متطورة» بما في ذلك معدات الحرب الإلكترونية» وزودته أيضًا بكل ما يلزم 
من معلومات استخباراتية. وكما نشرت وسائل الإعلام» فقد أعطت السفيرة 
الأميركية'*© في بغداد صدام حسين انطباعًا بأن واشنطن لا تمانع غزو الكويت. 
فى هذا الوقتء وبعد أن اجتاحت القوات العراقية الكويت» وأعلنتها المحافظة 
العراقية التناسعة عشرة في 28 آب/ أغسطس 1990 وتغيير اسم مدينة الكويت 
إلى الكاظمية» اتصل بنا الرئيس المصري محمد حسني مبارك**» وقال لنا إن 
السفير الأميركي أبلغه بأن الإدارة الأميركية عازمة على طرد القوات العراقية 
من الكويت» وترغب في مساهمة مصر وسورية بقوات "رمزية"» وقال: "لقد 
أخبرت السفير الأميركى وقلت له كلا إننا لن نشارك بقوات رمزية بل بقوات 
حقيقية". بعد نحو أسبوع تقريبّاء عاود الرئيس مبارك الاتصال بناء وقال: "زارنا 
جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي» وقال لنا إنهم يريدون أن تشارك مصر 
وسورية بقوات كبيرة» وأن تكون هذه القوات في المقدمة". 

لمَا كانت الولايات المتحدة تحشد قواتها لطرد القوات العراقية من 
الكويت» سعت إلى التغطية على قرارها هذاء بأن تحصل على شرعية لقرارها 
من الحكام العرب "الذين لا شرعية لهم". أما في الحقيقة» فقد كان هدفها هو 
"تدمير الترسانة العراقية" بوصفه مطلبًا صهيونيًا وأميركيًا ورجعيًا عربيًا. وهكذا 
عقد مؤتمر القمة العربية الطارئة في القاهرة يوم 10 آب/ أغسطس 2»1990 
وتبنى الحكام العرب فيه قرار "طرد القوات العراقية من الكويت". بحيث بدا 
كأنه قرار عربي» وهو في الواقع قرار أميركي. لقد واجهت القيادة الليبية موقا 
صعبًّاء فقبيل عقد القمة كنا نعلم مسبقًا أن هذا القرار مُعدَ سلقّاء فكان أمامنا إِمّا 
أن نتغيب عن القمة الطارئة» وإمّا نحضر ونعلن رفضنا. بعد أن درسنا هذين 


(55) أبريل كائرين غلاسبى أنم5ة01 عمنبعطق ازرمه) (1942-): سفيرة الولايات المتحدة الأميركية 
في العراق» اشتهرت بدورها في الأحداث المؤدية إلى حرب الخليج الثانية. 
(56) رئيس جمهورية مصر العربية (2011-1981). 


2130 


الخيارين» قررنا المشاركة على أعلى مستوىء وقد حضر الأخ معمّر المؤتمر 
قصد إسقاط القرار إعلاميًا وقانونيًا. لم يكن القرار الذي تبناه الحكام قانونيّاء 
لأنه مخالف لميثاق الجامعة والنظام الداخلي اللذين يشترطان الإجماع. وبما 
أن ليبيا رفضت القرار فقد أصبح القرار غير شرعيء فما كان من الأخ معمّر إلا 
أن نهض ومرّق القرار تعبيرًا عن "قرار الأمة" وقواها الحية. 


في هذا المؤتمر» ظهر الحكام العرب على حقيقتهم في وضع مهين 
وبائس. ومع ذلك» حاولنا الإبقاء على تواصل مستمر مع الرئيس حسني مبارك 
والرئيس السوري حافظ الأسدء لعلنا نحدّ من اندفاعهماء فقررنا دعوتهما 
لعقد اجتماع ثلائي في مصراتة» لكنهما اشترطا عقد اجتماع لوزراء الخارجية 
(ليبيا ومصر وسورية) في القاهرة» لصياغة البيان الذي سوف يصدر عن 
الاجتماع. وبالفعل» عقد الاجتماع وقدمت مصر وسورية مسودة "مشروع بيان" 
معيب وسيئ؛ لأنه "يلتف" على موقف ليبيا. لقد سعى إبراهيم البشاري أمين 
الخارجية» وعبد الله السنوسي””' مدير المخابرات الحربية» وموسى كوسا 
مسؤول العلاقات مع الحركات الثورية وحركات التحرر الوطني» إلى "“حجب" 
محتوى هذا البيان عنّي. ولمًّا علمت بالأمر» اتصلت بالأخ معمّر الذي كان في 
هذا الوقت فى مدينة مصراتة» وقلت له: "إذا تراجعنا عن موقفنا هذا وحضر 
مبارك والأسد وصدر البيان عليك أن تعتبرني مستقيلا”. فقال لي: "نحن وافقنا 
على البيان لكي نضمن مشاركتهم في اجتماع مصراتة» وحين يحضرون لن 
يصدر أي بيان"» ثم قال: "اركب الطائرة وتعال لحضور الاجتماع". في اليوم 
نفسهء ذهبت إلى مصراتة» واتفقت مع الأخ معمّر على أن نقول لحسني مبارك 
والأسد حينما يصلان. إن مواقفنا من القرار الأميركى ب"تحرير الكويت" 
قد تحددت,. والآن علينا أن نتدارس حال الأمة بعد تدمير القوات العراقية 


و"احتلال الخليج". وحدث أن علم الرئيس السوداني عمر حسن البشير 


(57) عبد الله السنوسي (1952-): عسكري ليبي»؛ تربطه قرابة نسب مع معمر القذافي» فهو زوج أخت 
صفية فركاش» عقيلة القذافى. وقد أطلق القذافى يد السنوسى فى السيطرة الأمنية على البلاد» حيث تولى 
عدة مناصب أمنية» من بينها قيادة جهاز الأمن الخارجى والاستخبارات العسكرية» وكذلك الجهاز 
الأمني الذي يقع على عاتقه الحماية الشخصية للقذافي. 


231 


بالاجتماع فطلب أن يحضر للمشاركة» فقال لي معمّر: "ما رأيك؟”. فقلت له: 
"أوافق على دعوته". ثم أضفت مازحًا: "حينما يحضر البشير سوف نسقط البيان 
ديمقراطيّا اثنان ضد واثنان مع. وفي حال تساوي الأصوات يرجح الجانب 
الذي فيه الرئيس". وبالفعل حضر الرئيس عمر البشير. في الاجتماع» وعلى 
الرغم من الود والاحترام اللذين يجمعان بيني وبين الرئيس الأسد. فإنه التفت 
نحوي وهو فى ثورة غضب قاتلًا: "أنت أفسدت علينا كل شيء. يومًا ما أنت 
سوف تحاكّم". وخلال العشاء» كان الرئيس الأسد يحاول الضغط على الأخ 
معمّر من أجل إصدار البيان» لكن الأخ معمّر بطريقته الخاصة كان يناور لتمييع 
الموضوع على أساس أن البيان طويل ومملء فقال الأسد: "حسنًا يمكن أن 
يُختصر ويكون مركرًا وقصيرًا”. لكن الأخ معمّر. قبيل العشاءء طلب من أمين 
الخارجية البشاري أن يغادر إلى طرابلس لمنع أي محاولة لعقد اجتماع لوزراء 
الخارجية من جديد. وهكذا أحبطنا مشروع قرار سيئ. وفي تلك اللحظات» 
تبادرت إلى ذهني صورة أناس تلوثت ملابسهم بالقطران وهم يريدون تلويث 


زياراتي وحواراتي مع قادة دول العالم 


قبل أن أتحدث عن زياراتي وحواراتي مع قادة دول العالم» أريد أن 
أتحدث عن علاقاتي مع المثقفين والكتاب العرب. كنت دائمًا أحرص على 
اللقاء بهم» وحدث في إحدى المرات أنني التقيت بعدد من المثقفين العرب» 
فقلت لهم: "يُفترض أن المثقف الحقيقي هو حزب بناته» فأين أنتم من جان 
بول سارتر”"©؟ حينما قامت ثورة الطلبة في فرنسا ضد شارل ديغول عام 
8» وحينما شعر ديغول بالخطر أمر باعتقال القيادات الطلابية» وبدأت 
الثورة تخبوء قرر سارتر النزول إلى الشارع لقيادة الثورة مباشرة» بعد أن كان 
يدعمها من الخلف. وحين نزل سارتر إلى الشارع» أصدر وزير الداخلية أمرًا 
باعتقاله» لكن ديغول اتصل به وطلب منه ألا ينفذ هذا الأمر وقال له: "أنت 
تريد أن تعتقل ضمير فرنسا. أتريد من الشعب الفرنسي كله أن ينزل إلى الشارع 
ضدي؟". فكان ردّ المثقفين والكتاب علىّ: "أنت تطالبنا أن نكون كلنا سارتر. 
هات لنا الشعب الفرنسي ليحمينا". 0 


في هذا السياق» أذكر أنني في عام 2009. بعد أن مزق الأخ معمّر 
ميثاق الأمم المتحدة في جلسة الجمعية العامة في أيلول/ سبتمبر من العام 


(1) جان بول سارتر (1980-1905): فيلسوف وروائى وناشط سياسى فرنسى. بدأ حياته العملية 
أستادًا. درس الفلفة فى ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وحين احتلت ألمانيا النازية فرنساء انخرط 
في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. عرف سارتر واشتهر لكونه كاتبًا غزير الإنتاج» ولأعماله الأدبية 
وفلسفته الوجودية» ويأتي في المقام الثاني التحاقه السياسي باليسار»ء وكان من أبرز المؤيدين للثورة 
الطلابية فى أيار/ مايو 1968. 

(2) بدأت الثورة الطلابية-أحداث أيار/ مايو 1968 بسلسلة تظاهرات قمعتها قوى الأمن الفرنسية 
بشدةء وقاد ذلك إلى توسع الاحتجاجات وانضمام اتحادات النقابات العمالية في فرنسا إليهاء والتي 
دعت إلى الإضراب العام» وتوسعت بسرعة أكبر كثيرًا مما كان متوقعًا لتشمل 11 مليون عاملء أي أكثر 
من 22 فى المئة من إجمالى سكان فرنسا فى ذلك الوقت. استمر تأثير أحداث أيار/ مايو 1968 فى 
المجتمع الفرنسي. وُعتبر هذه الفترة نقطة تحول ثقافية واجتماعية وأخلاقية في التاريخ الفرنسي. 1 


235 


ذاته» التقيت بعدد من المثقفين والكتاب والسياسيين وبعض قيادات أحزاب 
المعارضة العربية في طرابلس. وكانوا يحتجون على الأخ معمّر ويستهجنون 
ويدينون تصرفه» وكنت أستغرب تفكير هؤلاءء فكان ردّي عليهم: "نحن مزقنا 
الورق الذي كتب فيه الميثاق» فى حين أن أميركا والدول الغربية مزقت محتوى 
الميثاق ومضمونه. لقد جهّزوا الجيوش الجرارة لاستعمار أفريقيا وآسيا وأميركا 
اللاتينية ونهبوا خيراتها وثرواتهاء ومصوا دماء شعوبهاء وفرضوا عليها الفقر 
والجهل والمرضء كما شنت أميركا الحرب على كوريا وفيتنام. إن هذا مثل 
صارخ على أن معظم مثقفينا يعيشون حالة من التغرب والانبهار بالحضارة 
والثقافة الغربية» أفقدتهم هويتهم وصاروا ينظرون إلى الأمور بعيون غربية". 
وأذكر أنني في السبعينيات افتتحت معرض الكتاب في طرابلس» وكان يقام 
في معرض طرابلس الدولي» وألقيت كلمة قصيرة قلت فيها: "أتطلع إلى اليوم 
الذي تصبح فيه القراءة عادة اجتماعية» خاصة لدى شبابنا وكوادرناء وأن أرى 
الطوابير على المكتبات مثلما أراها الآن على المخابز ومتاجر بيع اللحوم". 

والآن سوف أتحدث عن حواراتي مع قادة العالم وزياراتي لمختلف 
البلدان. 


فرنسا 


كانت أول زيارة لي لفرنسا في بداية عام 1970.» لعقد "صفقة الميراج". 
لم تكن الصفقة عسكرية» بل كان لها دلالات سياسية مهمة» فقد كنا معجبين 
بالثورة الفرنسية والمبادئ التى جاءت بها. كما كنا نحمل تقديرًا خاضًا للجنرال 
شارل ديغول. لإيمانه بالوحدة الأوروبية ولاستقلالية قراره وموقفه من منظمة 
حلف شمال الأطلسي "الناتو"* والولايات المتحدة» وقد أبهرنا ديغول وأثلج 
صدورنا حين قال: "إن الدولار الأميركي لم يكن له غطاء من الذهب". وشكك 
في صلاحية وصدقية الاتفاقية العالمية التي تربط الدولار بالذهب. ولمّا رفضت 


(3) منظمة عسكرية دولية تأسست بناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي وقعت في واشنطن في 
4 نيسان/ أبريل 1949. 


الولايات المتحدة التسليم بذلك» جمع ديغول مليارات الدولارات وطالبها بأن 
تدفع قيمتها ذهبًا. وبالفعل» دفعتء لكنها عام 1973 اعترفت أن الدولار لم 
يعد مغطى بالذهب. 


تواصلت زياراتي لفرنسا وتكررت في عهد فاليري جيسكار ديستان» 
وجاك شيراك*» اللذين كنت تعرفت عليهما حينما كانا وزيرين» واستمرت 
هذه العلاقة بعد أن أصبحا رئيسين. كما كان لدي علاقة صداقة قوية بالرئيس 
فرانسوا ميتران””'» وحين كان رئيسًا للحزب الاشتراكي الفرنسي في بداية رئاسة 
ديستان تعاظم تدخلنا في تشاد» ونشأ بيننا خلاف حاد. بل وقعت بيننا "مواجهة 
استراتيجية" ليس فى تشاد وحدها فحسبء. بل فى أفريقيا الناطقة بالفرنسية 
أيضًاء وكان لفرنسا باستمرار سفراء متميزون فى طرابلس. فى إحدى المرات 
طلب السفير الفرنسى جان بيير كابوات© مقابلتى» وفى أثناء اللقاء قال: 
"بصراحة إن المواجهة ليست بين ليبيا وفرنسا في أفريقياء وإنما هي بين أوروبا 
وليبيا"» وأردف قائلًا: "أميركا اللاتينية والوسطى هي حديقة خلفية لأميركاء أما 
آسيا فهي لليابان والصين. أوروبا لا تملك خامات, ولا طاقة. أفريقيا هي مجالنا 
الحيوي, ولذا يمكن أن نجد حلا بيننا في تشاده ولكن إذا هددتم مصالحنا في 
أفريقياء فهذا يعني الحرب بين ليبيا وأوروبا". 

بعد هذه المقابلة» قمت بزيارة فرنسا رفقة السفير عاشور قرقوم - 
رحمه الله - واجتمعت مطولا بالرئيس ديستان» واستمر الحوار الساخن 
خلال غداء العمل. ثم أحضر الرئيس ديستان خريطة تشاد وقال لي: 
"يا صديقي جلود.ء يمكن الاتفاق معكم في تشاد» شمال خط عرض 22 
لليبياء وجنوبًا لفرنسا. أما إذا حاولتم أن تقوضوا نفوذنا أو تهددوا مصالحنا 
في أفريقياء تكونوا [تكونون] قد قررتم المواجهة". وكان ردي: "أنا أرفض أن 


(4) رئيس الجمهورية الفرنسية (2007-1995). 

(5) فرانسوا ميتران (1996-1916): شغل منصب رئيس الجمهورية فترتين رئاسيتين (1981- 
8 199539). كان ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي» وقد شغل منصب أمينه العام. 
(6) جان بيير كابوات (اهناواهة© ع7ءزم-مهءل) (2017-1921): سفير لفرنسا في لييا (19275- 
9 © وفى كندا (1987-1984). 


[مليونا] كيلومتر مربع. لسنا في حاجة إلى أراضي من تشاد". ثم قلت له: "أنتم 
تعملون ضد قيم الديمقراطية التي يفترض أنكم تؤمنون بهاء حيث تقفون مع 
مع الأكثرية ضد ظلم ودكتاتورية الأقلية". انفض الاجتماع وكان عاصمًاء 
لكننا اتفقنا على مواصلة الحوار في الزيارات المقيلة. وتكررت زياراتي 
خلال عهد الرئيس شيراك» حيث كنت ألتقي به بصفة شخصية عند زيارتي 
لباريس» ونشأت بيننا علاقة صداقة ومودة. وكان يكن لى كل تقدير وكنت 
كذلك أبادله المشاعر نفسها. خلال زياراتى المتكررة لفرنساء اجتمعت عدة 
مرات بميتران بصفته رئيسًا للحزب الاشتراكي الفرنسي» وحين كان يستقبلني 
كان يقول لي: "جلودء ربما كان أحد أجدادي في الماضي البعيد عربًا". ثم 
يضيف مازحًا: "من الجيد أننا هزمناكم في معركة بواتييه””2. وحين تولى 
ميتران الرئاسة» رتب رئيس الوزراء اليوناني أندرياس جورجيوس باباندريو 
لقاءَ بين القذافي وميتران في أثيناء وكانت لنا صداقة قوية مع رئيس الوزراء 
اليوناني والحزب الاشتراكي» تمّ فيه التوقيع على حل المشكلة التشادية» 
ولكن - للأسف - لم يلتزم القذافي بالاتفاق. هذا هو معمّر. ونتيجةً لذلك» 
شهدت علاقاتنا مع فرنسا أسوأ مرحلة في عهد ميتران» لأنه كان يعتقد أن 
القذافي قد خدعه. ولهذا لم أجتمع بميتران رئيسًا. 

في 2 نيسان/ أبريل 1974» توفي الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو. مثلتٌ 
ليبيا في مراسم الجنازة» تقديرًا لهذه الشخصية الشجاعة التي قاومت الضغوط 


(7) معركة بواتييه/ معركة بلاط الشهداء: دارت في تشرين الأول/ أكتوبر 732م, في مكان يقع بين 
مدينتي بواتييه وتور الفرنسيتين» وكانت بين قوات المسلمينء بقيادة والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي 
من جهة. وقوات الفرنجة والبورغنديين بقيادة شارل مارتل من جهة أخرىء وانتهت بانتصار قوات 
الفرنجة وانسحاب جيش المسلمين بعد مقتل قائده عبد الرحمن الغافقى. 

(8) أندرياس جورجيوس باباندريو (1996-1919): رئيس وزراء اليونان خلال فترتين 
(21 تشرين الأول/ أكتوبر 1981 - 2 تموز/يوليو 2)1989.» و(13 تشرين الأول/ أكتوير 1993 - 
2 كانون الثاني/ يناير 1996). 


الإسرائيلية - الأميركية بخصوص صفقة ال"ميراج". حضر الجنازة كبار قادة 
العالم. وبينما كنّا ننتظر خارج الكنيسة قبل دخولهاء كنت أتحدث مع السيّد 
أولوف بالمه رئيس وزراء السويد". كان الدور قد حان ليدخل ولي العهد 
المغربي محمد السادس» وكان آنئلٍ في العاشرة من عمره؛ وصحبته رئيس 
وزراء المغرب أحمد عثمان") وميشيل جوبير وزير خارجية فرنسا. فمازحني 
بالمه قائلًا: "جلودء جلود. هذا الطفل يمثل الشعب المغربى؟" فقلت: "لا 
إنه يمثل والده". فضحك كأنه لم يتوقع مثل هذا الجواب مني. ثم أقام رئيس 
مجلس الشيوخ حفل استقبال للوفود. الجميع تصافحوا وتجاذبوا أطراف 
الحديث. كان الرئيس ريتشارد نيكسون”' يحضر الجنازة» وكذلك الرئيس 
السوفياتي نيكولاي بودغورني22. خلال حفل الاستقبال» لم أصافح الرئيس 
نيكسون وكنت أنظر إليه عن بُعد. وكان هو يفعل ذلك أيضًاء فقد كان ينظر 
صوبي. وحدث أن أصبح قريبًا مني» بينما كنت أتحدث مع الرئيس بودغورني» 
أمسك بودغورني بيدي وبيد نيكسون طالبًا ما أن نتصافح. شعر الرئيس 
الأميركي بحرج.ء فمدّ لي طرف يده ثم ابتعد مسرعًا متفاديًا المصورين. 


ألمانيا 


في إحدى زياراتي لأوروبا الغربية عام 1973» قمت بزيارة رسمية لفرنساء 
وكان من المقرّر أن أزور بعد ذلك ألمانيا الغربية. استلمت برقية من سفيرنا 


(9) أولوف بالمه (1986-1927): سياسي سويدي. زعيم حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي 
منذ عام 1969. رئيس وزراء السويد (7976-1969).: أعيد انتخابه عام 21982 اشتهر دوليًا بمواقفه 
الجريئة وصراحته الشديدة في ما يخص كثيرًا من القضايا الدولية مثل قضايا السلام والديمقراطية 
والتفاهم الدولي والأمن المشترك. تعرض في 28 شباط/ فبراير 1986 لحادث اغتيال قُتل فيه بطلقات 
نارية عند خروجه من السينما صحبة زوجته. 

(10) أحمد عثمان: رئيس وزراء المغرب (1979-1972). 

(11) ريتشارد نيكسون (1994-1913): رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابع والثلاثون 
(1924-1969). 

(12) نيكولاي بودغورني (1983-1903): تولى منصب رئيس مجلس السوفيات الأعلى (1965- 
27). 


2139 


في بون» جلال الدغيليء مفادها أن المستشار الألماني ويلي براندت*"2 لن 
يكون فى استقبالى فى المطارء وكنت أعتقد أن هذا إجراء استثنائى. ولأننى 
أمثل كبرياء شعبء فقد أبلغت سفيرنا أن يبلغ الألمان بإلغاء الزيارة أو تأجيلها. 
لكن المراسم الألمانية شرحت لسفيرنا في بون أن البروتوكول الألماني يقضي 
باستقبال رؤساء الوزراء في مقر المستشارية بعد أن تنقلهم طائرة عمودية من 
المطار إلى مقر المستشارية» استقبلني براندت» ثم أقام لي في المساء حفل 
عشاء. 


كان يرافقني في الزيارة وزير الخارجية علي عبد السلام التريكي”"'» ووزير 
النفط عز الدين المبروك» وعمر المنتصر رئيس مؤسسة النفط. قبيل العشاء 
بقليل قدّم لي براندت الوزراء الألمان المدعوين» وعلى رأسهم وزير الخارجية 
فالتر شيل”*''» وبدوري قدمت له الوفد الليبى. ولمّا جاء دور عمر المنتصر. 
وكان شخصًا بديئًاء قدمته بصفته رئيسًا لمؤسسة النفط» فقبض براندت على 
يديه قائلًا: "هذا فعلًا يعبر عن قوة النفط" ثم سألني براندت في دردشة بيننا 
قبل العشاء: "أين درست الاقتصاد. في أي جامعة تخرجت؟"2 فقلت له: "أنا لم 
أدرس الاقتصاد وليس لي مؤهلات في هذا المجال. ولكننى منذ صغري أقرأ 
عن الاقتصاد. أنا وضعت أمام قدري ولا أملك إلا الثقة بالنفس ولأنني أعرف 
ما أريد"» فضحك ويلي براندت» وقال: "أنت تملك كل شيء". 


في هذه الزيارة وقّعنا مجموعة اتفاقيات» من بينها اتفاقية تزويد ألمانيا 
بالتفط الليبى» وأخرى للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والتقنى. وأسست 
هذه الزيارة لعلاقات صداقة متينة مع ألمانيا. ونتيجة للزيارات واللقاءات 
المتكررة الرسمية والخاصة. تكونت بيننا صداقة متينة. 


(13) ويلي براندت (1992-1913): سياسي ألماني» كان زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي 
الألمانى (580) (1987-1964)» شغل منصب مستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) 
(1924-1969). وكان أول مستشار من هذا الحزب منذ عام 1930. 

(14) شغل التريكى منصب وزير الخارجية مرتين فى فترتين مختلفتين: الأولى (1982-192727): 
والغانية (1986-1984). 1 

(15) فالتر شيل: وزير خخارجية ألمانيا الغربية (1974-1969). 


210 


السويد 


في العام نفسه (1973)» قمت بزيارة السويد. لم أكن في هذا الوقت قد 
تعرفت على رئيس الوزراء أولوف بالمه. لكنني عرفته عن بعد, فكلانا كان 
يدعم الثورة الجزائرية. وحدث أن الزيارة تمّت بعد "عملية ميونخ"29. اتخذت 
السويد إجراءات أمنية مشدّدة. حينما وصلت طائرتىء كان الاستقبال بسيطًا 
ووجدت في انتظاري عند سلّم الطائرة شخصًا بسيطًا يرتدي ملابس بسيطة 
من دون ربطة عنق. ظننت أن هذا الشخص موظف من موظفي المراسم» ليس 
حتى مديرًا للمراسم. تساءلت: لماذا لا يوجد في استقبالي رئيس الوزراء بالمه؟ 
وشعرت أن هذا يعتبر إهانة لبلادي» فراودتني فكرة قطع الزيارة» لكنني تمهلت 
في اتخاذ القرار. ولمّا ركبت السيارة صعد الشخص نفسه وجلس إلى جواري. 
حينما انطلقت السيارة إلى الفندق» بادرني إلى القول: "أنا أولوف بالمه". 

ما إن سمعت الاسم حتى شعرت بالراحة والدهشة والاستغراب من هذه 
البساطة» كما انتابنى شعور بالسعادة أننى سأواصل زيارتى. كان رئيس الوزراء 
بالمه يرتدي ملابس عادية» وربما أقل من عادية حتى بالنسبة إلى رجل بسيطء 
وهذا ماأثار فضولى. كانت أغلبيته فى البرلمان بنائب واحد؛ ولذا عقدنا كل 
الاجتماعات في مبنى البرلمان. ثم رتّب لي اجتماعًا مع قيادة اتحاد العمال 
والشباب, واللجنة المركزية لحزبه حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي. تأثرت 
بتعامله البسيط والمتواضع بلا أي تعقيدات بروتوكولية؛ فهُم بالنسبة إليه كالإخوة. 
قلت في نفسي: "هذا هو جوهر ومحتوى الإسلام". وجدت مجلس وزرائه كلهم؛ 
لايحملون أي شهادات جامعية عدا أولوف بالمه ووزير دفاعه الذي كان لوقت 
طويل وزيرًا للخارجية وهو سفين أولوف مورغان أندرسون27. 


(16) عملية ميونخ (6-5 أيلول/ سيتمبر 1972): هى عملية احتجاز رهائن إسرائيليين حدثت فى 
أثناء دورة الأولمبياد الصيفية المقامة في ميونخ في ألمانياء وقد نفذتها منظمة أيلول الأسود. وكان مطلب 
منفذيها هو الإفراج عن 236 معتقلا في السجون الإسرائيلية معظمهم من العرب» إضافة إلى كوزو 
أوكاموتو من الجيش الأحمر اليابانى. انتهت العملية بمقتل 11 رياضيًا إسرائيليّاك و5 من منفذي العملية 
الفلسطينيين» وشرطي وطيار هليكوبتر ألمانيين. 

(17) سفين أولوف مورغان أندرسون (0هددمعلهث «مدعءهل! 0107 5060): وزير الخارجية السويدي 
(1926-1923). 


241 


علمت أنهما كانا يشتغلان ويواصلان دراستهماء وفوجئت بأن وزيرة 
الصحة كانت ممرضة. حينما سألته» وأنا أعلم نسبة المتعلمين وخريجي 
الجامعات في السويد: "أنتم لديكم أكبر عددٍ من الأطباء. لماذا اخترتم ممرضة 
لمنصب وزير الصحة؟". فقال لي وهو يضرب مثلا هو نفسه المثل الليبي 
والعربي: "لا يشعر بالنار إلا من يضع يده فيها". وبالفعل» تتشابه الأمثال الشعبية 
في العالم» لأنها ناتجة من تفاعلات وجدانية ومعاناة شعبية. 

كانت زيارتي قصيرة جدًا لم تتجاوز تقريبًا 48 ساعة» قضيتها بين الفندق 
والمطار» ومن مقر البرلمان إلى المطار. بعد عودتي من السويد» سافر عز الدين 
المبروك وزير النفط. وعبد المجيد القعود وزير الزراعة, لتنفيذ الاتفاقيات في 
مختلف المجالات الاقتصادية والنفطية. استقبلهما السيّد بالمه وقال لهما: "لقد 
فاجأنا صديقى الرائد جلود. كنا نعتقد أنه بعد انتهاء الزيارة الرسمية» سيمكث 
في زيارة خاصة لمدة أسبوع أو عشرة أيام» وقد نشرنا 3000 شرطي في 
الأماكن السياحية والعامة نظرًا إلى حادث ميونخ» ولكنه فاجأني بسفره. لقد 
ذهب من مبنى البرلمان إلى المطار. عبد السلام جعلنا نعرف أن العرب عرّبان. 
لم يحدث أن زارنا مسؤول عربي رفيع إلا مدّد الزيارة الرسمية وجعلها زيارة 
خاصة". لما أخبرني الوزيران بعد عودتهما بما قاله بالمه» اتصلت به وقلت له: 
"سيّد بالمه أنا لست ملاكّاء وكم كان بودي أن أمتّع نفسي وآخذ قسطا من الراحة 
في بلادكم الجميلة؛ ولكنني سعيد لأنك فهمت رسالتي أن العرب عرّبان". 


الصين 


في بداية عام 1970., بعد ثورة الفاتح بأشهرء سافرت في زيارة سرية إلى 
الصين بطائرة تجارية عبر باكستان» وكان معي أستاذي محمد مصطفى المازق 
الذي كنت أحد تلاميذه فى مرحلة الإعدادي. كان السبب الحقيقى لوجوده 
معي أنه كان يملك وكالة آسيا للاستيراد» وهو أول من فتح السوق الليبية أمام 
الصادرات الصينية» وكانت له صلات تجارية وعلاقات شخصية مع الصينيين 
قبل الثورة. نمت ليلتي الأولى في باكستان» وفي الصباح سافرت في طائرة 


212 


خطوط تجارية إلى بكين. هناك التقيت ياسر عرفات أول مرة حين كان يركب 
الطائرة نفسهاء وكان في طريقه إلى الصين في زيارة رسمية. حينما وصلنا بكين» 
أعد لياسر عرفات استقبال رسمى؛ أما أنا فكانت زيارتى سرية» فأخذت طريقى 
من المطار إلى بيت الضيافة. ‏ - ْ ْ 


في بكين» عقدت اجتماعين مطولين مع تشو إنلاي”*"» واجتماعًا مطولا 
مع وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الشعبي الصيني. كان الموضوع الرئيس 
في زيارتي هو شرح أهداف الثورة» وإقامة تحالف بين الثورة الصينية وثورة 
الفاتح» لأننا كنا متأثرين بالثورة الصينية وأفكار ماو تسي تونغ”". ثم طلبنا 
مساعدتنا في عملية التصنيع في ليبياء ونقل التقنية النووية السلمية إلى ليبياء 
فقال لي تشو إنلاي إنهم لكي يساعدونا في ذلك لا بد من قطع شوط طويل في 
التصنيع» وأن نحقق قفزة تكنولوجية؛ لأن توطين هذه التقنية ونقلها يحتاجان 
إلى قاعدة صناعية» وخاصة في مجال الصناعات الهندسية. في أيلول/ سبتمبر 
6 » قمت بزيارتي الثانية للصين في عهد زعيمها القوي دنغ شياو بينغ'”*' 
واشترطت قبل الزيارة أن يكون هو شخصيًا في استقبالي بالمطارء وأن تجري 
المحادثات معه. وبالفعل» وافق الجانب الصيني» وكانت زوجتي ترافقني في 
هذه الزيارة. ْ ْ 00 


حين وصلت إلى المطارء كان دنغ شياو بينغ على رأس المستقبلين. 
ثم أقام لي وللوفد المرافق مأدبة عشاء في القاعة الحمراء الكبرى في بكين» 
تبادلنا خلالها الكلمات. خلال الاجتماعات الرسمية معه أجرينا حوارات مهمة 
بشأن علاقات بلدينا. كانت الصين تشترط عادة - في أيّ بيان رسمي - لإقامة 


(18) تشو إنلاي (1976-1898): أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية (1926-1949). 
(19) ماو نسي تونغ (1976-1893): ثوري شيوعي صيني ومؤسس جمهورية الصين الشعبية التي 
حكمها من خلال قيادته للحزب الشيوعي عام 1949 حتى وفاته عام 1976. يُعرف أيضًا باسم الرئيس 
ماوء وقد اشتهر بأيديولوجية الماركسية - اللينينية واستراتيجياته العسكرية الخاصة ونظرياته وسياساته؛ 
إذ شكلت كل هذه الأفكار مجتمعة مابات يعرف ب "الماوية". 

(20) دنغ شياو بينغ (1997-1904): سياسي ومنظر وقائد صينيء قاد الصين في عهد رئاسته للبلاد 
(1992-1978) نحو تبني اقتصاد السوق. تولى قيادة الحزب الشيوعي الصيني بعد إطاحة هوا جيو فينج. 


23 


علاقات دبلوماسية واقتصادية معهاء أن يتضمن البيان المشترك موضوع "قطع 
العلاقات مع تايوان"» فقلت له: "هذا موضوع سياديء وأنا لا يمكن أن أقبل 
بوضع هذا الشرط. ولكن خلال أسبوع من عودتي سنطرد سفير تايوان". فقال 
لى: "أنا أثق بكلمتك". وهكذا توصلنا إلى هذا الاتفاق بعد مباحثات مطوّلة 
استمرت في اليوم الأخير من أيام الزيارة حتى الساعة الثالثة صباحًا. ولمًا صدر 
البيان بإقامة "علاقات دبلوماسية" من دون وجود شرط "قطع العلاقات مع 
تايوان"» تناقلت وكالات الأنباء العالمية الخبر على النحو التالي: "الصين تغيّر 
من سياساتها". في الصباح خلال توجهي إلى المطارء بدا لي الوضع مختلقًا؛ 
ففي حين كان الاستقبال رسميّاء كان الوداع رسميًا وشعبيّاك حيث اصطفت 
الجماهير على جانبي الطريق من بيت الضيافة وعبر الطرق نحو المطارء وكان 
دنغ شياو بينغ على رأس المودّعين. وكانت حصيلة هذه الزيارة هي التأكيد 
على ضرورة إقامة العلاقات السياسية بين الصين وليبياء وطرد سفير تايوان. بعد 
عودتي إلى طرابلس بأربعة أيام فقط» قمنا بطرد سفير تايوان. 


وأذكر أنني في زيارتي الأولى للصين وخلال إقامتي في بيت الضيافة في 
بكين» حدث موقف طريف حين دعيت للعشاء؛ إِذْ أحضروا لي طبقًا كبيرًا من 
قطع اللحوم الصغيرة» كل قطعة يختلف مذاقها عن القطع الأخرى» فتناولت 
الطعام بشهية» ثم نهضت وغادرت الصالة» فلحق بي مسؤول التشريفات في 
صالة العشاء وسألني مستغربًا: "ألا تريد تناول العشاء؟". فقلت له: "لقد 
فعلت"» قال لي: "لا هذه مجرد مقبلات"» فضحكنا وعدت وأكملت عشائي. 


كوريا الشمالية 


في مطلع السبعينيات» قمت بزيارة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية 
(الشمالية) رفقة زوجتي, فأحاطنا الزعيم الكوري كيم إيل سونغ”© وزوجته 
بكرم وحفاوة» وكانا لطيفين وودودين معنا إلى أبعد الحدود. وقد أجريت 


(21) كيم إيل سونغ (1994-1904): السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوري السابق» ورئيس 
جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية السابق (1994-1948). 


2144 


مباحثات مطولة ومعمقة معه. وتمكنت من معرفة شخصيته التي تجمع بين 
العفوية والوضوح والنظرة الثاقبة» كما أن زوجته تجمع بين البساطة والرقي. 
حين تحدثنا عن علاقاتنا الثنائية» قال لي كيم إيل سونغ: "نحن في كوريا 
نقدر ثورتكم ودورها في طرد القواعد الأميركية والبريطانية» وفي 'ثورة النفط' 
ومحاربة سيطرة الغرب على ثروات العالم الثالث» وفي دعمكم لحركات 
التحرير والحركات الثورية". ثم أردف قائلًا: "ليس لدينا أي تحفظ أو حدود 
للتعاون معكم. أنتم تحدّدون نوع العلاقة ومستواها". ثم حدثني بمرارة عن 
وضع الأمة العربية. وقال لي: "أنتم تملكون حضارة عظيمة» ولديكم تاريخ 
مشرّفء وبلدانكم فيها ثروات هائلة وتسيطرون على أهم المنافذ الاستراتيجية 
في العالم» ومع ذلك أنتم تعيشون الجهل والتخلف والفقر والفرقة والانقسام. 
هذا أمر غير مفهوم!". فقلت له: "نعم أتفق معك. هذه المزايا الفريدة» وكل 
هذه الإمكانيات الهائلة من الثروات والمواقع الاستراتيجية التي تتمتع بها الأمة 
العربية هي التي دفعت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الغرب كله. لتكثيف 
هجومهم على هذه الأمة» فهم يعرفون أن انتصارها وتحرّرها يعني تحرّر العالم 
الثالث". كانت الزيارة مثمرة» وللأسف سرعان ما وجدنا أنفسنا في ليبيا أمام 
ظروف مواجهة مع الولايات المتحدة» قد تكون سببًا في بقاء العلاقات مع 
كوريا الديمقراطية دون المستوى المطلوبء ولم تتخذ أبعادًا عملية. 


العلاقة مع باكستان 


تمكنت ثورة الفاتح من بناء علاقة صداقة وتعاون متميزة مع باكستان» في 


507 . 5 ا 5 5 . . 2 3 5 
فترة حكم حزب الشعب بقيادة رعيمه التاريخي ذو الفقار علي بوتو'*. لقد 
وقفنا مع باكستان سياسيًا واقتصاديّاء ودعمنا برنامجها النووي حتى أصبحت 
(22) ذو الفقار علي بوتو (1929-1928): سياسي باكستاني تدرج في المناصب الرسمية» وكان 
منها منصبا رئيس الجمهورية (1973-1971)» ورئيس الوزراء (19727-19273). أسس حزب الشعب 


الباكستاني» وأعدم في عام 1979 بعد محاكمة مثيرة للجدل, لموافقته على اغتيال سياسي معارض» 
واعتبر البعض أنها بدفع من القائد العسكري الجنرال محمد ضياء الحق. 


245 


دولة نووية» كما كانت لنا علاقات قوية وحميمة مع عبد القدير خان”* الملقب 
ب "أبو القنبلة النووية". كان من المفترض أن تساعدنا باكستان فى نقل "التقنية 
النووية السلمية"» لكن نظرًا إلى أن عيون الغرب والولايات المتحدة والصهاينة 
باكستان في ظل هذه الظروف تقديم أي مساعدة في هذا الميدان. كانت 
باكستان تنظر إلى برنامجها بوصفه مشروع توازن نووي مع الهند بينما كنا في 
ليبيا نرى أنْ وجود دولتين إسلاميتين أو أكثرء في النادي النووي» هو محاولة 
لإيجاد "توازن إسلامي نووي" في العالم؛ على الرغم من إيماننا بأنَ هذا السلاح 

ع - 
وبال وشرٌ على البشرية» فإنه جعل من الحرب العالمية الثانية آخر الحروب 
الكونية. كان الأخ بوتو يقوم بزيارات متكررة لليبياء وكنّا نجري معه حوارات 
مهمة. وأذكر أنه في كل زيارة كان يقول لنا: "شاه إيران يقول لكم أوقفوا عني 
قنابلكم"» وكنا نردّ عليه: "هذه قنابل الشعب الإيراني وليست قنابلنا". 

فى 5 تموز/ يوليو 1977» دبرت المخابرات الأميركية والبريطانية انقللاب 
الجنرال محمد ضياء الحق*© الذي تمكن من إسقاط سلطة على بوتو. كان 
ضياء الحق ينظر إلى علي بوتو على أنه يشكل خطرًا على نظامه حتى لو كان حيًا 
في السجن؛ ولذا سارع إلى إعدامه. إنه شهيد باكستان و"شهيد السلاح النووي" 
الباكستاني. في عام 1988 قُتل ضياء الحق» ثم جرت انتخابات فاز فيها حزب 
الشعب بقيادة بينظير بوتو (2007-1953))» فعادت على إثرها العلاقات بين 
ليبيا وباكستان من جديد إلى سابق عهدها. بعد فوز بينظير بوتو في الانتخابات» 

و 


(23) عبد القدير خان (2021-1936): عالم باكستاني في الفيزياء النووية» ومهندس بعلم الفلزات 
(علم السبائك). يُعتبر الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني؛ إذ إِنْهِ المؤسس له. والعنصر الأبرز في 
وجود أول قنبلة نووية باكستانية. 

(24) محمد ضياء الحق (1988-1924): جنرال عسكري. شغل منصب الرئيس السادس لباكستان 
(1988-1978)» بعد إعلان الأحكام العرفية في عام 1977» وكان رئيس باكستان الأطول خدمة. بعد 
الاضطرابات المدنية» قام ضياء الحق بخلع بوتو بانقلاب عسكري؛ وأعلنت الأحكام العرفية في 5 تموز/ 
يوليو 1977. وقد حوكم بوتو على نحو مثير للجدل من المحكمة العليا وأعدم. 


216 


نظير بوتو عام 2007» تبادر إلى ذهنى السؤال المحيّر التالى: لماذا جرت 
بينطير يودو عام بادر | ضصي - جر 
التصفية الجسدية لهاتين الأسرتين التاريخيتين» أسرة غاندي في الهند. وأسرة 
ذو الفقار على بوتو فى باكستان؟ 


الفليبين: تأسيس جبهة "مورو" 


في عام 2 »2 قمنا بالتعاون مع القائد الغليبيني الشجاع نوري 


مسواري” © بتأسيس "جبهة تحرير مورو الإسلامية"”**2 في طرابلس» وتبنّت 
ليبيا دعم الجبهة كليًّا بالمال والسلاح» فخاضت الجبهة حرب تحرير شعبية ضد 
حكم فرديناند ماركوس(277) استمرت سنوات عدة» ما دفع حكومة الفليبين - 
مضطرّة - بعد أن أنهكتها الحربء. إلى الاعتراف بالجبهة» ودخلت معها فى 
مفاوضات في طرابلس. وقد وضعت الجبهة سقفا للحل السياسي يقوم على 
هدفين: الأول» "الاستقلال التام" لإقليم "مورو" ذي الأغلبية المسلمة؛ والثاني» 
حكم ذاتي موسع بصلاحيات كبيرة. لكن المفاوضات فشلت؛ نظرًا إلى تعنت 
الحكومة الفليبينية. صعّدت الجبهة في إثر ذلك من عملياتها العسكرية» ما أرغم 
حكومة الفليبين على العودة إلى طاولة المفاوضات. نتيجة للمفاوضات 
الجديدة» وقعت الحكومة وجبهه مورو ماعرف باتفاقية طرابلس الأولى 
عام 1976» بيد أن الحكومة سرعان ما بدأت تراوغ وتتراجع عن التزاماتهاء 


(0) نوري مسواري (1939-): سياسي وثوري من شعب الموروء ومؤسس وزعيم الجبهة الوطنية 
لتحرير مورو. 

(26) هي جبهة تسعى لتحرير شعب مورو المسلم, يتزعمها الحاج مراد إبراهيم الذي اختير لرئاسة 
الجبهة عقب وفاة زعيمها السابق سلامات هاشم عام 2003. قامت الحركة» متأثرة بمنهج جماعة 
الإخوان المسلمين وفكرها على يد الشيخ سلامات هاشم بعد أن انفصل عن جبهة تحرير مورو عام 
7, وكان سبب الانشقاق - بحسب جبهة مورو الإسلامية - أن تيار الجبهة الوطنية بدأ يقعرب من 
حكومة مانيلا ويتخلى عن المطلب الأساسي لشعب مورو (الاستقلال)» واكتفى بفكرة إقامة حكم ذاتي. 
وقد اعترفت منظمة المؤتمر الإسلامي بجبهة تحرير مورو الإسلامية ممثلًا لمسلمي الفليبين. 

(27) فرديناند ماركوس (1989-1917): كان رئيسًا لجمهورية الفليبين (1986-1963). انتهج 
حكمًا دكتاتوريًا بموجب الأحكام العرفية (1981-1972). بدأ نظامه عددًا غير مسبوق من مشاريع 
البنية التحتية والآثار» المعروفة بالعامية باسم "مجمع الصروح" الذي كلف دافعي الضرائب كثيرّاء ولكنه 
اكنسب سمعة سيئة بسبب فساده الشديد ووحشيته. 


2117 


فاجتمعنا بقيادة الجبهة وقررنا مضاعفة الدعم العسكري والمالي» لتمكين 
الجبهة من تصعيد وتيرة العمليات العسكرية كما ونوعًا. وافقت الحكومة 
نتيجة هذه الضربات على العودة من جديد إلى طاولة المفاوضات. طلبت 
إميلدا ماركوسء زوجة الرئيس - وهي الحاكم الحقيقي - زيارة ليبيا. وبالفعل» 
استقبلتها في مكتبي بطرابلس» وكان رفقتها وزيرا الخارجية والدفاع. بعد 
مرور بضع دقائق على الاجتماع» فوجئت بأن السيدة إيميلدا طلبت من وزيرّي 
الخارجية والدفاع مغادرة الاجتماع» وأن يكون اجتماعها معي على انفراد. 
طلبت مني وقف "دعم جبهة مورو" أو على الأقل خفضه» فرفضت وتمسكت 
بأن الحل يكمن في تنفيذ حكومة الفليبين لاتفاقية طرابلس بطريقة أمينة وإرادة 
صادقة» لأن البديل هو استمرار الحرب والمعاناة. بعد عودة السيدة إيميلدا إلى 
بلادهاء أبلغتنا الحكومة الفليبينية موافقتها على أن تكون ال 15 مقاطعة هى 
"منطقة الحكم الذاتي الموسع"" بينما كانت في السابق تعرض 13 مقاطعة فقط. 
وبناءَ على ذلك» تم توقيع "اتفاقية طرابلس الثانية" عام 1996. 


كما معجبين سيمون بوليفار 2 القائد الأميركي اللاتيني وبأفكاره 
الوحدوية» وكنا أيضًا معجبين بالرئيس الأرجتتيني خوان بيرون*. وحينما 
تولّت أرملته إيزابيلا مارتينيز دي بيرون© الحكم عام 1974. حاولنا إقامة 


(28) سيمون بوليفار: قائد عسكري وسياسي فنزويلي تاريخيء يُسمى جورج واشنطن أميركا اللاتينية 
وُلد في كاراكاس عاصمة فنزويلاء هو مؤسس كولومبيا الكبرى ورئيسها (1830-1827)): ومن أبرز 
الشخصيات التي أدت دورًا مهما في تحرير الكثير من دول أميركا اللاتينية التي وقعت تحت سيطرة 
الحكم الإسباني منذ القرن السادس عشرء مثل كولومبيا وفنزويلا والإكوادور وبيرو وبوليقيا وبنما. 
(29) خوان دومينغو بيرون (1974-1895): كان رئيس جمهورية الأرجنتين خلال فترتين؛ الأولى 
(1955-1946)» والثانية (1974-1923). وقد أنهى انقلابٌ عسكري فترةً رئاسته الأولى عام 1955» 
مما اضطره إلى ترك الأرجنتين. ولكنه عاد إلى بلاده عام 1973 وانتّخْب رئيسًا لها حتى وفاته عام 19274. 
(0) إيزابيلا مارتينيز دي بيرون (2-1931): الزوجة الثالثة للرئيس خوان بيرون. وباعتبارها نائبة 
رسمية لزوجهاء تولت اللطة في الأرجنتين عام 1974 خلقًا له حتى قبل أن يتوفى بسبب الاعتلال 
الشديد لصحته. وبذلك تُعتبر أول امرأة تصل إلى سدة الرئاسة في أميركا الجنوبية قاطبة. 


218 


علاقات خاصة معها ومع الحكومة الأرجتتينية» ووجهنا لها دعوة لزيارة ليبيا. 
وبالفعل» قامت بزيارة ليبيا عام 1975» وكانت لنا معها حوارات مهمة, واتفقنا 
على العمل المشترك وعلى قيام أفضل العلاقات بينناء ولكن - للأسف - جرت 
إطاحتها في انقلاب عسكري عام 1976؛ ولذا تبخر أملنا في هذه العلاقة. 


الهند 


بين عامى 1976 و1977غ2 وجهت إلى الهند دعوة لزيارتهاء وكان ذلك 
خلال فترة حكومة أنديرا غاندي”» وللأسف لم أتمكن من تلبية الدعوة 
بسبب كثافة برنامج زياراتي» لكنني قررت في عام 1978 تلبية الدعوة» وكان 
ذلك خلال عهد رئيس الوزراء مورارجي ديساي2» بينما انتقلت أنديرا 
غاندي إلى المعارضة. كان سفيرنا فى الهند فى هذا الوقت محمد يوسف 
المقريف”22. كانت زيارة الهند من أكثر الزيارات التي تركت في نفسي أثرًا 
لايّسى؛ إذ أجريت خلالها مباحثات مهمة مع رئيس الوزراء ومعاونيه ومع 
رئيس الجمهورية وأنديرا غاندي» وقد حظيت باستقبال حافل. بحثت معهم 
قضية كشمير ووضع المسلمين في الهند. كانت زيارة رائعة على المستويين 
الرسمي والشعبي» وقعنا خلالها على اتفاقيات مهمة. منها "اتفاقية التعاون 
النووي". وأذكر أن رئيس الوزراء لم يُبِدِ الموافقة خلال بداية المباحثات» 


(31) أنديرا غاندي (1984-1917): سياسية هندية» شغلت منصب رئيس وزراء الهند ثلاث فترات 
متتالية (1977-1966) وفترة أخرى رابعة (1984-1980). انتهت باغتيالها بيد أحد المعارضين 
السيخ المتطرفين من حرسها الخاص. وقد كانت رئيسة حزب المؤتمر الوطني الهندي والشخصية 
المحورية فيه» وهي ابنة جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند. 

(32) مورارجى ديساي (1995-1896): سياسي وناشط هندي من أجل الاستقلال» وقد كان 
الرئيس الرابع لوزراء الهند في الفترة 1979-1977 عن حزب جاناتا. 

(33) محمد يوسف المقريف (1940-): أكاديمى وسياسى ودبلوماسى ليبى شغل منصب رئيس 
المؤتمر الوطني العام الليبي منذ آب/ أغسطس 2012 إلى أن قدم استقالته في أيار/ مايو 2013 امتثالًا 
لقانون العزل السياسي. ويعدٌ المقريف من أقدم وأبرز المعارضين لحكم العقيد معمّر القذافي. فقد 
عارضه منذ عام 1980 لما قدم استقالته من منصب سفير ليبيا لدى الهند وأعلن انفصاله عن نظام 
القذافى. 


219 


وبدا لى مُتردّدَاء ونظرًا إلى إصراري وإلحاحى وافق أخيرًا ووقعنا الاتفاقية 
وذلك بعد أن تمكنّا من تحديد "الخطوط المشتركة العريضة" للاتفاقية. وهكذا 
اتفقت مع رئيس الوزراء الهندي ديساي على أن يعد الجانب الليبي "مشروع 
الاتفاقية". كان يرافقني فى الزيارة والمباحثات عبد العاطى العبيدي؛ وجمعة 
الأبرش» وعبد المجيد القعود. فطلبت منهم - مع السفير محمد المقريف - 
إعداد "المشروع" وأن يعرضوه عليّ في أسرع وقت. وبالفعل أعدّوا المشروع 
أن يتصل بالسفير في منزله ليسأل عنهمء فلم يرد أحد على هاتفه؛ فكلفته بأن 
يرسل سيارة إلى بيت السفير. وحين ذهب إلى هناك لم يجد السفير في المنزل» 
وقالت لهم الخادمة الهندية: "إنهم يسهرون في المدينة" مع بعض أعضاء 
الوفد» فغضبت غضبًا شديدًا؛ واضطررت إلى إعادة صياغة المشروع بنفسي 
وكلفت عامل الطباعة بطباعتهاء لأنني كنت قلقًَا من عدم جاهزية المشروع 
فى الساعة الثامنة صباحًا. ولأن بعض معاوني رئيس الوزراء ديساي كانوا 
يعارضون الاتفاقية» خشيت ألا تكون جاهزة فى هذا الوقتء. وقد يكون هذا 
مبررًا لتعطيلها. ثم طلبت من النقيب فرج بوغالية أن يقوم باعتقال كل الأمناء 
الذين ذهبوا للسهرة. لقد عادوا الساعة الرابعة والنصف صباحًاء فاستدعيتهم 
ووبختهم وقلت لهم: "للأسفء أنتم لا تملكون أي قضية أو ضمير"» لكنني في 
آخر لحظة عدلت عن فكرة "اعتقالهم". ثم أجريت سلسلة لقاءات مع المثقفين 
والمفكرين الهنود» وألقيت عدة خطابات فى تجمعات جماهيرية حاشدة» 
وكانت الجماهير الهندية المسلمة تغمرني بالحب لي ولثورة الفاتح» وكان أهم 
هذه اللقاءات اللقاء الحاشد الذي تم في أكبر مساجد المدينة» وكانت الجماهير 
تملأ المسجد والساحات والشوارع المحيطة به. كان العدد هائلاء ربما تجاوز 
عتبة ثلاثة ملايين شخص. وكان الخطاب حماسيًا وعاطفيًا ووجدانياء فتفجرت 
مشاعر الكتل البشرية الهائلة. 


تحدثت فى البداية عن "صحوة إسلامية" مقبلة» وأن القرن 21 سيكون 
"قرن الإسلام". وأنْ لدى الإسلام حلا لمشكلات البشرية. ومن هنا جاءت 
ضرورة تفجير "الثورة الإسلامية" وتنوير أكثر من مليار وسبعمئة مليون مسلم. 


2130 


في نهاية الخطاب؛ بلغت الحماسة ذروتهاء حين اندفعت الجماهير في ما يشبه 
البركان» نحو المنصة لتحيتي ومعانقتي. لقد زحفت الجماهير نحوي وحطمت 
الحواجز حتى بلغت المنصة» وفشلت قوات الأمن في منع الجماهير من 
الاقتراب» وبصعوبة بالغة تمكنت» بمساعدة من رجال الأمنء من مغادرة المكان. 
في الواقع» أدى الأخ السفير محمد المقريف دورًا رائعًا في "إنقاذي" حين حملني 
مع مجموعة من الحراس الهنود على كتفه. لقد كان الموقف خطيراء ولكنه في 
الآن ذاته كان لوحة رائعة وجميلة عن التلاحم مع الجماهير» عشت خلالها أسعد 
أوقات العمرء إلى درجة يشعر فيها المرء كما لو أنه "ولد من جديد". 


كان السفير المقريف يقول لي: "هذه الزيارة هي فتح إسلامي للهند". في 
الصباح عقدت اجتماعًا مع رئيس الوزراء الهندي ديساي» ووقعت معه على 
"الاتفاقية النووية في المجال السلمي" وغيرها من اتفاقيات التعاون. كنت قد 
بحثت مع رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وأنديرا غاندي - لما أصبحتٌ في 
المعارضة - موضوع حركة عدم الانحياز» وقلت لهم: "إن حركة عدم الانحياز 
شاختء وإننا نشكل دما جديدًا وشابًا للمنظمة» وإذا كان عبد الناصر ونكروما 
ونهرو وسوكارنو وتيتو هم الذين أسَسوا حركة عدم الانحيازء فإن واجبنا 
أن نجدّد ونطوّر هذه الحركة". بعد التوقيع على الاتفاقيات وصدور البيان 
المشتركء انتهت الزيارة الرسمية وبدأت الزيارة الخاصة لبعض ولايات الهندء 
وضعوا تحت تصرفي طائرة "بوينغ"» بدأتها بمدينة بومباي» حيث حظيت هناك 
باستقبال شعبي ورسمي حاشد. في بومباي نزلت في فندق ضخم وجميل. 
ما أزعجنى هو تصرفات بعض أعضاء الوفد الليبى» وحدث أن جاءنى السفير 
محمد المقريف يشكو من هذه التصرفات؛ فغضبت غضيًا شديدًاء وقمت 
باستدعاء أعضاء الوفد وقلت لهم: "أنا لست وصيًا عليكم» ولكن أن تقوموا 
بهذه التصرفات في الفندق الذي أقيم فيه وخلال زيارة رسمية وتحظى باحترام 
الهنود على المستوى الرسمي والشعبيء فهذا ما لا يمكن قبوله» وممّا يزيد 
الطين بِلَةَ أنكم ترتكي ن أعمالا غير لاثقة في الفندق نفسه. أي في فندق الضيافة 
الرسميء لو قال لي أحدكم إنه يريد إجازة لثلاثة أيام أو أسبوع لأعطيته» لو 
ارتكبتم هذه الأفعال خارج الفندق الرسمي للضيافة» ولكان لكم الحق في 


251 


ذلك» لكن المسؤّولية بيني وبينكم مسؤولية سياأسية . لقد أسأتم إلى الزيارة!". 
وفي الحال أمرت بإعادتهم بالطائرة إلى طرابلس. 


تجولت في ربوع الهند الجميلة. إنه عالم من المتناقضات. الغنى الفاحش 
والفقر المُدقع» الأمراء والإقطاعيون, الأثرياء والمحرومون, لكنه شعب عظيم 
صنع حضارة عظيمة طبعت الشرق بطابعها. تمنيت لو أنني زرت الهند زيارة 
خاصة كمواطن» فهى أرض العجائب والآيات العجاب. كتبت فى سجل 
الزيارات لمصنع الحديد والصلب مايلي: "يمكن أن تكون الهند بلدا فقيرّاء 
لكن الهند بلد متقدم. أنتم تصنعون من الساعة حتى جهاز الكومبيوتر إلى 
المفاعل الذري بتقنية وتصميم هنديين. لقد تأثرت بهذا التقدم. الهند تتقدم 
على الصين ربما بعشرين عامًا". 

ويبدو أن الأخ محمد المقريف تأثر تأئرًا شديدًا بوقائع الزيارة» وخاصة 
استقبال الجماهير الإسلامية لناء فكتب مذكرة إلى القيادة يثني فيها على الزيارة 
ويقول: "إنها فتح إسلامي للهند". ومن الطرائف التي حدثت خلال الزيارة 
أنني تلقيت في اليوم الثالث اتصالا من رئيس الوزراء مورارجي ديساي» يطلب 
تأجيل الاجتماع لأنه مضطر إلى افتتاح المؤتمر العالمي للأطباء وقال لي: "من 
فضلك افتح التلفزيون وشاهد الافتتاح" وهذا ما فعلته» وفوجئت بأن ديساي 
وقف يخاطب الحاضرين وهو يقول لهم: "انظروا. كم أنا في صحة ممتازة 
على الرغم من أنني في السابعة والثمانين"» ثم أضاف: "أتعرفون لماذا؟ أنا في 
كل صباح أتناول كأسًا كبيرًا من بولي". فضحك الأطباء» فقال لهم: "أرجوكم 
لاتضحكواء ادرسوا هذا الموضوع". 


مؤتمر عدم الانحياز في الهند 


في عام 1982» عقد مؤتمر قمة عدم الانحياز في الهند. وقمت بتمثيل 
ليبيا فى هذا المؤتمرء وكان معى أمين الخارجية عبد العاطى العبيدي. وكان 
أول اجتماع لي في هذه القمة مع الرتيس اللبناني أمين الجميّل» وقد حضر اللقاء 


2152 


رئيس الوزراء شفيق الوزان*7» كما حضره عبد العاطي العبيدي» وقلت لأمين 
الجميّل: "أحذرك من توقيع اتفاق الاعتراف بالعدوء لأنك ستدفع الثمن غاليّاء 
وسيكون الثمن نظامك ونظام حزب الكتائب"؟؛ فانزعج الجميّل وغضبء ثم 
نهض وقال لي: "نحن أحرار في ما نفعل. أنتم لستم أوصياء علينا. أنتم دمرتم 
لبنان. اقفلوا دكاكينكم في بيروت". فقلت له: "إجلسء إجلس أريد أن أحذرك 
للمرة الألف". وانتهى الاجتماع الصاخب بهذه الكلمات. وقد ألقيت كلمة 
مركزة في المؤتمرء قلت فيها: "نحن نشكل جيلًا جديدًا وفكرًا مجددًا سوف 
يمكن حركة عدم الانحياز من استعادة دورها التاريخي". كانت أنديرا غاندي 
رئيسة المؤتمرء وكانت غالبا ما تترك مقعدها لأحد نوابها في رئاسة المؤتمرء 
لكنها خلال كلمتي أصرت أن تتابعها بنفسهاء وكانت معجبة بكلمتي» وحينما 
أنهيتهاء قالت لي: "أريد أن أشكر الرائد جلود لكلمته المهمة جدًا". ثم طلبت 
ترجمتها وطباعتها وإحضارها لهاء وكان المؤتمر منقولًا على الهواء» وقد اتصل 
آلاف الهنود تلفونيًا بالسفارة يطلبون نسخة من الكلمة. وحدث ذات مرة لمّا 
رُفعت الجلسة للاستراحة» وكنت أتمشى مع فيدل كاستروء صادفني الرئيس 
محمد حسني مبارك وهو يتمشى مع الرئيس التنزاني جوليوس نيريري» وحاول 
مصافحتي فلم أصافحه. لأن يده صافحت الصهاينة» وكانت هذه أول مرة 
أشاهد فيها حسني مبارك منذ تشرين الأول/ أكتوبر 1973. 
يوغسلافيا 

في مطلع عام 1971 قمت بأول زيارة ليوغسلافيا. كنّا من المعجبين 
بالرئيس جوزيف تيتو وبقيادته» لسببين: أولهما أن تيتو من القادة التاريخيين 
الذين أَسَسوا حركة عدم الانحياز؛ وثانيهما السياسة الاستقلالية التي كان 
ينتهجها. في الوقت ذاته. كان معجبًا بثورة الفاتح ولديه تقدير خاص للثورة 
وقيادتها؛ ولذا أسّسنا معًا لأفضل وأقوى العلاقات بين بلديناء سياسيًا واقتصاديًا 
وعسكريّاء وكنا ننسق مواقفنا في معظم القضايا الدولية» وكان يدعم القضايا 


(34) شفيق الوزان: محام وسياسي لبناني» شغل منصب رئيس وزراء لبنان (1984-1980). 


253 


اللقاء مفعمًا بمشاعر الودّ والتقدير» وأجريت معه حوارًا طويلا ومُعمّمَاء فكان 
حوارًا بين قيادتين؟ قيادة تاريخية» وأخرى شابة تطمح إلى ضخ دم جديد في 
جسم حركة عدم الانحياز التي بدا أنها تشيخ ويضعف دورها. 

أقام الرئيس تيتو حفل عشاء رسمحيًا. قبيل العشاء بقليل» حضرت أربع 
فتيات صغيرات وكنّ يأخذن السيجار للرئيس تيتو. أخذ تيتو سيجارًا وقال: 
"هذا السيجار يُصنع بطريقة خاصة لي" ثم قدّم لي سيجارًا فقلت له: "آسف. 
لا أدخن". عند تناول العشاء كان يقدّم للضيوف النبيذ العادي. لكنهم أحضروا 
لتيتو "نبيذًا خاصًا". أخذ زجاجة النبيذ وبدأ يشرح لي مزايا هذا النبيذ الخاص ثم 
قال: "هذا نبيذ خاص من مزرعتى هنا فى هذه الجزيرة"» ثم دعاني إلى تناول 
كأس» فاعتذرت منه بلطف وقلت: "أنا لاأشرب الكحول". بعد العشاء» بدأت 
حفلة رقصء فدعانى لأرقص مع إحدى النساءء فعدت لأعتذر منه بتهذيب 
وقلت: "للأسف. أنا لا أعرف الرقص". 
تعيش؟" فضحكنا. وقد تتابعت زياراتى ليوغسلافياء كما أن الرئيس تيتو كان 
يقوم باستمرار بزيارات ليبياء وكنت أقوم أنا والأخ معمّر بزيارات مستمرة 
ليوغسلافيا. لقد بذل تيتو وبرونو كرايسكى**) جهدًا مخلصًا وصادقًا لتخفيف 
العداء بيننا وبين الولايات المتحدة» ولكنهما لم ينجحا - للأسف - وذلك 
لتصلّب الموقف الأميركى. 

النمسا 

فى مطلع السبعينيات» قمت بزيارة النمسا والتقيت المستشار برونو 
كرايسكي. وأجريت معه حوارات مطولة وبناءة. ثم اصطحبني في جولة 
(35) برونو كرايسكي (1990-1911): سياسي نمساويء من قادة الحزب الاشتراكي النمساوي (550). 
شغل منصب وزير الخارجية (1966-1959)» ثم منصب مستشار النمسا (1983-1970). ويعد أشهر 
قادة النمسا الاشتراكيين في النصف الثاني من القرن العشرين وأكثرهم تأثيرًا. ميزت فترة رئاسته منظومة الرفاه 


الاجتماعى فى ظل النمو الاقتصادي الذي شهدته النمسا في السبعينيات» وعرف بسياسة خارجية نشطة. 


254 


عبر البلاد بقطار خاصء. ولاحظت خلال هذه الجولة أن كرايسكي كان 
مُهتمًا بمعرفة كل شيء عن ثورة الفاتح ومنطلقاتها الفكرية وسياساتها 
وخططها الاقتصادية والاجتماعية. وخلال الحوارات التي أجريناهاء سواء 
في فيينا أو في القطارء طرح عليّ كثيرًا من الأسئلة. في الواقع» تأثرت أشدّ 
التأثئر بشخصية كرايسكى البسيطة والمتواضعة. والتى تؤكد لى أنه قائد 
يحمل رؤيا وليس مجرد سياسى عادي. وقد وقعنا عدة اتفاقيات اقتصادية 
وتجارية» إضافةً إلى عقد بناء مصنع الحديد والصلب في مصراتة. حينما 
ترأس كرايسكي مجموعة الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في أوروباء قام 
بزيارة للمغرب ثم زار ليبيا. كنت في استقباله بالمطار» وفي طريقنا إلى مقر 
إقامته قال لى: "سيد جلود. لما أعود إلى النمسا سوف أسحب سفيرنا من 
المغرب". ثم أردف قائلا: "لا يوجد نظام سياسي. هناك نظام عبودية» حيث 
الوزراء والمسؤولون يقبلون جبهة الملك ويديه وحتى قدميه". لقد بذل 
كرايسكى جهدًا صادقًا ومخلصًا لمساعدة ليبياء رغبةً فى أن يخفف حالة 
العداء بين أميركا وليبيا. وخلال رئاسة ريغنء بلغت حالة العداء ذروتها مع 
تفجر المواجهة العسكرية في خليج سرتء كما تصاعد تآمر جعفر النميري 
وحسين هبري ومبارك وملك المغرب على ثورة الفاتح. قبيل سفره إلى 
الولايات المتحدة للقاء الرئيس ريغنء زارنا كرايسكي في ليبيا ليطلع على 
وجهة نظرنا بخصوص "العلاقة مع الولايات المتحدة"؛ لأنه يريد أن يحاول 
مرة أخرى, خلال اللقاء مع ريغن "تحسين العلاقات مع ليبيا". 


بعد عودة كرايسكى من واشنطن. التقيته» فقال لى: "الأميركيون متشدّدون 
ولايقبلون أي نقاش بخصوص ليبيا”. ثم أضاف أنه تحدث مع ريغن حول 
برنامج "جرب النجوم". وقال: "لقد قلت لريغن إن هذا البرنامج هو برنامج 
نظري في رأبيء وأنه من الناحية العملية يبدو غير قابل للتطبيق» فضلًا عن أنه 
قد يقود إلى حقبة جديدة من الحرب الباردة". ثم قال: "والعجيب أن ريغن قال 
لي حرفيًا: 'أنا لا أعرف شيئًا عن حرب النجوم ولا أريد أن أعرف. ما أريده هو 
ما سأقوله لوسائل الإعلام عند سؤالي عن حرب النجوم". 


255 


العلاقة مع فيتنام الشمالية 


كانت علاقاتنا بالنظام الاشتراكي الثوري في هانوي متميزة» وكذلك 
مع الحكومة الثورية المؤقتة في سايغون. وكان هدفنا المشترك إسقاط النظام 
العميل في فيتنام الجنوبية وهزيمة الولايات المتحدة وتوحيد فيتنام. كان 
للحكومة الثورية المؤقتة وزيرة خارجية ثورية ومثقفة» تتميز بديناميكية وحركية 
غير عادية. وقد زارت ليبيا عدة مرات» وكان موقفنا يقوم على عاملين: الأول» 
الوقوف مع الدول التقدمية والثورية؛ والثاني» الوقوف ضد الولايات المتحدة 
التى كانت تعادينا وتحارينا. فى أواخر الثمانينيات» زارنا الجنرال فو نغوين 
جياب*» وأجريت معه أنا والأخ معمّر حوارات ثورية مطولة حول التجربة 
الثورية في فيتنام وحركة الثورة في العالم. كان الجنرال جياب صغير الجسمء 
لكنه كبير العقل. إنه البسيط الحكيم» وتشعر حينما تتحدث معه أنك لا تريد 
للحديث أن ينتهي. 


في عام 1971» قمت بأول زيارة للاتحاد السوفياتي ومعي الأخ مصطفى 
الخروبي. استّقبلت استقبالًا حارًا ووجدت القيادة السوفياتية مهتمة بمعرفة 
توجهات ثورة الفاتح وأيديولوجيتهاء وعقدت عدّة اجتماعات مع أليكسي 
كوسيغن وبودغورني وبريجنيف. لااشك في أن أهم هذه الاجتماعات هي تلك 
التي عقدتها مع بريجنيف. كانت اجتماعات مطوّلة استغرقت أكثر من خمس 
ساعات. كان بريجنيف شعبيًا في الحديث والتعامل مع الآخرين. في بداية 


(36) فو نغوين جياب (2013-1911): عسكري وسياسي فيتنامي وضابط سابق في الجيش الشعبي 
الفيتنامي. يُعد من أهم شخصيات حرب فيتنام» وهو أيضًا صاحب خطة معركة ديان بيان فو التي هُزمت 
فيها فرنسا في 7 حزيران/ يونيو 1954. وقد تولى بعد ذلك منصب وزير الدفاع في بلاده. حقق جياب 
قمة مجده بوصفه قائدًا في معركة ديان بيان فو التي كانت بمنزلة نهاية حرب الهند الصينية الأولى 
والاستعمار الفرنسي لفيتنام. وأدى الانتصار على الفرنسيين إلى تقسيم البلاد وبداية عهد جديد من 
الحروب. وهذه المرة بين الشمال الشيوعي والجنوب المدعوم من قبل الولايات المتحدة. وساهم 
جياب في تحقيق النصر على الولايات المتحدة الأميركية في عام 1975. 


2136 


الاجتماع» قال لي: "أنا رجل شعبيّ أحبّ الاستماع والتحدّث في آن واحد". 
ثم أردف: "أريد الحديث أن يكون مشتركاء أنا أتحدث وأنت تتحدث". وهكذا 
تحدثت معه بصراحة تامّة عن العلاقات العربية - السوفياتية. انتقدت». في بداية 
الحديث» ضعف موقف الاتحاد السوفياتى من الأمة العربية فى صراعها ضد 
الصهيونية والإمبريالية. قلت له: "إن خط الدفاع الأول عن الاتحاد السوفياتي 
ليس وارسوء أو جدار برلين» وإنما المنطقة العربية والعالم الثالث. وإنهم 
من دون أن يدركوا ينفذون الاستراتيجيا الغربية التي تقوم على شد الاتحاد 
السوفياتي نحو أوروباء بيد أن الصراع الحقيقي يجري في العالم الثالث. وإن 
صواريخهم النووية ستكون معزولة وليست ذات قيمة» إذا ما خسروا معركة 
العالم الثالث. إن المعركة الحاسمة والحقيقية تدور هناك» وبالتحديد في 
المنطقة العربية؛ لأنها ستحدد مصير العالم والاتحاد السوفياتي» إذا ما سقط 
الهدف الكبير فسوف تسقط بقية الأهداف. هذه المنطقة هى المنطقة الحاسمة 
في الصراع ضد الإمبريالية؛ لأسباب جغرافية وتاريخية وثقافية وهي تحتوي 
على أكثر من 70 في المئة من النفط. عصب الحياة. إن نظرتكم القائمة على 
أساس أنكم تساعدون العرب تتسم بقصر النظر؛ إذ إننا نخوض معركة واحدة". 
ثم قلت: "إن ثورة الفاتح من سبتمبر وجهت أكبر ضربة لأميركا والغرب بتحرير 
0 كيلومتر من الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط. وطرد القواعد الأميركية 
والبريطانية» كما وجهت أكبر ضربة إلى الاحتكارات الرأسمالية» بفضل قيادتها 
لثورة النفطء والتى قادت فى ما بعد إلى 'ثورة الدول المالكة للخامات". 
وأردفت قائلا: "إن أميركا تسلح العدو الصهيوني بأحدث الأسلحة؛ في حين 
أنتم تقدّمون لنا الأسلحة بالقطارة. تقدّمون الأسلحة الدفاعية ولا تقدّمون 
أفضل ما لديكم"؛ ثم قلت: "إنني أشعر بأن الصداقة العربية - السوفياتية ينقصها 
الوضوح والصدق والجدية. نحن نمثل جيلًا جديدًا قوميًا. نريد أن نضع أسس 
صداقة وتحالف حقيقي مؤسّسء تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل» ولا نريد لهذه 
الصداقة أن تكون 'فوقية» نريدها أن تكون صداقة تؤمن بها الشعوب وتدافع 
عنها وتشعر بأهميتهاء ولا نريد لها أن تكون عبئًا عليكم» ولا نريدها أن تكون 
في مصلحة طرف واحد. ولآأجل أن تكون كذلكء فلا بد من حوار جاد وصادق 


2157 


ونزيه بيننا لتحديد نوع هذا التحالف وطبيعته. ونوع هذه الصداقة وطبيعتهاء 
ومسؤولية كل طرف تجاه هذه الصداقة. يجب أن تشعر الجماهير بأهمية 
هذه الصداقة» وخاصة القوى الفاعلة» المثقفين الشباب والكوادر» والعمال» 
والفلاحين". 

ثم قلت أخيرًا: "هناك شعور حقيقي في أوساط جماهير الأمة العربية بأنكم 
لاتثقون بهذه الصداقة» وأنكم تعتقدون أن العرب يريدون أن يأخذوا حاجتهم 
من هذه الصداقة فحسبء كما أن استراتيجيتكم تقوم على أساس ألا تمكّنوا 
العرب من تحقيق نصر عسكري ضد العدو الصهيوني والغرب والإمبريالية. 
تريدون أن تستغلوهم فقط في الحرب الباردة» كما أنكم تريدون اللاحرب 
واللاسلم حيث يظلون على الدوام في حاجة إليكم". فغضب بريجنيف ورد 
عليّ بقوة» قال: "نحن مددنا العرب بكل الأسلحة» والأسلحة السوفياتية 
متطورة ومتفوقة على مثيلاتها الأميركية» لكن أنتم لا تريدون أن تحاربواء وأنتم 
لم تستوعبوا هذه الأسلحة. لا تتوافر لديكم إرادة قتال. القتال شجاعة وإيمان» 
وأنتم لا تملكون الشجاعة". ثم طلب مني أن أصحبه إلى شرفة الكرملين 
وقال لي: "انظر. الألمان وصلوا إلى تلك المنطقة على بعد 7 كيلومترات من 
موسكوء. وطلب جنرالاتنا أن نطفئ الأضواء فى موسكو فرفضنا لكننا صمدنا 
وطردناهم. الاتحاد السوفياتي هو الذي هزم أدولف هتلر وليس الغرب. لقد 
دفعنا 20 مليون قتيل". فرددت عليه بغضب: "أنت تجهل تاريخ العرب. 
قل كل شيء عن العرب عدا أنهم لايتسمون بالشجاعة. لن أسمح لك أن 
تتحدث عن العرب بهذه الطريقة المهينة". ثم نهض مصطفى الخروبي وصرخ: 
"الله أكبر"» ثم صلى ركعتين في الكرملين» فقال لي بريجنيف: "يا رفيق 
جلود. القادة العرب يسألوننا هل نحارب؟ نحن كدولة عظمى لا نستطيع أن 
نقول لهم حاربوا أو لا تحاربواء لا تحرجوناء هذه قضيتكم أنتم. أنتم تريدون 
منّا أن نحارب معكم.ء إذا ما فعلنا ذلك فهذا يعني حربًا عالمية ثالثة» وستكون 
حربًا نووية. نحن وأميركا نملك مايدمر العالم عشر مرات". بعد الاجتماع 
وعند خروجناء عانقني السفير المصري وحيانيء قائلا: "السوفيات لم يسمعوا 
هذا الكلام من أي مسؤول عربي. حتى عبد الناصر لم يقل لهم ماقلت". 


2158 


بعد ذلك» كلما زرت موسكو والتقيت بريجنيف. يقول لي مازحًا: "أرسلك 
القذافي لتصارعني. أنا لا أستطيع مصارعتك". وفي إحدى زياراتي لموسكوء 
وكان يرافقني جاد الله عزوز الطلحي وزير الصناعة» وعلي عبد السلام التريكي 
وزير الخارجية» وجمعة الأريش وزير الكهرباء. وبينما كنا نناقش مع كوسيغن 
القضايا الثنائية» حصل خلاف عارض بيئناء فقد كنا نؤكد من جانبنا أننا اتفقنا 
على بعض الأمور وهي مثبتة في المحاضر. لكنه قال: "كلا ليست موجودة 
في المحاضر ولم نوافق عليها"؛ والغريب أنَّ مساعديه كانوا يغالطونه. وحينما 
عدنا إلى المحاضر تأكد له صحة الموقف الليبي» فشعر كوسيغن بالحرج 
الشديد» وغضب غضبًا شديدًاء وأخذ الملفات ورمى بها على مساعديه. بعد 
وفاة كوسيغن في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1980» قمت بزيارة أخرى للاتحاد 
السوفياتي. وكان هناك رئيس وزراء جديد. 

فى هذا الوقت حصلت موافقة المكتب السياسى للحزب الشيوعى 
السوفياتي» وموافقة بريجنيف شخصياء على بناء مصنع لتصنيع الماء الثقيل 
في ليبياء وسلّمني رسالة الموافقة التي تقول مايلي: "يسرني أن أبلغكم موافقة 
المكتب السياسي على بناء المصنع". وفي زيارة أخرى لموسكوء وكنت قد 
غادرت ليبيا متأخرًا بضع ساعات عن موعد وصولي إلى موسكوء ونظرًا 
إلى هذا التأخير» لم يتمكن رئيس الوزراء السوفياتي الجديد من استقبالي في 
المطار؛ لأنه كان في اجتماع للمكتب السياسيء وبدلا منه كان وزير التخطيط 
السوفياتي في استقبالي» فانزعجت. كان من المقرره بحسب برنامج الزيارة» 
أن ألتقي بريجنيف في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي. وعند وصولي 
إلى بيت الضيافة طلبت مدير المراسم وأنا في حالة غضبء وأبلغته برغبتي في 
قطع الزيارة» وأن عليه أن يبلغ القيادة السوفياتية بذلك» وكان الوفد الليبي يضم 
فوزي الشكشوكي وكامل المقهور وعمر المنتصر. 


عاد مدير المراسم ليبلغني أن رئيس الوزراء السوفياتي ومعه وزير 
الخارجية في طريقهما للقاء بي» فسألني المترجم الروسي: "أين ترغب في 
استقبالهما؟". كنت أقف في الشرفة الداخلية» فقلت للمترجمين ومدير المراسم 


259 


بصوتٍ عالٍ: "اتركوهما يجلسان في المطبخ". وكنت في حالة غضب شديد. 
بعد وقت قصير التقيت بهما. قالا لي إنهما يكنان لي ولبلدي كل الاحترام» 
وإنني لو وصلت في الموعد المحدد لكان رئيس الوزراء في استقبالي» ولكن 
نظرًا إلى اجتماع المكتب السياسيء ولأهميته» فقد اضطر رئيس الوزراء إلى 
مغادرة المطار والالتحاق بالاجتماع. وأضافا أن بريجنيف قرر تقديم موعد 
اللقاء بك اليوم بدلا من الغد. في اللقاء مع بريجنيف» عرضت عليه مشروع 
"معاهدة صداقة". ترتّب التزامًا أكبر من الطرفين سياسيًا واقتصاديًا وعسكرياء 
تختلف عن المعاهدات التي وقعوها مع بعض الدول العربية. أبلغني السوفيات 
بأنهم» من حيث المبدأء مستعدون للتوقيع معنا على هذه المعاهدة» ولكنهم 
يفضلون أن تكون على غرار المعاهدات الموقعة مع بعض الدول العربية. 


في الواقع» كانوا مترددين كثيرًا لعدة أسباب» أهمها "أفكارنا الراديكالية 
ومواجهتنا مع الغرب". كما أنهم كانوا يخشون التورط في هذه المواجهة. 
وخلال إحدى زياراتي لموسكو أواخر أيام بريجنيف. أوائل تشرين الثاني/ 
نوفمبر 1982» وكان معي كامل المقهور أمين الاتصال الخارجي وفوزي 
الشكشوكي وزير التخطيط» فوجئت في الأيام الأخيرة للزيارة بأن مدير المراسم 
في الكرملين يطلب مقابلتي. قال لي: "الرفيق بريجنيف يرجوكم أن تستقبلوا 
وزير النفط السوفياتي ووزير المالية والتجارة الخارجية» لتشرح لهمء 
باعتبارك خبيرًا اقتصاديّاء مستقبل النفط وعلاقة النفط بالدولار ومستقبل 
الاقتصاد العالمي". فقلت له: "أنا أشكر الرفيق بريجنيف لهذه الثقة» لكنني لم 
أدرس الاقتصاد". وبالفعل» استقبلت الوزراء وشرحت لهم رؤيتي وتحليلاتي 
وتوقعاتي» وكنت أردّد مع نفسي: يا إلهي الاتحاد السوفياتي بجلالة قدره يطلب 
مني مشورة أو رأيًا اقتصاديًا!". بعد تولي ميخائيل غورباتشوف”*” السلطة» زرت 
موسكو وعقدت عدّة اجتماعات معه. وكنت أشعر بالفرق بينه وبين بريجنيف 
وحتى كوسيغن وغروميكو. إنه شخص لاتتوافر فيه مقومات القيادة أو القدرة 


(37) ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف: شغل منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفياتي السابق 
(1991-1988). 


على التحليل. ونظرًا إلى غياب مؤسسات قوية (حزبء برلمان» تقابات)» 
شعرت بأن مهمة غورباتشوف لقيادة الاتحاد السوفياتي تبدو أكبر منه. 

بدا لى كأنه "سادات الاتحاد السوفياتى". فى أحد الاجتماعات معه قال 
لي: "قولوا لأصدقائكم في إيران» نحن لم نحاول أن نعلمهم الثورة؛ فلماذا 
يريدون تعليمنا الثورة؟” وكان بذلك يشير إلى الإذاعة الموجهة إلى الاتحاد 
السوفياتى» وخاصة الجمهوريات الإسلامية. ولمّا عدت قصصت القصة على 
الأخ معمّر» فقال لي: "يا سبحان الله. الاتحاد السوفياتي بجلالة قدره يخاف من 
إذاعة؟". فى 11 تموز/ يوليو 1990» وخلال انعقاد المؤتمر الثالث والعشرين 
للحزب الشيوعى السوفياتى الذي شاركت فيه شممت رائحة الردّة؛ فقد أعلن 
غورباتشوف في المؤتمر» بإعجاب, أن 3 في المئة من أعضاء المؤتمر هم من 
جيل الثورة. وفي هذا المؤتمرء ألقى بوريس يلتسين”*” خطابًا شن فيه هجومًا 
على القيادة السابقة» وخاصة بريجنيف. في نهاية خطابه قال مخاطبًا الحضور: 
"ربما تسألونني أيها الرفاق لماذا لم أقل هذا من قبل؟" وأجاب: "أقول لكم 
بصراحة, لم أكن أملك الشجاعة". فاهتزت القاعة بالضحك. ثم ألقى رئيس 
أكاديمية العلوم والتكنولوجيا كلمة قال فيها: "لم يكن سرًّا أن أميركا كانت 
ستهاجمنا بالقنابل النووية عام 1958» ولكنهم فوجتوا بأننا كنا قد قمنا بصنع 
القنبلة الذرية عام 1944. لقد صنعنا القنبلة الهيدروجينية قبل أميركاء ثم إِنْنا 
سبقناهم في الوصول إلى الفضاء. وهكذاء وضعنا حذا لخطة تدمير الاتحاد 
السوفياتي". ثم ألقى غروميكو كلمة قال فيها: "من حقكم أن تهاجموا الجيل 
السابق» ولكن هناك حقيقة عليكم إدراكها أن هذا الجيل الذي تهاجمونه هو 
الذي بنى الاتحاد السوفياتي كدولة عظمى". ثم قال: "كل ماكان يصدر عن 
الكرملين كان يجب على العدو والصديق أن يصغيا إليه". 

حينما انخفضت أسعار النفط إلى 7 دولارات في أواخر الثمانينيات» 
عجزنا عن تمويل صيانة الأسلحة» كما عجزنا عن شراء قطع الغيار. وخلال 


(38) بوريس نيكولايفيتش يلتسين: سياسي روسي سوفياتي» أصبح أول رئيس للاتحاد الروسي 
(1999-1991). 


حقبة الرئيس ريغن» وهي الحقبة الأصعب في المواجهة الاقتصادية والعسكرية 
والسياسية والدعائية مع الولايات المتحدة» لم نتمكن من صيانة واستخدام 
مايزيد على 60 في المئة من معداتنا العسكرية» بل كانت رابضة على الأرض 
لنقص قطع الغيار وعجزنا عن القيام بعمليات الصيانة» ولأنها كانت تحتاج 
إلى ميزانيات تسيير هائلة. كان الاتحاد السوفياتي يرفض تزويدنا بقطع الغيار 
كما رفض القيام بأعمال الصيانة إلا بعد تسديد ماترتب علينا من مبالغ مالية. 
وخلال حقبة غورباتشوف. قرّر الاتحاد السوفياتي أن ندفع ثمن قطع الغيار 
والصيانة نقدًا؛ فقرّرنا وقف تزويده بالنفط» ثم دخلنا في مفاوضات أصررت 
فيها على ضرورة تخفيض الديون بنسبة 50 في المئة» ثم توصلناء أخيراء إلى 
اتفاق يسمح بخفض 36 في المئة من الديون. وكان هذا اتفاقًا جيدًا. 

لما انهار الاتحاد السوفياتي» جمّدنا هذا الاتفاق وتوقفنا تمامًا عن 
تسديد الديون» لكن روسيا طالبتنا بتسديدهاء ونظرًا إلى ظروف ليبيا وكذلك 
روسياء المالية الصعبة» عرضنا أن نشتري الديون وقيمتها ملياران وأربعمئة 
مليون دولار» بمبلغ 500 مليون دولار» واتصل بنا بعض المصارف الأوروبية 
والسماسرة لهذا الغرض»ء لكن روسيا طلبت مبلعًا أكبر بكثير. 


في عام 1971» طلب الأخ معمّر من العقيد أبو بكر يونس رئيس الأركان» 
والمقدم حامد الويشاحي مدير إدارة العقود العسكرية» إقامة مصنع للأسلحة 
الخفيفة والمتوسطة (بنادق» مسدسات» رشاشات) مع ذخائرها. ووقعت إدارة 
العقود عقدًا مع شركة بلجيكية لإقامة المصنعء بقيمة مليار و700 ألف دينار» 
أي أكثر من 5,5 مليارات دولار» لكنني ما إن علمت بالعقد حتى أوقفته. 
واتصلت بالأخ معمّر وقلت له: "الأسعار مبالغ فيهاء ويدور كثير من الشبهات 
حول الصفقة» وإن سماسرة ليبيين وأوروبيين وراء إبرامهاء إضافة إلى أننا 
غير مستعدين من الناحية البشرية والعلمية والفنية» ولا نملك الكوادر لتسيير 
المصنع". وبعد جهدٍ كبير» نجحت في إقناعه بإلغاء المشروع. ثم بعد ما يقرب 
من 15 سنة» تعاقدنا مع الاتحاد السوفياتي على بناء المصنع نفسه. وكانت قيمة 
العقد في حدود مليار دولار. 


حينما زارنا كوسيغن رئيس وزراء الاتحاد السوفياتى فى بداية السبعينيات» 
كان من المفترض أن يستقبله الأخ معمّر في اليوم الثاني من زيارته» ولكنه تأخر 
في استقباله ذلك اليوم» فاتصل بي كوسيغن وهو في حالة غضب شديده ولمّح 
لي بأنه يفكر في قطع زيارته» فاتصلت بالأخ معمّر الذي قرر استقباله على 
الفور» وقبل أن يستقبله في مكتبه بقصر الشعب؛» طلب أن يحضروا له كتبّا عن 
الماركسية ووضعها في رفوف مكتبته. وحين استقبل كوسيغن وقبل أن يعقد 
معه اجتماعًاء دعاه لمشاهدة الكتب الماركسية التى يقتنيها ويفضلهاء وبدا أنه 
كان يستخف بعقل كوسيغن كعادته دائمًا. لقد كان لزيارة كوسيغن؛ والانطباع 
السيئ الذي خرج به عن الأخ معمّرء دورٌ في امتناع قادة الاتحاد السوفياتي عن 
القيام بأي زيارة لليبيا. 


اللقاء مع مهاتير محمد 

في منتصف السبعينيات» قام رئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير 
محمد”*" بزيارة ليبيا. وفي هذا اللقاء الأول» شعرنا بأننا نعرف بعضنا بعضًا 
منذ وقت طويلء فنشأت بيننا علاقات احترام متبادل يسوده الحب ووحدة 
الأفكار. واتفقنا على ضرورة العمل لإحداث صحوة الأمة الإسلامية. خضنا 
مع مهاتير محمد حوارات معمقة حول واقع الأمة الإسلامية وآفاق المستقبل. 
وقد سمحت هذه الزيارة ببناء علاقة ثقة بينناء وشعرنا كأننا نرتوي من نبع فكري 
واحد. 


العلاقة مع فيدل كاسترو 


نظرنا إلى الثورة الكوبية على أنها "ثورة جذرية" و"انفجار ثوري في 
خاصرة أميركا"» وفى أميركا الجنوبية» الحديقة الخلفية لواشنطن التى تعاديناء 


(39) مهاتير محمد (1925-): رئيس وزراء ماليزيا فى الفترة 2003-1981» وهى أطول فترة لرئيس 
وزراء في ماليزياء ومن أطول فترات الحكم في آسيا أيضًا. كان له دور رئيس في التقدم الكبير الذي 
شهدته ماليزيا؛ إذ تحولت من دولة زراعية تعتمد على إنتاج المواد الأولية وتصديرهاء إلى دولة صناعية 
متقدمة. وبعد اعتزاله العمل السياسي أعلن عن خوضه من جديد الانتخابات العامة ليفوز بأغلبية 
المقاعد» ويعلن عن تشكيل الوزارة» وبذلك أصبح سابع رئيس وزراء. 


263 


ورأينا فيها "قاعدة ثورية" تستند إليها حركات التحرير. قام فيدل كاسترو بترتيب 
اتصالاتنا ببعض هذه الحركات» وكان معجيًا وسعيدًا بحيوية ثورة الفاتح. 
وبالدعم اللامحدود الذي تقدمه لحركات التحرر فى العالم. زارنا عدة مرات» 
وبعض الزيارات كانت تستغرق أكثر من عشرة أيام» يتوزع فيها الوقت بين 
الوحيد يوم إعلان "سلطة الشعب" عام 1977. لقد نشأت بيني وبين كاسترو 
علاقة شخصية متينة» إلى درجة أنه فى إحدى زياراته لليبياء اتصل بى قائلا: 
"رفيق جلود. غدًا سوف تصل صديقتي من إسبانياء ولا أريد لأحد أن يعرف 
ذلك. سوف أقول لمعمّر وللمراسم إنها أختي". فضحكت. وبالفعل» وصلت 
صديقته إلى طرابلس» فكنت أتصل أحيانًا وأسأله مازحًا: "كيف حال أختك؟". 
وكنّا نضحك. 


تركيا 


في عام 1973» قمت أوّل مرة بزيارة لتركياء بعد نجدة تركيا للمسلمين 
الأتراك في قبرص؛ إِذْ كانت هذه الجالية تعيش تحت وطأة تصاعد الروح 
العنصرية. لقد وقفنا بقوة إلى جانب تركيا وإلى جانب القبارصة الأتراك المسلمين 
سياسيًا ومعتويًاء كما زودنا تركيا بالأسلحة والذخائر وبطائرات "أف 5" 
(5-5)» وقمنا بتزويدها بالنفط. وقد جاءت زيارتي لتركيا بعد العملية العسكرية 
التركية في قبرص”. وكانت شعبية ثورة الفاتح داخل تركياء سواء في أوساط 
الشعب أو على مستوى المسؤولين» قد بلغت ذروتها. وحظيت زيارتي بحفاوة 
منقطعة النظير» أجريت خلالها مباحثات معمّقة ومطوّلة مع رئيس الجمهورية 
ورئيس الوزراء وقادة الأحزاب» ومع المفكرين والمثقفين» وكذلك مع قادة 


(40) الأزمة القبرصية: سيطرت تركيا عسكريًا على شمال جزيرة قبرص فى عملية أطلقت عليها عملية 
السلام القبرصية؛ وكان الاسم الرمزي لها عملية أتيلا (نقاععةل! هااتتخ وذلك في 20 تموز/يوليو 1974 
فى أعقاب الانقلاب القبرصى فى 15 تموز/ يوليو 1974. وعلى إثر ذلك» أعلنت جمهورية شمال قبرص 
التركية استقلالها في عام 1983» وأن تركيا هي البلد الوحيد الذي يعترف بها. ويعتبر المجتمع الدولي إقليم 
جمهورية شمال قبرص التركية إقليمًا تابعًا للجمهورية القبرصية تحت الاحتلال التركي. 


264 


الجيشء والتقيت بالجماهير المسلمة التركية؛ فألقيت خطابات جماهيرية في 
مئات الآلاف. وكان أهم خطاب ألقيته في نحو مليون ونصف المليون من 
المسلمين» تجمعوا داخل مسجد ضخم وخارجه. وألقيت أيضًا خطابًا آخر في 
الجامعة حضره أكثر من 80 ألف طالب وأستاذ جامعي قلت فيه: "الحمد لله 
الذي جعل الإسلام منحونًا ومنقوشًا في قلوبكم ووجدانكم وفي عقولكم, وأن 
ما أراده (مصطفى كمال) أتاتورك» وما كتبه لم يتعدٌ الحبر الذي كتب به. لقد 
ظل على الورق"» فتعالت صيحات الطلبة: "الله أكبر» الله أكبر"» وقلت: "إن 
الأمم التي قادت الإسلام سياسيًا وفكريًا هي الأمة العربية والأمة التركية والأمة 
الفارسية, الأمة العربية قادت الإسلام سياسيًا في بداياته» وإيران والجمهوريات 
الإسلامية في الاتحاد السوفياتي قادته فكريّاء ثم قادت تركيا الإسلام سياسيًا 
بعد العرب". وأضفت: "ولذاء فاستراتيجية الغرب هي ألا تلتقي هذه الأمم 
الثلاث؛ لأن لقاءها يعني عودة الإسلام إلى سابق عهده ليقود العالم» والسبب 
الثاني أن العرب هم أساس الإسلام» والأماكن الروحية - مكة وقبر الرسول 
صلى الله عليه وسلمء والمدينة المنورة وبيت المقدس - كلها في الوطن 
العربي. الغرب يريد أن تؤدي تركيا وإيران دور الحاجزء حيث تمنع الإشعاع 
الروحي الإسلامي من الوصول إلى الكتل الإسلامية في آسياء وباكستان» 
والهند» وبنغلاديش» وإندونيسيا". ثم قلت: "إن قضية فلسطين هي قضية كل 
المسلمين» وليست قضية عربية» وبيت المقدس هو بيت كل المسلمين. قضية 
تحرير فلسطين وبيت المقدس مسؤولية كل المسلمين". وقلت لهم: "من هناء 
من تركيا الإسلام» من تركيا التاريخ المجيد. أدعو كل المسلمين أن يقرروا 
في موسم من مواسم الحج أن يحج مليون أو مليونان» ويقرروا التوجه إلى 
فلسطين لتحريرها وتحرير بيت المقدس"”, فاشتعل الحماس وتفجر البركان 
وتعالت الصيحات المدوية: "مجاهدون, مجاهدون. الله أكبرء الله أكبر". 
كانت لحظات لا تنسىء لحظات من التاريخ شعرت خلالها بأنني أولد من 
جديد. وكنت أينما ذهبت» أشاهد الجماهير وهي تتجمع للترحيب بي بصفة 
عفوية. وأحيائًا كنت أذهب للعشاء في المطاعمء فكان المغنون والمغنيات 
ورواد المطعم يغنون لثورة الفاتح وليبياء وأذكر أن إحدى الأغاني تقول 


265 


"السعودية منعت عنا النفط. وليبيا وعبد السلام جلود أعطيانا التفط". لقد 
استثمرنا في تركيا الكثير من الوقت والجهد والعمل. وساعد الموقف السلبي 
للغرب من التدخل التركي لصالح المسلمين الأتراك في قبرص على تعاظم 
الصحوة الإسلامية. كان القساوسة في كل أوروبا يدعون القبارصة اليونانيين 
إلى "قتل" الأتراك المسلمين ويصرخون: "أطردوهم, أقتلوهم". وخلال حديثي 
مع المسؤولين والمثقفين وخطاباتي الجماهيرية» كنت أشير إلى الدعوات 
"الصليبية" ضد المسلمين الأتراك» وأركز على هذا الجانب. كنت أصوّر لهم 
مايحدث للمسلمين في قبرص.ء والدعوات الصليبية ضدهم الصادرة من 
الغرب». بأنه هو ذاته ماحدث للمسلمين الفلسطينيين عام 1948؛ وهكذاء 
كنت أربط بين الأحداث في قبرص وما جرىء وما يجريء في فلسطين. والآن» 
وبعد انتصار "ثورة القرن" بلا منازع» أي الثورة الإسلامية في إيران» وانسلاخ 
الجمهوريات الإسلامية عن الاتحاد السوفياتى» وإصرار الغرب على أن 
يكون له "عدو" بعد نهاية الشيوعية» بحسب ما أعلن رونالد ريغن ومارغريت 
تاتشر””*» فإن هذا العدو أصبح هو الإسلام» لكن تركيا تعيش "صحوة إسلامية” 
حقيقية يقودها حزب الرفاه. 


ثم تكرّرت زياراتي الرسمية لتركياء وكنت في كل مرة أقف على عمق 
روابط الشعب التركي مع ثورة الفاتح والشعب الليبي» وأشعر بقربي من 
المسؤولين الآتراك والجماهير التركية. في الواقع» نجح الغرب في تعميق 
العداء بين العرب والآتراك» وبوعي أو من دون وعي نفذنا المؤامرة التي رسمها 
الغرب» ورضخنا لمؤامرة "عدم التقاء العرب والأتراك والفرس". يبد أن بعض 
المثقفين العرب فى المشرق العربى كان له دور فى هذا الأمرء حين عمل على 
تقوية "العامل القومى" على حساب "العامل الدينى". وأنا أؤمن بأن العروبة 
والإسلام وجهان لعملة واحدة؛ فالعروبة هي الجسد والإسلام هو الروح. لقد 
جرى تصوير عصر "الخلافة العثمانية” على أنه "“عصر استعماري". ولكنه لم 


(41) مارغريت تاتشر (2013-1925): رئيسة وزراء المملكة المتحدة (1990-19279)) وزعيمة 
حزب المحافظين (1990-1975)» وهى أول امرأة تولت رئاسة وزراء المملكة المتحدة. 


66ظ26 


يكن كذلك. كان مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي الذي تولت فيه تركيا 
القيادة» لكن ثورة الفاتح تنبهت إلى هذه المؤامرة» وأفشلتها وساعدت في عودة 
تركيا إلى حاضتتها الإسلامية» وبدأت تركيا تنزع عن نفسها "ثوبها الغربي" 
المزيف. وترتدي "ثوبها الإسلامي". 

ورغم الجهد الغربي لدعم القوى العلمانية المرتبطة به. فإن الغرب عمل على 
تضاؤل دور تركيا في استراتيجيته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانضمام روسيا 
إليهه ظل يركز على تركيا لمنعها من العودة إلى جذورها وموقعها في الشرق. إِنَ 
ما حصل في تركيا من صحوة إسلامية» وتطور ديمقراطي ونهوض اقتصاديء يعود 
في جزء كبير منه إلى اللقاء الذي جرى في طرابلس بيننا وبين الأخ نجم الدين 
أربكان”**. حيث عرض علينا أنه يريد تشكيل حزب السعادة الإسلامي في تركياء 
ويطلب دعمنا. أجرينا مع أربكان حوارات معمّقة» اتفقنا خلالها على تشكيل 
حزب السعادة. كان أربكان يملك رؤيا لمستقبل تركيا ومستقبل العالم الإسلامي؛ 
وكان مؤمنًا إيمان المجاهد الصلب بالدور القيادي لتركيا في العالم الإسلامي؛ 
وبأن يقيم هذا العالم تجمعًا اقتصاديًا وحلمًا عسكريًا موحدًا. كان أربكان يشاركنا 
قناعتنا بضرورة تحرير فلسطين من النهر إلى البحرء وكان يجمع بين صفات 
المجاهد الصلب وتواضع النموذج الإسلامي. هذا النموذج الذي كنا نفتقده. 
وقررنا الوقوف معه ومع حزبه بكل قوة ماديا وسياسيًا. اتفقنا معه على استراتيجية 
"استعادة" تركيا لموقعها ودورها ومكانتها اللائقة في العالم الإسلامي» قصد 
تحقيق نهضة حقيقية» واتفقنا أيضًا على أن تصبح "قضية فلسطين" قضية مقدسة 
لكل الشعوب الإسلامية. شجعنا أربكان على العمل بسرعة لإعلان تشكيل حزب 
السعادة. وفي أول انتخابات» استطاع أربكان الحصول على 51 مقعدًاء ثم حقق 


(42) نجم الدين أربكان (2011-1926): مهندس وسياسي تركي تولى رئاسة حزب الرفاه ورئاسة 
وزراء تركيا (1997-1996): غرف بتوجهاته الإسلامية. أسس حزب السلامة الوطنى (فى 11 
تشرين الأول/ أكتوبر 1972) بديلًا من حزب النظام الوطني الذي حُظر بسبب توجهاته الإسلامية في 
الجمهورية التركية العلمانية. وقد استمر أربكان في قيادة حزب السلامة الوطنيء الذي نما في الأوساط 
الشعبية التركية» حتى أغلقه الانقلاب العسكري فى 12 أيلول/ سبتمبر 1980.» فخلفه حزب الرفاه الذي 
تأسس في عام 1983. ١‏ 


2027 


في الانتخابات التالية الأغلبية في البرلمان وأصبح رئيسًا للوزراء عام 1996. 
حينما زرت تركيا عام 1973» زرته في شقته في اسطنبول عدة مرات» وكانت 
شقة بسيطة ومتواضعة» تعكس قيم البساطة والتواضع المتأصلة فيه» وكذلك 
أعوانه. ولأنه مجاهد وصاحب مبادئ لايحيد عنها ولا يساوم عليهاء قام 
الجيش والقوى المعادية للإسلام في أيلول/ سبتمبر 1980 بحل حزب السلامة 
الوطني وأودع أربكان السجن. قامت القيادات الشابة في الحزبء» من الصفين 
الثانى والثالث» بتشكيل حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان2*2 
ونجحت تلك القيادات فى جعله متجذرًا فى الشعبء واستفادت من تجربة 
حزب السعادة وكانت أكثر من أربكان قدرة على إتقان لعبة البراغماتية؛ وهذا 
طبيعي لأن الصراع صراع اجتماعي وصراع أجيال. إن اللقاء التاريخي بيننا هو 
الذي أعاد تركيا لتتبوأ مكانتها في العالم الإسلامي. 

فى ثمانينيات القرن الماضىء وبعد الانقلاب العسكري فى تركياء كان 
توركت أوزال** يشكل حزبه الجديد الذي حقق فورًا فى الاتتخابات العامة 
على حساب حزب بولنت أجاويد”*. فتولى أوزال منصب رئيس الوزراءء 
ثم أصبح رئيسًا للجمهورية. لقد شكلت حقبة أوزال مرحلة هي مزيج من 
"العلمانية" و"الإسلامية"» ولكن من دون رؤية واضحة. كان أوزال معجبًا بثورة 
الفاتح ويكنّ لها الحب والتقدير؛ لذا سعى من خلال علاقاته مع الأميركيين 


(43) رئيس الجمهورية التركية منذ عام 2014. وقد شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء (2003- 
4 ورثئيسًا لبلدية اسطنبول (1998-1994). 

(44) توركت أوزال (1993-1927): سياسى تركى ليبرالى. كان رئيس الجمهورية التركية الثامن 
(9 تشرين الثانى/ نوفمبر 1989 - 17 نيسان/ أبريل 3 )6 وتولى قبل ذلك رئاسة الوزراء 
(13 كانون الأول/ ديسمير 1983 - 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1989). تميزت فترة توليه للسلطة 
بتوجيهه اقتصاد تركيا نحو الخصخصة؛ ما أدى إلى تحسين علاقاته الدبلوماسية مع الغرب» وخاصة 
الولايات المتحدة الأميركية. 

(45) مصطفى بولنت أجاويد (2006-1925): تولى منصب رئيس وزراء تركيا أكثر من مرة. زعيم 
حزب الشعب الجمهوري (14 أيار/ مايو 1972 - 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1980). تولى منصب 
زعيم حزب اليسار الديمقراطي (13 أيلول/ سبتمبر 1988-1987). و(1989 - 25 تموز/يوليو 
4. تدخلت تركيا في قبرص لمنع اليونان من ضمها خلال توليه رئاسة الحكومة عام 1974. على 
الرغم من أنه كان من أشد المدافعين عن العلمانية» فإنه تحالف مع الإسلاميين لتشكيل حكومته الأولى. 


ة68ظ22 


إلى تخفيف العداء ضد ليبياء ولكنه لم ينجح, وكثيرًا ما كان ينصحنا بالانحناء 
أمام العاصفة» وكنًا نرفض. وبالمناسبة» أخبرني سفيرنا في تركيا أن عائلة 
أجاويد تعود فى أصولها إلى ليبياء وأنه من العائلة نفسها التى ينحدر منها سفيرنا 
في اسطنبول سعد الدين أبو شويرب. وأذكر أن الأخ معمّر لما حضر اجتماع 
مجموعة العشرين في إيطاليا عام 2009 بوصفه رئيسًا للاتحاد الأفريقي» 
أخبرني أن أردوغان قال له خلال لقاء بينهماء بأنه قد استمع» حين كان طالبًا في 
السنة الثانية بجامعة اسطنبول» إلى خطاب جلود فى طلبة الجامعة وأساتذتهاء 
وأنه ما يزال يذكره. 


غانا: العلاقة مع جيري رولينغز 


فى 31 كانون الأول/ ديسمبر 1981» قاد جيري رولينغز © حركة 
التغيبر في غانا. ولوعينا دور غانا التاريخي في عهد كوامي نكروماء ودور غانا 
ومكانتها فى أفريقياء سعدنا بحركة التغيير هذه» وسافرت على الفور للوقوف 
بنفسي على ما يجريء, وكيفية دعمه والوقوف معه. ومن المطارء توجهت إلى 
مقابلة جيري. كان اللقاء حارًا ومُفعمًا بمشاعر البهجة والفرح لنجاح التغيير. 
وجدت جيري رجلا بسيطًا وإنسانًا طيبًا ومتواضعًاء وفوجئت وسعدت حينما 
وجدت أنه محاط بمجموعة من شباب الجامعات وأساتذتهم. لم أكن أعرف. 
حتى هذه اللحظق ماإذا كان هؤلاء الشباب على علاقة مع جيري قبل قيامه 
بحركة التغيير» أم إنهم التحموا وانضموا إليه بعد انتصار الحركة. أجريت معه 
ومع هؤلاء الأساتذة والطلبة محادثات مطوّلة ومعمّقة. أكدت خلالها أن عليهم 
أن ينظروا إلى التغيير على أنه "فرصة تاريخية" لاستعادة دور غانا تكروماء 
وإحياء أفكاره التي كانت» في مجملهاء تتبنى نظرية "تحرير أفريقيا" سياسيًا 
واقتصاديًا وثقافيّك وإحياء تاريخ أفريقيا وحضاراتها التي تآمر عليها الاستعمار 
الغربى وطمسهاء وأن تكتشف أفريقيا ذاتها من جديد. 


(46) جيري رولينغز (2020-1947): ضابط عسكري وسياسي غاني. شغل منصب رئيس جمهورية 


طلب مني جيريء والشباب من حوله. أن ألتقي طلبة جامعة غانا وأدعوهم 
للالتحام بحركة التغيير؛ وأن تتحول هذه الحركة من "حركة جيري ورفاقه" إلى 
"حركة كل الشباب" والمثقفين فى غاناء وأن يعطوا ديناميكية جديدة ويطوروها 
من أجل أن تسترد غانا دورها القيادي في أفريقيا مثلما كانت أيام نكروما. 
أكدت لهم وقوف ثورة الفاتح والشعب العربي الليبي معهم. سياسيًا واقتصاديًا 
وعسكريّاء وأنهم يجب أن يتأكدوا من دعمنا اللامحدود لهمء وتحالفنا معهم 
من أجل مصلحة غانا وأفريقيا. في هذه الزيارة» نشأت بيني وبين جيري صداقة 
عميقة» فكان يزورنا فى ليبيا ونزوره فى غانا بصفة دائمة. ولكن لما اختلفت 
مع الأخ معمّر واتخذت قراري بالاستقالة - رغم أنني لم أقدمها مكتوبة لأنني 
شريك في الثورة ولست معيّنًا منه - كان رؤساء الجمهوريات ورؤساء الوزارات 
حينما يزورون ليبياء يطلبون منه أن يسمح لهم بلقائي» وكان الأخ معمّر يرفض 
ذلك. ويقول: "لا تفرضوا عليّ وضعًا لا أريده» وهو وجود سلطة ومعارضة". 
وفي أول زيارة لجيري لليبياء بعد توقفي عن العمل» طلب من الأخ معمّر أن 
يسمح له بمقابلتي» فرفض بشدة» ولكن جيري ركب سيارة السفارة الغانية 
وجاء إلى منزلي في المصيف البلدي بطرابلس. ولما علم الأخ معمّر بذلك» 
غضب غضبًا شديدًا واحتج على تصرفه. فقال جيري للأخ معمّر: "جلود أول 
شخص يصل إلى غانا بعد انتصار حركة التغيير» وهو الذي علمني معنى الثورة 
والأفكار الثورية". 


الثورة الإسلامية الإيرانية وليبيا 


في منتصف السبعينيات بدأت بوادر "ثورة إسلامية" في إيران؛ إذ وقعت 
سلسلة من التفجيرات والأعمال الثورية» وكان واضحًا أن الثوريين الإسلاميين 
في إيران كانوا قد تأثروا بثورة الفاتح في ليبيا. بعد الثورة (شباط/ فبراير 
9) وحين زرت طهران. قال لي علي خامنئي”© وعلي أكبر هاشمي 
(47) علي خامنئي (1939-): تولى رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية (13 تشرين الأول/ أكتوبر 
1 - 3 آب/ أغسطس 1989)» ويشغل حاليًًا منصب المرشد الأعلى لإيران منذ 4 حزيران/ يونيو 


9 بعد وفاة روح الله الخميني. 


200 


رفسنجاني**: في السجن, كنا نحتفل بعيد ثورة الفاتح» وحين علم شاه 
إيران بذلك قام بتعذيبنا. كان الإيرانيون في عهد الشاه يتابعون خطوات الثورة 
ويستمعون للإذاعة. في هذا الوقتء كان الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو 
رئيسًا للوزراء» وكان يحمل لنا رسائل من الشاه تقول "امسكوا عني قنابلكم 
(أي أوقفوا دعمكم للثوار)"» وكنًا نرد عليه: "هذه قنابل الشعب الإيراني". 
كان مُحرّمًا على أيّ إيراني زيارة ليبياء والعكس. وحدث أنني علمت خلال 
زيارة لطهران أن أحد الشبّان الثوريين الإسلاميين» ممن كانوا يتولون حراستي» 
كان قد حكم عليه في عهد الشاه بخمس عشرة سنة سجنًا لأنه زار ليبيا. وفي 
إحدى المراتء كان وزير النفط الليبي عز الدين المبروك في طريقه إلى زيارة 
بعض الدول الآسيوية» وكان يعبر الأجواء الإيرانية برحلة على طائرة تجارية. 
وقد أجبرت الطائرة» لأسباب فنية أو ربما لأسباب تتصل بالطقس السيئ» على 
الهبوط في طهران» فقامت السلطات الإيرانية بوضع الوزير في غرفة خاصة 
معزولة» ورفضت السماح له بالتجول داخل المطار. 


حينما قرّر النظام في العراق طرد روح الله الخميني من النجف رضوحًا 
لطلب من شاه إيران» أرسلنا رسالة إلى الخميني قلنا فيها: "نحن نعرض 
عليك أن تأي إلى ليبياء وأن تتخذ منها قاعدة لك؛ وكل إمكانيات ليبيا تحت 
تصرفكء كما سنضع تحت تصرفك إذاعة موجهة إلى إيران تديرها كما تشاء". 
فردّ قائلا: "أشكركم؛ لكن منْ سيسمعني إِنْ تكلمت من ليبيا عمّا يجري في 
إيران؟". وهكذا قرر الخميني أن يذهب إلى باريسء لأنها مركز إعلامي عالمي 
يستطيع من خلاله أن يقود الثورة منه. لما انتقل الخميني إلى باريسء أرسلنا 
إليه مبعوثين خاصين. هما إبراهيم البشاري وسعد مجبر»ء وعرضنا عليه مرة 
أخرى أي دعم يمكن أن يطلبه مناء بما في ذلك التسليح. وأريد أن أشير إلى 
أن الذي نصحنا بضرورة الاتصال بالخميني» ومتابعة ما يجري في إيران» هو 
(48) علي أكبر هاشمي رفسنجاني (2017-1934): سياسي ورجل دين إيراني. كم عليه بالسجن 
عدة مرات في فترة حكم شاه إيران. بعد انتصار الثورة الإسلامية» شغل مختلف المناصبء بما في ذلك 


رئاسة البرلمان» ورئاسة الجمهورية لدورتين متتاليتين (1997-1989). وكان منصب رئاسة مجمع 
تشخيص مصلحة النظام (2017-1989) آخر منصب شغله حتى وقاته. 


271 


شخصية إيرانية وطنية كانت تعيش في فرنسا. بعد ذلك, عيّنا إبراهيم البشاري 
وسعد مجبر مسؤولين عن العلاقة مع الخميني. فأقاما معه في باريس. قال لي 
سعد مجبر ذات مرة: "بعض الأشخاص الذين كانوا مع الخميني في ضاحية 
باريس 'نوفل دي ليشاتو' ه:02© 6.) كانوا يدلون بتصريحات ويعلنون أنهم 
'مستشارون' للخميني أو 'متحدثون باسمه فلما علم الخميني بذلك علق يافطة 
تقول: 'لا يوجد للخميني متحدثون باسمه. الخميني يتحدث بنفسه". 


حينما سقط نظام الشاه وعاد الخميني إلى طهران, عاد معه على الطائرة 
نفسها سعد مجبر وإبراهيم البشاري. في اليوم الرابع لوصول الخميني إلى 
طهران. في 5 شباط/ فبراير 1979. وصلتٌ إلى أجواء طهران في "زيارة 
ثورية" رتبت على عجل عن طريق سعد مجبر وإبراهيم البشاري» وكذلك 
عن طريق عباس محمد منتظري**» هذا الثوري الإسلامي من الطراز 
الرفيع» والمجاهد الحركي المبادرء وأيضًا عن طريق حسين الخميني©. 
ولما وصلت الطائرة إلى أجواء إيران» رفضت الحكومة العميلة برئاسة 
مهدي بزركان”© السماح لها بالهبوط؛ فظلت الطائرة تحلّق في الأجواء. 
فأبلغ الطيار برج المراقبة أن الوقود يوشك أن ينفد. كان سعد مجبر وإبراهيم 
البشاري» وبعض الثوريين من الحرس الثوري واللجان الثورية» يضغطون في 
اتجاه السماح للطائرة بالهبوط ومنع حدوث كارثة. كان صادق طباطبائي!*) 
نائب وزير الداخلية في حكومة بزركان يقود المعارضة الشرسة لزيارتي» 


(49) عباس محمد منتظري (1981-1944): رجل دين إيراني وشخصية عسكرية. كان أحد 
الأعضاء المؤسسين والرؤساء الأوائل لفيلق الحرس الثوري الإسلامي. قتل في تفجير عام 1981 في 
طهران. 

(50) حسين الخميني (1959-): رجل دين إصلاحي. وهو حفيد آية الله الخميني. 

0010 أول رئيس حكومة في إيران بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي. تولى رئاسة الحكومة المؤقتة 
(1980-19279). كان من أنصار الثورة الإيرانية على الشاه. وأحد القادة البارزين فيها. 

(52) صادق طباطبائي (2015-1943): إعلامي إيراني وأستاذ جامعي في جامعة طهران وسياسيء 
شغل منصب نائب رئيس وزراء إيران في أثناء حكم رئيس الوزراء مهدي بزركان وبعد استقالته. كان 
نائب وزير الداخلية خلال حكومة بزركان» وعقد استفتاء آذار/ مارس 1979. وكان سفير إيران فى 
ألمانيا (1986-1982). 1 


202 


وكان معه قطب زاده وعباس انتظامء وهؤلاء عملاء لواشنطن. كان طباطبائي 
هو الذي يتولى» من قلب المطارء توجيه الأوامر إلى سلطات المطار لمنع 
كرتي من الهبوط وإجبارها على العودة. 

كانت سلطات المطار» بتوجيه من طباطبائي» تسأل سعد مجبر وإبراهيم 
البشاري: "من هذه الشخصية المهمة فى الطائرة؟". فكانا يردان: "شخصية ليبية". 
كانوا يسألونهما: "من دعا هذه الشخصية؟". وكانا يردان: "بدعوة من الثورة 
الإسلامية". بعد أن كاد الوقود ينفد. اضطرّت سلطات المطار إلى إعطاء الإذن 
بالهبوط تجنيًا لحدوث كارثئة محقّقة. بعد هبوط الطائرة توجهنا إلى صالة الانتظار 
وبقينا هناك أكثر من ثلاث ساعات. جاءني طباطبائي وقال لي: "من وجّه لكم 
الدعوة؟". فرد عليه سعد مجبر قائلا: "الرائد عبد السلام جلود جاء بدعوة من 
قيادة الثورة الإسلامية". اكتشفنا أن هؤلاء كانوا قد رتبوا "لمؤامرة" قبل السماح 
لنا بالهبوط؛ إِذْ جهزوا طائرتين عموديتين لنقلنا إلى مدينة قم. ولما أجابهم سعد 
أنني هنا بناء على دعوة من القيادة قال لنا: "القيادة في قم» وقد جهزنا لكم طائرتين 
عموديتين لنقلكم". شعر سعد مجبر والبشاري بالإحراج» وبدا الموقف معقدًا؛ 
فبادرت إلى القول وأنا أخاطب سعد وإبراهيم: "لا تنزعجا. أنا مجاهد وأعددت 
نفسي لكل الاحتمالات". في هذه الأثناء وصل محمد منتظري إلى المطار 
وبصحبته حسين الخميني ومعهما شباب من الحرس الثوري واللجان الثورية. 
صفع حسين الخميني وجه طباطبائي ثم طرده من المكان. ثم تعانقنا جميعًا (ليبيون 
وإيرانيون) وتعالت صيحات "الله أكبر"» وتحول الموقف من موقف تراجيدي إلى 
عرس ثوريء ولاذ العملاء بالفرار. وانطلق الموكب من المطار إلى قلب طهران. 


عند وصولنا إلى الفندقء قابلني في الممر إريك رولو الصحافي الفرنسي 
ومحرر لوموند» والذي أصبح في ما بعد سفير فرنسا في تونسء وكان غالبا 
ما يتردد على ليبيا وكا نعرف بعضنا جيدًا. سألني رولو بالعربية: "ما رأيك في 
الثورة الإيرانية؟" فقلت له: "هذه ليست ثورة إيرانية. هذه ثورة الإسلام. ثورة 
الشرق ضد حضارة الغرب", فردّ عليّ بالقول وهو يضحك: "أنت خطير". ثم 
توجهنا بعد ذلك إلى قاعة الاجتماعات في الفندق حيث أقيم احتفال خطابي. 


2/3 


صباح اليوم التالي» توجهنا بالحافلات إلى مدينة قم للقاء الإمام الخميني. 
كان محمد منتظري يتميز بحسٌ أمنيّ نادر؛ ولذا كان يقوم بتغيير الحافلات 
طوال الطريق. كنا نغادر حافلاتنا لستقل أخرىء, حتى إنه غيّر موقع حافلتي 
ضمن القافلة أكثر من مرة؛ وبينما كنا نمرّ في شوارع طهران» شاهدت سفارة 
فلسطين التي حلت محل سفارة العدو الصهيوني. ورأيت الجموع البشرية 
الهائلة وهي تقبّل العلم الفلسطيني وتبكي. كانت قضية فلسطين تحتل الصدارة 
في فكر الخميني. كان فكره يتلخص في تحرير فلسطين والصحوة الإسلامية 
الجماهيرية» والشورىء والعدالة» والانحياز إلى الفقراء ومقاومة الولايات 
المتحدة والغرب» ووحدة المسلمينء وإيمانه بأن اللغة العربية هى لغة القرآن. 
وأنها يجب أن تكون لغة المسلمين جميعًاء وهذا ما أكده فى دستور الجمهورية 
الإسلامية» حين تقرر أن اللغة العربية هى اللغة الثانية فى إيران. كان يعمل 
على أن تكون العربية هي اللغة الوحيدة في البلاد في نهاية المطاف. إنه ثوري 
جماهيري من الطراز الأول. لقد فجّر "ثورة القرن" بلا منازع. 


لما وصلنا إلى مدخل قم تمّ تغيير الحافلات مرة أخرى» وجرى استبدالها 
بسيارات صغيرة وتوجهنا إلى منزل الإمام الخميني. كانت هناك حشود بشرية 
هائلة تحيط بالمبنى. انتظرت دقائق قبل أن يحضر الخمينى. كان معى ضمن 
الوفد ثلاث فتيات من اللجان الثورية النسائية فى ليبيا فأردن أن يسلمن على 
الإمام الخميني ولكن الإمام الخميني بذكائه المتدفق وسرعة بديهيته» بدا وهو 
يجامل الفتيات؟ ولذا وضع يده في طرف عباءته وصافح الفتيات من دون أن 
تلامس الأيدي مباشرة» وكانت تلك التفاتة جميلة ومؤثرة» أما النساء الإيرانيات 
فكنّ يحيينه بهرّ الرأس. بعد التقاط الصور عقدت اجتماعًا مع الإمام الخميني 
حضره من الجانب الليبي سعد مجبر وإبراهيم البشاري. في اليوم التالي» عقدت 
اجتماعًا مع محمود طالقاني** الذي كان يتحدث العربية» كما أن أولاده كانوا 


(53) محمود طالقاني (1979-1911): عالم دين شيعي وسياسي إيراني» وهو أحد رموز الثورة 
الإسلامية الإيرانية. دعم الدكتور محمد مصدق في قرار تأميم صناعة النفط الإيراني» ثم التحق بالحركة 
الوطنية الإيرانية» وبعد أن حلّها الشاه أسس حركة المقاومة الإيرانية وشارك فى تأسيس حزب حركة 
حرية إيران. وأمضى 15 عامًا من عمره في سجون الدولة البهلوية. بعد انتصار الثورة الإسلامية» أصبح 


274 


يتحدثونها بطلاقة. وفي اليوم ذاته عقدت اجتماعًا آخر مع آية الله منتظري» 
وكان هو أيضًا يتحدث معي باللغة العربية. ومع أن الإمام الخميني يجيد 
العربية» فإنه كان حريصًا على التحدث معى بالفارسية. لأنه "قائد الثورة". فى 
المساء التقيت في الفندق معظم أعضاء مجلس قيادة الثورة واللجنة المركزية 
للحزب الجمهوري الإسلاميء باستثناء الآمين العام محمد بهشتي**. وأجرينا 
حوارات ونقاشات فكرية وسياسية معمّقة. ثم تكررت هذه اللقاءات» وكانت 
تستمر في بعض المرات حتى وقت متأخر من الليل» وكان يديرها ويرتبها 
الحركي الأول» وشعلة النشاط الثوري محمد متتظري الذي كان يمتاز بقدرة 
ومهارة تنظيمية مذهلة. في اليوم الرابع» رتب لي منتظري استقبالًا رائعًا 
وتاريخيًا في مقر حزب الجمهورية الإسلامية» حضره كل أعضاء مجلس قيادة 
الثورة» وعلى رأسهم بهشتي. ما لفت انتباهي أن منتظري هو الذي رتب هذا 
الاستقبال» لكنني فوجئت به يجلس بتواضع شديد على كرسي قرب الباب» مع 
أنه حركي بارز في الثورة والحزبء وكان ذلك أفضل تجسيد لشخصية الثوري 
البسيط والمتواضع الذي لا يحب المظاهر. 


في هذا الاستقبال» ألقى بهشتي خطابًا ثوريًا رائعًا رحب فيه في البداية 
بي» وأشاد أيضًا بثورة الفاتح العظيمة وبالتلاحم بين الثورتين الإسلاميتين» ثم 
قدّمني للحاضرين وسط التصفيق والهتاف. وبدوري ألقيت خطابًا مطولًا. ولأن 
زيارتي استمرت أسبوعين كاملين» فقد شعرت بأنني تعلمت الكثير خلالهماء 
كما استمتعت بتلك اللحظات الرائعة للثورة. في أحد أيام الزيارة كان من 
المقرر أن أتحدث إلى الشعب الإيراني عبر الإذاعة المرئية» لكنني فوجئت 


عضو مجلس خبراء الدستورء واختاره الخميني ليكون إمام صلاة الجمعة في طهران. توفي بعد أشهر من 
انتصار الثورة» فنعاه الخمينى ووصفه بأنه كان بمنزلة الصحابى أبى ذر الغفاري للثورة الإسلامية. 

(54) محمد بهشتي (1981-1928): هو عالم دين شيعي وسياسي إيراني» وأحد مؤسسي الحزب 
الجمهوري الإسلامي. شغل منصب رئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الثورة الإسلامية ومجلس 
الخبراء. كان ثانى أقوى الشخصيات فى الثورة بعد آية الله الخمينى آنذاك» وكان يتقن الإنكليزية 
والألمانية والعربية» وله الدور الكبير في إعداد الدستور الإيراني. اغتيل في الانفجار الذي أطاح مقر 
الحزب الجمهوري ومعه ائنان وسبعون من أعضاء الثورة وقادتها. 


2715 


بقطب زاده'”**؟ يصدر أمرًا بمنعي من دخول مبنى الإذاعة» فألغيت المقابلة 
التلفزيونية. لقد أكدت خلال لقاءاتي مع الخميني» ثم مع محمود طالقاني 
ومنتظري ومجلس قيادة الثورة واللجنة المركزية لحزب الجمهورية الإسلامية» 
والكوادر الإسلامية الثورية» أننا في ثورة الفاتح بشّرنا بالثورة الشعبية في إيران. 
وفي حين كان النظام السياسي العربي يرى» هو وسائر العالم» أن شاه إيران 
"قدر إيران"» وأن من المحال القضاء على نظامه. كنا نؤكد أن هذه أكذوبة» وأن 
نظامه زائل» وأن الثورة الشعبية سوف تنتصر. 


خلال اللقاء مع الخميني» اقترحت أن تجري الثورتان حوارًا فكريّاء وأن 
ضع بصورة مشتركة المنطلقات الفكرية والنظرية والأيديولوجية والفلسفية 

دة "الثورة الإسلامية العالمية". واقترحت أيضًا أن تشكل القيادتان فى 
ل قيادة موحدة لهذه الثورة» وتأسيس إذاعة موجهة إلى المسلمين في كل 
قارات العالم» وتكوين جهاز دعم للحركات الإسلامية» وإنشاء جامعة لتخريج 
الدعاة وتشكيل "جيش جهاد إسلامي" من المتطوعين لتحرير فلسطين. وا 
الإيرانيون على هذه المقترحات» ووعدوا بأنهم سيقومون بعملية تعبئة ثورية. 
وقد رأيت بعينيّ كيف أن رجال الدين كانوا يلقون المحاضرات التعبوية في 
عناصر الجيشء كانوا يقولون لهم: "حينما كنتم تخدمون في جيش الشاه 
كنتم تخدمون الكفر والإلحاد. ويجب عليكم أن تكمّروا عن ذلك بأن تخدموا 
الثورة الإسلامية بإخلاص". وكنت أرى الجنود والضباط وهم يبكون ندمّاء 
وكان ذلك دليلًا على قوة التأثير وفاعلية أسلوب التعبئة الثورية المميز الذي 
اتبعته الثورة. وللأسف. لما شن صدام حسين الحرب ضد إيران» تأجل هذا 
البرنامج» إضافة إلى عامل آخر هو وجود أقلية تعارضه. وقد لاحظت خلال 
زياراتى المتكررة لإيران» أن هؤلاء كانوا يعلقون كل شيء إلى ما بعد سقوط 
صدام؛ وكان هذا في رأبي خطأ كبيرًا. وأذكر أنني خلال زيارتي الأولى لطهران. 
علمت أن إحدى أخوات الشاه زوجت ابتتها لجنرال أميركي» وبنت له كنيسة 


(55) صادق قطب زاده (1936 -1982): أحد الوزراء في بداية ثورة ة الخميني» » وقد عارض ولاية 
الفقيه. وأيده أحد المراجع الدينية. أعدم وأجبر المرجع الديني على الاعتذار علنًا في التلفزيون الرسمى 
الإيراني» ثم طّرد من المرجعية. 


2/16 


عُقد الاجتماع : في الوقت نفسه الذي أعلن فيه عن اغتيال المشكر مطهري 06 
وأقيم له تأبين حضره نحو مليونين ونصف مليون شخص. كنت أجلس قرب 
الإمام الخمينى فى مقصورة خاصة بالإمام. وكان هناك نحو 10 أو 12 من 
رجال الدين الكبار (آيات الله) المقربين منه. 

كان مهرجانًا خطاييًا تأبينيًا حاشدًا ألقيت فيه خطابا ثوريًا. وقبل مغادرتى 
طهران بأربعة أيام» وجهت رسالة إلى الإمام الخميني قلت فيها: "إن الثوريين 
والجماهير الإسلامية في إيران» وكل جماعة ثورية في المجتمع» تفهم الإمام 
الخميني بشكل مختلف,. ولكي تستمر الثورة فلا بد من أن يصبح الانبهار 
بشخصية الإمام إيمانًا بفكره؛ ولذا لابد من أن يكتب الإمام الخميني فكره 
الخطابات والمواعظ لا يمكن أن تشكل فكرًا علميّك وهذا هو السبيل لاستمرار 
الثورة وا ستمرار الإمام بقيادتها حتى بعد وفاته". ثم أضفت: "إن الثورتين في 
إيران وليبيا تنبعان من منبع واحد وتتجهان نحو هدف واحد. إنهما ثورتان 
إسلاميتان". ثم قلت: "إن الإسلام في حركته جماهيريٌ حتى في العبادات» 
وإن الشورى ليست في إطلاق اسم مجلس الشورى على مجلس النواب". ثم 
اقترحت عليه إجراء حوار بينناء لوضع أسس نظرية إسلامية ثورية والانبعاث 
الإسلامي لتنوير أكثر من مليار وسبعمئة مليون مسلم في العالم. كانت زيارتي 
الأولى لطهران مجازفة خطيرة؛ فأنا جاهدت بنفسى حين غامرت وواجهت 
المخاطر والمصاعب. ولكنها مع ذلك كانت بالقدر نفسه؛ زيارة ممتعة ومنعشة. 
عايشت حركة الملايين من البشر. كانت سعادتي لاتوصف وقد لاتقل عن 
سعادتي بنجاح ثورة الفاتح وأيامها الأولى. إنها مدرسة تعلمت منها الكثير 
وأعتز بكل دقيقة عشتها وعايشت فيها الأيام الأولى لهذه الثورة. وهي حقا 
ثورة القرن. ولااشك في أنني كنت محظوظًا لأنني عشت الأيام التي يُصنع فيها 


ان 


(56) مرتضى مطهري (1979-1919): عالم دين وفيلسوف إسلامي ومفكر وكاتب شيعي إيراني» 
وهو العضو المؤسس في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشافى 
ومن المنظرين للجمهورية الإسلامية الإيرانية. 


2/7 


التاريخ. لقد أصبحثٌ جزءًا مني وأصبحتٌ جزءًا منها. زرت الكثير من البلدان» 
ولكنني أعتزٌ خصوصًا بزيارة طهران أيام الثورة. 


في أحد نقاشاتي مع الإمام الخميني» اختلفت معه حول تسمية "الخليج 
الفارسي"؛ فقد أصررت على أنه "الخليج العربي" بينما كان هو يسميه "الخليج 
الفارسي". ثم أخذ ورقة وقلمًا ورسم خريطة الخليحجء وقال هُبتسمًا: "أنتم 
في هذه الضفة ونحن في الضفة الأخرى. لكننا نختلف على شيء لا نملكه. 
إنه خليج أميركيء علينا أن نحرره أولا ثم نسميه مانسميه» واقترح أن نسميه 
الخليج الإسلامي". لقد عملت الولايات المتحدة والسعودية ومعهما النظام 
الرسمي العربي» على مواجهة الصحوة الإسلامية؛ على أساس أنها بداية "عصر 
الإسلام" ونهوض الشرق. وهكذاء وجدت عقلية صدام حسين الطاووسية 
الفرصة السانحة لمهاجمة إيران. ولذاء ارتكب جريمته وشن الحرب على 
إيران. لقد اعتقد صدام حسين والولايات المتحدة والسعودية» والنظام الرسمي 
العربي» أن "جيش الشاه" انتهى» وأن فرصة القضاء على الثورة حانت» لكنهم 
نسوا أنهم» ومعهم جيش صدامء سيواجهون أكثر من ثمانين مليون مسلح 
بالإيمان وحب الموت والاستشهاد. 


حين تناقلت وكالات الأنباء خبر هجوم صدام حسين على الحدود 
الإيرانية في 22 أيلول/ سبتمبر 1980» سافرت على عجل إلى العراق للاجتماع 
بالرئيس العراقى. وحينما وصلت بغداد اجتمعت به على الفور؛ وجدته يرتدي 
ملابسه العسكرية وقد تلبّسه الغرور. 


أراد أن يصطحبني إلى غرفة العمليات للاطلاع على الموقف. فقلت 
له: "يا أخ صدامء دعنا نتحدث في السياسة. أنت لست عسكريًا وأنا لست 
عسكريًا". كانت القوات العراقية قد احتلت شريطًا على الحدود بعمق يراوح 
بين ثلاثة وخمسة كيلومترات. ثم أضفت ضاحكًا: "يا أخ صدام, إذا كنت تعتقد 
أنك سوف تقضي على الثورة خلال أربعة أو خمسة أيام» فأنت مخطى, وإذا 
كنت تعتقد أن جيش الشاه قد دُمر وأنك تستطيع هزيمة إيران» فآنت مخطى. 
سوف تواجه أكثر من ثمانين مليون ثوريء يتسابقون إلى الموت". ثم قلت 


2/8 


له: "لو أرادت تشاد أن تتقدم نحو الحدود الليبية بهذا العمق» من ثلاثة إلى 
خمسة كيلومترات» يمكنها ذلك» ولكنها لن تتمكن من الاحتفاظ بالأرض أو 
المناطق التى تحتلها". لقد ضربت له هذا المثل لأقول له: "ليست العبرة فى 
نتائح الحرب خلال الأيام الأولى؛ وإنما العبرة في النتيجة النهائية. أرجوك 
انسحب فورًا وجتب العراق وإيران نتائح حرب مدمرة". ثم أضفت: "أنت 
الذي وقعت الاتفاقية مع شاه إيران للتنازل عن شط العرب للشاه» عدو العراق 
والعرب والإسلام» الشّاه الذي اعترف بالعدو الصهيوني وكان يزوده بالتفط" 
ثم أضفت: "هذه مؤامرة أميركية - سعودية لتدمير العراق وإيران. أنت تنفذ 
هذا المخطط الأميركي - السعودي - الرجعي سواء أكان ذلك بعلم منك أم 
لا". رفض صدام حسين بشدة كل ما قلته له وقال: "واجبكم واجب العرب أن 
تقفوا مع العراق"» فقلت: "نحن حلمنا وبشّرنا بهذه الثورة وعادينا شاه إيران» 
ولا يمكن لنا أن نقف معكء. بل نحمّلك المسؤولية عمّا سيجري". 


بعد انتهاء زيارتى لبغداد عدت إلى ليبيا. حاولنا بكل الوسائل الاتصال 
بالأنظمة العربية من أجل الضغط على صدام حسين لوقف الحربء ولكننا 
وجدنا أن معظم الدول العربية كانت تؤيده. لقد تبنيت شخصيًا قضية الوقوف 
مع إيران سياسيًا وعسكريًا بكل قوة. لقد زودناهم بالأسلحة» كما قمنا بشراء 
السلاح لصالحهم. وحولنا الحرب من "حرب عربية - فارسية" كما أرادت لها 
الولايات المتحدة والغرب إلى "حرب ثورية". وهذا ما اعترفت به واشنطن 
حين قالت: "إن الموقف الليبي حول الحرب من حرب فارسية - عربية إلى 
حرب ثورية". وهكذا أفسدنا استراتيجية الحرب. من بين أخطر القرارات 
التي واجهتنا في ليبيا قرار تزويد إيران بصواريخ "سكود". وأعترف بأنني كنت 
متحمسًا ومؤمئًا بضرورة تزويد إيران بهذا النوع من الصواريخ. كان الأخ معمّر 
متردّدًا ويقول: "كيف نضرب بغداد بصواريخ ليبية؟ كيف نضرب عاصمة عربية 
وماذا سيقول عنًا التاريخ". ولكنني كنت مقتنعًا بتزويد إيران بالصواريخ مع 
منصات إطلاق وأطقم تشغيل. لاا شك في أن الموقف من "المنظور القومي" 
كان صعبًّاء ولكنه من "منظور ثوري" سيبدو قرارًا مفهومًا ومبررًا. لقد اتخذنا 
هذا القرار بإيمان عميق: أولاء لأسباب ثورية» لأننا كنا نرى في هذه الثورة 


2/9 


السند الحقيقى للأمة العربية وفلسطين» فهى تجسيد ل "صحوة إسلامية"؟؛ ثانيّاء 
لأنني كنت أؤمن بأنه إذا ما قُضي على الثورة في إيران» فسوف يكون الدور قد 
حل على ثورة الفاتح. 

بهذا المعنى» كان موقفنا "دفاعًا عن النفس"؛ لأن صدام كان حاقدًا على 
ثورة الفاتح» وكان يعتبرها خصمًا قويّا له خصوصًا بعد وفاة عبد الناصر ونهاية 
ثورة يوليو. كانت ثورة الفاتح هي وريث ثورة يوليو المصرية» وكان صدام 
متآمرًا على ثورتناء وتعاون مع الأميركيين والنميري ضدنا. لقد قام النميري 
وصدامء. بدعم ماكان يسمى "المعارضة الليبية"» فأقام النميري معسكرات 
لتدريب العناصر المتآمرة في السودان» وقام صدام بتسليحها وتمويلها. وأتذكر 
أن صدام استأجر سفينة لمحاولة القيام بعملية إنزال على الشواطئ الليبية» في 
منتصف الثمانينيات» ولكنها كانت محاولة عبثية من صنع الخيال واليأس. كما 
قام صدام بدعم العميل هبري بالسلاح والمال ضد الثورة في ليبيا. لقد تبنيت 
من منطلق ثوري قرار الوقوف مع الثورة الإسلامية في إيران» سياسيًا وعسكرياء 
وكثيرًا ماكان الأخ معمّر يبدو لي مُتردّدًا حيال هذا الموقف. ولكنني كنت 
أدافع بقوة. أحيانًا كان يرفض مقابلة الوفود الإيرانية» لكنني نجحت في مرات 
كثيرة في إقناعه بمقابلتهم وألَا يظهر أي تردّد أو تراجع عن موقفنا هذا. لقد 
كنت أقف بصلابة وبروح ثورية جذرية مع الثورة الإسلامية في إيران» وكنت 
خلف كل القرارات التي ساندت الثورة. أدَى هذا الموقف الصلب إلى تعاظم 
تقدير القيادة الثورية والجماهير الإسلامية الإيرانية لثورة الفاتح وقيادتها 
وللشعب الليبي. كان الإخوة في إيران» بدءًا من طالقاني ومنتظري وعلي 
خامنئي وهاشمي رفسنجانيء وكل القيادات الثورية» يقولون لي: "لن ننسى هذا 
الموقف الثوري» وسوف نعلمه لشعبنا جيلا إثر جيل» وسوف نردٌ هذا الجميل 
وهذا الموقف الثوري". 

كان الإمام الخميني يكنّ تقديرًا واحترامًا كبيرين لثورة الفاتح» وتجلّى هذا 
خلال استقباله لي نحو أربع مرات متتالية. كان جوهر هذه اللقاءات يدور حول 
التنسيق بين الثورتين الليبية والإيرانية وتصعيد الصحوة الإسلامية» وكان خلال 


2020 


كل زيارة يعطيني كل الوقتء والجميع يعلم أن الخميني لم يكن يقابل الوفود 
الرسمية إلا مدة قصيرة. لكنه كان يلتقى الوفود الشعبية أو القيادات الإسلامية» 
حتى إنه وجه رسالة موقعة منه شخصيًا إلى الأخ معمّر للتعبير عن احترام الثورة 
الإسلامية الإيرانية لثورة الفاتح. وقد قامت وفود إيرانية كثيرة سياسية وعسكرية 
بزيارات منتظمة لليبياء كان على رأس هذه الوفود السيد علي خامنئي حينما كان 
رئيسًا للجمهورية» وهاشمي رفسنجاني حينما كان رئيسًا لمجلس الشورى. 
والدكتور علي أكبر ولايتي”2 حينما كان وزيرًا للخارجية» وعديد الوفود 
الثورية من أعضاء مجلس الشورى. 

فى أواخر الثمانينيات» عيّن كامل المقهور أميئًا للاتصال الخارجي. وكان 
اسمه يذاع في الإذاعة المرئية الليبية» فاعترض الطاغية [معمّر] على "اللقب" 
وقال وهو مسكون بالدجل والتزييف: "لا يوجد في الجماهيرية 'مقهور' 
من الآن فصاعدًا يذاع اسمه 'كامل المنصور". كان كامل غير راض عن هذا 
الإجراء التعسفي. وحدث. خلال إحدى زيارات الدكتور ولايتي» وزير خارجية 
الجهمورية الإسلامية الإيرانية» أن أبلغته المراسم أن اسم وزير الاتصال هو "كامل 
المنصور". ولما التقاه ولايتي» كان يخاطبه باسمه ولقبه (كامل المنصور). فكان 
كامل المقهور يضطر في كل مرة إلى كتابة ورقة يمررها لولايتي وفيها يقول: "أنا 
اسمى كامل المقهور". فقال ولايتى: "السيد كامل يقول إن اسمه كامل المقهور 
وليس المنصور"؛ والمفارقة أن اللقاء أذيع في نشرات الأخبار. 


أوغندا: العلاقة مع عبد أمى:٠‏ 
و مع عيدي أمين 


بعد قيام الجنرال عيدي أمين*" بانقلابه في أوغنداء زار الكيان الصهيوني 
ثم سافر إلى أوروباء ومن هناك اتصل بالأخ معمّرء وطلب زيارة ليبيا. وبعد 
هذا الاتصال» اتصل بي الأخ معمّر وقال لي: "لقد اتصل الأخ عيدي أمين 
بى ويريد الحضور إلى طرابلسء ليتحدث معنا. ما رأيك؟". فرفضت وعللت 


(57) وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية (19927-1981). 
(58) عيدي أمين (2003-1925): رئيس أوغندا الثالث (1979-19271). 


281 


ذلك بأنه فاشي ودكتاتور سيئ السمعة. ولكن في النهاية اتفقنا على حضوره 
لسببين: أولهما أن العلاقة معه سوف تمكننا من الوقوف مع الأقلية المسلمة 
في أوغندا (حوالى أربعة ملايين مسلم)؛ وثانيهما أن الصهاينة يريدون السيطرة 
على منابع نهر النيل» لتهديد الأمن المصري والأمن القومي العربي. وبالفعل» 
حضر أمين إلى طرابلسء وتبنينا نظامه كليّاء وأسّسنا معه علاقة استراتيجية 
للحفاظ على نظامه. أرسلنا قوة عسكرية بقيادة الرائد أحمد قذاف الدم. في 
هذا الوقت كان الرئيس المخلوع قد فرٌ إلى تنزانيا وزامبياء وكان صديقا لنيريري 
وكاوندا. تبنى نيريري وكاوندا المعارضة بقيادة الرئيس المخلوع ومساعده 
يوري موسوفيني”””» وتم تشكيل جيش من المعارضة» بل إن الجيش كان 
مدعومًا بقوات من تنزانيا وزامبيا. شن هذا الجيش هجومًا كاسحًا على أوغندا. 
وبعد مدة قصيرة من المقاومة» انهارت قوات عيدي أمين وانفرطت» وبدأت 
تتخلّى عنه؛ إِمّا بالانضمام إلى قوات المعارضة. وإِمّا بالبقاء في البيوت. فاتصل 
بي الرائد أحمد قذاف الدم ونقل لي خطورة الموقف. فاتصلت بعيدي أمين 
وفهمت منه أنه لم يعد لديه قوة عسكرية» وقال لي حرقيًا: "سأقوم بتجميع كتيبة 
وسأبداً المقاومة". وطبعًاء لم آخذ هذا الكلام على محمل الجدء ثم اتصلت 
بالرائد أحمد قذاف الدم. وكان موقف قواتنا خطيرًا جدَا؛ِ لأن قوات المعارضة 
بدأت تقترب من العاصمة. أصدرت الأمر للرائد أحمد قذاف الدم, بأن يقوم 
بتأمين المطار» ويبدأ فورًا بسحب قواتنا إليه» وأرسلت طائرات النقل "سي 
0" إلى أوغندا ونجحنا في سحب قواتنا في أكبر عملية انسحاب استراتيجي 
وفي وقت قياسي عبر آلاف الأميال. في هذا الوقت. أصبح الشاب موسوفيني 
نائبًا لرئيس الجمهورية ووزيرًا للدفاع» ولكنه سرعان ما اختلف مع الرئيس» 
وقرر ترك منصبه والذهاب إلى الغابات والأدغال» ومن هناك بدأ المقاومة 
ضد الرئيس. اتصل بنا وطلب منا الدعم والوقوف معه. فوافقناء وقد كلف 
المقدم عبد الله الحجازي بالإشراف على العملية وقيادتهاء وكنا نقوم بإسقاط 
الأسلحة والذخائر بالمظلات» وأحيانًا نقوم بهذا ليلّا تحت أضواء السيارات. 


ع . ع 
(59) يوري موسوفيني (1944-): رئيس أوغندا منذ 29 كانون الثاني/ يناير 1986. أعلن في 
6 كانون الثانى/ يناير 2021 عن إعادة انتخابه (فترة رئاسية سادسة). 


2ظ20 


كانت العملية صعبة ومعقدة لانعدام وجود أي مهابط أو مطارات في الغابات 
والأدغال» ولكن بتوفيق من الله تمكنًا من تنفيذ المهمة. وهكذا نجح موسوفيني 
في فترة قصيرة نسبيًا في السيطرة على السلطة» وتولى قيادة أوغنداء وأصبح 
نظامه صديمًا لنا وحتى كتابة هذه المذكرات لا يزال رئيسًا لبلاده. 


العلاقة مع إثيوبيا 


في عام 1974 زرت إثيوبيا. كانت هذه زيارتي الأولى. كانت زيارة ممتعة 
وغزيرة الحوارات حول مختلف القضايا. وجدت الرئيس منغيستو هيلا مريام 
إنسانًا مثقمًا ثقافة متميزة» وهو ماركسيى - لينينى عقائديء. ولا أعتقد أن هناك. 
من بين الزعماء في العالم الثالث؛ من يتميز بثقافة عميقة مثل كاسترو ومنغيستو. 
لقد كنت أؤمن بأن أفريقيا "قارة إسلامية" باستثناء "جدار مسيحى". وبعض 
الجزر المسيحية فى شرق أفريقياء ولأن أكثر من 65 فى المئة من سكان إثيوبيا 
هم من المسلمين» وكانوا في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي”" مسحوقين 
ومُهمشين. كان نظام الإمبراطور يمارس ضدهم سياسة "تفرقة دينية" قاسية» 
وقد جرى إهمال أوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية» ومن حسن 
الحظ أن معظم القيادات المسيحية عارضت نظام منغيستو. قال لي منغيستو إن 
أول تظاهرة تأييد لنظامه نظمها المسلمون: "لقد تظاهر زهاء نصف مليون مسلم 
تأييدًا للثورة". ارتبطت المسيحية في ذهن منغيستو بالعمالة للغرب وبالإقطاع 
والتخلف. وأكثر ما اهتممت بالتركيز عليه» في زيارتي الأولى لإثيوبياء هو أن 
أقنع منغيستو بأن يثق بالمسلمين» وأن يجد المسلمون في عهده فرصتهم لينالوا 
حقوقهم التي حُرموا منها خلال عهد هيلا سيلاسي» وأن ينهض المسلمون 
بإئيوبيا. شجعت منغيستو على الاهتمام بهذا الأمره وشرحت له أن الإسلام 
"دين تقدمى" وهو "دين الفقراء" والعدالة والمساواة والاشتراكية» وأنه "دين 
الحرية". بعد حوار معمق ومطوّلء قال لي منغيستو: "إن إسلام ليبيا يختلف عن 
إسلام حكام السعودية» لأنه إسلام أميركا". فقلت له: "نعم. إن إسلام ليبيا هو 


(60) آخر أباطرة إثيوبيا (1924-1930). 


إسلام الله" فقال: "أنا أقبل هذا الإسلام لمسلمي إثيوبيا"» فقلت: "نريد أن نبني 
جوامع ومدارس لتدريس وحفظ القرآن» كما نرغب في إرسال دعاة ووعاظ. 
وسوف نحث المسلمين وقياداتهم على تأييد الثورة"» فوافق على ذلك. كانت 
الزيارة الأولى محاولة استكشاف الثورة الإثيوبية عن قرب. ومعرفة نقاط اللقاء. 
والتعرّف على تفكير منغيستو وفلسفته. لقد كنا سعداء بانتصار الثورة التي بشرنا 
بها وحرّضنا عليها في وقتٍ كان فيه العالم يجمع على أن هيلا سيلاسي هو 
"قدر" الشعب الإثيوبيء بينما كنا نرى فيه "صنمًا". 


ودخلنا معه فى مواجهات عذّة»ء وقاومنا هيمنته على منظمة الوحدة 
الأفريقية» كما سخرنا من "طقوسه" التي كان يقوم بها للتأثير في القيادات 
الأفريقية وفي الرأي العام الأفريقي» حتى إِنْ وفودنا كانت تسخر من هذه 
الطقوس خلال مؤتمرات الوحدة الأفريقية. وسعينا للاتصال بقوى المعارضة 
التى كانت ضعيفة. وأذكر أننا كتبنا مقالّا فى صحيفة الفجر الجديد بعنوان 
"أبرهة الحبشة في القاهرة"؛ هاجمنا فيه زيارة الإمبراطور هيلا سيلاسي للقاهرة» 
فانزعج جمال عبد الناصر وغضب منًا. قال لي منغيستو: "لدينا أشرطة فيديو 
عن الدعارة التي كان القساوسة يقومون بها في الكنائس". 

في هذه الزيارة» توطدت صداقة شخصية ونضالية بيني وبين منغيستو. 
وقد عدت إلى طرابلس بانطباع مفاده أن هناك إمكانية كبيرة لإقامة "تحالف 
ثوري" مع إثيوبيا. اشتركت أنا ومنغيستو في نقد القيادة السوفياتية» لأنها 
تخلت عن مبادئ الثورة الاشتراكية» وباتت سياسة الكرملين "سياسة مهادنة" 
أكثر منها سياسة "عقائدية"» ورأينا فى هذا الأمر "خيانة للثورة العالمية» وأن 
الاتحاد السوفياتي بدأ يهمل البؤر الثورية في العالم الثالث» وغدت امتداداته 
الثورية مهملة". كما اتفقت مع منغيستو على أن تتصل ليبيا وإثيوبيا بكاسترو 
وبعض القيادات في أوروبا الشرقية» لكي نتحدث جميعًا بلغة واحدة مع القيادة 
السوفياتية حول ما نراه سياسة مهادنة للغرب أو "خيانة للثورة". 

وجدت منغيستو متألمًا مثلنا من سياسة موسكو. وهكذاء كانت هذه 
الزيارة أرضية ثورية مشتركة بين البلدين» كما أرست ثقة شخصية متميزة 


2054 


بيني وبينه» وأصبحنا صديقين بالفعل. قال لي منغيستو: "إذا كان الإسلام 
مثل ما شرحت ليء فأنا لا أخاف منه وليس لدي مانع من الاتصال بالمسلمين 
ودعمهم ومساعدتهم". لقد خرجت بانطباع أن منغيستو من الثوريين القلائل 
الذين يتعلمون بسرعة. لكن علاقاتنا بإثيوبيا تأثرت سلبًا خلال الحرب بين 
إثيوبيا والصومال على إقليم أوغادين. كانت نظرتنا قومية» ولذا وقفنا مع 
الصومال لاستعادة أوغادين» كما تأثرت سلبًا علاقاتنا مع كوبا؛ نظرًا إلى 
موقف كوبا من الصراع وإرسالها قوات للقتال إلى جانب إثيوبيا. في الواقع» 
نظرنا إلى الثورة الكوبية على أنها "ثورة جذرية" وانفجار ثوري في أميركا 
الجنوبية» الحديقة الخلفية للولايات المتحدة. غضبنا من موقف كاسترو من 
مسألة أوغادين. ومع ذلك سرعان ماعادت علاقاتنا مع إثيوبيا إلى طبيعتها؛ 
لعدم ثقتنا بنظام محمد سياد بري”" في الصومال. لكنني لا أنكر أن قرار بري 
الاعتراف بعروبة الصومال قد دغدغ عواطفنا القومية. لقد ضغطنا عليه ليعلن 
اللغة العربية لغة رسمية» ولكنه فصل "تبني اللغة العربية بالحروف اللاتينية". 
كان الهدف من إقرار بري بعروبة الصومال دفع العرب إلى الوقوف معه ضد 
إثيوبياء ومن أجل البترودولار أيضًا. كان بري رجلا قبليًا متقلب الأطوارء مثله 
مثل النميري. كان يغيّر جلده ولونه كلما اقتضت الحاجة. 


جاءت زيارتى الثانية لإثيوبيا (تموز/ يوليو 1976) فى أعقاب المحاولات 
الفاشلة التي قمنا بها مع حزب الأمة السوداني» والحزب الاتحادي السوداني 
بقيادة الشريف الهندي. لإسقاط نظام النميري. سافرت إلى إثيوبيا وعقدت 
اجتماعًا مطولًا مع منغيستو» وعرضت عليه "إقامة تحالف ثوري تقدمي" بين 
ليبيا وإثيوبيا واليمن الجنوبي» يستهدف إسقاط نظامي النميري وسياد بري» 
وكذلك إسقاط السادات. وأعترف أن منغيستو رفض هذه الدعوات» وبدا في 
أحيان كثيرة مُتردّدَاء ليس لعدم إيمانه بهذا التحالف. بل لأنه - بوصفه إنسانًا 
جادًا وصادقًا ويعرف المسؤولية وأبعاد هذا التحالف وخطورته - كان يخشى 


(10) محمد سياد بري (1995-1919): الرئيس الثالث لجمهورية الصومال الديمقراطية (1969- 
0). 


أن يكون وراء هذا التحالف "هدف تكتيكى" محدود. ونظرًا إلى إلحاحى 
الشديد وثقة منغيستو بي» فقد قال لي: "جلود. هل أنتم في القيادة متفقون على 
هذا؟ هل أنتم جادّون؟ وهل تدركون أبعاد هذا العمل وخطورته؟", فكان ردّي 
جازمًا وصادقًا. قلت: "نعم"» فوافق على الفور. اتفقت مع منغيستوء على أنه إذا 
مانجح هذا التحالفء فهذا يعني أن "جبهة تقدمية" ستقوم من البحر الأحمر 
حتى الأبيض المتوسطء ثم اتفقنا على ما يلي: 

- تقديم مساعدة اقتصادية من ليبيا لإثيوبيا والاستثمار فيها. 


- إقامة جيش قوامه مليون جنديء معظم أفراده من الإثيوبيين نظرًا إلى 
حجم سكان إثيوبيا. 

- تقدّم ليبيا قرضًا بفائدة 2 في المئة ومقداره 175 مليون دولارء لبناء 

- تساهم ليبيا بكمية أكبر من السلاح لتسليح الجيش» وخاصة الدبابات 
والمدفعية والعربات المدرّعة. 

- إعطاء الأولوية لإسقاط نظام النميري» وتوحيد المعارضة السودانية في 
الشمال والجنوب. 

ثم عقدنا اجتماعًا ثلائيًا؛ أناء ومنغيستو» وقرنق» واتفقنا على ما يلي: 

- عروبة السودان» وإيمان العقيد قرنق بالوحدة السودانية؛ لأننا - بوصفنا 
قوميين - كنا نخاف من انفصال الجنوب. 

- توحيد المعارضة فى السودانء» شمالًا وجنوبًا. 

- أكد العقيد قرنق أنه لا يسعى لحكم السودانء وأنه لا يستطيع إسقاط 
نظام النميري» ولكنه يمكنه أن يقوم "باستنزافه" تمهيدًا للإجهاز عليه من 
جانب قوى الشمال حتى إسقاطه والسيطرة على الخرطوم. ونظرًا إلى حساسية 
الموضوع وأهميته» طلبت تسجيل هذا المحضر بشريط مسجلء للتأكد من 
تعهدات العقيد قرنق. 


سافر قرنق بعد هذا اللقاء إلى جنوب السودان» وبعد يوم واحد ذهبت أنا 
ومنغيستو بطائرتين يمكنهما أن تهبطا على أرض ممهدة. وكان الهدف من ذلك 
زيارة قوات قرنق في الجنوب. زرنا ثلاثة معسكرات لقواته. كان يتمركز فيها 
نحو ثمانية عشر ألف مقاتل. استقبلنا المقاتلون بالهتاف والأهازيج» وأنشدوا 
نشيد "قذافي أعطانا السلاح» وجئنا للغابة عشان نتدرب على السلاح ونسقط 
النميري". ألقيت أنا ومنغيستو خطابين ثوريين في المقاتلين» وقد استخدم 
منغيستو مترجمًا؛ أما أنا فكنت أتكلم العربية مباشرة من دون مترجمء وكان 
المقاتلون يفهمون ما أقول. لأنهم كانوا يتكلمون العربية إلى الحدّ الذي كانوا 
فيه يفهمون بالضبط ما أقول. فقال لي منغيستو ضاحكًا ومازحًا: "كيف يا جلود 
أنت تتكلم العربية ويفهمك المقاتلون» بينما لايفهمون كلامي إلا بواسطة 
مترجم؟". فقلت له: "هذا أمر طبيعي. السودان بلد عربي وهؤلاء عرب". كنت 
أنا ومنغيستو على توافق تام: بتحالفنا ودعمنا اللامحدود لإسقاط نظام النميري. 
اتفقنا على أن يحضر قرنق على رأس وفد إلى ليبيا لاستكمال المحادثات» 
وتقدير الاحتياجات العسكرية والمالية. تعهدت بتقديم الدعم العسكري 
والمالي الكامل في أسرع وقتء كما اتفقنا على تأسيس غرفة عمليات من 
إثيوبيا وليبيا وحركة قرنق لإدارة المعركة. ونظرًا إلى وضع إثيوبيا الاقتصادي 
الضعيف. تقرّر أن يكون الدعم العسكري والمالي من ليبياء بينما يكون على 
إثيوبيا تقديم الدعم على المستوى اللوجستي والتدريبء كما اتفقنا على عقد 
اجتماع يجمع إثيوبيا وليبيا وحركة قرنق وأحزاب الشمال. كنا نقدّم مساعدات 
عسكرية ومالية لحركة قرنق قبل هذا الاتفاق» ولكن هذا الاتفاق نصّ على 
التزام ليبيا بتقديم دعم أكبر وغير محدود. وبحسب ما يحتاج إليه تطور المعركة. 

عدت إلى ليبيا وعرضت على الأخ معمّر الاتفاق مع قرنق» ولكنه كان 
مُتَخوّفا من نياته الحقيقية» انطلاقا من حرصنا على عروبة السودان ووحدته. ثم 
وافقني - بعد إلحاح مني وتأكيدي على ثقتي بقرنق - أن أيّ تخوف سيخدم 
النميري؛ فوافق وقلت له: "أنا أتحمل أي مسؤولية قومية"» وبالفعل» تحملت 
مسؤولية هذا القرار. 


بعد أيام» وصل قرنق على رأس وفد يضم أبرز مساعديه» ووقعنا على 
الاتفاق النهائي. ثم ذهبت بعد ذلك إلى إثيوبيا. اقترحت على منغيستو 
تجسيد هذا التحالف بين ليبيا وإثيوبيا واليمن الجنوبى فى "معاهدة تحالف". 
ولهذا الغرض أجرينا محادثات في منتجع سدري الذي يبعد عن أديس أبابا 
نحو 100 كيلومتر. لم يوافق منغيستو بسهولة على مقترح المعاهدة» ليس 
لأنه ضد هذا التحالف؛ بل لأنه جادء يخشى ألا تكون هناك جدية فى تحقيق 
هذا التحالف. وأنه قد يستفز الأعداء. من دون أن ننجح في تجسيده على 
نحو جادّ وفاعل. لقد بذلت جهدًا غير عادي وأمضيت ساعات وساعات في 
إقناع منغيستوء وكان يكرّر عليّ الأسئلة نفسها: "هل أنتم في ليبيا جادون؟ 
هل تعرفون وتقدّرون خطورة وأهمية هذه المعاهدة» وأنها عمل استراتيجي 
وليس تكتيكيًا أو دعائيّاه وأن العدو سيتصرف على أساس أن هذا العمل عمل 
خطير وجدّي؟ وإذا لم نجسّده حقيقة» نكون قد استثرنا العدو وهو سينظّم 
نفسه على هذا الأساسء. وهذا يجب ألا يحدث". فأكدت له جديتنا والتزامنا 
الكامل» ثم وضعنا أسس المعاهدة وإطارها العام. بعد ذلك» انضمٌ إلينا 
الرئيس اليمني الجنوبي علي ناصر محمدء وكلفنا خبراء وقانونيين من البلدان 
الثلاثة بصياغة المعاهدة» ثم عقدنا اجتماعًا للتصديق على الصيغة النهائية» 
وبالفعل» تمّت الموافقة على النصّ النهائي. غادرت منتجع سدري رفقة علي 
ناصر محمدء على متن طائرتي الخاصة واتجهنا إلى عدن حيث أمضيت 
يومًا واحدًا. بعد وصولي إلى عدنء طلبت لقاء علي سالم البيض !62 عضو 
المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني» فقيل لي إنه "معاقب حزبيًا لأنه 
تزوج بامرأة ثانية من دون موافقة الحزب"» فألححت على حضوره؛ وكان قد 
مضى وقت طويل من دون أن نلتقي منذ أن كان وزيرًا للخارجية حينما زار 
ليبيا في الأيام الأولى للثورة. 


(62) علي سالم البيض (1939-): كان الأمين العام للحزب الاشتراكي الحاكم (1990-1986), 
وهو الذي وقع على اتفاق الوحدة مع رئيس الجمهورية العربية اليمنية علي عبد الله صالح لتأسيس 
الجمهورية اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990» وقد رفعا معًا علم الوحدة في عاصمة الجنوب - جمهورية 
اليمن الديمقراطية الشعبية - عدن. 


ثم عدت إلى ليبياء حيث وافقنا على المعاهدة. بعد ذلك» سافر الأخ معمّر 
إلى عدن للتوقيع. عند وصوله إلى عدن. حصل اشتباك جوي فوق خليج سرت 
بين الطائرات الأميركية والطائرات الليبية. أسقطت الطائرات الأميركية طائرتين 
ليبيتين» لكننا تمكنا من إنقاذ الطيارين”. ثم حدثت مواجهة بحرية تمكنت 
فيها البحرية الليبية من محاصرة طراد أميركى. انتهت المواجهة عند هذا الحد. 
اتصل الأخ معمّر بي مستفسرًا وسألني: "ما رأيك هل أعود إلى طرابلس؟". 
فطمأنته على الوضع وقلت له: "لا داعي للقلق. كل شيء على ما يرام" 
واقترحت عليه أن يستمر في زيارته. بعد توقيع المعاهدة, قام الأخ معمّر بزيارة 
إثيوبياء وهي أول زيارة له لهذا البلد. وألقى خطابًا جماهيريًا تجاوز فيه عدد 
الحاضرين مليوئًا ونصف مليون شخصء وقد جسدت هذه الزيارة عمق هذا 
التحالف. 


(63) قصفت الولايات المتحدة الأميركية ليبيا فى 15 نيسان/ أبريل 1986» فى عملية سميت "عملية 
إلدورادو" («ملامة© ولهء,ه اع دو)هعم0)» عبر عمليات جوية مشتركة بين القوات الجوية والبحرية 
وقوات المارينز الأميركية. 


الفصل السابع 
الحرب في تشاد 


في البداية» أريد أن أؤكد أن الشعب الليبي وقف. حتى في أيام الملكية» 
مع الأغلبية المسلمة في تشاد» ضد فرنسا والأقلية المسيحية؛ إذ كان لجبهة 
فرولينا'») مكتب فى طرابلسء. وكان سلطان التبو© يتخذ من ليبيا مقرًا له 
وكان يقيم في مدينة الزاوية. قبل عام 9 أي قبل الثورة» كان النظام 
الملكي يدعم فرولينا. صحيح أن الدعم كان متواضعًاء ولكن هذه حقيقة. 
بعد الثورة أصبحنا ندعم فرولينا بقيادة حسين هبري وكوكوني عويديء وكان 
الاثنان يقيمان فى ليبيا. 


وحين كان الرائد محمد نجم وزيرًا للخارجية» اصطدم خلال أحد 
إلى تيبستي 107. في وقتٍ لاحق. اختلف هبري مع كوكونيء, لما جرى اعتقال 
سائحة فرنسية في تيبستي. طلبت الحكومة الفرنسية منّا استخدام نفوذنا لدى 


(1) جبهة التحرير الوطنى فى تشاد (فرولينا) (280111247): نشأت نتيجة للاتحاد السياسى بين 
الاتحاد الوطني التشادي اليساري بقيادة إبراهيم أباتشاء والاتحاد العام لأبناء تشاد عاهرغم6© د«ومثررنا) 
(087لا ,100 دال اذ 065 بقيادة أحمد حسن موسىء فى مؤتمر نيالاء فى السودان فى الفترة 22-19 
حزيران/ يونيو 1966. كان موسى إسلاميًا مقربًا من جماعة الإخوان المسلمين. وتمت الموافقة على 
علّم المجموعة في المؤتمر نفسه. وقد عيّن أباتشا أميئًا عامّاء كما تم اختيار لجنة في المؤتمر مؤلفة 
من ثلائين عضوًا بالتساوي من الاتحاد الوطني للعمال وفرولينا تم تشكيل الجبهة حصريًا من 
المسلمين الشماليين. 

(2) قبيلة التبو: مجموعة قبائل وعشائر بدوية ذات هوية زنجية عربية مختلطة. تسكن الصحراء 
الكبرى؛ خاصة منطقة جبال تيبستيء وتمتهن تنمية المواشي. وتتألف من قبيلتين أساسيتين هما "التذا" 
و"الدازا". ولكلتيهما لغة خاصة مع تجانس كبير بين اللغتين في مخارج الحروف والمعاني. تقطن في 
شمال تشاد وجنوب ليبيا والنيجر. 

(3) جبال تيبستى: هى مجموعة من البراكين الخامدة» وقد شكلت سلسلة جبلية فى وسط الصحراء 
الأفريقية الكبرى في شمال تشاد وأقصى جنوب ليبيا. 1 


3ظ2 


فرولينا لإطلاق سراحهاء فضغطنا على كوكوني وهبري. في هذا الوقت» 
بدأنا بتأييد كوكوني ودعمه ضد هبري. تمكن مقاتلو كوكوني من إطلاق سراح 
السائحة الفرنسية وأحضرها كوكوني بنفسه إلى طرابلس» حيث قمنا بتسليمها 
إلى السفارة الفرنسية. وفي هذا الوقت أيضًاء ترك هبري منطقة تيبستي هو 
وأنصاره واتجه صوب المناطق الجبلية على حدود السودان. كان الهدف من 
وقوفنا مع فرولينا هو تمكين الأغلبية المسلمة في تشاد من الحكم؛ فقد كانت 
فرنسا تدعم حكم "الأقلية المسيحية". كان هناك حوالى مليون ونصف المليون 
من المسيحيين يحكمون 8 ملايين مسلم. 

خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضىيء كان فرانسوا تولمباي”*) 
يحكم تشاد. بدأ نظام تولمباي يضعفء فسعى إلى كسب ودنا وإقناعنا بالضغط 
على فرولينا للاتفاق معها على تسوية» لكننا رفضنا ذلك تمامًا. لكن مع تفجر 
الخلاف بين هبري وكوكوني, ثم انحيازنا إلى كوكوني. بدا من الواضح أننا 
انحرفنا عن الهدف الرئيسء وهو تمكين المسلمين من إسقاط حكم الأقلية 
والوصول إلى الحكم. 

في 7 حزيران/ يونيو 1982» قام هبري بانقلاب عسكري على الرئيس 
كوكوني عويديء وأصبح هو الرئيس وزعيم القوات المسلحة في الشمال. 
وهكذا بدأ الصراع الإسلامي - الإسلامي» وانقسمت فرولينا إلى جناحين» 
جناح هبري وجناح كوكوني» ونشأت تحالفات قبلية جديدة؛ فقد سيطر هبري 
على إنجامينا'“ والجنوب والشرقء» بينما سيطر كوكوني» بمساعدتناء على 


4( فرانسوا تولمباي (1975-1918): ولد فى جنوب تشات وهو مسيحى ينتمى إلى قبيلة ساراء 
كان معلمًا وناشطًا في اتحاد عمالي, ويُعتبر أول رئيس لتشاد. بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960. وقد 
أصدر تولمباي بعد عامين من حكمه قرارًا يحظر فيه أحزاب المعارضة من العمل السياسي» وأسس 
عوضًا عن ذلك حزبًا واحدًا حكم به البلاد» الأمر الذي أدى إلى احتقان سياسي وصل عام 1965 إلى 
حد الحرب الأهلية» وكان مسلمو تشاد عنصرًا رئيسًا فيها لما رأوه تميرًا وغبنًا لُحق بهم. وأسفرت هذه 
الاضطرابات عن انهيار نظام حكم تولمباي ثم قتله في عام 1975» ودخلت البلاد في دوامة من العنف. 
(5) إنجامينا أو الْجَوِينا عاصمة تشاد. وهي كلمة من أصل عربي مأخوذة من الاستجمام بمعنى 
استرحنا (انجمينا)» وقد صحفت لأنها باللهجة الدارجة التشادية. 


24ظ2 


الشمال بما فيها عاصمة الشمال فايا. ثم تطور دعمنا وانتقل من تقديم السلاح 
والدعم السياسي والإعلامي والتدريب إلى التدخل المباشر حين أرسلنا إلى 
إنجامينا بطاريتي مدفعية عيار 122 مليمترًا بقيادة المقدم محمد الدعوكي. 
ثم جاء التدخل الليبي على نطاق واسعء بعد أن بدأ الموقف العسكري يسير 
لصالح هبري. طلب كوكوني المجيء إلى ليبياء فوافقنا على قدومه. وطلب 
منَا التدخل العسكري المباشر فوافقنا على ذلك. وهكذا تغيّر الهدف الأصلى 
من تدخلناء وهو دعم الجبهة مجتمعة» فأصبحنا نقف مع جناح من فرولينا 
بقياد كوكوني ضد جناح آخر بقيادة هبري. وحينما تمكن هبري» بدعم من 
فرنسا والسودان ومصر والعراق» من احتلال إنجامينا وشرق تشاد وجنوبهاء ثم 
أصبح رئيسًا لتشاد. قرّرنا أن نقف بقوة مع كوكوني. كان المسؤول عن ملف 
تشاد والعلاقة مع كوكوني هو العقيد مسعود عبد الحفيظ. وكان أميئًا في القيام 
بواجبه؛ إِذْ كان ينقل إلينا الصورة بأمانة تامّة» وينفذ التوجيهات بدقة عالية. كان 
هبري يحتل شرق تشاد وشمالها الشرقي حتى منطقة أم شعلوبة وكذلك فايا 
عاصمة الشمال. أما إنجاميناء فقد تمكن من احتلال جزء منها في حين كان 
كوكوني يحتل الجزء الآخر. وأما منطقة تيبستي من أوزو غربًا حتى أوجنقا 
شرقاء فظلت تحت سيطرة كوكوني. قررنا التدخل بقوة» وتوليت قيادة هذه 
العملية العسكرية» فقررت أن يتولى المقدم خليفة حفتر الحملة العسكرية. وفي 
الوقت نفسه. قررت إرسال قوات مشاة ومدفعية إلى إنجامينا لدعم صمود 
كوكوني» والحيلولة دون سقوط المطار في يد هبري. ثم قررت احتلال فايا 
لأنه من الصعب التقدم نحو شرق تشاد مالم تسقط فاياء ووضعت خطة 
لمهاجمتها من الشرق والغرب» حيث تتقدم من الغرب قوة مجحفلة» من 
مشاة ومدفعية ودبابات» بقيادة النقيب فرحات» ومن الشرق قوة أخرى بقيادة 
التقيب محمد العيساويء, وأن يتقدم المقدم حفتر نحو أم شعلوبة وفادا. لكن 
محاولة الهجوم فشلت؛ لأن قوات هبري في فايا علمت بالهجوم» ونفذت 
مجموعة من الكمائن ضد القوة المتقدمة من الغرب» فاتصل بي النقيب 
فرحات وسألنى: "ماذا أفعل؟”. فقلت له: "توقف وخذ موتمًا دفاعيًا". فى 
هذا الوقت» لم تتمكن القوات المتقدمة من الشرق من تحقيق أي نجاح؛ لأن 


5ظ2 


حفتر لم يضع قوة كافية تحت تصرف العيساويء وهكذا أمرت العيساوي بأن 


كان الاتفاق مع كوكوني يقتضي أن يشارك بجزء من قواته مع قوات 
المحور الشرقي» لكن قوات كوكوني هربت ولم تصمدء ووقعت خسائر 
طفيفة فى صفوف قوات محمد العيساوي. استلمت برقيتين» واحدة من النقيب 
العيساوي وأخرى من المقدم حفترء. تقولان إن القوات التي يقودها محمد 
الدقاش - وهو من قادة كوكوني - قد هربت. وإِنْ التشاديين يريدون أن يقاتلوا 
بآخر ليبي. اتصلت عبر جهاز اللاسلكي بالمقدم حفترء ووجهت إليه اللوم 
وقلت له: "كيف تندفع إلى أم شعلوبة وفاداء وتترك فايا في خاصرتك؟" ثم 
أمرته بأن يهاجم فايا من الجنوب لتحقيق المفاجأة» واستغلال مزايا الأرض 
المفتوحة» ولكن حفتر - للأسف - استخدم كل قواته في هذا الهجومء وترك 
أم شعلوبة من دون قواتء فاتصل بي الرائد سيّد قذاف الدم وكان يصرخ 
ويقول: "إن المقدم خليفة حفتر تركني في أم شعلوبة من دون قوات": وكان 
خائقًا من هجوم محتمل تشئّه قوات هبري. فاتصلت بحفتر وقلت له: "كيف 
تسمح لنفسك باستخدام كل القوات في الهجوم على فايا وتترك أم شعلوبة 
من دون قوات؟". وعلى الفور أرسلت كتيبة جنود وسريتين بواسطة طائرة نقل 
"سي 130". وبالفعل» وصل جزء من القوات ليلاء وكان علينا أن نستخدم 
أضواء السيارات لإضاءة مهبط المطار. 


قامت قواتنا مع قوات كوكوني بعدة محاولات هجومية على قوات هبري 
في القسم المحتل من إنجاميناء ولكن نظرًا إلى ضعف الروح القتالية لدى قوات 
كوكونيء والروح القتالية العالية لدى قوات هبري» ثم صمودهاء وحفاظها على 
مواقعها وقتالها المستميت» بل حتى قيامها بهجمات مضادة» إلى حدّ أن قواتنا 
في إنجامينا بدأت تشعر بأن قوات كوكوني تريد أن تقاتل بآخر جندي ليبي» 
وأنها ترغب في أن تحتفظ بقواتها سليمة» وكانت إرادة القتال عندها ضعيفة» 
ونظرًا إلى أن قواتنا لم تكن عندها خبرة في قتال الشوارع والمدن» كما لم تكن 
لديها خبرة حتى في الحروب التقليدية» ولأن الثقة بينها وبين القوات الحليفة 


216 


اهتزت». فقد فشلت كل المحاولات الهجومية على قوات هبري. بل إن هبري 
بدأ يحقق بعض النجاح في إنجاميناء وهكذا أصبح هناك خطر حقيقي على 
المطار الذي يمثل بالنسبة إلينا أهمية قصوى. على الفور» أرسلت العقيد أحمد 
محمود مدير هيئة العمليات في الجيش» ومعه العقيد عبد الكبير الشريف لتقييم 
الموقف على الأرضء سواء بالنسبة إلى قواتنا أو إلى القوات الحليفة. قرّرت 
بعدها تعيين العقيد عبد الكبير الشريف قائدًا لقواتنا في إنجاميناء كما قرّرت دعم 
قواتنا بقوات جديدة» وشن هجوم منسق وكاسح على قوات هبري في إنجامينا. 
كانت المشكلة التى واجهتنا هى المحافظة على المطار» وأن يظل تحت سيطرة 
قواتنا خلال مرحلة حشد القوات الجديدة. تسلّم العقيد عبد الكبير الشريف 
قيادة قواتنا في إنجاميناء وبدأت القوات تصل إلى العاصمة. اتصلت بالمقدم 
خليفة إحنيش وسألته عن الرائد عبد السلام سحبان الذي كان يقود "القوات 
الانتحارية"» وكانت هذه القوات تقوم برحلات بحرية في البحر الأحمر» عبر 
قناة السويس من أجل التدريب. قال إحنيش: "سوف يصل عبد السلام سحبان 
مع قواته ميناء طرابلس الساعة 12 ليلا”. فقلت له: "أبلغ عبد السلام أن يحضر 
عندي في غرفة العمليات الساعة 7 صباحًا". 


وبالفعل حضر عبد السلام. ونظرًا إلى جرأته وشجاعته» فقد قررت إرساله 
إلى إنجامينا. كانت المفاجأة غير المتوقعة - والتي لم يكن يعرفها أحد حتى 
القذافي نفسه - أنني قررت إرسال 60 دبابة إلى إنجامينا بكامل أطقمها جرى 
شحنها بواسطة حاملات دبابات؛ وكلفت المقدم المهدي العربي قيادة الرتل 
إلى إنجاميناء وطلبت منه الحرص على أن تصل الدبابات خلال خمسة أيا 
وأن يحرص على أن تكون حركته ليلّا ونهارًا وبلا توقف. وكانت طائرة عمودية 
تتابع الرتل من الجو. لكن رحلة هذا الرتل استغرقت أسبوعًا كاملًا. وحين 
أوصل المقدم المهدي العربي الرتل» عاد إلى طرابلس. في هذه الأثناء» أخبرني 
المقدم عبد الكبير أن المهدي العربي قال له: "مهمتي أن أوصل الرتل إلى 
إنجامينا فقط. أنا لست رجل حرب"؛ وكان صادقاء فهذه كانت مهمته. ما إن 
وصلت الدبابات» حتى انهار هبري. كانت مفاجأة كبرى» ليس لهبري فحسب» 
بل للعالم كله الذي كان يتابع لحظة إثر لحظة تطورات الحرب. ولذاء أخذت 


2037 


وسائل الإعلام تتساءل. وأخذ المحللون السياسيون والاستراتيجيون يتساءلون: 
كيف وصلت الدبابات إلى إنجامينا؟ وكيف أمكنها أن تقطع مسافة 4 آلاف 
كيلومتر من دون أن تُكتشف حركتها؟ في الخرطوم؛ كان جعفر النميري يرتجف 
هلعًا من المفاجأة» وفى مصرء شعر السادات بالقلق» وقال: "الدبابات التى 
قطعت هذه المسافة فى أعماق أفريقيا يمكن أن تصل القاهرة". لقد كانت هذه 
مفاجأة للقيادة في ليبياء فهي عملية عسكرية سوقية [استراتيجية]. بعد سقوط 
فاياء أصبح الطريق مفتوحًا نحو الشرق والجنوب الشرقي. 

في هذا الوقت قررت قيادة العمليات بقيادة المقدم أحمد المحمود. 
وكذلك قائد قوات المحور الشرقي المقدم خليفة حفتر, التقدم من فايا وأم 
شعلوبة فى اتجاه أبشة» لكننى رفضت هذه الخطة» وقلت لقادة العمليات وقائد 
المحور الشرقي حفتر: "إن التقدم من فادا وأم شعلوبة في اتجاه أبشة محفوف 
بالمخاطر وسوف يعرضنا لخسائر كبيرة» لأن المنطقة هي منطقة أحراش 
وأشجار». وسوف تتعرض قواتنا لكمائن من العدو. وطبيعة هذه الأرض تصلح 
لحرب عصابات» فضلا عن وجود سلسلة جبلية وعرة تطل على المنطقة من 
الشرقء يمكنها أن تشكل تهديدًا لقواتنا". ثم أضفت: "إنني أرى أن يتم الهجوم 
على منطقة آتية» حيث الأرض مفتوحة وصحراوية» ولاتساعد العدو على 
المقاومة» كما أن قواتنا يمكن أن تتقدم في هذه الأرض المفتوحة من دون 
أن تتعرض لكمائن» وفوق كل هذا فإن سقوط آتية يعني سقوط أبشة» وهذا 
ماسوف يساعد قواتنا في إنجاميناء ويسرّع في انهيار قوات هبريء لأن خطوط 
مواصلاتها ستقطع. وهذا سوف يخدم قواتنا في إنجامينا". 

لكن قادة العمليات» بقيادة المقدم أحمد المحمود وقائد المحور الشرقي 
المقدم خليفة حفتر» أصرّوا على خطتهم بأن يتم الهجوم على أبشة من محور فايا 
وأم شعلوبة. ولكنني أصدرت أمرًا بأن يتم تطبيق الخطة التي وضعتهاء ووافقت 
قيادة العمليات على خطتى المقترحة. ولكنْ على مضض. قررت أن تكون منطقة 
طروطرو هي منطقة التحشده وأن تقوم كتيبة الرائد الرايس الميكانيكية» بقيادة 
الهجوم على آتية» وأن يكون الجحفل الصحراوي في الاحتياط. 


2138 


لكن حفتر خالف الأوامرء وشنّ الهجوم بواسطة الكتيبة والجحفل 
الصحراوي معًّاء ومع ذلك لم يواجه هجوم قواتنا في هذه المنطقة أي مقاومة تذكرء 
عدا أننا خسرنا ثمانية جنود بين قتيل وجريح في الجحفل الصحراوي» وتقدمت 
قواتنا في أرض مفتوحة لا يستطيع العدو استغلالها ولا نصب الكمائن فيها. وما 
إن سقطت آتية» حتى سقطت أبشة من دون قتال» فتقدمت قواتنا لاحتلالها. فى 
هذه الأثناء. كانت قوات هبري في إنجامينا تنهار كليًا. أرسل إلي حفتر برقية 
يشيد فيها بالخطة التي وضعتهاء وبقرار الهجوم على آنية» وأنه "يعتذر عن موقفه" 
وهذا مافعله المقدم أحمد المحمود. لكن المشكلات بين قواتنا وقوات كوكوني 
في مديئة فايا بدأت تتفاقم» وحدثت اشتباكات بين قوات أصيل أحمد وقوات 
كوكوني؛ أي بين العرب من جهة. والتبو والقرعان من جهة أخرى. وبدأت قواتنا 
تنحاز إلى قوات أصيل» وبذلك بدأت الشكوك تنتاب كوكوني وحلفاءه من القرعان 
بقيادة آدم توجويء في حقيقة الموقف الليبي ونيات الليبيين» وتعاظم شعوره بأنهم 
ينحازون بالفعل إلى قوات أصيل في الصراعات الداخلية. 

ومما زاد الطين بلّة أن قواتنا بدأت تتصرف كقوة احتلال» لا كمحرّر 
وحليف. وهكذاء بدأت الأهداف من التدخل فى تشاد تتغيّره من دون أن نكون 
قد قرّرنا ذلك أو خططنا له. والأدق من دون أن نناقش - أنا والأخ معمّر - هذه 
الاستراتيجيا الجديدة» أي تغيير الأهداف. وبدا لي ولآخرين أن الأخ معمّر هو 
الذي فرض هذا التغير في الموقف كأمر واقع. في سياق هذه التطورات» جاءني 
المقدم مسعود عبد الحفيظ. وهو المسوّول عن ملف تشادء شاكيًا ومتذمرًا 
ومحذرًا من مخاطر الانحياز إلى طرف ضد طرف آخر من حلفائناء وخصوصًا 
الانحياز إلى قوات أصيل أحمد؛ باعتبارها ممثلة للقبائل العربية. 

وخلال وقت قصيره اتضحت معالم "السياسة الصبيانية" التي فرضها الأخ 
معمّرء وأخذت تؤدي دورًا مدمّرًا. ويبدو أن الغرور أصاب الأخ معمّر» حيث 


(6) سياسي تشادي من أصل عربي» شغل منصب وزير للخارجية التشادية في حكومة كوكوني 
عويديء, وقاد جيش البركان. انضم إلى فرولينا في عام 1976», وانضم إلى المقاومة؛ ودخل إلى ليبيا مع 
مجموعة البركان» وكان مدعومًا من ليبيا. 


19ظ2 


إنّه أقدم» من دون أي تحليل منطقي للأحداث» على "تغيير الاستراتيجيا" في 
تشاد» وذلك بواسطة مجموعة من الانتهازيين. كانت استراتيجيتنا فى بدايات 
الأحداث تقوم على أساس "تمكين" المسلمين» وهم الغالبية في تشادء من 
الوصول إلى السلطة» بينما وقفت فرنسا إلى جانب الأقلية المسيحية. في البداية 
وقفت ليبيا مع فرولينا بوصفها المنظمة التي تمثل المسلمين بقيادة كوكوني. 
ثم - بعد الخلاف مع هبري - وقفنا مع كوكوني وحلفائه. وهكذا بدأنا بالتخبط 
في تشاد مع تغير الاستراتيجيا. 


ثم سرعان مابدأ الأخ معمّر يطرح فكرة ضمّ تشاد إلى ليبياء بل دعا إلى 
تعريب تشاد. وأخيرًا صار يدعو إلى الوحدة مع تشاد. والسيطرة على بحيرة 
تشاد واستغلال مياههاء وفي وقت تالٍ بدأ يطرح فكرة "أننا بدلا من الوقوف 
مع المسلمين وتمكينهم من الحكم باعتبارهم الأغلبية العظمى» يجب أن نمكن 
العرب من حكم تشاد ثم ضمّ تشاد إلى الأمة العربية ودخولها الجامعة العربية". 
لقد رفضت بشدة كل هذه الأفكاره ودعوت بصراحة ووضوح إلى السعي من 
أجل "إيجاد نظام حليف" لا أكثر. أي "حكومة مسلمين" يمكن أن تصبح حليفة 
"أو عميلة" لناء وقلت له إننى أرفض بشدة كل هذه الأفكار» "وأقصى ما يمكن 
لي أن أوافق عليه هو إنشاء نظام حليف لنا في تشاد". لكنه قال لي: "لماذا إذَا 
تدخلنا في تشاد؟". قلت: "لتمكين المسلمين من الحكم. أمّا إقامة جماهيرية 
في تشاد» فهو أمرٌ غير ممكن؛ لأن الجماهيرية نفسها لم تقم في ليبياء ثم إِنّنا 
لا يمكن أن نفرضها على الشعب التشادي. أمَا الوحدة مع تشاد أو ضمّها إلى 
جامعة الدول العربية أو الأمة العربية» فنحن أصلًا لم نتمكن من توحيد الأمة 
العربية المحدّدة خارطتها. أمَا مسألة ضمٌ الامتدادات العربية في أفريقيا وجزر 
البحر الأبيض المتوسط إلى الجسم العربي» فكيف يمكن ضمّ الأطراف مادام 
الجسم غير موحّد؟ لو استطعنا إقامة دولة نواة من مصر والسودان وليبياء أو 
توحيد المغرب العربى» فيمكن عندئظٍ أن نتجه نحو الامتدادات العربية فى 
أفريقيا وجزر البحر الأبيض المتوسط لتقوية الاتجاه العربي فيها". ثم أضفت: 
"الدول العربية هي التي تحاربنا في تشاد: السادات» النميري» صدام» الحسن 
الثاني» وحتى الجزائر". 


كان الأخ معمّر يطرح مجموعة متزاحمة من الأفكار التي يغذيها الغرورء 
والتي لا تستند إلى أساسٍ علمي. وحينما فشل في إقناعي, بدأ يروّج لها من 
خلال الانتهازيين والأتباع» في محاولة لفرضها أمرًا واقعًا. ثم بدأ التآمر 
على القوات الحليفة» وتأليب بعضها ضد بعضها الآخر في محاولة لتفتيتها 
وتفكيكها. كانت أولى المعارك بين الحلفاء قد وقعت فى منطقة فاياء بين 
قوات كوكونى وقوات أصيل. وبطبيعة الحال انحازت قواتنا إلى قوات أصيل» 
باعتبارها قوات القبائل العربية في تشاد؛ ونتيجةً لذلك» حدثت مذبحة بين 
الحلفاء. ونظرًا إلى أن العرب في تشاد لم يكونوا مقاتلين محترفين» حققت 
قوات كوكوني المحترفة انتصارات هزمت فيها قوات أصيل شرّ هزيمة» ولولا 
تدخل قواتنا في تشاد لأبيدت عن بكرة أبيها. 


وهكذاء وعبر البحث عن مزيد من الأتباع والزبانية والانتهازيين» بدأ معمّر 
ينتهج سياسة تمزيق الحلفاء» وبات في حاجة إلى مزيد من العناصر العميلة 
والمعادية للقيادة السياسية للقوات الحليفة» وتنصيبها فى المدن التى احتلتها قواتنا. 
كان أحمد إبراهيم ومحمد المجذوب وحسن أشكال ومحمد قرين» ومعهم كثير 
من الانتهازيين» هم أداة معمّر الرئيسة في تنفيذ استراتيجية إغراق الحلفاء في تشاد 
"نحن على استعداد للحوار والتنسيق للوصول إلى اتفاق". ومع أنني أعلم علم 
اليقين أنهما لايؤمنان بهذه الأفكار» فإن احتياجاتهما واعتمادهما الكامل على 
دعمناء سياسيًا وعسكريًا وماليّاء يدفعهما إلى القبول بالتنسيق معنا في ما يخص 
تشكيل لجان شعبية» ومؤتمرات شعبية ولجان ثورية ...إلخ بل يلغ بهما الأمر 
أنهما كانا يتتحدثان عن التعريب وإحلال العربية محل الفرنسية» وطالبا بأن يتمّ كل 
ذلك عن طريقهما حصرًا. 

في هذه الأثناء» كانت العناصر الانتهازية من حول الأخ معمّر» ومعها سائر 
المجموعات الفاسدة» قد ركبت الموجة» وأخذت تُبِسَط الأمورء وتقول إن 
هناك ضرورة لإنشاء لجان شعبية ومؤتمرات شعبية فى تشاد» وأخذت تنقل إليه 
صورًا كاذبة عن ردود الفعل فى أوساط الجماهير الليبية التى كانت تسخر من 


301 


هذه الأفكار. أصرٌ الأخ معمّر على العمل لتحقيق هذه الاستراتيجيا الجديدة» 
متجاورًا كوكوني وتوجوي رغم استعدادهما للتنسيق والعمل معناء بينما شرع 
فصيل أصيل في رفع هذه الشعارات» وأخذ يوغل في تغذية الخلاف مع 
كوكوني وتوجوي. 


في هذا الوقت» تولدت لدى كوكوني وتوجويء ومن خلالهما التبو 
والقرعان, قناعة بأننا نعمل ضدهم. وأننا نريد استغلالهم كحصان طروادة في 
صراع تشادي - تشادي. وهكذا تزعزعت كل أسس الثقة بيننا وبين التشاديين 
من حلفائناء وبدأ السادات والنميري وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية. 
بالترويج لفكرة أن "القذافي يريد أن يقيم دولة يسيطر عليها العرب في تشاد". 
استغل حسين هبري هذه الظروف المعقدة» وبدأ حشد قواته وقوات من التبو 
والقرعان. وهي القبائل الأكثر شجاعة وعددّاء ووحّدها تحت قيادته. أدَى 
الصدام بين قوات كوكوني وتوجوي من جهة؛ وقوات أصيل من جهة أخرى. 
إلى سيطرة قوات كوكوني وتوجوي على الأرض وهزيمة قوات أصيل. ولذاء 
طلبا منّا أن نسحب قواتنا من فايا لتفادي الصدام. وبالفعل» قمنا بسحب قواتنا. 
لما قرّرنا سحب القوات» شعرت قوات أصيل بالذعر. وخشيت من البقاء في 
فاياء في مواجهة مكشوفة مع قوات كوكوني وتوجوي. ولذاء انسحبت قوات 
أصيل هى أيضًا؛ لأنها كانت محمية من قواتناء وحين انسحبنا اضطرت قوات 
أصيل إلى الانسحاب. 

طلبت من العقيد أحمد محمود رئيس غرفة العمليات» والعقيد عبد الكبير 
الشريف. أن يذهبا إلى إنجامينا لتقييم الموقف على الأرض»ء بعد أن فشلت 
عذة محاولات للهجوم على قوات هبري. قمت إثر ذلك بتعيين العقيد الشريف 
قائدًا لقواتنا في إنجاميناء واتخذت قرارًا بتعزيز هذه القوات بقوات إضافية» 
واتخذت قرارًا بالهجوم» ووضعت الخطوط العريضة للخطة وأرسلتها إلى 
العقيد الشريف. وهو بدوره وضع خطة الهجوم التفصيلية» وأرسلها إلي» 
وفضلا عن ذلك أرسلت بعض الضباط الشجعان إلى إنجاميناء ومن بين هؤلاء 
الرائد عبد السلام سحبان. وقد كان قائد القوات الانتحارية. بعد سقوط إنجامينا 


2302 


قال لي العقيد عبد الكبير الشريف إن الرائد عبد السلام سحبان أدى دورًا بطوليًا 
مميّرًا في الهجوم. وتمكنت قواته من دحر قوات حسين هبري؛ حين استدرجها 
لكمين محكم وأطبق عليها وأباد معظم قواته. كانت الخطة تقضي بأن تقوم 
قوات كوكونى باحتلال معسكر 7 أبريل فى إنجامينا. استطاعت قواتنا تحقيق 
كل أهداف المرحلة الأولى من الهجوم, إلا أن قوات كوكوني أخفقت في 
هجومها على معسكر 7 أبريل. 


أرسل إلي العقيد عبد الكبير الشريف برقية يقول فيها: "إن كوكوني يريد أن 
يقاتل بآخر جندي ليبي". فغضبت غضبًا شديدًا. كان كوكونى يخطط في أثناء 
الهجوم للاحتفاظ بقواته سليمة» فأرسلت بواسطة العقيد أحمد محمود رسالة 
صريحة إلى كوكوني وتوجوي فحواها أن قواتنا سوف تنسحب من تشاد 
ونحن لن نكون بديلًا منكماء لكننا سوف نبقي على دعمنا؛ ولذا لاا بد من أن 
تقوم قواتكما بتنفيذ المهمة المحدّدة في الخطة؛ أي احتلال معسكر 7 أبريل. 
ما إن وصل العقيد أحمد محمود حاملًا رسالتي واجتمع بكوكوني وتوجوي 
وأبلغهما فحوى الرسالة ومضمونهاء حتى سارعا إلى حسم الموقف واحتلا 
المعسكر. ولأن توجوي قاد الهجوم بنفسه على المعسكرء فقد تعرض لإطلاق 
نار وأصيب بجروح بالغة» جرى على إثرها بتر ساقه» فتقل بطائرة خاصة إلى 
طرابلس» ومن ثم أرسلناه للعلاج في ألمانيا. 

جرى بعد ذلك تطوير الهجوم وسقطت إنجاميناء بيد أن قواتنا - للأسف - 
سمحت لقوات هبري بالتملص والفرار» وكان يمكن تدميرها تمامّاء لو قامت 
قواتنا بمطاردتها والقضاء عليها. والمؤلم في هذه الأحداث أن العقيد حسن 
أشكال - وهو من زبانية الأخ معمّر - قام بتدبير مذبحة مروعة في منطقة أبشة 
بالتعاون مع قوات أصيل» ضد قوات كوكوني وتوجويء حيث قتل فيها محافظ 
المدينة» وكانت تلك هي "القشة التي قصمت ظهر البعير"؛ إذ توصل كوكوني 
وتوجوي إلى قناعة "أن الليبيين يعملون ضدهما"” وأنهم يخططون للقضاء 
عليهما وتمكين العناصر العربية من السيطرة على تشادء وإعلان "حكم عربي" 
موالٍ لليبيا. 


ثم بلغ التوتر بين قواتنا وقوات كوكوني أشده. بل بلغ ذروته» وتحوّل إلى 
مواجهة علنية ومكشوفة» فسافرت على الفور إلى إنجامينا يرافقني العقيد مسعود 
عبد الحفيظ. حينما وصلت العاصمة التشادية» وجدت أن الموقف بات خطيرًا 
جدًا؛ إذ أصبحت قواتنا في مواجهة قوات كوكوني. كان العقيد رضوان صالح هو 
العقيد مسعود عبد الحفيظ. وحين بدأنا الحديث» أبديت لهما غضبى وسخطى 
مما يجريء. وقلت لهما بنبرة قاسية: "أنتما الآن تتصرفان كزعيمين يقودان حركة 
عصابات ولا تتصرفان كتنظيم سياسىء لأنكما لا تظهران أي احترام للوعود 
والعهود والاتفاقات". إننى كنت على قناعة راسخة بأن الجانب الليبى وممارساته 
غير المسؤولة» والأهداف الغامضة., أو غير الواقعية» التي يعمل بها - بل أيضًا تآمر 
الجانب الليبي ضد كوكوني وتوجوي - كل ذلك أوصل التطورات والأحداث 
إلى هذا المستوى المخيف من العنف والقتال. ولم يكن كوكوني وتوجوي 
وحدهما المسؤولين عما جرى» حيث تحؤل الحلفاء إلى أعداء لأن الجانب 
الليبى كان يتدخل بطريقة سافرة لفرض عناصر بديلة منهما داخل الحركة. 
الضيافة» قال لى العقيد مسعود: "هؤلاء ليسوا رجال دولة؛ هم رجال عصابات» 
أرجوك لا تتحدث معهما بهذه الطريقة» فقد يدبران مكيدة لقتلنا والتخلص منا". 

فى هذه الأثناء» عقد مجلس الوزراء التشادي جلسة قرّر فيها أن يطلب 
من "ليبيا سحب قواتها من إنجامينا"» ولم يعارض القرار سوى وزير الداخلية 
أصيل المحسوب على ليبياء وكان يشغل منصب وزير الخارجية» ومعه الشيخ 
بن عمر نائب أصيل ووزير التعليم» أيدا القراره وهما اللذان كان يراهن الأخ 
معمّر عليهماء ووقف معهما ضد كوكوني وتوجوي» وكانا يقدمان نفسيهما 
بوصفهما "البديل العربي في تشاد". في حين كنت شخصيًا ضد أصيل» ودعوت 
مرارًا إلى ضرورة الحفاظ على تحالفنا مع كوكوني وتوجويء ثم إِنَّ العقيد 
مسعود عبد الحفيظ كان يحذر من مغبة الصدام معهماء بل إنه وقف ضد أي 
"عمل أو تنسيق" مع أصيل والشيخ بن عمر. وإمعانًا في الإساءة إليناء كشف 


2304 


عن حقيقته أمامنا؛ حين قام كوكوني بتكليف الشيخ بن عمر بصياغة قرار طلب 
الانسحاب» وكانت هذه بالفعل إساءة بالغة إلينا. 


أما الشخص الوحيد الذي عارض القرار»ء فهو محمد سعيد وزير الداخلية» 
فقد قال في الاجتماع: "نحن لسنا بالشياطين نستغل الليبيين ثم نتنكر لهم". بعد 
صدور القرار اجتمعت به مرة أخرى, وكان معه توجوي. بدأ الاجتماع صاخبًا 
ومتوترٌاء وحين أبلغني بقرار مجلس الوزراءء» قلت له: "يا كوكوني لا تسخر مني 
ولااتسخر من نفسكء القوات الليبية لم تدخل إلى تشاد بقرار مجلس الوزراء؛ 
وإنما دخلت بطلب منك ومن توجويء وقد تدخلنا لأننا كنا نثق بكما". ثم 
أضفت: "أنت لا تعرف الديمقراطية» كما أنكم لستم تنظيمًا سياسيا ولا حكومة. 
أنتم عصابات وقطاع طرق» وقرار سحب القوات الليبية هو القرار الديمقراطي 
الوحيد الذي اتخذته فى حياتكء. لكن إذا ما أصررت على القراره فنحن 
مستعدون لسحب قواتنا". 

حينما عدت إلى دار الضيافة» جاءنى أصيل وزير الخارجية» وكان معى 
العقيد مسعود عبد الحفيظ. كان أصيل يرتدي بدلة شغل ليبية فى ادعاء انتهازي 
بأنه ليبي وعربي» وقال لي وهو يضع يديه على حلقه: "إذا كنتم تعتقدون أننا 
سوف نترككم في تشاد لوقت طويلء فأنتم مخطئون. لا بد لكم من الانسحاب 
من إنجامينا"» فرددت عليه بلهجة غاضبة: "هل أنت أصيل؟ من المحال أن 
تكون أصيلًا. إذا كنت خدعت الأخ معمّر مع الانتهازيين الليبيين» ورفعت 
الشعارات التي يحلم بها معمّر؛ فأنت لم تخدعني". في الواقع» كنت متمسكا - 
على المستوى الشخصي وبقناعة تامة - بالتحالف مع كوكوني وتوجويء. 
وكنت» بطبيعة الحال» ضد استراتيجية وشعارات الإلحاق والضمّ أو إنشاء 
جماهيرية فى تشاد. لكن الأحداث سارت على هذا النحوء وقمنا بسحب قواتنا 
بناء على طلب كوكوني وتوجويء وكنًا قبل ذلك بقليل قد نقّذنا انسحابًا لقواتنا 
من أبشة» في إثر المذبحة التي راح ضحيتها محافظ المديئة. 

وبدعم من النميري والسادات والعراق والسعودية والولايات المتحدة 
الأميركية» تمكن هبري من إعادة تنظيم صفوفه في السودان وتسليحهاء ثم 


2305 


شن هجومًا كاسحًا وخاطفًاء تمكن خلاله من بسط سيطرته على أبشة وآتية, 
ثم احتلال إنجامينا وطرد كوكوني وتوجوي منهاء حتى فايا ومنطقة تيبستي. ثم 
احتل فايا في هجوم منسق وكاسح ساعده على الوصول إلى الحدود الدولية مع 
ليبياء ليعلن في إثرها أنه قضى نهائيًا على قوات كوكوني وطرد القوات الليبية 
من تشاد. فعقدنا على الفور - أنا والأخ معمّر - اجتماعًا في غرفة العمليات» 
وكان معنا العقيد أبو بكر يونس ورئيس غرفة العمليات وقادة الأسلحة وبعض 
الضباط» وبحثنا هذا الموقف الخطير. قلت في هذا الاجتماع: "علينا أن نقوم 
بقصف مكثف ومستمر على قوات هبري في فاياء لإرهاقها ومنعها من تطوير 
هجومها على منطقة تيبستي» وإلحاق أكبر قدرٍ ممكن من الخسائر في صفوفهاء 
حتى نتمكن من حشد قواتنا البرية للهجوم على فايا وطرد قوات هبري”. لكن 
كان رأي الآخرين "أننا يجب ألا نقوم بالقصف الجوي. لأنَ هناك وقنًا طويلا 
بين القصف الجوي والهجوم البري". 

فضلًا عن هذا الرأيء كان هناك اتجاه داخل الاجتماع يرى أن القصف 
الجوي سوف يرصده الأميركيون» وهذا يعني أن نياتنا وخططنا في الهجوم 
البري للاستيلاء على فايا قد تنكشف. لقد كنت مصرًا على القيام بقصف 
مكثف. وهكذاء انفض الاجتماع من دون اتخاذ أي قرار. 

وفي حوالى الساعة الخامسة مساءء اتصل بي الأخ معمّر ليقول لي إنه يؤيد 
رأبى بضرورة قصف فايا قصمًا مكثمًا بواسطة الطيران. وبالفعل أصدرت الأوامر 
للقوات الجوية» ببدء عمليات قصف مكثف ومتواصل. في اليوم التالي؛ ذهبت 
ومعي العقيد مسعود عبد الحفيظ إلى بلدة قرو شمال شرق فايا للقاء كوكوني 
وتوجوي. سافرت أنا ومسعود على متن طائرة "فوكر" وهي طائرة لها ميزة 
الهبوط في الأماكن الممهدة؛ وكان يقودها كابتن طيار يدعى العزومي. 

والمثير للدهشة أن الكابتن طيار هذا كان جنديّاء ولم يكن قد أكمل 
تعليمه» ولكنه واصل دراسته في نوادي الطيران الليبية واجتهد. وكان شابًا ذكيًا 
حتى تمكن من السفر للدراسة ببعثة حكومية إلى الولايات المتحدة وتخرّج 
طيارًا محترفًا. حينما كنا نطير فوق جبال تيبستي الشاهقة» مازحت الكابتن 


306 


طيار العزومي» وقلت له: "أتقود الطائرة بفضل التكنولوجيا أم البركة؟”. فقال 
لى ضاحكًا: "الاثنتان» التكنولوجيا والبركة". كانت الرحلة مغامرة خطيرة» لأن 
بلدة قرو قريبة من فاياء وكان هناك احتمال أن تكون قوات هبري قد احتلتها أو 
هي قريبة منهاء وهذا يعني أن الطائرة كانت تحت التهديد. ومع ذلك لم يخطر 
في ذهني التفكير في الخطرء فنحن صنوان. ثم هبطنا في مهبط رملي ممهد. 
ومن هناك سافرنا بالسيارة إلى البلدة» حيث اجتمعت بتوجوي. وجدته في حالة 
نفسية سيئة. لم يكن كوكوني موجودًا في البلدة» وتوجوي لايعرف أين هو 
الآن. قال لي بلغة عربية ركيكة: "كنت أسمع إذاعة فرانس أنتر» قالت إن هناك 
دبابات وطائرات ليبية كثيرة تتجه نحو فايا. يجب أن تعود فايا"» فأبلغته بوضوح 
أننا بدأنا القصف المكثف بواسطة الطيران» وأننا سوف نشرع في تنفيذ الهجوم 
البري لاستعادة فايا. ما إن سمع توجوي حديثي» حتى هب نحوي وعانقني. 

بدأت عملية حشد القوات من حول فايا شرقًا وغربّاء وتم تكليف العقيد 
الريفي علي الشريف بقيادة الهجوم, لكنه بدا مُتردّدًا ويطالب بالمزيد من الوقت 
لإعداد القوات. قال لى: "الطيارون الذين كانوا ينفذون أوامر القصف فى 
الأيام الأخيرة» وقبل موعد الهجوم البري بأربعة أيام» أفادوا أنهم لم يشاهدوا 
أي أهداف عسكرية في فايا وهي خالية من أيّ نشاط عسكري". وعلى الفور 
استنتجت أن هبري قد فرّ هو وقواته من فاياء لما أدرك أن الهجوم البري بات 
وشيكّاء فطلبت من العقيد الريفي أن يتقدم نحو فايا من دون أي تأخير» لتدمير 
قوات هبري قبل انسحابها. 

ومع ذلك ظل العقيد الريفي مترددًا ولايكاد يصدّق ما أقول له: "إن 
هبري يوشك أن ينسحب هاربًا من فايا". فى هذه الأثناء» كانت الكتيبة المدرعة 
في الغربء بقيادة العقيد الهادي مفتاح العجيلي» قد وصلت إلى مشارف فاياء 
ولكنه توقف هناكء انتظارًا لبدء الهجوم البري؛ ولذا طلبت منه أن يتقدم بأقصى 
سرعة ويقتحم فايا لأن هبري يوشك أن ينسحب. إن لم يكن قد انسحب 
بالفعل» ويجب تدمير قواته. كنت أتحدث مع العجيلي في اللاسلكي, فقال لي: 
"هناك مقاومة عنيفة في مواجهتي". فقلت له: "هذا يعني أن هبري ترك بعض 


307 


المقاتلين لإلهائنا وإيهامنا بأنه لم ينسحبء قد يكون عددهم سبعة جنود أو 
خمسة عشر جنديّاء لا تجعل هذا الأمر يشغلك عن المهمة, فهو يريد أن يحافظ 
على سلامة قواته". هؤلاء الجنود كانوا جماعة صغيرة تحصنت فى الوادي. 
كرر العجيلي على مسامعي: "هناك مقاومة عنيفة تمنعني من التقدّم", فقلت له: 
"ليس هناك مقاومة. هؤلاء جماعة صغيرة من الجنود تركها هبري لإلهاء قواتنا 
وإشغالها عن التقدم» ودفعكم إلى اعتقاد أن العدو لايزال في فاياء وكل هذا 
لأجل أن يفرّ هاريًا". 

ثم اتصلت بالعقيد الريفي» وطلبت منه أن يتقدّم بقواته قبل فرار هبري» 
فقال لي: "هبري لم ينسحب. علينا التريث وإعداد خطة هجوم محكمة وتحضير 
وتجهيز قوات قادرة على تنفيذ المهمة". ولذا طلبت منه أن يحضر لي المقدم 
عبد السلام سحبان على الجهاز لأتحدث معه. بعد لحظات تحدثت معه. فقلت 
له: "يا مقدّم عبد السلام» استعمل سيارة تويوتا كروز واذهب إلى فايا". وحينما 
دخل فاياء وجدها خاوية» ووجد أن هبري قد انسحب منها كما توقعت» فاتصلت 
بالعقيد صالح الفرجاني قائد القوة الجوية» وطلبت منه أن تقوم طائراتنا القاذفة في 
قاعدة أوزو بملاحقة قوات هبري وتدميرهاء فاكتشف الطيّارون. في أثناء التحليق 
والقصفء أن معظم قوات هبري قد أصبحت خارج مدى طائراتنا. 


ومن بين المستندات التي عثرنا عليها في فاياء بعد تحريرها من قبضة 
هبري» وكذلك من المواطنين المتعاونين معنا - وفايا هي مسقط رأس هبري - 
وثيقة تؤكد أن خطته بعد احتلال فايا هي التقدم نحو الحدود الليبية ومحاصرة 
قواتنا هناك ومن ثم الإعلان عن تحرير تشاد من الليبيين. ولكن قرار القتصف 
الشديد والمركز أفشل الخطة. ومنع هبري من تطوير هجومه حتى شمال فايا؛ 
نظرًا إلى الخسائر التي تكبّدها من جرّاء القصف والارتباك والفوضى التي عمّت 
صفوف قواته. وبفضل هذه الخطة الناجحة والنتائج التي حققتهاء قررت القيادة 
منحي وسامي "نجمة الشجاعة", و"نجمة الفاتح" لكنني رفضتهما. 


فوجئت بأن العمل نفسه تكرر فى فاداء حين قامت قواتنا وقوات أصيل 
بضرب قوات كوكوني. لقد دبرت العناصر الانتهازية نفسها من حول الأخ معمّر 


308 


تنفيذ عمليات صدام مع قوات كوكونيء وكان هذا أمرًا مريبًا. كان سكان قرية 
فادا في معظمهم من القرعان؛ وهي قبيلة توجوي وهبري. أدَى هذا التصرف 
العسكري المريب والتآمري. عمليّاء إلى طرد قوات كوكوني وتوجوي. بل 
طرد أهالى البلدة كلهاء حيث فرّ المدنيون» والأطفال والنساء خوفًا من الموت» 
واتجهوا نحو الوديان والجبال. وكان هذا التصرف من جانب قواتنا دليلًا آخر 
على أن الجماعة الانتهازية ذاتها المحيطة بالأخ معمّر هي التي كانت تخطط 
وتدير "الفتنة" لتبلغ هذه الدرجة المأساوية. 


جرت بين كوكوني وتوجوي من جهة؛ وهبري من جهة أخرى اتصالات 
سياسية وعسكرية» تم التوصضل من خلالها إلى "وحدة عسكرية" وميدانية ضد 
قواتناء بحيث أصبح الأعداء أصدقاء في مواجهتنا. لكنّ كوكوني وتوجوي كانا 
يعرفان جيدًا أهمية الإبقاء على التحالف معنا؛ ولذا طلبا لقاء الأخ معمّرء كما 
طلبا اللقاء بي أيضًا. وبالفعل استقبلهما الأخ معمّرء لكنه كان مضطرًا إلى السفر 
في 2 أيلول/ سبتمبر 1986 إلى زيمبابوي لحضور قمة دول عدم الانحياز. 
ولذاء بعد أن قمت بتوديع الأخ معمّر في المطار» استقبلت كوكوني وتوجوي 
وكانا في غاية القلق والتوتر» ويشعران بالألم من سياساتنا في تشادء وقالا: "نحن 
نعتبر أن ما حدث في فادا هو عمل قامت به قواتكم"”» ثم أضاف كوكوني: "كنت 
أعرف من أحداث فايا وأبشة أنكم تريدون أن تجعلوا منّا حصان طروادة". ثم 
طلبا مني تزويدهما بالسلاح لاسترداد فادا من قبضة قوات أصيل» فقلت لهما: 
"نحن نعطيكم السلاح لتحاربوا هبري» لا لتحاربوا بعضكم بعضًا". فرد كوكوني 
قائلًا: "حسناء لانريد منكم أن تعطونا السلاح. نريد منكم فقط أن تصدروا 
أمرّا لقواتكم بأن لا تتدخل في المعارك وأن تظل على الحياد". وكان عليّ أن 
أردّ بالقول: "جميعكم حلفاء لناء ونحن لن نتدخل في مشكلاتكم الداخلية. 
قتالكم بعضكم ضد بعض هو في مصلحة هبري» وسيكون المستفيد الوحيد 
من هذا القتال". وخلال الحوار معهماء طلبا مني أن أصدر أمرًا لقواتنا في 
فايا وأوجنقا وووادي الدوم. بأن تسمح لقواتهما المتحركة من تيبستي نحو 
فادا ب "أن تتقدم من دون أن نتعرض لها". ثم قال كوكوني: "اعطوا أصيل أي 
سلاح ترغبون فيه» لكن شرط ألا تتدخل قواتكم في الصراع. سوف نقاتله 


2309 


بالسكاكين ونستولي على أسلحته". وهكذا انفض الاجتماع من دون التوصل 
إلى أي اتفاق» ومع هذا أكدت لهما أن قواتنا لن تتدخل في الصراع الداخلي 
بتشاد. 


فى إثر ذلك. أصدرت أمرًا للعقيد الهادي امبيرشء قائد قواتنا فى شمال 
تشاد - ومقره في فايا - أن يمنع قوات كوكوني من التقدم نحو قرية فادا. قبل 
هذا القرار الذي أصدرته؛ كانت لديّ معلومات تؤكد أن المجموعات الانتهازية 
من حول الأخ معمّر تعدّ العدّة "لتنظيم انقلاب" ضد كوكوني وتوجوي في 
فايا عاصمة الشمال» حيث اتفقث - أي هذه المجموعة الانتهازية - مع موسى 
سوقيء رئيس أركان قوات كوكونيء على القيام بانقلاب وعزلهما معًاء أي عزل 
من جهة أخرىء معدومة تمامًا. 

هذا مادفع ضباطنا للشكوى من هذا الوضع الخطيرء وبدأوا يشعرون 
بنذر الكارئة. حاولت جاهداء بكل ما أوتيت من قوة. مواجهة هذه 
"الاستراتيجيا" المدمّرة. ومن المدهش أن الأخ معمّر كان يقول لي دومًا: "لا 
علم لي بهذه التصرفات". لقد أصبحت لنا سياستان فى تشاد» إحداهما معلنة 
ومتفق عليهاء وهي مساندة قوات كوكوني وتوجوي ضد هبري المعادي لناء 
وسياسة أخرى هى تدبير المكائد والمؤامرات والانقلابات ضد كوكونى 
وتوجوي. وبسبب كل ذلكء ولانهيار أيّ ثقة بيننا وبين كوكوني وتوجويء. 
انتقل كوكونى فجأة إلى الجزائرء ولجأت قواته إلى التحالف العسكري 
الميداني مع قوات هبري. 

وهكذا سهلت قوات كوكوني المتمركزة في أم شعلوبة وفايا الطريق 
أمام قوات هبري لاحتلالهماء وتكبدت قواتنا هناك بعض الخسائر في الأفراد 
والمعدّات» وعمل كوكوني بكل الوسائل لمنع قواتنا من التمركز في تيبستي» 
وكان من الخطأ عسكريًا أن تتقدم قواتنا شرقًا وجنوبّاء تاركة تيبستي في قبضة 
كوكوني. لما اختلفنا مع كوكوني وتوجويء. اضطررنا إلى احتلال تيبستي بالقوة 


2310 


لتأمين مؤخرة قواتنا. ثم اتخذنا بعد ذلك قرار استعادة قرية فاداء وقررت تعيين 
العقيد خليفة حفتر قائدًا للهجوم. لكنني لاحظت أنه كان مُترددّاء وبدا ذلك 
واضحًا فى علامات وجهه. وأنه "غير راغب ولاراض" عن المهمة» وقال لى: 
"يا أخ عبد السلام أنا لست الضابط الوحيد» فقد أديت واجبي في قيادة الهجوم 
الأول". بيد أنني أصررت على موقفي بتعيينه في هذا الموقع؛ لأنه يملك معرفة 
جيدة بجغرافية تشاد وتضاريسهاء وكذلك طبيعة شعبها. ثم اكتشفت متأخرًا خطأ 
قراري هذا بعد الإخفاقات التي واجهتنا في تشاد» ربما بسبب سلبية حفتر» وعدم 
اهتمامه بمسار المعارك وتطوراتهاء وكأنه يريد أن يحتج على هذا التكليف. في 
هذه الأثناء» بدأت قوات هبري وكوكونى بعد تحالفهما بالعمل ضد قواتنا في 
تييستى» وبدأت فى تنفيذ الهجمات خلف خطوطنا. وهكذا تحوّل الحلفاء إلى 
أعداء. لقد بات علينا أن نقوم بإمداد قواتنا في فايا وكل شرق تشاد جرَّا؛ لأن كل 
خطوط إمداداتنا مقطوعة, أو باتت مهدّدة بالقطع من جانب قوات كوكوني. 


في هذا الوقت» سرّب هبري بعض عناصره خلف خطوط إمدادنا؛ فاتخذنا 
قرارًا عاجلًا باحتلال مناطق تيبستي وأزوار وبرداي. ورغم كل هذه الظروف» 
كانت قواتنا تتمتع بمعنويات عالية» خصوصًا خلال السنوات الأولى للتدخل 
الأول فى تشاد» وتمكنت من تحقيق انتصارات باهرة. ولكن فى النهاية» حل 
محل العزيمة القتالية والمعنويات العالية شعور بالإحباط والسلبية. 

على هذا النحوء انتقلت مبادأة القتال من قواتنا إلى قوات العدو. ثم شنت 
قوات كوكوني وقوات هبري التي تسربت نحو تيبستي هجمات عنيفة ضد 
قواتنا في أزوار وبرداي» وقامت أيضًا بمحاولات متقطعة لمهاجمة قواتنا فى 
فايا. في الواقع» أرهقت هذه الهجمات قواتناء لأنها كانت تستخدم تكتيك الكت 
والفرّ؛ أي أسلوب حرب العصابات» مستفيدة من التضاريس الجبلية الوعرة 
والوديان. ولذاء عرّزنا قواتنا في فاياء وبدأنا حشد القوات في وادي الدوم 
استعدادًا للهجوم. وبسرعة قامت قوات كتيبة مبروك سحبان» وكانت كتيبة 
نموذجية بالفعل» وقائدها رجل شجاع.ء باحتلال أزوار على الرغم من تكرار 
الهجمات عليها. 


فى هذه الأثناء» أصدرنا قرارًا بتكليف العقيد خليفة حفتر قائدًا لقواتنا 
في تشاد والقيام بالهجوم على فاداء انطلاقًا من وادي الدوم. وتكمن أهمية 
قرية فادا فى كونها مدخلا إلى شرق تشاد كله. ولأجل ذلكء. قمنا بحشد قوة 
قتالية هائلة للدفاع عن وادي الدومء بوصفه أكبر قاعدة جوية وبرية لقواتنا. 
كان حفتر مستهترًا بالأوامر» وفقد الإحساس بالمسؤولية ولم يعد يعير المعارك 
أي اهتمام. ومن المؤسف أن قواتنا فقدت السيطرة على ميدان القتالك وذلك 
للأسباب التالية: 

1 - إن قواتنا ظلت تخوض حربًا سرّية غير معلنة على امتداد 13 سنة. 
كنا نقاتل ونموت ونضحّيء نحتل وننهزم وننتصرء ولكننا نعلن وننسب كل 
الانتتصارات إلى قوات فرولينا؛ لأننا لم نكن نعترف بتدخلنا المباشر في تشاد. 
بل إن قوات فرولينا خرجت من الحربه بينما بقينا نخوضها نيابة عنهاء وهذه 
حرب سرية لم يقرّرها الشعب. 

2 - عدم وضوح "الهدف من تدخلنا". 

3 - بسبب "الاستراتيجيا الجديدة" غير المعلنة وغير القابلة للتطبيق» 
ونظرًا إلى تدخل العناصر الانتهازية» كنا كلما حققنا نصرّاء نفاجَأ بأن هذه 
العناصر تقوم بتخريبه وتحويله إلى "هزيمة سياسية"؛ وهكذا صارت الأهداف 
السياسية للحرب أكثر بعدًا. 

4 - بسبب هذه السياسة التي لم نتفق عليهاء ولم تكن قابلة للتحقيق» وهي 
بكل تأكيد نتاج "عقلية جنون العظمة" التي انتابت الأخ معمّرء باتت قواتنا في 
تشاد لا تعرف العدو من الصديق. 

5 - سحب الشعب والقوات المسلحة الليبية تأييدهما لهذه الحرب؛ إذ 
لانهاية لها ولاهدفء وقد استغرقت وقنًّا طويلًا من دون جدوى. كانت حربًا 
"عبثية" انتقلنا فيها من داعمين ل"المسلمين" وفرولينا إلى محتلين» كما أنها 
أنهكت اقتصادنا واستحوذت على تفكيرنا وجهدنا. 

6 - كانت هذه أول حرب تخوضها قواتنا. وكانت حرب عصابات تهزم 
فيها أقوى وأعرق الجيوش في العالم. لقد حققت قواتنا المسلحة بمعنوياتها 


2312 


العالية خلال السنوات الأولى من التدخل (1972 - نهاية التسعينيات) 
انتصارات أبهرت العالم» بيد أن السنوات الأخيرة من التدخل شهدت تراجعًا 
في المعنويات وفي الإرادة القتالية. 

7 - لقد أصبحت اللجان الثورية داخل القوات المسلحة مرتعًا للانتهازيين 
والفاشلين» وكل الضباط والجنود الفاسدين وغير المنضبطينء وارتفعت نسبة 
الهروب والغياب» وتداعت قواعد الضبط العسكريء وبلغ الأمر حدًا مخيمًا 
من الاستهتار بالحياة العسكرية» حين صار بعض الجنود يستفزون الضباط» 
بل إن صغار الضباط صاروا يستفزون الضباط الكبار» ويهينونهم. وهكذا بدأت 
علامات ضعف الروح القتالية. 


8 - لقد عمل الأخ معمّر بكل الوسائل على تمزيق الجيش وتدميره 
في صفوف الجيش والشعب على حدّ سواء. بالتزامن مع انهيار الأوضاع 
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومع انهيار أسعار النفط (1984-1983) 
اقتصادنا من "إدامة الحرب". وبدأت قواتنا المسلحة تعوض عن "إرادة 
القتال" بإرسال المزيد من الأسلحة والمعدات المتطورة والثقيلة» لمواجهة 
حرب عصابات تخوضها جماعات صغيرة كانت تتمتع بإرادة قتالية وخبرة 
وتعرف تضاريس المعركة وجغرافيتهاء ولديها فوق ذلك خبرة جيدة في القتال 

في هذا الوقت. كنت مضطرًا إلى السفر في مهمة قومية لمعالجة "حرب 
المخيمات" الفلسطينية فى لبنان - وهذا ما أفردت له فصلا خاصًا سابقًا فى 
مذكراتي هذه - فطلب مني الأخ معمّر أن أعود بأقصى سرعة ممكنة؛ نظرًا إلى 
تدهور الأوضاع عسكريًا في تشاد, لكنني رفضت العودة حتى إنهاء المواجهة 
بين سورية من جهة والثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جهة أخرى. 
وإنهاء "الحصار المضروب على المخيمات الفلسطينية في لبنان". بعد عودتي 


2313 


سارعت إلى متابعة الأوضاع العسكرية في تشاد. بدأنا بحشد قواتنا في وادي 
الدوم. كان حجم القوات مبالعًا فيه كما ونوعًا. قام العقيد خليفة حفتر بتوزيع 
قوات الهجوم على قرية فادا في ثلاث مجموعات قتالية» ولكنه ظل غير راضي 
عن مهمته وبدا عليه عدم الاكتراث» حتى إِنَّ مقر قيادته كان بعيدًا عن قواتى 
وترك الأمر لضباطه» كما أنه رفض التعاون مع القوات التي كانت تدافع عن 
وادي الدوم. قبّيل الهجوم؛ طلبت من العقيد عبد الكبير الشريف - وكان رئيس 
غرفة العمليات فى القيادة العامة للقوات المسلحة - الذهاب إلى تشاد ومناقشة 
خطة الهجوم مع العقيد حفتر, للتأكد من الجاهزية القتالية لهذه القوات. وقبيل 
وصوله إلى وادي الدوم» أرسل حفتر دورية قتالية مؤلفة من 36 جنديًا إلى 
مشارف قرية فادا من أجل الاستطلاع. وعند وصول الدورية» تعرضت لهجوم 
مباغت من قوات هبري» فدفع حفتر إحدى المجموعات القتالية الثلاث لنجدة 
الدورية. ما إن علمتٌ بهذه التطورات» حتى أرسلت له برقية عاجلة قلت فيها: 
"إن هبري أراد من هذا الهجوم أن يجعل معركة فادا في وادي الناموس» وهو 
يريد أن يستدرجك إلى مكان المعركة وموعدهاء والآن عليك أن تنسحب فورًا. 
أترك الدورية من أجل ألا تفرض عليك المعركة» وتضطرٌ إلى أن تقدم قواتك 
لهبري مجموعة إثر أخرى مجانًا". 

الأمر المثير أن العقيد عبد الكبير الشريف. لما وصل إلى وادي الدوم 
للاجتماع بالعقيد حفترء كان القتال يدور في وادي الناموسء ولكنه لم يخبر 
الشريف بما يدور من معارك في الوادي» بل على العكس من ذلك أخذ يطمئنه 
بخصوص استعداد القوات للهجوم. في الواقع» لم يكترث العقيد حفتر لكل 
التحذيرات التي وردت في البرقية التي أرسلتها إليه» ووقع في الفخ الذي نصبه 
له هبري» كما توقعتء فقد قدم حفتر قواته "هدية بالتقسيط" لهبري» وهكذا 
هَزمت قواتنا فى معركة وادي الناموس. فى هذه الأثناء» أرسل هبري برقية إلى 
قواته جاء فيها: "نفذوا الخطة 2". التقطنا إشارة البرقية عبر اللاسلكى» وعرفت 
شخصيًا أن هذه الخطة تعني الهجوم على وادي الدوم؛ مستغلا وضع قواتنا 
التى فقدت السيطرة على الميدان» فأرسلت برقية إلى حفتر» قلت فيها: "الخطة 
2 تعني الهجوم على وادي الدوم؛ إسحب القوات والتحق بقوات وادي الدوم 


23214 


وعليكم أن تنظموا صفوفكم للدفاع عن وادي الدوم". كانت قاعدة وادي الدوم 
محصنة تحصينئًا جيدَاء وتوجد فيها قوات كبيرة تمتلك أسلحة هائلة» إضافة 
إلى الطائرات العمودية والمقاتلة. قال لي قادة الأركان في قوات حفتر الذين 
انسحبوا بعد معركة وادي الدوم إن حفتر لا يكترث بالبرقيات والأوامر التي 
تصدر له من قيادة العمليات» بل إنه لم يكن يقرأهاء ويبدي حيالها تجاهلًا 
متعمدًا. في ظل هذا الوضعء تمكنت قوات هبري من اقتحام قاعدة وادي 
الدوم من دون أي مقاومة تقريبًا وسيطرت عليها. ثم سلم حفتر ومعه سبعون 
ضابطًا وجنديًا أنفسهم إلى قوات هبريء وفي هذا الوقت» نجحت طائراتنا في 
العودة إلى قاعدة السارة جنوب شرق ليبيا قرب الكفرة. وانسحبت بقية القوات 
انسحايًا غير منظّم. كان الأخ معمّر قد نقل القيادة العامة للقوات المسلحة إلى 
منطقة الجفرة» وكذلك جرى نقل "أمانة مؤتمر الشعب العام" و"اللجنة الشعبية 
العامة" إليها أيضًا. 


حين ذهبت إلى الجفرة لإدارة العمليات» وجدت أن الجميع هناك كانوا في 
حالة معنوية سيئة. كان جاد الله عزوز الطلحى هو أمين اللجنة الشعبية. ويعتبر 
الطلحي في ليبيا نموذجًا في العمل والحرص. ولما دخلت عليه حوالى الساعة 
الحادية عشرة صباحًاء لاحظت أن كل أعضاء اللجنة الشعبية محشورون فى 
شقة شعبية صغيرة لا تتوافر فيها أي وسائل للعمل العلمى الجاد. وممّا ضاعف 
من درجة ذهولي» أنني حين دخلت مقرّ اللجنة الشعبية» وجدت الأخ جاد الله 
الطلحي يلعب الورق (الكارطة) مع أمين مؤتمر الشعب العام مفتاح الأسطى 
عمرء وكان هذا بالنسبة إلي دليلا قاطعًا على المستوى المريع الذي بلغه تدهور 
الأحوال المعنوية والسياسية والعسكرية فى البلاد؛ فها هنا أعضاء أمانة مؤتمر 
الشعب العامء واللجنة الشعبية العامة وقد تُركوا في مكان صحراوي شبه 
مهجور ومعزول كليًا عن العالم» لا تتوافر فيه أي ظروف لأي عمل حقيقي. 

ثم زرت مقر القيادة العامة» فوجدت الجميع هناك» تقريبّاء حيث كل 
شخص قد اعتبر نفسه "معاقبًا" من جرّاء وضعه في هذا المكان المعزول» 
ووجدت أنهم غير مقتنعين بنقلهم؛ لآن كل المؤسسات والآجهزة التي يديرونها 


315 


موجودة في طرابلسء بينما هم في الجفرة. كانوا جميعًا في وضع مُزر وبائس 
ويشعرون بالإهانة. وعلى الفور اتصلت بالخ معمّر وطالبته بضرورة عودة 
الجميع إلى طرابلس؛ لأن القيادات معزولة وبعيدة عن مراكز عملها الحقيقية» 
ومن المستحيل تسيير الأعمال بواسطة الهاتف. 


وجدت الأخ معمّر, على الهاتف, مُترددًا في قبول رأبي» ولكدني تشبئت 
به فوافق على مضض. فأصدرت أمرًا إلى أمانة مؤتمر الشعب العام» واللجنة 
الشعبية» ومكتب الاتصال» ورئاسات الأركان في القوات المسلحة» بالعودة 
فورًا إلى طرابلس. 


بعد سقوط وادي الدوم» أصدر الأخ معمّر أمرّاء للعقيد أبوبكر يونس 
والعقيد عبد الكبير الشريف, والعقيد أحمد محمود, بأن يصدروا أمرًا لقواتنا 
المتمركز في فايا - التي تضم 7 آلاف جندي وضابط بقيادة العقيد محمد 
العيساوي - بالهجوم على وادي الدوم. لكن معنويات هذه القوات لم تكن 
تسمح لها بالهجوم. على الرغم من أنها تمتلك أسلحة كافية كما ونوعًاء ولو 
أنها شتت الهجوم, فإنها سوف تضطرٌ إلى الاستسلام» وإذا ما بقيت في فايا 
فسوف تواجه هجومًا متوقعًا من قوات هبري» وسوف تقع في الأسر. ولذاء 
اتخذت قرارًا بسحب هذه القوات من جهة الغرب. فى اتجاه أزوار عبر أوقى» 
وألغيت القرار الذي أصدره الأخ معمّرء ثم وقّعت برقية أرسلتها إلى العقيد 
محمد العيساوي» وتحدثت معه على جهاز اللاسلكي» وأبلغته بضرورة 
الانسحاب من فاياء كما أرسلت له خطة الانسحاب المنظم. وأمرته بأن يدمر 
كل الأسلحة والذخائر التي لايستطيع سحبها. وبالفعل» انسحبت القوات 
بشكل منظمء ثم أصدرت لها الأمر بأن تتمركزء مع قوات المقدم مبروك 
سحبانء فى منطقة أزوار. وأرسلت العقيد يوسف أبو حجر ليشرف بنفسه على 
تموضع هذه القوات. 

لمَا أصدرت هذا الأمر المخالف لأمر القذافي» لم يطق أبو بكر يونس 
والخروبي وأحمد محمود والشريف,. وزر هذا القرار وخرجوا من المكتب 


قائلين إنهم لا يستطيعون تحمّل تبعات هذا القرار. كانت هذه القوات في 


316 


وضع نفسي ومعنوي سيئ؛ فقد رفضت التمركز في أزوار وواصلت سيرها 
نحو الحدود الليبية. ومع هذاء كانت إرادة الله معنا ومع هذه القواتء إذ 
تحركت قوات هبري من وادي الدوم إلى فايا لمهاجمة قواتنا لأسرها ومنعها 
من الانسحاب. فى هذه اللحظات العصيبة» هبّت عاصفة رملية كبيرة أعاقت 
تحرك قوات هبري» فانسحبت قواتنا بسلام. لاشك في أن قراري كان صائبًا 
كما برهنت كل الأحداث والوقائع؛ إِذْ لو تمكنت قوات هبري من أسر قواتنا 
التي تبلغ نحو 7 آلاف جندي وضابط مع أسلحة هائلة» لسبب لنا ذلك أزمة 
خطيرة في الداخل لم تكن لتحتمل عواقبها الثورة أو البلد» وربما ستشكل 
بداية معارضة شعبية للثورة. وهذا ما عبّرت عنه وكالة الأنباء الفرنسية بدقة حين 
قالت: "إن ليبيا قامت بأكبر عملية تملص استراتيجي"؛ وهو وصف علمي. ثم 
اتخذنا قرارًا في القيادة بسحب كل قواتنا من جبال تيبستي وإعادة تنظيم الدفاع 
عن قرية أوزو. لكن تدهور الحالة المعنوية للقوات المسلحة تزامن مع سوء 
الأحوال المعيشية وتعاظم السخط الشعبي. وممًا فاقم من واقع المصاعب 
العسكرية التي واجهتنا أن القمع والقهر كانا يشتدّان ضد الشعب في هذا الوقت 
الحرج. 

وهكذاء تمكنت قوات هبري بسهولة من احتلال أوزو من دون مقاومة 
تقريئاء وباتت القاعدة العسكرية في أوزو مهدّدة بالسقوط. كان الشعب مهزومًا 
في الداخل والجيش يتراجع في المعارك. ولكن من أجل ألا تتكرر هذه الهزيمة 
كما حدث في وادي الدوم ووادي الناموس. عرضت على الأخ معمّر أن أذهب 
بنفسي إلى وادي الدوم لقيادة الدفاع عنه. أو على الأقل تنظيم الانسحاب 
المنظم لقواتنا منه فرفض الأخ معمّر قاتلا لي: "هؤلاء خونة» وهناك مؤامرة» 
وقد تقع في الأسر لو أنك ذهبت إلى هناك. أنت بالنسبة إلي وإلى البلاد أهم 
من وادي الدوم ومن فيه". 

وهكذاء سقطت قرية أوزو بسهولة. في هذه الأثناء» قرّرت أن أجعل الأخ 
معمّر أمام الأمر الواقع» فتوجهت إلى المطار وسافرت جوًا إلى أوزو ومن 
المطار تحدئت مع الأخ معمّرء وأخبرته أنني أتوجه إلى أوزو. كان الأخ معمّر 


317 


غاضبًا ومُنزعجًا من قراري» وكانت القيادة العسكرية والأخ معمّر يعتقدان أن 
هبري سوف يتمكن من الاستيلاء على الكفرة وربما سبهاء وهذا هو بالفعل 
مادفعني إلى اتخاذ القرار بالسفر إلى أوزو وقيادة الدفاع وتنظيمه ووضع 
الخطط العسكرية لاستعادتها. وحين وصلت إلى أوزوء أرسل الأخ معمّر إليّ 
مجموعة من 70 شخصًا بقيادة محمد المجذوب, لحراستى. كنت قد اخترت 
العقيد عبد العاطي محمد والعقيد عبد السلام سحبان لقيادة الهجوم واستعادة 
أوزو. ولأن هذه القوات كانت في وضع معنوي سيئ كما هي حال الشعب 
الليبي في هذا الوقتء فإنها أخفقت في جميع هجماتها. 

كانت آخر محاولة هجومية لاسترداد قرية أوزو هى التى قادها العقيد 
محمد عبد العاطي قائد المحور الرئيس» والعقيد عبد السلام سحبان قائد 
المحور الثانوي» ومعهما العقيد أحمد المقصبى قائد منطقة أوزو؛ فما إن 
وصلت القوات المهاجمة إلى منطقة التماس. حتى توقف الهجوم. كادت 
قواتنا أن تنجح في اختراق دفاعات العدوء لكنها فجأة توقفت. لم يكن هناك 
أي سبب لتوقف الهجوم سوى التراخي وانهيار المعنويات في صفوف الضباط 
والجنود الذين كانوا يشعرون بأن الحرب عبثية. ولذاء اضطرٌ العقيد عبد السلام 
سحبان وبشجاعة» مخالقًا كل قواعد الضبط العسكريء إلى التقدم بنفسه. 
مخترقًا دفاعات العدوء وهو يصرخ عبر جهاز اللاسلكي "تقدمواء تقدمواء 
تقدموا ..."» طالبًا من قواتنا مواصلة الهجوم والتقدم. بيد أن القوات لم تتقدم 
ووجد نفسه معزولَا ووقع في الأسرء بينما كانت قوات العقيد أحمد المقصبي 
تتردد في مواصلة التقدم حتى إنه صار يضرب رأسه في الحائط غضبًا. سأعود 
إلى الوراء قليلا لأروي تفصيلات هذا الحدث الخطير. 

خلال هذه الأحداثء. اتصل بي العقيد الريفي قاتلًا: "القوات انهارت 
تمامًا. هناك خطر حقيقى على سلامة القاعدة". ولذاء قررت أن أذهب بنفسى 
لأمحو هذا العار. لما وصلت؛ وجدت أن كل شىء قد انتهى» وأن القوات فى 
حالة انهيار كامل» وهكذا وجدتني منهمكًا في "إعادة بناء وتنظيم القوات”. 
فتوليت بنفسي مهمة تحرير أوزو. كان من المفروض أن أرسل البرقيات 


318 


إلى قواتنا في محاور القتال» باسم رمزي هو "صقر كبير"» لكنني تجاوزت 
هذا التقليد العسكري وقمت بتوقيع البرقيات السرية باسمي الصريح: الرائد 
عبد السلام جلود. وكان هذاء بالنسبة إلي أكبر تحدّ للعدو. لمّا رصدت أجهزة 
رصد اللاسلكي هذه البرقيات» أذاعت إذاعة إنجامينا خبرًا يقول إن "شخصية 
مهمة في طريقها الآن إلى جبهة أوزو". التقط جهاز الدعم اللاسلكي في 
طرابلس هذه البرقية وقدّمها للأخ معمّر الذي طلب منهم أن يرسلوا إلي نص 
البرقية لتحذيري؛ ف"الشخصية المهمة" قد تكون هبري شخصيًا. لما استلمت 
البرقية ضحكتء وقلت: "لا يمكن لهبري أن يغامر في مثل هذا الظرف. قد 
تكون هذه الشخصية المهمة هي وزير دفاعه أو محافظ إنجامينا أو وزير 
الداخلية". وبالفعل» عرفت أن محافظ إنجامينا هو الذي وصل إلى جبال 
تييستى. وخلال الإعداد لاستعادة أوزو. كنت أزور الوحدات فى موقعها فى 
النهار للقيام بالتعبعة» وبعد كل لقاء ومحاضرة كنت أطالب الضباط والجنود 
بأن يقسموا على المصحف الكريم بأن يقاتلوا حتى تحرير كل منطقة أوزوء 
وألا يخافوا العدو بينما كنت أقوم بالتحضير للهجوم ليلًا. 


في هذا الوقت» فوجئت بوصول الأخ أحمد جبريل الأمين العام للجبهة 
الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» ومعه الأخ أبو موسى قائد حركة 
فتح - الانتفاضة» ومعهم بعض الإخوة الفلسطينيين رفقة المقدم عبد الله 
الحجازي. وقد جاءت مجموعة فلسطينية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - 
القيادة العامة في منطقة بير الأربعين شمال قرية أوزو بنحو 40 كيلومترًا. 
لقد جاؤوا للاطلاع على حقيقة الأوضاع في أوزوء فخصّصت لهم طائرة 
لاستطلاع أوزو من الجوء وتمكنوا بذلك من مشاهدة ميدان القتال ومسرح 
العمليات» وهو منطقة وعرة وصعبة جذاء حيث الجبال الشاهقة شديدة 
الانحدار» وهي أصعب مسرح عمليات عسكرية في العالم. وحين عاد الإخوة 
الفلسطينيون من هذه الجولة, قالوا لى: "هذه المنطقة يمكن أن تكون فخحًاء 
وصخرة قد يتحطم عليها أي هجوم, وذلك ما يقود إلى خسارة قوات هائلة» 
فالجبال الشاهقة تحيط بالقرية ولا يوجد إلا ممر واحد عرضه مابين 200 
و300 مترء ومن ثمّء فأيّ قوات تسيطر على هذا الممر يمكنها أن تدمر 


2319 


أي قوة مهاجمة بسهولة. إذا حدث هذا - لا سمح الله - فقد تكون له عواقب 
داخلية وخيمة". وطالبوني بالتخلي عن فكرة الهجوم. ونظرًا إلى انشغالي التام 
بالتعبئة والتخطيط للهجوم. طلبت منهم العودة إلى طرابلس» وأن يكتبوا رأيهم 
هذا في تقرير. وقبيل موعد الهجوم بقليل» قمت بتلقين القوات عناصر هذه الخطة 
التي وضعتهاء على أن يقود العقيد عبد العاطي محمد بنفسه الهجوم, وأن يعاونه 
في القيادة المقدم عبد السلام سحبان. لكن العقيد عبد العاطي اعترض قائلًا: "أنا 
وعبد السلام شخصيتان عنيدتان وقيادتان لا ننصاع لأوامر بعضناء نحن صديقان 
حميمانء لذا أرجوك يا رائد عبد السلام أن تختار بينناء ما أنا وما هو؟"؛ فقرّرت 
أن يقود الهجوم العقيد عبد العاطي. كان الهجوم صعبًا بصورة لا توصف. لأن 
منطقة أوزو أشبه بحفرة عميقة بين جبال شاهقة وممر ضيق. 

في الواقع» تمكن هبري من الاستيلاء عليها بقوات نخبة من المقاتلين 
عالية التدريب والتجهيز» ثم قامت قواتنا الجوية وسلاح المدفعية والصواريخ 
بقصف تمهيدي ومكثف على قوات هبري» وتقدمت قواتنا البرية تحت غطاء 
كثيف من القصف الجوي والمدفعىي» وتمكنت من تدمير الممر الوحيد المؤدي 
إلى أوزوء وأبادت القوات المعادية داخله. حينما دخلت قواتنا الممر» شعر 
هبري بالهزيمة المحتومة» بعد تكبده خسائر فادحة نتيجة هذا الهجوم. أدرك 
هبري أن قواته أصيبت بالشلل التام. وهكذاء دخلت قواتنا أوزو من دون مقاومة 
تذكر» وتمكنا من استردادها. في هذا الوقت» كانت وكالة فرانس برس الفرنسية 
تبث للعالم خبرًا يقول "إنه الانتصار غير المنتظر لليبيين". 

سوف أعود إلى الوراء قليلًا مرة أخرىء لأروي بعض التفصيلات الضرورية: 

حينما تدخلنا في تشاد أول مرة عام 1972» دعمًا لفرولينا لتحرير تشاد 
وتمكنت قواتنا من السيطرة على البلاد كلهاء جَنَّ جنون الحكومة الفرنسية» 
والسادات» والنميري» والحسن الثاني» وحتى صدام حسين في العراق» 
وبدأت وسائل الإعلام في هذه البلدان تطلق الأكاذيب بأن "ليبيا تريد ضمّ 
تشاد". قررت الذهاب إلى إنجامينا لزيارة قواتناء ومنها ذهبت إلى نيجيريا 


23220 


للقاء الرئيس شيهو شيجاري”7”» فوجدته غاضبًا ومعارضًا لوجودنا فى تشاد. 
وطالبني بالانسحاب» فقلت له: "لسنا في حاجة إلى أراضي ونحن لم ندخل 
تشاد لضمّها أو احتلالهاء بل دخلنا لنصرة المسلمين". فقال الرئيس النيجيري: 
"كان يمكنكم, أنتم العربء أن تكونوا نموذجًا ومثلا أعلى للمسلمين» لكنكم 
مثل سيى". ثم تركني وخرج وطلب من مدير المراسم إدخال الصحافيين» 
وأدلى بتصريح قال فيه: "ليبيا لا تريد ضمّ تشاد أو احتلالها وأنا أؤيد ما قامت 
به". ثم نظر إليّ» وقال: "لا ترسلوا إلينا التريكي - وكان يقصد وزير الخارجية - 
إنه كذاب وعنصري". 

وأتذكرء في هذا السياق» أن خليفة حفتر لمّا سلّم نفسه مع مجموعة من 
الضباط والجنود إلى قوات هبري. طلب الرئيس الأميركي ريغن من هبري 
تسليم خليفة ومجموعته للولايات المتحدة. وبالفعل» أرسلت واشنطن طائرة 
نقل عسكرية نقلتهم من إنجامينا إلى هناك» حيث انضم حفتر إلى ما يسممى 
"المعارضة الليبية" التي كانت تحتضنها الولايات المتحدة. 


(7) شيهو شيجاري: رئيس نيجيريا (1983-1979). 


321 


"لوكربي" والمواجهة مع الولايات المتحدة 


فى 21 كانون الأول/ ديسمبر 21988 وفى غمرة الحشد العسكري 
الأطلسي في الخليج العربي» استعدادًا لتدمير العراق واحتلال الخليجء 
فوجئت في أثناء متابعتي محطة سي إن إن (080) الإخبارية» وهي تنقل خبر 
اتهام الولايات المتحدة الأميركية لليبيا بتفجير طائرة "بان أميركان", وهو 
ماغرف في ما بعد ب "قضية لوكربي". في ضوء الحشد الأميركي - الأطلسي 
في الخليج ابتداءَ من عام 1991-0 وانهيار الاتحاد السوفياتي» وانفراد 
الولايات المتحدة بالعالم» سيطر الخوف على الجميع في ليبيا إلى درجة فقدان 
التوازن. لقد سيطر الرعب والخوف على الأخ معمّر وعلى الكثير من الضباط 
والقيادات» وحتى على الضباط الأحرار والقيادات العسكرية وضباط هيئة أمن 
الجماهيرية واللجنة الشعبية العامة» بل كل القيادات. 


عقد اجتماع لبعض الضباط الأحرار وضباط أجهزة الأمن والقيادات 
العسكرية وعناصر من حركة اللجان الثورية والقيادات الشعبية. وقدّم العقيد 
أحمد المقصبى” - الذي كان يشغل منصب قائد قوات الحرب الإلكترونية - 
تقريرًا عن خطة عسكرية أميركية للهجوم على ليبياء كما قدّم الرائد أحمد 
قذّاف الدم© تقريرًا أمنيًّا مفاده أن واشنطن سوف تستخدمء خلال الهجوم 


(1) أحمد فتح الله المقصبي: أحد الضباط الأحرارء وهو ممن تحركوا من حامية درنة في ليلة الفاتح 
من أيلول/ سبتمبر 21969 وقد تولى عدة مناصب. منها أمانة الأمانة اللجنة الشعبية لمدينة درنة» وفي وزارة 
الدفاع» حيث عمل في هيئة العمليات والتدريب والاستطلاع, وفي اللجنة العامة المؤقتة للدفاع وإدارة 
الأسلحة والذخيرة» إلى جانب مشاركته في حروب التحرير نصرة للشعوب الأفريقية. توفي عام 2010. 
(2) أحمد قذاف الدم (1952-): ابن عم معمّر القذافي. ولد في مرسى مطروح, وقيل في البحيرة 
بمصرء لأب ليبي من القذاذفة وأم مصرية. أخواله يقطنون في محافظة البحيرة في مصرء وهم من قبائل 
أولاد على الموجودة تاريخيًا فى مناطق قرب الحدود الليبية - المصرية. وقد أدى دورًا محوريًا فى 
تنسيق العلاقات الليبية - المصرية فى عهد القذافى. 


2325 


على ليبياء غازات بعضها مسيل للدموع وأخرى تسبّب الإسهال. ترأست 
هذا الاجتماع ووجدت الجميع خائفين ومذعورين وفي حالة من الهستيريا. 
فاجأت الجميع بالقول: "هذه الخطة هي كلام فارغ". ثم قلت: "الهدف من 
كل هذا هو إيقاع الهزيمة بناء نفسيًا ومعنويًا من الداخل» إرهابنا وتخويفنا 
ووضعنا فى حالة نفسية ومعنوية سيئة» لكى نصدّق أن هناك عملا عسكريًا 
كاسحًا. الهدف من كل هذا هو أن نفقد ثقتنا بأنفسناء وألا يسمحوا لنا بأي 
فرصة» يمكن أن نستعيد فيها الثقة بأنفسناء ثم نفقد توازننا ونقوم بتسليم 
المُشْتبه فيهما". ثم قلت: "أميركا لا يمكن أن تقوم بعمل عسكري لاحتلال 
ليبيا وإسقاط النظام» ولن تنجح في فرض حظر دولي على النفط الليبي» 
ولن تفرض حصارًا بحريًا". الجميع كانوا ضديء بل إن الكثير من القيادات 
أخذت تطالب بتسليم المشتبه فيهما©. 

ثم ذهبت للقاء الأخ معمّرء فوجدته في حالة معنوية ونفسية سيئة. كان يعتقد 
أن كل شيء انتهى والمسألة مسألة وقت. كان يرتعد خوفًا وهلعًاء وبدا لى منهارًا 
انهيارًا تاماك فقلت له: "أميركا لن تقوم بأيّ عمل عسكري لاحتلال ليبيا وإسقاط 
النظام» كما أنها لن تفرض علينا حصارًا بحريّاء بل لن تنجح في فرض حظر 
دولى على النفط الليبى". فقال لى: "هؤلاء الجبناء أثاروا الخوف فى قلبى» حرقوا 
أعصابي. ركبوا ليا الضغط" فقلت له: "المنطقة العربية لا تحتمل عراقًا آخر, كما 
أن أوروبا لا يمكن أن توافق على حظر النفط الليبي» على الأقل قبل أن يعود نفط 
العراق إلى السوق. إِنَ حظرًا نفطيًا يعني على الأقل زيادة في أسعار النفط في 
حدود 10 دولارات» فضلًا عن أن للنفط الليبي ميزة فريدة هي نوعيته» وبعض 
المصافي في أوروبا مصمّمة على أساس مواصفات النفط الليبي". 


(3) اتهمت الولايات المتحدة اثنين من مسؤولى الحكومة الليبية» وطالبت طرابلس بتسليمهما 
للمحاكمة خارج ليبياء والمسؤولان هما: الأمين خليفة فحيمة» وهو موظف سابق في الخطوط الجوية 
الليبية» من مواليد عام 1956» وعبد الباسط علي محمد المقرحي (2012-1952). وهو موظف سابق 
في الخطوط الجوية الليبية. وقد اتهمه الادعاء الاسكتلندي بأنه كان يعمل في المخابرات الليبية. رفض 
العقيد القذافي بشدة تسليم المشتبه فيهماء واتهم الولايات المتحدة وبريطانيا بالتواطؤ من أجل تقويض 
"الثورة الليبية العالمية" وتحجيم دور بلاده العالمي في تحرير الشعوب والقضاء على الرأسمالية. 


2326 


اعتبر الجميع في هذا الوقت أنني متفائل أكثر من اللازم» وظل الخوف 
والهلع يسيطران عليهم. لقد كنت واثقًا من تحليلاتي. معظم الضباط 
الأحرار والقيادات العسكرية والمدنية والأجهزة الأمنية» وعلى رأسهم 
الأخ معمّرء اعتبروا أن كل شيء انتهى» وأنْ المسألة مسألة وقت فقط. ولما 
صدر أول قرار من مجلس الأمن رقم 00211 بخصوص "لوكربي"2 في 21 
كانون الثاني/ يناير 1992 بخصوص تتهام ليبيا بتفجير الطائرة» قال الجميع: 
"المسلسل نفسه سيجري فى ليبيا كما جرى في العراق"» وكنت أردٌ: "لا أبدَّاء 
لابد لنا من أن نثق بأنفسنا ونناضل ونتحرك سياسيًا وإعلاميًا. لا ينبغى أبدًا 
أن نستسلم ونقول إن كل شيء انتهى» والمسألة مسألة وقت؛ لأن هذا يعني 
التسليم بالأمر الواقع بحيث تشل حركتنا. هذا هو الخطر الحقيقي". بعد 
تقديم الولايات المتحدة لمشروع القراره تقرّر أن أقوم بزيارة كل من الصين 
والهند وباكستان وإيران بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 731 بأسابيع 
قليلة. قبيل الزيارة بقليل» قدّم الأخ معمّر إلى الأمم المتحدة مذكرة تتعلق 
بموضوع مواجهة الإرهاب فى العالم ومعالجة أسيابه» وتضمنت المذكرة 
فقرة حول كشمير. كنت رتبت زيارتي لهذه البلدان على عجلء فبدأتها 
بالصين. لما وصلت إلى بكين» كانت موافقة الهند على الزيارة قد تأخرت» 


(4) اتخذ قرار مجلس الأمن رقم 731 بالإجماعء في 21 كانون الثاني/ يناير 41992 بعد الإشارة 
إلى القرارين رقم 286 (1970) ورقم 635 (1989) اللذين دان فيهما الإرهاب؛ وقد أعرب المجلس 
عن قلقه إزاء نتائج التحقيقات في تدمير طائرة "بان أم" (الرحلة 103 فوق لوكربيء اسكتلندا)؛ وطائرة 
"يو تي إيه" الرحلة 772 (فوق تشاد والنيجر). التي تورط فيها مسؤولون من حكومة ليبيا. 

ودان المجلس حقيقة أن ليبيا لم تقبل المسؤولية عن هذه الأحداث؛ وحثها على تقديم رد كامل وفعال على 
طلبات إجراء التحقيقات المتعلقة بالطائرتين للمساهمة في القضاء على الإرهاب الدولي. كما شجع الدول 
الأعضاء على الضغط على الحكومة الليبية من أجل الاستجابة. والجدير بالذكر أن القرار رقم 731 لم يكن 
ملزمًا قانونيّاه وذلك لأنه صدر بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة» ولم يشر إلى الفصل 
السابع» إلا أن ذلك سيتم إنفاذه في القرار رقم 748 . ولاحمًا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 
2ه الذي انّخذ بالإجماع في 27 آب/ أغسطس 1998 . وبعد أن أشار إلى القرارات رقم 731 (1992) 
ورقم 748 (1992) ورقم 883 (1993)., رحب المجلس بمبادرة لمحاكمة المشتبه فيهما أمام محكمة 
اسكتلندية في هولنداء وأحاط مجلس الأمن علمًا بتقرير الخبراء المستقلين والرسائل المقدمة من منظمة 
الوحدة الأفريقية» وجامعة الدول العربية» وحركة عدم الانحيازء ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وطالب ليبياء 
بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة» بأن تمتثل لقرارات مجلس الأمن السابقة. 


2327 


ولم أتلقٌ الموافقة قة عليها؛ فاجتمعت بسفير الهند في الصين وأبلغني أن رئيس 
الوزراء الهتدي غاضب جذًا من وجود فقرة بعخصوص كشمير في مذكرة ليا 


كانت الهند عضوًا في مجلس الأمن» فاتفقت مع السفير الهندي على 
أننا سنقوم بسحب هذه الفقرة» وأننا سنقوم بإبلاغ مندوب الهند هناك بالأمر؛ 
وبمجرد أن يستلم مندوب الهند نص المذكرة المعدّل» ستقوم سفارة الهند 
بإبلاغي بالموافقة على الزيارة. وبالفعل» أرسلت إلى طرابلس طلب سحب 
فقرة كشمير من المذكرة» كما طلبت إبلاغ مندوب الهند بالأمم المتحدة بذلك» 
تمّ الأمر على هذا النحو. وخلال إقامتي في الصين؛ جاءت موافقة الهند رسميًا 
على الزيارة» كما حصلت على موافقة الهند على معارضة القرار الأميركي. 
وهذا ماقاله الصينيون ي أيضا. ولكن - لللأسف - اكتفت الصين خلال 
التصويت ب"الامتناع عن لتصويت" ولم تعارضه. غادرت الصين إلى الهند. 
وكلنت أعرف رئيس 010 بامولابارثى فينكاتا نتاراسيمها راو تطمعةمةانصدم) 
(880 هطمستكممول! منقامعلا (1996-1991).: حينما كان وزيرًا للخارجية فى 
حكومة أنديرا غاندي. ولمّا وصلت إلى الهند. كان مجلس الأمن قد اتخذ 
قراره الأول» وكانت الهند قد وافقت على القرار بعد أن أدخلت مجموعة عدم 
الانحياز فى مجلس الأمن بقيادة الهند عددًا من التعديلات» نضّت على "أن 
يقوم الأمين العام بدور ما بين الدول الغربية وليبيا". 


عند اجتماعي بركيس الوزراء الهندي» قال لي: "لقد وافقت الهند على 
القرار مقابل تعديل يؤكد على دور للأمين العام في حل الأزمة"» فرددت عليه 
بالقول: "هذا تعديل شكليّ»ء خاصة أن الأمين العام هو بطرس غالي”©. ثم 
قلت له: "إنه يؤدي دور المراسل". فردّ علىّ ضاحكًا كأنه يوافقني الرأي "هذه 
نافذة" (بوجململط 3 15 كنط1ل)» ثم أضاف: "أعترف أن موافقتنا كانت خاطئة» لكننى 
أعدك أن الهند لن توافق على أي قرار آخر". 
(5) بطرس بطرس غالي (2016-1922): دبلوماسي مصريء. والأمين العام السادس للأمم 
المتحدة (1996-1992). ثم كان أول أمين عام للمنظمة الدولية للفرنكوفونية (16 تشرين الثاني/ 


نوفقمبر 31-1997 كانون الأول/ ديسمير 2002). 


2338 


ومن الهند توجهت إلى باكستان» واجتمعت برئيس الجمهورية ورئيسة 
الوزراء بينظير بوتو''» كما اجتمعت بزعيم حركة الإخوان المسلمين قاضي 
حسين أحمد”7 زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان في تلك الفترق 
وقلت له: "ليبيا تُعاقّب بسبب مواقفها الإسلامية باعتبارها ثورة إسلامية» 
وأدّت دورًا راتدًا في بعث الإسلام» والآن جاء دور المسلمين ليقفوا معهاء 
وخاصة الحركات الإسلامية". ثم سألته عمًّا إذا كان حزبه عضوًا في "القيادة 
الشعبية الإسلامية". فقال: "لا". ثم أردف: "أنتم تبحثون عن تنظيمات ليس 
لها أيّ فعالية» تبحثون عن المنافقين» والدكتور أحمد شريف أمين حركة 
الدعوة الإسلامية في ليبيا يبحث عن دمى”, ثم طالبته ب "موقف مادي" 
يبدأ بإرسال مذكرات إلى مجلس الأمن والتظاهرات والمسيرات المؤيدة 
لليبياء وتقديم المذكرات إلى سفارات الولايات المتحدة وبريطانياء فضلًا 
عن ضرب المصالح الأميركية والغربية» فقال لي. وكان جادًا وصادقًا: "أمَا 
المذكرات والمسيرات والتظاهرات فهذه يمكن القيام بهاء أمَا أعمال العنف 
وضرب المصالح الغربية» فهذا يحتاج إلى اجتماع قيادة الجماعة والتشاور 
مع إخواننا في مصر والسودان وإيران". وترتيب أسماء هذه البلدان بهذه 
الطريقة يقة له مغزاه. فمصر هي القيادة» وقد تنبه الإخوان إلى دور مصر منذ 
نشأة الجماعة في الهند. 


(6) بينظير بوتو (2007-1953): سياسية وابنة سياسى هو رئيس باكستان السابق ذو الفقار على 
بوتوء الذي أطاح حكمّه الجنرال محمد ضياء الحق في تموز/ يوليو 7. وقد شغلت بوتو منصب 
رئاسة وزراء باكستان مرتين؛ الأولى بعد وفاة ضياء الحق فى حادث طائرة فى آب/ أغسطس 1988. 
حيث شهدت باكستان إجراء انتخابات تشريعية؛ ونجحت بينظير بأغلبية ضئيلة» وشغلت منصب رئيس 
الوزراء فى الأول من كانون الأول/ ديسمبر 1988. وشغلت المنصب للمرة الثانية فى الفترة 1993- 
6 . وفى الحالتين أقالها رئيس الجمهورية من منصبها بعد اتهامها بالفساد. وفى الانتخابات التالية فى 
شباط/ فبراير 1997» مُني حزب بوتو بخسارة فادحة أمام حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف. ١‏ 
(7) قاضي حسين أحمد (2013-1938): الزعيم السابق للجماعة الإسلامية في باكستان» أدى 
دورًا مهما في فترة الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفياتي (1989 -1979))» وتميزت جماعته بالقدرة 
على حشد الرأي العام الباكستاني خاصة في فترة حكومة بينظير بوتو الثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 
6 والذي ساهم في إسقاطها. 


2329 


ثم قمت بزيارة إيران» واجتمعت برئيس الجمهورية علي أكبر رفسنجاني» 
ثم بآية الله علي خامنئي مرشد الثورة. جمع خامنئي ممثليه في المحافظات 
الإيرانية وقال لى: "لقد جمعت لك يا أخى جلود ممثلين فى المحافظات». لكى 
ينقلوا إلى الشعب الإيراني ما تطلبوه منًا". ثم قال لي: "رغم الصورة السوداوية» 
فإننا نؤمن بأن القرن الواحد والعشرين هو قرن الإسلام". وقال أيضًا: "يا أخي 
جلود. أميركا مثل كلب العقلة*» إذا هربت من أمامه ركض خلفكء وإذا 
وقفت وتصديت له فسوف يهرب””. ثم قال: "الشعب المسلم في إيران لن ينسى 
مواقف الشعب الليبي» وسوف نعلّمه للأجيال» جيلًا بعد جيل» وإيران سوف 
تقف معكم ماديا وليس بالكلام". ثم قال: "لن يفرضوا عليكم الحظر النفطي» 
وإذا مافعلواء فإن إيران مستعدة لتصدير نصف مليون برميل يوميًا لصالح 
الشعب الليبي". 


حاولت واشنطن إرهابنا ووضعنا تحت ضغط نفسي ومعنوي لترغمنا 
على تسليم المشتبه فيهما. ولا يريد الأميركيون أن يعطونا أيّ وقتء فقاموا 
بهجوم دعائي وسياسي من دون أن يسمحوا لنا بوقت للتفكير. طلبوا منا 
أن نقوم بتدمير كل أسلحتنا الثقيلة ودباباتنا وصواريخناء وأن نغلق - على 
حدّ زعمهم - معسكرات "الإرهاب"؟؛ أي معسكرات الثورة الفلسطينية» 
ومعسكرات تدريب حركات التحرر في أفريقياء وأن نوافق على التفتيش 
المستمر. وكان القصد من ذلك إذلالنا و"شرشحتنا". كما يقال بالعامية 
المصرية» مثلما حصل لصدام حسين» وضرب صدقيتنا وتجريدنا من 
قيمنا وكبريائنا في أعين جماهيرنا وجماهير الأمة العربية للقضاء علينا. 
ولكننا قاومنا كل هذا الضغوط وحدناء ورفضنا رفضًا قاطمًا كل الشروط 
المذلة. هذه الشروط قدّمها وكيل وزارة الخارجية البلجيكية إلى سفيرنا في 
بلجيكا؛ إذ كانت بلجيكا ترعى المصالح الأميركية في ليبيا والعكس. قدّمنا 
اقتراحًا بأن يقوم أعضاء من البرلمان الأوروبي وأعضاء من مجلسي النواب 
والشيوخ الأميركي» إضافة إلى شخصيات من منظمات دولية لحقوق الإنسان 


(8) العقلة: هي تخزين التمور والحبوب في عمق الرمال للحفاظ عليهاء وتحرسها الكلاب. 


2130 


والإعلاميين من سائر بلدان أوروباء بزيارة "معسكرات التدريب" التي كانت 
تتدرب فيها فصائل الثورة الفلسطينية وحركات التحرير الأفريقية مرة واحدة 
فقطء فرفضوا. وكنت واثقًا أننا إذا ما قبلنا بهذه الشروط فسوف يفتشون 
"غرف نومنا". 

حينما وزعت الولايات المتحدة مشروع القرار الثاني» الخاص بالعقوبات» 
اجتمعت بسفير الصين في طرابلس» وطلبت منه أن تنفذ الصين وعدها برفض 
أيّ قرار جديد. فقال لي: "موقف الصين متأثر بالموقف العربي وبمجموعة 
عدم الانحيازء وهي غير متماسكة والموقف العربي غير واضح". ثم اجتمعت 
بسفير الهند وطلبت منه رفض القرار» وكانت الهند هي منسق مجموعة عدم 
الانحيازء وطلبت أن تقوم الهند بتصليب دور دول عدم الانحياز» وطلبت منه 
أن ينقل إلى رئيس الوزراء تذكيري له بوعده. بألا توافق الهند على قرار جديد. 
ونقلت له ملاحظة سفير الصين» فقال لي السفير الهندي. وكان سفيرًا نشطًا 
كعادة كل السفراء الهنود: "الصين وحدها قادرة على منع صدور قرار من الأمم 
المتحدة"» ثم قال لي: "إذا كنتم تعتقدون أن العرب معكم. فأنتم مخطئون» 
العرب يقولون لكم كلامًا ويقولون لنا ولأعضاء مجلس الأمن كلامًا مغايرًا. 
يقولون أمامكم إنهم معكمء ويقولون في الواقع إنكم إرهابيون» خلصونا 
منهم". فسألت السفير: "مَن من العرب يقولون هذا؟". فقال: "معظمهم". ثم 
قال: "أرجوك, لا تحرجني”» ثم أضاف: "بمن فيهم جيرانكم". ثم قال: "بمن 
فيهم مصر والمغرب". في هذا اللقاء كان موسى كوسا قد حضر معي وتولى 
تسجيل محضر اللقاء. 


وفي الوقت الذي كان فيه الموقف الرسمي لإدارة الصراع يبدو متماسكًا 
وفعالاء كان هناك موقف "خلفى" استخباري يقوده معمر» وقد سعيت بكل 
(9) موسى كوسا (1949-): دبلوماسي وسياسي ليبيء ينتمي إلى عائلة متوسطة معروفة في طرابلس 
الغرب. حاز شهادة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة ميشيغن الأميركية عام 8. تقلد عدة 
مناصب سياسية» ففي عام 1979 شغل منصب رئيس دائرة أمن السفارات الليبية في شمال أوروبا. وعمل 
سفيرًا لليبيا فى لندن 1980. ونائبًا لوزير الخارجية الليبى (1994-1992). وترأس جهاز الأمن الخارجى 
(الاستخبارات الليبية) (2009-1994)» وأخيرًا شغل منصب وزير الخارجية (2011-2009). ١‏ 


331 


الوسائل لإيقافه» ولكن بلا جدوى. أضعف هذا العمل الحركة الرسمية المُعلنة؛ 
إذ بدأت الولايات المتحدة تطلق بالونات اختبار لمعرفة كيف نفكر. كما 
تشكلت - للأسف الشديد - شبكات نصب واحتيال لابتزازنا» ونشطت حركة 
"المنافقين"؟ كلّ يريد تقديم خدمتهء ونشط السماسرة في الداخل والخارج 
واستغلوا سطحية العناصر المحيطة بمعمّر» وهي عمومًا عناصر جبانة» مرتعشة 
وخائفة. 


الجميع كانوا خائفين» ويقولون عني: "إنني متفائل أكثر من اللزوم". 
وبقدر ما كانت الحركة السياسية التي أقودها تعبّر عن فعالية متزايدة» وعن إدارة 
ناجحة باعتراف كثير من الدول» كانت "الحركة المخابراتية" التي كان الأخ 
معمّر يشرف عليهاء وتنفذها العناصر المحيطة به أساءت إلينا كثيرًا وأثرت 
على نحو سلبي في جهودي وتحركاتي. كان أبطال هذه "الحركة" من المنافقين 
والانتهازيين والسماسرة وشبكات الاحتيال والنصب. 


كان هناك كثيرون يعرضون خدماتهم, أو يزعمون أنهم يملكون مفاتيح 
"حل مشكلة لوكربي"” أو أن لديهم علاقات بدوائر صنع القرار في الغرب 
وواشنطن. وقد أثرى كثيرون من هذه الأزمة» وحصلوا على أموال. إِمّا نظير 
"خدماتهم الوهمية". وإمّا نظير "ادعاءاتهم" أنهم يريدون تقديم هذه الأموال 
كرشاوى لبعض المسؤولين الغربيين. لقد رفضت هذه الحركة المشبوهة 
التي يحركها عامل الخوف والهلع» ولكن - ويا للأسف - استغلت شبكات 
الاحتيال والنتصب والسماسرة و"مذدعي الحل". حالة الخوف هذه. طلبت من 
الأخ معمّر وقف هذا التحرك المشين الذي يكشف عن ضعفنا وفقداننا للتوازن» 
وأن كل هذا سوف يشجع الأميركيين على العمل ضدنا أكثر فأكثر» وكان معمّر 
في كل مرة يوافقني على ما أقول, لكنه لم يلتزم قط بما كان يقول. 

ثم عقدت اجتماعًا للجنة المكلفة بالتعامل مع "أزمة لوكربي"» وهي تتألف 
من: أبو زيد دوردة» باعتباره أميئًا للجنة الشعبية» وجاد الله عزوز الطلحي 
وعبد المجيد القعود. وكامل المقهور. وعبد العاطي العبيدي» ومحمد الزوي» 
والعقيد يوسف الدبري» وموسى كوساء وقلت لهم حرقيًا: "لا بد من وقف 


2132 


هذا الابتزاز وهذا العمل الأهوج الذي يسيء إلينا أكثر مما ينفعنا"» وأردفت: 
"نحن مستعدون لدفع الدم دفاعًا عن شرفنا وحريتناء واقتصادنا يخسر من 1,5 
مليار إلى ملياري دولار سنويًا؛ إذا كان هناك حل للمشكلة» ونحن مستعدون 
لدفع من مليارين إلى 3 مليارات دولار» ففي هذه الحالة يجب أن نذهب إلى 
الشعب الليبى ونأخذ موافقته. أمّا السذاجة والابتزاز وشبكات النصب والإثراء 
التى تكرّنت خصيصًا لهذه الأزمة» بعد أن اكتشف تجار الأزمات والسماسرة 
والانتهازيون أننا نعيش حالة هلع وخوفء فهذا يعني أننا نضيّع الوقت والمالء 
ويجب أن نوقف فورًا كل هذا الابتزاز والتحايل". 


على الرغم من أن الحضور كانوا في أغلبيتهم يشكون من هذه التصرفات» 
فإنهم لم يكونواء في الواقع» قادرين على قول أي كلمة سوى كلمة "حاضر". 
وكنموذج لهذا الابتزاز والتحايل والنصب يُذكر أن مجموعة من السماسرة 
الليبيين والإنكليز اتصلت بالعقيد عبد الفتاح يونسء وقالت له: "إذا مادعمت 
ليبيا الجنيه الإسترليني» وحولت من احتياطاتها مليار جنيه» فإن الحكومة 
البريطانية ستوافق على الحل". وللأسف. أمر الأخ معمّر بالتحويل» ولكنني 
سارعت إلى وقفه. وقبيل صدور القرار الثانى بفرض العقوبات فى 27 آب/ 
أغسطس 8 كان عمر المنتصر في جنيف يلتقي مع بعض هذه "الشبكات". 
ويبدو أن إحدى هذه الشبكات نصبت فحًا لعمر المنتصر؛ حين ادعت أن 
الصين مستعدة لاستخدام حق النقض "الفيتو" ضد قرار فرض العقوبات إذا 
مادفعت ليبيا 200 مليون دولار» وحوّلتها إلى رقم حساب في أحد المصارف 
السويسرية» ثم أعطت عمر المنتصر اسم المصرف ورقم الحساب. 

اتصل عمر هاتفيًا بإبراهيم البشاري» أمين اللجنة الشعبية للاتصال 
الخارجي. وعرض عليه الموضوع. اتصل إبراهيم بالهاتف ونقل لي الموضوع 
"السخيف" وطلب رأبي. كان عمر المنتصر لا يزال على الهاتف مع البشاري» 
فطلبت منه ألا يرد عليه ويغلق الهاتف. 


ومن هذه "السخافات" أن مجموعة أميركية زعمت أن لها علاقة بدوائر 
صنع القرار في واشنطن. وإذا مادفعت ليبيا 1700 مليون دولار» فسوف تحل 


2313 


أزمة "لوكربي". في هذا الوقت قام الأخ معمّر بإرسال محمد أبو القاسم الزوي 
لمقابلة هذه المجموعة في إسبانيا. المفارقة أن الذين رتبوا لهذا اللقاء هم ضباط 
في المخابرات الإسبانية. وبالفعل» اتفق محمد الزوي معهم, ولكنني اعترضت 
وأمرت بوقف العملية. قال لي محمد الزوي: "الأميركيون الذين قابلتهم في 
إسبانياء قالوا لي: 'لا ضرورة لأن نعمل أي شيء ضدكم. أنتم تقومون بما نريده". 

وقامت أيضًا إحدى مجموعات النصب والاحتيال هذه بإقناع عمر 
المنتصرء وهذا بدوره أقنع الأخ معمّرء بأنَ لها صلات حقيقية مع الرئيس 
جورج بوش ومع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكرء وأنها قادرة على 
"حل المشكلة". بل إن هذه المجموعة زوّرت رسائل باسم بوش موجهة إلى 
الأخ معمّرء وأخرى باسم بيكر موجهة إلى عمر المنتصر. كان المنتصر يقدّم 
هذه الرسائل للأخ معمّر ويقرأها أمامه. وكان الأخ معمّر يصدق ذلك؛ بينما 
كنت أصرخ بأعلى صوتي: "هذه سذاجة إذا ما صدقنا هذه الرسائل". لقد كنت 
أرفض هذا النوع من العمل وأقلل من قيمته» ولكن الجميع كانوا يصدقون. 
أو كانوا مستعدين لمجاراة مَنّ يصدقونه. ومن أمثلة ذلك أن امرأة أردنية 
تدعى دعد ادعت أن ثمة علاقة كانت لها بالأخ معمّرء وأنها تعمل في التجارة 
والسمسرة. وأنّ لها علاقات بدوائر ذات نفوذ فى الولايات المتحدة» وأنْ لها 
"تأثيرًا" في الرئيس بوش شخصيًاء بل في أعضاء بارزين في الكونغرس. ويبدو 
أنها تمكنت من إقناع الأخ معمّرء فأرسل معها أمين الخزانة محمد بخاري في 
رحلة إلى الولايات المتحدة لحل مشكلة "لوكربي"» فأحضرت صورًا مزوّرة 
لبعض الشخصيات في الكونغرسء وقالت له: "حينما كنا مجتمعين مع أعضاء 
الكونغرس مرٌ بجانبنا الرئيس بوش وحيّانا وهو يبتسم". والأمر الغريب أن 
القذافى صدق هذه الكذبة. 

وللأسف. حتى التاجر عدنان خاشقجى"'! دخل على الخط واستعان به 
الأخ معمّرء فحضر إلى ليبيا هو وابنته» فطلب منه الأخ معمّر أن يعمل على 


)20 عدنئان خاشقجى (2017-1935): ملياردير سعودي وتاجر سلااح مشهور يصفقاته ونشاطاته 
الغامضة. اشتهر بدوره في فضيحة إيران - كوتنترا. 


232234 


إيجاد حل. وأعتقد أن خاشقجي هو الذي أشار على الأخ معمّر بأن حل مشكلة 
"لوكربي" يمرٌّ عبر طريق الصهاينة في فلسطينء وهو الذي أقنعه بضرورة 
الاتصال ب "الكيان الصهيوني"» وأنهم سوف يطلبون من "اللوبي الصهيوني" في 
الولايات المتحدة الضغط على الحكومة الأميركية. لم أكن أعلم بذلك إلا في 
الفترة التي أعلنت فيها استقالتي. كان هذا الفخ هو الأخطر من بين ما صب من 
فخاخ, لأنه كان مُدمرًا وطنيًا وقوميًا. وهو ضربة في الصميم لشرعيتنا القومية 
ويقضي على موقفنا الرافض لأي علاقة مع الصهاينة» كما أنه كان يدمر فكرتنا 
عن أن "الصراع هو صراع وجود لاصراع حدود". لقد كانت هذه اللحظة 
هي لحظة الردّة» وقد حققت "لوكربي" هدفهاء وهي إخضاعنا وتجريدنا من 
شرعيتنا. إنها الكارثة. ْ ْ 

لقد تصديت لأهم هذه "المطبّات" والفخاخ» وغيرها كثيرٌ كثير» وكان الأخ 
معمّر يحرّض ويطلب من زبانيته ألا يعلموني بأي شيء وأن يخفوا عني كل شيء. 
وهكذاء أعلنت صراحة. عدة مراتء أنه إذا ما هاجمتنا الولايات المتحدة فسوف 
نسلّح الحركات الإسلامية والثورية والجهادية» وستكون المعركة شاملة وواسعة 
مع واشنطن. كانت الاتصالات مع مصر مكثفة» وكان يقوم بها أحمد قذاف الدم 
وإبراهيم البشاري ويوسف الدبري وإبراهيم بكار. وفي إحدى المرات كانت هذه 
المجموعة تجتمع بالرئيس محمد حسني مبارك» وكان غاضبًا من تصريحاتي 
حول "تسليح الحركات الإسلامية". فقال مبارك للفريق الليبي: "اتصل بي الرئيس 
بوش الساعة الثانية والنصف صباحًاء أي بعد منتصف الليل» وقال لي: الرائد 
عبد السلام هذا الأحمق كيف يقول إنه سوف يسلح الجماعات الإسلامية في 
مواجهة أميركاء وقال: هل هناك في ليبيا رئيسان وسياستان؟". 

ثم أضاف مبارك: "تصوّروا بوش زعلان لدرجة أنه يتصل بي الساعة 
الثانية والنصف بعد منتصف الليل؟". فقال له بكار: "سيادة الرئيس الساعة 
الثانية والنصف فى مصر هى السابعة أو الثامنة مساء فى أميركا". وكان هذا غباء 
ما بعده غباء. ثم اتصل الأخ معمّرء وقال له: "عبد السلام قال إذا ما هاجمتنا 
أميركاء أليس لنا حق الدفاع عن النفس؟". 


2335 


في عام 1992» زارنا الرئيس حسني مبارك. كنا في استقباله أنا والأخ 
معمر وأبو بكر يوئنس. وعند وصولنا إلى قصر الضيافة» جلسنا جميعًا في 
الصالة. فجأة نهض مبارك وقال لنا حرفيًا "المطلوب منكم أن تتغيّروا بالكامل". 
ثم أردف: "ليس تغييرات شكليّة» لازم تتغيّروا وتقوموا بتغييرات حقيقية". ثم 
وجَّه كلامه إلي» قاتلا: "أما أنت تمشي تروح. امش خذ لك سمّ أو انتحرء أو 
خذ لك قارب أو اغرق نفسك فى البحرء حرقت أعصابنا وبتودي الأمة فى 
داهية". لم يردّ الأخ معمّر على كلام مبارك» فنهضت وقلت: "لم يكن والدي 
رئيسًا أو ملكا؛ٍ إذا كان ذهابى فى مصلحة الشعب الليبى» وفى مصلحة الثورة 
فأنا مستعد للذهاب. وإذا كان هذا طلب أميركاء فأميركا لم تعينتي. أنا لست 
موظمًا في وكالة المخابرات الأميركية مثلك". إثر هذا النقاش الساخن» بدأت 
الصحف المصرية في شن حملة عنيفة ضديء وأعتقد أن مبارك اتفق مع الأخ 
معمّر على إظهاري متطرفا و"يساريًا" و"تقدميًا" ومعاديًا للولايات المتحدة. 

وبالفعل أخذ مبارك يروج لهذه الصورةء وبذل جهدًا لإقناع الدول 
الأوروبية والولايات المتحدة» بل أدلى بتصريحات فى ألمانيا وبريطانيا وفرنسا 
قال فيها: "إن عبد السلام جلود هو الإرهابي الخطير» وإذا لم تساعد الدول 
الأوروبية وأميركا العقيد القذافى» فإن البديل هو جلود". 


لكن زعماء أورويا قالوا له: جلود رجل حوار ولا يظهر لنا كعسكري» ولكن 
كرجل أكاديمي محاور ومتفهم. أعتقد أن هذه الحملة كانت بالاتفاق مع الأخ 
معمّر. وحينما كان الفريق الليبي يزور مصر. طلب من حسني مبارك وقف الحملة 
ضديء وكان يحضر اللقاء وزير الإعلام ومدير المخابرات المصريء فالتفت 
حسني مبارك وقال لمدير المخابرات: "مش قلنا لكم أوقفوا الحملة ضده؟” فقال 
له إبراهيم بكار: "يا سيادة الرئيس» صارت الحملة بناءً على أوامركم". 

وأذكر أن مبارك فى إحدى زياراته لليبياء بينما كنا نستقبله فى المطار. 
وبعد أن تصافحنا ونحن في الطريق إلى استراحة المطاره التفت إلى الصحافيين 
المصريين» وكانوا كلهم تقريبًا رؤساء تحرير الصحف المصرية» وقال موجهًا 
كلامه إلي: "يا جلود. هؤلاء هم الذين يهاجمونك. إما تقنعهم وإمّا يقنعونك”. 


23236 


فرددت عليه قائلًا: "سيادة الرئيس» هؤلاء مأمورون. ثم إِنْ الذي تهاجمه مصر 
في هذا الزمان» هو وسام شرفء لو كانت مصر هي مصر عبد الناصرء ويُهاجم 
شخصٌ أو نظامٌ فمن الممكن أن يكون هذا مزعجًا". فقال مخاطبًا الصحافيين: 
"شوفوء شوفو إِمَا تزيدوه أوسمة أو توقفوا عنه الأوسمة". 

كانت اللجنة السباعية التى شكلتها جامعة الدول العربية» فى 24 آذار/ 
مارس 1995» تعمل ضدنا منذ البداية» باستثناء وزير خارجية سورية فاروق 
الشرع7". كانت تريد أن تحفظ "ماء وجهنا"» كما زعمت» بحيث لانسلم 
المُشتبه فيهما مباشرة» وأن يتم التسليم عن طريق جامعة الدول العربية. بعد 
تشكيل هذه اللجنة بأيام» أبدت رغبتها في "زيارة ليبيا"» وفوجئت باتصالها بي 
هاتفيًا طالبة ضمانات بنجاح مهمتها. وقيل لي على الهاتف: "إذا كان هناك رد 
إيجابي سوف نحضر إلى طرابلسء أمّا إذا لم يكن لديكم ردّ إيجابي فلن نقوم 
بالزيارة"» فقلت: "هل مهمتكم هي الضغط علينا وإقناعنا بتسليم المُشتبه فيهما 
أم الوقوف معنا ودعمنا؟". وحينما جاء وفد "اللجنة السباعية"22, اتضح جليًا 
أنهم يرغبون في تشكيل غطاء من جامعة الدول العربية لتسليم المُشتبه فيهماء 
وقد حاولت. باستثناء سورية» الضغط علينا. وهكذاء كانت مهمة اللجنة هى 


بيد أن اللجنة شهدت, مع مرور الوقت». تطورًا في موقفها نحو الأفضل» 
ومن ثم تخلت عن دورها الأول. فى هذا الوقت» حين جرت عملية "ثتعلب 
الصحراء"!/13) عام 8 وهي التي كانت مقدمة لتدمير العراق» ثم تفجرت 


0 35 


0 فاروق الشرع (1938-): سياسي سوريء يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية العربية السورية 
منذ 11 شباط/ فبراير 2006» وكان قد شغل قبل ذلك منصب وزير الخارجية (2006-1984). 

(12) اللجنة السباعية هي لجنة وزارية شكُّلها مجلس جامعة الدول العربية عام 1993. مهمتها 
الاتصال بأطراف الأزمة الليبية المتعلقة بقضية "لوكربي"؛ وهي تضم كلا من مصرء وتونسء وليبياء 
والجزائرء وسورية» وموريتانياء والمغرب. 

(13) عملية ثعلب الصحراء العسكرية: هي قصف جوي استمر أربعة أيام على الأهداف العراقية من 
6 كانون الأول/ ديسمبر 1998 إلى 19 كانون الأول/ ديسمبر 21998 وقد نفذته قوات عسكرية 
أميركية. وكانت الذريعة لتلك العملية العسكرية هي عدم استجابة النظام العراقي لقرارات مجلس الأمن 
وتدخله في عمل اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة. 


2337 


أزمة "لوكربي"» دعت الولايات المتحدة إلى عقد مؤتمر باريسء لتوقيع اتفاقية 
حظر الأسلحة الكيميائية". كنت ضد أن توقع ليبيا هذه المعاهدة» لكن تونس 
والجزائر والمغرب أقنعت الأخ معمّر بأن "توقع دول المغرب العربي جماعيًا 
على المعاهدة" فوافق» ولم يكن لي علم بذلك. خلال اجتماع لجنة المتابعة بين 
ليبيا وتونس برئاستي ورئاسة رئيس الوزراء التونسيء وكان يشارك في الاجتماع 
الحبيب بن يحيى وزير خارجية تونس» طرح الوزير التونسي موضوع التنسيق قبل 
الذهاب إلى باريس لحضور المؤتمرء وقال: "اتفقنا مع الأخ معمّر على أن يكون 
التوقيع جماعيًا باسم دول اتحاد المغرب العربي"» فقلت له: "ليبيا لا يمكن أن 
توقع على المعاهدة ما لم يوقع العدو الصهيوني على معاهدة عدم انتشار الأسلحة 
النووية". ومع ذلك, علمت أن الأخ عمر المنتصر أمين الاتصال الخارجي كان في 
طريقه إلى مطار طرابلس للسفر إلى باريس لتوقيع المعاهدة» فسارعت إلى لقاء 
الأخ معمّر وأبلغته بعدم موافقتي واعتراضيء على الرغم من أنني في هذا الوقت 
كنت مستقيلاء فقال لي: "إن لم نوقع عليها سوف ثُتّهم بأننا إرهابيون» وتستغل 
أميركا هذا الوضع ويزداد التآمر علينا"» فقلت له: "من الناحية الاستراتيجية» 
التوقيع خطأ تاريخيء ومن الناحية التكتيكية» فالتوقيع هو خطأ أيضًا؛ إذ كيف 
نعطي أميركا كل شيء وهي لا تعطي أي شيء»؛ ونجرّد أنفسنا من كل الأوراق. 


03 


ثم إن مصر وسورية ترفضان التوقيع؛ فهل تصبح مصر بلدا إرهابيًا إن لم توقع؟". 
وتحت إلحاحيء طلبنا من عمر المنتصر العودة من مطار طرابلس. 


فى بداية أزمة "لوكربى"» اجتمعت بسفراء الدول الأعضاء فى مجلس 
الأمن. وكانوا تسعةء وقلت لهم: "إن تدمير ليبيا ممكن» لكن إذلال ليبيا غير 


(14) قدّم مؤتمر نزع السلاح تقريره للجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 أيلول/ سبتمبر 1992» الذي 
تضمّن نصّ معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. ووافقت الجمعية العامة على المعاهدة فى 
0 تشرين الثاني/ نوفمبر 1992.» ثم فتح الأمين العام للأمم المتحدة المعاهدة للتوقيع في باريس في 
3 كانون الثاني/ يناير 1993. وبقيت المعاهدة مفتوحةً للتوقيع حتى تاريخ دخولها حيّر التنفيذ في 
9 نيسان/ أبريل 1997. تشكّل المعاهدة نسخةً موسّعة من بروتوكول جنيف لعام 1925 بشأن الأسلحة 
الكيميائية» وتتضمّن إجراءات تحقيقية شاملة؛ كالتفتيش في الموقع. إلا أنّها لا تغطي الأسلحة 
البيولوجية. 


232138 


ممكن, وإن مجلس الأمن أصبح فرعًا من فروع وزارة الخارجية الأميركية بعد 
سقوط الاتحاد السوفياتي"» فقال لي السفير الياباني: "أنا أشعر بالخجل من 
موقف حكومتي". بينما قال سفير النمساء وكان من المتعاطفين معناء إنه "يشعر 
بالخجل أيضًا بسبب موقف حكومته". ثم قال لي باللغة العربية مازحًا: "القرار 
في مجلس الأمن يستغرق بضع دقائق". وأذكر في هذا السياق أن الأخ معمّر 
أصدر في أواخر خريف 1990 أمرًّا للعميد أبو بكر يونس رئيس الأركان وقادة 
الأركان» بنشر الدبابات والمدفعية والصواريخ في العراء. وكان ذلك يعني 
تعرضها للصدأ والتآكل بفعل عوامل التعرية (الأمطار والحرارة). في الواقع» 
لم تكن عندي معلومات دقيقة عن مبررات هذا القرار» ولكنني اعتقدت أنه 
ربما اتخذ هذا القرار بالاتفاق مع جهة ما لتدمير الأسلحة الثقيلة كلها بطريقة 
"ناعمة"» وكأنه يقول لهم "لا تحرجونيء أنا أدمرها بطريقتي". 


232139 


الفصل التاسع 


خلافي مع القذافي 


قدمت استقالتي من منصبي عام 1981» وذلك رفضًا للممارسات القمعية 
التي كانت تقوم بها اللجان الثورية”. عارضت بشدة الممارسات السلطوية 
والقمعية» كما عارضت بقوة مطاردة الليبيين في الخارج» وطالبت بوقفها فورّاء 
وقلت: "هذا إنهاء للثورة. وعندما تتتهي الثورة أخلاقيًا فسوف تنتهي سياسيًا؛ إد 
لايمكن لثورة أن تطارد أبناءها وتصفيهم في شوارع أورويا". كان موقفي هذا 
صارماء حتى إنني قررت الاستقالة من قيادة الثورة» والبقاء في منزلي. مالم 
يوقف هذا العمل المشين. ثم قلت للأخ معمّر: "هذا ليس عملًا ثوريّاء بل هو 
إجرام يقوم به جنود مكلفون منك ومن جماعتك» ليبرهنوا لك أنهم قادرون 
على تنفيذ ما تطلبه منهم» حتى تكون لهم حظوة عندك". 


بعد ستة أشهرء اتصل بي الأخ معمّر في منزلي» وطلب مني إجراء حوار» 
فوافقت. وحدثء. حين كنت فى طريقى لمقابلته فى مقر اللجان الثورية» أن 
استوقفني شخص أسمر البشرة اسمه محمد الحضيري» وكان رئيسًا لتحرير 
صحيفة الزحف الأخضر©. بدا لي متورم الوجه والعينين وأثر اللكمات 
والضرب واضحة على وجهه. قال لي وهو يبكي: "منذ يومين اتصل بي أحمد 
رمضان وقال لي إن القائد يطلب منك أن تكتب مقالّا ضد الضابط عبد السلام 
الزادمة وإخوته. وأعطاني عناصر المقال التي وضعها الأخ معمّر» وفيه وصف 
لهم بأنهم 'فاسدون ومرتشون'. وحينما صدر عدد الجريدة وهو يحمل المقالء» 
هاجمني عبد السلام الزادمة وإخوته في مقر الصحيفة» وانهالوا علي بالضرب 
(1) حركة سياسية شبه مسلحة تنادي بإقامة سلطة الشعب استنادًا إلى أفكار النظرية العالمية الثالثة 
التي يقوم عليها الكتاب الأخضر للقذافي» بحيث يمارس الشعب السلطة من خلال المؤتمرات الشعبية 


الأساسية بصفتها أداة للتشريع. واللجان الشعبية بصفتها أداة للتنفيذ. 
(2) صحيفة فكرية عقائدية أسبوعية تصدرها اللجان الثورية. 


23213 


المبرح» وكانوا ملثمين» ولم أكن أعرفهم أو قد التقيت بهم من قبل". وعلى 
الفور طلبت إحضار الضابط عبد السلام الزادمة. كان موسى كوسا (الأمين 
المساعد لأمانة الخارجية في ما بعد) قربي» وهو يقول لي: "أخ جلود. القائد 
ينتظرك". فقلت له: "لا يمكنني مواصلة طريقي للقاء به حتى يتم إحضار 
هذا الضابط". حينما حضر سألته: "هل أنت وإخوتك قمتم بضرب إمحمد 
الحضيري؟". فقال لي: "نعم سيدي". وعلى الفور صفعته على وجهه عدة مرات 
وأرسلته إلى السجن. ثم ذهبت للقاء الأخ معمّرء وما إن دخلت عليه حتى قال 
لي متهكمًا: "إذا بقيت في بيتك واستقلت؛ منْ سيكون معك؟ إلا علي فضيل 
(وهو يقصد مدير مكتبي) حتى قبيلتك معي" فقلت له: "أنا لا أملك سوى 
ثوريتي وصدقيتي» وليس لي قبيلة. قبيلتي هي الثورة والعروبة والأمة» لكن 


يا أخ معمّرء خوفي أن يأتي يوم ولا يكون فيه أحد معك إلا أحمد إبراهيه"”. 


خلال هذا اللقاء» بقيت مصرًا على موقفي بضرورة وقف "مطاردة الليبيين 
في الخارج" وتصفيتهم» فوافق وطلب مني أن نذهب معًا إلى خيمته في باب 
العزيزية. وهناك وجدت المجموعة التي كانت مكلفة بمطاردة الليبيين في 
الخارج» وأتذكر من بينهم محمد المجذوب وسعيد راشد. فقال لهم الأخ 
معمّر: "يجب أن تتوقف على الفور أي عمليات مطاردة لليبيين في الخارج". 
شعرت بسعادة بالغة بهذا القرار» فقلت للأخ معمّر: "أنا منذ الغد سأعود للعمل. 


(3) أحمد محمد إبراهيم منصور (1955-): من قبيلة القذاذفة ومن مدينة سرت,. عمل معيدَّاء وأستاذًا 
فى الفلسفة بالجامعات الليبية. كما عمل فى الصحافة» وترأس تحرير صحيفة الزحف الأخضر. شغل عددًا 
من الوظائف الرسمية في النظام الجماهيري وعدة أمانات (مكاتب) في اللجان الشعبية» وصولًَا إلى توليه 
منصب الأمين المساعد لمؤتمر الشعب العام (2008-2003). في أواخر آب/ أغسطس 2011 - عند 
اندلاع الحرب في شوارع طرابلس - ذهب إلى منطقة أبو سليم. ولمّا أوشكت المنطقة أن تسقط في أيدي 
المجموعات المسلحة. خرج إلى مدينة سرتء والتحق بالقذافي حتى تم اعتقاله في 20 تشرين الأول/ 
أكتوبر 2011. صدر في حقه حكم بالإعدام عام 2013» ولا يزال مسجونًا في مصراتة. 

(4) باب العزيزية: قاعدة تقع في الضواحي الجنوبية لطرابلس عاصمة ليبيا. كانت بمنزلة القاعدة 
الرئيسة للقذافي حتى استولت عليها قوات الثوار الليبيين في 23 آب/ أغسطس 2011 خلال معركة 
تحرير طرابلس. كان المجمع في الأساس قاعدة للجيش الإيطالي» قبل الحرب العالمية الثانية وفي 
أثنائهاء ثم احتلت القوات البريطانية النكنات في عام 1948. أعاد الملك إدريس السنوسي بناء المجمع. 


2344 


يجب أن توجه إلى المعارضين نداء بالعودة إلى ليبياء وتعطيهم الضمانات بأن 
لايتعرضوا لأي مساءلة» والعفو عمّن هو محكوم. أما الذين لايرغبون في 
العودة ولهم أعمال ووظائف في الخارجء فعلينا أن نبلغهم بأن المكاتب الشعبية 
في خدمتهم» وأنهم سوف يحصلون على الرعاية وأي تسهيلات أو خدمات 
يحتاجون إليهاء ثم تصرف لهم جوازات سفر بحيث يتم تجديدها تلقائيًا". 

منذ نهاية السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات (1989-19279). بدأت 
الحقيقة في ليبيا تتراجع لصالح التزييف. وبدأ التحوّل من "الصدق الثوري" 
والوضوح في الخطاب إلى "الدجل والنفاق". والتحول من "الثورة" إلى "حكم 
الفرد والقبيلة وحكم الأجهزة". كان عمر المحيشي» عضو مجلس قيادة الثورة» 
مثقمًا ثوريّاء وكانت لديه ميول يسارية» وكان غير راض عن هيمنة معمّر ومحاولة 
انفراده بالسلطة؛ ولذلك حاول القيام بانقلاب عام 1975 لإطاحة القذافي. كنت 
أعرف المحيشي منذ أن كنا في التنظيم المدني» وأعرف طباعه الشخصية. كان 
من أسرة غنية ومثقفاء لكنه كان يتصف بالتعالي وافتقاد القدرة على التواصل مع 
الآخرين. حينما بدأ بالتخطيط لمحاولة الانقلاب» تمكن من إقناع عضوين في 
مجلس قيادة الثورة» أحدهما عوض حمزة» وبعض ضباط الحرس الجمهوري 
وخاصة ضباط مصراتة» بالمشاركة فى الخطة. كان معمّر محيًا لمصراتة وأهلها 
منذ دراسته في مدرستها الثانوية» لأن الكثير منهم كان يعطف عليه ويساعده. 
حتى إنهم ساعدوه في الحصول على موافقة للدراسة في ثانوية مصراتة» وأن 
يقيم في القسم الداخلي. وفي ذلك الوقت كانت فرص السكن في القسم 
الداخلى صعبة. كان عمر المحيشى رافضًا لممارسات معمّر السلطوية وهيمنته 
وطغيانه وانحرافه عن مبادئ الثورة. لكن هذه المحاولة سرعان ماكُشفت 
قبل أن تبدأء حين تمكنت عناصر القذافي من معرفتها والإبلاغ عنها. كانت 
محاولة الانقلاب من أخطر المؤامرات التي تعرضت لها الثورة» لأنها من 
قلب قيادة الثورة» ولمشاركة ضباط من الحرس الجمهوري فيها. فهذه القوة 
كانت مهمتها فى الأصل حماية الثورة وحماية معمّر شخصيًا. كان معمّر» حتى 
لحظة تنفيذ هذه المؤامرة» ثوريًا يثق بالضباط الأحرار والضباط الذين التحقوا 
بالقوات المسلحة بعد الثورة. كان ضباط الحرس الجمهوري وقوات الردع من 


345 


مختلف المدن الليبية» وليس بينهم أي ضابط من قبيلته القذاذفة» وأذكر أن من 
بين المشاركين فى محاولة الانقلاب ضابطًا شجاعًا من أهالى مصراتة يدعى 


قتل أبو ليفة فى أثناء مطاردته بعد فشل محاولة الانقلاب. وهو يتجه نحو 
الحدود التونسية. قبل فرار المحيشي إلى تونسء جاء إلى مقر قيادة الثورة في 
باب العزيزية» وكان متوترّاء وأنا لا أعرف إذا ما كان سبب مجيئه قصد اغتيال 
بعض أعضاء القيادة وعلى رأسهم معمّرء أم أنه جاء للتأكد من أن الأمور كلها 
هادئة وطبيعية في القيادة» بما يسمح له بالفرار نحو الحدود التونسية» وأنا أرجح 
الفرضية الأخيرة. حينما وصل إلى مبنى القيادة» كنت فى هذا الوقت فى حى 
قرجي ألقي محاضرة عن الثورة في شقة شعبية تابعة لفرع الاتحاد الاشتراكي 
في الحيّ. صحيح أن هذه المحاولة الانقلابية فشلت, لكنها أسست لانقلاب 
معمّر على الثورة؛ ولذا قاد معمّر انقلابًا "ناعمًا" وماكرّاء ومخادعًا وشيطاناء 
استغرق تنفيذه حوالى تسع سنوات. عاد في نهايته ليصبح "شيخ قبيلة" بامتياز 
وحاكمًا وطاغية مطلق الصلاحيات؛ فقد شن حملة شعواء على قيادة الثورة» 
وشكك فيها وفي قدراتهاء قصد ضرب صدقيتها في أعين الجماهير» كما عمل 
على "تفسيخ" حركة الضباط الأحرار» وكان يقول لي: "يا عبد السلام» الضباط 
الأحرار لايفيدوننا الآن. إنهم سيتعاملون معنا على أساس أنهم شركاء في 
الثورة. نحن في حاجة إلى ضباط وناس جدد. يكون لنا عليهم جميل". فقلت 
له: "لا يمكن أن أوافق على هذا التفكيرء الضباط الأحرار إخوة وشركاء لناء 
ولايجب أن يشعروا أننا تخلينا عنهم وأبعدناهم وتخلصنا منهم بعد نجاح 
الثورة ووصولنا إلى السلطة. يجب أن نبحث عن شركاء وأصحاب رأي 
جدد؛ لأن هؤلاء سيكونون معنا في السراء والضرّاءء أما الأتباع والانتهازيون 
فسوف يتوارون عن الأنظار ويتبخرون". لكنه. مثل أي طاغية» أخذ يبحث عن 
الانتهازيين وأنصاف الرجال. 


في هذا الوقت. أمر إدارات التعليم بتزوير الشهادات الدراسية لأقاربه 
من أجل تمكينهم من دخول الكليات والمدارس العسكرية» وأقام تحالمًا قبليًا 


346 


بين قبيلته وقبيلة ورفلة””'» وشرع في تفريغ الحرس الجمهوري وقوات الردع 
من الضباط الأحرار والضباط الوطنيين» وإحلال أقاربه محلهم. وعيّن أقاربه 
والأتباع والانتهازيين في مراكز حساسة في أجهزة الأمن والمخابرات. في نهاية 
عام 1985 وبداية العام التالي» أعلن عن نفسه "شيخ قبيلة". حين بدأ يحكم ليبيا 
بهذه العقلية» متعطشًا وجاتعًا ونهمًا للمال والسلطة؛ فبعد أن كان يعيش في دارة 
بسيطة ملاصقة لباب العزيزية - كانت سكنًا لرئيس الأركان فى العهد الملكى - 
ويحاسب نفسه. ويحاسب أعضاء القيادة» على "النفقات الشخصية والعائلية” 
أصبح يبني القصور والفيلات الفخمة؛ بدءًا من باب العزيزية» وفي أهم المدن, 
بل حتى في بعض الوديان» وصار ينفق الأموال بلا حساب على نفسه وعلى 
أولاده» وانتهى به الأمر أن يعلن عن نفسه "ملك ملوك أفريقيا", يضع التاج على 
رأسه والقلائد في رقبته والخواتم في أصابع يديه. كان منظره محزنًا ومبكيًا 
وفي الآن نفسه مضحكًا. وأنا اليوم أعترف أنه استطاع خداعيء فقد ظننت أن 
إجراءاته تلك كانت بغرض تأمين الثورة إثر هذه المؤامرة الخطيرة. 


منذ مطلع عام 1974» بدأ الأخ معمّر رحلة "الدجل" والظهور في مظهر 
الزاهد في السلطة» حين شرع في "مسلسل استقالات زائفة", واحدة تلو 
الأخرى. وكان مع كل استقالة يطلب من الانتهازيين من حوله. وأجهزة القمع» 
أن يفرضوا على الجماهير الخروج لمطالبته بالعدول عن استقالته. لقد كانت 
تسيطر عليه فكرة مفادها أنه كلما أوغل في قمع الجماهير» وعندما تخرج هذه 
الجماهير إلى الشارع احتجاجًا على تصرفاته. فإنه سيقول لها: "أنا كنت غير 
راغب في السلطة ورافضًا لها وأنتم أجبرتموني على العودة. إقبلوني كما أنا". 

كانت هناك مجموعة من المنافقين والأتباع وموظفي الأجهزة» تقود هذا 
التلاعب بالجماهير» وكان الغرض من إعلان الاستقالة الزائفة فى كل مرة هو 
أن يقول الأخ معمّر للشعب الليبي: "ما أناء وإمّا أعضاء مجلس قيادة الثورة". 


(5) قبيلة ورفلة: هي إحدى القبائل الليبية الأمازيغية المستعربة» ويرجع أصلها إلى قبيلة هوارة. 
وتنتشر على نحو رئيس من منطقة بني وليد غربًا حتى بنغازي شرقًاء وتوجد كذلك في سبها. 


232117 


أذكر في إحدى استقالاته أنه كان قد سلم الاستقالة إلى أبو زيد دوردة. 
وطلب منه أن يسلمها بنفسه إلى الإذاعة» فاجتمعت غالبية أعضاء مجلس 
قيادة الثورة وقبلت الاستقالة. اتصل بي الأخ معمّر وقال لي: "لقد ظهرتم على 
حقيقتكم بأنكم تتآمرون علي" ثم أوعز إلى المحيطين به بسحب الاستقالة قبل 
أن تصل إلى الإذاعة. 

لقد بدأ انحراف الثورة منذ لحظة "عسكرتها". فى هذا الوقت» كانت 
الأوضاع المعيشية للشعب الليبي تزداد سوءًاء والناس يشعرون بالحسرة على 
أيام الرخاء والرفاهية التي شهدتها ليبيا من 1970 حتى بداية عام 1983. 
وفي هذا الوقت أيضًاء كانت حقبة حكم الرئيس الأميركي ريغن من أصعب 
الحقب والفترات التي مرّت بها ليبيا وثورة الفاتح» حيث اشتدّت المواجهة مع 
الولايات المتحدة» وكانت الحرب فى تشاد تشتد ضراوة؛ بينما كانت المواجهة 
في الشمال مع القوات الأميركية - بسبب القانون الذي أصدرناه والذي تم 
بموجبه اعتبار خليج سرت جزءًا من اليابسة - فقد أصبحت أكثر فأكثر مواجهة 
عسكرية» واتخذت واشنطن من هذا القانون ذريعة لتصعيد مواجهتها السياسية 
والدعائية والعسكرية والاقتصادية. 

ابتداءً من عام 1983» تدهورت أسعار النفط حتى وصلت إلى 7 دولارات» 
بينما كانت تكلفة إنتاج البرميل الواحد 3 دولارات» فأصبح الأمر أكثر صعوبة» 
حتى إننا واجهنا أزمة اقتصادية كبيرة؛ لأن عائدات النفط تدهورت على نحو 
حادّء فعجزنا عن استيراد المواد الضرورية وقطع الغيار والقيام بأعمال الصيانة. 
وبدأت احتياطاتنا تنضبء ولم نكن بطبيعة الحال مستعدين لهذا الأمر. كان قرار 
خفض أسعار النفط قرارًا سياسيًا اتخذته الولايات المتحدة مع دول الخليج 
وخاصة السعودية» لإسقاط الأنظمة الثورية في ليبيا والجزائر وإيران وفنزويلاء 
وقد نُشْرت فى هذا النطاق تقارير عن المؤسسات المالية العالمية تتساءل فيها 
باستغراب "كيف استطاعت هذه الدول مواجهة الأزمات والخروج منها؟". 
وتؤكد هذه التقاريره صراحةً. أن الهدف من تخفيض الأسعارء بل انهيارهاء كان 
هدفًا سياسيًا تآمريا؛ وحمدًا لله فقد تمكنا في ليبيا من مواجهة هذه الأوضاع 


238 


باتخاذ إجراءات صارمة وقاسية» مكنتنا من التغلب عليها. بيد أن اقتصادنا وبنيتنا 
التحتية تعرضا لضربات مؤلمة وموجعة» ومع ذلك أشادت المؤسسات المالية 
الدولية بهذه التدابير» ودعت بقية البلدان إلى أن تحذو حذو ليبياء وأنا أعترف 
بأن الإجراءات والتدابير التي اتخذناها كانت قاسية» مع أنها كانت ضرورية؛ أت 
إلى ضرر بالغ في مستوى معيشة الشعبء. وتسبّبت في تصاعد مشاعر التذمر 
وذلك مع تزايد أعمال القمع التي كانت اللجان الثورية تمارسهاء فضلا عن 
تفشي حالات التسيّب وضعف الإدارة وعدم الالتزام بالقوانين. وكل ذلك كشف 
عن بداية انهيار الإدارة والهياكل العامة وبدء "مرحلة التجربة والخطأ" التى آمن 
بها الأخ معمّر. وكنت أعارضها بشدّة» فضلًا عن تصاعد المواجهات العسكرية 
فى الجنوبء والمواجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية فى الشمال. وأدّى 
كل ذلكء منذ نهاية عام 1 0198 إلى "ظهور عبادة الفرد" التي تمّ الترويج لها على 
نحو صارخ وسافر ومن دون أي لبس؟؛ فقد بدأت مرحلة "حكم الفرد والقبيلة" 
والاعتماد على الأقارب والأتباع من الانتهازيين والمنافقين والدجالين» وتم 
التنكر للقيادة الثورية ولسلطة الشعب. 

تبدت "سلطة الشعب" كما لو أنها كانت عملا تكتيكيًا للتخلص من قيادة 
الثورة ولإخفاء مشروع حكم الفرد والقبيلة وحكم الأجهزة القمعية» ولسحب 
البساط من تحت أي إمكانية لظهور معارضة» ومن يعارض معمّر سيقال له أنت 
تعارض "سلطة الشعب"؛ أي إِنّ التهمة جاهزة! لقد شكلت سلطة الشعب حاجرًا 
نفسيًا فى وجه أي معارضة جادة وصادقة» وكل هذا أدَّى إلى ابتعاد الجماهير 
الشعبية عن الثورة. ثم بدأت مظاهر التململ والتذمرء بل حتى مشاعر السخط 
على الثورة. ومن هنا بدأت رحلة القطيعة شبه الكاملة بين الثورة وجماهيرهاء 
وأخذت الثورة تخسر صدقيتها وشرعيتها وتفقد بريقها. لقد سحبت الجماهير 
فعليًا ثقتها بالثورة» بعد أن منحتها كاملةً يوم الفاتح من أيلول/ سبتمبر. 

كانت الإدارة الأميركية منذ الثمانينيات ترصد وضع احتياطياتنا من 
العملات الصعبة» ولاحظت أنها وصلت إلى أدنى مستوى لها. حاولت 
واشنطن ممارسة مزيد من الضغوط عليناء فبدأت بالضغط على أوروبا الغربية 


23219 


لمقاطعة النفط الليبى؟ نظرًا إلى وجود فائض نفطى فى الأسواق العالمية. ونظرًا 
إلى التوترات في الخليج» وصعود الثورة الإسلامية في إيران» ثم الحرب مع 
العراق. باءت كل هذه المحاولات بالفشل. لكن واشنطن واصلت ضغوطها 
على إيطالياء وخصوصًا على شركة "فيات"» للتخلص من مساهمة ليبيا. 

كانت مساهمة ليبيا 14.5 في المئة» وكنت قد اتخذت قرارٌ ثوريًا أواخر عام 
2 بشراء نحو 9 في المئة من أسهم الشركة بقيمة 138 مليون دينار» فبدأت 
الشائعات الرامية إلى التشكيك فى أهمية هذه الصفقة. خلال فترة ولاية ريغن 
الثانية» كنت أستمع إلى خبر من إذاعة بي بي سي يقول إن إدارة ريغن طلبت 
من إيطاليا وشركة "فيات" التخلص من مساهمة ليبيا. ويقول الخبر إن الخبراء 
الاقتصاديين يقدرون قيمة مساهمة ليبيا من مليارين إلى مليارين ونصف مليار 
دولار؛ فقررت على الفور بيع حصتنا في الشركة» واتصلت بالأخ معمّر وأبلغته 
بالقرار وقلت له إننى ساطلب 3 مليارات دولارء فقال لى: "لا يمكن تحقيق هذا 
الرقم. أنت تحلم". 

وعلى الفور» شكلت فريمًا من المختصينء منهم رجب المسلاتي ومحمد 
عبد الجواد ومحمد سيالة وعبد الله السعودي. وطلبت من المسلاتيء الذي كان 
مديرًا للمصرف العربى الخارجيء أن يتصل بعبد الله السعودي» وكان فى زيارة 
للبحرين» أن يعود على وجه السرعة إلى طرابلس. وبالفعل» حضر السعوديء. 
واجتمعت بأعضاء الفريق كله وأبلغتهم بالقرار» ثم سألتهم: "لقد سمعت 
بالخبر والسعر الذي يقدره الخبراء من إذاعة لندن» لكننى قررت أن يكون السعر 
3 مليارات؟"» فقالوا جميعًا: "السعر لن يتجاوز المليارين"» ومع ذلك أصررت 
على قراري» ثم طلبوا أن ينضمٌ إليهم المحامي كامل المقهور بصفته مستشارًا 
صافيًا". كانت المشكلة التي واجهتنا هي كيفية تحويل هذا المبلغ الضخم خارج 
إيطاليا وبالدولار؛ ذلك أن الإدارة الأميركية كانت قد اتخذت قرارًا بالحجز على 
أي مبالغ بالدولار تعود إليناء وكانت مسألة تحويل المبلغ خارج إيطاليا تبدو 
صعبة جدًا لا يحتملها إلا الاقتصاد الألمانى أو اليابانى. 


23250 


سافر الوفد إلى إيطاليا وبدأ المفاوضات مع كبار مديري شركة "فيات". 
وبالفعل» تحقق الرقم الذي طلبته وحددته. وقبل توقيع العقد بقليل» اتصل 
بي الوفد لطلب الموافقة على التوقيع النهائي. في هذ الوقت» كنت في منزلي 
بالمصيف الذي يقع بين السندباد وعين الزرقاء. فاستدعيت على الفور جاد الله 
عزوز الطلحيء وكان أميئًا للاتصال الخارجيء ومعه قاسم شرلالة أمين الخزانة» 
ومحمد الزروق رجب محافظ مصرف ليبياء وفوزي الشكشوكي أمين النفطء 
وعرضت عليهم الأمر. وكان الفريق الذي يتولى المفاوضات معي على الخط 
الهاتفى» فرحب الأمناء بالاتفاق واعتبروا أنه إنجاز تاريخى. لكننى لاحظت أن 
جاد الله كان متحفظًاء ويرى أن في الأمر خدعة نظرًا إلى ضخامة حجم الصفقة. 
ومع ذلك أعطيت الفريق موافقتي لإتمام الصفقة وإبرام الاتفاق. وبالفعل» تم 
التوقيع على أساس أن يحول المبلغ ب"المارك" الألماني لمصارف ألمانية. اتضح 
لي أن موقف الإدارة الأميركية ومحاولتها الضغط على الحكومة الإيطالية وشركة 
"فيات": كان موقمًا غبيّاه فقد تمكنا من "عقد صفقة القرن"؛ إذ لم يسبق لأي دولة 
في العالم» خلال 150 سنة سابقة» أن حققت عائدًا بهذه الضخامة من استثمار 
خارجىء وتأكد لنا ذلك» حين تعالت الأصوات الناقدة فى الولايات المتحدة التى 
اعتبرت أن الضغط الأميركى على الحكومة الإيطالية وشركة "فيات" كان خطأً 
كبيرًا. لقد مكننا قرار بيع حصتنا في "فيات" في هذا الوقت من تحقيق عدّة أهداف» 
واكتشفت الإدارة الأميركية بعد فوات الأوان الخطأ الذي ارتكبته» فقد تمكنّا من 
الحصول على عملة صعبة في أحلك الأوقات. كان هدف الاستثمار الليبي في 
"فيات" الحصول على عائد اقتصادي» والضغط الأميركي على إيطاليا للتتخلص 
منه مككن ليبياء على غير توقّع من واشنطن؛ من تحقيق "العائد الاقتصادي" لليبيا 
حين حصلنا على احتياطيات جديدة من العملة الصعبة. وبفضل هذا النجاح. 
تمكنا من إضافة 3 مليارات دولار لاحتياطاتنا من العملة الصعبة» وهذا ما عرّز 
قدرتنا على الصمود. 

في عام 41986 طلبت من الأخ رجب المسلاتي ومحمد سيالة ومحمد 
عبد الجواد وكامل المقهورء رفع دعوى قضائية في المحاكم البريطانية ضد 
السلطات الأميركية وضد قراراتها وقوانينها التي تبيح لها تجميد أموال أي 


351 


دولة في العالم خارج الولايات المتحدة. وقد ربحنا هذه القضية وحكمت 
المحكمة البريطانية بأن القوانين الأميركية لا يجوز أن تطبق ضد سيادة الدول» 
وهكذا أنهت ليبيا مرحلة طويلة من "قدرة" واشنطن على تجميد أموال أي دولة 
بالدولار» ومثل هذا الحكم انتصارًا لكل دول العالم. في هذا الوقت كانت 
أسعار النفط تتهاوى. 


اتخذت بنفسي قرار المساهمة في شركة "فيات"» حينما كنت رئيسًا 
للوزراء» على الرغم من أجواء الشائعات والتشكيك في جدوى هذا النوع من 
الاستثمار» وحرصت على أن تتم في سرية تامّة» وهذا ما أكدته وسائل الإعلام 
الغربية آنذاك. وبالفعل» تمّت عملية البيع. 


في هذا الوقت» أي في عام 1986» كان الوضع الاقتصادي في ليبيا قد بلغ 
مرحلة من التدهور. ووصلت الحالة النفسية للمواطنين في عموم البلاد مستوى 
من التدنى يفوق كل وصفء وتفاقمت الممارسات التى تنتهك حقوق الليبيين 
وكراماتهم» وشاعت عبادة الفرد. لقد غدت الجماهير في وضع نفسي سيئ مع 
تدهور مستوى المعيشة» وشيوع "النفاق" والتملق وبطش ما سمي "حركة اللجان 
الثورية" وغيرها من الأجهزة القمعية. ونظرًا إلى أن الانضمام إلى هذه الحركة 
كان مفتوحًا أمام الجميع» فقد دخلها كل مَن هبّ ودبّ: الانتهازيون» والفاشلون» 
والقبليّون» والمنافقون» وأصبحوا هم كل أعضاء الحركة. ونظرًا إلى هذا الوضع 
أيضًاء أصبحت الحركة حركة تهريج. لقد انحرفت عن أهدافها وتحولت إلى 
ميليشيا مسلحة وقمعية» مارست التسلط على الجماهير الشعبية» ثم بدأت مرحة 
"القوانين الشخصانية"» وانهارت القوانين وحلت محلها المزاجية والمحسوبية. 
لقد اكتشفت أن الأخ معمّر لايريد حركة ثورية؛ وإنما "حركة تصفيق" يقوم كل 
نشاطها على تكريس عبادة الفرد وممارسة عملية تخويف للجماهير وتوجيهها 
لاإراديًا. 


كان شغله الشاغل أن تقبّل الجماهير جبهته وأنفه ويده. تمامًا كما هو 
الحال في المغرب والسعودية» أي إنه كان يرغب فى رؤية "حركة" تتملق له 
وتمارس التزييف والخداع والتهريج. كانت استراتيجية الأخ معمّر هي "الأمن 


2352 


ثم الأمن". وعلى سبيل المثال» حين تتقدم أعداد من الطلبة للدراسة في 
الكليات والمدارس العسكرية» كانت الأجهزة الأمنية تحيل إليه مباشرة قوائم 
بأسماء هؤلاءء» ليتولى بنفسه مراجعة ملفاتهم؛ اسمّاء اسمّاء وكان يولي عناية 
خاصة لمعرفة الانتساب القبلي لهؤلاء» وكان يشطب بنفسه كل أسماء الذين 
يظن مجرد ظن أن ولاءهم غير مضمون. وأذكر أنه طلب من رئاسة الأركان 
ترشيح مجموعة من الضباط لنقلهم إلى جهاز الأمن الداخلي» ومن هؤلاء أخي 
جلود. لما علم أخي بقرار الأخ معمّر نقله من الجيش بصفته ضابط إلى جهاز 
الأمن الداخلي» شعر باستياء شديد فجاء لزيارتي. قال لي: "أريد لقاء الأخ 
معمّر. اتصل به ورتبٌ لي موعدًا"» فاتصلت به. 


حين التقى أخي جلود بالأخ معمّر قال له: "يا أخ القائد. نحن عائلة بيت 
جلود لم نشتغل في الأمن؛ لا في عهد الآتراك» ولا في عهد الطليان» ولا في العهد 
الملكي. ولن نشتغل فيه في عهدك أيضًا". فردّ عليه الأخ معمّر: "وماذا تريد؟". 
فقال أخي جلود: "أنا مواطن وأنت الحاكم, لا يمكن لي أن أقول ما أريد أنت 
تقرر". فقال له الأخ معمّر: "ما رأيك في الإحالة للتقاعد؟" فردّ عليه: "موافق". 

لقد تحدثت خلال كل اجتماعاتي مع الأخ معمّر» بقوة وصراحة ووضوح. 
وتناولت بالنقد الوضع الذي تعيشه الثورة والجماهير» ووضعته أمام أحد 
خيارين: إمَا أن نقف وقفة جادة ونبدأ في إحداث تغييرات جذريّة» وإمًا أن 
أقدم استقالتي» فقال لي إنه يوافقني الرأي بضرورة إجراء التغييرات الجذرية. 
وبالفعل» بدأنا حوارات معمّقة فى مدينة سرت على امتداد أحد عشر يومًا 
كانت تستغرق ساعات طويلة من الصباح إلى المساءء. وكان العقيد مسعود 
عبد الحفيظ. والمقدم خليفة إحنيش. والرائد عبد الله السنوسيء والرائد أحمد 
قذاف الدمء والنقيب عبد السلام الزادمة» يقومون بواجب خدمتنا. بدأت هذه 
الحوارات في أول يونيو/ حزيران 1986 واتفقت أنا والأخ معمّر على أسس 
ومرتكزات التغيير» وأن أقوم بإعداد التصورات والحلول العملية. ونظرًا 
إلى أهمية النتائج التي توصلنا إليهاء فقد أطلق العقيد مسعود عبد الحفيظ 
والمقدم خليفة إحنيش على أيام هذه الحوارات "الأيام المباركة". في 


253 


1 حزيران/ يونيوء انتهت الحوارات» وتوجهت بالسيارة أنا والأخ معمّر إلى قاعدة 
رأس لانوف”» للاحتفال بذكرى طرد القوات الأميركية» وكان الأخ معمّر يقود 
السيارة بنفسه. وصلنا إلى رأس لانوف حوالى الساعة الخامسة مساءء فلم نجد 
إلا عددًا قليلًا جدًّا من الجماهير في موقع الاحتفال» فأدركت أن الثورة فقدت 
بالفعل جماهيرهاء بل إن الجماهير في الواقع أدارت ظهرها للثورة. وكان 
يحضر الاحتفال الأخ أحمد جبريل والأخ أبو موسى. 

في اليوم التالي» توجهت أنا والأخ معمّر بسيارة إلى منطقة هراوة» 
حيث تقيم قبيلة أولاد سليمان الذين استقبلونا بحفاوة رجالا ونساء وأطفالاء 
فتناولنا معهم طعام الغداءء ثم عقدنا اجتماعًا مع قيادات القبيلة. في هذا 
الاجتماع» قال لنا رجال القبيلة بصراحة ووضوح وصدق: "لا نرغعب في 
الذهاب إلى الأسواق العامة» ونفضل الموت على أن نذهب إليهاء لآن هناك 
من يعامل المواطنين ك"كلاب". ثم أضافوا بمرارة: "هناك تخدث الكثير 
من الممارسات غير الأخلاقية. الناس تتشاجرء تتدافع في زحام شديد على 
بضائع شحيحة. والعاملون في هذه الأسواق يتصرفون مع الناس بوحشية 
ويفرضون علينا شراء سلع لا نرغب فيها". وقالوا لنا أيضًا: “يا أخ معترء 
يا أخ عبد السلام إذا قلنا لكم إن 15 في المئة من الشعب مع الثورة» فهذا يعني 
أننا تكذب عليكم. جِدًا حلا سريعًا للأوضاع. رغم كل شيء فإننا نفضل الموت 
على أن نرفع السلاح ضدكم". في هذه الأثناع جاءت طفلة صغيرة عمرها 
6 سنوات تقريبئًاء توقفت أمام الأخ معمّر وقالت: "بابا معمّر من عامين لم أتناول 
شكولاتة أو حلوى أو تفاحة". فقال الأخ معمّر مخاطبًا الحاضرين: "أحضرت 
الأخ عبد السلام معي لتحدثوه عن مشكلاتكم لآن أمور الدولة كلها عنده". ثم 
واصلنا رحلتنا واتجهنا إلى مدينة البيضاء. كان هناك مكان غالبًا ما يستريح فيه 
الأخ معمّر في هذه المنطقة» فتوقفنا فيه وتناولنا الطعام. 


(6) رأس لانوف: تقع في الشمال الليبي على خليج السدرة في إقليم برقة» وهي مقر مصفاة 
رأس لانوف النفطية. 


الأوراق الثلاث 


قرر الأخ معمّر أن يواصل الرحلة إلى البيضاءء بينما قررت الذهاب إلى 
بنغازي لأسافر منها بالطائرة إلى طرابلس. ثم شرعت في اليوم التالي في إعداد 
أوراق العمل لإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح. بناء على الأفكار التي طرحتها 
في حواراتي مع الأخ معمّر في سرت. في هذا الوقت من عام 21986 وبينما 
كنت منغمسًا في كتابة "برنامج التغيير» فوجئت بوصول الصديق الكاتب الليبي 
المعروفء الصادق النيهوم”' وهو يطرق باب منزلي في المصيف. حين استقبلته» 
طلبت منه أن يقرأ ما كتبت» وأن يطلع بنفسه على أفكار برنامج التغيير الذي أعده. 
وما إن انتهى الأخ النيهوم من قراءة مسودة البرنامج» حتى هبّ من مقعده وقال 
لي بصوت بدويّ: "صبيّ يا بطل" أي قم يا بطل لأعانقك. ثم عانقني وقال لي: 
"لو تحقق هذا البرنامج فسوف أعود غدًا من سويسرا لأتولى إصدار صحيفة". 
في اليوم التالي» التقيت بالأخ المقدم يوسف الدبريء وكان صديقًا مقرّبًا لصادق 
النيهوم» فقال لي: "أمس وحوالى الساعة الثانية لِيلًّا طرق باب منزلي الأخ صادق 
النيهوم وهو يقول لي مازحًا: افتح يا عبد (لآن يوسف الدبري رجل من ذوي 
البشرة السمراء)» أريد أن احتفل ببرنامج عبد السلام جلود على طريقتي". وفي 
هذا الوقت. كان يزورنا الدكتور جورج حبشء الأمين العام للجبهة الشعبية 
لتحرير فلسطين. بعد اجتماعي به طلبت منه أن يقرأ البرنامج» وما إن انتهى من 
قراءته» حتى قال لي: " أهنئك يا أخ عبد السلام. لم يحصل أن تكون هناك ثورة 
منتصرة وتمسك بزمام السلطة» تملك الشجاعة وتقوم بهذا النقد الجريء» وتقدم 
حلولًا أكثر جرأة"» وقال لى: "نحن فى فصائل الثورة الفلسطينية» حينما خرجنا 
من لبنان نتيجة لأخطائنا وتصرفاتنا وفقدنا ساحة لبنان» قام كل فصيل في مؤتمره 
بنقد تصرفاتنا وأخطائناء لكن للحقيقة لم نملك الجرأة لننقد أسباب خسارتنا 
لساحة لبنان مثلك". كانت لدي ثلاث أوراق عمل: 
(7) الصادق النيهوم (2994-1937): أكاديمي وكاتب وأديب ليبي» درّس مادة الأديان المقارنة 


بصفة أستاذ مساعد بقسم الدراسات الشرقية بجامعة هلنسكي في فتلندا (1972-1968). له عدد كبير 
من الروايات والكتب الأدبية. 


الورقة الأولى: تضمنت "نقد حركة اللجان الثورية" وممارساتها القمعية» 
وكذلك "نقد الأجهزة الأمنية" و"الممارسات اللاثورية والتزييف والنفاق» 
وانعدام الممارسة الديمقراطية" و"غياب النقد" بوصفه "أوكسجين الحياة" لأي 
ثورة أو حركة سياسية. وفي هذه الورقة» ركزت على أهم الأفكار» ومنها أن 
الثورة تقوم على الحب والصراحة والوضوح مع الجماهير؛ فإذا ما نجحنا نقول 
إننا نجحناء وإن فشلنا فعلينا أن نصارح الجماهير بالفشل وبأسبابه. الثورة ليست 
توجيهًا "لاإراديًا". 


ومن هذا المنطلق» على حركة اللجان الثورية أن تعتمد الحوار مع 
الشعبء وأن تسعى للإقناع لا للتخويف والتزييف. كما أكدت الورقة الأولى 
على الفكرة الجوهرية التالية: إذا انتهت الثورة أخلاقيّاء فستكون قد انتهت 
سياسيًا وأيديولوجيا؛ ولذلك لا بد من احترام الرأي والرأي الآخر. سواء داخل 
الحركة أو في المؤتمرات الشعبية. 

الورقة الثانية: تضمنت هذه الورقة شرحًا للمفاهيم والسياسات الاقتصادية» 
وقد حللت فيها مقولات الكتاب الأخضرء وبيّنتٌ أن هناك مسافة بين النظرية 
والتطبيق» وأشرت إلى أن فهم المقولات اتسم بكثير من الأخطاء التي قادت 
إلى التطبيق المجزَّأْ والخاطئ للمقولات نفسها. لذاء وضعت رؤية عملية 
للتطبيق تقوم على الفهم العلمي الجماعي. وأكدت أن الأسئلة التي واجهت 
كارل ماركس وفريدريك إنغلز» ليست الأسئلة نفسها التي واجهت فلاديمير 
لينين. وفي هذه الورقة» اعترضت على الشرح الذي قدمه الأخ معمّر للكتاب 
الأخضرء وقلت: "من الخطأ أن نقدّم الشروح لما جاء في الكتاب"؟؛ لأن ذلك 
يعني أن "الكتب أقفلت والأقلام جفت"» وقلت: "يجب ألا تكون هناك مرجعية 
وفتاوى لشخص - وكنت أقصد الأخ معمّر - بل إن المرجعية هي النتصوص 
النظرية ضمن قراءة جماعية» وضمن التسليم بالحقيقة القائلة إن هناك بالفعل 
مسافة بين النظرية والتطبيق". 

الورقة الثالثة: تضمنت مقترحات تتعلق بإعادة تنظيم القوات المسلحة التي 
كانت تضم نحو 350 ألف منتسبء يمثلون فعليًا أكثر من ثلث القوة العاملة 


2356 


في البلاد. كانت هذه القوة معطلة لآنها خارج العملية الإنتاجية» وهي تشكل 
عبنًا ماليّا يكلف الخزينة مبالغ هائلة. لذاء اقترحت تقليص القوات المسلحة إلى 
0 ألقَّاء كما اقترحت إيقاف شراء الأسلحة. وإقفال بعض القواعد الجوية. 
ووضع خطط لتخزين الأسلحة على مدى طويل. كما اقترحت تقليص أعداد 
الطلبة الذين يتوجهون إلى الانتساب إلى القوات المسلحة. 


وهكذاء توجهت إلى بنغازي لمناقشة الأوراق الثلاث مع الأخ معمّر. لمّا 
وصلت إلى المدينة» اكتشفت أنه توجه إلى مدينة البيضاء؛ فلحقت به على وجه 
السرعة. وسرعان ما التقيت به في منطقة تفصل + بين المرج والبيضاء. وحين قرأ 
الأوراق» قال لي إنه يوافق على ما ورد فيها من تصوراتء ثم قال لي: "كيف 
يمكن إقرار هذه الأوراق؟". فقلت: "نعرضها على المؤتمرات الشعبية"» فردّ 
قائلا: "يُستحسن أن تُعرض على ملتقى اللجان الثورية أولّاء ولكن يجب ألا 
تعرض على أنها صادرة عن القيادة حتى لا يؤثر ذلك في قناعاتهم". 

في هذه اللحظات» شعرت بالريبة مما سمعتء وانتابني شعور حقيقي بأن 
الأخ معمّر لم يكن جادًا في الموافقة على الأوراق المقدمة» بل شعرت أنه غير 
جادّ في إحداث أي تغيير جذري. ومع ذلك وافقت على مضض.ء ثم اتفقت معه 
على موعد عقد الملتقى العاشر لحركة اللجان الثورية» فى يوليو/ تموز 1986» 
في جامعة الفاتح. حين عقد الملتقى ذ فى الموعد والمكان المتفق عليهماء وكنا 
قد اتفقنا أن تعرض الورقتان الأولى والثانية على الملتقىء لاحظت أن جدول 
الأعمال يتضمن مناقشة هاتين الورقتين» وكنت قد فهمت أن الأخ معمّر سرّب 
إلى أعضاء الحركة خبرًا يقول إن "الآخ عبد السلام جلود أعدّ هاتين الورقتين 
وهما تعبّران عن رأيه هو". 

في اليوم الأول للملتقى» بدأت "الكولسة" ومقاومة عملية التغيير» وكانت 
مشاعر الخوف بادية على وجوه أعضاء الملتقى, الذين نظروا إلى عملية التغيير 
هذه على أنها مسّ بمصالحهم, وأن الأفكار المطروحة توجه النقد الشديد 
إليهم. في افتتاح الملتقى» ألقى الأخ معمّر كلمة» وكان عدد المشاركين يناهز 
0 ألماء قال فيها حرقيًا: "نحن قدّمنا نموذجًا سيئًا ودمرنا أنفسنا. المهم أننا 


23157 


قدمنا نموذجًا ولا نريد أن نتراجع". فصفق أعضاء الملتقى» وهتفوا: "دوم معمّر 
هو القايد» الفاتح» الفاتح ثورة شعبية". كانت تلك لحظات صادمة لي. لقد 
صعقت مما يجري ومن كلام الأخ معمّر وتأييد أعضاء الملتقى له. وهذا دليل 
آخر على السلوك الانتهازي والمنافق» فتوجهت على الفور نحو الميكرفون 
وقلت مخاطبًا الأخ معمّر: "لاا يا أخ معمّر. الشيء السيئ لايشكل نموذجًا. 
الشىء الجيد هو الذي يشكل نموذجًا". أصابت كلماتى الحاضرين بالذهول 
وبدا واضحًا أن الخلاف بيني وبين الأخ معمّر هو خلاف عميق. 

كانت الورقة الثالثة من "مشروع برنامج التغيير الجذري" الذي قدمته. 
تتضمن تصورات لإصلاح العجز في الميزانية» خصوصًا بعد انهيار أسعار النفط 
التى وصلت إلى 7 دولارات. بتوجيه متتى ألف من أفراد القوات المسلحة نحو 
سوق العملء وهكذا يمكننا أن نعالج الخلل في الموازنة. لكن ذفنت "محاولة 
التغيير الجذري" في مهدهاء وانتهى الملتقى. 

أصبحت المؤتمرات الشعبية بلا جماهير بعد أن تكشف لها الزيف. وأن 
دورها هو إضماء "مظهر ديمقراطي" شكلي يغطي على حكم القبيلة وحكم 
الفرد. وهكذاء باتت المؤتمرات الشعبية مهجورة من الجماهير» بحيث إِنَّ عدد 
الحضور في كل مؤتمر لا يتجاوز ثلاثين أو خمسين شخصًا من كبار السن 
والمتقاعدين والأتباع» بعد أن كانت الجماهير تحضر بكثافة. 

في اليوم التالي» فوجئت بأن الإذاعة المرئية تذيع نصّ ما سمي "وثيقة 
الشرعية الثورية"» وهى وثيقة تُمكن معمّر من حصر السلطة كلها فى يده التفافًا 
على سلطة الشعب وعلى صلاحيات المؤتمرات الشعبية» بحيث سمح له 
باتخاذ أي قرارات باسم "الشرعية الثورية كقائد للثورة". وهي تتضمن ما يلي: 

- إن ما يقوله أو يعمله هو "قانون". 

- يكلف أعضاء القيادة التاريخية بالمهمات التى يراها. 


2358 


فاتصلت بالأخ معمّر هاتفيّا وكنت في حالة من الغضب الشديد وقلت له: 
"ما هذا الكلام الفارغ الذي يذاع؟". ثم أضفت: "هذا فراق بيني وبينك» أنت 
اخترت هذا الطريق» وأنا اخترت طريقي". 

ثم قلت: "سبق لي أن أعلنت بوضوح أنه لا يوجد اليوم أيّ فصل بين الثورة 
والسلطة. الثورة ممارسة لقرار سياسىء. والسلطة كذلك ممارسة لقرار سياسى. 
وجود القيادة التاريخية شرّ لا بد منه؛ لأن وجودها عمليًا سيكون متناقضًا مع 
سلطة الشعبء بحيث إن الناس سوف يشعرون بالخوف منّا وهم يجاملوتنا 
أو يثقون بنا ويقبلون أي شيء نقوله ونعمله. وبذلك لن يكونوا قادرين على 
التفكير المستقل. لكن لن يكون هناك نظام وطني ولا تقدمي ولا سلطة شعبية 
ما إن تختفى القيادة التاريخية» بل ستكون ليبيا أقل تأثيرًا من غامبيا. وإذا افترضنا 
أن هناك شرعية ثورية» فإن هذه الشرعية ستكون للقيادة مجتمعة وليست 
حكرًا عليك". وحينما أدرك الأخ معمّر شدة غضبيء وكان يسيطر من منزله 
ومكتبه على الإرسال التلفزيوني (المرئي) وهو يتحكم في البث» أوقف البث 
المباشر» ثم قال لي هاتفيًا: "اكتب الصيغة التي تقترحها للشرعية الثورية". في 
البداية وافقت» لكننى شعرت بعد لحظات أنه غير جادّ. فاتصلت به وقلت له: 
"يا أخ معمّر ليس المهم ما أكتب, المهم ماذا في ذهنك؟". 

ومع ذلك كتبت صيغة تؤكد على "جماعية الشرعية الثورية"» وهي صيغة 
تعيد الاعتبار للقيادة التاريخية» فوافق على الصيغة تحت الضغط والإلحاح» 
ولكن - ويا للأسف - سرعان ما علمت أنه تراجع عن الاتفاق» وقام بتحريف 
مضمون الصيغة؛ فقد جسّدها في شخصه. وبالطبع» لم يكن الأمر مفاجنًا 
بالنسبة إلي» فهو شخص لا يؤمن بسلطة الشعبء بل يؤمن بحكم الفرد و"عبادة 
الفرد". كما أنه يؤمن بحكم العائلة وحكم القبيلة. كانت سلطة الشعب بالنسبة 
إليه أكذوبة» قنبلة دخان الغرض منها التغطية على الحقيقة» أي التخلص من 
"مجلس قيادة الثورة" ومنع ظهور أي معارضة» بحيث يتمكن من البقاء في 
الحكم طوال حياته ومن بعده أولاده فهذا الوضع لا يسمح بظهور أي معارضة» 
ويصبح كل معارض متآمرًا على سلطة الشعب. 


2325 9 


في أواخر عام 1989» كنت أمارس لعبة كرة القدم في ملعب تابع لمركز 
التربية العقائدية في طرابلس. بعد أن غادرت الملعب. وركبت سيارتي, إذا 
بمجموعة من الشباب يقفون في انتظاري عند الباب» وصاحوا بأعلى أصواتهم: 
"يا أخ عبد السلامء يا أخ عبد السلام» نريد أن نتحدث معك؟". فنزلت من 
سيارتى واستمعت لما يريدون قوله. قالوا لى: "نحن طلبة من اتحاد طلبة 
الجامعات» ونريد أن نخبرك أن أعضاء الاتحاد اجتمعوا فى طرابلس لمدة 
يومين لاختيار قيادة جديدة للاتحاد. لكن عمر أشكال؛ أمين شؤون المؤتمرات 
الشعبية» ومحمد المجذوب”*» وصالح إبراهيم المبروك”*'» فرضوا علينا نقيبًا 
هو الطالب عبد الله عثمان» وهو من أقرباء القذافي» وقالوا لناء إن القائد يريده 
في هذا الموقع". ثم سلموني شريط فيديو للاجتماع. وحينما عدت إلى المنزل» 
شاهدت الفيديو. وكيف أن هذه المجموعة زورت إرادة الطلبة» وفرضت عليهم 
الطالب عبد الله عثمان. 


في الصباح؛ استدعيت بشير حويج أمين شؤون المؤتمرات المهنية» كما 
استدعيت المجذوب وإبراهيم وأشكال» وقلت لهم جميعًا: "ما هذا التزوير لإرادة 
الطلبة وتخويفهم وتهديدهم؟". فقالوا: "إن القائد» بحسب تعبيرهم» يرغب في 
أن يستمر عبد الله عثمان في موقعه على الأقل أربع سنوات أخرى". فقلت لهم: 
"لاء لايمكن أن أوافق على هذا التزوير. أوافق على إرادة الطلبة فقط". وهكذا 
وضعت حدًا لمحاولة تزوير إرادة الطلبة» وطلبت منهم دعوة الطلبة للاجتماع من 


(8) العقيد محمد المجذوب القذافي (2007-1951): ضابط سابق بالجيش الليبي» وهو من قبيلة 
القذاذفة» ابن عم القذافي. أسندت إليه عديد المهمات العسكرية والأمنية في ليبياء وكان له تأثير في 
الحياة العسكرية والسياسية في البلاد؛ إذ كان رئيس حركة اللجان الثورية. 

(9) ينتمي صالح إبراهيم المبروك إلى قبيلة ورفلة» إحدى أكبر قبائل ليبياء وتخرج في كلية الاقتصاد 
بجامعة قاريونس في بنغازي عام 1980» ثم تحصل على الماجستير من جامعة بواتفورد عام 21984 وهو 
العام الذي وقعت فيه أحداث السفارة الليبية بلندن. وبعد عودته إلى ليبياء عمل أستاذًا بكلية الاقتصاد 
والعلوم السياسية بجامعة الفاتح في طرابلسء ثم أكمل دراسته ليتحصل على شهادة الإجازة الدقيقة 
(الدكتوراه) في الاقتصاد من جامعة بلغراد عام 1989. وإلى جانب عمله أستاذًا بالجامعات الليبية؛ نشط في 
حركة اللجان الثورية» في النظام الليبي السابق» وخاصة في أثناء ما غرف بفترة "المواجهة" بين ليبيا والغرب 
منذ منتصف الثمانينيات حتى تطبيع العلاقات مع الغرب عام 2003 بعد حل قضية "لوكربي". 


232060 


جديد. وأن يختاروا من يريدون من دون تهديد أو خوف, كما كلفت بشير حويج 
وصالح والمجذوب أن يشرفوا بأنفسهم على هذا الاجتماع. في اليوم ذاته مساءء 
جاءني بشيرء وقال لي: "هناك مجموعة من أعضاء اللجان الثورية لاا يريدون 
تمكين الطلبة من حرية الاختيار"؛ فذهبت بنفسي, على الفور إلى الاجتماع. ماإن 
وصلت إلى المكان» حتى خاطبتهم بقولي: "لى بديل من حق الطلبة في الاختيار 
الحر لقيادتهم. وأنا مستعد لقتالكم من شارع إلى شارع". وهكذا أوقفت هذا 
التزييف. في نهاية الاجتماع قال لي الطلبة: "هذه هي المرة الأولى التي نختار فيها 
قيادتنا بأنفسنا"» ثم عانقوني وهتفوا "الفاتح, الفاتح". 


في عام 1989.» استدعى الأخ معمّر أخي سالمء وكان رئيسًا لاتحاد نقابات 
العمال» وطلب مني حضور اللقاء. في بداية اللقاء» قال الأخ معمّر لأخي سالم: 
"يا سالمء أنا لست ضدك. يجب أن تعرف أن أعدى أعدائي هم العمال والطلبة. 
وعندما تمشي أنت (أي عندما تستقيل) فلن يكون هناك اتحاد عمال". ثم 
توجه نحوي قائتلًا: "يا عبد السلام» أليندي2 في تشيلي لم تسقطه المخابرات 
الأميركية عمليّاء وإنما أسقطه العمال حينما أغلقوا الطرق والساحات والميادين 
بالشاحنات والحافلات وشُلّوا الحركة". ثم طلب من سالم أن يقدم استقالت 
فقال له سالم: "لا يمكن أن أقدم استقالتي لأنك يا أخ معمّر لم تعيّني. أنا 
كنت مدة 17 عامًا ناتبًا لرئيس اتحاد عمال ليبيا فى العهد الملكي الذي كان 
رئيسه سالم شيتة”© عضو مجلس النواب". ثم قال سالم: "والآن في عهدك 


(10) سلفادور أليندي (1973-1908): طبيب وسياسيء ويُّعدَ أول رئيس دولة يساري الشُخب 
ديمقراطيًا. شغل منصب رئيس جمهورية تشيلى (1973-1970). قُتل فى الانقلاب العسكري الذي 
خططت له ونفذته وكالة المخابرات المركزية الأميركية بقيادة الجنرال أوغستو بينوشيه. وارتبط حكم أليندي 
بتطبيق ما سماه "برنامج الإنقاذ" الذي حقق نجاحات في البداية إلى أن تهاوى تحت موجة الركود والتضخم 
الذي وصلت نسبته إلى 600 في المئة عام 1973» وتسببت في تظاهرات نقابية عارمة ضده. 

(1) يعود تاريخ الحركة العمالية في ليبيا إلى أربعينيات القرن الماضيء إبان الاحتلال الإيطالي في 
طرابلس» وكانت بقيادة سالم شيتة. ورفاقه من المناضلين التقابيين. وبعد الاستقلال» توحدت الحركة 
النقابية تحت راية الاتحاد العام لعمال ليبيا. ومن أهم المواقف التاريخية للعمال الليبيين نذكر إضراب عمال 
نقابة العاملين بقطاع النتفط عن العمل وشحن الناقلات» إبان العدوان الصهيوني في عام 1967» على الرغم 
من تدخل الحكومة الليبية لإيقاف الإضرابء وقد كان على رأس منظميه محمود سالم المغربي. 


361 


العمال هم من اختاروني. يمكنك عزلي ولكن لن أقدم استقالتي". في إثر ذلك 
مباشرة» شكّل معمّر لجنة برئاسة نقيب الأدباء والكتاب الليبيين أمين مازن» 
دعت اتحاد العمال لعقد اجتماع في سرت. أشرفت هذه اللجنة على الاجتماع» 
فقرر اتحاد العمال إقالة سالم» وذلك تنفيدًا لأوامر معمّر. عاد سالم إلى الفندق 
في مدينة سرتء فأبلغه مدير الفندق قائلا: "إن سكرتارية الأخ معمّر طلبت مني 
أن أبلغك ألا تعود إلى طرابلسء لأن القائد يريد الاجتماع بك غدًا في الساعة 
2 فقال سالم: "ماذا يريد مني؟ لقد فعل ماأراد". ثم عاد سالم ليلا إلى 
طرابلس. في الصباح اتصلت السكرتارية بالفندق وطلبت التحدث مع سالمء 
فكان الرد أنه غادر الفندق إلى طرابلسء» فغضب الأخ معمّر غضبًا شديدًاء 
واتصل بأحمد رمضان في طرابلس وطلب منه أن يرسل سالم على متن طائرة 
صغيرة فورًا إلى سرت. عاد سالم إلى سرت والتقى معمّرء فقال له: "يا سالم» 
كيف أطلب منك البقاء في سرت للاجتماع بك ومع ذلك تعود إلى طرابلس. 
أنت غير معترف بي كرئيس لهذا البلد". فرد عليه سالم: "ماذا تريد مني يا أخ 
معمّر. أنت فعلت ما كنت تريده"» فنهره معمّر ووبحّه. 


أواخر عام 21990 توفي عمي عليء فأقمنا له عزاء في صالة رياضية كبيرة 
في حي قرقارش بطرابلس بالقرب من نادي الرمال» ولا أبالغ إن قلت إن معظم 
أهالي طرابلس جاؤوا للتعزية. في اليوم الأول للعزاء» كان إلى جانبي بعض 
الضباط الأحرار» من بينهم العقيد يوسف الدبريء فقالوا لي: "اليوم حضرت 
كل طرابلس لتعزيتك". في الواقع جاءت الوفود من كل المدن والقرى والقبائل. 
ويبدو أن التنابلة وعناصر السوء كانوا ينقلون هذه الصورة للأخ معمّر. وذلك 
مازاد فى غضبه وحقده على الليبيين؛ لأنه وجد فى هذه الصورة شخصًا ينازعه 
الشعبية. في اليوم الثاني للعزاء» كنت مرهمًا فلم أتمكن من الذهاب إلى مكان 
العزاء. اتصل بى عبد الله السنوسى وقال لى: "إن القائد سيذهب الليلة لتعزيتك 
وتعزية عائلة جلود". وبالفعل؛ بعد صلاة العشاء وصل القذافي إلى مكان العزاء 
فلم يجدني. اتصل بي السنوسي وآخرون وقالوا لي: "القائد ينتظرك في مكان 
العزاء". ومع ذلك لم أذهبء. وكان هذا الموقف محل استغراب واستهجان منه. 


2362 


في عام 1990» حاول الأخ معمّر مرة أخرى أن يلتقي بي» حينما علم 
أن أسرة أخي عمر تريد أن تقيم عرسًا لأحد أبنائها. أرسل سعيد راشد أحد 
المقربين منه إلى منزل أخي عمر ليخبره أن القذافي سيحضر العرس بنفسه. 
حين علمت بالأمر» اتصلت بأخي سالم وأبلغته أنني لن أحضر حفل الزواج» 
وقلت له لن يحضر عندما يعرف أننى لن أحضر. إنه ليس مهتمًا بمشاركة الأسرة 
أفراحهاء بل إن كل همه أن يلتقي بي. وهذا ما حدث بالفعل. وفي أواخر عام 
2 اتخذت قراري النهائي: إِمّا التغيير الجذريّ وإمّا الاستقالة. 


لكنني قرّرت خوض سلسلة من الحوارات الصريحة والعميقة مع الأخ 
معمّر» وأبلغته أن الوضع وصل مرحلة اللامعقول» وأنه بلغ مرحلة خطيرة» 
وأن حالة الجماهير غاية فى السلبية» وأنها تعيش ظروفًا اقتصادية واجتماعية 
وسياسية لا تحتمل» وأن النفاق السياسى والتملق للسلطة ينخران كالسوس فى 
جسد الشعبء وقلت له: "هناك مسلسل تلفزيوني» عنوانه السوس» تمّ بثه في 
الثمانينيات» وأشعر اليوم أنه سبق زمنه بكثير» وهذه هي مرحلته. المسلسل يعبر 
عن هذه المرحلة. هذه مرحلة السوس الذي ينخر في كل شيء". 

في نهاية خريف هذا العام» أجريت مع الأخ معمّر حوارًا في منطقة الععث» 
خارج مدينة سرتء على امتداد ثلاثة أيام متواصلة. قدمت خلالها تحليلا مفصلا 
وجريئًاء لأنني أعلم أن التحليل الجريء يقود إلى استنتاجات جريئة. في اليوم 
الأخير من الحوارات اجتمعنا لبلورة الأفكار. وفي نهاية الاجتماع» قال لي» 
كعادته. إنه يتفق معي؛ ولذا اقترحت عليه آلية لمتابعة إعداد البرنامج: 


- أن ننظم دورة يشترك فيها بعض الثوريين من الحركة» وعدد من الكتّاب 
والأدياء والمفكرين والمثقفين. 

- عقّد ندوات فى الإذاعتين المرئية والمسموعة. تقودها وتديرها القيادات 
الفكرية والثقافية» وأن يتمكن المواطنون من إبداء آرائهم مباشرة والتعليق عليها. 

- أن نعقد ندوات تخصّصية فى مجالات الحياة المختلفة (السياسية 


23263 


في أعقاب هذه الحوارات الطويلة» عدنا إلى سرت,. وكان معنا المقدم 
عبد السلام الزادمة يقود السيارة» فقال الزادمة: "يا أخ القائدء أنت دائمًا توافق 
على التغيير ثم تتراجع» وأنا في هذه المرة شاهد عليك"» فربّت على كتفه وقال 
له مازحًا: "يا تحفة ... استمر في قيادة السيارة". في اليوم التالي» عدت إلى 
طرابلس وشرعت في وضع "تصوراتي عن التغيير الجذري". ثم نظمت ندوة 
اشترك فيها أكثر من سبعين مثقمًا ومفكرّاء وكانت ندوة مغلقة» ثم انتقلت إلى 
تنظيم ندوة تبث مباشرة على الهواء في الإذاعتين المرئية والمسموعة. رشحت 
لهذه الندوة كلا من: عمر الحامديء والدكتور شعيب المنصوريء والدكتور 
صبحي قنوص. والأستاذ أمين مازن» وعلي إخشيمء ومصطفى التير. وحين 
اجتمعت معهم. تلقيت منهم سؤالا دقيقًا وواضحًا: "ما هي حدود الحرية؟” 
فقلت "الحرية لا حدود لها إلا الضمير والقيم الأساسية في المجتمع". 


في اليوم التالي للندوة» بينما كانت تُنقَل مباشرة على الهواء - وكانت 
ندوة جادة ومسؤولة وصريحة وتشكل بداية مرحلة جديدة في التفكير بصوت 
عالٍ - اتصل الأخ معمّر هاتفيًا بالإخوة المشاركين في الندوة» وقال لهم 
بغضب: "هذه مؤامرة أميركية وخيانة وتشكيك في سلطة الشعب"". وقطع 
البث. اتصلت به هاتفيًا وقلت له: "يا أخ معمّرء هل نحن ضعفاء إلى هذه 
الدرجة» بحيث إن بيتنا أصبح من زجاج؟ ولم نعد نحتمل أي رأي آخر؟" 
ثم أضفت: "مداخلتك الهاتفية تؤكد أنك لا ترغب في التغيير» وأنك ماضي 
في طريقكء. ومن الواضح أنك تريد أن تحكم كشيخ قبيلة". فقال لي: 
"يا عبد السلامء الإعلام أخطر شيء. عندما تمكن ليخ فاونسا2" في بولندا 
من الحصول على ترخيص لإصدار صحيفة التضامن» استطاع أن يروج 
لآفكاره ويصبح رئيسًا للجمهورية". 


(12) ليخ فاونسا (1943-): سياسي بولندي ساهم في تحول بولندا إلى النظام الديمقراطي 
الرأسمالي» وقد شغل منصب رئيس بولندا (1995-1990)» وحاز جائزة نوبل للسلام في عام 
3. عمل اختصاصيًا في الكهرباء في عام 1970» وهو أحد مؤسسي نقابة العمال "تضامن" 
(غؤمصمةل5011) وقد ترأسها (1990-1980). 


2364 


ثم جاء إلي المشاركون في الندوة وقد بدا الخوف على وجوههم. وقالوا لي 
بحرج شديد: "ماذا فعلت بنا؟ كنا نعتقد أنكما متفقان على هذه النقلة النوعية؟". 


لقد تأكد لي من جديد أن الأخ معمّر لم يكن راغبًا ولااجاذًا في إحداث 
التغيير الجذري المطلوب. وهكذاء أجهضت المحاولة الثانية لإحداث التغيير 
في مهدها وقبرت. وعلمت في ما بعد أنه أمر بالتحقيق مع المجموعة التي 
أدارت الندوة» ولذلك كتبت ثلاثة مقالات فى صحيفتّى الجماهيرية والزحف 
الأخضر. تتضمن نقدًا وتشريحًا للواقع. كانت سلسلة مقالات جريئة» جاء 
المقال الأول منها بعنوان "لا للقرارات والقوانين الثورية" والمقال الثاني جاء 
بعنوان "دعوة لإعادة قراءة الكتاب الأخضر من جديد". أما المقال الثالث فكان 
بعنوان: "كومونات مع وقف التنفيذ". وكانت كلها باسم مستعار (مواطن). 
ما قصدته من وراء نشر هذه المقالاات كان له هدف محدد. هو تحفيز كوادرنا 
ومثقفينا على "التفكير الجسور". والمساهمة في خلق الجرأة في التحليل» وبكل 
تأكيد كنت أريد لها أن تشكل منهجًا متكاملًا في التفكير. وفي هذا السياق» 
أذكر أن الأخ معمّر قال لي حين عاد من زيارته للقاهرة» وكان قد التقى خلالها 
بالصحافيين والمثقفين والمفكرين المصريين: "إن الإخوة في مصر سألوني: 
هل أنت من كتب هذه المقالات؟ وقالوا إذا ما طبقتم الأفكار التي جاءت فيهاء 
فأنتم تقومون بالفعل بثورة أقوى من ثورة الدبابات والمدفعية» ويمكن لمثل 
هذه الأفكار أن تشكل بداية منعطف جديد في ثورتكم وأن تشكل نموذجًا 
للأمة العربية. إنها بالفعل ثورة أخطر بكثير من ثورة الدبابات؟ فقلت لهم: لاء 
أنا لم أكتبها منْ كتبها عبد السلام جلود". كان الهم الوحيد للأخ معمّرء كيف 
يعمل باستخدام كل الوسائل المتاحة» لإلهاء الجماهير وإشغالها عن أهدافها 
الحقيقية» بل أنْ يعيد توجيه إرادتها بواسطة الميليشيات والمحسوبين عليه 
وتفضيل القرابات القبلية والأسرية على حساب معايير الكفاءة. وبدا هذا الأمر 
جليًا ساطعًا منذ عام 1983» بعد أن تمكن من تزييف إرادة كل منطقة أو قرية 
أو قبيلة» حين نصّب عليها أرذل من فيها. لقد كان الأخ معمّر يجيدء ببراعة» 
هذا الأسلوب فى التلاعب بإرادة الجماهير» معتمدًا ما يدعى فى المثل الشعبى 
سياسة "هرّ اشكارة" أي "هرّ كيس الفئران". كان يقصد من هذه السياسة إشغال 


3165 


الجماهير وإلهاءهاء بحيث يفرض عليها تغييرات متسارعة ومتزاحمة» وتصبح 
في وضع نفسي لا يسمح لها بالتفكير. 

في هذا السياق» اقترح أن تقوم جماهير النقابات والعاملين في المرافق 
العامة والمصانع والمصالح باختيار "اللجان الشعبية" على مستوى فرع البلدية 
والبلدية والمحافظة» بعد أن كانت الجماهير فى وقت سابق» بحسب الكتاب 
الأخضرء تقوم باختيار اللجان مباشرة. لقد عارضت هذا الاقتراح لسببين: 
الأول أنه يخالف سلطة الشعب. والثاني أنه سوف يقود إلى ظهور لجان ضعيفة 
لأن العاملين في هذه المرافق سوف يختارون من يجاملونهم ويجارونهم على 
حساب المصلحة العامة. وكنت أقول له: "لا يجوز لجزء من الشعب أن يشكل 
هذه اللجان» هؤلاء جزء من الشعب؛ ولذا لاايحق لهم أن يشكلوا لجانًا شعبية 
باسم الشعبء. وفضلًا عن ذلك سيكون تشكيل اللجان الشعبية شيئّاء والإدارة 
بصفتها عملية فنية تخصصية شيئًا آخرء وإن العاملين في هذه المرافق سوف 
يختارون الشخص الأضعف؛ وبذا سوف تصبح اللجنة عمليًا في خدمة العاملين 
وليست في خدمة الجماهير التي توجد فيها هذه المرافق والمصالح". كان يقول 
لي "هذا صحيحء ولكن المهم أن يلهوا بأنفسهم بدلا من أن يلهوا بنا". 

وحينما كنت أخطب في الجماهير» كنت في الواقع أتحدث إلى الشعب 
الليبي كله. وأشدّد على أهمية الشباب والكوادر في صياغة وعي ثوري جماهيري» 
لكن الأخ معمّر غالبًا ما كان يقول لي: "يا عبد السلامء لماذا د تميّز الشباب والكوادر 
عن بقية الشعب؟ هذا الأمر يشجعهم على الشعور بأهميتهم". ثم قال لي باللهجة 
المصرية: "ياخدوا قلم في أنفسهم"؛ أي دعنا لا نعطيهم دورًا أكبر في المجتمع. 

كان الأخ معمّر يمارس سياسة "الشو" (5008)» ويفتعل البرامج 
والسيناريوهات للضحك على الجماهير والاستخفاف بوعيها. بكلام آخرء كان 
الأخ معمّر يعتقد في أعماق نفسه أنه أذكى من الجميع» وأنه يستطيع مواصلة 
التلاعب بالجماهيرء وأنها ستردّد كل مايقوله بلا قناعة» وذلك باستخدام 
المهرجين والمنافقين. هكذا أصبح أي شخص يمكن أن يعارضه. أمام تهمة 
جاهزة: خائنء معادٍ للثورة» مرتد» عميل. 


366 


في هذه الفترة» ابتداء من عام 1975» عمل الأخ معمّر على تدمير الجيش؛ 
فهو أعلن "قيام الشعب المسلح" لتنظيم الشعب في "كتائب"» وشكل أيضًا لجانًا 
ثورية في قطاعات الجيش المختلفة» وهذه العناصر هي العناصر الفاشلة في 
الجيش ومن الفوضويين وغير المنضبطين» وبذلك قضى على أهم أعمدة الجيش 
النظامي» وهي الانضباط والنظام والربط» والذي هو أساس أي مؤسسة عسكرية. 
و"فسخ" الجيشء ونشر الخوف والرعب في قلوب الضباطء وأفرغ الجيش من 
القيادات العسكرية» وأحل محلها أقرباءه وأزلامه والمقرّبين منه. وهمّش دور 
الضباط الأحرارء وأحل محلهم مجموعات من الموالين له في الأجهزة الأمنية. 
وقضى على أي إمكانية لوجود عقل جماعي؛ فأنهى دور النقابات والاتحادات 
والجمعيات والنوادي» فلم يترك لأي شخص فرصة تكوين» أو تشكيل» رأي 
جماعي منظم. كان الأخ معمّر يرى في ذلك خخطرًا داهمًا عليه شخصيًا ولذا خلق 
حالة من الرعب والإرهاب والخوف إلى درجة أصبح فيها كل فرد مذعورًا وخخائًا 
حتى من زوجته أو أخيه أو صديقه. لقد خلق مناخًا مخابراتيًا مقينًا. 

في عام 1986» كشف الأخ معمّر عن حقيقته فعليّاك بصفته شخصًا قبَليًا 
متألهًا ورجلا فاشيًا معاديًا للشعبء لاايحب سوى المديح لنفسه والتطبيل له. 
وأظهر أيضًا بجلاء أنه يحب الألقاب وأن يُمجده الشعب كإمبراطور من القرون 
الوسطىء يقبلون أنفه وجبينه ويده» وكان يكره الرجال» ويحبّ أشباه الرجال 
والسذج والطبّالين والمادحين. ببساطة» لم يكن يريد شركاء. ومع أن أعمال 
التزييف والانحرافء التي وصلت إلى حدّ الجريمة» بدأت فعليًا عام 1981» 
فإن الأخ معمّر كشف عن حقيقته على نحو ساطع عام 1986. وسأقول بصدق 
إن الرأي الوحيد الذي كان يصغى إليه هو رأبي» وكان يقول لي: "إن الرجل 
الوحيد فى هذه البلاد الذي احترمه هو أنت"؛ وفى كل الحوارات كان يكرر 
ذلك وكنت أقول له: "إذا أردت أن تحترمني» احترم الشعب". حتى إنني في 
إحدى المرات. قلت له: "أَهِنّيء لكن احترم الشعب". 


وأخطر هذه الانحرافات كانت تتجلىّ في تسليح قبائل ضد قبائل أخرى. 


وأذكر أن أخى عمر فاجأنى بحضوره إلى منزلى وقت الإفطار فى رمضانء وكان 


367 


يغلى غضبًا. قلت له: "هيا نتناول الإفطار"» لكنه رفض وقال لى: "أريد أن أقابل 
العقيد متاعك". وكان يقصد الأخ معمّرء فقلت له: "سأتصل 1 الآن". وبالفعل» 
اتصلت بالأخ معمّر وقلت له: "أخي عمر في حالة هستيرياء جنون» ويريد أن 
يلتقي بك ورفض تناول الإفطار"» فقال لي: "قل له يفطرء وبعد الإفطار يأتي 
لمقابلتي"؛ فقلت له: "أخ معمّرء أخي عمر لا يريد أن يحضر أي أحد هذا اللقاء 
حتى الشخص الذي يقدم لك الشاي". وبالفعل ذهب عمر بعد الإفطار للقاء 
الأخ معمّر. أخبرني عمر أنه في هذا اللقاء قال للأخ معمّر: "يا الأخ القائ 
أنت تعلم أن عائلة سيف النصر حاربتنا من خلال قبيلة إرياح» وهي من القبائل 
العربية الهلالية التي دخلت إلى شمال أفريقيا في القرن الخامس الهجريء 
في منطقة الأحيمر» واليوم أنت تريد أن تحارينا بقبيلة الحساونة» فقد قمت 
بتسليحهم. ونحن ستمنا من القتال المقزز والخسيس. أي حين يأتي أحد أفراد 
القبيلتين ليقتل الآخر وهو في سيارته أو في منزله. أعطيك اقتراحين: إِمَا أن 
نخرج إلى الصحراء نحن والحساونة لنتقاتل» وإما أن نهاجر ونترك لك ليبيا". 

في اليوم التالي» أرسل الأخ معمّر مدير الشرطة العسكرية خيري خالد 
إلى سبها وقام بسحب السلاح من قبيلة الحساونة؛ فانتهت بذلك أكبر فتنة بين 
القبيلتين» وتنفس الجميع الصّعداءء لأنهم كانوا يعلمون عواقب مثل هذه الفتنة 
التي دبرها الأخ معمّر 

في بداية عام 1993» قررت القيام بمحاولة أخرى مع الأخ معمّر من 
أجل إحداث تغيير جذريٌ» بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة فظيعة من السوء 
والتدهور في كل مجالات الحياة بليبيا. في هذا العام؛ أجريت مع الأخ معمّر 
حوارًا معمقًا وطويلًا وصريحًا وصادقًاء ومارست ضغطًا شديدًا من أجل إقناعه 
بضرورة التغيير» وعرضت عليه ملامح الحل وأسسه. ثم اتفقت معه على 
تقديم تحليل جريء للوضع الراهن» يتسم بالقدرة على تشريح الواقع بجسارة. 
وبالقدرة على وضع حلول عملية وجذرية. وبالفعل» عكفت على وضع ورقة 
تحليلية جريئة عن الواقع الراهن قدّمت فيها حلولا شجاعة. في هذا الوقت» 
صادف أن أحمد قذاف الدم التقى الأخ معمّره وقال له: "أنا كنت لسنوات خارج 


2368 


مضطر إلى أن أقول لك إن الوضع خطير جدَّاء فالتفاق والتزييف لا يمكنهما 
أن يخفيا حقيقة الوضع النفسي والمعيشي. الناس هنا تعيش ظروفا اقتصادية 
ونفسية مروّعة؛ وما لم تبادروا إلى مراجعة الأوضاع الراهنة» فإن الجماهير لن 
تستطيع تحمل هذه الأوضاع". جاء لقاء الأخ أحمد قذاف الدم بالأخ معمّرء 
بعد حواري معه؛ ولذا طلب الأخ معمّر من أحمد قذاف الدم أن يلتقي معي 
ويحدثني عن رأيه في الأوضاع الراهنة. وبالفعل» وصل الأخ أحمد قذاف الدم 
ووجدني في مكتبي عاكفا على إعداد ورقة التصورات. 

قرأ أحمد الأفكار والحلول المقترحة فى هذه الأوراق» فعبّر عن إعجابه 
بهاء وحين عاد للقاء الأخ معّر قال له حرفيّاك وهذا ما أخبرني به الأخ معمّر 
شخصيًا: "الرائد عبد السلام جلود هو الشخص الوحيد الذي يفهم الواقع أكثر 
من أي شخص آخرء والورقة التي أعدّها واطلعت على جزء منها هي ورقة إنقاذ 
لليبيا". في هذه الأثناء» وبعد حواري مع الأخ معمّر حين شرعت في وضع 
أسس التغيير المطلوب وقواعده. اتصل عبد السلام الزادمة بعبد الله السنوسي 
وببعض المقرّبين منه وقال لهم حرفيًا: "كلموا الأخ القائد إذا لم يبادر إلى 
التغيير راكم بتريحوا في داهية (أي سوف تنتهي الثورة)". فلما علم الأخ معمّر 
بأمر هذه المكالمة» قال لعبد الله السنوسي وبعض معاونيه "إسألوا عبد السلام 
الزادمة» هل قابل عبد السلام جلود أو تحدث معه على الهاتف؟". وحين سئل 
عبد السلام الزادمة عن أمر هذه المعلومة» ردّ قائلًا: "منذ أكثر من أربعة أشهر 
لم أقابل الرائد عبد السلام جلود ولم أتصل به بالهاتف". كان الأخ معمّر يظن 
أن ما قاله الزادمة هو ترداد لكلامي» وذلك ما يبيّن بجلاء ساطع الحالة النفسية 
التي بلغهاء إلى الحدٌ الذي باتت فيه البطانة في حالة ذعر تام» فأخذت تكشف 
عن مخاوفها من أن تسوء الأمور أكثر فأكثر؛ بما يفقدها امتيازاتها ومكاسبها. 


بعد أن أنهيت إعداد الورقة» ذهبت إلى الاجتماع بالأخ معمّر» وعرضت 
عليه الأفكار والحلول والمقترحات. وبعد أن قمنا باستعراض أهم الأفكار قال 
لى: "هذا رأي الثورة وليس رأيك الخاصء» وأنا أوافق عليه تمامًا"» ثم بادر على 


2369 


الفور بقرع الجرس» وطلب استدعاء السكرتارية طالًا طباعة الورقة. وحين اطلع 
الأخوان أحمد رمضان وعبد السلام غيث على الورقة خلال طباعتهاء تأثرا بهاء 
وحين أحضراهاء له قالا: "يا قائد» هذا ما يريده الشعبء والرائد عبد السلام جلود 
رجل قريب من الشعب ويعرف الواقع بعمق ويدرك خطورة ما يجري في الشارع". 


في اليوم التالي في مطلع أيار/ مايو 1993» غادرنا طرابلس برا عبر بني 
وليدء في طريقنا إلى سرت لحضور مؤتمر الشعب العام. في هذا الوقت,. اطلع 
بعض ضباط الحرس الخاص على الورقة - وأذكر أن المقدم منصور ضور كان 
من بينهم - فقالوا للأخ معمّر: "هذه الورقة تشكل ورقة إنقاذ ويجب تطبيقها 
بالكامل من الصفحة الأولى حتى الأخيرة". 

وكان هذاء بالنسبة إلي» دليلًا إضافيًا على أن الوضع قد بلغ مداه المأساوي 
بالفعل» فحتى المستفيدون والأقرباء والمحاسيب باتوا يشعرون بخطورة 
الأوضاعء وارتعدت فرائصهم من الخوف على امتيازاتهم ومكاسبهم. توقفنا في 
منطقة السدادة ببني وليد لتناول طعام الغداء» فلحق بنا جاد الله عزوز الطلحي. 


بعد الغداء» جرى نقاش بيني وبين الأخ معمّرء فقال لي حرقيًا: 
"يا عبد السلام لا بد من الاعتراف بإسرائيل". كان وقع الكلمات التي سمعتها 
من الأخ معمّر كالصاعقة. ثم أردف قائلًا: "الأميركيون لن يسمحوا لنا بإنجاز 
الوحدة ما دمنا نحن معادين لليهود ولم نعترف بهم" فقلت بغضب: "ما هذا 
الكلام يا أخ معمّر؟ أكاد لا أصدّق ما تقولء ما فائدة الوحدة العربية إذا ما كانت 
ستقودنا إلى الاستسلام للعدو؟ أنا أرفض هذه الوحدة" فردّ قائلا: "نعترف 
بإسرائيل لكي تسمح لنا أميركا بإنجاز الوحدة ثم نحارب اليهود". فقلت له: 
"أنا أرفض هذا المنطق كليًا. إنه منطق غريب عجيب"» فقال لى: "أنت تتصرّف 
بعقلية الطالبء ليس لديك ما يكفي من المرونة السياسية". ثم أردف قائلًا: 
"أنت مَن يقف فى وجهى وفى طريقى. لولاك لاعترفت بإسرائيل". عند هذا 
الحدّ انتهى الحوار الصاخب بينناء ثم توجهنا إلى سرت. 

في اليوم التالي» عقدنا اجتماعًا آخر؛ أنا والأخ معمّر وأبو زيد دوردةء 
وكان أمين اللجنة الشعبية العامة وجاد الله عزوز الطلحي وعبد الله البدري 


200 


أمين النفط ومحافظ مصرف ليبيا المركزي وعبد الحفيظ الزليطنى وأمين 
الاقتصاد والخزانة. كان موضوع الاجتماع مناقشة اقتراح الأخ معمّر "توزيع 
عائد ثروة النفط على الشعب". 


في هذا السياق. أريد أن أعود إلى الوراء قليلًا؛ فقبل ستة أشهر من هذا 
الاجتماع, اقترح الاخ معمّر اقتراحًا غريبًا هو "أن نقوم بتوزيع عائد ثروة النفط 
على الليبيين". فى هذا الوقت» أبديت اعتراضًا شديدًا وساجلت ضد الفكرة 
من أساسهاء وقلت للأخ معمّر: "الحركات الإصلاحية والثورية التي قامت 
في العالم» وجدت أوضاعًا ينعدم فيها التوازن الاقتصادي على المستويين 
إعادة توزيع الثروة بصفمة عادلة. وسعت بذلك إلى القضاء على التفاوت 
الاجتماعي بين فئات الشعب» وجغرافيًا بين المناطق المختلفة» ثم رصدت 
الأموال واعتمدت الخطط". شخصيًا كنت مع إعادة توزيع الثروة اجتماعيًا 
وجغرافيًا بتوجيه نسبة من دخل النفط إلى هذه الفئات والمناطق الجغرافية فى 
شكل خطط وبرامج تنموية خاصة بهاء وتقديم القروض والتسهيلات الميسرة 
والحوافز من أجل الاستثمار فى هذه المناطق» والعمل على أن تكون المداخيل 
متقاربة قدر الإمكان. وأن يكون التفاوت قائمًا على أساس الجهد والقدرة على 
المثابرة. أمَا "فكرة توزيع الثروة" على الشعبء فهي "دعوة إلى الفقر" ودعوة إلى 
الكسلء ثم إن عائدات النفط انخفضت بسبب انهيار أسعار النفط عالميّاء ونحن 
لم نتمكن من تسديد الرواتب» ولم نتمكن من "إدامة البنية الأساسية"» كما أننا 
لم ندنجح في توفير مستلزمات الإنتاج أو توفير الاستثمارات الضرورية. الفكرة 
فى جوهرها خاطئة. وعمليًا لا تتوافر لدينا الأموال لتوزيعها على الشعب. 

في نهاية الحوارء اتفقنا على أن الفكرة غير قابلة للتنفيذ» لامن حيث 
بفكرته» وأخذ يناقشها مع محافظ المصرف المركزي الدكتور عبد الحفيظ 
الزليطني وعبد الله البدري أمين النفط. وطلب منهما ألا يخبراني بأمر هذا 
النقاش أو أن القذافى يواصل مناقشة الفكرة خلافًا لما اتفقنا عليه؛ وهكذا 


371 


وصلت إلى قناعة أن الأخ معمّر لا يزال مصرًا على توزيع الثروة؛ ولذا ذهبت 
للقائه وأنا في حالة غضب شديدء فقلت له: "يا أخ معمّر لقد اتفقنا على توزيع 
الثروة بطريقة علمية» وكنت أعتقد أننا صرفنا النظر عن مقترحك". فقال لى: 
"من أخبرك أننى ما زلت مصرًا على رأبى؟". فقلت له: "لا الزليطنى ولا عبد الله 
البدري من الذين يمكن اعتبارهم منحازين إلى الشعب. أنايا أخ معمّر المنحاز 
نعم. لو كانت الفكرة في مصلحة الشعب ويمكن عمليًا تطبيقها لوافقت عليها 
فورًا. بالنسبة إلي هؤلاء جهلة ومنافقون". 

ثم أردفت غاضبًا: "أنا يا أخ معمّر عندما أتحدث في مجال الاقتصاد. 
فإنني من الناحية العلمية أتحدث عن معرفة. الكثير من المختصين يثقون برأبي 
وبسلامة تحليلاتي» بمن فيهم الاختصاصيون في أوروبا". فردٌ علي: "ما هذا 
الغرور؟". فقلت له: "أنا لا أعرف الغرور. هذا تعبير عن ثقتي بنفسي ومعرفتي 
لإمكانياتى فى مجال التحليل الاقتصادي". 


كان الأخ معمّر قد عرض فكرة توزيع الثروة على المؤتمرات الشعبية» 
وفي أثناء عقدهاء ذهبت لحضور أحد اجتماعاتها في طرابلس وتكلمت في 
المؤتمرء فأعدت تكرار رأبي أمامهم. ونظرًا إلى أن المؤتمر كان يُبث على 
الهواء مسموعًا ومرئيّك فقد وصلت كلمتي إلى معظم الليبيين والليبيات. 
وهكذا استوعبت المؤتمرات الشعبية بشكل مباشر رأبي وتبنّته وقال كثير من 
المشاركين: "نحن لا نريد توزيع الثروة مباشرة» بل نريد تنمية صناعية وزراعية 
وإسكانًا وتعليمًا وبحثا علميًا وتخصيص ميزانيات لرفع مستوى الفئات الفقيرة 
اجتماعيًا وجغرافيًا". وباستثناء ثلاثة مؤتمرات شعبية تبنت رأي الأخ معمّر 
فإنَ كل المؤتمرات الأخرى قد تبنت رأبي ومقترحاتي والحلول التي طرحتها. 
وحدثء خلال كلمتي في المؤتمرء أن الأخ أحمد قذاف الدم جاء للقاء الأخ 
معمّر في خيمته وقال له: "يا قائد. المؤتمرات الشعبية أعطتك مخرجًا من 
هذا المأزق» حين تبنت أفكار عبد السلام جلود. لو كانت هناك قوى سياسية 
معارضة لاستغلت هذا الأمر لتوريطك ولوضعوك في حرج شديد". 


232272 


في رمضان 1993» استدعى الأخ معمّر بعض الخبراء إلى ندوة في الإذاعة 
المرئية تبث مباشرة. حيئنما شاهدت الندوة ورأيت وجوه الخبراء والتقنيين 
المشاركين فيهاء لاحظت أن الخوف يسيطر عليهم جميعًا؛ فظهروا كأنهم 
مجرد طلبة في فصل دراسي» وتبدى ذلك واضحًا من كلماتهم المنافقة التي 
تردد أفكار القذافي. كانت الندوة غير جادة» رغم خطورة المواضيع المطروحة» 
فبادرت بالاتصال بالأخ معمّر وقلت له: "أريد أن أشارك في الندوة". فوافق. 


أعطى حضوري هذا ديناميكية للندوة» أدت إلى تغيير جذري في 
مسارهاء وبات هناك رأيان» رأي الأخ معمّر ورأبيء وهكذا بدت الندوة أكثر 
جدية وحيوية» حين استند الخبراء والاقتصاديون والتقنيون إلى آرائي العلمية» 
وشعروا بنوع من التشجيع» وكانوا ينهون كلماتهم بالقول: "كما يقول الأخ 
الرائد عبد السلام جلود". 

كانت المواضيع المدرجة في جدول أعمال الندوة تتضمن أربع نقاط: 

1 - توزيع الثروة على الشعب. 

2 - تهجير الليبيين إلى مصر والسودان وتشاد» حيث عرض الأخ معمّر 
لاتحتمل بقاء هذا العدد الكبير من السكان. ويكفى ليبيا أن يعيش فيها مليون 
أو مليونان. 

3 - استثمار جزء كبير من دخل النفط فى هذه البلدان. 

4 - حل مشكلة نقص المياه وال لبحث عن حلول للقيام ب بعمليات تحلية 
المياه. 

في الليلة التي شاركت فيهاء طلبت الكلمة من الأخ معمّر وقلت مايلي: 
"بالنسبة إلى موضوع توزيع عائدات ثروة النفط على الشعبء فقد سبق لي أن 
أكدت أن الفكرة من الناحية المبدئية هى دعوة إلى الفقر والكسلء فضلًا عن أن 
ثروة النفط ليست ملككًا لهذا الجيل وحده. بل هى ملك الأجيال المقبلة ولا ينبغي 


32/73 


أن يكون هذا الجيل أنانًا إلى درجة عدم التفكير في مستقبل الأجيال المقبلة. 
يجب علينا إطالة عمر هذه الثروة بتصدير كميات أقل ووفمًا للحاجات الضرورية 
ومستلزمات التنمية. كما يتعيّن علينا أن نعمل بخطى ثابتة من أجل تنويع مصادر 
الدخل واستغلال مصادر أخرى باستعمال أحدث التقنيات لاكتشاف المزيد من 
الثروات» بما فيها النفط والغازء وتحسين عمليات الاستخراج الإضافي". ثم 
قلت: "على الأقل كل برميل نقوم بتصديره يجب أن نكتشف برميلًا يعوضه". 
وقلت: "إن توزيع ثروة النفط من حيث جوهر الفكرة» نقديّاء على الشعب 
في شكل مبالغ مالية هو أمر يخالف الروح الوطنية لأنه إهدار للثروة من دون 
معنى. يجب أن نوزع ثروة النفط في صورة خطط تنموية تستهدف تطوير البلاد 
واقتصادها ورفع مستوى الفئات الفقيرة والمحرومة من خلال مشاريع تنموية؛ 
بقروض ميسّرة» وخصوصًا الفئتات التي لم تحصل على نصيبها من عائدات 
النفط. يجب علينا أن نتوجه نحو تطوير التعليم والمؤسسات الصحية والثقافية 
والرياضية والإسكان. من الناحية العملية ليست لدينا أموال يمكن توزيعها. نحن 
نعاني عجرًا ذ في الميزانية» كما عجزنا عن دفع الرواتب ولم نتمكن من إدامة البنية 
الأساسية في قطاعي التعليم والصحة والمرافق الأخرى. وعجزنا أيضًا عن توفير 
مستلزمات الإنتاج. نحن الآن نواجه أزمة اقتصادية حادة مماثلة لأزمة عام 1986 
نظرًا إلى انهيار أسعار النفط". فردّ الأخ معمّر على مداخلتي بالقول: "نوزع عليهم 
وكل واحد يدبر رأسه هو يدفع مصاريف التعليم والصحة". 


كان واضحًا من الردّ أن الأخ معمّر كان يريد التخلص من كل التزامات 
الدولة تجاه المواطنين» بحيث تتحول السلطة إلى "شرطي" للقمع. كان يريد أن 
يتم ذلك من خلال: مسرحية توزيع الثروة. 

وحين تسنى لي مناقشة فكرة "تهجير الليبيين إلى الدول المجاورة". 
قلت للأخ معمّر أمام الجميع: "يا أخ معمّرء كيف نقول لليبيين هاجروا؟ هذا 
أمر غير معقول ولا يجوز قوله الارتباط بليبيا ليس مجرد ارتباط مصالح. ليبيا 
وطن, هواءء ماءء شجرة» خالة؛ عمّة. أنا ضد هذه الفكرة. هناك نظرية الطرد 
والجذب وهي التي تنحكم في حركة البشره مثلّا في السبعينيات حينما كانت 


232/4 


هناك حركة تنمية هائلة جذبت إلى ليبيا ما بين أربعة إلى خمسة ملايين عربيء 
وما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين أجنبي» لكن لما تراجعت برامج التنمية 
وتوقفت الخطط الاقتصادية والاجتماعية بسبب انهيار أسعار النفط» عاد معظم 
هؤلاء إلى بلدانهم. مالطا مثلّى مواردها لا تحتمل» ولا مساحتها كذلك» أكثر 
من 400-350 ألف نسمة» وما زاد على ذلك يهاجر بصفة تلقائية. إذا كان 
هناك شخص ليبي وبصفة فردية يرغب في الهجرة والعيش خارج ليبياء فهذا 
أمر ممكن وجائز. أما أن يكون هناك قرار سياسي بتهجير الليبيين بالجملة» 
فهذا مخالف لكل منطق وأنا ضده. أما بخصوص توجيه جزء كبير من أموال 
النفط للاستثمار في هذه الدول, فأنا ضد هذه الفكرة لسبب بسيط؛ أننا نحتاج 
إلى كل دولار لاستثماره في ليبياء فضلًا عن أننا في حالة عجز شبه تام عن 
توفير مستلزمات الإنتاج وصيانة البنى التحتية أو إدامتها. أمَا مشكلة المياه» فهي 
ليست مشكلة ليبية» بل هي مشكلة عربية وحتى عالمية» وباستثناء مصر والعراق 
وسورية والسودان. فإن الزراعة في بقية بلدان الوطن العربي هي زراعة سياسية 
أي إنها تقوم على أسس غير اقتصادية. إِذَا المشكلة لا تكمن فقط في مشكلة 
المياه» بل فى أسلوب الزراعة". 

ثم تحدث الأخ معمّر ردًا على ما قلت: "لن يهنأ لي عيش ولن يهدأ لي 
بال ولن تنام عيناي إلا بعد أن تنضب المياه في ليبيا"» ثم قال حرفيًا: "احفروا 
ما بين كل بكر وبر بثرًا. استنزفوا المياه". كان كلام الأخ معمّر صاعماء فنهضت 
وتوليت الرّد عليه وقلت: "هذا كلام غير مقبول. أنا أدعو لسياسة صارمة 
للتحكم في مخزون المياه. وخاصة في المنطقة الممتدّة من مصراتة حتى 
صبراتة» أي كامل منطقة سهل الجفارة. يجب ردم ما بين 60 و70 في المئة من 
الآبار فى هذه المنطقة» والتوقف عن الزراعات التى تستهلك كميات كبيرة من 
المياه» والتركيز على الزراعة الرأسية باستخدام التقنيات» ويمكن زيادة الإنتاج 
الزراعى فى المساحات نفسها حتى 70 فى المكة". 


كانت الندوة تّبث فى الإذاعتين المرئية والمسموعة؛ وقد استمع الليبيون 
إلى كل ما قلت. من المثير للاهتمام أن الآخ معمّر طرح خلال الندوة وشاركه 


3275 


في ذلك بعض الخبراء مسألة تحلية المياه» فعارضت هذه الفكرة» وقلت: 
"تحلية المياه لا تزال مكلفة الثمنء مثلّا تحلية المتر المكعب تكلّف ما بين 3 و6 
دولارات» ويمكن تخفيض المساحة المزروعة إلى 35 ألف هكتار لتوفير مياه 
الشربء. أو جلب المياه من الأحواض فى الجنوب» حيث تكلفة المتر المكعب 
الواحد ما بين 6 و12 قرشًا". ثم أضفت: "إن أكثر محطات التحلية اليوم متوقفة 
عن العملء نظرًا إلى أننا لم نتمكن من تشغيلها بسبب ضعف وقلة عدد الكوادر 
المطلوبة للتشغيل والصيانة» فكيف يمكننا أن نوافق على إقامة محطات جديدة 
للتحلية؟ إن ني أدعو إلى تأسيس مركز أبحاث في مجال تحلية المي وأن يقوم 
بالتواصل مع مراكز أبحاث وجامعات في أميركا وكندا وأوروباء وأن تقوم ليبيا 
بدعم هذه الأبحاث, وأن ترتبط جامعاتنا بها لتحقيق هذا الهدف. كما دعوت 
إلى تأسيس مركز أبحاث للنباتات والزراعات المقاومة للعطش". 

ولأن الندوة كانت تبث على الهواء» نقلت إذاعة بى بى سى هذا الخلاف 
بيني وبين الأخ معمّرء وقالت في تعليقها على النبأ: "إن العالم الثالث لم 
يعتد هذا النوع من الخلافات داخل القيادة الواحدة أو أن تكون هناك وجهتا 
نظر تعلنان بهذه الطريقة"» ثم قالت: "قد يكون هذا النوع من الخلافات أمرًا 
متفقًا عليه". ونظرًا إلى خلافاتنا الشديدة» فقد قرر الأخ معمّر دعوة المؤتمرات 
للانعقاد من جديد. وعرض عليها ثانية "فكرة توزيع الثروة نقدًا"» وقال "كل 
أسرة يحق لها عشرة آلاف دولار سنويًا". بيد أن المؤتمرات الشعبية تأثرت 
بآرائي ومواقفي وعارضت الفكرة مرة أخرى, وطالبت بضمان التعليم والصحة 
وتحسين مستواهماء ومنح القروض لأجل الاستثمارات والتنمية والسكن 
والبحث العلمي. وكذلك زيادة المرتبات الشهرية ومرتبات الضمان الاجتماعي 
ووضع الخطط والبرامج ورصد الأموال اللازمة لتحسين ظروف الفئات 
والمناطق الفقيرة. ولأن المؤتمرات عارضت قراره؛ ردّ غاضبًا: "أنا لا يمكن أن 
أهزم أمام الجماهير. من الأفضل لي أن أخرج من البلاد"» فقلت له: "لا يا أخ 
معمّر. من يُهزم أمام الشعب فهو ينتصر في مواجهة العدوء والذي يهزم الشعب 
سوف يُهزم أمام العدوء وأنا لا أوافقك على مات تقول» فحينما يكون الشعب 
واعيًا ويتخلص من الخوف سوف يرفض القرارات الخاطئة من حيث المبدأء 


232726 


ثم إِنْنا من الناحية العملية لا نملك مايكفي من المال لتوزيعه على الشعب". 
وأردفت قائلًا: "يا أخ معمّر الحكام العرب انتصروا على شعوبهم فانهزموا أمام 
العدو لأنهم لم يحاربوا بواسطة الشعب؛ وفي أفضل الظروف حاربوا بشعوب 
مهزومة من الداخل". 

في اليوم التالي» سارعت إلى عقد اجتماع ضمّ أمانة مؤتمر الشعب العام 
وأمين اللجنة الشعبية العامة أبو زيد دوردة» وجاد الله عزوز الطلحىء وعبد الله 
البدري أمين النفط. وعبد الحفيظ الزليطني محافظ المصرف المركزي؛ وأمين 
الخزانة سالم محمد بيت المال» وطرحت عليهم فكرة الأخ معمّر بخصوص 
توزيع الثروة» فقال محافظ المصرف المركزي: "ماذا توزعون؟ هل توزعون 
8 دينارًا على كل أسرة؟ ليس لدينا مال يكفي"» فردّ عليه الأخ جاد الله 
عزوز الطلحي قائلًا: "سلمك أنت. لماذا إِذّا تكذب على الأخ معمّر وتقول له 
أنه يستطيع أن يوزع ثروة النفط على الليبيين بمعدل عشرة آلاف دولار لكل 
أسرة؟". فور انتهاء الاجتماع» عدنا إلى لقاء الأخ معمّر وعقدنا معه اجتماعًا 
مطولًا لإعادة دراسة الفكرة» وكان الجميع يتفقون معي في الرأي. لكنهم جميعًا 
كانوا يخشون المجاهرة بالحقيقة باستثناء الأخوين أبو زيد دوردة وجاد الله 


وهكذاء طرح محافظ المصرف المركزي اقتراحًا جديدًا يقضي بأن يتم 
توزيع الثروة على الفقراء والذين يتقاضون مرتبات الضمان الاجتماعي فقطل 
وكان ذلك اقتراحًا مليئًا بالرياء والنفاق» ومكرّسًا لإيجاد مخرج للأخ معمّر» 
المرائي» وقلت للأخ معمّر: "كيف تسمح لهذا المنافق أن يستمر في دجله؟" 
ثم غادرت الاجتماع من دون استتذان؛ ولذلك شعر الأخ معمّر بغضب شديد 
من مغادرتي الاجتماع. وبعد عودتنا إلى مقر الإقامة ليلاء استرحنا قليلاء ثم 
طلبت اللقاء به فأرسلت النقيب عبد السلام الزادمة حاملًا له رغبتي باللقاء به 
الليلة وقلت: "إذا لم نلتق الليلة سأعود حالَا إلى طرابلس". ونظرًا إلى أن الأخ 
معمّر كان منشغلًا بسهراته. فقد اقترح أن نلتقي في الغد. ولمّا علم أن قراري 


2327 


هو العودة إلى طرابلس الليلة» أمر بإغلاق باب السورء فبعثت له عبد السلام 
الزادمة مرة أخرى. وقلت: "إذا لم تفتح باب السور فسوف أقفز من [فوق] 
السور". عندها أمر بفتح الباب» وطلب من عبد السلام الزادمة أن يقود السيارة 
بي عائدين إلى طرابلس. 

لقد تأكدت تمامًا من أن الأخ معمّر غير مستعد - ولم يكن جادًا بطبيعة 
الحال - لأي عملية تغيير حقيقية» وأنه يتجه نحو تحويل ليبيا إلى "إقطاعية" 
سياسية» وأنه لا قيمة للإنسان الليبى فى نظره. فلا أهمية لحالته أو مشاعره. 
وأنْ هذا الإنسان له وظيفة واحدة هى "التطبيل" وممارسة "الرياء" العلنى بكيل 
المديح لشخص "القائد" وترديد قول: "كل شيء على ما يرام”. كان الأخ معمّر 
يتصرف مع الشعب الليبي كسلطان من القرون الوسطى: الجميع يجب أن 
يسبّحوا بحمده ويكيلوا له المديح. 

في هذا السياق» سأروي بعض الوقائع الشخصية المهمة جدًا والتي توضح 
عمق الخلاف بيننا: 


في منتصف الثمانينيات» طلب مني الأخ معمّر يد كريمتي الكبيرة لابنه 
سيف الإسلام”*). ولأننا من عقليتين مختلفتين» وحفاظًا على مشاعر الأخوّة 
بينناء فقد رفضت المصاهرة بطريقة لبقة» حين طلبت من صلاح ابن أخي عمرء 
وكانت له علاقة شخصية بسيف الإسلام» أن يقول له إنه "خطيب ابنة عمه 
عبد السلام جلود". ولأنني لا أؤمن بزواج الأقارب» فقد تزوج صلاح بابنة أخي 
جلود. ولما علم الأخ معمرء اتصل بي وقال: "صلاح لم يتزوج ابنتتك؟". فقلت 
له: "يا أخ معمّر. لقد حاولت أن أرفض المصاهرة بطريقة لا تجرح مشاعرك. 
ولكنني الآن أقول لك بصراحة لا أرغب في هذه المصاهرة". 


ثم تكرّر الأمر ذاته في التسعينيات» حين طلبت عائلة القذافي يد ابنتي 


(3) سيف الإسلام القذافي (19272-): نجل معمّر القذافي رئيس مؤسسة القذافي العالمية 
للجمعيات الخيرية والتنمية. ولد في باب العزيزية في طرابلسء حيث تقيم أسرة العقيد معمّر القذافي. 
وهو الابن الأول للعقيد القذافي من زوجته الثانية السيدة صفية فركاش. 


2308 


الثانية لابنه الساعدي*'2. جاءت السيدة صفية زوجة القذافى بنفسها ومعها 
بعض الأقارب إلى منزلي في مصيف عين الزرقاء» وكان معي الأخ راسم 
بن عثمان والدكتور يوسف المريمي» وهما عديلان لي» فاستأذنت منهما 
وتركتهما فى الصالة ودخلت المنزل لاستقبل السيدة صفية. قالت لى: "حئنا 
نخطب ابنتك لابننا الساعدي". فقلت لها: "لا أعرف لماذا كل هذا الإصرار 
على مصاهرتي» أنتم تعرفون أنني لا أريد هذه المصاهرة. أرجوك يا سيدة 
صفية» لا تحاولي معي مرة أخرى". 

ما إن عدت إلى الصالة بعد أن غادرت السيدة صفية» حتى سألنى عديلى 
راسم بن عثمان: "ماذا كان جوابك؟". فقلت: "بالطبع رفضت"» فنهض راسم 
ووضع أصبعه في أذنه وصاح بأعلى صوته: "الله أكبرء الله أكبرء الله أكبر على 
منْ طغى وتجر". 
والعالم» والقذافي واقع تحت وهم أنه يملك الذكاء والدهاء ليخدع الجميع؛ 
وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية والغرب» صار يطلق "بالونات الاختبار"؛ 
فكان يقرر إصدار تصريحات على لسان ابنه سيف ليعرف كيف تفكر الولايات 
المتحدة والغرب تجاهه. وقد كان يطلق المواقف والشعارات التى لا يعنيها 
ولا يؤمن بها؛ مثل ليبيا الغد. الانفتاح» وهكذا. 


وفي الوقت نفسه كان يغلق إقطاعيته أكثر ويدمر البلد أكثر فأكثر» وفي 
إحدى الفترات شعر سيف بالإحراج؛ أن والده لم ينفذ هذه الشعارات 
والسياسات» فغضب وذهب إلى أوروبا وتحديدًا إلى لندن. 


في اليوم الأول لعيد الأضحى ذهبت إلى منزل الأخ معمّر لتقديم التهاني 
بمناسبة العيد. وبينما كنا نجلس معًاء رن جرس الهاتف. وإذ بالمتصل سيف. 


(14) الساعدي القذافى (19273-): النجل الثالث لمعمّر القذافى ومعاون آمر ركن الوحدات الأمنية» 
كان لكتيبته دور في محاولات نظام القذافي إخماد ثورة 17 شباط/ فبراير. هرب الساعدي إلى النيجر في 
6 آذار/ مارس 2014., ثم جرى تسليمه إلى السلطات الليبية. 


23279 


وبعد أن هنا والده بالعيد» قال له والده خذ عمك عبد السلام وهتئه بالعيد. 
وفعلا فعل» ثم واصل الحديث مع والده الذي حاول إقناعه بالعودة إلى ليبيا. 
وقال له: "يا سيف إذا لم تعد إلى ليبيا فإن المعتصم سيأخذ مكانك". وأنا أعرف 
أن معمّر يؤمن بسياسة "فرق تسد" حتى النخاع» ويجيد ويتقن أساليب استخدام 
الواحد ضد الآخرء واستخدام جماعة ضد أخرىء, واستخدام قبيلة ضد أخرى. 
وقد استخدم هذه السياسة وهذه الأساليب ضد أعضاء مجلس قيادة الثورة 
والضباط الوحدويين الأحرار» ولكن أن يستخدم هذه السياسة وهذه الأساليب 
مع أبنائه فقد كانت هذه مفاجأة محزنة لى. 


في الحقيقة» لم يكن الأخ معمّر مهتمًا بالثورة أو الشعب الليبي. همّه 
الوحيد كيف يخرج سالمًا هو ونظامه من أزمة "لوكربي"؛ لأنه اعتبر أنها أكبر 
تهديد لحكمه. كان معمّر يخطط لحكم ليبيا مدى الحياة ومن بعده أولاده» وبدا 
مستعدًا لأن يعطي ويتنازل عن كل شيء., لكن من المؤكد أنه قبل أزمة "لوكربي" 
نجح في "رشوة" الكثير من القيادات الحزبية والسياسية والبرلمانية في أوروبا 
الغربية»؛ لتسكت على جرائمه» بل إنه تمكن من ضمان "سكوت" منظمات 
حقوق الإنسان في العالم» وكذلك منظمة العفو الدولية. والسؤال المحيّر الذي 
كان يواجهني أن هذه المنظمات كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها؛ إذا ما اعتقل أو 
أعدم مناضل في مصر أو تونس أو العراق مثلاء بينما ظل الصمت مطبقًا على 
جرائم القذافي. وأذكرء على سبيل المثال» أن أحد أصدقائي» اسمه يوسف 
المريمي» وهو دكتور متميز في الهندسة المدنية درس الماجستير والدكتوراه 
في الولايات المتحدة» ثم قرر العمل والعيش فيهاء لكنني نجحت في إقناعه 
بالعودة إلى ليبياء كما فعلت مع الكثير من الكوادر» ثم أصبح صهرًا لي. اتصل 
في إحدى الايالي من عام 1989» في الساعة العاشرة مساءً» وسألني: "هل أنت 
فى المنزل. أريد أن ألتقى بك؟". فقلت له: "مرحبا بك". وبالفعل» جاء يوسف 
0 منزلي وهو في حالة غضب شديد, وسألني: "هل شاهدت نشرة أخبار 
الساعة التاسعة والنصف؟" فقلت: "لا" قال لي وهو يشتم الولايات المتحدة 
والنظام الأميركي: "هل يخطر في ذهنك في أي لحظة أن نواب من الكونغرس 
الأميركيء أي نواب أكبر دولة في العالم» ينحنون أمام معمّر ويقبّلون رأسه؟” 


23200 


وكان يوسف يشير بذلك إلى وفد من الكونغرس استقبله الأخ معمّر. ثم قال 
لي ساخرًا: "من المؤكد أن معمّر أعطاهم رشوة» ربما 4 إلى 5 ملايين دولار". 
وأنا أرجح أن ضعف المعارضة في الداخل» وضعف منظمات حقوق الإنسان 
القذافى. 


وأذكر أنني في خريف عام 1994 ذهبت لزيارة صديق عزيز عليَّ هو 
العقيد في البحرية أنور العزابي» كان قد دعاني إلى العشاء مع مجموعة من 
الأصدقاء. وكان يسكن في حي قرقارش في فيلا جميلة. 

وحدث أنني التقيت في بيت العزابي الرسام الليبي العالمي الكبير محمد 
علي سيالة» وكان هذا أول لقاء لي به. كان سيالة قد درس الرسم في فلورنسا 
بإيطالياء واشتهر برسم جسد المرأة» ثم أصبح من كبار رسامي الطوابع البريدية» 
وحصل على العديد من الميداليات الذهبية في العالم. خلال السهرة تحدث 
معي» وكان غاضبًا من الوضع الذي وصلت إليه البلاد. قال: "هذه البلاد 
لا أستطيع العيش فيهاء سوف أهاجر إلى أوروبا"» فقلت له: "وكيف تهاجر 
يا محمد وأنت ثروة ليبيا. أنت أهم من ثروة النفط"» فردّ قائلا: "لقد سحرني 
كلامك وإكرامًا لك سأبقى في ليبيا”. وحين ساءت الأوضاع أكثر فأكثر. كان 
سيالة حينما يلتقي بي» يقول لي: "لماذا قلت لي أنت أهم من ثروة النفط؟ الآن 
أنا نادم لأنني أصغيت إلى نصيحتك بالبقاء في البلاد". كان سيالة قبل عودته 
إلى ليبياء يعيش متنقلًا بين بريطانيا والسويد وفئلندا. في لندن تزوج بامرأة 
أرستقراطية وأنجب منها ولدين ثم افترقاء لكنه ظل على علاقة ود وصداقة مع 
أسرتها حتى إنه دعا والدة طليقته إلى زيارته فى طرابلسء. وهذه المرأة كانت 
تجيد قراءة "الطالع". ذات يوم من خريف هذا العام كنت أتناول العشاء في 
منزله وكان معي يوسف الدبري وأنور العزابي. بعد العشاء» طلب منها أن تقرأ 
لنا الطالع بواسطة "ورق الكوتشينة"» وسألها: "متى تزول هذه المصيبة (يقصد 
القذافي) عنّا؟". رمت الورق على الطاولة وحركته. ثم قالت لنا: "لا تزال أسهم 
القذافي في تصاعد. ولم يحن بعد موعد سقوطه". فانزعج سيالة من نبوءتهاء 


381 


وقال لها: "فال الله ولا فالك". وأذكر أنه كان فى إسبانياء حينما تعرض لوعكة 
صحية» فاتصل به صديق مشترك ليطمئن عليه فقال له: "لا تخف لن أموت قبل 
أن أرى القذافي يموت". وبالفعلء لا يزال سيالة حيا يرزق رغم كبر سنه. 


في عام 2001, تعرضت لوعكة صحية دخلت على إثرها المستشفى؛ ثم 
طلب الأطباء أن أقضي فترة نقاهة في جبال الألب الجميلة في القسم السويسري» 
حيث تعلمت رياضة التزحلق على الجليد. غادرت على وجه السرعة. وتوجهت 
مباشرة من المطار إلى مستشفى "لا تور" وبدأ الأطباء فى عمليات الفحص 
والكشف. وإثر ذلك خضعت للعلاج» ثم طلبوا مني قضاء فترة نقاهة في جبال 
الألب الجميلة» القسم السويسريء لكنني قبل ذهابي للنقاهة» أمضيت عشرة أيام 
فى جنيف. حجزت لى السفارة جناحًا كبيرًا فى فندق "إنتركونتننتال". بعد أربعة 
أيام» سألت السفير الليبي في جنيف: "كم يكلف هذا الجناح في الليلة الواحدة؟" 
بغرفة تكلف 950 فرنكًا سويسريًا". جاءني أعضاء السفارة وقالوا لي: "أنت أحق 
مَن يسكن في هذا الجناح. أموال النفط لا يستفيد منها الشعب الليبي» بل يصرفها 
القذافى على نفسه وأولاده وعلى الأفارقة". لكننى بقيت مصرًا على البقاء فى 
الغرفة بدلا من الجناح. 

بعد شهر من النقاهة» سافرت إلى باريسء التي لم أزرها منذ مدة طويلة» 
فاتصلت سفارتنا في سويسرا بسفارتنا في فرنساء وأعلموهم أنني سأصل باريس. 
من مدينة مصراتة. اتصل بعيّو بشركة أمنية فرنسية يملكها أوليفر أنطونيو ليتولى 
تأمين حمايتى وحراستي, ثم طلب منه أن يذهب بنفسه إلى المطار. وقال له: 
"أرجوك أن تذهب لاستقبال حبيبنا وبطلنا". كانت السفارة قد حجزت لى جناحًا 
كبيرًا في فندق "البريستول" فتوجهت إليه. بينما ظل أنطونيو في انتظار حقائبي. 
في المساء سألني السيد أنطونيو: "أين تريد أن تتناول طعام العشاء هذه الليلة؟” 
فقلت له: "أنا متعب وأفضل تناول العشاء فى الفندق". فحجز لنا طاولتين فى 
المطعم. واحدة لي» والأخرى له ولأعضاء فريق الحراسة. نزلت من الطابق 


2362 


الخامس واتجهت إلى الطابق الأرضيء وجدنه ينتظرني أمام باب المطعم. 
ورافقني إلى طاولة العشاءء ثم قال لي: "أنا وبقية فريق الحماية سنتناول طعامنا 
فى الطاولة الثانية", فرفضت وقلت له: "تعال وتناول العشاء معى". فبدت على 
وجهه علامات الدهشة» وقال لي: "لقد عملت في حماية الملوك والرؤساء 
والشخصيات المهمة ونجوم الفن وعلى رأسهم مايكل جاكسون» ولم يحدث 
أن دعاني أحد منهم لتناول العشاء معه. حين طلب مني السيد بعيّو استقبالك 
فى المطار» ترددت كثيرًا قبل أن أوافق» لأننى لا أذهب بنفسى عادة لاستقبال 
أحد. والآن بدعوتك الكريمة فقد امتلكتنى. وأريد أن أكون صديقًا لك وأكون 
إلى جوارك حينما تكون في أوروبا من دون أي أجر". 

وكما فعلت فى سويسراء فقد طلبت من السفارة استبدال الجناح بغرفة 
واحدة تكلفتها ألف يوروء بدلا من 11 ألف يورو للجناح. وسمعت على لسان 
أعضاء سفارتنا في باريس وبالخصوص من بعيّوء الكلام نفسه الذي قاله لي 
أعضاء سفارتنا في سويسرا: "أنت أحق من يسكن في هذا الجناح”. كان بعيّو 
مريضًا بالسرطان» وكان يقول لي: "أتمنى ألا أموت قبل أن أرى القذافي يسقط 
ويُعدم". لكن المرض لم يمهله ليرى مصير القذافي. 

بقيت أتلقى العلاج في سويسرا فترة طويلة» ثم كنت أبقى في أوروبا نحو 
ثلاثة أو أربعة أشهر كل عام. في عام 2002 سافرت إلى لندن. كانت السفارة 
متعاقدة مع أخ فلسطيني يملك شركة لتأجير السيارات الفارهة. حينما استقبلنى 
فى المطار. قال لى: "لقد كونت ثروتى فى ليبياء وأنا أحب ليبيا والليبيين» 
وأنا مستعد لخدمتك وخدمة الليبيين من دون أجر". خلال وجودي في لندن. 
تعرفت على مجموعة من الإخوة العرب» قالوا لى: "يا أخ عبد السلام» نحن 
نعرف الكثير من الليبيين ممن هم في المعارضة» ولم يذهبوا إلى ليبيا منذ أكثر 
من 30 عامًا. وهم يقولون لنا: أولاد عبد السلام جلود هم الوحيدون الذين 
يمشون في الشارع ولا يعرفهم احد". 


وأذكر أنني حين كنت أتلقى العلاج في سويسرا عام 2005», أقمت بعد 


203 


على سرير شمسي مع مجموعة من نزلاء الفندق حول المسبح» وحينما نهضت 
وجلست على السرير» جاءني رجل كان يستلقي قربي؛ وبعد أن حياني قدم نفسه 
لى قائلًا: "أنا عقيد فى المخابرات الأميركية وجئعت أحمل لك رسالة. نحن فى 
أميركا نعرف شعبيتك عند الليبيين وخاصة في أوساط الشباب» والحكومة 
الأميركية ترغب في التعاون معك لتخليص الشعب الليبي وتحريره من حكم 
القذافي"» ثم أعطاني "كارت" بأرقام هواتفه. ثم قال: "حينما تقرر اتصل بي. 
سأرتب لك لقاء مع وفد رفيع المستوى من الخارجية والبنتاغون"» فرميت 
"الكارت" في وجهه وقلت: "أنا قائد لا أتعامل مع السي آي أي". 

في هذا السياق, أذكر أن ابني كان في عام 1997 يدرس في جامعة الفاتح في 
طرابلس. وذات يوم, بينما كان يغادر الجامعة وهو يقود سيارته» وجد أمامه أحد 
الطلبة وهو يتوقف بسيارته في منتصف الشارع ليتحدث مع زملاء له كانوا يقفون 
على الرصيف. فأطلق منبه السيارة ليفسح له الطريق فما كان من هذا الطالب إلا 
أن نزل من سيارته وضرب ابني بلكمة على عينه» فانتفخت وتورمت. لما وصل 
ابني إلى المنزل سألته: "ماذا حصل لعينك؟" فسرد علي الحادث, ثم قال لي: 
"يا أبي لاتهتم. هذا أمر يحدث كثيرًا بين الطلبة» وهو لايعرفني مَن أكون". 
بعد نحو ثلاثة أو أربعة أيام» اتصل بي مسؤول الحراسة في المنزل» وقال لي: 
"حضرت أسرة مؤلفة من أب وأم وأربعة أبناء يريدون مقابلتك". فقلت له: "دعهم 
يدخلوا". حينما استقبلتهم» قال لي الأب: "منذ أربعة أيام حين اعتدى ابئنا على 
ابنك عشنا حالة رعب وخوفه وكنا ننتظر ما نتوقعه من تنكيل وعذاب, لكن لم 
يداهم منزلنا أحد ولم يجر اعتقالنا. قلنا نحن لسنا في ليبياء لو أن ابننا اعتدى على 
ابن أحد الضباط الأحرار أو المسؤولين الآخرين» لكان مصيرنا التعذيب والسجن 
وحتى القتل". فقلت لهم: "أنتم لستم في ليبيا. أنتم في جزيرة عبد السلام جلود". 
فغادروا المنزل وهم يبكون من شدة الفرح. 


في عام 2008» كان هنيبعل*" ابن القذافي في سويسراء وكان يسكن في 


(15) هنيبعل معمّر القذافي (1975-): التحق بأكاديمية الدراسات البحرية في ليبيا عام 21993 وفي 
عام 109 حصل على شهادة ضابط مسؤول على نوية ملاحية»؛ وشهادة بكالوريوس في الملاحة 


23054 


فندق "لاريزيرف" في جنيف هو وزوجته. وفي إحدى الليالي» اعتدى هنيبعل 
على زوجته بضربها. ولما سمع مسؤولو الفندق الصراخ.» اتصلوا بالشرطة التي 
جاءت على الفوره وألقت القبض عليه» ثم احتجزته في مركز الشرطة لمدة 
8 ساعة. اعتبر القذافي هذا التصرف ضد نجله إهانة له وحاول تصوير ذلك 
على أنه "عدوان سويسرا المسيحية والصليبية على ليبيا وإهانة الشعب الليبى". 
وأعلن الحرب على سويسراء ونسي أن القانون في الدول الغربية الديمقراطية هو 
مظلة يستظل تحتها كل إنسان من المواطن إلى الرئيس» خاصة في سويسرا التي 
هي قمة الديمقراطية. وإثر هذا التصعيد الخطير» شعرت بالحرج من السفر إلى 
سويسرا لاستكمال علاجىء واخترت المستشفى الأميركى فى باريس بديلا. فى 
عام 2009»: سافرت إلى فرنسا للعلاج» وكنت أركب طائرة الخطوط الأفريقية. 
قبل نحو أسبوع أو عشرة أيام من مغادرتي» اتصلت هاتفيًا بالأخ محمد البصير 
مسؤول حراستي. سألته: "أين أنت؟". قال لي: "أنا في القيادة بباب العزيزية". 
فقلت: "ماذا تفعل هناك؟" قال: "اتصل بي أحمد رمضان وطلب مني الحضور 
لمقابلته وأعطاني فواتير بمصاريفك في أوروبا خلال سنوات العلاج الثمانية وقال 
لي إن القائد يريد أن يطلع عبد السلام على الفواتير"» فاستشطت غضبًا وقلت له: 
"أعد الفواتير لأحمد رمضان"» ثم اتصلت بمعمّر وقلت له: "أتريد أن تحاسبني. 
حاسب نفسك وأولادك. وأنا أحاسب نفسي لأني أخاف الله وضميري. أنا أقيم 
في غرفة في فندق ومعي مجموعة حراستي ومصاريفي هي السكن والطعام 
والمصاريف اليومية العادية» ويمكنك التأكد من ذلك عبر السفراء". 


قبل هذا الوقت. كان القذافى قد قرر تخفيض مرتبات السفراء 
والدبلوماسيين والموظفين فى السفارات» حتى إنهم كانوا يعانون صعوبة 
الحياة» إلى حدٌ أن الدبلوماسيين الليبيين كانوا يتلقون مرتبات أقل من 
دبلوماسيي أي دولة أفريقية فقيرة؛ وهكذاء وبسبب هذا القرار الجائر» بدأ بعض 
موظفى السفارات الليبية فى استغلال الوفود الرسمية والمرضى من خلال زيادة 
البحرية» شغل منصب ما سمي "المستشار الأول للجنة إدارة الشركة الوطنية العامة للنقل البحري"» وقد 
تم تعيينه في هذا المنصب عام 2007 بعد حصوله على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال واقتصاديات 


ولوجستيات النقل البحري من جامعة كوبنهاغن لإدارة الأعمال. 


2355 


قيمة الفواتير لقاء نسبة محددة. حينما قررت الذهاب إلى فرنسا للعلاج طلبت 
من البصير أن يشتري لي تذاكر السفر على حسابي. ويوم سفري إلى باريس 
فى الساعة التاسعة والنصف صباحًاء وبينما كنت فى طريقى إلى المطارء وكان 
البصير يقود سيارتى» رن هاتفه النقال» وكان المتحدث مصطفى الخروبىء 
فقال له: "أريد أن أتحدث مع عبد السلام". قال لي الخروبي: "كيف تسافر 
يا عبد السلام» وأنت أمس لطمت القائد على وجهه. في إشارة منه إلى أنني 
أعدت له الفواتير"» ثم قال: "القلوب ليست على بعضها بين معمّر وبينك". 
فقلت له يا مصطفى: "أنا أشعر بالأسى لحالك. أنت مغرم بلعب دور المراسل. 
أقول لك ولمعمّر من خلالكء إذا وصلت إلى المطار ولم أتمكن من المغادرة؛ 
فإنني لن أعود إلى منزلي بل سأذهب إلى السجن". 

لمَا وصلت المطار اتجه السائق مباشرة إلى المدرج. قال لي الطيّارون: 
"الركاب لم يصلوا بعد. نقترح أَلّا تظل في سيارتك. انتظر في الطائرة وتناول 
الشاي والقهوة". كان من الواضح أن معمّر أمر ببقاء الركاب في صالة المطار 
حتى يبت في الأمر. بعد برهة من الوقت اتصل الخروبي بمحمد البصيرء وقال له: 
"يقول لكم القائد. زينة» توكلوا على الله (أي سافروا)". عند عودتي إلى طرابلس 
بعد أشهر. طلبت لقاء معمّرء وذهبت إليه في خيمته بباب العزيزية» وكان معه 
مجموعة من أقاربه. قلت له: "أنا أعطيت طفواتي وشبابي لليبيا والشعب الليبي. 
كنت رئيس تحرير جريدة الشمس يوم كنا طلبة ولست أنت. وأنا الذي كنت أعلق 
على مسرحية فولتير وهو يزدري الملكية ولست أنت. أتريد أن تحاسبني؟ أنا 
من يحاسب نفسي لأني أخاف الله وضميري". ثم أضفت: "أريد منك أن تتصل 
بأحمد رمضان وتعطيه التعليمات بأن مصاريف عبد السلام وأسرته في الداخل 
والخارج تتكفل بها القيادة» ولا حاجة لأخذ الإذن مني". وقد فعل ذلك. 


الاستقالة و"زيارة الليبيين" للقدس المحتلة 


قررت الاستقالة من منصبي يوم 9 أيار/ مايو 1992. ولكن من دون 
تقديم ورقة الاستقالة. ببساطة» لأن مامن أحد قام بتعييني. لقد كنت أحد 


3056 


صناع الثورة. وهكذا قرّرت أن أعتكف في منزلي» ولكن مع الاحتفاظ بعلاقتي 
الشخصية بالأخ معمّر. بعد استقالتي بأشهر قليلة زارني في منزلي الشيخ عطية» 
وكان صديقًا لي» وهو رجل ثري وكريم إلى أبعد الحدود» وفي الوقت نفسه 
بسيط ومتواضعء فلم يغير ثراؤه من طباعه» وكان من أعيان منطقة سوق الجمعة 
في طرابلس» وقد طلب مني ومن أخي وعديلي راسم بن علي بن عثمان22 أن 
نحضر مراسم عقد قران ولديه في المنطقة نفسها. في يوم عقد القران» ذهبت مع 
راسم» وفوجئت بحضور عشرات الالاف من المواطنين. لما وصلت استقبلني 
المواطنون بالترحاب والعواطف الجياشة» وغمرني الجميع بالحب والود 
وقال لي بعضهم: "هذا يوم مبارك لأننا رأيناك فيه"» وكانت النسوة يزغردن. 
وحينما جلسناء قال لي الشيخ عطية: "يب يشرفني» ويشرف أسرتي أن تكون أنت 
وكيلا لابني في عقد القران". بعد انتهاء مراسم عقد القران» دعانا الشيخ عطية 
وبعض أقاربه لتناول طعام الغداء» فصاح الشيخ عطية مخاطبًا المدعوين: "هيّاء 
خمسة» خمسة (أي تجمعوا كل خمسة أشخاص حول مائدة)". فتناولت الطعام 
مع راسم والشيخ محمود صبحي - الذي كان عضوًا في مجلس النواب في 
العهد الملكي - والشيخ حسن العريبي» وهو أستاذ في موسيقى الأندلسيات. 
وفي أثناء تناولنا الغداء» قال لي الشيخ العريبي: "يا أخ عبد السلام» عرفت كيف 
تقبض على عقول وقلوب الليبيين"» فقلت له: "أنا لم أفكر أو أخطط لتكون 
لي شعبية. الشعبية تأتي بشكل تلقائي وطبيعي. وحينما تحاول القيادات الثورية 
والسياسية والاجتماعية أو الدينية الحصول على الشعبية» فإنها تفقد الشعبية؛ 


(16) راسم بن علي بن عثمان: هو عديل جلود وابن رجل أعمال من أثرياء طرابلس قبل الثورة» وقد 
كان والده شخصًا بسيطًا ومتواضعًاء ولم يغير الثراء أيِّا من طباعه. 

[وأذكر حينما كنا في سعامنة في عام 1968 قررت أنا وأختي سالم شراء أرض لبناء مسكنين لي وله وكان 
والد راسم بن عثمان يملك مساحات واسعة مخصصة للبناء في طرابلسء وأذكر أنني ذهبت مع أخي سالم 
لمقابلته في إحدى مزارعه بمنطقة الفرناج في طرابلسء وكان علي بن عثمان يملك شركة حافلات مدينة 
طرابلسء وكان أخي سالم سائقا لإحدى هذه الحافلات» ولذاء فهو يعرف علي بن عثمان. لما وصلنا إلى 
المزرعة وجدنا رجلا بسيطًا يستلقى على الأرض تحت شجرة. وكان أحد العمال المصريين يعدّ الشاي له 
على الطريقة الليبية» فاعتقدت أن هذا الشخص هو أحد المسؤولين عن المزرعة؛ ولكننى فوجئت حين قال 
له أخي سالم: "كيف حالك يا عمي علي". كان موقفًا مدهمًا وغريبًا بالنسبة إلي, فتأثرت ببساطة هذا الرجل 
رغم ثرائه» وعادت بي الذاكرة إلى بساطة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.] (المؤلف) 


2337 


لأنها في هذه الحالة سيكون لها سلوكان. سلوك ظاهر وسلوك خفيّ, وتبدأ هذه 
القيادات في محاول التودد إلى الجماهير» وإظهار نفسها على عكس حقيقتهاء 
والجماهير بذكائها الفطري تكتشف ذلك. فتكون النتيجة عكسية تمامّاء لأن من 
يعمل على الشعبية سيفقدها". 


كنت أؤمن دائمًا بأن القائد الثوري أو السياسي هو لكل المواطنين. ولأنني 
لا أستطيع مشاركة كل مواطن في أعراسه أو أحزانه» فقد كنت أشارك إخوتي 
فقط مناسباتهم الخاصة» ولكن بعد استقالتي قررت أن أشارك أصدقائي وأحبتي» 
وكذلك بعض الرموز والشخصيات الوطنية» أعراسهم مجالس عزائتهم. كما 
أنني رأيت في ذلك اتصالا مباشرًا مع الناس لتحريضهم على مقاومة الطاغية 
والتخلص من الخوف. وكنت أقول للحضور إن الطاغية يقتل منكم العشرات 
والمئات سنويّاء ولكن لو أنكم خرجتم ضده وسقط منكم 100 أو 150 شخصًا 
فإنه سيسقط وتتحررون, كما كنت أقول لهم: "كان الفيلسوف والشاعر الهندي 
رابندرانات طاغور”' يقول: عدوٌ الشعوب ليس الفقر والجهل والمرض. عدو 
الشعوب هو الخوف. عندما تنتصر الشعوب على الخوف تنتصر على كل شيء". 


في صباح اليوم الأول من عيد الأضحى من عام 1993» اتصلت بالأخ معمّر 
في منزله نحو الساعة الواحدة والنصف ظهرّاء فرد عليّ الأخ عبد الله السنوسي. 
سألته إِنْ كان الأخ معمّر مستيقظًا أم لايزال نائمّاء فقال لي "إنه ناكم" فقلت له: 
"أبلغه حين يستيقظ أنني أريد أن أزوره للتهنئة بالعيد" ثم قلت له: "انتبه» لا أريد أن 
يكون هناك أي شخص؛ حتى عامل الشاي يجب ألا يكون موجودًا. وحدنا فقط 
أنا وهو"» فردّ عليّ: "حاضر". وبينما كنت مستلقيًا في فراشي وقت الظهيرة في 
غرفتي» وعادة ما أستمع في هذا الوقت إلى برامج إذاعة لندن نحو الساعة الثالثة 
ظهرًا بتوقيت غرينيتش (الخامسة بتوقيت ليبيا)» إذا بي أستمع إلى الخبر الفاجعة» 
(17) رابندرانات طاغور (1941-1816): شاعر ومسرحي وروائي في القسم البنغالي من مدينة 
كالكتا. درس طاغور اللغة السنسكريتية لغته الأم وآدابها واللغة الإنكليزية» ونال جائزة نوبل في الآداب 


عام 41913 وأنشأ مدرسة فلسفية معروفة باسم فيسفا بهاراتي أو الجامعة الهندية للتعليم العالي عام 
8 في إقليم شانتي نيكتان غرب البنغال. 


2308 


الخبر المشؤوم الذي يقول إن مئات من الليبيين يزورون القدس المحتلة للحجء 
فثارت ثائرتي ونهضت من الفراش غاضبًا حتى إنني قمت بتحطيم المذياع. في 
هذه اللحظات أخبرتني أسرتي أن الرائد مختار القروي جاء للتهنئة بالعيد وهو فى 
انتظارك في الصالة» وعلى الفور ارتديت ملابس الحداد السوداء وهبطت السلالم 
من غرفتي متجهًا إلى الصالة. 

وفى هذه اللحظات رن الهاتف. كان المتحدث عبد الله السنوسى. قال لى: 
"الأخ معمّر في انتظارك لوحدكما كما طلبت". أغلقت سماعة الهاتف وقلت 
للرائد مختار: "لا أريد اللقاء بالأخ معمّر". لكنه ألحّ علي في الذهاب للقائه. 
حين ذهبت إلى منزل الأخ معمّر وجدته مع زوجته وعبد الله السنوسيء فقال لي: 
"ما بك؟ زعلان ولابس أسود". ثم سألني: "ما رأيك في زيارة الليبيين للقدس؟". 
فرددت عليه بغضب "يا أخ معمّر أنت تعلم أنني مستقيل من منصبي ولو كنت في 
موقعي لقطعت الأرجل التي ذهبت إلى القدس والأيدي التي صافحت الصهاينة"» 
ثم استدركت قائلا: "إن الليبيين الذين ذهبوا إلى فلسطين المحتلة هم مأمورون. 
أما الذين أشاروا واقترحوا عليك ارتكاب هذه الجريمة في حق الأمة. هؤلاء هم 
الذين سوف أحاكمهم وأطبق عليهم الحكم العادل» لأن كل الدساتير في الدول 
العربية تحرّم الاتصال بالعدو وتعتبره خيانة وطنية"» فقالت لي زوجته وكانت 
متألمة: "يا وخيّ تركت أخوك لوحده؟ هؤلاء الذين من حوله حشموه (أخجلوه) 
وهم الذين دبروا وجهزوا الحافلات"» فقلت لها: "كلاء هذا قرار سياسي اتخذه 
الأخ معمّر". ثم خاطبته شخصيًا وقلت له: "يا أخ معمّر أنت حولت ليبيا إلى 
إقطاعية سياسية» وفى النهاية ها أنت ترسل الليبيين إلى القدس. لقد حوّلت العيد 
الكبير عيد التضحية والفداء إلى يوم للخنوع والاستسلام؛ كما حوّلت يوم الفاتح 
من سبتمبر من يوم انتصار إلى يوم هزيمة» حين اخترت يوم الفاتح للتوقيع على 
الاتفاقية مع حسين هبري حول أوزو بتحويلها إلى محكمة العدل الدولية". 


سأعود في ذاكرتي إلى موقف مشابه: 


حين اقترح الأخ معمّر عام 1989 إحالة ملف شريط أوزو المتنازع 


2309 


اتفقت أنا ومعمّر على عدم الموافقة على إحالة الملف. لكنه اتخذ القرار سرًا 
وبمفرده» ولم أعلم به إلا خلال استقبال الرؤساء العرب والأجانب الذين 
توافدوا للمشاركة فى احتفالات الذكرى العشرين للثورة فى قاعدة الملاحة. 
وبينما كنا في صالة الشرف. فتح معمّر المذياع على إذاعة لندن باللغة العربية 
وكانت الساعة الخامسة بتوقيت ليبياء سمعت النبأ الصاعقة: "ليبيا وتشاد توقعان 
على اتفاقية لتحويل ملف أوزو إلى محكمة العدل الدولية"» فشعرت بغضب 
شديد وقلت له: "يا أخ معمّر على ماذا اتفقنا؟ ألم نتفق على عدم إحالة الملف 
للمحكمة» ها أنت تختار يوم الفاتح من سبتمبر للتوقيع على الاتفاقية. لقد 
حولت يوم الفاتح إلى يوم هزيمة". 

في هذه اللحظاتء جاء إلينا مدير المراسم ليقول: "طائرة الرئيس حافظ 
الأسد بدأت في الهبوط الآن". فقال لي الأخ معمّر وأنا في حالة غضب شديد: 
"ليس عندك مرونة يا عبد السلام. ما تزال تفكر بعقلية الطالب في الخمسينيات". 
ثم أردف قائله: "ليس معي شعب وليس معي رجال. أين الثوريون الذين 
يقولون لي لا؟". فقلت له: "أنت لم تخلق شعبًا. أنت قهرت الشعب وقمت 
بتغييبه. لاايوجد شعب شجاع وشعب غير شجاع إلا بقدر ما تبني أي قيادة 
شعبها وتجعل قضايا القيادة هي قضايا الشعب عن طريق الثوريين والمثقفين 
المتجذرين في الشعب. والشعب لن يتحمس أو يتفاعل مع أي قرار لأن القيادة 
احتكرته. وسيكون دوره هو مسايرة القيادة في كل قراراتها. أما الثوريونء 
فأنت لا تريد شركاء ولا تريد حركة ثورية لديها رأي وموقف. أنت تريد حركة 
مهرجة مهمتها التطبيل والتصفيق. والذين يدّعون أنهم ثوريون هم ليسوا ثوريين 
حقيقيين» إنهم منافقون ودجالون ولا رأي لهم". 

وغادرت المطار عائدًا إلى منزلي ولم أشارك في مراسم استقبال الرئيس 
حافظ الأسد. 


في اليوم التالي من زيارة الليبيين للقدسء تقدّمت برسالة استقالة أخرى 
رفضًا للزيارة» وحيلما التقيناء أنا ومعمر ومصطفى الخروبي وأبو بكر يودس » 
في منطقة المربعات على طريق مطار طرابلسء» قلت له: "يا أخ معمّر» يجب 


23200 


أن نقلل من أضرار هذه الزيارة المشؤومة وأن نعتذر من القوى القومية عن هذه 
الجريمة» ونؤكد لهم التزامنا بتحرير فلسطين وعدم الاعتراف بالعدو". فالتفت 
إلى أبو بكر يونس والخروبي متهكمًا وساخرّاء وقال: "يا بوبكر ويا مصطفىء 
عبد السلام يريد منا أن نعتذر لشعراوي جمعة وعبد المجيد فريد وسامي شرف 
وعبد الرحيم مراد"» وكأن لسان حاله يقول: "مَن هؤلاء. أنا القيادة القومية". 
فقلت له: "يا أخ معمّرء لا أوافق على طريقتك هذه في التفكير» لا أحد يستطيع 
أن يحتكر قيادة الأمة. بالأمس كانت مصر عبد الناصر هي القيادة واليوم ثورة 
الفاتح» وغدًا يمكن أن تقوم ثورة في تونس أو المغرب وتصبح هي قيادة الأمة". 

في تموز/ يوليو 3»؛ طلب مني الأخ معمّر إجراء حوار آخر؛ فالتقينا 
في منزله وبدأنا حوارًا صاخبًا وحاداء قلت له: "مرة أخرى يا أخ معمّر أقول 
لك أنت حولت ليبيا إلى إقطاعية سياسية أصبح فيها الإنسان الليبي أشبه بسلعة 
خاصة بكء لا مشاعر له ولا أحاسيس. إنه مثل حذائك أو نظاراتكء. تفعل بهما 
ما تشاءء وهذا ما أوصلك في النهاية إلى قرار زيارة القدس المحتلة". ثم قلت 
له: "أصبحت مثل شخص أطرش وأخرس وأعمىء لا يرى الحقيقة ولا يسمعها. 
لقد سيطر عليك الغرور"» فقال لي: "أنت جعلت مني متاع اليهود؟". انتهى 
الاجتماع من دون الوصول إلى أي نتيجة وكان اجتماعًا محبطًا. 


وسأعود إلى الوراء قليلًا 

في عام 1992» جاءني العقيد عبد الفتاح يونس والنقيب أحمد قذاف الدمء 
بعد أربعة أيام من استقالتي» وكنت في منزلي في مصيف يدعى عين الزرقا» 
وقالا لي: "كنا في رئاسة الأركان» وقد استلم الأخ العقيد أبو بكر يونس رئيس 
الأركان» توجيهات مكتوبة من القائد - بحسب تعبيرهم - تمنع على الضباط 
زيارة عبد السلام جلود أو الاتصال به. كما جرى تعميم هذه التوجيهات على 
أمناء اللجان الشعبية وأمناء المؤتمرات والمسؤولين» وجاء فى هذه التوجيهات: 
لا تجعلوا لنا سلطة ومعارضة". ثم قالا: "حين اطلعنا على هذه التوجيهات جئنا 
مسرعين لرؤيتك على أساس أن هذه التوجيهات لم تعمم بعد ولم نطلع عليهاء 
وخشينا ألا نراك في حياتنا مرة أخرى". 


321 


في ليلة الفاتح من عام 1993» كنت في منزلي بالمصيف. وفجأة وصل 
الأخ معمّر لزيارتي» وقال لي: "من الضروري أن نتفق. الناس معنوياتها سيئة 
وهي مُحبطة بسبب موقفك وخاصة الشباب والثوريين"» فقلت له: "المشكلة 
ليست في عودتي عن استقالتي وممارسة مهماتي. المشكلة تكمن في الرذة 
التي تقودها أنت شخصيّاء فهل لديك الرغبة في التراجع والعودة إلى الشعب 
والوطنيين والثوريين؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة على 
الثورة"» ثم أضفت: "مجيئك إليّ ليلة الفاتح لا يبدو لي مقنعًا أو مفهومّاء لو 
كنت جادًا في التوصل إلى اتفاق حول ضرورة التغيير الشامل» لكان علينا أن 
نرتب لهذا اللقاء قبل عشرة أو خمسة عشر يومًا قبل الفاتح» كان في إمكاننا 
أن نجري حوارًا معممّاء ونتفق على أمسس التغيير. أما اليوم فيبدو لي أننا لن 
نتمكن من إنجاز شيء. لقد تأخر الوقت كثيرًا". ولمّا ألحّ علي بالظهور العلني 
أمام الجماهيره قائلًا إنها بدأت تتساءل عن سبب اعتكافي» قلت له: "أنت 
تعرف رأيي وظهوري العلني متوقف على ما ستقوله غدًا في خطاب لفاتح 
من سبتمبر' '. ثم ذكرته بالحملة التي شنها عليّ هو وحاشيته شيته» وقلت له: "أنتم 
كنتم تقولون عني بأنني سادات ليبياء وأنني أريد أن أرث الثورة. الحمد لله. إني 
رأيتكم أنتم جميعًا ساداتيين» تسيرون على طريق السادات وطنيًا وقوميًا". فرة 

كنا نجلس في المصيف. ولمّا علم المصطافون بلقائنا وشاهدونا معّاء 
تجمعوا بالقرب مثا فرحين باللقاء وتفاءلوا خيرّاء حتى إن بعض النساء زغردن 
ابتهاجًاء فنهض الأخ معمّر وأطلق بضع رصاصات من مسدمه في الهواء تحية 

كنت في أعماق نفسي أعلم جيدًا أن هذا اللقاء ليس جادَاء وأنه لن يسفر 
عن أي اتفاق حقيقي» فقد كنا على طرفي نقيض. وبالفعل» كان خطاب الأخ 
معمّر في احتفال الفاتح» كما توقعتء استمرارًا في تأكيد نهجه الفردي. 

ويبدو أنه كان يشعر بالضيق من سخرية الجماهير التي راحت تطلق 
الشائعات والنكات ضده. حتى إنه أشار إليها في خطابه» بأنه سوف يصدر 


23232 


قوانين تجرّم مروجي الشائعات والنكت. ثم فوجكت في أثناء الخطاب والأخ 
معمّر يقول: إن اليهود عرضوا عليه إعادة غزة إلى الفلسطينيين إذا ماقام هو 
بزيارة فلسطين المحتلة. كان هذا الإعلان صاعقًا بالنسبة إلى» وهو ما يؤكد أنه 
بدأ منذ عام 1991 اتصالات سرية مع إسرائيل. ْ 


ما إن انتهى الأخ معمّر من إلقاء خطابه» حتى غادرت مسكني متوجهًا إلى 
منزله وأنا فى حالة غضب شديدء وأذكر أننى ذهبت مسرعًا حتى إننى وصلت 
قبله بدقائق. حين التقينا قلت له: "أنت لا تزال مصرًا على مواصلة طريق الرّدة 
والكفر بالثورة» يا أخ معمّر لا فائدة» أنت تحطم نفسك بهذه الطريقة» فأنت 
تسير في الطريق الخطأ وخطاباتك تكرار لسياساتك التجريبية التي ستكون 
نتيجتها انهيار البلاد وتدمير نفسكء كما أن إعلانك أنك سوف تصدر قوانين 
تجرّم وتمنع التكات والسخرية من قراراتك» أمر يستحيل قبوله. ليس هناك 
قانون في العالم يحاسب الناس على نياتها وما يدور في عقولهاء كما أن 
إعلانك أن اليهود عرضوا عليك إعادة غزة إلى الفلسطينيين» مقابل زيارة تقوم 
بها لفلسطين المحتلة» يؤكد للجميع أن قرار زيارة الليبيين للقدس المحتلة هو 
قرارك أنت". ثم قلت له: "إنني أشفق عليك وعلى حالك". 


بعد ستة أشهر من هذا اللقاء» في أول يونيو/ حزيران 1994» طلب الأخ 
معمّر اللقاء وإجراء حوار بيننا. أرسل إلي أبو القاسم القنقا وخليفة إحنيش 
وسعيد راشد. في هذا الوقتء كان الأخ معمّر في سرت؛ ولذا قررت السفر إلى 

كانت هناك مناسبة عائلية خاصة بزفاف ابئَّئْ عمر أشكال. وهو أحد أقارب 
الأخ معمّر. التقينا في حفل الزفاف وكان يشارك فيه عدد من الشعراء الشعبيين. 
كانوا يتسابقون في مديحه وتمجيده حتى إن بعضهم رسم له صورة هي أقرب 
إلى التأليه. كان الأخ معمّر وهو يستمع إلى أشعارهم في غاية السعادة» لأنه 
شغوف بالإطراء الشخصى والمديح. واذكر ان أحد الشعراء اعاد قراءة 
قصيدة شعبية قيلت في السبعينيات» وفي مطلعها يقول الشاعر ناعنًا النظام 
الملكي بعبارة "يا سارقي النفط يا نهّابة"» فقلت للأخ معمّر: "يا أخ معمّرء حين 


203 


كنا نسمع القصيدة في السبعينيات نشعر بالرضا. الآن نحن نفعل أكثر مما فعل 
العهد البائد". 

خيمة كبيرة ومعه كبار رجالات قبيلة القذاذفة وأعيانهاء ويبدو أنه أحضرهم 
للتأثير فيَّ وكان عددهم يراوح بين 70 و80 شخصًا. قال لي بعض شيوخ 
القبيلة: "كيف تترك أخاك لوحده؟" ثم خاطبوا الأخ معمّر: "يا معمّر» أنت 
لا تستطيع أن تقود البلد أو تحكم. اترك عبد السلام يقود ويدير البلد وأنت 
خليك في أعراسك وسهراتك في باب العزيزية". 


فرددت عليهم قائلًا: "أنا لم أتركه هو الذي تركنا"» وكنت أعني أن 
القذافى هو الذي ترك الثوريين والمخلصين والوطنيين» واختار أعداء 
الشعب والمنافقين» فرد الأخ معمّر قائلا: "إذا كنت تركتكم فأنا مستعد أن 
أعود لكم". شعر المجتمعون بالبهجة حين نطق الأخ معمّر بهذه الكلمات 
فصفقوا له. في اليوم التالي» عقدنا اجتماعًا استمر لساعات. في نهاية 
الاجتماع قال لي: "هذه المرة لن أترككء والبرنامج الذي قدّمته أعتبره 
برنامج الثورة. أنا موافق عليه كله". بعد يوم واحد فقط من هذا الاجتماع, 
عدنا لاستكئناف النقاش حول مختلف القضاياء لكننى فوجكت به ينقلب كليًا 
على كل ما أعلنه؛ إِذْ قال لي: "إذا وافقت على برنامجك ماذا سأعمل؟ أنا 
واقع فعليًا تحت رحمة شروطك وشروط اليهود والأميركيين» ثم لو أنني 
وافقت على البرنامج؛ فهذا يعني أنني كلما حاولت أن أفعل شيئًا ستقول 
لي هذا مخالف للبرنامج". ثم تابع قائلًا: "أنت تسجل عليّ مواقف (أي 
أنك تتصيد أخطائي)". كان وقع كلماته كالصاعقة عليّء فقلت له: "هذا أمر 
غريب» بالأمس فقط قلت لي إنك توافق على البرنامج» المسألة برمتها هي 
مسألة تحقيق الثورة لأهدافهاء وليست أن نفعل مانشاء» ثم إِنْني عرضت 
عليك البرنامج في حوار استغرق 6 أيام متواصلة» وطلبت مني أن أقدّمه 
مكتوبًا وفعلت. هذا البرنامج كما قلت لك مرارًا ليس شروطاء بل هو خطة 
تغيير تجعلنا أقوياء بالفعل في أعين شعبناء وهو مايجعلنا قادرين على 


232104 


مقاومة الشروط الصهيونية والأميركية. أنا لاعلم لي بأي اتصالات سرية 
بينك وبين الإسرائيليين ولا علم لي بأي شروط". 

وهكذا انفضٌ الاجتماع نحو الساعة العاشرة ليلّا من دون أي اتفاق, لكنه 
قال لي وهو يوذعني: "سنظل على اتصال". في اليوم التالي» عدت إلى طرابلس 
واعتكفت في منزلي. بعد أسابيع قليلة» تلقيت اتصالًا من الأخ معمّر يخبرني 
فيه أنه "تحدث مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك على مبادرة لتوحيد 
البلدين ليبيا ومصرء على أن يكون مبارك رئيس دولة الوحدة» وأن يكون 
عبد السلام جلود رئيسًا للوزراء"» فقلت له: "يا أخ معمّر أنا مستقيل» فكيف 
تتحدث عن أمر يخصّني» وأنت تعلم أنني تخليت عن منصبي وموقعي. لو أنني 
كنت لا أزال في موقعيء فبكل تأكيد سوف أرفض هذه الفكرة وأرفض العرض 
المقدّم لي» لأن القبول بالعرض يعني أنني سوف اعترف بإسرائيل بصورة غير 
مباشرة"» ثم أضفت: "أنا أرفض أيّ وحدة سياسية مع أيّ نظام عربي يعترف 
بإسرائيل". 

وخلال فترة اعتكافى فى منزلى بطرابلس» توصلت إلى قناعة راسخة 
مفادها أن الأخ معمّر لايملك أي إرادة حقيقية للتغيير؛ ولذا اتخذت قرارًا 
صارمًا بمقاطعته وعدم اللقاء به. وبالفعل لم نتحدث هاتفيًا ولم ألتق به طوال 
سنتين ونصف سنة» لكنه حاول مرات كثيرة حملي على أن أقبل فكرة اللقاء به 
وكنت في كل مرة أرفض فكرة أي لقاء. وذات يوم استدعى الأخ معمّر أخي 
سالم» وطلب منه أن يعدّ لنا عشاءء أنا وهوء فقال له سالم: "ليست المشكلة في 
إعداد طعام العشاء. المشكلة في إقناع عبد السلام بالحضور". 


وحين جاءني أخي سالم وأخبرني برغبة الأخ معمّر» قلت له إنني أرفض 
الفكرة من أساسها. بعد ذلك جاءني خليفة إحنيش وهو يحمل اقتراحًا من الأخ 
معمّر أن نلتقي» فقلت له: "لا يمكن أن نلتقي. لن تمتد يدي لمصافحته. مادام 
مستمرًا في قمع الليبيين ويمارس جرائمه". وأذكر أن خليفة إحنيش قال لي وهو 
يسمع ردّي الغاضب: "لا أستطيع أن أنقل إليه ما قلته لي» وأنك ترفض اللقاى 
لكنني سأقول له إن عبد السلام يبلغك تحياته» وهو سوف يفهم المقصود". 


2345 


فأجبته: "أنت حر في ما تقول. لكن هذا هو ردّي وهذا هو جوابي من دون 
لبس". بعد أيام» أرسل إليّ المقدم عبد الله الحجازي طالبًا أن نلتقي» وكان 
ذلك في شهر رمضان 1996». فرفضتء وقلت له: "لن ألتقيّ به لا في رمضان 
ولا في شعبان". 


سأعود قليلً إلى الوراء لأتذكر حادثة: 


في نهاية شهر الفاتح (أيلول/ سبتمبر) وبداية تشرين الأول/ أكتوبر 21993 
التقيت الأخ معمّر في مدينة سرت» وأجرينا حوارًا مطولا وصريحًا على امتداد 
عدّة أيام» ناقشنا فيه كل شيء حول الأوضاع في ليبيا. في نهاية المطاف. اتفقنا 
على أن أعدّ من جديد برنامج "التغيير الجذري والشامل"» بما يضمن عودة 
الثورة للشعب. حينما وافق الأخ معمّر على أن أقوم بوضع هذا البرنامج» قلت 
له: "البرنامج متبلور في ذهنيء ولكنني أريد أن أسألك في قضية حساسة: هل 
توافق على أن يساعدني في إعداد البرنامج عناصر ذات كفاءة وجادّة؟". فقال 
لي: "نعم استعن بمن تريد وأشرك معك كل العناصر الجادة التي يمكن أن 
تكون مفيدة"» فعدت إلى طرابلس. وعلى الفورء وضعت قائمة بأسماء الفريق 
المساعد» ومن بين هذه الأسماء جاد الله عزوز» وأبو زيد دوردة» وعبد القادر 
البغدادي» ورجب المسلاتي» ومحمد سيالة» وعبد الله السعودي» ومحمد 
عبد الجواد. والروائي أحمد إبراهيم الفقيه» ونقيب الأدباء أمين مازن» والدكتور 
علي فهمي إخشيم. وعمر الحامدي» وصبحي قنوصء والدكتور شعيب 
المنصوريء والدكتور مصطفى عمر التير. كان عدد أعضاء الفريق يراوح بين 
3530 شخصًا. وبحسب ماعلمت» خلال هذا الوقت, كان الأخ معمّر يعتقد 
أن موافقته على إعداد البرنامج ستكون فرصة لعودتي إلى ممارسة مهماتي» 
ثم علمت أن موافقته كان يقصد منها توريطي. وكانت تلك بالنسبة إلي مناورة 
مكشوفة. ويبدو أنه انزعج لما علم أنني لم أذهب إلى مكتبيء وأنني كنت أقود 
فريق العمل من مبنى اللجنة الشعبية» كما علمت أنه كان يسأل العقيد مصطفى 
الخروبي وأبو بكر يونس: "لماذا لا يعمل عبد السلام من مكتبه؟”. بل إن الأخ 
معمّر كان يسأل أبوزيد دوردة - وكان في هذا الوقت أمين اللجنة الشعبية 


2336 


العامة - السؤال نفسه: "لماذا لا يعمل عبد السلام من مكتبه؟”. ولمًّا أدرك الأخ 
معمّر أن مناورته هذه لايمكن أن تمرّء وأن الأخبار والمعلومات عن الحوار 
الصريح والطويل الذي دار بيننا - إذ اتفقنا على أن أعد برنامجًا جذريًا - باتت 
حديث الشارع الليبي» بدا منزعجًا وشديد الحساسية. 


في هذه الأثناء» بدأت العناصر الانتهازية التي تلتف حوله بالترويج لمزاعم 
أن هذا البرنامج "هو برنامج عبد السلام" وليس برنامج الثورة. كان هؤلاء 
يدركون أن البرنامج يستهدفهم في الصميم؛ ولذا عملوا على نقل الوشايات 
والأكاذيب» بأن "عبد السلام يريد من خلال هذا البرنامج العودة بشروطه. وهو 
يريد أن يفرض برنامجه وشروطه على القائد". 


بعد ذلك» غادر الأخ معمّر إلى مدينة سبها في فزّانَء وحين عاد إلى 
طرابلسء» أبلغته بأنني انتهيت من إعداد البرنامج وأنني جاهز لمناقشته معه 
لكن نظرًا إلى سيطرة العقلية المخابراتية على تفكيره؛ كان هناك متطوعون من 
ناقلى الأخبار والشائعات ينقلون إليه "أولّا بأول" الحوارات والمناقشات حول 
البرنامج» ويبدو أنه انزعج من "جذرية البرنامج"» وانتشار أخباره في الشارع 
الليبي وتعلق امال الجماهير به. وهذا مازاد في عناده ورفضه للتغيير. حين 
وصل الأخ معمّر إلى طرابلسء» ذهبت للقاته حاملًا معي "مشروع البرنامج". 
وللأسف وجدت أنه قد أعد مناورة جديدة. كنت سبقته فى الوصول إلى الخيمة 
بخمس دقائق. وبينما كنت أجلس داخل الخيمة» رأيته قادمًا رفقة العقيد أبوبكر 
يونسء وبدا عليه عدم الارتياح» وبعد أن سلّمت عليه جلسنا نحن الثلاثة. قال 
العقيد أبو بكر يونس حرقيًا: "يا بوي هذا البرنامج مفروض علينا من الخارج"؛ 
فغضبت غضبًا شديدّاء وقلت له: "أنت لم تطلع على البرنامج فكيف تقول إنه 
مفروض من الخارج؟ هذا ليس كلامك أنت يا أبو بكر؟". ثم توجهت بكلامي 
إلى الأخ معمّر وقلت له حرفيًا: "عيب يا أخ معمّر أن تضع أبو بكر يونس في 
هذا الوضع المحرجء وهو لا يحسن لعب هذا الدور" ثم نهضت وحاولت أن 
آخذ نسخة البرنامج الذي كنت وضعته فوق الطاولة» فأسرع الأخ معمّر وأخذه 
وهو يقول لي: "اجلس يا عبد السلام". فقلت له: "لماذا نناور على بعضنا؛ إذا 


23037 


لم تكن موافقًا على البرنامج فقل لي هذا مباشرة ومن دون لف ودوران» ومن 
دون أن تضع أبو بكر في الواجهة". ثم خاطبت أبو بكر مباشرة وقلت له: "عيب 
عليك أن تقبل بهذا الدور. ماتقوله أنت عن محتوى البرنامج كنا نقوله معًا 
في الغرف المغلقة» بل وأكثر بكثير مما ورد فيه", فقال الأخ معمّر: "إذَا كنتم 
تتآمرون عليّ؟". ثم قال للعقيد أبو بكر: "أنت والخويلدي ومصطفى تنزعجون 
لأصغر وأتفه الأسباب الشخصية وأحيانًا لأسباب لا أهمية لهاء بينما عبد السلام 
حينما يتخذ موقمًاء فهو يتخذه من أجل قضية عامة ومن أجل مصلحة الثورة". 
انزعج العقيد أبو بكر يونس وردّ حرقيًا: "أنا أش دخلي تحطوني فيما بينكم. 
أنتم أكباش تتناطح". ثم نهض وغادر الخيمة غاضبًاء شاعرًا أن الأخ معمّر 
وضعه في موقف محرج وتخلى عنه. وهكذا انفض اللقاء من دون أي مناقشة 
للبرنامج. وفشلت هذه المحاولة كما فشلت أكثر من محاولة غيرها من قبل. 
وسأعود مرة أخرى إلى الوراء قليلًا لأروي واقعة مهمة تؤكد ما أقول: 
في عام 1990» كنت في منزلي أشاهد الإذاعة المرئية الليبية» وكانت تنقل 
وقائع ما عرف بالتحالف التاريخي بين قبيلة ورفلة وقبيلة القذاذفة في منطقة بني 
وليد في ورفلة. وصعقت حينما رأيت الأخ معمّر يحضر هذا اللقاء» وشاهدته 
وهو يسلم بيان التحالف» فاتصلت به وقلت: "أن تأمر القبيلتين بعقد هذا 
التحالف الصوري شيء» وأن تحضره أنت شخصيًا وأن يسلموك بيان إعلان 
التحالف [شيء آخر]ء فأنت تثبت بالصوت والصورة أنك شيخ قبيلة. أنا أشعر 
بالأسف والحزن للحالة التى وصلت إليها". بعد أشهر من هذا الإعلان» قاد بعض 
ضباط قبيلة ورفلة مؤامرة لإسقاط النظام. بعد أيام قليلة فقط. وتحديدًا في اليوم 
الرابع للمؤامرة» طلبني الأخ معمّر للقاء به في خيمته بباب العزيزية وكان معي 
مصطفى الخروبي. وكانت هذه من أخطر المؤامرات التي وقعت في ليبياء بعد 
مؤامرة المحيشي عام 1975. لما وصلت إلى الخيمة» وجدت رجلين (شيخين) 
من أقاربه. حين جلست أنا والعقيد مصطفى. قال لي: "يا عبد السلام سقطت 
القبيلة وانتتصرت قيمك الثورية". فقلت له: "يا ريت سقطت القبيلة وانتصرت 
قيمنا الثورية. هذه ليست قيمي أناء وإنما هي قيمك أنت وقيم كل الثوريين". كان 


2308 


الأخ معمّر في هذا اللقاء» كما رأيته عن قربء يشعر بالمرارة والإحباط ويعتصر 
الألم قلبه؛ فقد كانت المؤامرة خطيرة واستهدفت قتله. قبل هذا الحادثء كان 
الأخ معمّر قد عقد تحالقا بين قبيلة القذاذفة وقبيلة ورفلة» وبات يعتمد على قبيلة 
ورفلة في حمايته وحماية نظامه. ولذا كان يشعر بالمرارة والألم. قال الشيخان 
وهما يوجهان كلامهما إلي: "قبيلة ورفلة ليسوا إخوتنا من جهة الجد. المقارحة 
هم إخوتنا"» فقلت بغضب وأنا أوجه كلامي إلى الأخ معمّر: "فكني منهما ومن 
كلامهما. قبل أربعة أيام لم يكونا يقولان هذا الكلام". أدركت أن الأخ معمّر هو 
منْ لقن الشيخين, ليقولا لي إن "المقارحة إخوة القذاذفة"» فقلت للأخ معمّر: 
"أرجوك أخ معمّر. أنت تعلم أنني مستقيل» ولكنني أنصحك ألا ترتكب مرة 
أخرى خطأ مصراتة» لما تآمر المحيشي وبعض الضباط من مصراتة» اعتبرت 
أن مصراتة كلها متآمرة عليك. يجب أن تكون العقوبة شخصية. لا تزر وازرة 
وزر أخرى". ثم تابعت كلامي قائلًا: "لو نفذت هذا البرنامج» أقصد البرنامج 
الذي أعددته. فلن تعود هناك أي حاجة أو ضرورة إلى محاكمة هؤلاء الضباط 
والمدنيين. أما إذا لم تنفذ هذا البرنامج» وقمت بإعدامهم, فلن يتغيّر شيء, لأن 
الأمر الخطير هو أن الجماهير فقدت ثقتها بالثورة وباتت تقاوم مقاومة سلبية» 
وهي الأخطر" فقال لي: "هذا البرنامج برنامج الثورة وأنا أوافق عليه كله". وقبل 
أن أغادر أنا ومصطفى الخروبيء قلت له حرفيًا: "يا أخ معمّر إذا كنت غير جادء 
أو ليس لديك الإرادة السياسية الكافية لتنفيذ البرنامج فقل لي هذا بصراحة. 
لاأريد أن أبدأ بتنفيذ البرنامج» ثم أتفاجأ بأنك غير جادّ في الموافقة عليه". 
فقال لي الأخ معمّر: "أنا موافق". كان مصطفى الخروبي إلى جواري فقلت 
للأخ معمّر: "سأقول لك أمام مصطفىء غدًا سأجمع أمانة مؤتمر الشعب العام 
واللجنة الشعبية العامة لأعرض عليهم البرنامج لإثرائه» ثم أبدأ بتطبيقه بحسب 
الآلية المرفقة". 

بعد ذلك» عقدت اجتماعًا لأمانة مؤتمر الشعب العام واللجنة الشعبية 
العامة لدراسة آلية تنفيذ البرنامج. وكان من بين الآليات أن يُعرض البرنامج على 
المؤتمرات الشعبية. اتصل بي أحمد رمضان وقال لي: "الأخ القائد يقول لك 
إنه يرى ضرورة تأجيل طرح بعض الأفكار والقضايا في البرنامج". وقد وجدت 


2309 


أن الأفكار والقضايا التي يطلب الأخ معمّر تأجيل مناقشتهاء أو حتى طرحها 
للنقاش» هي لبّ البرنامج وجوهره. وتأجيل النقاش حولها لا يعني سوى تفريغ 
البرنامج من مضمونه ومحاوره. فغضبت غضبًا شديدّاء وطلبت الأخ معمّر على 
الهاتف وقلت له: "إن كنت تريد عودتي عن استقالتي» فلا بد لك من الموافقة 
على تنفيذ البرنامج من أول صفحة حتى آخرها". فقال لي: "باهي. باهي (أي 
حسناء حسنًا)"0 ثم أغلق سماعة الهاتف. وأتذكر. حين أعيد انتخاب حسني 
مبارك رئيسًا في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1987» كان الأخ معمّر في هذا الوقت 
يعيش حالة من الضعف والهوان, فقرر أن يذهب هو وأبو بكر يونس والخويلدي 
والخروبي إلى منطقة السلوم لتقديم التهنئة لمبارك» فاتصل بي أحمد رمضان 
وقال لي: "يقول لك أخوك معمّر وش رأيك تلحق بنا؟"» فقلت له: "قل لمعمّر 
أنا مستقيل. لو كنت في منصبي لرفضت أن تذهب قيادة ثورة الفاتح لتهتكة 
مبارك» ومنْ هو حسني مبارك؟". وفعلا ذهبوا جميعًا إلى السلوم. 


وأذكر أن الإخوة أبوبكر يونس والخروبي والخويلدي جاؤوا إلى منزلي 
في عام 1994 يحملون رسالة من الأخ معمّر» مضمونها: "أنت تنتقد سياساتي 
وتحرض الجماهير ضدي". فقلت لهم: "سوف أذهب للقاء الأخ معمّر". فقالوا 
لي: "سنذهب معك". 

فذهبنا في اليوم نفسه للقاء الأخ معمّرء فكرّر أمامي مضمون الرسالة» 
وقال: "أنا لا أستطيع اتخاذ أيّ إجراء ضدك, ولذا سأترك لك البلد. لا أريد أن 
أراك وهم يحققون معك ويعذبونك قبل أن تُعدم"» فقلت له: "مّن هم الذين 
سيحققون معي ويعذبوني, هؤلاء إما أنهم يخافون مني وإمّا أنهم يحترمونني. 
ولذاء في حال حصول هذا فذلك هو قرارك أنت. أنت تترك البلد؟ هذا 
مستحيل» أنت مستعد لأن تقتل مليون ليبي أو مليونين لكي تحكم ليبيا. أنا 
لا أستطيع العيش تحت التهديد والتخويف. لست خائمًا؛ لامن سجونكء. 
ولا من إعدامي. ما يجري في ليبيا لا أوافق عليه إلا أن يمرّ فوق جثتي". 


بعد هذا اللقاء بأشهر. عرضت على بعض أعضاء القيادة» ومن بينهم أبو بكر 
يونس ومصطفى الخروبي ومختار القروي وبعض الضباط الأحرار أن يعقل 


400 


عضاء مجلس قيادة الثورة والضباط الأحرار اجتماعًا في منزلي لنتخذ فيه قرارًا 
بفرض التغيير على الأخ معمّر؛ لأن الأوضاع تستحق مجازفة غير محسوبة. 
وللأسف. رفض الجميع الاقتراح» وقالوا إن هذا يُعدّ تمرّدّاء وقالوا: "ما نسعى 
إليه هو لقاؤكما معًا واستئناف الحوار". في الساعة الثانية عشرة من يوم جمعة 
الفاتح من أيلول/ سبتمبر 1995» رن الهاتف في منزلي بمنطقة المصيف». 
فرفعت السماعة وصمتّء انتظرت قليلاء وإذا بالأخ معمّر هو المتصلء فقال 
لي: "يا أخينا لماذا لا تتصل للتهنئة وتبارك"؛ فقلت له: "ما المناسبة؟". فقال لي: 
"الفاتح": قلت له: "يا أخ معمّر لم يعد الفاتح يعني لي أي شيء؛ لا لأنني لم 
أعد في السلطة, وإنما لآن الفاتح لم يعد يعني لليبيين أي شيء؛ ومن ثم فهو 
لا يعنيني. الفاتح اليوم يعني لليبيين الفقر والجهل والخوف. لك طريقك ولي 
طريقي". فردّ قائلا: "طريقنا واحد منذ 1957". فقلت له: "ما تفعله بالشعب 
الليبي من قهر وقمع وتجويع وإذلالء أمر يفوق كل وصف". ثم قبل أن يغلق 
الهاتف. قال لي: "مشكلتي أنك زعيم» لولا هذا لحاكمتك وأعدمتك". 

فى المساءء ألقى خطابًا فى الجماهير خلال احتفال بمدينة سرت. قال فيه: 
"في العالم الثالث منْ يستقيل من منصبه هو الشخص الأول. أما أي شخص 
آخر» إذا ما استقال فسوف يسجن أو يعدم, لكننا سنقدّره ونحترمه ونعامله كما 
عاملت روما أبناءها". 


فى حزيران/ يونيو 06 وقعت مذبحة سجن "بوسليه”؟') التى ذهب 
ضحيتها أكثر من ألف شاب ليبي. ولأنني كنت في حالة قطيعة معه» وكنت 
مستقيلاء لم تتح لي الفرصة للتحدث معه عن هذه الجريمة. ثم بعد عامين 
ونصف عام من هذا التاريخ» أي في عام 1998 وقعت محاولة انقلابية» دبرتها 
مجموعة من أقاربه وحرسه الخاص. وكانت تستهدف اغتياله. قام الأخ معمّر 


(18) وقعت مذبحة سجن بوسليم لما داهمت قوات خاصة يوم 30 حزيران/ يونيو 1996 سجن 
بوسليم الواقع في ضواحي العاصمة طرابلس - وهو يعد الأكثر تحصيئًا وحراسة في ليبيا - وأطلقت 
النار على السجناء بدعوى تمردهم داخل السجن. ثم قامت تلك القوات بدفن الجثث في باحة السجن 
وفي مقابر جماعية متفرقة في ضواحي طرابلس. وينتمي أغلب السجناء القتلى إلى جماعات إسلامية 
متعددة المشارب والاتجاهات» ورغم أن غالبيتهم ليبيون فإن من بينهم فلسطينيين وعربًا آخرين. 


401 


بإعدام المتآمرين والتمثيل بجئثهم. وسحلها بواسطة سيارة في ميدان باب 
العزيزية» ثم علقهم من أرجلهم فوق شجرة. بعد يوم واحد فقط من اكتشاف 
المؤامرة اتصلت به هاتفيّاك وقلت له: "أنا قادم للقائك". فقال مستغربًا وهو 
لا يكاد يصدق: "صحيح يا عبد السلام؟". وبالفعل» ذهبت للقاء به» وكان هدفي 
أن استغل ظروفه النفسية السيئة حيث كان منهارًا تمامًا من أجل إقناعه بالعودة 
إلى الشعب. ولمّا وصلت عانقنى بحميمية وهو يبكى بكاء شديدًا بصوتٍ عالٍ» 
لمدة نصف ساعة تقرياه إلى درجة أن عبد الله السنوسي ومنصور ضو شعرا 
بالإحراج فغادرا المكان, ثم قام حراسه بذبح خروف أمامناء وهي عادة بدوية 
تعبيرًا عن الفرح واللاحتفاء بالقادم. بعد ذلك جلسناء وقال لي: "هل يخطر 
عليك (أي على ذهنك) يا خوي يا عبد السلام» أن أقاربي وحراسي يريدون 
قتلي؟". فقلت له: "يا أخ معمّر لماذا يتآمر عليك أقرباؤك ويخططون لقتلك؟ 
هم ليسوا سياسيين. هذا يعني أنك تسير في الطريق الخطأء حتى إن أقرباءك 
لم يقبلوا بتصرفاتك. لا أحد يحميك؛ لا الأقرباء ولا الحراس» بل الشعب» 
فعد إلى الشعب". ثم أردفت: "إن مذبحة سجن بوسليم يمكن اعتبارها أكبر 
مذبحة منذ مذابح هتلر ضد اليهود"» فردّ عليّ قاتلا: "هؤلاء مكلوبين (ويقصد 
أنهم مثل كلاب مسعورة)» لو أنني لم أتصرف معهم على هذا النحو لهربوا من 
السجن وأحرقوا مدينة طرابلس وأحرقوك أنت معها". فقلت له: "حرق مدينة 
طرابلس وحرقى أهون من قتل 1400 شاب" فردّ قائلًا: "هؤلاء - سُنْةَ - 
متعصبون": فقلت له: "أنت ستجعل كل الليبيين سنّة يميلون إلى التشدة وسوف 
يقاومونك» الشغب سيقاوم بالسلبية المقيتة» وهؤلاء المتشددون سيقاتلونك 
بأجسادهم. أنت يا أخ معمّر تدمر نفسك وتدمّر البلد معك. الأنظمة الدكتاتورية 
والقمعية تستخدم الأساليب المعروفة في القمع. أما أنت فتتفنن وتبتكر أساليب 
وأدوات قمع جديدة". فقال لي: "يا عبد السلام. أنت تقود حملة ضدي من 
النقد والتحريض وأنا أكره النقد وأكره الإطراء والمديح وأحب النصيحة. الدين 
هو النصيحة؟". فقلت له: "أنت يا أخ معمّر تكره النقد. لكنك تحب الإطراء 
والمديح. النقد هو أوكسجين الحياة» والإطراء والمديح هما المستنقع الذي 
تموت فيه الحياة. نعم الدين النصيحة؛ لآن الدين علاقة الإنسان بخالقه؛ أما 


402 


في السياسة فهناك النقد وهو حجر الزاوية في كل تطور". فردّ علي وهو يضع 
أصبعه على حنجرته قاتلا: "هذا كله ليس مهمًا. الشيء المهم هو موقفك الذي 
جعل الغصة في حلقي. ولن أنسى ولن أغفر لك هذا الموقف الذي جعلني 
مدانًا في الداخل والخارج". فقلت له: "كل هذا سببه سياساتك التدميرية وليس 
موقفي. موقفي يستند إلى حقوق الناس ومصالحهم. ولو اختلفت معك. 
وكانت سياساتك تنال رضا الناس» فإنهم لن يسألوا عن موقفي". فقال: "لم أعد 
أستطيع تحمل هذا". وهكذا انتهى آخر حوار صاخب دار بيني وبين معمّر. 

وأذكر أننى كنت فى منزلى» وفتحت الإذاعة المرثية الليبية» وكانت تنقل 
على الهواء لقاء الأخ معمّر مع بعض أعضاء اللجان الثورية» واستشطت غيظًا 
ومرارة حينما رأيت سيدة تنهض من مقعدها وهي تصيح: "يا أخ القائد» يا أخ 
القائده يا أخ القائد جوّع الكلب يتبعك. جوع الليبيين يتبعوك"» وصعقت لمّا 
رأيت معمّر يضحك ويصفق ويهز رأسه موافقاء فاتصلت به بعد انتهاء اللقاء 
وقلت له: "كيف تسمح لنفسك يا أخ معمّر أن تستمع لهذه المرأة وتسمح لها 
بمواصلة هذا الكلام» كان من المفروض أن تطردها لا أن تصفق لها". كان رده 
علىّ: "يا أخينا أنت تتوقف عند كل شىيء» ومهمتك أن تراقبنى ماذا أقول وماذا 
أفعل". ثم أغلق الهاتف. / ْ 


بعد عام 1998» جاء إلى منزلي بعض الضباط الأحرار وبعض الثوريين 
الحقيقيين» وقالوا لي: "إذا أردت أن تنجح في إحداث التغيير» فعليك أن 
تعطي مخرجًا للأخ معمّر» لأن العناصر السيئة والمستفيدة تعتبر البرنامج ضد 
مصالحهاء وهم يروّجون أنك تريد فرض برنامجك على القائد"» ففكرت. ثم 
كتبت ورقة قلت فيها: "لقد اجتمعت مع الأخ معمّر وطلب مني أن أستعين 
بخيرة الكفاءات لإعداد ليبيا والأمة العربية للقرن 21» وأرسلتها إلى مدير مكتبه 
أحمد رمضان". بعد وقت قصيرء اتصل بي رمضان وقال: "أخوك معمّر مسرور 
بما كتبت". بعد هذه المكالمة» انكببت على إعداد البرنامج في جانبيه الوطني 
والقومي وأرسلت إليه صورة منه. بعد أن اطلع معمّر على البرنامج ألقى كلمة 
في أمانة مؤتمر الشعب العام» وفوجئت وهو يقول: "ماذا يعني إعداد ليبيا والأمة 


403 


العربية للقرن 21. نحن في ليبيا لا نزال في القرن الرابع عشر". وقال من دون 
أن يذكر اسمي: "كيف له أن يدّعي أنه يفهم أكثر من الشعب. الشعب هو الذي 
يفهم". الغريبء أن الأخ معمّر بعد هذا الخطاب مباشرة» نسب البرنامج في 
جانبه القومي إليه» وأرسل أبو بكر يونس ليزور المشرق العربي» حاملًا مشروع 
البرنامج» بينما أرسل الخويلدي إلى المغرب العربي. 

في عام 1999. قررت عائلة عدالة» وهي أسرة ليبية مشهورة بأبناتها 
المتعلمين والمتضامنين اجتماعيّاء وكانت تقيم في قرية قصر بن غشير بالقرب 
من طرابلسء أن تزوج اثنين من أبنائهاء فحضر ثلاثة من أبناء هذه الأسرة 
إلى منزلي لدعوتي إلى حضور حفل عقد القران. وبالفعلء لبَّيت الدعوة. لما 
وصلت إلى منزل الأسرة» قالوا لى: "سنكون سعداء أن تكون وكيلا لولدينا". 
وحينما علم القذافي بالدعوة والاستقبال الحافل الذي حظيت به انزعج انزعاجًا 
شديدًاء فصب جام غضبه على هذه الأسرة. كانت الأسرة تمتلك عيادة طبية 
متميزة تدعى عيادة العافية في باب بن غشير» وكانت تحظى بثقة الليبيين. أمر 
معمّر بإغلاقها وبالتحقيق معهم وتهديدهم وتوبيخهم., كما قام بالتحقيق مع 
كبار الضباط والمسؤولين الذين حضروا عقد القران» وقال لهم: "كيف تظلون 
في الحفل بوجود عبد السلام؟". 


يوم تسليم المغرب عمر المحيشي للقذافي 


في أواخر الثمانينيات» ذهبت إلى مدينة سبها في الجنوب الليبي للاجتماع 
بمعمّر. ولمًا وصلت إلى المطار» استقبلني المقدم السيّد قذاف الدم» واحتضنني 
ضاغطًا على ظهري وصدري بقوة» وهو يجهش في البكاءء وكأنه يريد أن يُخرج 
مافي داخله من حزن وألى وقال لي: "يخطر عليك. يا خوي يا عبد السلام» 
الملك الحسن الثاني يسلم المحيشي؟ لقد حطت به طائرة ليبية خاصة في 
كبيرة وقوية من مادة مخدرة؛ لم يستطع جسم عمر المحيشي تحملهاء وحتى 
بعد انتهاء مفعول التخديرء ظل المحيشى فاقدًا للوعى. فقد السيطرة على 


404 


نفسه حتى إنه صار يتغوّط ويبول على نفسه من دون توقف". ارتسمت أمام 
عينيٌ وعقلي ووجداني» في هذه اللحظات» صورة يندى لها الجبين وتقشعرٌ لها 
الأبدان» فتفجرت فى داخلى ثورة من الغضب الشديد. غادرت المطار متجهًا 
للقاء معمّرء ولمّا دخلت عليه قلت له: "اسمع يا معمّره أنا كنت دائتمًا أمقت 
الحسن الثاني» والآن أمقته أكثر" ثم قلت: "كنت متوجسًا ومتخوفًا من علاقاتك 
السرية بالحسن الثاني» التي كنت تديرها بنفسك. أنت انتهيت يا معمّر"» فابتسم 
ولم يعلق» وأنا لا أعرف ماإذا كان الأخ عمر المحيشي رحمه الله» قد فارق 
الحياة بسبب حالته هذه. أو أنه تعافى وتم التحقيق معه للحصول على أكبر 
كمية من المعلومات قبل أن يُعدم. 

في عام 4 » توفيت والدة عبد الله السنوسى» وكانت عائلته تقيم في 
قرية قيرة بوادي الشاطئ ضمن منطقة فزان» فذهبت لتقديم واجب العزاء. لمّا 
وصلتء وجدت أن العزاء يقام في صالة كبيرة تتسع لآلاف. جاءني مسرعًا 
شيخ كبير ورجل فاضل اسمه محمد الفرجانى» وهو من قبيلة القذاذفة ومن 
فرع أسرة القذافي» فعانقني وهو يبكي ثم توجه إلى الحضور قائلا بصوت 
عال: "يا عربء أنا منش خايف (أي لست خائمًا) إِنْ لم ينتصر عبد السلام» 
ومتء أرموني في برميل الكناسة (أي برميل النفايات) ولا تدفنوني في قبر". 
لقد صدقت نبوءة هذا الرجل الفاضلء وانتصر الشعب الليبي» لكن قوى الظلام 
كبار مشايخ القبيلة» من الفرع نفسه. يدعى نصر حنيشء كان يزورني في منزلي 
باستمرارء ويقول لي وهو في حالة من الشعور بالالم والمرارة: "معمّر لا يريد 
رجالا. إذا لم أصفق له وأتودّد إليه وأنا في سني هذه ومكانتي في القبيلة؛ فإنه 


الفصل العاشر 
الثورة ضد القنذافي 


في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2010» كنت في زيارة شخصية لباريس. 
أرسل لي الأخ معمّر ولدَيْه الساعدي والمعتصم بالله”2 وهما يحملان رسالة 
منه. استلمت الرسالة وفيها يقول لى مايلى: "قال لك باتى (وبالبدوية الليبية 
تعني بابا) أنا تعبت وأريد أن أرتاح وأسلّم لك ليبياء تعال احكمها وافعل بها 
ما تشاءء أَجْرِ أيّ تغيير ترغب فيه أعد تشكيل ليبيا من جديد وبالطريقة التي 
تريدها". وكان ردّي الفوريّ هو التالي: "حتى لو افترضت أنْ والدكما رجل 
صادق في ما يقول - لأنه طوال سنوات كان يوافق على التغيير ثم سرعان 
ما يتراجع لأنه لا يؤمن بالتغيير ولا يفكر فيه - فإن قراره هذا هو قرار متأخر 
جداء هو اليوم لايريد الحفاظ على ليبياء بل يريد مني أن أحافظ عليه وعلى 
أسرته. ولذلك أرفض هذا العرض ولن أقوم بهذا الدور". 


فى 30 كانون الأول/ ديسمبر» عدت إلى ليبياء وبعد عودتى بيومين 
اتصل بي الأخ معمّر طالبًا مني اللقاء به» فرفضت. في 7 شباط/ فبراي» 
بدأت الانتفاضة ضد حكمههء فعاود الاتصال بى هاتفيّاك وطلب منى أن أظهر 
على شاشة التلفزيون» نظرًا إلى شعبيتي» لأطلب من الشعب» وخاصة الكوادر 
والشباب» بأن يقفوا معه لأجل أن "نقضى على الأوباش وتتصدى للمؤامرة" 
بحسب رأيه» فرفضت طلبه بقوة. ١‏ 


في هذه الأثناء» صدر قرار مجلس الأمن رقم 1973 في 17 آذار/ 
مارس 2011. ثم هاجمت قوات الناتو معاقل النظام مباشرةً بعد صدور 


() المعتصم بالله معمّر القذافي (2011-1974): هو الابن الرابع لمعمّر القذافي من زوجته الثانية 
صفية فركاش. كان ضابطًا فى الجيش الليبى ومستشارًا للأمن القومى فى ليبيا (2011-2008)» وكان 
أحد أعضاء دائرته الداخلية. بض عليه خلال معركة سرت في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 22011 ثم إنه 
قتل على يد القوات المناهضة للقذافى فى ظروف غامضة. 


409 


القرار ل"حماية المدنيين الليبيين"» وقد استندت الدول المتدخلة عسكريًا فى 
ليبيا إلى طلب المجلس الوطني الانتقالي© على اعتباره ممثلا شرعيًا للشعب 
الليبي آنذاك. فعاد الأخ معمّر للاتصال بي ثانية وقال لي حرفيًا: "ماذا تنتظر؟ 
الآن بعد تدخل الصليبيين» ما هى حجتك الآن؟ ليس أمامك سوى أن تظهر فى 
التلفزيون لتطالب الشعب وخصوصًا الشباب بالوقوف معى للتصدي للعدوان". 
فقلت له: "يا أخ معمّرء في استطاعتك أن تقتلني» ولكنني لن أقف ضد الشعب. 
إذا نخيرّت بين الموت المعنوي والموت الماديء فبالتأكيد سأختار الموت 
المادي. هذا ليس عدوانًا صليبًا؛ إنما هو دعم من الله للشعب الليبي لأنك 
كنت مُستعدًا لقتل مليون ليبي أو حتى مليونين من أجل أن تستمر في الحكم. 
أكثر من هذا أنت مستعد لأن تحكم ليبيا من دون شعب"؟" فقال لي على الفور: 
"حسنّاء سوف أتولى أمرك بعد أن أنتهي من هؤلاء الأوباش". ثم أغلق الهاتف. 

حين تفجرت الانتفاضة». اتخذت شخصيًا قرارًا بالوقوف إلى جانب 
الشعب ودعم الثوار في تاجوراء وسوق الجمعة وفشلوم والظهرة والهضبة 
الخضراء وجنزورء بالسلاح. وقد وثقت بأخي ناصر الغاوي واعتمدت علي 
وهو رجل شجاع ووطني. في هذه المرحلة من الثورة» قام ناصر بشراء السلاح 
من السوق السوداء وتوزيعه بين الثوار. 

تعرّف ناصر على ضابطين من البحرية في قاعدة أبوستة» وهما من 
مدينة ترهونة» واتفق معهما على تزويد الثوار بالسلاح (الرشاشات والبنادق 
والذخائر) من مخزن القاعدة. كان هذان الضابطان شجاعين؛ إذ انتتصرا على 
الخوف الذي كان يسيطر على الجميع. كان ناصر يستلم من هذين الضابطين 
الأسلحة والذخائر ويقوم بتوزيعها بين الثوار في عمل بطولي رائع. 


فى 19 شباط/ فبراير» كانت جماهير طرابلس قد انتفضت وتحركت من 


(2) تشكل المجلس الوطني الانتقالي الليبي في 27 شباط/ فبراير 2011 عقب اندلاع ثورة 17 
فبراير في ليبيا. في 5 آذار/ مارس. جرى اختيار وزير العدل المنشق عن نظام القذافي مصطفى 
عبد الجليل رئيسًا للمجلس الوطني الانتقالي المؤقت. وعبد الحفيظ غوقة نائبًا له وناطمًا رسميًا باسم 
المجلس. 


تاجوراء» شرقًا ومرورًا بكل الأحياء حتى وصلت إلى جامع القدس الذي يبعد 
عن باب العزيزية حوالى نصف كيلومتر» وتحركت جماهير غرب طرابلس من 
وهي لا تبعد سوى مئات الأمتار عن باب العزيزية. لم يكن القذافي ولا نظامه 
في حالة استعداد لمواجهة انتفاضة مفاجئة من هذا النوع؛ ولذا عمد إلى 
الدهاء والخديعة لإفشالهاء فسرّب خيرًا كاذبًا مفاده أنه "غادر ليبيا متوجهًا 
إلى فنزويلا". صدقت الجماهير الزاحفة نحو مقرٌ إقامته في باب العزيزية هذه 
الزرقاء. حين أخبرني أحد الجنود. وهو يدعى مفتاح الورفلي» وقد كان في 
جهاز المخابرات الحربية ومكلمًا بحراسة استراحة معمّرء القريبة من سكنيء 
قائلا: "معمر هرب إلى فنزويلا"2, وكلت متأكدًا أن هذه خدعة. 


ثم سحب كل الجنود والشرطة من شوارع طرابلس من أجل إيهام 
المنتفضين بأكذوبته الكبرى, بأنه هرب إلى فنزويلا. وبالفعل» بعد العشاء قررت 
العودة إلى منزلي في منطقة الظهرة. عدت بصعوبة كبيرة لأن الجماهير كانت 
في الأحياء والشوارع والميادين بعد انسحاب الجيش والشرطة. ولأنها خافت 
من انفلات الأمن» فقد تولت مسؤولية الدفاع عن أحيائها وشوارعهاء ومواجهة 
أي عمليات نهب أو اعتداء» وقامت بإغلاق الطرقات والمنافذ بالإطارات 
المحروقة. في اليوم التالي» استعد الطاغية عسكريًاء وجهّز الرشاشات الثقيلة 
في سيارات رباعية الدفع» وهاجم بوحشية الجماهير المحتشدة في ميدان 
الشهداء. والطرق الرئيسة في طرابلس. لقد قرّر الطاغية سحق انتفاضة الجماهير 
في طرابلس وبنغازي ومصراتة والزاوية والزنتان» بل قرر حرق مدينة بنغازي 
وتدميرهاء حينما أرسل أهمّ قواته من الحرس والردع» وهي بإمرة أولاده» ثم 
أمر كتيبتي خليفة إحنيش ومبروك سحبان بالمشاركة في قمع انتفاضة الزاوية 
والزنتان. ولأن مدينة الزاوية تبعد عن طرابلس نحو 40 كيلومترًا تقريباء فقد 
أعطى الأولوية للقضاء على انتفاضتهاء وتعامل معها بلا هوادة ولارحمة. 
وبالفعل» تمكن من إخمادها والقضاء عليهاء وهذا ما أعطاه وقنًا كافيّاء ليتمكن 
من حشد أهم قواته. والدفع بها إلى مدينتي مصراتة وبنغازي. 


411 


كانت هذه القوات بإمرة ولدّيه وقد انقسمت إلى قوتين: واحدة تمركزرت 
في زليتن أمام مدينة مصراتة» والأخرى تمركزت في تاورغاء خلف مصراتة. 
ثم بدأ يشن الهجمات على مصراتة ويضعها بين كماشتين. كما أرسل إلى 
منطقة الجبل الغربي جزءًا من قوات الردع لمهاجمة انتفاضة الزنتان ومنع 
تمدّدهاء وأرسل إليها كتيبة الحرس بقيادة العقيد مبروك سحبان» وهي كتيبة 
مقاتلة ومدربة تدريبًا ممتارًا. فى هذا الوقت» هاجمت الجماهير فى بنغازي 
كتيبة الحرس بقيادة الرائد امبارك عتيق. اتصل الطاغية باللواء عبد الفتاح 
يونس" قائد قوات الصاعقة في بنغازي» وطلب منه أن تهاجم قواته الجماهير 
الغاضبة وتمنعها من الاستيلاء على الكتيبة فى منطقة البركة» لكن اللواء 
يونس» في موقف بطوليّ رائع» رفض تنفيذ الأوامر. ثم عاد الطاغية ليطلب 
من قائد قاعدة بنينا الجوية» أن يأمر سلاح الجو بمهاجمة الجماهير المنتفضة 
في بنغازي» فرفض قائد القاعدة» بعد أن أبلغه الطيارون أنهم لن ينفذوا أوامر 
قصف الجماهير. وهكذاء استحق اللواء يونسء والطيارون فى قاعدة بنيناء أن 
يكونوا أبطالًا شجعانًاء وهذه الحقيقة يجب أن يعلمها الليبيون والليبيات. فى 
هذا الوقت؛ بعد أن سيطر الشعب الليبي على بنغازي وكل الشرق الليبي تقريباء 
أصبح اللواء يونس رئيسًا لأركان الجيش الليبي» وشكل قوة لتحرير منطقة 
رأس لانوف النفطية والبريقة وسرت. والالتحام مع ثوار مصراتة ثم التوجه إلى 
طرابلس لتحريرها. 


قبيل صدور قرار مجلس الأمن بتدخل الناتو في ليبياء كانت القوات التي 
أرسلت لقمع الانتفاضة قد بلغت مشارف بنغازي. وكان سيف الإسلام يصرح 


(3) عبد الفتاح يونس (2011-1944): أحد قادة حركة الضباط الوحدويين الأحرار عام 1969. 
شارك في قيادة ثورة الفاتح من سبتمبر» ومنذ ذلك الوقت أصبح قائد القوات الخاصة الليبية. ولاحمًا في 
عام 2009. حصل على منصب وزير الداخلية في ليبياء لكنه أعلن رسميًا استقالته من هذا المنصب 
وجميع مناصبه في الدولة في 21 شباط/ فبراير 2011 ردًا على قمع القذافي للحركة الاحتجاجية. ومنذ 
ذلك الوقتء أصبح له دور مهم في قيادة معارك الثوارء وعَيّن قائدًا ورئيس أركان لجيش التحرير الوطني 
اللببي. تل في 28 تموز/ يوليو 2011 في مديئة بنغازي بعد تعرضه لإطلاق نار أمام فندق كان من 


المزمع إقامة اجتماع للمجلس الوطني الانتقالي فيه. 


412 


لوكالاات الأنباء أن قرار مجلس الأمن قد تأخر :ا 0ه) وأن القوات دخلت 
بنغازي. فى هذا الوقتء أمر الرئيس الفرنسيء نيكولا ساركوزي*» القوات 
الجوية الفرنسية بتدمير هذه القوة» قبل أن تدخل بنغازي. وهذا القرار هو العامل 
الحاسم في هزيمة الطاغية؛ لأنه - لاسمح الله - لو وصلت هذه القوات إلى 
بنغازي لدمرتها وأحرقتها. كان قرار الطاغية واضحًا: "اقتلوا مليوئا ونصف أو 
حتى مليونين من الليبيين لأظل في الحكم". 

في هذه الأثناء تشكّل المجلس الانتقالي» فاتصلت باللواء عبد الفتاح 
يونس وأوضحت له أن الخطة التى يقومون بتنفيذهاء والتى تقضى بتحرير 
رأس لانوف والبريقة وسرتء ثم الالتحام بقوات مصراتة» للقضاء على قوات 
القذافي في تاورغاء وزليتن» هي خطة عقيمة ولن تنجح؛ لأن الطاغية حشد 
قوات كبيرة في البريقة ورأس لانوف» وقد حصّنها بالألغام والخنادق ومن 
الصعب اختراقهاء فضلًا عن أن المسافة من بنغازي إلى مصراتة ثم طرابلس هي 
مسافة طويلة» ستكون معها خطوط الإمداد طويلة» ثم قلت له: "مدينة سرت 
ستكون صعبة على السقوط بسهولة في قبضتكء لأن فيها قوة كبيرة موالية 
للقذافي". كانت أولوية عبد الفتاح» والناتو» القتالية» هي جبهة البريقة ورأس 
لانوف ومصراتة, أمّا جبهة الجبل الغربي فهي جبهة ثانوية. 

فقلت للواء يونس: "هذه خطة فاشلة لن تحقق النصر"» ثم عرضت عليه 
خطة بديلة أساسها أن تكون جبهة البريقة ورأس لانوف جبهة لتجميد قوات 
الطاغية وإشغالهاء وإيهامها بأن الهجوم الرئيس هو البريقة ورأس لانوف. 
ثم التقدم في اتجاه سرت - مصراتة» في حين تكون جبهة الهجوم الرئيسة 
والحاسمة هى الجبل الغربى» ومنها إلى طرابلس؛ ذلك أن طبيعة المنطقة 
الجبلية لاتسمح باستخدام الدبابات والمدفعية خارج الطرق الرئيسة. وبدعم 
من الناتو» يمكن هزيمة قوات الطاغية في الجبل الغربي وتدميرها. وبعد 
ذلك. يتوجه المقاتلون إلى صبراتة وصرمان والزاوية» ثم إلى طرابلس؛ ذلك 
أن الطاغية لا توجد لديه قوات نظامية في المنطقة الممتدة من الخُمس شرقًا 


(4) رئيس الجمهورية الفرنسية (16 أيار/ مايو 2007 - 15 أيار/ مايو 2012). 


413 


إلى الحدود التونسية غربًا. كان لديه الحرس الشعبي فقط. وهم من كبار السن. 
اقتنع اللواء يونس بخطتي واتفق مع الناتو على نقل الجهد الجوي إلى الجبل 
الغربي. وهذه الخطة وفرت الوقت والجهد. وقللت الخسائر إلى حد بعيد 
وسرعت في نهاية الطاغية. وحينما وصل الثوار إلى منطقة بئر الغنم ثم الصياد 
والزهراء» انتفضت مدينة طرابلس ثانية» بجماهيرها وقواها الثورية» متوجهة إلى 
باب العزيزية فأسقطت الحصن المنيع» هذا الحصن الذي بناه الطاغية. 


في الطريق من ميدان الشهداء إلى باب العزيزية» كان ثوار طرابلس 
يدوسون بالاقدام صور معمّر وأبوبكر يونس والخويلدي والخروبي» بينما 
كانوا يرفعون صورتي ويقومون بلصقها على زجاج سياراتهم» وهذا مانقلته 
شاشات التلفزيون في العالم كله. وأذكر أنني حينما اتصلت بالخ الدكتور 
عرمي بشارة. هناني على موقفي المنحاز إلى الشعب الليبي وعلى تر فعي عن 
القبلية والجهوية. وتحدثنا أيضًا طويلا عن مآلات التيار القومى العربى. 

كنت خلال الانتفاضة أجتمع بأخي راسم بن عثمان والدكتور 
معحمود التليسي» للقاء مصطفى عبد الجليل”*) ومعحمود جبريل 67 وعلي 


العيساوي” لمناقشة مسألة "كيف يمكن أن أقف وأدعم الانتفاضة". كان 
ع 1 0 ع ع 2 
رأي المجلس الانتقالي أن أخرج من ليبيا بأسرع ما يمكنء وأعلن انشقاقي 


(5) رئيس المجلس الوطني الانتقالي. ويُعتبر رئيسًا مؤقنًا لليبيا بعد اندلاع ثورة 17 فبراير» وهو 
ممثل مدينة البيضاء فى المجلس الوطنى الانتقالى. كان عبد الجليل قاضيًا ووزير عدل سابقًا فى فترة 
حكم القذافي (أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل)ء وقد عمل في نظام القذافي لأربع سنوات (2007 - 
شباط/ فبراير 2011). 

(6) محمود جبريل (2020-1952): سياسى ليبى معارضء. عضو فى المجلس الوطنى الانتقالى 
لإسقاط نظام معمّر القذافي منذ 5 آذار/ مارس 2011. تقلد منصب أمين مجلس التخطيط الوطني ومدير 
مجلس التطوير الاقتصادي في عهد حكم معمّر القذافي. بعد الثورة» أسس حزب تحالف القوى الوطنية 
السياسي. شغل منصب رئيس وزراء ليبياء وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي 
والعلوم السياسية. 

(7) على عبد العزيز العيساوي (1966-): سياسى ومثقف ليبى» ووزير سابق للاقتصاد فى عهد 
القذافي» ووزير سابق للخارجية بالمجلس الوطني الانتقالي عشية اندلاع ثورة شباط/ فبراير 2011. 


414 


والانضمام إلى الانتفاضة؛ ففي رأيهم أن خروجي وتوجيه خطاب إلى الليبيين 
سيوفر على الشعب الليبى آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى. 
فرددت عليهم: 

"أنا منشق من عام 2 حين أعلنت معارضتى للطاغية» ولم أهرب 
خارج البلاد» بل بقيت في طرابلس أعيش الموت والخطر كل دقيقة» بينما أنتم 
فى بنغازي لما أعلنتم انشقاقكم. وبعضكم كان موجودًا بالصدفة هناك 
والبعض الآخر خارج ليبيا". 


ثم اجتمعت بالأخ راسم بن عثمان والدكتور محمود التليسي» وجلال 
التليسي - صهر الأخ راسم - وقلت لهم: "أريد أن أبعث برسالة إلى المجلس 
الانتقالي وبصفة خاصة إلى مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس» ومحمود 
جبريل والعيساوي أقول فيها إن لديّ شروطًا: إذا كنتم تريدون مني أن أخرج 
خارج ليبياء وأن أوجّه خطابًا إلى الشعب الليبي؟ فهذه شروطيء أولا: لا تنتتهي 
مهمتي بتوجيه هذا الخطابء. وإنما أريد أن أستمر في مخاطبة الشعب حتى 
سقوط الطاغية؛ ثانيّا أريد أن أستغل مكانتي الدولية من أجل الاتصال بالدول 
والمنظمات لتأمين حشد التأييد. ولا أريد أن أظهر كأنني أعمل بطريقة موازية 
لعمل المجلس". 


اتفقنا أن يحمل الأخ راسم والأخ جلال التليسي هذه الرسالة إلى المجلس 
الانتقالي. ثم سرعان ماعادا ونقلا لي مايلي: "إن المجلس يطالبك بالخروج 
بأقصى سرعة وتوجيه الخطاب» وهم يوافقون تمامًا على شروطك". ثم أضافوا: 
"السجادة الحمراء مفروشة لك. إعمل ما تريد» وقل ما تريد". 


ثم طلبوا مني أن أغادر ليبيا بأسرع مايمكن عبر البحرء وأكدوا لي أن 
الناتو سوف يتولى هذه المهمة. في هذه الأثناء» أخبروني أنهم سوف يرسلون» 
مع الأخوين راسم وجلالء» جهاز اتصال بواسطة الأقمار الصناعية للتواصل 
معهم. ثم أخبرني أخي وصديقي راسم أنه رفض استلام الجهاز لدواع أمنية؛ 
نظرًا إلى وجود نقاط تفتيش وضعها الطاغية معمّر في الطريق الممتد من 


415 


الحدود التونسية حتى طرابلس. لكن أحد الإخوة. وهو المسؤول الأول عن 
منطقة الجبل الغربي وكان يقيم في تونس» أحضر الجهاز بنفسه من خلال معبر 
ذهيبة إلى الزنتان. وهذا الأخ» واسمه محمد بشيرء جاء من الولايات المتحدة 
وانضمّ إلى الثورة» وهو أحد الضباط الذين شاركوا في مؤامرة ورفلة. ثم كلف 
ثلاثة أشخاصء لا يعرف أحدهم الآخرء بنقل الجهاز إلى طرابلس» والشخص 
الأخير سلمه إلى جلال التليسي في شارع الاستقلال. 

وهكذا استلمت جهاز الاتصال. فى البداية رفضت طلب المجلس 
الانتقالي أن أخرج عبر البحر بواسطة الناتوه وقلت لهم: "لا سمح الله قد 
يكتشف الطاغية أمريء» وسيتهمني أنني عميل للناتو» وبذلك ينهيني سياسيًا 
ومعنويًا قبل أن يعدمني". لكن المجلس الانتقالي أصرٌ على خروجي عبر البحرء 
وبواسطة الناتوء وقالوا لي: "أنت شخصية معروفة» ولا يمكن أن تخرج عبر البرّ 
إلى تونسء لأن الحدود مراقبة من الطاغية". وبعد إلحاح المجلس وإصراره. 
وكذلك إصرار أخي راسمء وافقت على الخروج عن طريق البحرء فتوجهت 
إلى منطقة الخُمس شرقي طرابلس (نحو 140 كيلومترًا) بذريعة أنني أريد قضاء 
وقت للراحة في مزرعة ابن خالي القريبة من شاطئ البحر. كانت عائلتي تتألف 
من ثلاثة عشر شخصّاء وكان أحد إخوة زوجتى يمتلك قاريًا صغيرًا قوته خمسة 
عشر حصائًاء لكن هذا القارب لم يكن يتسع إلا لشخصين أحدهما السائق. 

لمَا وصلت إلى المكان. اتصلت عبر الجهاز مع سفينة تابعة للناتو» كانت 
في عرض البحرء طلبت من الجنرال المكلف بالإشراف على خروجيء أن 
يرسل إلىّ قاربًا يتسع لعدد أفراد أسرتي» وحدّدت له موقعي. كان الشخص 
الذي يتولى الترجمة إيطاليًا من أصول لبنانية يُدعى أبو ليلى. لكن الجنرال 
قال لى: "لا يمكننا أن نرسل لك قاربًا لأجل إحضارك إلى هنا. أنت شخصية 
تاريخية مهمة ومعروفة؛ وإذا ماتمكن نظام القذافي من اكتشاف العملية 
فسوف يقصف القارب. نحن لا نستطيع تحمل مسؤولية ذلك. على المجلس 
الانتقالي - وأنت شخصيًا - أن تتحملا مسؤولية حضورك مع عائلتك. حاولوا 
أن تصلوا إلى مسافة 12 ميلاء وعندها سوف نرسل لكم قاربًا لإحضاركم إلى 


416 


السفينة". فرددت عليه بالقول: "الطاغية معمّر صادر كل المراكب والقوارب 
ومنع الصيادين من الصيد في البحر خلال الأحداث خوفًا من تهريب السلاح» 
ولذا ليس لديّ أي وسيلة للوصول إلى السفينة فى عرض البحر". وهكذاء 
فشلت كل محاولاتي؛ على امتداد ثلاثة أيام متتالية» لإقناع الجنرال بإرسال 
قارب؛ ولذا عدت إلى طرابلس وقرّرت على الفور شراء قارب كبير. كان 
القارب مزودًا بمحرك قوي وسرعته عالية. 

طلبت من ابنتي الصغرىء وابني الصغير كذلكء أن يركبا القارب مع 
السائق ليقوما برحلة خارج الميناء بذريعة القيام بنزهة» وكان ذلك في الحقيقة 
بهدف التدرّب على طريقة الخروج والوصول إلى عرض البحر. ولمّا تأكدت 
من إمكانية المغادرة بحرًا بواسطة هذا القارب» عاودت الاتصال بالناتو وطلبت 
منهم أن ينتظروا وصولي عند الميل 2412 ومع ذلك ردوا عليّ بالقول: "نحن 
لانستطيع ضمان سلامتك. هناك خطر حقيقي على حياتك وحياة أسرتك إذا 
خرجت من طرابلس". في هذه اللحظات المصيرية» كان الثوار قد وصلوا إلى 
منطقة بئر الغنم» وهي تبعد نحو 40 كيلومترًا عن طرابلس» كما تمكنوا من بلوغ 
منطقة الصياد والزهراء اللتين تبعدان المسافة نفسها تقريبًا عن العاصمة. تمكنت 
من التعرّف شخصيًا على بعض الثوار من منطقة ككلة» وأنا لاا أعرف كيف 
تعرفت عليهم. إنها العناية الإلهية وهؤلاء تكملوا بمرافقتي من طرابلس إلى 
منطقة الصياد» حيث يوجد هناك الثوار. وهكذاء اخترت وقنًا ملائمًا لمغادرتى 
ليبيا نحو الساعة الثانية والنصف بعد الظهر من يوم 23 رمضان (آب/ أغسطس) 
حيث الناس يسهرون الليل» وينامون حتى فترة بعد الظهر. 

وهكذا تمكنت وأسرتي من بلوغ منطقة الصياد. هناك استقبلني الثوار 
بالهتافات» وكان استقبالّا رائعاء ومفعمًا بالمشاعر الدافئة والحميمية» ورأيت 
الأمل في انتصار الثورة في عيونهم. طلب الثوار مني أن أمضي ليلتي معهم. 
فقلت لهم: "ليتني أستطيع ذلك» لكن المجلس الانتقالي يريد مني أن أواصل 
السفر إلى زنتان» ومنها إلى ذهيبة على الحدود التونسية» ثم جزيرة جربة» حيث 
تنتظرني هناك طائرة خاصة. لتقلني وأسرتي إلى صقلية". 


411 


وبالفعل» بعد أن احتفل الثوار بوجودي معهم, تابعت رحلتي رفقة 
مجموعة من الثوار صوب الزنتان. 


في الزنتان» استقبلني الثوار وجماهير المدينة بالحب والترحاب. بعد 
الإفطار» تابعت رحلتي إلى ذهيبة رفقة مجموعة من ثوار الزنتان. في ذهيبة 
اتصل بي الأخ مصطفى عبد الجليل» والأخ محمود جبريل» وقدّما لي التهنئة 
بوصولي سالمّاء وقالا لي: "إن خروجي من ليبياء في هذه اللحظاتء انتصار 
للثورة". ثم توجهت نحو مطار جربة رفقة محمد بشيرء ورئيس أركان الجيش 
القطري. ومنها ركبت الطائرة إلى صقلية. حين وصلت إلى صقلية وجهت 
خطابًا إلى الشعب الليبى عبر قناة الجزيرة. وما إن أنهيت إلقاء الخطاب» حتى 
بادر الأخوان عبد الجليل وجبريل إلى الاتصال بي, وقالا لي: "كلامك صدر 
من القلب فوصل إلى القلوبء انظر إلى شاشات التلفزيون وسوف ترى أن 
جماهير بنغازي ترفع صورة لك بحجم كبير في ميدان المحكمة في بنغازي". 
فقلت لهم: "أنا لا أعطي أهمية للصور التي تعلق. الصور الحقيقية هي التي 
ترسم وتئحت في القلوب والعقول". 

ثم انتقلت أنا وأسرتي إلى روما. بعد ثلاثة أيام ذهبت إلى قطرء حيث 
ألقيت كلمة من خلال فضائية ليبيا الأحرار. قلت فيها: "أنوي الوقوف مع 
الشباب في ليبيا من الجنسين. المرأة الليبية لاتشكل نصف المجتمع فقطء 
ولكنها رافعة وقاطرة المجتمع نحو الحرية والتقدم والرقي» وإن الشباب هم 
المستقبل» وهم يجسّدون مفهوم الجسارة وروح التحدي والمغامرة» وكذلك 
كوادرنا ومثقفوناء فهم يمثلون الوعي الرصين والعقل الثاقب. وكذلك القيادات 
الاجتماعية والقبلية التي تجمع بين الذكاء الفطري والتجربة والمعاناة البدوية. 
أريد أن أقف مع هذه القوى الثلاث لتشكل حزبًاء وأن أعطي تجربتي التنظيمية 
والسياسية للحزب. هذا الحزب الذي سوف يصبح أحد البيوت السياسية 
المهمة» سوف يقود ليبيا نحو عصر الديمقراطية والتقدم والحرية والنهضة 
وأن تصبح ليبيا على المستوى الاقتصادي نمر أفريقيا على غرار نمور آسيا". 
واقترحت أن يكون اسم الحزب "حزب الوطن". ثم قلت: "إنني لا أريد 


418 


ممارسة السلطة. ولا أريد أن أكون رئيسًا للحزب أو حتى عضوًا فيه. مهمتي 
محدّدة» وهي أن أقف مع هذه الفئات الثلاث لبناء الحزب". بعد الخطاب بفترة 
وجيزة» كلفت بعض القوى الوطنية والليبرالية عبد الرحمن شلقم”*“ للاتصال 
بي. وبالفعل» اتصل بي وقال لي: "يقولون لك اسكت ولا تتكلم. لقد أكلت منا 
الجو (وهذا تعبير شعبى بمعنى أنك سرقت الأضواء منا)". فقلت: "ومن أنت 
يا عبد الرحمن. أنت عبد من عبيد القذافي» وأنت المتصهين الذي رتب زيارة 
الليبيين لفلسطين المحتلة» بالتعاون مع اليهود الليبيين في روما" ثم أضفت: 
"الذين كلفوك بأن تنقل إلي هذه الرسالة» هم أتفه من أن أعيرهم أي اهتمام. 
إنهم لا يملكون غير أنفسهم, وربما لا يملكون حتى أنفسهم". 


وذات يوم اتصل بي جلال التليسي» وهو أحد الثوار الحقيقيين في مدينة 
طرابلس» وقال لي: "لقد اجتمع المجلس العسكري لمدينة طرابلس» وفي 
الاجتماع ألقى عبد الحكيم بلحاج”” كلمة قال فيها بعد أن تحررت ليبياء أنا 
لن أمارس السياسة» وسأعود إلى سابق عملى فى مجال التجارة". فرددت 
على جلال التليسي وقلت له: "وهل صدقته؟" قال: "نعم". بعد أشهر اتصل بي 
التليسي وقال لي: "عندك حقء فالرجل لم يكن صادقًا". ويبدو أن فكرة تأسيس 
الحزب أشعلت ضدي غضبًا وحقدًا من كل القوى المتطلعة إلى حكم الليبيين» 
ابتداءً من "تنظيم القاعدة" و"أنصار الشريعة" حتى "الجماعة المقاتلة"» وكل قوى 
الظلام والتطرف. التي لا تريد أن ترى ليبيا دولة مدنية» تعددية يسود فيها النظام 
والقانون» ولا تريد أن تقوم فيها دولة مركزية» أو دستورء أو قانون» أو جيش» 
أو شرطة؛ بل أن تكون ليبيا قاعدة للإرهابء بديلًا من أفغانستان والصومال» 


(8) عبد الرحمن محمد شلقم: سياسي ليبي تولى منصب أمين للجنة الشعبية العامة للاتصال 
الخارجى والتعاون الدولى فى ليبيا (8 تشرين الأول/ أكتوبر 2000 - 4 آذار/ مارس 2009).: خلمًا 
لعمر مصطفى المنتصر. وفي تعديل أقره مؤتمر الشعب العام في ختام جلسة عقدها في 5 آذار/ مارس 
9 تم تعيين موسى محمد كوسا أمينًا للجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجى والتعاون الدولى 
خلقًا لعبد الرحمن شلقم. شغل شلقم بعدها منصب مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة. وفي 24 شباط/ 
فبراير 2011» أعلن انشقاقه عن نظام معمّر القذافي. 

(9) عبد الحكيم بلحاج (1966-): ترأس المجلس العسكري في طرابلس بعد 2011 في ليبيا. 
وهو رئيس حزب الوطن الإسلامىء وكان أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة المنحلة. 


419 


نظرًا إلى المزايا التي تتمتع بها؛ فهي تسيطر على 2000 كيلومتر من سواحل 
المتوسط. وعلى صحراء تمتد من موريتانيا غربًا حتى شمال السودان وجنوب 
مصر. وعلاوة على ذلك» تبلغ مساحة ليبيا مليون وسبعمئة ألف كيلومتر مربع» 
بعدد سكان قليل» وتضاريس متنوعة (سهولء جبال» واحات)» فضلًا عن وجود 
ثروة نفطية وغازية» ترى فيها قوى الإرهاب أنها ليست ملك الليبيين» بل هي 
ل"الجهاد"؛ أي لتمويل الإرهاب. 


كل هذه المزايا تجعل من ليبيا قاعدة مثالية للإرهاب وقوى التطرفء تهدد 
شمال أفريقيا ومصر وأفريقيا السوداء وأوروبا والولايات المتحدة والعالم. 

في 29 آب/ أغسطسء التقيت سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة 
آل ثانى» وشكرته على دعمه لثورة الشعب ضد الطاغية» وقلت له: "الشعب 


كان المجلس الانتقالي يدفع مصاريف إقامتي في روما لما كنت أقيم 
في فندق "بريوني" في العاصمة روماء وفجأة قطعوا عني مصاريف إقامتي 
من دون إعلامى بذلكء, ما اضطر الحكومة الإيطالية إلى تحمّل النفقات. قبل 
إلقاء كلمتي التي دعوت فيها إلى تشكيل حزب الوطن؛ كنت حين أتصل بالأخ 
مصطفى عبد الجليل أو محمود جبريل أجد أنهما كانا يردّان على مكالمتى 
بسرعة. وحدث أنني حاولت الاتصال بمحمود جبريل» وكان في مدينة 
ميلانو فلم يرد علي» ففضبت خضب شديذاء فاتصات بمصطفى عبد الجليل؛ 
وقلت له: 'إذا كنم تعتقدوث أنكم 5 قمتم باستغلالي؛ فق مخعائون. قد 
يا أخ عبد السلام» لماذا تقول هذا؟" فقلت له: "توقفتم عن دفع تكاليف إقامتي 
في الفندق؟ وحاولت الاتصال بالأخ محمود جبريل؛ 0 علي" قال لي: 
ترد على مكالماتي. لكن أنت على رأس السلطة. ومعاوتواة وخاصة جبريل 
لايردون عليّ" فقال: "أنا مسؤول عن تصرفاتي, أما الآخرون فهم مسؤولون 
عن مواقفهم". في هذه الأثناء» أجريت اتصالًا هاتفيًا بثوار مصراتة» فقالوا لي: 


400 


من شدة تأثير الخطاب وقوته» وكانت النساء من حولنا يزغردن". 


خلال وجودي في روماء دعاني مشكورًا وبإلحاح شديد. الأخ الراحل 
الباجي قائد السبسي"' حينما كان رئيسًا للوزراء» لزيارة تونس» وقال لي: 
"سنتظم لك لقاءات مع القوى الفاعلة في تونس. كما توجد أعداد كبيرة من 
الليبيين في تونسء. وهذه فرصة للقاء بهم والتحدث معهم". لكن الحكومة 
الإيطالية والمخابرات الإيطالية لم توافقا - للأسف - على القيام بهذه الزيارة 
وقيل لي: "نحن مسؤولون عن أمنك أمام الشعب الليبي والعالم» وفي تونس 
هناك الكثير من المتطرفين الليبيين وكذلك من آتباع القذافي» وكل هؤلاء 
يشكلون خمرًا على حياتك". 


في الأسبوع الأول بعد سقوط الطاغية» اتصلت بكل القوى والثوريين الذين 
كنت أعرفهم» وقلت لهم: "قبل التفكير في تأسيس أحزابء اعملوا على بناء خط 
وطني عريضء يكون قادرًا على تقديم برنامج لبناء ليبيا جديدة» يقوم على الحرية 
والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة» واحترام الرأي الآخرء يكون مقنعًا لليبيين 
والعالم". وخلال إقامتي في فندق بريوني» اجتمعت بالسفير الأميركي والسفير 
البريطاني والقائم بالأعمال الفرنسيء والسفير الألماني ومسؤول من الخارجية 
الإيطالية» وقلت لهم: "أنتم قمتم بدور تاريخي في نجدة الشعب الليبي للتخلص 
من الطاغية» لكنني أحذركم إذا ما اعتقدتم أن مهمتكم انتهت. فأنتم على خطأ. 
القاعدة وأنصار الشريعة والجماعة الإسلامية المقاتلة» وكل قوى التطرفء لديهم 
قرار وخطة أن يجعلوا من ليبيا قاعدة بديلة من أفغانستان والصومال. ثم شرحت 
لهم مزايا ليبياء والأخطار التي تشكلها على أفريقيا وأوروبا وأميركا والعالم" 
وقلت للسفير الأميركي: "أنا أعرف أن السيد باراك أوباما سيكون مشغولا بإعادة 


(10) الباجي قائد السبسي (2019-1926): سياسي ومحام تونسيء تقلّد العديد من المناصب 
الوزارية في عهد الحبيب بورقيبة» ثم عاد إلى الساحة السياسية بعد الثورة التونسية. ترأس حزب نداء 
تونس وترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2014 أمام الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف 
المرزوقيء وكان الرئيس الخامس في تاريخ الجمهورية التونسية (31 كانون الأول/ ديسمبر 2014 - 
5 تموز/يوليو 2019). 


انتخابه". وقلت للسفراء الأوروبيين: "أعرف أنكم مشغولون بالأزمة اللاقتصادية 
في أوروبا والعالم» لكنني أحذركم للمرة الألف". 


وأذكر أنني في عام 2014 كنت في البرتغال» وتعرفت على السفير 
العراقى فى العاصمة لشبونة. وبمناسبة العيد الوطنى العراقى» دعانى لحضور 
الحفل؛ وكان من الإخوة الأكراد. ألقى السفير كلمة قال فيها: "حينما كنا نقاتل 
صدام حسينء لم يكن معنا غير الجبال وأعشاب وحشائش الجبال وعبد السلام 
جلود". في هذا الحفل» تسنى لي تبادل الحديث مع السفير الأميركي» وأخبرته 
بما دار بيني وبين مبعوث الحكومة الأميركية الذي التقيته في سويسرا وكان 
عقيدًا فى وكالة المخابيرات المركزية "سى آي أي"» وكيف كان موقفى وردّيء 
فقال لى السفير: "لقد ضيعت فرصة على الشعب الليبى» وقدمت كرامتك 
وكبرياءك على مصلحة الشعب الليبي"؛ منذ هذا اليوم نشأت بيني وبين السفير 
العراقي صداقة شخصية» وكنت أتردد عليه في منزله. 


وذات يوم أخبرني أنه ذهب إلى العراق» وأن حزب الاتحاد الوطني 
الكردستاني (جلال الطالباني): الذي تقوده أرملته وابنه» يرغبان في توجيه 
دعوة إِليّ لزيارة كردستان العراق» لكن مسعود البرزاني رفض توجيه الدعوة 
إلي» وقال إن عبد السلام جلود كان يوقف الدعم الذي يقدمه القذافي لحزينا. 
وبالفعل» فقد كنت أقدم الدعم لحزب الطالباني وغيره من المناضلين» وأوقفه 
عن البارزاني لعلاقته المشبوهة مع الصهاينة. قبل خمسة أشهر من نهاية فترة 
حكم باراك أوباماء أدلى بتصريح قال فيه: "إن أكبر خطأ ارتكبته هو أننا تركنا 
ليبيا بعد سقوط القذافي". 


في خاتمة مذكراتي هذه. أريد أن أؤكد أنه كان يمكن ثورة الفاتح من سبتمبر 
9 أن تشكّل فرصة تاريخية للشعب العربى الليبى والأمة العربية» نحو 
النهوض والتقدم والوحدة, لولا الانقلابان المشؤومان: انقلاب عمر المحيشي 
وما أحدثه من صدمة صاعقة فى تفكير الطاغية وسلوكه» بحيث فقد توازنه 
وثقته بالثورة» و"حركة الضباط الوحدويين الأحرار”” وحتى بالشعب الليبي؛ 
أما الانقلاب الثاني الناعم والماكر والشيطاني فهو الذي قاده الطاغية واستغرق 


42 


الإعداد والتنفيذ له نحو 9 سنوات . ليظهر على حقيقته» شيخ قبيلة وطاغية 
من طراز عجيب وغريبء وفي النهاية "ملك ملوك أفريقيا"» يضع الخواتم في 
أصابع يديه والقلائد والعقود حول رقبته والتاج على رأسه. إنه المنظر المحزن 
والمبكى والمضحك. وأنا مؤمن كل الإيمان بأن الشباب العربى الليبى» وشباب 
أمتناء سيظلون مؤمنين بالثورة التي تقود إلى التحول الديمقراطي والنهضة 
والوحدة وتحرير فلسطين. إنها حركة التاريخ التي لا تتوقف. 


كانت حركة الضباط الوحدويين الأحرار تجمع بين بين الطهر والبساطة. 
وعلى الرغم من أن تحوّل الحركة المدنية التي تأسست عام 9 (حركة 
الوحدويين الأحرار) إلى حركة عسكرية عام 1963 (حركة الضباط الوحدويين 
الأحرار) قد عمل على إضعاف الحركة ثقافيًا وأيديولوجيًا وتنظيميّاء ومن ثمّ 
أضعف الوعيى العالى الذي تتطلبه أي ثورة جذرية» فإن "ثقافة المعاناة" وحقيقة 
أن الضباط الأحرار هم من أبناء الفقراءه جعلتانا نتغلب على هذه الإشكالية في 
الممارسة العملية. وظل أعضاء الحركة الذين أسسوا حركة الوحدويين الأحرار» 
والذين التحقوا بالكلية العسكرية وأصبحوا جزءًا من حركة الضباط الأحرار. 
يمسكون ببوصلة الثورة سياسيًا وأيديولوجيًا. وأثبتت التجارب الإنسانية 
أن من الصعب الحفاظ على هذا الطهر وهذه البساطة إلى الأبد. بعد انتصار 
الثورات والحركات الإصلاحية في العالم؛ فالإنسان تنازعه عناصر الخير والشر 
إن النَمْسَ لَأمَارَةٌ بالسّوء» (يوسف: 53).» والأنانية جزء من تكوين الإنسان» 
وقد عملت الحركات الثورية والإصلاحية» وحتى الأديان» على تحجيم هذه 
الأنانية وتهذيبها. وأكبر خطأ وقعت فيه الشيوعية» والماركسية» أنها افترضت 
استئصال الأنانية من النفس البشرية» وقد أثبتت العلوم النفسية أن السلطة 
بمعناها العام» سواء السلطة الثورية أو السياسية» تجعل الحاكم الثوري أو 
السياسى المستمر فيها أكثر من 10 أو 15 سنة» تحت سيطرة الشعور بأنه على 
صواب وغيره على خطأ وأنه مصدر الحقيقة. لهذا يصبح التناوب على السلطة 
فى غاية الأهمية» لأن من لايُسأل ولايُحاسب سوف "يتأله". وقد تغلبت 
النظرية السياسية على هذه الإشكالية في الانتخابات» ولكن في الثورة لا توجد 
اتتخابات؟ ولذا يجب إضافة قانون جديد إلى قوانين الثورة؛ هو ضرورة تجديد 
القيادة بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. 


43 


وهكذا يجب أن تعمل قيادة الثورة على خلق مخزون من الثوريين الحقيقيين» 
واعتماد مبدأ الديمقراطية فى القيادة وفى كل المؤسسات الثورية» وأن تؤسس 
كلية لبناء القادة» وأن تضع الثورة أسس استكمال البناء الثوري في المجتمع» 
ثم التحول إلى الديمقراطية» بعد أن تكون الثورة قد رسخت مجتمع الحقوق 
والواجبات والمساواة» بحيث تحل المؤسسات الديمقراطية محل المؤسسات 
الثورية؛ وبهذا تكون الثورة قد أدت رسالتها. وأنا أرى أن ليبيا مرت بمرحلتين: 
الأولى» تمتد من الفاتح من أيلول/ سبتمبر 1969 إلى منتصف الثمانينيات» وهي 
مرحلة الثورة؛ والأخرى تمتد من منتصف الثمانينيات» إبان الانقلابين المشؤومين 
المشار اليهماء إلى سقوط الطاغية في عام 2011 وهي مرحلة "شيخ القبيلة" 
والطاغية والدكتاتور»ء كما سبق أن أشرنا. 


لقد احتفظت الثورة في المرحلة الأولى بطهرها وبساطتها ونقاوتها إلى 
حد بعيد» وكان العقل الجماعي والرأي الجماعي والحوار والصدق والوضوحء 
المنهّج الذي سارت فيه الثورة مع نفسها ومع جماهيرها. وقد التحمت الجماهير 
بالثورة على نحو يفوق الوصف. وشكّلت الثورة المعركة النهائية لجهاد الليبيين 
والليبيات ضد الطليان. وأريد أن أستحضر مشهد شنق شيخ الشهداء عمر المختار» 
وصورة الطفل وهو يلتقط نظارات الشيخ من الأرض من فيلم "أسد الصحراء - 
عمر المختار" الذي أخرجه المخرج مصطفى العقاد. إن هذا الطفل يمثل حركة 
الوحدويين الأحرار المدنية حينما تأسست عام 1959 ومن بعدها حركة الضباط 
الأحرار. 


والثورة حررت ليبيا من القواعد الأميركية والبريطانية» ومن الجالية 
الإيطالية البغيضة» ومن هيمنة شركات النفط وسطوتها على النظام الملكي 
العميل. ثم بدأت بإحداث التحولات الجذرية والتاريخية الهاتلة في المجتمع» 
والإسلامي والعالمي» ووقفت بقوة مع حركات التحرر والحركات الثورية في 
العالم التى وجدت فى ثورة الفاتح السند والداعم بلا حدود. وشكلت لهم 
القلعة التي يستندونت إليها في نضالهم وكفاحهم. وشكلت قاعدة خلفية في 
التدريب والتسليح والإمداد. وبالفعل» لا توجد حركة تحرر أو حركة ثورية لم 


414 


تصل إليها الثورة. إنها الثورة التي شغلت العالم وانشغل العالم بها وصارت 
قبلة المقاتلين والمناضلين من أجل الحرية. 

أما على مستوى الأمة» فيجب على قوى الثورة والتغيير والأحزاب 
الحقيقية الجذرية - لا أحزاب الديكورات وأحزاب "رجل في القصر ورجل 
في الشارع" - والمفكرين والمثقفين الحقيقيين والشخصيات الوطنية وقيادات 
المجتمع المدني» أن تضع استراتيجيا للتغيير الحقيقي والعميق» تقوم على 
فرضيتن: الأولى» فتح الباب للتغيير الديمقراطي السلمي الذي يجب أن يتم 
في فترة لاتزيد على خمس سنواتء وأن تصل مع السلطة إلى برنامج واضح 
ومحدد. يبدأ بتهيئة المجتمع لهذا التحول السلمي الديمقراطي» وينتهي بتحقيق 
الديمقراطية وإحداث تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية. ويجب أن تبدأ هذه 
القوى بنفسهاء بأن تجمد برامجها وأن يصار إلى برنامج وطني عريض وميثاق 
شرف؛ إذ ليس أمرًا مهما من يحكم. بل المهم هو إحداث التغيير» وذلك أن 
الدرس المستفاد مما سمّي ثورات "الربيع العربي" أن سلطة القمع وحّدتهم 
وفرّقهم الانتتصار والصراع على الغنيمة وعلى "الكعكة". 


إن شرعية أي انتخابات لا تتحقق إلا عندما تكون متاحة أمام الجميع 
وعلى قدم المساواة؛ من دون حظر ولا استثناءات» وأن تكون نزيهة وشفافة» 
وأن تتم تحت إشراف هيئة مستقلة» لا أن تكون ثوبًا مفصلا على مقاس فرد 
أو أفراد أو حزب . ومن حيث المبدأء فإن الحزب الفائزء أو الأحزاب الفائزة» 
في الانتخابات تشكل الحكومة وتقود البلد. لكنني أرى في الخمس عشرة سنة 
أو العشرين سنة الأولى» حين تتعلم الأحزاب والنخب والشعب الممارسة 
العملية للديمقراطية ويتم ترسيخ قيم وثقافة الديمقراطية في هذه الفترة» تشترك 
كل الأحزاب والقوى الممثلة في البرلمان في قيادة البلد» وأن تجمد الأحزاب 
برامجها ويتم الاتفاق على برنامج وطني. وتشكل هذه الأحزاب الممثلة في 
البرلمان مجلسًا سياسيًا وحكومة تقوم على القدرات والكفاءات» بعيدًا عن 
المحاصصة الحزبية. وفي هذه الفترة» يتم التركيز على بناء بنية أساسية عصرية 
لأنها أساس أي تقدم وتطورء كما يجب وضع أسس وبدايات نقلة نوعية في 
التعليم والعلوم والتكنولوجياء ويتم أيضًا وضع أسس وبدايات تطور ونهوض 


45 


اقتصادي واجتماعى وثقافى» بإطلاق طاقات المواطنين وخاصة المبادرين 
والمبدعين والذين يملكون إرادة وطاقات وحيوية البناء والتغيير. ويجب إقامة 
توازن بين النجاح والنهوض الاقتصادي والعدالة الاجتماعية» وبعد أن يقطع 
شوطًا على طريق التطور والنهوض الاقتصاديء نعود إلى مبدأ الديمقراطية من 
جديد. وهو أن الحزب الفائز أو الأحزاب الفائزة تشكّل الحكومة وتقود البلد. 
أما الفرضية الثانية» فإذا لم تتجاوب السلطة» وفشلت الفرضية الأولىء 
تصبح الثورة هي الحلء وتقوم القوىء المشار إليها آنفاء بالتخطيط وقيادة 
الثورات العارمة السلمية للجماهير» ويكون شعارها "لا خوف بعد اليوم". 


الخوف يخاف مناء اقتلوا ماشئتم واجرحوا ماشتتم فإننا لن نتوقف». 
ويجب على الجيوش فى البلدان العربية أن تؤّكد خلال تفجير الثورات السلمية 
العارمة أنها جيوش الشعب وجيوش الأوطان, وأنها أبناء الفقراء» وهى أبناء 
الأمهات الثائرات وأبناء الآباء الثائرين» وإخوة الفتيات الثائرات وإخوة الشباب 
الثائرين. على الجيوش ألا تقوم بقمع الجماهير ولا منعها من القيام بثوراتهاء 
وعلى الجيوش أن تتصرف كما تصرف الجيش السوداني حين امتنع عن قمع 
الجماهير لما توجهت إلى قصر النميري. وبعد انتصار الثورات» يتم تطبيق 
الفرضية الأولى. وأعيد تأكيد أنه ليس من المهم منْ يحكم, لأن السلطة ليست 
أمجادًا أو امتيازات» بل هي مسؤولية وأمانة ثقيلة. ويجب أن تحتل مسألة تحرير 
فلسطين والوحدة مساحة واسعة في البرامج. والبديل من عدم حصول التغيير 
ليس الفقر أكثر فأكثر» وليس التخلف أكثر فأكثر. بل الموت البطيء لهذه الأمة. 


426 


ملحق الصور 


لقاء بين عبد السلام جلود وعبد الناصر في القاهرة» مصرء 1970. 


49 


0 يت‎ ١ 


/ 


أل 3 4ل ) 
جانب من لقاء بين عبد السلام جلود والرئيس المصري محمد أنور السادات؛ 
بمدينة القنطرة بشأن محادثات وقف إطلاق النار» مصرء 1973. 


410 


4 ه 00 


جانب من محادثات بين حافظ الأسد وعبد السلام جلّود. سورية. 


لقاء بين عبد السلام جلود وحافظ الأسد في دمشق» ضمن مساعي جلود لرأب الصدع 
وتقريب وجهات النظر بشأن الحرب الأهلية في لبنان» سورية» 13/ 7/ 1976. 


431 


لقاء بين عبد السلام جلود وهواري بومدين» الجزائر. 


وصول عبد السلام جلود إلى بغداد ولقاؤه صدّام حسين, العراق» 73 11. 


عبد السلام جلود أمام المحكمة العسكرية في لبنان إبان الحرب الأهلية» لبنان» 
5 6/ 1976. 


لقاء بين عبد السلام جلود ومجموعة من قادة الفصائل الفلسطينية في لبنان 
من أجل إحداث تصالح بينهم وبين السوريين» لبنان» 28/ 7/ 1976. 


413 


جانب من زيارة رسمية لرئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفياتي أليكسي كوسيغن لليبياء 
وفي استقباله عبد السلام جلود؛ 12/ 5/ 1975. 


انا عقنت ين ريس وا ليسا يد السل) جلود نظو الفرنسي جاك شيراك. 


414 


و 
ن 


احا 


جانب من استقبال رئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود لرئيس الوزراء الفرنسي 


جاك شيراك ووزير التجارة الخارجية ريمون بار أثناء زيارتهما لطرابلس» ليبياء 
32 76 1. 


4315 


00 10 


جانب من لقاء بين القائد الإسباني فرانشيسكو فرانكو وعبد السلام جلود. 
ناتاه تموزاريوايق1978: 


ا 
أ 


جانب من استقبال نائب الرئيس الليبي عبد السلام جلود في باريس من وزير الدفاع 
الفرنسي ميشيل دوبريه» فرنساء 22/ 7/ 1 197. 


وم خببايس ١‏ 


خلال زيارة عبد السلام جلود للنمساء وجانب من لقائه رئيس الوزراء برونو كرايسكي» 
النمساء مطلع السبعيئيات. 


438 


زيارة عبد السلام جلود لنيكولاي تشاوشيسكوء رئيس رومانياء 12/ 3/ 1972. 


439 


410 


استقبال ر 


يس 


وزراء بولندا إدفارد را 


تشنسكي لعبد السلام جلود؛ بولندا. 


مباحثات عبد السلام جلود مع إدوارد جيريك في بولنداء 748 11. 


صورة تجمع بين رئيس الوزراء الفرنسي بيير ميسمير ونظيره الليبي عبد السلام جلود 
فى فندق ماتينيون بباريس. فرنساء 19/ 2/ 1974. 


441 


1 


5 


0 1 ع ا 


جانب من مباحثات رئيس وزراء ليبيا عبد السلام جلود أثناء زيارته لروما بشأن البترول 
مع وزير الداخلية ماريانو رومور ووزير الخارجية ألدو موروء إيطالياء 22/ 2/ 1974. 


أثناء زيارة عبد السلام جلود لقصر الكويرناله بروماء وجانب من لقائه الرئيس الإيطالي 
جيوفانى ليونى» إيطالياء 23/ 2/ 1974. 


442 


أثناء استقبال عبد السلام جلود في ألمانيا الغربية» وجانب من لقائه المستشار الألماني 
ويلى براندت» 27/ 2/ 1974. 


443 


مع الأمير بيرتل غوستاف أوسكار كارل يوجين بالقصر الملكي في ستوكهولم, السويد» 
1/ 3/ 1974. 


444 


جانب من مؤتمر صحافي بين رئيس وزراء ليبيا عبد السلام جلود ورئيس وزراء السويد 
أولوف بالمه بعد انتهاء المحادثات بينهماء السويد؛ 6/ 3/ 1974. 
ظ ظ 


0 ا‎ | ١ 1 | 


د ا 70 آل ”7 
"ل ا ١‏ 0-7 : 
١ 1 ٠. "١ 4 3‏ - 
ع"( , ب 0 ١‏ 
0 2 1" 1 


07 
6 


لقاء بين رئيس وزراء ليبيا عبد السلام جلود ورئيس وزراء السويد أولوف بالمه 
ووزير الاقتصاد فى حكومته رون جوهانسون. السويد. 7/ 1974/3. 


445 


د 


جانب من لقاء بين عبد السلام جلود والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان» فرنساء 


أثناء زيارة عبد السلام جلود ليوغسلافياء وجانب من لقائه الرئيس جوزيف تيتوه 1977. 


446 


نط1 اللا 10 ١‏ 
1 ا لس 


من لقاء بين عبد السلام جلود والبابا يوحنا بوليس الثاني» الفاتيكان» 27/ 11/ 1988. 


جانب من استقبال نيكولاي بودغورني نائب رئيس المجلس الأعلى لاتحاد الجمهوريات 
الاشتراكية السوفياتية في الكرملين لعبد السلام جلود, الاتحاد السوفياتي» 1/ 3/ 1972. 


رئيس الوزراء الليبي لأسي عبد اسلا جلود في موكب لوضع إكليل من الزهور 
على قبر الجندي المجهول كاه زيارته لموسكوى1974/57/15. 


418 


أثناء زيارة عبد السلام جلود للاتحاد السوفياتي» وجانب من لقائه الأمين العام 
للحزب الشيوعى السوفياتى ليونيد بريجنيف. 16/ 5/ 1974. 


جانب من لقاء بين الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ليونيد بريجنيف 
ورئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود أثناء زيارته للاتحاد السوفياتي قبل بداية 
المحادثات الثنائية. 16/ 5/ 1974. 


449 


جانب من استقبال عبد السلام جلود في الاتحاد السوفياتي من ليونيد بريجنيف. وأعضاء 
الوفد في مراسم وضع إكليل من الزهور على ضريح فلاديمير لينين» 15/ 2/ 1978. 


زيارة رسمية لعبد السلام جلود لموسكو واستقباله في المطار من قبل أليكسي كوسيغن؛ 
الاتحاد السوفياتي» 15/ 2/ 1978. 


430 


جانب من لقاء بين عبد السلام جلود وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية 
للحزب الشيوعي» ورئيس مجلس وزراء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية 
نيكولاي تيخونوف. بقصر الكرملين: الاتحاد السوفياتي؛ 281/66 1. 


جانب من استقبال عبد السلام جلود في الهند. 17/ 7/ 1978. 


| 


1 


432 


استقبال الرئيس التركي بولنت أجاويد لرئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود في أنقرة» 
ك2 3 / 1998/2 


4153 


”5 
ع" 


عبد السلام جلود والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام روح الله الخميني 
أثناء زيارته لإيران» 1979. 


لو الوا 1 - 
عبد السلام جلود يرأس الوفد الليبي للتهنئة بالثورة الإيرانية وإلى جانبه من اليمين 
السيد محمد بهشتيء ومن اليسار السيد علي أكبر هاشمي رفسنجانيء إيران» 1979. 


455 


بون متخائن تيع ا انلام اوه بالمرخنهالأعان للورة اراي 
الإمام روح الله الخميني أثناء زيارته لإيران» 9. 


اجتماع 5 السلا 27 عدد من القيافات الإسلامة في في إحدى جمهوريات 


46 


١ الالرقزاكرةا‎ 5 


ار 


خلال استقبال رئيس وزراء كوريا الشمالية باك سونغ تشول لعبد السلام جلود: 
كوريا الشمالية. 


457 


كيم إيل سونغ وعبد السلام جلود أثناء زيارته لكوريا الشمالية. 


458 


فهرس عام 


ل 
آتية (منطقة): 298 -299, 306 
أبجاد, إبراهيم: 23, 34 60:38 


إبراهيم؛ أحمد: 344301 

إبراهيم, دله: 116 

إبراهيم محسن: 153 

الإبراهيمى, أحمد طالب: 193 199-198 

الإبراهيمى. الأخضر: 212 

الأبرشء جمعة: 250 

أبشة (منطقة): 299-298, 303. 305- 
3306006 

أبو شويرب». سعد الدين: 263 269 

أبو ليفة: 346 

أبو نوارة (ملازم): 52 

الأبيار: 43. 63 

الاتجاه العروبى/ الإسلامى: 203 

الاتجاه المتفرنس: 203 ْ 

الاتحاد الاشتراكي (ليبيا): 62 92. 119» 
2346 


الاتحاد الاشتراكي (مصر): 123 
الاتحاد الأفريقى: 269 


اتحاد الجمهوريات العربية: 124-123. 
135-4 

الاتحاد السوفياتي/ انهيار/ سقوط: 84 
256:2256197371- 
3 267-25. 33983256284 

اتحاد طلبة الجامعات: 360 

اتحاد المغرب العربى: 338٠2110167‏ 

اتفاق 17 أيار (1983» لبنان/ إسرائيل): 
160 

اتفاق إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكومة 
الذاتية الانتقالية الفلسطينية (1993: 
واشنطن)/ اتفاقات أوسلو: 164. 177 

اتفاق/ ميئاق حاسي مسعود (1975): 
13221292126-5 

اتفاقية تحويل ملف أوزو إلى محكمة العدل 
الدولية (1989. ليبيا/ تشاد): 390 

اتفاقية التعاون النووي في المجال السلمي 
(ليبيا/ الهند): 251249 

اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (1993): 
3138 

اتفاقية شط العرب (1975): 0110 279 

اتفاقية طرابلس (1: 1976): 248-247 

248 :)1996:2(- 


459 


اتفاقية المناصفة في حقل البوري (تونس/ 
ليبيا): 207 

أثينا: 238 

إثيوبيا: 161 289-2836190 

أجاويد.» مصطفى بولنت: 269-268 

أجهزة المخابرات الليبية: 94 

الاحتلال الصهيونى لبيروت (2 198): 158 

أحداث الصخيرات/ الانقلاب (19271): 
168 

الأحزاب الاشتراكية الأوروبية: 81 

أحمد. أصيل: 299 

أحمد. قاضى حسين: 329 

إحنيش» خليفة: 8 50 52 57 2297 
11313 

أحواس., أحمد: 2 5 94 

الأحيمر (منطقة): 368 

إخشيم» علي فهمي: 364 396 

الإخوان المسلمون: 329.0140:80 

إدريس السنوسى (ملك ليبيا): 58 100 

أديس أبابا: 2191-1960 2193 288 

إذاعة بى بى سى: 2.350 376 

إذاعة الشرق: 90 

إذاعة القاهرة: 129. 226 

الإذاعة الليبية: 226 

إذاعة صوت العرب: 20, 39 

إذاعة فرانس أنتر: 307 

إذاعة لندن: 350, 390388 

الإرادة الثورية: 97 154 

الإرادة الصهيونية: 118 

الإرادة العربية المهزومة: 118 


أربكان» نجم الدين: 268-267 

الأردن: 2139 142 2206157 

أردوغان» رجب طيب: 269-268 

إرياح (قبيلة): 368 

الإرياني» عبد الكريم: 221140 

الأريش» جمعة: 259 

أزمة لوكربي/ مشكلة لوكربي/ قضية لوكربي 
(1988): 215, 325. 2.327 332غ. 
6335-4 3806338 


أزوار (منطقة): 2311 317-316 

إسبانيا: 2.63 185.» 382633462640187 

إسبيع» مفتاح: 38 

الاستعمار/ الاحتلال الإسباني: 186-185» 
15 

الاستعمار الإنكليزي: 24 78 

الاستعمار الإيطالى: 101278 

الاستعمار البرتغالى: 82 

الاستعمار الفرنسي: 24, 78 80, 313 


الأسدء حافظ: 729, 2.124 2.131 2.138 
2 ك-152.149. 21576155 
2 117212 - 
0 -<-3906232 


الأسد. رفعت: 180-179 

إسرائيل: 118» 23700158 2393 395 

اسطنبول: 269-268 

الأسطول الأميركى: 162 

الإسلامبولى: خالد: 135 

إسماعيل» أحمد: 0120 130:127-126- 
131 


الأشرفية (بيروت): 1532 


400 


إشقيفة. عون: 45 

أشكال. حسن: 3030301 

أشكال. عمر: 8360 393 

إعلان سواني بن يادم (1918): 101 

أفريقيا: 16. 729-278. 83-81. 287-86 
7 270-2698:2333#3. 


418 347 10500022298 3 
423 4211-0 


أفريقيا الناطقة بالفرنسية: 237 

الإكوادور: 84 

إلسلفادور: 84 

ألمانيا/ ألمانيا الغربية: 239 2240-239, 
32663 

أم شعلوبة: 296-295 310.298 

امبيرشء الهادي: 310 

الأمة الإسلامية: 263 

الأمة التركية: 265 

الأمة العربية: 81. 83. 2.118 125. 128» 
02 00 1.5 


١ 5‏ 5258-7 30062806265غ. 
0 065 422403 


الأمة الفارسية: 265 

إمساعد (قرية): 136 
الأمم المتحدة: 28 83-82. 116 2133 
4 -331:6328-3276168 
- الجمعية العامة: 83. 235:6168-167 


- مجلس الأمن: 84. 215, 329-327. 
1 413-412:409863393393 


- الميثاق: 235 
أمير كا الجنوبية: 83. 02263 285 
أميركا اللاتينية: 0830279-28 237-236 


أميركا الوسطى: 237.83 

أمين» عيدي: 1 2-28 28 

انتظام؛ عباس: 273 

انتفاضات/ ثورات الربيع العربي: 425.204 

انتفاضة الزاوية (411:)2011 

نتفاضة الزنتان(412-411:)2011 

انتفاضة الضاحية والجبل (لبنان): 159 

الانتفاضة فى بنغازي (2011): 2412 415 

انتفاضة قفصة (1980): 2060204 

إنجامينا: 299-294. 306-302. 319- 
321 

أندرسون. سفين أولوف مورغان: 241 

أندريوتى. جوليو: 102 

إندونيسيا: 265 

أنطونيوء أوليفر: 382 

إنغلز. فريدريك: 356 

الانقلاب العسكري في تركيا (1980): 268 


اتهيار أسعار النفط (1984-1983): 2313 
568 5 375353 

أوجنقا: 309.295 

أورتيغاء دانييل: 84 

أورويا: 84. 117. 128. 178. 180- 
1 55272036195 22 
0166 0 104000 


2 6 383381379 385غ. 
4222-0 


أوروبا الشرقية: 84. 284 

أوروبا الشمالية: 75 

أوروبا الغربية: 672 239 380:6349 
أوزال» توركت: 268 


461 


أوزو (قرية/ قاعدة عسكرية)/ شريط أوزو: 
6 3105 320. 
3900-9 

أوغادين (إقليم): 285 

أوغندا: 283-281 

أوقى (منطقة): 316 

أولاد سليمان (قبيلة): 354 

إيران: 110-108. 143-142. 161- 
2 171169 175 2217-2216 
230-9. 261. 2266-2655 
327:280-276.2746272-0. 
330-9. 350.348 


إيطاليا: 28 103-99. 128 202181». 
3816351-09 
الأيوبي» محمود: 123 
- 
باب بن غشير: 32» 48. 404:92 


باب العزيزية: 727 44 48 50 53 58 
0 44006 385.347-346- 
6 304 402398 411 414 


باب قرقارش: 30. 2057-56 381.36 

البارونى. سليمان: 101 

باريس: 2161-0 2238 2272-2711 
409.386-385.383-38358 


باكستان: 2 247-245 2265 2327 
309 


بالخير» عبد النبى: 101 

بالمهه أولوف: 242-241:239 
بالوه عبد الرحيم: 66 

البترودولار: 80 229163. 285 


البحر الأبيض المتوسط: 31» 80» 257» 
320006 


البحر الأحمر: 2120 2126 286» 297 
بخاري. محمد: 334 

البدري, عبد الله: 2-370 237 377 
لبديري» مصباح: 149-148 154 
براغ: 197 

براك الشاطى: 18-16 

براندت» ويلى: 240 

برداي: 311 

البرغتى» محمد: 49 

البركة (منطقة): 412 

البرلمان اللأوروبى: 330 

برنامج حرب النجوم: 255 

بري. محمد سياد: 5 28 


بريجنيف» ليونيد: 4 197. 256. 258- 
261 


بريطانيا: 46. 295 217-5171غ22212 
23*09 


لبريقة: 413-4120101 

بزركان» مهدي: 272 

بشارة. عزمى: 414 

البشاري. إبراهيم: 091 232-231 2271- 
4 ه23 

البشير» عمر حسن: 232-2316229 

البصريء. إدريس: 215 

البعباع» عيسى: 105 

بعيو» محمد: 383-382 

279-2278٠230 ٠6220٠6120 بغداد:‎ 

البغدادي, عبد القادر: 1 9. 396 

بكارء إبراهيم: 336-3358209-8 


402 


البكر, أحمد حسن: 2111 155 

بكفيا(منطقة, لبنان): 151 

البكوشء الطيب: 209 

البكوشء الهادي: 210-208 

بكين: 243 -244. 327 

بلجيكا: 330 

بلعيد» عبد السلام: 108 

بن بلّة أحمد: 203:201-200 

بن جديد» الشاذلي: 1 193 2199 
214-2 

بن حليم. مصطفى: 208 

بن سيف النصرء حمد: 27 

بن سيف النصرء محمد: 100:27 

بن عامر» مصطفى: 427-46 

بن عثمان» راسم بن علي: 379. 2387 
415-4 

بن علىء زين العابدين: 207, 211-209 

بن غوريونء دافيد: 158 

بن يحيى» الحبيب: 338 

بن يحيى» محمد: 209 

البنتاغون: 296 384 

بنغازي: 40, 46, 1-48 5», 54, 56, 60- 
1 63 92-91) 96 20119 2355 
413-17 418.:415 

البنغازيء إبراهيم: 48 

البنغازي, عبد الله: 44, 49-48 

بنغلاديش: 265 

بني سليم (قبائل): 15 

بنى وليد (منطقة): 2370 398 

بهشتى» محمد: 275 


بوتفليقة» عبد العزيز: 125. 196-195 


بوتوء بينظير: 2427-246: 329 

بوتوء ذو الفقار على: 5 271247-24 

بودغورني» نيكولاي: 239 256 

بورقيبة» الحبيب: 9 187. 207-203. 
20 


بوش (الأب)» جورج: 2167 335-334 
بوغالية» فرج: 250 

بولس السادس (البابا): 102 

بولندا: 364 

بوليفار» سيمون: 248 

بوليفيا: 84 

بومبيدوء جورج: 0116 238 

بومدين» هواري: 111-109, 2125 2129 


2 147138 193.188-185غ. 
20562006197-5 


بويصير» صالح مسعود: 66 94, 97-96 

بيت المال» سالم محمد: 377 

بير الأربعين: 319 

بثر الغنم: 417414 

بيروت: 2152-148 2156-154 2158 
4 -25361766170-1696165 

بيرون» إيزابيلا مارتينيز دي: 248 

بيرون» خوان: 248 

بيريزء شمعون: 194 

البيضء علي سالم: 288 

البيضاء (مدينة): 240 54, 661-60 63 
3572355-4 


بيكر»ء جيمس: 33462300167 


ال يك ال -ام 
تاتشر» مارغريت: 266 
التاجرء مهدي: 217 


0403 


تاجوراء: 56. 411-4106558 

تاورغاء: 413-412 

تايوان: 244 

التبو (قبيلة): 293, 302.299 

تحرير الكويت (231:)1990 

الترابى؛ حسن: 144-143. 229-228 

ترهونة: 48 41055 

التريكي. علي عبد السلام: 6.109 2240 
32*19 

تشاد: 2157 166. 175 20191-189 
8 3ق2295-29362798231 
2321-32086314-3088306-9 
390008 

نشو إنلاي: 243 

تشيلى: 84. 361 

تفكيك الرادارات المصرية على البحر 


الأحمر: 120 126 

التكبالى. خليفة: 40-39 

تكساس: 41 

التليسى. جلال: 416-414 419 

التليسى» محمود: 415-414 

تنزانيا: 282189 

التنظيم الشعبي: 2 6 

التنظيم الطليعي: 1230119 

التنظيم المدني: 236-35 238 345 

التهامى. محمد: 117-116 

توجويء آدم: 9 307-11 309- 
310 

تولمباي. فرانسوا: 294 

تونس: 80. 94. 2194 0199 2213-203 


5 228 273 338 3806346غ2 
071 416 421 


تيبستى: 2295-293 306. 311-309غ» 
310327 


تيتوه جوزيفا بروز: 88. 2.133 251. 
254-313 


التيره مصطفى عمر: 364. 396 


ب 

ثغرة الدفرسوار: 132 

ثورة 23 يوليو 1952 (مصر): 219 224 
20605 

الثورة الإثيوبية: 284 

الثورة الإسلامية في إيران (19279): 0143 
2296162-1. 227362706266 
6 - 350.281 

الثورة الاشتراكية: 84 284 

ثورة الإنقاذ (السودان): 229 

الثورة البرتغالية: 82 

الثورة الجزائرية (1954): 19. 22-21. 
4 4156 4178 188. 2197-195 
2+3 

ثورة الدول المالكة للخامات: 24. 86. 
22*06 

لثورة الشعبية ضد النميري: 228-226 

لثورة الصينية/ الثورة الماوية: 229 243 

ثورة الطلبة (1968.» فرنسا): 235 

ثورة الفاتح من سيتمبر (1969): متواتر 

الثورة الفرنسية: 236.6117:.029-28 

الثورة الفلسطينية/ فصائل الثورة الفلسطينية: 
29-8. 148-147. 2154-1151 
168:6164861626160-716- 


١1132223 176 4‏ -331غ2 
355 


الثورة الكوبية: 263 285 


404 


ثورة النفط/ الثورة النفطية: 4 86. 2103 
1077-6 4109 257.245 


ثورة نيكاراغوا: 83 
ثورة اليمن ضد الاستعمار الإنكليزي: 24. 
121 


جامعة الدول ب 9 143-141 
8 56 323 

جامعة قاريونس: 91 

جائزة القذافى لحقوق الإنسان: 203 

جبال الألب: 382 

جبريل. أحمد: 152-149, 2159 165- 
221536 


جبريل» محمود: 415-414 4201.418 

الجبل الأخضر: 74 

الجبهة الإسلامية للانقاذ (الجزائر): 201- 
203 

جبهة الإنقاذ: 93 

جبهة البوليساريو: 187-185 197-196. 
25361 

جبهة التحرير الفلسطينية: 154 

جبهة تحرير مورو الإسلامية/ جبهة مورو: 
248-27 

جبهة التحرير الوطني/ جبهة فرولينا (تشاد): 
9 93--312.3046300.295. 
320 


جبهة التحرير الوطني الجزائرية/ حزب: 
84 00 56 2 

لجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: 169» 
174 

لجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: 154 156» 


3552174 9 


الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة 
العامة: 155 319.174 

جبهة الصمود والتصدي: 220-2192137 

جبهة النضال الشعبى: 1736156 

الجحفل الصحراوي: 299-298 

جدار برلين: 84) 257 

الجزائر/ الجزائر العاصمة: 24-23. 80. 
0126-12561226109-8 2129 
8 -167 188-185. 
212-2116205-1936191-0. 
0775 8 ش32 

جزيرة أبو موسى: 216 

جزيرة بريوني: 254 

جزيرة جربة: 2207 418-417 

جزيرة الدوران: 30» 56 

جزيرة طنب الصغرى: 216 

جزيرة طنب الكبرى: 216 

جزيرة كابري: 99 

جزين: 148 

الجغبوب/ واحة الجغبوب: 1370100 

الجفرة: 316-315 

الجماعة الإسلامية: 42126329 

جمعة. شعراوي: 3910122 

جمعية الدعوة الإسلامية: 26 

جمعية عمر المختار: 46 

الجمهوريات الإسلامية (الاتحادالسوفياتي): 
266-51 


لجمهورية الإسلامية (بين ليبيا ونونس): 
3 205 


الجمهورية الديمقراطية الصحراوية: 7 2 


2016191-9 


465 


الجمهورية الطرابلسية: 101 

جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية 
(الشمالية)/ كوريا: 33» 236» 244- 
245 


الجميّل» أمين: 143. 161-160. 180ء 
253-02 


الجميّل» بشير: 152-151 
الجميّلء بيار: 152-151 
جميلء ناجى: 150-149 155 
جنان النوار (منطقة): 42 
جنبلاط» كمال: 279 153 158 
جنبلاط. وليد: 172159 
جنزور: 411-410 

الجنزوري. عبد الله: 21 

جنوب أفريقيا: 81 

جنوب البحر الأبيض المتوسط: 31 
جنوب السودان: 287 

جنيف: 383-3820333 385 


جوبير» ميشيل: 239 
جيسكار ديستان» فاليري: 110-27 
06ظ*2 
جيش التحرير الفلسطينى: 1542149 
حُّ 


حاتم. عبد القادر: 130-99 
حاسى مسعود: 125 
الحامدي؛ عمر: 364 396 
حاوي. جورج: 153 


حبش » جورج: 6 159. 4.166 173» 
355 


الحجازيء. عبد الله: 2 3 
الحجازى. محمد: 92 


حرب الاستنزاف: 135 

الحرب الإلكترونية: 325230 

الحرب الأهلية اللبنانية (1990-1975): 
107 

حرب الخليج (1991-1990): 167 

حرب السويس (1956)/ العدوان الثلاثي 
على مصر: 19 

الحرب العالمية الثانية (1945-1939): 
246 

الحرب العراقية - الإيرانية(80 1988-19): 
220612 

الحرب العربية - الإسرائيلية (19627): 
1-9 1 

الحرب العربية - الإسرائيلية (1973): 
1110.38 

حرب المخيمات (1988-1985. لبنان)/ 
حصار المخيمات: 168.» 175-174» 
313 

حركة الاتجاه الإسلامى (النهضة): 206 

حركة أمل: 4160 4163 170-168 174 

حركة تحرير أنغولا: 82 

حركة تحرير الرأس الأخضر: 82 

حركة تحرير روديسيا: 82 

حركة التحرير ساندنيستا: 84-83 

حركة تحرير مدينتي سبتة ومليلة: 195 

حركة تحرير موزامبيق: 82 

حركة حماس: 176 

حركة الدعوة الإسلامية (ليبيا): 329 

حركة سوابو (ناميبيا): 81 

حركة الضباط الأحرار: 46. 346. 423- 
1414 


466 


42 42 350 )0 


حركة عدم الانحياز: 88 254-253:251 
حركة فتح: 176٠16520159‏ 
حركة فتح - الانتفاضة: 31901710166 


حركة فتح - المجلس الثوري/ جماعة أبو 


نضال: 174-12732166 


حركة القوميين ين العرب: 19 
حركة الوحدويين الأحرار: 9 35-34 
424-48 


الحركة الوطنية اللبنانية: 9 148-147 
156-1556153-0 160-158» 
2 -3136173-17261696163 


حريق القاهرة (1952): 134 

حزب الاتحاد (السودان): 229-2227225 
حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى: 422 
الحزب الاتحادي الديمقراطي (السودان): 


5 ”ظ2 

الحزب الاشتراكي البرتغالي: 82 

الحزب الاشتراكي الفرنسي: 238-237 

الحزب الاشتراكي اليمني: 2.221 2223 
268 

الحزب الاشتراكي (اليونان): 238 

حزب الله (لبنان): 80» 162»160-159- 
103 

حزب الأمة القومي (السودان): 225-224. 
8 ”ه22 

حزب الأنصار (السودان): 225. 227. 
229 

حزب البعث العربى الاشتراكي (سورية/ 
العراق/ لبنان) :400111114 
1262 


الحزب الجمهوري الإسلامي/ حزب 
الجمهورية الإسلامية (إيران): 275- 
226 

حزب الرفاه (تركيا): 266 

حزب السعادة الإسلامي (تركيا): 267- 
268 

حزب السلامة الوطنى (تركيا): 268 

الحزب السوري القومى الاجتماعي: 162 

حزب الشعب (باكستان): 246-245 

الحزب الشيوعى السوفياتى: 261٠259‏ 

الحزب الشيوعى اللبنانى: 162 

حزب العدالة والتنمية (تركيا): 268 

حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي 
(السويد): 241 

حزب الكتائب اللبنانية: 253 

الحساونة (قبيلة): 368 

الحسن الثانى (ملك المغرب): 79. 139- 
171 -1856166416421611- 
196-19419226 199غ 
405-4048320:3006215-1 

حسن الرضا السنوسي (ولي العهد/ ليبيا): 
562 

الحسين بن طلال: 143-141 157 

حسين» صدام: 111-110. 143-142 
5 -2279-278:276:230 
1+131010؛ 


حسين» طه: 33 

الحصريء ساطع: 28 

الحضيريء. إمحمد: 223 234 344-343 

الحضيريء سالم الطاهر: 34.23 

حفترء خليفة: 2.128 2.134 2296-295, 
8 -315-3146312-3116299غ 
321 


40 


حقل البوري: 208-207 
الحكومة الثورية المؤقتة فى سايغون: 256 
حمد بن خليفة آل ثانى: 420 
الحمديء إبراهيم: 222 
الحمراء (منطقة فى بيروت): 152 
حمروشء أحمد: 225 
حمروش. ميلود: 199 
حمزة» عوض: 0132051-50 345 
الحميديء, الخويلدي: 55 
حنيش» نصر: 405 
حواتمة, نايف: 2150 173166 
حويج, بشير: 361-360 
حى قرجى: 346 
حى القرضة: 29 
حى القصبة (الجزائر): 24 
حيدر محمد: 150-149 155 
3 

خاشقجى. عدنان: 335-334 
خالد بن عبد العزيز آل سعود (ملك 

السعودية): 219 
خالد» خيري: 368 
خامنئى, على: 270 281-280: 330 
خان. عبد القدير: 246 
خدام عبد الحليم: 2139 17461716155 
الخرطوم: 210 225 227, 286 298 


الخروبى» مصطفى: 2.42 192» 256» 538 


-39863968391-- 136 
4+0 


خروشوف». تن نيكيتا: 84 
خط بارليف: 133 


خطاب, أحمد: 224 

الخلافة العثمانية: 266 

خلف. صلاح (أبو إياد): 150 
خليج سرت: 255 289: 348 


الخليج العربي/ الفارسي: 220:217-216. 
2258 

خليل» محمد: 34-33 

الخُمس (مديئة): 55 098-97 416413 

الخميني؛ حسين: 273-272 


الخمينى» روح الله: 142» 161 271- 
2 -ق281-2806278 


[خ 
الذار البيضاء: 139» 8 21460195 


الدبري» يوسف: 8 332 335. 355» 
3*2 


درنة: 43 74:60 

الدعوكىء, محمد: 295 

الدغيلى؛ جلال: 240 

دفع الله الجزولي: 227 

دمشق: 2138 149-147. 155-154 


1616158-17 169-1686166غ» 
71--181-1786175 


دنغ شياو بينغ: 244-03 
دوباء على: 171 


دوبريه» ميشيل: 117-116 
دوردة» أبو زيد: 208, 332., 348. 2370 
367 


الدولة العميقة: 202٠200‏ 

دي ميتاء شيرياكو: 102 

ديسايء مورارجى: 252-249 
ديغول» شارل: 117 237-235 


468 


رر 

رأس لانوف: 413-4126354 

راشد بن مكتوم: 217 

راشد» سعيد: 2344 62363 393 

راو» بامولابارثي فيتكاتا ناراسيمها: 328 

رجبء. محمد الزروق: 351210988 

الرحيبىء إمحمد على المبروك: 224 

رفسنجاني, علي أكبر هاشمي: 271-270, 
330.281-0 

رمضان؛ أحمد: 181-180» 224. 2343 
2 6 400-3998386-5. 
403 

روزفلت. فراتكلين: 220 

رولو إريك: 273 

رولينغز» جيري: 270-269 

رياضء محمود: 158 

ريغن. رونالد: 135. 161-160. 175» 
4 05 226 262.255 2266 
2132321 


رَ 

الزادمة, عبد السلام: 3--344. 2353 
4 378-7369 

زامبيا: 282260190 


الزاوية (مدينة): 56-55. 224 411:293. 
413 


زاوية الدهمانى: 42: 48 

زايد بن سلطان آل نهيان: 110 142 216 
زائير: 189 

الزقعار» عبد السلام: 58 

زكي» عباس: 226-225 


زلنتير» جان كلود: 31 


الزلواز: 18-17 
زليتن: 413-412 
الزليطنىء عبد الحفيظ: 1 377٠372-37‏ 
الزنتان: 412-411 418-416 
الزهراء (منطقة): 417.414 
زوارة: 24 
الزويء إبراهيم: 24 
الزوي» محمد أبو القاسم: 23. 28, 34, 
334:3326192-191638-7 
الزيات» محمد عبد السلام: 133٠123‏ 
زيمبابوي: 309 
لدس لد 
ساحل العاج: 189 
السادات» محمد أتور: 29-277, 83 99 
1876163»140-133.6131-1» 


5 -226غ» 228 285. 300.6298غ» 
2 03 392 


سارتر» جان بول: 235 

ساركوزيء نيكولا: 413 

سالازار» أنطونيو: 2 8 

سان أنطونيو (مديتة): 41 

سبها: 23. 27. 229 44. 47. 61050 


5 756166 318 3976368غ» 
4014 


سحبان» عبد السلام: 3 27 302- 
3 1 3023 


سحبان, مبروك: 311 412-4116316 
سد وادي غان: 88-87 

السدادة (منطقة): 370 

السرير (منطقة): 24 


سعد أسامة: 174 


4609 


سعل. محمك: 2 5 


سعد. مصطفى: 1746172 

السعداوي, بشير: 101 

سعود الفيصل: 158 

السعودي. عبد الله: 350» 396 

السعودية: 23 109-107. 141. 158غ» 
114 2216217-66192غ266.6غ» 
838 5 35405 


سعيد» أحمد: 39 

سعيد بن تيمور البوسعيدي (السلطان): 218 

سعيد» محمد: 305-304 

سلامة» حسن (أبو على): 152-151 

السلطة الوطنية الفلسطيئية: 1776164 

السلوم (منطقة): 400 

السندباد (منطقة): 351 

السنغال: 168-167. 189 

السنوسى» حسن: 37 

السنوسيء شمس الدين: 44 

السنوسيء. عبد الله: 231. 353. 362. 
9 -405:402.389 


سهل الجفارة: 74, 375 


سوار الذهبء عبد الرحمن: 227-226 
السودان: 115. 175» 225-224 227- 
295-294.287-609. 

000 3 3 1+1333ظ؛ 


سورية: 2.19 1310125-1240122629» 
1516.149-1472143139-38- 
2 155-154 162160-158» 
6166-5 180-178176-168» 
375.6338-3376313.6231-0 


سوفء أحمد عون: 55 

سوكارنوء أحمد: 251٠88‏ 

السويحليء رمضان: 101 

381:242-241٠239 السويد:‎ 

سويدان. ضو: 168 

سويسرا: 6.201 211. 2.355 385-382 
412 


سيالة» محمد: 6181 396.6351-350 
سيالة» محمد على: 382-381 

السيد الرقيبى» الولى مصطفى: 2185 187 
سيدي المصري (منطقة/ طريق): 48:32 
سيكاتوري» أحمد: 139 


3 


سس 
شارون. أريكيل: 132 
الشافعى. حسين: 123-122 129 
الشحادتى: أحمد: 223 
شرف سامى: 391122 
شرلالة» قاسم: 351 
شروروء فضل: 174 
الشريف, أحمد: 101 
الشريف» حسين: 44 
الشريف» عبد الكبير: 38» 136. 2297 
316:»314:303-2 


الشريفء على: 265 307 

شط العرب: 279110 

الشطىء. الحبيب: 140 

الشعب الفلسطينى: 178-17617182 
الشكشوكيء فوزي: 351:260-259 
الشلحى. عبد العزيز: 48 

شمال أفريقيا: 420.368 


0400 


الشهابى» حكمت: 1716155 
شولتزء جورج: 1600158 
شيتة» سالم: 361 
شيخ الإسلام؛ حسين: 6169 1275 
شيراك؛ جاك: 238-237 
شيلء فالتر: 240 

لض داه 
صالح.؛ رضوان: 304 
صالح. علي عبد الله: 141-140 
صالحء نمر: 165 
صباح الأحمد الجابر الصباح (أمير الكويت): 

158 


صبحى»؛ محمود محمد: 38707647 


صبراتة: 624 0101 4136375 


صحراء الجزائر: 23 
الصحوة الإسلامية: 62276 9 4غ 
20608 


صحيفة التضامن (بولندا): 364 
صحيفة الجماهيرية: 365 
صحيفة الزحف الأخضر: 364.343 
صحيفة الشمس: 386.29 
صحيفة الفجر الجديد: 284 
صحيفة فرّان: 61 

صحيفة لوموند: 2732202 
الصدرء موسى: 224-223 
الصديقء إسماعيل: 40 
صرمان: 250 413 

صلاح الدين الأيوبي: 110 
الصومال: 4210419285 
الصيّاح. محمد: 205 


الصياد (منطقة): 414 417 
الصيد. عبد الرحمن: 24» 38 
صيدا (لبنان): 2159 174٠0172‏ 
الصين: 29, 6137 2237 2244-242, 
2 -3336331632183 
ضهر البيدر (لبنان): 148 
ضوء مسعود: 32 
ضوء منصور: 40206370 
ضياء الحق» محمد: 2139 246 
ال "7 ز متت 
طاغور. رابندرانات: 388 
طالقانى. محمود: 274 2806276 
طباطبائى صادق: 273-272 
طبرق: 49 024 137-136 
طرابلس (لبنان): 165 
طرابلس (ليبيا): متواتر 
طروطرو (منطقة): 298 
طريق الشط (منطقة): 65 
الطلحيء جاد الله عزوز: 31. 259. 315» 
62 2320 
طهران: 143 278-276.6274-270 
ظْ 
الظاهرء سالم: 23 
الظهرة: 38 411-410 
مشج لدم 
العالم الثالث: 85-84) 103 2107 245 
7 -401:37682834 


عيد الجليل» مصطفى: 4115-4 418 


410 


471 


عبد الجواد.» محمد: 181. 351-350. 
3156 

عبد الحفيظ. مسعود: 191. 295., 299., 
353:306-4 

عبد العزيز آل سعود (ملك السعودية): 220 

عبد العزيز». محمد: 191 

عبد الله بن عبد العزيز: 179 

عبد الناصرء جمال: 21-19, 39. 47. 
65-4 88 111.» 116-115.» 
193.6137-134.6126.122-38.» 
2516201-0. 2806258غ2,2846 
231013137 

عبد الوهاب» محمد: 346 

العبيدي» حامد على: 55 

العبيدي؛ عبد العاطي: 5 207. 2250 
3326253-2 

عتيق» امبارك: 412091 

العتعث (منطقة): 3673 

عثمان, أحمد: 194 239 

عثمان, عبد الله: 360 

عثمان» محمد: 37 

عدن: 222.6122.24. 289-288 

العراق: 23. 110. 120» 125. 138» 
2 00677 2.224 
0 _و-و-273غ 2305.295 


3378327-50غ375.3506غ» 
420 


العربي» المهدي: 43 297 

عرفات» ياسر: 83 140-137. 147- 
38 0 و1599 
174-17286170-16986167-3. 
323*ظ2 


العريبى» حسن: 387 

العزابى» أنور: 381 

عزوز محمد: 11659 

العطاء هاشم: 225 

عطية (الشيخ): 387 

العقاد. عباس محمود: 33 

العقاد. مصطفى: 2277 424 

لعلاقات بين ليبيا وباكستان: 246 

لعلاقات بين ليبيا والصين: 244 

العلاقات العربية - السوفياتية: 257 

العلاقات الليبية - الإيطالية: 102 

عمار؛ الحبيب: 210-208 

عمرء مفتاح الأسطى: 0141 315 

العملة» موسى محمود (أبو خالد العملة): 
165 

عملية ثعلب الصحراء (1998): 337 

العملية العسكرية التركية في قبرص (1974): 
264 

عملية ميونخ (1972): 242-241 

عميشء على: 66 

عنتره على: 222 

عويدي؛ كوكوني: 190-189 294-293 

العيساوي؛ على: 415-414 

العيساوي؛ محمد: 316:296-295 

عين الزرقاء (منطقة): 351. 2.379 391. 


411 
اسع سدم 
غاتا: 220-269 


غانديء أنديرا: 251249 328.253 


402 


الغاوي, ناصر: 410 

الغدامسىء عز الدين: 59-58 

غروميكوء أندريه: 261-260:197 

الغزالى» محمد: 224 

غزو/ مهاجمة/ احتلال/ الكويت (1990): 
230 


غيث؛ عبد السلام: 370 
الس 7 تت 
الفاشية: 102 
فالدهايم» كورت: 133 
فاونساء ليخ: 364 
فايا: 166») 296-295.,) 2299-298, 
302-71 317-3166311-306 


فراتكوء فرانشيسكو: 186-185 

الفرجاني. صالح: 308 

الفرجانى.» محمد: 405 

فرجينيا: 41 

فرخان. لويس: 85 

فرنسا: 64 5.101 118-115. 126- 
538 6 35--239غ. 


2 -30263006295-2936273غ. 
6 3836-1 


فريد» عبد المجيد: 391 

فرّانَ (منطقة/ إقليم/ ولاية): 6 220.18 
3331-2 405.397 

فشلوم (منطقة): 410 

فضلء الهادي: 223 34 

فضيلء على: 344 

الفقيه أحمد إبراهيم: 396 

فلسطين/ القضية الفلسطينية: 33 79 81» 
3 110» 120 143138-136- 


21688-16200158 153 148 4 
225462290198 2178 0176-5 
233562806276 6274 226 7-5 
426 423 419 3 6 9 


فلورنسا: 381 

الفليبين: 248-2472 

فنروياد: 109-108 4116348 
فتلندا: 381 


فهد بن عبد العزيز آل سعود (ملك السعودية): 
010 22005 


فو نغوين جياب: 256 
فولتير» فرانسوا ماري أرويه: 29 386 


فيتنام/ حرب فيتنام: 33 241 4103 236غ 
256 


فيتنام الجنوبية: 256 
فيتنام الشمالية: 256 
الفيلالى» عبد اللطيف: 215.213 


قََ 

قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد 
(السلطان): 218 

قاعدة معيتيقة: 8 99-9 206 

قانصوه. عاصم: 149 172.154 


القاهرة: 38. 56. 90. 100. 115. 118» 
0 -121. 125-124 129غ. 
1686163.134-2غ2276غ2306- 
171 © 5 2653ظ2 


القبائل العربية الهلالية: 368 
قبرص: 6133681-80 266.264 
القدس المحتلة: 386. 393:6391-389 


04003 


القذاذفة (قبيلة): 346, 394, 399-398. 
405 


قذاف الدم, أحمد: 52622031 33 
4046391:3726369-3 


القذافي» سيف الإسلام: 4122378 
القذافي» معمر: متواتر 

القذافى؛ هنيبعل: 385-384 
القذافى؛ ونيس: 54 

القرعان (منطقة): 3259 
قرقوم» عاشور: 290 237 

قرنق» جون: 224» 226 288-286 
قرو (بلدة): 307-306 

القرويء, مختار: 400389 

قرين» محمذ: 301 

قصر بعبدا (لبنان): 160 

قصر بن غشير: 404 

قضية كشمير: 2249 328-327 
قطب زاده. صادق: 273 2276 


القعود. عبد المجيد: 89-8 2426208غ. 
20> ه23 


قفصة: 204 
قم: 2774-3 


قناة السويس: 25 .» 128.» 132 134غ» 
2037 


القنقاء أبو القاسم: 393 
قنوص» صبحى: 2364 396 
القومية العربية: 20, 1636120 
قيرة (قرية): 405 

سالك سم 
كابو. علي: 30 


كاستروء فيدل: 84 253. 264-263». 
2835-3 


كاونداء كينيث: 2820191-190 

الكتاب اللأخضر: 119 366-365:356 

كتيبة عمر المختار: 44 49 

كراكسىء بينيديتو: 102 

كرايسكى؛ برونو: 255-254 

الكرملين: 2197 258: 261-260 284 

الكفرة (منطقة): 24 225. 228. 315». 
318 

كمال» مصطفى (أتاتورك): 265 

كندا: 22 3276 

كوساء موسى: 344:332-3316231:87 


كوسيغنء أليكسى: 256, 263:6260-259 
الكويت: 727 126غ» 158غ. 2216 218» 


230-29 

الكيان الصهيوني: 83, 2124 134. 177» 
23251 

الكيخياء منصور: 66» 90-89., 95-94, 
123 

كيسنجر» هنري: 110-107. 0128 131» 
158 

يم إيل سونغ: 284 245-244 

كينيا: 190 


ته هك 

اللجان الثورية/ حركة: 263 67» 192» 
2 -274. 313. 2.325 23490343 
403:63616357-2 


لندن: 383:381:379:225218-217 
اللوبي الصهيوني: 335 
لينين» فلاديمير إيليتش أوليانوف: 356 


414 


مارك كازل: 956 

الماركسية: 2263 423 

ماركوسء إميلدا: 248 

ماركوسء فردينائد: 247 

المازق» محمد مصطفى: 261:23 242 
مازن» أمين: 362 364 396 

مالطا: 81-80 375 

مانديلا» نيلسون: 81 

ماو تسي تونغ: 284 243 

مبارك» محمد حسنى: 2.130 2.135 230- 


23956336-5 255 2622 1 
400 


المبروك؛ صالح إبراهيم: 360 

المبروك. عز الدين: 105.» 109-108, 
0 1 2 

المثناني» سالم: 21 

مجبر» سعد: 274-271 


المجذوب» محمد: 301غ. 318غ. 344 
3611-0 


مجلة باري ماتش: 118 

المجلس التشريعى: 29 

مجلس التعاون العربى: 220 

المجلس العسكري لمديئة طرابلس: 419 

مجلس قيادة الثورة: 65-63 22-271» 
71 9.5029 
226-59 345 348-347 
9 11+83 

المجلس الوطني الانتقالي/ المجلس 


الانتقالى: 2410 420:417-413 


المجلس الوطني الفلسطيني: 164» 166 


المجلس الوطنى للثورة الجزائرية: 21 
مجموعة العشرين: 269 

المحاربية (قبيلة): 5 16-1 

محسن. زهير: 149 

محكمة الشعب العربى: 135 

محكمة العدل الدولية: 208 390-389 


محمد رضا بهلوي (الشاه): 110.» 2.142 
216 


محمد السادس (ملك المغرب): 239 

محمد. عبد العاطى: 320.318 

محمد, على ناصر: 223-222 288 

محمد مهاتير: 263 

المحمود, أحمد (المقدم): 299-298 

محمود. أحمد (العقيد): 2303-302:297 
316 

محمود. سليمان: 91 

محور جزين - صيدا (لبنان): 148 


المحيشىء. الطاهر: 42 
المحيشى» عمر: 4 38 42 55. 65 
09 5346-3345 399-398 


422:405-4 
المختار» عمر: 4246101053 

مدنى» عباسى: 202 

مذبحة سجن بوسليم (1996): 402-401 


مراد» عبد الرحيم: 3041 
مراغة» سعيد (أبو موسى): 148, 165 


مرزق (مدينة): 223 27 

مروان» أشرف: 0123 130-126 

المريمى» يوسف: 380-379 

مساعدية محمد الشريف: 199-198. 
202 


475 


المسلاتي» رجب: 181-180. 350- 
3671 

مسواريء نوري: 247 

المسيرة الخضراء: 186 

مسيك. المبروك: 24 

المشاريء إبراهيم: 212 

مشروع التكتل العربي: 138 

مشروع روجرز: 121-119 

المشلشة (قبيلة): 15 

مصراتة: 37. 2.55 61058 93. 101:98» 


2382375 346-345 255 1 
4206413-11 09 


مصطفى. الدوكالى على: 20 

مصلح. صالح: 222 ْ 

المصمودي» محمد: 207-205 

مطار بن غوريون: 138 

مطار بنينا/ قاعدة بنينا الجوية: 412.119 

مطار طرابلس: 111 225. 390:338 

مطاردة الليبيين في الخارج: 344-343 

المطماطى». محمد: 60 

المعارضة اللييية: 3212802189 

معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي 
(1950)(جامعة الدول العربية): 142 

معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية 
(1979)/ كامب ديفيد: 2.139 158» 
219 


معاهدة القواعد: 96-95 

معاهدة وجدة (1984) (المؤسسة للاتحاد 
العربى الأفريقى): 195-194. 198- 
1159١‏ 

معركة فادا/ فادا (فى وادي الناموس): 295 - 
3148312-06 


معسكر 7 أبريل: 303 

معسكر العزيزية/ معسكر باب العزيزية: 37. 
2353338 

معسكر الفرناج: 50 

معسكر قاريونس: 251 56 

معسكر قرقارش: 57 

معسكر الهضية (فى طرايلس): 44. 49 

معسكرات الاعتقال الجماعى: 101:78 

معسكرات الإنكليز: 46 ١‏ 

معسكرات التدريب: 28679 

معسكرات تدريب حركات التحرر في 
أفريقيا: 29. 331-330 

معسكرات تدريب حركات التحرر في أميركا 
اللاتينية: 29 

معسكرات الثورة الفلسطينية: 79. 330- 
311 

مغدوشة (صيدا - لبنان): 174-122 

المغرب: 168.»1656160.6122.83:680» 
199-195.192-19160189-5. 


2239 .215-2146212--15 
404 39115233861 5 


المغرب العربي: 188. 194-193. 198- 
9 2 0003 22212-21162205 


1 2-04 

المغربى» محمود: 459-58 666 217 

المغيربي» محمد بشير: 47-46 

مفاوضات الإجلاء (1969) (مع الأميركيين 
والبريطانيين): 97-94 

المفاوضات مع شركات النفط: 62.» 85- 
6 106-104 

المقارحة (قبيلة): 215 2222 399 

مقاطعة النفط الجزائري: 195 


406 


مقاطعة النفط الليبى: 350٠195‏ 

مقاومة الاحتلال الإسباني للصحراء الغربية: 
155 

مقاومة الاحتلال الصهيونى: 159 

مقاومة الاستعمار الفرنسى: 313 

المقاومة الإسلامية: 162 

المقريف. إمحمد: 2-51 25 65-64 97- 
99 

المقريف. محمد يوسف: 252-249 

المقصبى, أحمد: 2318 325 

المقهورء كامل: 105. 4123 260-259. 
3531181811 

المقهور. محمد كامل حسن: 116 

مكاريوس الثالث (المطران): 81 

المكى أبو زيد (الرائد): 59 

منتجع سدري: 288 


المنتصر» عمر: 0105659-58 2259.240 
3386334-3 


المنتصرء محمود: 100-99 

منتظريء آية الله حسين: 275 

منتظري. عباس محمد: 2 2806276-27 

منتوف» دوم: 81-80 

المنصورة: 411 

المنصوري. شعيب: 364 396 

المنطقة الشرقية (ليبيا): 51243 

المنطقة الشرقية (منطقة شرق بيروت): 151 

منطقة المربعات (طريق مطار طرابلس): 
3320 

منطقة المطار (طريق مطار بيروت): 148 

منظمة التحرير الفلسطينية: 139-138. 
1772-64 


منظمة الدول المصدرة للنفط (أويك): 107» 
110-9 
المنظمة العربية لحقوق الإنسان: 90 
منظمة العفو الدولية: 380 
منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون 
الإسلامى): 142-1410139 168 
منظمة الوحدة الأفريقية: 190-189 284 
المنقوش» محمد: 89-87 
المهدي. الصادق: 2175 225., 229-228 
مؤامرة المحيشى (1975): 398 
مؤامرة ورفلة: 416 
مؤتمر باريس (1993): 338 
مؤتمر الشعب العام/ أمانة مؤتمر الشعب 
العام: 143. 316-315. 370.» 377» 
4+9 
مؤتمر الشعب العربى: 22020135 
مؤتمر القمة الإسلامية (4: 1984: الدار 
البيضاء): 139 
-(1991:6:دكار): 168-167 
-(1994:7:الدار البيضاء): 168 
مؤتمر القمة العربية (4: 1967: الخرطوم): 
121 
-(1969:5:الرباط): 122 
-(1978:9: بغداد): 220-219 
- (غير عادية: 1987: عمان): 1420139 
-(طاركة: 1990: القاهرة): 230 
المؤتمر القومي الإسلامي (1989: 
طرابلس): 143 
المؤتمر الوطنى الأفريقى: 81 
المؤتمرات الشعبية: 1 358-356 
0 325 


4017 


مؤتمرات الوحدة الأفريقية: 284 
موروء ألدو: 102 

موسكو: 0117 284.6260-258 
موسوفينى» يوري: 2 283-28 
موغابى؛ رويرت: 82 

ميتران» فرانسوا: 238-237 

ميثاق الوحدة (ليبيا والجزائر): 125 
ميدان الشهداء: 414411٠21‏ 
ميناء بيرل هاربر: 2 16 


نَ 

نادي الرمال: 362 

الناصرية (الظاهرة): 119 

النجف: 2271 

نجمء محمل: 293646 

نجمء نوري: 46 

النظام الاشتراكي الثوري في هانوي: 256 

النظام البورقيبي: 2052013 

نظام التوجيه (للصواريخ): 126 

نظرية اتحرير أفريقيا»: 269 

نفط الجزائر: 108. 195 

نفط فنزويلا: 108 

النفط الليبي/ نفط ليبيا: 90 195. 208». 
0 6 23 


نفط نيجيريا: 108 
نكروماء كوامى: 8 270-69-6 


النميري» جعفر: 6115 0187 2.229-224 
5 287-53560. 300.6298غ 


2 0005 2 3 426 
النهر الصناعي العظيم: 88-86 


نهرو. جواهر لال: 251 


نويرة» الهادي: 207-205 
نيجيريا: 320:6110-108 
نيريري» جوليوس: 282.:253:8191-189 
نيكسون. ريتشارد: 239 
النيهوم؛ الصادق: 355 
نيويورك: 84.41 
3 
هامر أرماند: 104-103 


هبري» حسين: 6. 189. [191. 228غ. 
00105 3--303-302300غ» 


311-5غ3896321-3146 

الهتكى. محمود: 47 

هتلرء أدولف: 258: 402 

هدية» محمد: 49 

الهضبة الخضراء: 410 

هميلة» محمد: 211-210 

الهند: 88-87. 247-246. 4249 251- 
12 3316329-33 


الهندي. الشريف: 285.225 

هواريء بشير: 129 

الهوني عبد المنعم: 56-55, 258 96:94 

هيكل» محمد حسنين: 119-118 

هيلا مريام» منغيستو: 161)» 191-190» 
288-2836227-6 

هيئة المياه: 86. 89 


و 

وادي الدوم: 6.» 309. 312-311» 
3177-4 

واشنطن: 41. 29 161-160:6117:.83» 
5 0076175 255 263» 
73 33 332633- 
3 352-85 


408 


والي» سالم: 34-33 

وثيقة الشرعية الثورية: 358 

وجدة: 193-192 

وحدات الأبيار: 43 

وحدات درنة: 43 

وحدات المنطقة الشرقية: 43 51249 

الوحدة الأوروبية: 2360117 

الوحدة بين مصر وسورية (22 شباط/ فبراير 
18 

وحدة الصف (شعار): 0121 163 

الوحدة العربية: 20, 3270٠117‏ 

وحدة الهدف (شعار): 2121 1776163 

الوحدة الوطنية الفلسطينية: 177 

ورفلة (قبيلة): 18» 347., 399-398 

الورفلي» مفتاح: 411 

وزارة الخزانة: 88 

وزارة الداخلية: 57 104٠65-64‏ 

وزارة النفط: 86-85 

الوزان» شفيق: 253 

الوزيرء خليل (أبو جهاد): 156 


الوطن العربي: 5 71 80-79. 121» 
4 188 192 216.»211:6209» 


233*668 

الوعي التحرري: 22 

الوعى القومى: 19 

و كالة الأنباء و المعلومات الفلسطينية (وفا): 
171 

وكالة فرانس برس: 320 

وكالة المخابرات المركزية الأميركية: 2336 
42 


الولايات المتحدة الأميركية/ أميركا: 32» 
71 2 5» 85-83806726576 
0 105.» 108-107. 6.111 117» 
5 144-141 162غ. 165- 
727 2192190-57 
227-226:62216215:6206-5» 
)٠230-9‏ 237-236 245- 
6 22746»263-2616258-54 
8--3216:306-30563026279غ» 
2336-3346332-3296327-5 
238 + --3706352غ»376غ» 
3830-9 384. 421-4206416 


ولاية طرابلس: 3320 
ولايتي» علي أكبر: 281 
يي 


اليايان: 237 

يحياوي. محمد الصالح: 196 
اليمانى» أحمد حسين (أبو ماهر): 174 
اليمن: 223-671 


الشعبية): 138 2285 288 
اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية): 
2221-0 


اليهود: 7 2.115 4.119 133غ. 370غ» 
17 4026304-03 419 


يوحنا بولس الثانى (البايا): 102 
يوغسلافيا: 254-253 
اليوتان: 58 


يونسء أبو بكر جابر: 2:39 255 65) 158» 
2 2© 6 © 3396316 


391-0. 400-396 414.404 
يونسء عبد الفتاح: 333 414-4120391 


409 


المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات 
165لنا؟5 بءأامه بق طءردعوع8 :ه) رعامع» 6ديم